بناء المقالة الفاطميّة في نقض الرّسالة العثمانيّة

السيد جمال الدين أحمد بن موسى بن طاووس

بناء المقالة الفاطميّة في نقض الرّسالة العثمانيّة

المؤلف:

السيد جمال الدين أحمد بن موسى بن طاووس


المحقق: السيد علي العدناني الغريفي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٥

برهان وإذا كانت المباحث مبنية على تناول القلم وسطر ما يميل إليه طبع الساطر كان ذلك فتحا لباب يغلب فيه المحق الصادق وتظهر عنده حجة المماذق (١) المنافق.

قال مبغض أمير المؤمنين عليه‌السلام الفاقد للحمية والعزمات الأبية عبد الدنيا مملوك هواه فليس لعلي موقف من المواقف إلا ولأبي بكر أفضل منه إما في ذلك الموقف وإما في غيره ولأبي بكر مواقف لا يشركه فيها علي ولا غيره (٢).

والذي أقول على هذا إن الناصب عدل عن (٣) المباحث النقلية والاعتبارية إلى مدافعة الأمور الضرورية رادا على رسول الله سيد البرية.

أما وجه الأول والأخير فظاهر وأما بيان ما أشرت إليه من مدافعة المعلوم فإن الفضائل الظاهرة [ في ] (٤) الذهن التام والحكمة الباهرة والعلوم الزاهرة والشجاعة القاهرة والاجتهادات الفاخرة والأنساب الطاهرة.

[ و ] (٥) أما العقل والقوة الحافظة فإنها كانت تاج مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه يشهد بذلك مشهور خطابته ومبرور بلاغته لا يجحد ذلك إلا معاند مجاحد أو جاهل عن سنن المعرفة حائد والحكمة مضمون ما أشرت إليه.

فأما (٦) القوة الحافظة فإن ابن عباس رضي‌الله‌عنه كان يسمع

__________________

(١) ماذق : يقال ماذق فلانا في الود ، لم يخلص له الود ( المنجد ).

(٢) العثمانية : ٤١.

(٣) ن : من.

(٤) اضفناها ليستقيم الكلام.

(٥) لا توجد في : ن.

(٦) ن : واما.

١٠١

الشيء سماعا فيحفظه حتى أنه كان يسد أذنه عند (١) سماع مقول النوائح لئلا يحفظه بالغريزة وكان يقول ما رأيت أذكى من علي بن أبي طالب لما مدحت قوته الحافظة (٢).

وأما العلوم الزاهرة فكذا عيانا ورواية عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من طريق الخصم (٣).

__________________

(١) ن : عن.

(٢) وروى العلامة القندوزي في ينابيع المودة : ١٤٨ ( ط اسلامبول ) قال :

وان ابن عباس كان تلميذه قيل له : أين علمك من علم ابن عمك علي؟ فقال : كنسبة قطرة من المطر الى البحر المحيط.

وفي ص ٧٠ :

عن الكلبي قال ابن عباس : علم النبي صلى الله عليه وسلم من علم الله وعلم علي من علم النبي صلى الله عليه وسلم وعلمي من علم علي وما علمي وعلم الصحابة في علم علي الاّ كقطرة في سبعة أبحر.

وذكر هذا أيضا النبهاني في الشرف المؤبد : ٥٨.

(٣) نذكر بضع روايات واردة عنه ـ عليه‌السلام ـ في العلوم المختلفة ، كشاهد على المدعى وليست للحصر : « علوم الهيئة والفلك ».

محمد بن طلحة الشافعي في مطالب السؤول : ٢٦.

قال علي رضي‌الله‌عنه : سلوني عن طرق السماوات فاني أعرف بها من طرق الأرض.

والنبهاني في الشرف المؤبد : ١١٢ قال :

وأخرج الحافظ ، محب الدين ابن النجار في تاريخ بغداد ، عن ابن المعتمر مسلم ابن اوس ، وحارثة بن قدامة السعدي ، انهما حضرا علي بن أبي طالب ـ رضي‌الله‌عنه ـ يخطب وهو يقول :

سلوني قبل أن تفقدوني فاني لا اسأل عن شيء دون العرش الاّ اخبرت عنه.

ومحمد زنجي الاسفزاري البخاري في روضات الجنات : ١٥٨ قال : قال عليه‌السلام : سلوني ما شئتم دون العرش.

القندوزي في ينابيع المودة : ٦٦ قال : ومن خطبته عليه‌السلام سلوني قبل أن تفقدوني ، فأنا بطرق السماء أعلم مني بطرق الأرض قبل ان تشغر برجلها فتنة تطأ في حطامها وتذهب بأحلام قومها.

١٠٢

__________________

« علم التفسير »

أبو نعيم في حلية الأولياء : ١ / ٦٥ :

بسنده عن عبد الله بن مسعود ، قال : ان القرآن نزل على سبعة احرف ما منها حرف الاّ وله ظهر وبطن ، وانّ علي بن ابي طالب عنده علم الظاهر والباطن.

القندوزي في ينابيع المودة : ٤٠٨.

قال : وقال أيضا ، أخذ بيدي الامام علي ليلة فخرج بي الى البقيع وقال : اقرأ يا ابن عباس فقرأت : بسم الله الرحمن الرحيم ، فتكلم في أسرار الباء الى بزوغ الفجر.

النبهاني في الشرف المؤبد : ٥٨.

عن ابن عباس ، قال : قال ليّ علي : يا ابن عباس ، اذا صليت العشاء الآخرة فالحق الجبانة.

قال : فصليت ولحقته وكانت ليلة مقمرة ، قال : فقال لي : ما تفسير الألف من الحمد؟ قلت : لا اعلم. فتكلم في تفسيرها ساعة تامة. ثم قال ما تفسير الحاء من الحمد؟ قال ، قلت : لا اعلم ، فتكلم فيها ساعة تامة. ثم قال : ما تفسير الميم من الحمد؟ قال قلت : لا اعلم ، قال : فتكلم في تفسيرها ساعة تامة. قال : فما تفسير الدال من الحمد؟ قال قلت : لا ادري.

فتكلم فيها الى ان بزغ عمود الفجر. قال : وقال لي : قم يا ابن عباس الى منزلك فتأهب لفرضك. فقمت وقد وعيت ما قال ، ثم تفكرت فاذا علمي بالقرآن في علم علي كالقرارة في المثعنجر.

قال : القرارة : الغدير الصغير والمثعنجر : البحر.

