جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٣

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٣

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٩

للإمام ، ودون اللقطة فإنها لآخذها.

ولو أخذ من الحربي على جهة السوم ثم هرب ملكه.

وأقسام الغنيمة ثلاثة : ما ينقل ويحول من الأمتعة وغيرها ، وما لا ينقل ويحول كالأراضي ، وما هو سبي كالنساء والأطفال.

والأول : إن لم يصح للمسلم تملكه فليس غنيمة ، بل ينبغي إتلافه كالخنزير ، أو يجوز إبقاؤه للتخليل كالخمر. وإن صح كالذهب ، والفضة ، والأقمشة ، وغيرها اخرج منه الخمس والجعائل وما يصطفيه الإمام لنفسه ، والباقي للغانمين خاصة ، سواء حواه العسكر أو لا ، وليس لغيرهم فيه شي‌ء ، ولا لبعضهم الاختصاص بشي‌ء.

______________________________________________________

حقه : ودون بالعطف ، لأنه معطوف على المخرج بدون ، وكان الأولى أن يقول : بغير إيجاف بخيل ولا ركاب ، لأن مقتضى عبارته أن ما أخذ بالفزع ـ مثل أن ينزل المسلمون على حصن ، أو على قلعة فيهرب أهله ، ويتركون أموالهم فزعا ـ أن لا يكون غنيمة ، وقد صرح في المنتهى (١) والتذكرة (٢) بأنه غنيمة ، وهو صريح القرآن العزيز (٣) ، واختار الشيخ أنه مما أفاء الله على رسوله (٤) ، والأول هو الأظهر.

قوله : ( والأول إن لم يصح للمسلم تملكه فليس غنيمة ).

على ظاهر هذه العبارة مؤاخذة ، لأنه قد جعل هذا أحد أقسام الغنيمة ، فكيف يصح قوله : ( ليس غنيمة )؟

قوله : ( بل ينبغي إتلافه كالخنزير أو يجوز إبقاؤه للتخليل كالخمر ).

هذه العبارة فاسدة التركيب ، لأنه لا معنى للإضراب بـ ( بل ) فيها ، وكان حقه أن يقول : وهو إما أن يجوز إبقاؤه كالخمر لفائدة التخليل ، أو لا كالخنزير.

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٩٢٢.

(٢) التذكرة ١ : ٤١٩.

(٣) الحشر : ٧.

(٤) المبسوط ٢ : ٦٤.

٤٠١

نعم لبعضهم التخصيص بما يحتاج اليه من المأكول ، وعلف الدواب قدر الكفاية ، سواء كان غنيا أو فقيرا ، وسواء كان هناك سوق أولا ، وسواء كان المأكول من الطعام أو مثل السكر والفاكهة الرطبة أو اليابسة.

ولو احتاج الغانم الى ذبح البهيمة المأكولة أكل اللحم ، وردّ الجلد الى المغنم. ولو عمل منه شنا أو شبهه رده وعليه أجرته. وليس له لبس الثياب ، ولا استعمال الدواء والدهن ، إلاّ مع الضمان.

ويباح الأخذ لمن معه طعام ، ومن ليس معه لكن قدر الحاجة ما داموا في دار الحرب. وليس له أن يضيف من ليس من الغانمين. ولو فضل من الطعام شي‌ء بعد الدخول الى دار الإسلام رده.

ولو أقرض غانم مثله شيئا من الغنيمة ، أو علفا لدوابه جاز ، ولا يكون قرضا لانتفاء ملك الأول ، ويكون الثاني أحق باليد.

وليس للأول مطالبته ، فإن رده عليه صار أولى باليد المتجددة.

ولو خرجا من دار الحرب لم يجز له رده على المقرض ، بل على الغنيمة.

ولو باعه من الغنيمة بشي‌ء منها ، فكل منهما أحق باليد فيما صار اليه ، وليس بيعا ، فلا يجري فيه الربا ، ولو كان الثمن من غير الغنيمة لم‌

______________________________________________________

قوله : ( سواء كان غنيا أو فقيرا ).

وقيل : لا يجوز إلا عند الحاجة ، والأصح الأول ، لظاهر قوله تعالى : ( فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ ) (١).

قوله : ( ولو عمل منه شنّا ).

هو في الأصل : القربة البالية.

__________________

(١) الأنفال : ٦٩.

٤٠٢

يملكه البائع ورده على المشتري ، ولو كان المشتري من غير الغانمين لم يصح إقرار يده عليه ، بل يرده إلى الغنيمة.

والثاني : ما لا ينقل يخرج منه الخمس إما بإفراز بعضه ، أو بإخراج خمس حاصله ، والباقي للمسلمين قاطبة ، لا يختص به الغانمون مثل الأرض ، فإن فتحت عنوة فإن كانت محياة فهي للمسلمين قاطبة ، لا يختص بها الغانمون ، والنظر فيها الى الامام.

ولا يصح بيعها ، ولا وقفها ، ولا هبتها ، ولا يملكها المتصرف فيها على الخصوص.

ويقبّلها الإمام لمن يراه ، بما يراه حظا للمسلمين ، ويصرف‌

______________________________________________________

قوله : ( ما لا ينقل يخرج منه الخمس ... ).

هذا في حال ظهور الامام عليه‌السلام ، أما في حال الغيبة ففي الأخبار ما يدل على أنه لا خمس فيه (١).

قوله : ( ولا يصح بيعها ولا وقفها ولا هبتها ).

