جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٣

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٣

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٩

المطلب الثالث : في الأحكام ، من ترك الطواف عمدا بطل حجه ، وناسيا يقضيه ولو بعد المناسك ،

______________________________________________________

قوله : ( من ترك الطواف عمدا بطل حجه ).

مما يشكل تحقيق ما به يتحقق الترك ، فإنه لو سعى قبل الطواف لم يعتد به ، ولو قصر لزمته الكفارة إن كان معتمرا ، وإن أحرم بنسك آخر بطل فعله.

ويمكن أن يحكم في ذلك العرف ، فإذا شرع في نسك آخر عازما على ترك الطواف ، بحيث يصدق الترك عرفا حكم ببطلان الحج ، أو يراد به خروجه من مكة بنية عدم فعله ، ولم أظفر في هذا الباب بشي‌ء.

وفي رواية علي بن أبي حمزة : إنّ من جهل أن يطوف حتى رجع الى أهله عليه إعادة الحج وبدنة (١). ولا دلالة فيها على اعتبار الرجوع الى الأهل في تحقق الترك ، لأنّ ذلك وقع في حكاية حال التارك.

ويمكن أن يقال : إن كان الطواف لعمرة التمتع ، فيتحقق الترك إذا تركه بعد ضيق الوقت ، إلا عن باقي المناسك من الإحرام للحج والوقوفين وغيرهما أقل الواجب ، وإن كان للحج فبعد خروج ذي الحجة ، وإن كان لعمرة الافراد فبعد الخروج من مكة ، أو يحكم في هذا الأخير العرف ، أو يقال في هذا الأخير : ما دام لا يتضيق عليه نسك آخر ، لا يتحقق الترك ، بل يقال : لا يكاد يتحقق معنى الترك المقتضي للبطلان فيها ، لأنّ العمرة المفردة هي المحللة من الإحرام عند بطلان نسك آخر لا غيرها (٢) ، فلو بطلت لاحتيج في التحلل من إحرامها إلى أفعال العمرة ، وهو ظاهر البطلان.

قوله : ( وناسيا يقضيه ... ).

الجاهل كالعامد ، وعليه بدنة لصحيحة علي بن جعفر عن أبي الحسن عليه‌السلام (٣).

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٥٦ حديث ١٢٤٠ ، التهذيب ٥ : ١٢٧ حديث ٤١٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٨ حديث ٧٨٦.

(٢) في « س » و « ه‍ » : غيرها ، ولا يمكن المساعدة عليه.

(٣) قرب الاسناد : ١٠٧.

٢٠١

ويستنيب لو تعذر العود.

ولو نسي طواف الزيارة ، وواقع بعد رجوعه إلى أهله فعليه بدنة ، والرجوع لأجله. وقيل لا كفارة إلاّ على من واقع بعد الذكر.

ولو نسي طواف النساء‌ استناب ، فان مات قضاه وليه واجبا.

______________________________________________________

قال في الدروس : وفي وجوب هذه البدنة على العالم نظر من الأولوية (١).

قوله : ( ويستنيب لو تعذر العود ).

قال في الدروس : المراد به : المشقة الكثيرة ، ويحتمل أن يراد بالقدرة : الاستطاعة المعهودة في الحج (٢) ، ولا بأس بما صار إليه ، نظرا إلى المتبادر إلى الفهم عرفا.

قوله : ( ولو نسي طواف الزيارة وواقع ) الى قوله : ( وقيل : لا كفارة إلا على من واقع بعد الذكر ) (٣).

هذا القول هو الأصح ، لظاهر حسنة معاوية بن عمار (٤) ، ويشكل على هذا القول ما سيأتي من روايتي عبد الله بن مسكان ، وسعيد بن يسار : أنّ من واقع وقد نقّص من سعيه شرطا ساهيا قبل أن يذكر ، عليه دم بقرة (٥). فإنّ الوجوب لنقص شوط من السعي ـ إذا واقع قبل التذكر مع اشتراط التذكر في جميعه ـ غير واضح ، ولعل الإيجاب مطلقا أظهر. ويجب الرجوع لأجله ، فإن تعذر استناب.