ابن أبي الحديد في شرح النهج : ١ / ٦ قال :

ومن العلوم علم تفسير القرآن ، وعنه أخذ ومنه فرّع ، واذا رجعت الى كتب التفسير علمت صحّة ذلك ، لأن اكثره عنه وعن عبد الله بن عباس ، وقد علم الناس حال ابن عباس في ملازمته له وانقطاعه اليه ، وانه تلميذه وخريجه وقيل له أين علمك من علم ابن عمك؟ فقال : كنسبة قطرة من المطر الى البحر المحيط.

« علم قراءة القرآن »

ابن أبي الحديد في شرح النهج : ١ / ٢٧ ( ط دار احياء الكتب العربيّة ) قال :

واذا رجعت الى كتب القراءات ، وجدت أئمة القرّاء كلهم يرجعون اليه ، كأبي عمرو بن العلاء ، وعاصم بن أبي النجود ، وغيرهما لانهم يرجعون الى أبي عبد الرحمن السلمي القارئ ، وأبو عبد الرحمن كان ـ تلميذه وعنه أخذ القرآن ، فقد صار هذا الفن من الفنون الّتي تنتهي اليه ايضا.

مطالب السؤول : ٢٨ ، قال في عداد العلوم الّتي تنتهي اليه عليه‌السلام :

وثانيها : علم القراءات ، وامام الكوفيّين المشهور بالقراءة منهم عاصم بن أبي النجود ، ( الى أن

١٠٣

__________________

قال ) : فعاصم تلميذ لتلميذ عليّ عليه‌السلام.

ابن عبد البر في الاستيعاب : ٢ / ٣٣٤.

بسنده عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : ما رأيت أحدا اقرأ من عليّ.

والجزري في غاية النّهاية : ١ / ٥٤٦ بسنده عنه أيضا قال :

ما رأيت ابن انثى اقرأ لكتاب الله من علي عليه‌السلام.

وقال أيضا : ما رأيت أقرأ من علي ، عرض القرآن على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو من الذين حفظوه بلا شك عندنا.

« العلوم الالهيّة »

ابن أبي الحديد في شرح النهج : ١ / ٦ قال :

وقد عرفت ان أشرف العلوم هو العلم الالهي ، لأن شرف العلم بشرف المعلوم ، ومعلومه أشرف الموجودات ، فكان هو أشرف العلوم ، ومن كلامه عليه‌السلام اقتبس ، وعنه نقل ، واليه انتهى ، ومنه ابتدأ ، فان المعتزلة الذين هم أهل التوحيد والعدل وأرباب النظر ، ومنهم تعلم الناس هذا الفن تلامذته وأصحابه ، لأن كبيرهم واصل بن عطاء تلميذ أبي هاشم عبد الله ابن محمد بن الحنفيّة ، وأبو هاشم تلميذ أبيه وأبوه تلميذه عليه‌السلام.

وأمّا الأشعريّة فانهم ينتهون الى أبي الحسن عليّ بن أبي الحسن عليّ بن أبي بشر الأشعري وهو تلميذ أبي عليّ الجبائي ، وأبو عليّ أحد مشايخ المعتزلة ، فالأشعريّة ينتهون بالآخرة الى استاذ المعتزلة ومعلّمهم وهو عليّ بن أبي طالب ـ عليه‌السلام ـ.

وأمّا الاماميّة والزيديّة فانتماءهم اليه ظاهر.

« علم النّحو »

نصر الله بن محمد بن الأثير في المثل السائر : ٥ قال :

وأول من تكلم في النحو أبو الأسود الدؤلي ، وسبب ذلك انه دخل على ابنة له بالبصرة ، فقالت له : أبت ما أشد الحر! متعجّبة ورفعت أشد ، فظنّها مستفهمة ، فقال : شهرنا حر ، فقالت : يا أبت انّما اخبرتك ولم اسألك ، فأتى عليّ بن أبي طالب ـ رضي‌الله‌عنه ـ فقال : يا أمير المؤمنين ذهبت لغة العرب ، ويوشك أن تطاول عليها زمان أن تضمحل ، فقال له : وما ذاك؟ فأخبره خبر ابنته ، فقال : هلّم صحيفة ثم املى عليه ، الكلام لا يخرج عن اسم ، وفعل ، وحرف جاء لمعنى ، ثم رسم له رسوما فنقلها النحويّون في كتبهم.

الشيباني القفطي في أنباه الرواة على أنباء النحاة : ١ / ٤ قال :

الجمهور من أهل الرواية على أن أول من وضع النحو أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه.

١٠٤

__________________

ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب ١ / ٧٦ قال :

ابو الأسود الدوئلي الّذي أسّس النحو باشارة عليّ اليه.

القلقشندي في صبح الأعشى : ١ / ٤٢٠ قال :

أول من وضع النحو أبو الأسود الدوئلي ، بأمر أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه وهو أول من نقّط المصاحف النقط الأول على الاعراب.

الأنباري في نزهة الألباء : ٣ قال :

روى أبو الأسود قال : دخلت على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، فوجدت في يده رقعة ، فقلت : ما هذه يا أمير المؤمنين؟ فقال : انّي تأمّلت كلام العرب ، فوجدته قد فسد بمخالطة هذه الحمراء يعني الأعاجم ، فأردت أن أصنع شيئا يرجعون اليه ، ويعتمدون عليه ، ثم ألقى إليّ الرقعة وفيها مكتوب : الكلام كله اسم وفعل وحرف ، فالاسم ما انبأ عن المسمّى ، والفعل ما أنبأ به ، والحرف ما أفاد معنى. وقال لي : انح هذا النحو ، وأضف اليه ما وقع اليك. واعلم يا أبا الأسود ، ان الأسماء ثلاثة : ظاهر ومضمر ، واسم لا ظاهر ولا مضمر ، وانما يتفاضل الناس يا أبا الأسود فيما ليس بظاهر ولا مضمر.

وأراد بذلك الاسم المبهم ، قال : ثم وضحت بأبي العطف والنعت ، ثم بأبي التعجّب والاستفهام ، الى أن وصلت الى باب « انّ واخواتها » ما خلا « لكن » فلمّا عرضتها على عليّ ـ عليه‌السلام ـ أمرني بضم ( لكنّ ) اليها ، وكنت كلما وضعت بابا من أبواب النحو ، عرضته عليه ـ رضي‌الله‌عنه ـ الى أن حصلت ما فيه الكفاية. قال : ما احسن هذا النحو الذي قد نحوت فلذلك سمي نحوا.

« علم الجفر والاعداد »

القندوزي في ينابيع المودّة : ٤١٤.