هذا في حال ظهور الامام عليه‌السلام ، أما في حال الغيبة فينفذ ذلك كله كما صرح به في الدروس (٢) وصرح به غيره.

وقد عدّ الأصحاب في المفتوح عنوة : أرض العراق ، وحدّها طولا : من الموصل إلى تخوم عبادان ، وعرضا : من طرف القادسية المتصل بعذيب الهجانات إلى حلوان بالضم ، ومكة على الظاهر من المذهب ، وخراسان : من أقصاها إلى كرمان ، وخوزستان ، وهمدان ، وقزوين وما حواليها ـ ذكره بعض الأصحاب مستندا إلى المبسوط (٣) ـ والشام ولم يذكروا تحديدها ، وكتب التواريخ كافلة ببيان ما سوى ذلك.

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٣ حديث ٨٨ ، التهذيب ١٤٣ ـ ١٤٥ حديث ٣٩٩ ـ ٤٠٤.

(٢) الدروس : ١٦٣.

(٣) المبسوط ٢ : ٣٣ ـ ٣٤.

٤٠٣

حاصلها في مصالحهم كسد الثغور ، وبناء القناطر ، ومعونة الغزاة ، وأرزاق الولاة والقضاة ، وما أشبهه.

فلو ماتت لم يصح إحياؤها ، لأن المالك لها معروف ، وهو المسلمون كافة ، وما كان منها مواتا حال الفتح فللإمام خاصة ، لا يجوز إحياؤها إلاّ بإذنه ، فإن تصرف فيها أحد بغير اذن فعليه طسقها له ، وفي حال الغيبة يملكها المحيي من غير إذن.

وأما أرض الصلح فلأربابها إن صولحوا على أن الأرض لهم ، ولو صولحوا على أنها للمسلمين ، ولهم السكنى ، وعليهم الجزية فالعامر للمسلمين قاطبة ، والموات للإمام خاصة.

وعليهم ما يصالحهم الإمام إذا شرطت الأرض لهم ، ويملكونها على الخصوص ، ويتصرفون بالبيع وغيره ، فان باع أحدهم أرضه على مسلم صح ، وانتقل مال الصلح عن الأرض إلى رقبة الذمي.

ولو أسلم الذمي ملك أرضه ، وسقط مال الصلح عنه.

وأما أرض من أسلم أهلها عليها فهي لهم خاصة ، وليس عليهم سوى الزكاة مع الشرائط.

______________________________________________________

قوله : ( وما كان منها مواتا حال الفتح ).

مقتضى العبارة أن هذا من الغنيمة ، وليس كذلك ، لأن هذا من الأنفال.

قوله : ( فعليه طسقها له ).

هو الخراج ، فارسي معرب.

قوله : ( أرض من أسلم أهلها عليها ).

في هذا التركيب نظر ، لأنه ليس في الصلة ضمير يعود إلى الموصول ، ولا يتم الربط بدونه. واعتذر بأن في ( أسلم ) ضمير يعود إليه و ( أهلها ) بدل منه ، لأن‌

٤٠٤

وكل أرض ترك أهلها عمارتها فللإمام أن يقبلها ممن يعمرها ، ويأخذ منها طسقها لأربابها.

وكل من أحيى أرضا ميتة لم يسبقه غيره إليها فهو أولى ، فإن كان لها مالك معروف فعليه طسقها له ، وله انتزاعها من يده.

الثالث : السبايا والذراري : وهي من الغنائم ، يخرج منها الخمس والباقي للغانمين خاصة.

فروع :

أ : المباحات بالأصل كالصيد ، والشجر لا تخص أحدا ، فإن‌

______________________________________________________

إبدال المظهر من المضمر جائز. وفيه نظر ، لأن ذلك حيث يكون الإضمار محقّقا ، بأن يكون الفعل مما يمتنع التصريح بفاعله كفعل الأمر ومضارع المتكلم مثلا ، لا نحو هذا ، ولأن فيه فسادا آخر ، فان الضمير لا مفسّر له حينئذ أصلا فيبقى على إبهامه ، فإن مرجعه إن صحّ مبهم ، وهو الموصول ، بخلاف ما قلناه ، لأن مفسر الضمير موجود.

قوله : ( فان كان لها مالك معروف فعليه طسقها له ).

ذكر الأصحاب هذا الحكم كذلك ، فان قيل : كيف جاز التصرف في ملك الغير بغير إذنه؟

قلنا : إذا دلت القرائن على إعراضه عن عمارتها ، فقد ظهرت علامات الإباحة لمن شاء أحياها ، كما في سائر الأشياء التي شهدت القرائن بإعراض المالك عنها ، ويجب عليه أجرتها ، لأن القرائن إنما دلت على الإعراض عن العمارة لا عن الأجرة ـ ولو أن المالك ترك عمارتها لضرورة منع مانع ونحو ذلك لم يجز لأحد إحياؤها إلا بإذنه ـ أو يقال : إحياؤها قبل أن يعلم ذلك ، ثم ظهر المالك ، وهذا جيد أيضا.

قوله : ( المباحات بالأصل ... ).

أي : هذه لا تعد من الغنيمة ، بل هي لآخذها ، لأن الغنيمة مال الكفار ،

٤٠٥

كان عليه أثر ملك كالطير المقصوص ، والشجر المقطوع فغنيمة.

ب : لو وجد شي‌ء في دار الحرب يصلح للمسلمين والكفار فلقطة.