ولو تكرر الوطء عمدا فينبغي تكرر الكفارة (٦).

قوله : ( ولو نسي طواف النساء استناب ... ).

__________________

(١) الدروس : ١١٦.

(٢) المصدر السابق.

(٣) قاله ابن إدريس في السرائر : ١٣٥.

(٤) الكافي ٤ : ٣٧٨ حديث ٣ ، التهذيب ٥ : ٣٢١ حديث ١١٠٤.

(٥) التهذيب ٥ : ١٥٣ حديث ٥٠٤ ، ٥٠٥.

(٦) في « ن » و « ه‍ » وردت جملة ( ويجب الرجوع. تكرر الكفارة ) قبل جملة ( ويشكل على هذا ... مطلقا أظهر ).

٢٠٢

ويجب على المتمتع ثلاث طوافات : طواف عمرة التمتع ، وطواف الحج ، وطواف النساء.

وعلى القارن والمفرد أربعة : طواف الحج ، وطواف النساء ، وطواف العمرة المفردة ، وطواف النساء فيها.

______________________________________________________

المستند حسنة معاوية بن عمار (١) ، ولو واقع بعد الذكر وجب عليه ما يجب على المجامع قبل طواف النساء عمدا.

ولو اتفق حضور من عليه طواف النساء ، أو كان من نيته العود لم تجز الاستنابة ، ولو ترك طواف النساء عمدا وجب الرجوع لأجله ، صرح به في الدروس (٢) ، ووجهه : أنّ الاستنابة إنما وردت في الناسي ، فيبقى العامد على حكم الوجوب. ولو نسي طواف عمرة التمتع أو الافراد وجب العود له مع الإمكان.

ولو واقع ، فان كان ناسيا فلا شي‌ء عليه ، وإن كان بعد الذكر أمكن انسحاب حكم طواف الزيارة هنا ، ولو تركه جاهلا فالظاهر بطلان النسك ، لأنّ الجاهل عامد ، إذ هو مخاطب بالتعلم. وهل تجب الكفارة كطواف الزيارة؟ فيه احتمال ، للمساواة (٣).

فرع :

قال شيخنا الشهيد في حواشيه : لم يذكر الأكثر قضاء السعي لو قضى الطواف ، وفي الخلاف يقضي السعي بعده ، ونقل عن المخالف قولا ، ثم قال : ما قلناه مجمع عليه (٤).

قلت : ويشهد له ما تقدم التنبيه عليه من الرواية الدالة على أنّ من سعى ولم يطف يطوف ثم يعيد السعي (٥).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥١٣ حديث ٥ ، الفقيه ٢ : ٢٤٥ حديث ١١٧٥ ، التهذيب ٥ : ١٢٨ ، ٢٥٥ حديث ٤٢٢ ، ٨٦٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٨ ، ٢٣٣ حديث ٧٨٩ ، ٨٠٨.

(٢) الدروس : ١١٦.

(٣) لم ترد في « س » ‌

(٤) الخلاف ١ : ٢٧٧ مسألة ٢٥٨ كتاب الحج.

(٥) الكافي ٤ : ٤٢١ حديث ٢ ، التهذيب ٥ : ١٢٩ حديث ٤٢٦ ، ٤٢٧.

٢٠٣

وطواف النساء واجب في الحج والعمرة المبتولة ، دون عمرة التمتع ، على الرجال ، والنساء ، والصبيان ، والخناثى ، والخصيان ، وهو متأخر عن السعي للمتمتع وغيره ، فان قدمه ساهيا أجزأ ، وإلاّ فلا إلاّ مع الضرورة كالمرض وخوف الحيض.

وغير طواف النساء متقدم على السعي ، فإن عكس أعاد سعيه.

ويجب على المتمتع تأخير طواف الحج وسعيه عن الموقفين ومناسك منى يوم النحر.

ولا يجوز له تقديمه إلاّ لعذر كالمرض ، وخوف الحيض ، والزحام للشيخ العاجز.