قال : عليّ عليه‌السلام ـ أول من وضع مرّبع في مائة في الإسلام ، وقد صنّف الجفر الجامع في اسرار الحروف ، وفيه ما جرى للأوّلين وما يجري للآخرين ، وفيه اسم الله الأعظم. وتاج آدم ، وخاتم سليمان ، وحجاب آصف.

الامر تسري في أرجح المطالب : ١٦٢ قال :

علم الجفر والحساب كان لعليّ ـ عليه‌السلام ـ وبالجملة ما من علم الاّ ولعليّ عليه‌السلام له بناء وهو مصدر العلوم كلها.

« علم الفقه »

ابن أبي الحديد في شرح النهج : ١ / ١٨ قال :

ومن العلوم علم الفقه ، وهو ـ عليه‌السلام ـ أصله وأساسه ، وكل فقيه في الاسلام فهو عيال

١٠٥

__________________

عليه ، ومستفيد من فقهه.

اما اصحاب أبي حنيفة كأبي يوسف ، ومحمد ، وغيرهما ، فاخذوا عن أبي حنيفة.

وامّا الشافعي ، فقرأ على محمد بن الحسن ، فيرجع فقهه ايضا الى أبي حنيفة.

واما احمد بن حنبل فقرأ على الشافعيّ ، فيرجع فقهه ايضا الى أبي حنيفة ، وأبو حنيفة قرأ على جعفر بن محمد ـ عليه‌السلام ـ وقرأ جعفر على ابيه ـ عليه‌السلام ـ وينتهي الأمر الى علي ـ عليه‌السلام.

واما مالك بن انس ، فقرأ على ربيعة الرأي وقرأ ربيعة على عكرمة ، وقرأ عكرمة ، على عبد الله ابن عباس ، وقرأ عبد الله بن عباس على عليّ بن أبي طالب. وان شئت فرددت اليه فقه الشافعي بقراءته على مالك ، كان لك ذلك فهؤلاء الفقهاء الأربعة.

وأما فقه الشيعة فرجوعه اليه ظاهر.

وأيضا فان فقهاء الصحابة كانوا : عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن عباس وكلاهما اخذ عن علي عليه‌السلام. أما ابن عباس فظاهر ، وأما عمر ، فقد عرف كل احد رجوعه اليه في كثير من المسائل التي أشكلت عليه ، وعلى غيره من الصحابة ، وقوله غير مرة : لو لا علي لهلك عمر ، وقوله : لا بقيت لمعضلة ليس لها ابو الحسن. وقوله : لا يفتين احد في المسجد وعلي حاضر.

فقد عرف بهذا الوجه ايضا انتهاء الفقه اليه.

الصنعاني في طبقات المعتزلة : ٣٣ قال :

وعن ابي الدرداء ، انه قال : العلماء ثلاثة ، رجل بالشام يعني نفسه ، ورجل بالكوفة يعني ابن مسعود ، ورجل بالمدينة يعني عليا ـ عليه‌السلام ـ ثم قال : والذي بالشام يسأل الذي بالكوفة ، والذي بالكوفة يسأل الذي بالمدينة ، والذي بالمدينة لا يسأل أحدا.

ابن عبد البر في الاستيعاب : ٢ / ٤٦٣ قال :

وكان معاوية يكتب فيما ينزل به ليسأل له علي بن ابي طالب ـ رضي‌الله‌عنه ـ ذلك فلما بلغه قتله ، قال : ذهب الفقه والعلم بموت ابن ابي طالب ، فقال له اخوه عتبة : لا يسمع هذا منك أهل الشام ، فقال له : دعني عنك.

وذكره ايضا الأمر تسري في ارجح المطالب : ٦٥٨ نقلا عن ابن عبد البر.

« علم الفصاحة والبلاغة »

ابن ابي الحديد في شرح النهج : ١ / ٢٤.

وأما الفصاحة ، فهو عليه‌السلام امام الفصحاء ، وسيد البلغاء. وفي كلامه قيل : دون كلام الخالق ، وفوق كلام المخلوقين. ومنه تعلم الناس الخطابة ، والكتابة ، قال عبد الحميد بن يحيى : حفظت سبعين خطبة من خطب الأصلع ، ففاضت ثم فاضت. وقال ابن نباتة :

١٠٦

وأما الشجاعة فهو شيء تعرفه النصارى كما يعرفه المسلمون والبعداء كما يعرفه الأقربون (١).

__________________

حفظت من الخطابة كنزا لا يزيده الانفاق الا سعة وكثرة ، حفظت مائة فصل من مواعظ علي ابن أبي طالب.

ولما قال محقن بن ابي محقن لمعاوية : جئتك من عند أعيا الناس ، قال له : ويحك ، كيف يكون أعيا الناس! فو الله ما سن الفصاحة لقريش غيره.

ومطالب السؤول : ٢٨ قال في تعداد العلوم التي تنتهي اليه ـ عليه‌السلام ـ.

رابعها : علم البلاغة والفصاحة ، وكان فيها اماما لا يشق غباره ، ومقدما لا تلحق آثاره.

« علم الطريقة والتصوف »

ابن ابي الحديد في شرح النهج : ١ / ١٩ قال :

ومن العلوم ، علم الطريقة والحقيقة ، وأحوال التصوف ، وقد عرفت أن أرباب هذا الفن في جميع بلاد الاسلام اليه ينتهون ، وعنده يقفون ، وقد صرح بذلك الشبلي ، والجنيد ، وسرّي ، وأبو يزيد البسطامي ، وأبو محفوظ معروف الكرخي ، وغيرهم ، ويكفيك دلالة على ذلك ، الخرقة التي هي شعارهم الى اليوم ، وكونهم يسندونها باسناد متصل اليه ـ عليه‌السلام ـ

مطالب السؤول : ٢٨. قال :

وخامسها : علم تصفية الباطن ، وتزكية النفس ، فقد اجمع أهل التصوف من أرباب الطريقة ، وأئمة الحقيقة ، ان انتساب خرقتهم ومرجعهم في آداب طريقتهم ومردهم في أسباب حقيقتهم الى علي ـ عليه‌السلام ـ.

(١) قال ابن ابي الحديد في شرح النهج : ١ / ٢٠.