ج : الغانم هل يملك حصته من الغنيمة بمجرد الاغتنام أو يملك إن تملك؟ فيه احتمال ، فعلى الثاني يسقط حقه منها بالإعراض قبل القسمة ، إذ الغرض الأقصى في الجهاد حفظ الملة ، والغنيمة تابعة فتسقط بالإعراض.

______________________________________________________

لكن ما كان عليه منا أثر اليد فهو مملوك ، فهو غنيمة.

قوله : ( لو وجد شي‌ء في دار الحرب ... ).

أي : مطروحا في مكان لا تظهر عليه علامة يد الكافر ، كالخيمة ونحوها ، في طريق ونحوه.

قوله : ( الغانم هل يملك حصته من الغنيمة بمجرد الاغتنام؟ ).

سيأتي تحقيق القول في ذلك ، وإنما ذكره هنا للتفريع على الثاني.

قوله : ( فعلى الثاني يسقط حقه منها بالإعراض قبل القسمة ).

لأنه غير مالك ، وإنما هو ذو أولوية ، ويفهم من العبارة أنه على القول بالملك بالاغتنام لا يسقط حقه بالإعراض. ويرده : أن الملك ربما كان ضعيفا متزلزلا يقبل الزوال بالإعراض ، فلا منافاة.

قوله : ( إذ الغرض الأقصى في الجهاد حفظ الملة ، والغنيمة تابعة ، فيسقط بالإعراض ).

قد يقال : هذا لا يصلح للاستدلال ، لأنه لا دلالة فيه ، ولا تلازم بين النتيجة وما يجعل مقتضيا لها.

ويجاب : بأنه يمكن أن يكون استدلالا بالمناسبة ، بمعنى أنه يناسب غرض الجهاد ثبوت أثر الاعراض ، وهو سقوط الحق من الغنيمة وتمحيضه للقربة ، لأن مقصود الجهاد لا يفوت بذلك ، بل يتأكد.

٤٠٦

والأقرب عدم صحة الإعراض بعد قوله : اخترت الغنيمة ، ويفرض المعرض كالمعدوم.

ولو أعرض الجميع ففي نقلها إلى أرباب الخمس خاصة نظر ،

______________________________________________________

قوله : ( والأقرب عدم صحة الإعراض بعد قوله : اخترت الغنيمة ).

هذا بناء على صحة الإعراض عن الحق فيها المبني على الثاني ، ووجه القرب توقف الملك على اختياره وإلاّ لكان قهريا ، فيحصل بالاغتنام وقد فرض خلافه ، والاختيار قد حصل.

وفيه نظر من وجهين :

الأول : إنا لا نسلم توقف الملك على اختياره ، بل على القسمة التي هي منوطة باختيار الإمام.

الثاني : انه لو ثبت توقفه على اختياره فهو اختيار مخصوص ، لا مطلق الاختيار. والحق : إن قلنا أنه لا يملك بالاغتنام فعدم الملك مستصحب إلى أن يتحقق ما دل الشرع على التملك به قطعا ، وهو القسمة.

قوله : ( ويفرض المعرض كالمعدوم ).

أي فتقسم الغنيمة بين الباقين سواء ، فيكون هذا الحكم من أحكام ما قبل الأقرب ، وهو حيث يصح الإعراض.

وربما فهم بعض الفضلاء تعلقه بجملة الأقرب ، على أنه حكم من أحكامه ، حيث أن الإعراض إذا لم يصح فالمعرض من حيث هو معرض كالمعدوم ، بمعنى أنه مساو لمن لم يعرض (١). وهذا محتمل ، إلاّ أنه بعيد لا يخلو من تكلّف ، والمتبادر خلافه.

قوله : ( ولو أعرض الجميع ففي نقلها إلى أرباب الخمس خاصة‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٣٦٧.

٤٠٧

أقربه أنها للإمام.

والأقرب صحة أعراض المفلّس دون السفيه والصبي ، إلاّ أن يبلغ قبل القسمة. ولا إعراض للعبد عن الرضخ بل لسيده. ويصح أعراض السالب عن سلبه. ولو مات قبل الاعراض فللوارث أن يعرض.

______________________________________________________

نظر أقربه أنها للإمام ).

النظر في أنها لأرباب الخمس مطلقا للشركة بين الجميع ، باعتبار الخمس ، المقتضية للتسلط على باقي الغنيمة ، الذي لا يملكه مالك ، فهو كالمباح المختلط بالمملوك شائعا ، فإن لصاحبه عليه يدا وللإمام عليه‌السلام ، لأن من عداه ليس له يد وإن كان له استحقاق ، إذ ليس له حيازة ، إذ اليد في الغنيمة إنما هي بالحيازة ، وذلك متحقق في الإمام عليه‌السلام دون غيره فيكون أحق بها ، وهذا هو وجه القرب ، فان فيه أرجحية.

قوله : ( والأقرب صحة إعراض المفلس دون السفيه والصبي ).

هذا ينبغي أن يكون متفرعا على الثاني وهو ثبوت الأولوية ، إذ لو ملك المفلس لم يجز له التصرف في المال ، وبعد الملك لا يحتاج في التملك إلى شي‌ء آخر ، بخلاف ما لو قلنا بالأولوية خاصة ، وكلام الشارح الفاضل (١) هنا لا يخلو من نظر ، لأنه بيّن القرب بأنه غير مالك ، ومقابله بأنه مالك.