وأما الشجاعة ، فانه أنسى الناس فيها ذكر من كان قبله ، ومحى اسم من يأتي بعده ، ومقاماته في الحرب مشهورة ، يضرب بها الأمثال الى يوم القيامة ، وهو الشجاع الذي ما فرّ قط ، ولا ارتاع من كتيبة ولا بارز احدا الاّ قتله ، ولا ضرب ضربة قط فاجتاحت الاولى الى ثانية ، وفي الحديث : كانت ضرباته وترا ، ولما دعا معاوية الى المبارزة ليستريح الناس من الحرب بقتل احدهما ، قال له عمرو : لقد انصفك فقال معاوية : ما غششتني منذ نصحتني الا اليوم ، أتأمرني بمبارزة ابي الحسن وأنت تعلم انه الشجاع المطرق! ، أراك طمعت في امارة الشام بعدي. وكانت العرب تفتخر بوقوفها في الحرب في مقابلته فأما قتلاه فافتخار رهطهم بانه ـ عليه‌السلام ـ قتلهم أظهر واكثر ، قالت اخت عمرو بن عبدود ترثيه :

لو كان قاتل عمرو غير قاتله

بكيته ابدا ما دمت في الابد

لكن قاتله من لا نظير له

وكان يدعى ابوه بيضة البلد

١٠٧

وأما الاجتهادات فقد تضمنت السيرة حاله صلى الله عليه في ذلك حتى أنه (١) يكاد يموت من خشية الله بحيث يحرك فلا يتحرك ويزوى فلا ينزوي (٢).

__________________

(١) ن بزيادة : كان.

(٢) ذكر الصدوق رحمه‌الله في أماليه : ٧٢ قال :

حدثنا عبد الله بن النضر بن سمعان التميمي الخرقاني رحمه‌الله ، قال حدثنا جعفر بن محمد المكي ، قال : اخبرنا أبو محمد عبد الله بن اسحاق المدايني عن محمد بن زياد ، عن مغيرة عن سفيان ، عن هشام بن عروة ، عن ابيه عروة بن الزبير ، قال : كنا جلوسا في مجلس في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتذاكرنا اعمال أهل بدر ، وبيعة الرضوان ، فقال ابو الدرداء : يا قوم الا أخبركم بأقل القوم مالا ، وأكثرهم ورعا ، وأشدهم اجتهادا في العبادة؟ قالوا : من؟ قال : علي بن ابي طالب ، قال : فو الله ان كان في جماعة أهل المجلس الا معرض عنه بوجهه ، ثم انتدب له رجل من الانصار ، فقال له : يا عويمر لقد تكلمت بكلمة ما وافقك عليها احد منذ اتيت بها ، فقال ابو الدرداء : يا قوم ، اني قائل ما رأيت ، وليقل كل قوم منكم ما رأوا ، شهدت علي بن ابي طالب بشويحطات النجار ، وقد اعتزل عن مواليه ، واختفى ممن يليه ، واستتر بمغيلات النخل فافتقدته وبعد عليّ مكانه ، فقلت لحق بمنزله ، فاذا انا بصوت حزين ، ونغمة شجي ، وهو يقول : الهي كم من موبقة حملت عني فقابلتها بنعمتك ، وكم من جريرة تكرمت عن كشفها بكرمك ، الهي ان طال في عصيانك عمري ، وعظم في الصحف ذنبي فما أنا مؤمل غير غفرانك. ولا أنا براج غير رضوانك ، فشغلني الصوت ، واقتفيت الاثر ، فاذا هو علي بن ابي طالب بعينه ، فاستترت له ، فأخملت الحركة ، فركع ركعات في جوف الليل الغابر ، ثم فزع الى الدعاء والبكاء والبث والشكوى ، فكان مما به الله ناجى أن قال : الهي ، افكر في عفوك فتهون عليّ خطيئتي ، ثم اذكر العظيم من أخذك فتعظم عليّ بليتي ، ثم قال : آه ، ان أنا قرأت في الصحف سيئة انا ناسيها ، وأنت محصيها ، فتقول ، خذوه ، فيا له من مأخوذ لا تنجيه عشيرته ، ولا تنفعه قبيلته ، يرحمه الملا اذا اذن فيه بالنداء ، ثم قال : آه ، من نار تنضج الأكباد والكلى ، آه من نار نزاعة للشوى ، آه من غمرة من ملهبات لظى.

قال ثم : انغمر في البكاء ، فلم اسمع له حسا ولا حركة ، فقلت غلب عليه النوم لطول السهر ، اوقظه لصلاة الفجر ، قال أبو الدرداء : فأتيته فاذا هو كالخشبة الملقاة ، فحركته فلم يتحرك ، وزويته فلم ينزو ، فقلت : ( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) ، مات والله علي بن ابي طالب ، قال : فأتيت منزله مبادرا أنعاه اليهم ، فقالت فاطمة : يا أبا الدرداء ما كان من شأنه ومن قصته

١٠٨

روى ذلك أبو الدرداء (١) وليس من عدادنا.

وأما الأنساب فله الصفوة منها (٢).

وأما الفضائل الباطنة فيدل عليها قرائن أحواله صلى الله عليه وميمون سيرته وأنه كان لا يغضي على شيء يقتضي مخالفة رسم الله إلا أن يكون مقهورا عند إغضائه ومساهلته وقد تضمنت الآثار النبوية من ذلك فنونا معروفة ينقلها المخالف لنا (٣) وبينها وبين الذي ذهب إليه أبو

__________________

فأخبرتها الخبر ، فقالت : هي والله يا أبا الدرداء الغشية التي تأخذه من خشية الله ، ثم اتوه بماء فنضحوه على وجهه فأفاق ، ونظر اليّ وأنا ابكي فقال : مما بكاءك يا أبا الدرداء؟ فقلت : مما أراه تنزله بنفسك ، فقال : يا أبا الدرداء ولو رأيتني ودعي بي الى الحساب ، وايقن أهل الجرائم بالعذاب ، واحتوشتني ملائكة غلاظ ، وزبانية فظاظ ، فوقفت بين يدي الملك الجبار ، قد اسلمني الأحباء ، ورحمني أهل الدنيا ، لكنت أشد رحمة ليّ بين يدي من لا تخفى عليه خافية ، فقال ابو الدرداء فو الله ما رأيت ذلك لأحد من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(١) هو عويمر بن عامر ، وقيل هو عويمر بن قيس بن زيد وقيل غير ذلك ، شهد احدا وما بعدها من المشاهد ، وقيل لم يشهد احدا لأنه تأخر اسلامه ، وشهد الخندق وما بعدها من المشاهد ، ولى القضاء بدمشق من قبل عمر ، وقيل بل ولاه عثمان والأمير معاوية ، مات سنة ٣٢ وقيل ٣١.

انظر : الاستيعاب : ٣ / ١٢٢٧.

سير اعلام النبلاء : ٢ / ٣٣٥. تهذيب التهذيب : ٨ / ١٧٥.