وأما السفيه فينبغي عدم صحة إعراضه مطلقا ، لأنه يستلزم التصرف في الحقوق المالية وهو ممنوع منه ، وعبارة الصبي معلوم عدم الاعتداد بها.

قوله : ( ولا إعراض العبد عن الرضخ ، بل سيده ).

وفي بعض النسخ : ( ولا إعراض للعبد عن الرضخ ، بل لسيده ) وهي أحسن وأوقع في النفس.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٣٦٨.

٤٠٨

د : هل يملك الغنيمة بالاستيلاء أو القسمة ، أو يظهر الملك بالاستيلاء مع القسمة وانتفاؤه مع الاعراض والتلف؟ فيه نظر أقربه الأول.

هـ : لو كان في المغنم من ينعتق على بعضهم انعتق على الأول نصيبه ، وقوّم عليه إن قلنا بالتقويم في مثله ،

______________________________________________________

قوله : ( هل تملك الغنيمة بالاستيلاء ... ).

لا يخفى ما في هذه العبارة من التكلّف والبعد عن الفهم ، لأن الناظر يتوهم مغايرتها لما في الفرع الثالث ، والأقرب ما قربه المصنف ، وهو الملك بالاستيلاء ، لأن الملك يمتنع أن يبقى بغير مالك ، لعدم تعلقه ، وقد زال ملك الكفار ، فيثبت ملك المسلمين ، إذ لا واسطة ، ولا يضرّ ثبوت الإعراض ، لأنه متزلزل ضعيف.

فائدة : معنى ملكه : أن يملك صيرورته ، بحيث يقدر على التملك بسبب قريب ، على معنى أنه قد حصل المعدّ الذي صار حصول الملك معه قريبا جدا ، ولا بد للعبارة من تأويل ، وإلا فكل كامل له أهلية أن يملك ، أو يقال : المراد ملك أن يملك هذا الشي‌ء المخصوص ، أعني : الغنيمة ، وهذا خاص بالغانمين.

فإن قلت : أي شي‌ء يراد بملكه أن يملك؟

قلت : الظاهر أن المراد به : حصول الأولوية ، كما في أولوية التحجير في الأرض المباحة ، وحيازة المباحات واللقطة ونحو ذلك.

قوله : ( لو كان في المغنم من ينعتق على بعضهم انعتق على الأول نصيبه ).

أي : على القول بالملك بالاستيلاء ، والضمير في ( نصيبه ) يعود إلى ذلك البعض.

قوله : ( وقوّم عليه إن قلنا بالتقويم في مثله ).

وهو أن من أدخل في ملكه شخصا ممن ينعتق عليه قوّم عليه ، لأنه بإدخاله‌

٤٠٩

ولا ينعتق على الثاني إلاّ أن يخصه الامام به فينعتق ، وإن خص به جماعة هو أحدهم ورضي عتق عليه ولزمه نصيب الشركاء.

و : لو وطأ الغانم جارية المغنم عالما سقط من الحد بقدر حقه ،

______________________________________________________

إياه في ملكه معتق ، لأن اختيار السبب اختيار للمسبب ، وإن كان لا يعلم ذلك ، كما لو اشترى وكيل المالك له أباه بماله.

قوله : ( ولا ينعتق على الثاني ).

أي : على القول بأنه ملك ان يملك.

قوله : ( إلا أن يخصه الامام به فينعتق ).

لأن قسمة الغنيمة باختيار الامام ، ويملك الغانم بتخصيص الامام ، ولا يتوقف على رضاه.

قوله : ( وإن خص به جماعة هو أحدهم ورضي ... ).

إنما قيده بالرضى هنا لأن الشركة عيب ، فلا يلزمه الرضى بها ، والذي ينفذ فعل الامام له ولا يتوقف على رضاه ، إنما هو التعيين من الغنيمة لا جعله شريكا.

فان قلت : فلو فعل الامام ذلك تعين عليه الرضى لعدم جواز مخالفته ، قلت : لا بحث لنا في الإمام عليه‌السلام ، لأنه معصوم تجب طاعته ، وكل ما يفعله فهو عين الحق ، إنما البحث على تقديرين :

أحدهما : إن نائبه عليه‌السلام لو فعل ذلك باجتهاده توقف على الرضى.

الثاني : إن الذي تقتضيه صحة النظر بالنسبة إلى المدارك الفقهية ما ذا؟ أيلزم الامام عليه‌السلام أحد الغانمين بالرضى بالحق المشترك؟ فيقال : الذي يرشد إليه الدليل العدم ، لفقد ما يدل على ذلك من الشرع بنص أو إجماع ، وتحقق الإلزام في أصل الحق من الغنيمة لا يقتضي تحقق الإلزام في الرضى بالمشترك ، ولسنا نحكم بالتوقف على الرضى على تقدير إلزامه ، وهو ظاهر.

قوله : ( لو وطأ الغانم جارية المغنم عالما سقط من الحد بقدر حقه ).

٤١٠

وأقيم عليه الحد بقدر نصيب الباقين ، فإن أحبلها فله منه بقدر حقه. والأقرب وجوب العشر مع البكارة ، ونصفه مع عدمها ، ويسقط منه قدر نصيبه ويلحق الولد به وتصير أم ولد.

______________________________________________________

هذا مبني على الأقرب من أنه يملك ، والتقييد بكونه عالما ليخرج الجاهل لأنه ذو شبهة ، وينبغي أن يقيد بكونه عامدا ، إذ الناسي لا يقصر عن ذي الشبهة ، وظاهر وجه سقوط مقدار حصته من الحدّ ، لأنه وطء في ملك. ولو قلنا بالأولوية أو بالانكشاف بالقسمة فالذي ينبغي أن لأحد ، لعدم تحقق ملك الغير ، ولتجويز حصولها في ملكه بالقسمة ، فلا يقصر عن الشبهة.

قوله : ( والأقرب وجوب العشر مع البكارة ، ونصفه مع عدمها ).

هذا مبني على الملك بالاستيلاء ، لأنها حينئذ مشتركة ، والأشهر في وطء المشتركة ذلك ، وقيل بوجوب مهر المثل (١) ، والعمل على المشهور للرواية ، وإن كان جانب المالية يقتضي مهر المثل.

ولو قلنا : بعدم الملك بالحيازة فمهر المثل أقوى لانتفاء الشركة. ولو قلنا بالمراعاة ، فالمتجه توقف الحال على الكاشف. وهذا إذا كانت جاهلة أو مكرهة ، فلو كانت مطاوعة عالمة ففي وجوب المهر إشكال ، لأنها بغيّ ، وأطلق الشيخ في الخلاف عدم وجوب الحد (٢) ، وفي المبسوط نفى وجوب المهر بالوطء (٣) ، وكلاهما غير جيد.

قوله : ( ويسقط منه قدر نصيبه ).

لأنه مملوك له.

قوله : ( ويلحق الولد به ).

لامتناع الحكم بلحاق البعض دون البعض الآخر.

قوله : ( وتصير أم ولده ).

__________________

(١) المجموع ١٩ : ٣٣٨ ، المهذب ٢ : ٢٤٢.

(٢) الخلاف ٣ : ١٨٤ مسألة ١٤ كتاب السير.

(٣) المبسوط ٢ : ٣٢.

٤١١

وتقوّم الجارية عليه وولدها يوم سقوطه حيا ، إلاّ ان كانت قومت قبل الوضع فلا يقوم الولد.

ز : يجوز إتلاف ما يحتاج إلى إتلافه من أموال الكفار للظفر بهم كقطع الأشجار ، وقتل الحيوان ، لا مع عدم الحاجة.

والكتب إن كانت مباحة كالطب والأدب ، لم يجز إتلافها‌

______________________________________________________

لأنها مملوكة له ولدت في ملكه فيتناولها اللفظ باعتبار الاشتقاق.

قوله : ( وتقوّم الجارية عليه ، وولدها يوم سقوطه حيّا ).

أما تقويمها فلصيرورتها أم ولده ، وأما ولدها فللحاقه بها وصيرورته حرّا ، وأما تقويمه يوم سقوطه فلأنه حينئذ يحكم عليه بكونه آدميا ، وهو محل كونه مالا بالاستقلال ، وقد فوته عليهم. ولا يخفى أن حصته منه تسقط قيمتها.

وأما التقييد بسقوطه حيّا ، فلأنه لو سقط ميّتا فلا تقويم للام ، لكن يلزم أرشها وتسقط حصته.

قوله : ( إلاّ إن كانت قوّمت قبل الوضع ).

لأنها حينئذ تقوّم مع الحمل.

قوله : ( لا مع عدم الحاجة ).

ظاهره التحريم ، والكراهية أظهر ، وقد صرح في المنتهى بكراهية قطع الأشجار ، وفي قتل الحيوان قال : لا ينبغي (١) ، ولا شك أن قتل الحيوان أغلظ من قطع الأشجار ، لكن التحريم لا يخلو من بعد ، وإن كان في الحديث نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ذلك عند عدم الحاجة (٢) ، فإنه محمول على الكراهية ، لأن المتبادر في أمثال ذلك التأديب.

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٩٠٩.

(٢) الكافي ٥ : ٢٩ ، ٣٠ حديث ٨ ، ٩ ، التهذيب ٦ : ١٣٨ ، ١٣٩ حديث ٢٣٢ ، ٢٣٣.

٤١٢

وهي غنيمة ، وغيرها كالزندقة والكفر لا يجوز إبقاؤها ، وكذا التوراة والإنجيل.

وكلب الصيد ، والماشية ، والزرع ، والحائط ، غنيمة بخلاف غيره.

المطلب الثاني : في قسمة الغنيمة :

تجب البدأة بالمشروط كالجعائل والسلب والرضخ ، ثم بما تحتاج إليه الغنيمة من النفقة مدة بقائها حتى تقسم كأجرة الراعي والحافظ ، ثم الخمس.

______________________________________________________

قوله : ( وكذا التوراة والإنجيل ).

لأنهما محرفان مبدلان ، فلا يمكن الاهتداء إلى ما هو حكم الله المنسوخ ، ولو أريد بهما النقض والحجة جاز الاستبقاء على الظاهر. ولو ظفرنا بأهل الخلاف لم يجز لنا فعل ذلك بكتبهم ، لأنها مال مملوك لهم وليس غنيمة لنا ، ولتميز الحق من الباطل فيها ، نعم يجب دفع العوض إليهم عنها ، وجعلها عند من له قوة النقض من المؤمنين. ولو أفرد منها عن غيره جاز غسله بعد دفع العوض.

قوله : ( تجب البدأة بالمشروط كالجعائل والسلب ).

لتعلق الاستحقاق بتلك العين المخصوصة.

قوله : ( والرضخ ).