(٢) ويكفينا في ذلك قول ابن ابي الحديد في شرح النهج : ١ / ٢٩ فانه قال :

وما أقول في رجل أبوه أبو طالب سيد البطحاء ، وشيخ قريش ، ورئيس مكة ، قالوا : قل ان يسوّد فقير وساد أبو طالب ، وهو فقير لا مال له ، وكانت قريش تسمية الشيخ. ( الى أن قال ) وله مع شرف هذه الابوة ، ان ابن عمه محمد سيد الأولين والآخرين ، وأخاه جعفر ذو الجناحين الذي قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اشبهت خلقي وخلقي ، فمرّ يحجل فرحا ، وزوجته سيدة نساء العالمين ، وابنيه سيدا شباب أهل الجنة ، فآباءه آباء رسول الله ، وامهاته امهات رسول الله ، وهو مسوط بلحمه ودمه ، لم يفارقه منذ خلق الله آدم ، الى ان مات عبد المطلب بين الأخوين عبد الله وأبي طالب ، وامهما واحدة ، فكان منهما سيدا الناس هذا الأول وهذا التالي ، وهذا المنذر وهذا الهادي.

(٣) المتقي الهندي في منتخب كنز العمال ( المطبوع بهامش المسند ٥ / ٤٤٩ ط مصر ) :

١٠٩

عثمان اختلاف بين جدا.

فإما ضلال (١) أبي عثمان وتكذيبه أو صواب (٢) الرد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والثاني باطل فتعين الأول.

وادعى الراد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن محنة أمير

__________________

عن عبد الواحد الدمشقي ، قال : نادى حوشب الحميري عليا يوم صفين ، فقال : انصرف عنا يا ابن أبي طالب ، فإنّا ننشدك الله في دمائنا ، فقال علي : هيهات يا ابن ام ظليم ، والله لو علمت أن المداهنة تسعني في دين الله لفعلت ، ولكان أهون عليّ في المؤنة ، ولكن الله لم يرض من أهل القرآن بالادهان والسكوت والله يقضي.

ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة : ٤٦ ( ط الغري ) : قال :

وعن ابن عباس ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : اتيت عليا رضي‌الله‌عنه بعد مبايعة الناس له ، فوجدت المغيرة بن شعبة مستخليا به ، فقلت له بعد ان خرج عنه : ما كان يقول لك هذا؟ فقال : قال لي قبل يومه : ان لك حق الطاعة والنصيحة ، وأنت بقية الناس ، وان الرأي اليوم يحرز ما في غد ، وان الضياع اليوم يضيع به ما في غد ، وأشير عليك بشور وهو أن تقرر معاوية وابن عامر ، وعمال عثمان على عملهم ، حتى تأتيك بيعتهم وتسكن الناس ، ثم اعزل من شئت منه ، وابقي من شئت فابيت عليه ذلك ، وقلت : لا اداهن في ديني ، ولا اعطي الدنية في أمري ، قال : فان كنت أبيت عليّ ، فانزع من شئت واترك معاوية ، فان لمعاوية جرأة ، وهو في أهل الشام يطيعونه ويسمعون منه ، وذلك حجة في ابقاءه ، فان عمر بن الخطاب ولاّه الشام في خلافته ، فقلت : لا والله لا استعمل معاوية يومين فانصرف من عندي.

ابن ابي الحديد في شرح النهج : ٢ / ٨٦ ( ط مصر ) قال :

وأما النجاشي فانه شرب الخمر في شهر رمضان ، فأقام علي عليه‌السلام الحد عليه ، وزاده عشرين جلدة ، فقال النجاشي : ما هذه العلاوة؟ قال : لجرأتك على الله في شهر رمضان ـ فهرب النجاشي الى معاوية ، وأما رقبة ابن مصقلة ، فانه ابتاع سبي بني ناجية ، واعتقهم والط بالمال. وهرب الى معاوية ، فقال عليه‌السلام : فعل فعل السادة ، وابق أباق العبيد ، وليس تعطيل الحدود ، واباحة حكم الدين واضاعة مال المسلمين ، من التألف والسياسة ، لمن يريد وجه الله تعالى ، والتزم بالدين ولا يظن بعلي ـ عليه‌السلام ـ التساهل والتسامح في صغير من ذلك ولا كبير.

(١) ن : لضلال.

(٢) ن : لصواب.

١١٠

المؤمنين يوم بدر إلى آخر الغزوات كانت دون محنة المسلمين قبل الهجرة (١).

وقد بينا أن أمير المؤمنين عليه‌السلام كان الممتحن قبل الهجرة وجماعة بني هاشم ثم الممتحن يبذل روحه يقي بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى فضله الله تعالى بذلك على جبرئيل وميكائيل حسب ما رواه الخصم وأشار إليه (٢).

أضربنا عن هذا فأين لقاء الأبطال وممارسة القتال والتعرض لشبا الرماح الخطية والسيوف المشرفية والمتاعب المتباينة القضية

__________________

(١) العثمانية : ٤١.

(٢) منها ما رواه ابن الاثير في اسد الغابة : ٤ / ٢٥.

بسنده عن الثعلبي قال : رأيت في بعض الكتب ان رسول الله ـ صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم ـ لما أراد الهجرة ، خلّف علي بن ابي طالب عليه‌السلام بمكة لقضاء ديونه ، ورد الودائع التي كانت عنده ، وامره ـ ليلة خرج الى الغار وقد أحاط المشركون بالدار ـ أن ينام على فراشه ، وقال له : أتشح ببردي الحضرمي الأخضر فانه لا يخلص اليك منهم مكروه ان شاء الله تعالى ، ففعل ذلك فأوحى الله الى جبريل وميكائيل عليهما‌السلام : اني آخيت بينكما وجعلت عمر احدكما اطول من عمر الآخر ، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختارا كلاهما الحياة ، فأوحى الله عز وجل اليهما : أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب ، آخيت بينه وبين نبيي محمد ، فبات على فراشه يفيده بنفسه ، ويؤثره بالحياة؟ اهبطا الى الأرض فاحفظاه من عدوه. فنزلا فكان جبريل عند رأس علي ـ عليه‌السلام ـ وميكائيل عند رجليه ، وجبريل ينادي : بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب؟ يباهي الله عز وجل بك الملائكة ، فأنزل الله عز وجل على رسوله ـ وهو متوجه الى المدينة في شأن علي عليه‌السلام ـ ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ).