في التذكرة : أخر الرضخ عما تحتاج إليه الغنيمة (١) ، وكذا فعل في المنتهى (٢) والتحرير (٣) ، والظاهر أنه لا تفاوت ، لأن الرضخ لا بد منه ، ولا يزاحم الأمور المذكورة.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٣٣.

(٢) المنتهى ٢ : ٩٤٨.

(٣) تحرير الأحكام ١ : ١٤٦.

٤١٣

وتقسم أربعة الأخماس الباقية بين المقاتلة ، ومن حضر وإن لم يقاتل حتى المولود بعد الحيازة قبل القسمة ، والمدد المتصل بهم بعد الغنيمة قبل القسمة والمريض بالسوية. ولا يفضّل أحد لشدة بلائه ، للراجل سهم ، وللفارس سهمان ، ولذي الأفراس ثلاثة ، سواء قاتلوا في البر أو البحر ، استغنوا عن الخيل أو لا.

______________________________________________________

قوله : ( حتى المولود بعد الحيازة قبل القسمة ).

ولا فرق بين كون أبويه أو أحدهما حاضرا أو لا.

قوله : ( والمدد المتصل بهم بعد الغنيمة قبل القسمة ).

بشرط إلحاقه بهم ، وحضوره معهم قبل القسمة ، فإن لم يلحق بهم إلاّ بعدها فلا شي‌ء له إجماعا. وفي عبارة ابن الجنيد ما يقتضي الاستحقاق إذا كان المدد بصدد المعونة وإن لم يلحق قبل القسمة ولا يقسر حاله عن السرية (١) ، إلا أن المصنف نقل الإجماع في غير موضع على عدم الاستحقاق ( إذا لم يصل قبل القسمة ) (٢) (٣).

قوله : ( والمريض ).

سواء كان مرضه مانعا من الجهاد كالمفلوج ، أم لا كذي الصداع ، وهو مذهب الأصحاب (٤).

قوله : ( وللفارس سهمان ).

وقيل : ثلاثة أسهم (٥) ، وبه رواية (٦) ، والأول هو الأصح والمشهور ، وبالشهرة ترجح الرواية على الأخرى‌

__________________

(١) نقله عنه في المختلف : ٣٢٨.

(٢) نقل الإجماع في المنتهى ٢ : ٩٥٢.

(٣) ما بين القوسين لم يرد في « ن ».

(٤) منهم الشيخ في المبسوط ٢ : ٧١.

(٥) نقله عنه في المختلف : ٣٢٨.

(٦) التهذيب ٦ : ١٤٧ حديث ٢٥٧ ، الاستبصار ٣ : ٣ حديث ٤.

٤١٤

ولا سهم للعبيد ، ولا النساء ، ولا الكفار ، ولا الأعراب وهم من أظهر الإسلام ولم يصفه وإن قاتلوا مع المهاجرين على رأي ، بل يرضخ الإمام للجميع على حسب المصلحة.

وينبغي المفاضلة في الرضخ بسبب شدة قتاله وضعفه.

ولا سهم للمخذل ، ولا المرجف ، ولا يرضخ لهم ولا لغير الخيل من الإبل والبغال والحمير.

______________________________________________________

قوله : ( ولا للأعراب ، وهم : من أظهر الإسلام ولم يصفه ، وإن قاتلوا مع المهاجرين على رأي ).

المراد بالأعراب هنا : من كان من أهل البادية كذلك ، والرأي المذكور هو المشهور بين الأصحاب ، وعليه الفتوى ، وبه رواية حسنة (١). والمراد بـ ( من أظهر الإسلام ولم يصفه ) : من لم يعرف معناه ، بحيث يعبر عنه بنعوته ، وإنما أظهر الشهادتين خاصة ، وليس له علم بمقاصد الإسلام.

قوله : ( وينبغي المفاضلة في الرضخ بسبب شدة قتاله وضعفه ).

هذا الحكم يمكن أن يكون على الاستحباب ، فيشكل بأن مناط المفاضلة هو المصلحة وبدونها لا يجوز ، فكيف يتصور الاستحباب؟ ويمكن كونه على الوجوب ، فيشكل بأن المصلحة لو اقتضت خلاف ذلك وجب المصير إليها ، إلا أن يحمل على الوجوب مع مطابقته للمصلحة.

قوله : ( ولا يسهم للمخذل ولا المرجف ولا يرضخ لهم ).

إن قيل : قد سبق أنه لا يجوز أخذهم مع الجيش ، وذكر أنهم لا يسهم لهم ، فإعادته تكرار.

ويجاب : بأن ذكر عدم الإسهام هناك استطرادي ، وهاهنا محله الحقيقي. وأيضا ففي الإعادة فائدة بيان عدم الرضخ ، وأعاد الضمير إلى المخذل والمرجف بصيغة الجمع إما على المعنى ، لأن المحلى باللام في قوة المتعدد لمعنى الجنس ، أو لأن‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٣ حديث ١ ، التهذيب ٦ : ١٤٨ حديث ٢٦١.

٤١٥

وفي الإسهام للحطم وهو الذي ينكس ، والقحم وهو الكبير الهرم ، والضرع وهو الصغير ، والأعجف وهو المهزول ، والرازح وهو الذي لا حراك به نظر ، ينشأ : من عموم الاسم ، ومن عدم الانتفاع.

والاعتبار بكونه فارسا عند الحيازة ،

______________________________________________________

التثنية يقع عليها الجمع إما حقيقة أو مجازا.

قوله : ( وفي الأسهام للحطم ).

وهو : الذي ينكس الحطم ككتف ، هو الذي بقوائمه داء يكاد يقع على رأسه منه ، وهو معنى النكس ، وفي التذكرة (١) والمنتهى (٢) : هو الذي ينكسر ، وعبارة القاموس (٣) قد تناسبه.

قوله : ( والقحم وهو : الكبير الهرم ).

القحم بفتح القاف ، وإسكان الحاء المهملة.

قوله : ( والضرع ) (٤).

هو بفتح الضاد المعجمة والراء معا.

قوله : ( والرازح ) (٥).

هو بالراء ، ثم الزاي بعد الألف ، والحاء المهملة.

قوله : ( نظر ينشأ ... ).

المسألة موضع تردد.

قوله : ( والاعتبار بكونه فارسا عند الحيازة إلى القسمة ).

ظاهر هذه العبارة : أنه إنما يستحق سهم الفارس إذا كان فارسا من حين‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٣٤.

(٢) المنتهى ٢ : ٩٥١.

(٣) القاموس ( حطم ) ٤ : ٩٨.

(٤) الضرع : الصغير الذي لا يصلح للركوب أو الضعيف ، مجمع البحرين ( ضرع ) ٤ : ٣٦٤.

(٥) رزح البعير رزحا : هزل هزالا شديدا فهو رازح ، ومنه « لا سهم للرازح » يعني الهالك هزالا ، مجمع البحرين ( رزح ) ٢ : ٣٥٢.

٤١٦

فلو دخل المعركة راجلا فملك بعد انقضاء الحرب فرسا قبل القسمة أسهم لها.

______________________________________________________

الحيازة إلى زمان القسمة. وهو مشكل ، إذ لا دليل يدل على اعتبار ذلك.

والذي يقتضيه النظر أنّ كل من صدق عليه أنه فارس وقت القسمة استحق ، لأنه محل اعتبار الفارس والراجل.

ولا استبعاد في استحقاقه لو صار فارسا بعد الحيازة قبل القسمة ، لأنه ليس أبعد من المدد اللاحق قبلها ، والمولود قبلها ، إلا أن الموجود في عبارات المصنف في كتبه (١) ، وغيره (٢) : أن الاعتبار بكونه فارسا وقت الحيازة ، فربما بنى ذلك على أن الغنيمة تملك بالحيازة ، حتى لو قلنا يملك بالقسمة اعتبر الحال حين القسمة.

وكلام المصنف هنا يقتضي المعنى الذي ذكرناه أولا ، حيث قال إنه ( لو دخل راجلا فملك قبل القسمة فرسا أسهم لها ) وإن كان قوله : ( والاعتبار بكونه فارسا ... ) لا يطبق عليه بحسب ظاهره ، وإنما الذي يحتمله أمران :

أحدهما : ما سبق.

والثاني : أن الزمان من الحيازة إلى القسمة كله معتبر ، ففي أي جزء منه كان فارسا ثبت له السهمان ، وفيه بعد ظاهر.

ونزّل شيخنا الشهيد العبارة : على معنى أو القسمة ، وجعل ما قبل أو مبنيا على ملك الغانم بالحيازة ، وما بعدها مبنيا على ملكه بالقسمة ، وما أبعده عن التصور ، وأبعد العبارة عن الدلالة عليه (٣).

قوله : ( فلو دخل المعركة راجلا فملك بعد انقضاء الحرب فرسا قبل القسمة ).

إن لم ينزل هذا الحكم على ملك الفرس قبل الحيازة كان منافيا لما دلت‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٣٥ ، تحرير الأحكام ١ : ١٤٦.

(٢) منهم : المحقق في المختصر النافع ١ : ١١٣ ، وشرائع الإسلام ١ : ٣٢٥.

(٣) في النسخة الحجرية و « ن » كان قد حصل خلط في العبارات السابقة ، فرتبناها اعتمادا على ما في « س » و « ه‍ ».

٤١٧

ولو قاتل فارسا ثم نفقت فرسه ، أو باعها ، أو أخذه المشركون بعد الحيازة قبل القسمة لم يسهم له.

ولا يسهم للمغصوب مع غيبة المالك ، وله الأجرة على الغاصب ، ومع حضوره السهم له ، وللمقاتل سهم الراجل.

والأقرب احتساب الأجرة منه فان قصر عنه وجب الإكمال.

______________________________________________________

عليه العبارة السابقة.

قوله : ( ولو قاتل فارسا ، ثم نفقت فرسه ، أو باعها ، أو أخذها المشركون بعد الحيازة قبل القسمة ، لم يسهم لها ).

نفقت بكسر الفاء وفتحها : ذهبت.

قوله : ( ولا يسهم للمغصوب مع غيبة المالك ).

لأن السهم وإن كان منسوبا إلى الفرس إلاّ أنه في الحقيقة للفارس باعتبارها ، والغاصب بالنسبة إليها معدود راجلا ، لأن قتاله عليها منهي عنه ، فلا يستحق بسببه سهما في الغنيمة. ومع غيبة المالك يمتنع استحقاقه سهما في الغنيمة ، فلا يستحق أحدهما شيئا.

قوله : ( ومع حضوره السهم له ).

لأن المعتبر في الاستحقاق بالفرس وجودها وإن لم يقاتل عليها ، فالقتال عليها غير منظور إليه ، وقد تحقق ذلك.