وروى حديث المبيت على الفراش ايضا الشبلنجي في نور الأبصار ص ٧٧ ، وكذلك المناوي في كنوز الحقائق ص ٣١ ، وقال : ان الله يباهي بعلي عليه‌السلام كل يوم الملائكة. ورواه ايضا الحاكم في المستدرك : ٣ / ٤ ، واحمد بن حنبل في مسنده : ١ / ٣٤٨ ، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد : ١٣ / ١٩١. والهيثمي في مجمعه : ٧ / ٢٧ ، والسيوطي في الدر المنثور في ذيل تفسير قوله تعالى : ( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ) من سورة الأنفال ، وابن سعد في طبقاته : ٨ / ٣٥ و ١٦٢.

١١١

[ وبين ] (١) ضرب رجل كما زعم ناصره بسوط أو خشبة لا يخاف منها اختلاس مهجة ولا ينتاط بها اقتباض (٢) روح.

وكان منصور الناصب غير خائض بحار تلك الأعماق ولا مباشر شفرات الرقاق من أتم مناقبه كونه مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على العريش وأمير المؤمنين عليه‌السلام المخالط لتلك الأهوال مخالطة المهج للأشباح والحياة للأرواح والحبيب للحبيب والقريب للقريب.

يستعذب الموت مسرورا بمشهده

إذا يعض به المقدامة الذكر.

واعترض الناصب على نفسه بما ذكرته من حال المبيت على الفراش وأجاب بالذي لقي منصوره قبل الهجرة وقد أجبنا عنه عن قرب (٣).

وأجاب بما أنه فرق بين حال الحدث وذي الحنكة في طاعتيهما إذ الحدث الغرير في عز صاحبه عزه والكهل الحكيم لا يرجع تسويده لمن سوده إلى رهطه (٤). والجواب عن هذا بما أجبناه عنه عند قوله إن منصوره لا يخاف العار وعلي يخاف العار (٥) ونقول هاهنا إنه راد على إله الوجود عمله أو على رسوله حكايته عنه إذ الرواية من طريق المخالف أن إله الوجود أثنى بالمبيت على أمير المؤمنين عليه‌السلام وذلك دليل على كمال فضيلته ومن صنع شيئا للدنيا الفانية أو على غير قاعدة تامة لا يشكره إله الوجود على فعلته ويفضله على أخص ملائكته.

__________________

(١) ن : بدل ما في المعقوفتين : من.

(٢) ن : اقتناص.

(٣) ن : قريب.

(٤) العثمانية : ٤٣.

(٥) مرّ ص : (٣٥).

١١٢

أضربنا عن هذا فإن الذي ينبغي أن يبني عليه المسلم جميل الظن في الأعيان دون التهمات الهادمة الأديان وشأن أمير المؤمنين عليه‌السلام في تفصيله وجملته بعيد عما قال (١) الناصب في مباحثه.

ثم إن ذكر الغرارة غلط من أبي عثمان إذ كان الغرير وغيره لا بد أن يعرف أن (٢) عز مسوده القريب منه عزه. وأما أنه إذا كان منصوره حكيما عرف أن تسويد رسول الله عليه‌السلام غير راجع إلى رهطه فإنه قول باطل إذ كيف تقلبت الحال فإن أبا بكر قرشي فيشرك (٣) رسول الله في عزه.

فإن قال الأول أرجح قلت قد أجبت أولا عن هذه التفرقة بما أنه ما (٤) يدريه أنه لو كان علي غير قريب من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم ينهض بما نهض به أبو بكر.

وبيان أن العلة ليست ما ذكر وفور الثناء الجم من الله تعالى على علي بالمبيت مفضلا له على جبرئيل وميكائيل (٥).

وفرق بين الغار والمبيت بما أن الأول يقيني والثاني ظني (٦).

والجواب بما أنه يقيني أن أمير المؤمنين عليه‌السلام بات على الفراش وأما ما يدعى كونه معلوما من حال الغار فإن القرآن ما صرح به بل هو رواية كما أن المبيت رواية وما يبقى إلا أن يقول إن الغار متواتر

__________________

(١) ن : قاله.

(٢) فقط في : ن.

(٣) ن : فيشترك.

(٤) ن : لا.

(٥) ن بزيادة : صلوات الله عليهم اجمعين.

(٦) العثمانية : ٤٤.

١١٣

والمبيت غير متواتر ولا يتعرض للقرآن في هذا الموضع إذ القرآن لا ينهض به.

والذي يقال عليه إن الإمامية تدعي التواتر في المبيت كما ادعى غيرهم التواتر في الصحبة في الغار ومع تسليم قوله هذا فإن الإمامية تقول إنه لا فضيلة فيه بل يذكرون ما لا أرى ذكره ويقولون بيان عدم الفضيلة إن شخصا خائفا لجأ إلى غار وليس في ذلك فضيلة دالة على البسالة ولا دليل على العلم ولا دليل على الفصاحة ولا دليل على الزهد ولا دليل على السماح ولا دليل على صراحة نسب.

وأما الحاصل من الآية (١) فهو كون المشار إليه خاف وإن السكينة نزلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأما ما تضمنته الآية من كونه رضوان الله عليه صاحبا فإن هذا غير دال على غير مجرد الصحبة ومجرد الصحبة (٢) لا يقارنها مدح أو (٣) ذم ولخصوم أبي عثمان مقالات فنون في هذا المقام ولا أرى خوضا تاما في هذا المقام.

وقال الناصب لو ثبت المبيت كما ثبت الغار لم يكن في ذلك كثير (٤) طاعة فضلا عن (٥) أن يساوي أبا بكر أو يبرز عليه لأن الذين نقلوا

__________________

(١) يعني ( إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) التوبة : ٤٠.

(٢) ما بين المعقوفتين لا يوجد في : ن.

(٣) ق : و.

(٤) ن : كبير.

(٥) الاضافة منا.

١١٤

ذلك نقلوا أنه قال له ليس يصل إليك شيء تكرهه (١).

والجواب عن ذلك بما أنا لا نسلم أن الذين رووا المبيت رووا ما قال هذه دعوى لا نعرف برهانها ولا نوافق عليها ورأينا راويها متهما جدا عيانا عدوا محضا فلا يلتفت إلى دعواه.

سلمنا أن الأمر كما قال لكن الذي أراد به تنقص أمير المؤمنين صلوات الله عليه به ينهض شرفه بليغا على من أشار إليه إذ (٢) كان مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام مصدق من وعده بالسلامة من الأذى غير متهم له ولا متردد فعل العارف المحقق والمسلم المصدق بخلاف ما جرى في قصة بطن خاخ (٣)

__________________

(١) العثمانية : ٤٤.

(٢) ن بزيادة : لو.

(٣) البخاري بسنده عن عبيد الله بن ابي رافع ، يقول :

سمعت عليا ـ رضي‌الله‌عنه ـ يقول : بعثني رسول الله ـ صلى الله عليه [ وآله ] وسلّم ـ انا والزبير والمقداد فقال : انطلقوا حتى تأتوا روضة « خاخ » فان بها ظعينة معها كتاب فخذوا منها ، قال : فانطلقنا تعادى بنا خيلنا ، حتى أتينا الروضة ، فاذا نحن بالظعينة ، قلنا لها : اخرجي الكتاب ، قالت : ما معي كتاب ، فقلنا : لتخرجنّ الكتاب أو لنلقينّ الثياب ، قال : فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله ـ صلى الله عليه [ وآله ] وسلّم ـ فاذا فيه : من حاطب بن أبي بلتعة ، الى ناس بمكة من المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول الله ـ صلى الله عليه [ وآله ] وسلّم فقال رسول الله ـ صلى الله عليه [ وآله ] وسلّم ـ : يا حاطب ما هذا؟ قال : يا رسول الله لا تعجل عليّ ، اني كنت امرءا ملصقا في قريش ـ يقول كنت حليفا ـ ولم اكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم فأحببت اذ فاتني ذلك من النسب فيهم ان أتخذ عندهم يدا يحمون قرابتي ، ولم أفعله ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الاسلام ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه [ وآله ] وسلّم ـ : انه قد صدقكم ، فقال عمر : يا رسول الله ، دعني أضرب عنق هذا المنافق ، فقال : انه قد شهد بدرا ، وما يدريك لعل الله اطلع على من شهد بدرا قال اعملوا ما شئتم ... الخبر.

صحيح البخاري : ٥ / ٨٩.

١١٥

والحديبية (١).

ثم بيان أن قول أبي عثمان باطل أن أمير المؤمنين عليه‌السلام لقي من المشركين أذى تضمنته السيرة فإن قبلنا قول أبي عثمان المتهم كذبنا قول غيره ممن لا يتهم وذلك مرجوح وقد أسلفنا أن الغار ليس دليل الشجاعة فقد انتقض (٢) ما بنى الجاحظ عليه كلامه.

ثم إن قوما من أهل السنة يزعمون أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نص على أبي بكر بالخلافة كما تدعي الإمامية أنه نص على علي عليه‌السلام وإذا كان الأمر كذا فكيف لم يقدم على لقاء الأبطال ومكافحة الرجال فإن كانت معارفه كمعارف غيره فأين الإقدام وإن كانت دون ذلك فأين المقام والمقام.

وأقول إن ابن المغازلي (٣) روى نحو ما ادعاه الناصب لكن في

__________________

وانظر تاريخ ابن الاثير : ٢ / ٢٤٢ نقلها ملخصا وكذلك الطبري في تاريخه : ٢ / ٣٢٧.

(١) ذكر الطبري في تاريخه بعد ذكر صلح الحديبية :

ثم جرى بينهما الصلح ، فلما التأم الأمر ولم يبق الاّ الكتاب ، وثب عمر بن الخطاب فأتى أبا بكر ، فقال : يا أبا بكر أليس برسول الله؟ قال : بلى. قال : أو لسنا بالمسلمين؟ قال : بلى ، قال : أوليسوا بالمشركين؟ قال : بلى. فقال : فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ قال أبو بكر : يا عمر الزم غرزه ، فاني اشهد انه رسول الله ، قال عمر : وأنا اشهد انه رسول الله. قال : ثم أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال يا رسول الله ألست برسول الله؟ قال : بلى.

قال : أولسنا بالمسلمين؟ قال : بلى. قال : اوليسوا بالمشركين؟ قال : بلى. قال : فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ فقال : انا عبد الله ورسوله ، لن اخالف امره ولن يضيعني ، قال : فكان عمر يقول : ما زلت اصوم واتصدق ، واصلي واعتق ، من الذي صنعت يومئذ مخافة كلامي الذي تكلمت به حتى رجوت ان يكون خيرا.

انظر : تاريخ الطبري : ٢ / ٢٨٠ وسيرة ابن هشام : ٣ / ٣٣١.

(٢) ن : وهذا ينقض.

(٣) لم اعثر عليه في النسخة المطبوعة.

١١٦

الرواية لا يخلص إليك منهم مكروه إن شاء الله عز وجل.

إذا عرفت هذا فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يجزم بحياطته من المشركين وسلامته بل بناه على مشية الله عز وجل. ويقوي هذه

الرواية عن ابن عباس عن (١) مسند ابن حنبل وهو أعرف من ابن المغازلي وأثبت قولا أن المشركين رموا عليا بالحجارة وهو يتضور قد لف رأسه في الثوب لا يخرجه حتى أهيج ثم كشف رأسه (٢).

وعلى كل حال فإن أبا عثمان ادعى أن الذين نقلوا أول الحديث نقلوا آخره وليس الأمر كذا إذ ليس في رواية ابن حنبل ما في رواية ابن المغازلي فظهر (٣) بهته.

والجواب التام بما أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر عن الله جل وعلا بتفخيم حال أمير المؤمنين عليه‌السلام عند مبيته على الفراش فأبو عثمان إذن مصغر ما عظم الله تعالى محقر ما كبره فيرد عليه وعيد المشاققة (٤).

قال مهين المقاصد عين المجاحد ما حاصله إن الجلاد ليس دليل الرئاسة إذ لو كان الأمر كذا لكان لغير النبي من الفضل ما ليس له إذ النبي عليه‌السلام لم يقتل إلا واحدا (٥).

__________________

(١) ن : من.

(٢) مناقب احمد بن حنبل : ١ / ٣٣٠.

وايضا المتّقي الهندي في كنز العمال : ٨ / ٣٣٣ باختصار والمحب الطبري في الرياض النضرة : ٢ / ٢٠٣ ، والهيثمي في مجمعه : ٩ / ١١٩ والحاكم في المستدرك باختصار : ٣ / ٤.

(٣) ج وق : وظهر.

(٤) يعني الآية : ( ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ ، وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ ) الحشر : ٤.

(٥) العثمانية : ٤٥.