لا يقال : المراد كونها بحيث يمكن القتال عليها عادة إذا أراده ، ليكون محسوبا من المدد ، وذلك مفقود ها هنا.

لأنا نقول : الإمكان في نظر الشارع حاصل وإن انتفى حسّا.

قوله : ( والأقرب احتساب الأجرة منه ).

أي : الأقرب احتساب الأجرة اللازمة للغاصب من سهم الفرس المغصوب الثابت للمالك بسب حضوره.

ووجه القرب : أن المالك إنما استحق السهم بسبب فعل الغاصب ، وهو :

٤١٨

ولو كان ذا أفراس فالوجه التقسيط ، فيأخذ المالك حصته مع حضوره.

______________________________________________________

أخذ الفرس والانتفاع به ، فاستوفى عوض منفعته ، ولا يكون للمعوّض الواحد أزيد من عوض.

وفيه نظر ، لأنا لا نسلم أن المالك إنما استحق ذلك بالسبب المذكور ، ولم لا يجوز أن يكون استحقاقه لكونها فرسا له مع الجيش ، والأجرة ثابتة على الغاصب ، فلا يسقط بالأمر المحتمل؟

وأيضا فإنّ السهم من الغنيمة ليس في مقابل منفعة الفرس ، وإنما هو ثابت بالأصالة للفارس باعتباره ، ولم يملكه الغاصب ، إذ لو ملك لامتنع انتقاله عنه ، ولكان أخذ الزائد عن الأجرة منه محرما ، إذ لا مقتضي له ، ويستحيل أن يؤدي دينه اللازم له مما لا يملكه ولا يستحقه من غير رضى من مالكه ، فالأصح وجوب الأجرة على الغاصب وراء السهم.

قوله : ( ولو كان ذا أفراس فالوجه التقسيط ، فيأخذ المالك حصته مع حضوره ).

أي : لو كان الغاصب ذا أفراس سوى المغصوب ، أو يقال : الجمع على حقيقته ، فلا حاجة إلى التقييد بما سوى المغصوب ، فالوجه تقسيط ما يستحقه بسبب الفرس الثاني بين المغصوب وما يملكه.

ووجهه : أن سهمه الذي يستحقه بنفسه لا مدافع له ، وكذا الذي يستحقه بسبب إحدى أفراسه ، لأن المغصوب واحد ، فلا يمكن أن يكون له أزيد من سهم ، ويبقى السهم الثالث ، كما يحتمل نسبته إلى فرسه الآخر يحتمل نسبته إلى المغصوب بغير تفاوت ، فنسبته إلى أحدهما دون الآخر ترجيح بغير مرجح ، فيتعين التقسيط : بأن يقسم السهم قسمين ، فيكون للمالك نصفه ، وللغاصب نصفه باعتبار فرسه الآخر.

واعلم : أن الشارح الفاضل السيد عميد الدين جعل التقسيط بوجه آخر ،

٤١٩

ولو تعددت أفراس المالك خاصة ، أو افراسهما معا فإشكال.

______________________________________________________

وهو : تقسيط مجموع السهمين على الأفراس الثلاثة. وفيه نظر (١) ، لأن في الرواية عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « إذا كان مع الرجل أفراس في غزو لم يسهم إلا لفرسين منها » (٢) وذلك دال على إلغاء ما سوى فرسين ، وهذه كما تدل على نفي تقسيط مجموع السهمين على الأفراس كلها ، تدل على أن السهم إما للفرس المغصوب ، أو لفرس الغاصب ، لأن الاستثناء في سياق النفي يدل على الحصر ، وهو يقتضي إلغاء أحد الأفراس المنافي للتقسيط.

والحق : أن للغاصب بأفراسه ثلاثة أسهم كاملة ، والترجيح قائم ، فإن المملوك أولى بنسبة السهم إليه من جهة كونه مملوكا ، لانتفاء أهلية ملك الغاصب السهم بسبب المغصوب ، ولأنه لو لم يوجد المغصوب لا يستحق ذلك ، فمع وجوده يبقى استحقاقه للاستصحاب ، ولأن وجود المغصوب في حقه كعدمه ، ويجب سهم أخر للمغصوب يستحقه مالكه مع حضوره.

والمصنف لما أسلف أن المالك يستحق السهم في مقابل منفعة الفرس التي استوفاها الغاصب ، حيث جعل الأجرة منه ، لم يوجب للمالك سهما بالاستقلال ، وفيه ضعف ظاهر.

فرع : لو تعددت أفراس الغاصب واتحد المغصوب وكانت أفراس الغاصب فوق اثنتين ، فعلى ما اخترناه يسقط السهم على ثلاثة إن كانت أفراسه ثلاثة ، وعلى أربعة إن كانت أربعة ، وعلى هذا ، وعلى ما ذكره الشارح ، يقسط مجموع السهمين على مجموع الأفراس.

قوله : ( ولو تعدد أفراس المالك خاصة ، أو أفراسهما معا فإشكال ).

هنا مسألتان :

الاولى : أنّ تتعدد أفراس المالك دون الغاصب ، لأن تعدد أفراس‌

__________________

(١) في « س » تقدم الفرع الذي سيأتي فيما بعد ، والظاهر أن محله الصحيح هناك لما لا يخفى.

(٢) الكافي ٥ : ٤٤ حديث ٣ ، التهذيب ٦ : ١٤٧ حديث ٢٥٦ ، الاستبصار ٣ : ٤ حديث ٦.

٤٢٠