١١٧

قال وقد نجد الرجل قد يقتل الأقران ولا يستطيع أن يرفع طرفه في ذلك العسكر إلى رجل ليس فيه من قتل الأقران قليل ولا كثير لمعان هي عندهم أشرف من مشي ذلك المقاتل بسيفه وقتله لقرنه وإذا ثبت أن رئيس العسكر وأشباهه قد ثبتت لهم الرئاسة بغير المباشرة للقتل ثبت أن قتل الأقران ليس بدليل على الفضيلة والرئاسة (١).

وقال ما معناه إن الرئيس قطب أصحابه فحراسته حراستهم (٢).

واعلم أن هذا الكلام الغث يضيق على ذي البصيرة الاهتمام بالرد عليه ويقطع لسان الأقلام عن القصد بالتهويش إليه وهو شبيه بكلام (٣) بليد عدم حسه أو بصير فقد دينه يحاول ستر الشمس بغير حجاب ومصاولة الشجعان بغير ساعد ولو شاءت الإمامية لرشقت بالشبه (٤) المناسبة وجوه الدلائل ورشفت بالتمويه شفاه الحق الفاصل لكن ذلك مذهب يعافه ذو الدين المعتبر ويتجافاه ذو الأنفة المؤيد.

هذا فيما يرجع إلى الشبه المقترنة بالمناسبات المنوطة بالمقارنات.

وأما المسلك الذي شرع الناقص (٥) فيه فإنه باب مسدود جدا عن عزمات عاقل أو تقريرات فاضل ومع هذا فقد رأيت الجواب عما أورده وسرده غير مدع في ذلك فضيلة خطيب أو منقبة أريب.

قوله لو كان لقاء القرن دليل الرئاسة لكان النبي مرءوسا معنى كلامه قول ساقط إذ الرئيس المقدم ترجع الآراء إليه ويعول أتباعه عليه فلو خالط القتال مكثرا مشغولا به عنهم أدى ذلك إلى اختلال الأحوال

__________________

(١) العثمانيّة : ٤٥ و ٤٦.

(٢) المصدر السابق : ٤٦.

(٣) ق : كلام.

(٤) ق : الشبه.

(٥) ق : الناقض.

١١٨

وبلوغ العدو منه ومن أصحابه محبوب الآمال ولم يكن منصوره في مقام الرئاسة ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مقام عزته ومنصب رئاسته حتى ينتظم كلامه منوطا بالمعاني الصائبة والتحريرات الغالبة.

وأراه بهذا الكلام إما مدعيا أن المنصب كان لمنصوره دون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو كفر أو لا يقول بذلك فهو مدلس إن كان يفطن لما قال أو كودن (١) لا يدري معنى ما به نطق (٢) وكل محذور بل هو في تصغيره أمر الجهاد مكذب للقرآن المجيد في قوله تعالى ( وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ) (٣).

مع أن الجاحظ محجوج بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قتل قرنا وبأنه يوم أحد كسرت رباعيته في غير ذلك من مقامات كان فيها القوي القلب الرابط الجأش وعلى خاطري أن عليا كان يقول كنا إذا احمر البأس اتقينا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) (٥).

__________________

(١) ن : كونه.

(٢) ن : يقول ونطق.

(٣) النساء : ٩٥.

(٤) مسند احمد بن حنبل : ١ / ١٥٨.

روى بسنده عن عليّ عليه‌السلام ، قال : كنا اذا احمر البأس ولقي القوم القوم ، اتقينا برسول الله ـ صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ـ فما يكون منّا احد أدنى من القوم منه.

وايضا في مسنده : ١ / ٨٦.

روى بسنده عن عليّ ـ عليه‌السلام ـ ، قال : لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله ـ صلى الله عليه [ وآله ] وسلّم ـ وهو أقربنا الى العدو ، وكان من أشد الناس يومئذ بأسا.

وروى المتّقي في كنز العمال : ٥ / ٢٧٥ ، قال :

عن أنس ، عن المقداد ، قال : لما تصاففنا للقتال ـ يعني يوم احد ـ جلس رسول الله ـ صلى الله عليه [ وآله ] وسلّم ـ تحت راية مصعب بن عمير ، فلما قتل أصحاب اللواء هزم المشركون الهزيمة

(٥) ما بين المعقوفتين لا يوجد الا في : ن.

١١٩

وأما قوله إن القرن قد يترك النزال لمعان هي أشرف من ذلك (١) فكلام ساقط كالأول لأنه أحال على ما لا وجه له وعلى قود ما قال يجوز أن يكون تارك الصلاة لمعنى هو أشرف من الصلاة وتارك الحج أفضل من فاعله لمعنى هو أشرف منه ونسوق الكلام في فنون التكاليف غير متعلقين بأمارة ولا متمسكين ببرهان بحيث لا نرجح ذا الصلاة على تاركها وفاعل الزكاة على مهملها وفاعل الحج على من قعد عنه لغير عذر عن الجميع يعرفه أو يتوهمه وذلك عين السفه وروح النقص وصورة حال فساد الذهن.

وقول خاذل السنة إنه إذا ثبت أنه ليس مأخوذا في شرف الرئيس القتل ثبت أن قتال الأقران ليس دليلا على الفضل والرئاسة وأن الرئيس قطب أصحابه فحراسته حراستهم (٢) من أمهن الكلام وأسخفه إذ هو في المفاخرة بين منصوره وبين أمير المؤمنين صلوات الله عليه فأين من أشار إليه في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والرئاسة حتى يكون عذره عن القتال عذر الرئيس عن النزال ولقاء الأبطال وتقحم الأهوال.

ثم قال عدو السنة ما حاصلة إن لقاء الأبطال قد يكون بالطبيعة

__________________

الاولى ، وأغار المسلمون على عسكرهم ، فانتهبوا ثم كروا على المسلمين ، فاتوا من خلفهم فتفرّق الناس ، ونادى رسول الله ـ صلى الله عليه [ وآله ] وسلّم ـ في اصحاب الألوية ، فأخذ اللواء مصعب بن عمير ثم قتل ، ( الى ان قال ) ونادى المشركون بشعارهم : يا للعزى ، يا للهبل ، فاوجعوا والله فينا قتلا ذريعا ، ونالوا من رسول الله ـ صلى الله عليه [ وآله ] وسلّم ما نالوا والذي بعثه بالحق ان رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه [ وآله ] وسلّم ـ زال شبرا واحدا ، انه لفي وجه العدو تثوب اليه طائفة من أصحابه مرة وتتفرّق عنه مرّة ، فربما رأيته قائما يرمي عن قوسه أو يرمي بالحجر حتّى تحاجزوا ... الحديث.

(١) العثمانيّة : ٤٦ نقله بالمعنى.

(٢) العثمانية : ٤٦ نقله بالمعنى.

١٢٠