ويكره للقارن والمفرد ولمن طاف تأخير السعي ساعة ، ولا يجوز‌ الى الغد مع القدرة.

______________________________________________________

قوله : ( والعمرة المبتولة ).

من البتل : وهو القطع ، لأنها مقطوعة عن الحج ، أي : منفردة بخلاف عمرة التمتع ، فإنها داخلة فيه.

قوله : ( فان عكس أعاد سعيه ).

وإن كان ناسيا كما قدمناه.

قوله : ( إلاّ لعذر كالمرض ).

المانع من العود مثلا ، والحيض الذي يتوقع حصوله حين العود ، وخوف فوت الرفقة ، ونحو ذلك.

قوله : ( ويكره للقارن والمفرد ).

أي : يكره ذلك لهما ، فيجوز التقديم اختيارا على الأصح.

قوله : ( ولمن طاف تأخير السعي ساعة ، ولا يجوز إلى الغد ).

٢٠٤

ولا يجوز لبس البرطلة في طواف العمرة ، ولا في طواف الحج مع تقديمه ، ولو نذر الطواف على أربع فالأقوى بطلان النذر.

الفصل الثالث : في السعي وفيه مطلبان :

الأول : في أفعاله ، ويجب فيه النية المشتملة على الفعل ، ووجهه ، وكونه سعي حج الإسلام أو غيره ، والتقرب الى الله تعالى ، والبدأة بالصفا بحيث يجعل كعبه ملاصقا له ،

______________________________________________________

الممنوع منه تأخيره إلى الغد ، فيجوز إلى الليل ، وهو في بعض الأخبار (١) ، ولو أخره إلى الغد أتم وأجزأه.

قوله : ( ولا يجوز لبس البرطلة ).

بضم الباء والطاء المهملة وإسكان الراء وتشديد اللام مع الفتح : هي قلنسوة طويلة ، كانت تلبس قديما ، وروي : أنها من زي اليهود (٢) ، وأصح القولين تحريم لبسها ، حيث يحرم ستر الرأس.

قوله : ( ولو نذر الطواف على أربع فالأقوى بطلان النذر ).

هذا هو الأصح ، إذ لم يتعبد بمثله ، والرواية بوجوب طوافين (٣) لا عمل عليها.

قوله : ( فيه النية المشتملة على الفعل ، ووجهه ، وكونه سعي حج الإسلام أو غيره ... ).

وتجب أيضا فيها الاستدامة والمقارنة لوقوفه على الصفا ، أي جزء منه ، أو لإلصاق عقبه به إن لم يصعد عليه ، ولأول حركات السعي.

قوله : ( بحيث يجعل كعبه ملاصقا له ).

لو قال : عقبه لكان أولى ، لأنّ الكعب في لغة العرب غير العقب ، وهذا‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٢١ حديث ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٥٢ ، ٢٥٣ حديث ١٢١٨ ، ١٢١٩ ، التهذيب ٥ : ١٢٨ حديث ٤٢٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٩ حديث ٧٩٠.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٥٥ حديث ١٢٣٥ ، التهذيب ٥ : ١٣٤ حديث ٤٤٣.

(٣) الكافي ٤ : ٤٢٩ حديث ١١.

٢٠٥

والختم بالمروة بحيث يلصق أصابع قدميه بها.

والسعي سبعة أشواط من الصفا إليه شوطان.

ويستحب الطهارة ، واستلام الحجر ، والشرب من زمزم ، وصب مائها عليه من الدلو المقابل للحجر ، والخروج من الباب المقابل له ، والصعود على الصفا ، واستقبال ركن الحجر ، وحمد الله ، والثناء عليه ، واطالة الوقوف ، والتكبير سبعا ، والتهليل كذلك ، والدعاء بالمأثور ،

______________________________________________________

إذا لم يصعد على الصفا.

قوله : ( بحيث يلصق أصابع قدميه بها ).

أي : بالمروة ، وهذا إذا لم يصعد على درجة المروة ، وفي اعتبار إلصاق أصابع القدمين معا توقف.

قوله : ( من الصفا إليه شوطان ).

وحكي قول بأنهما شوط واحد (١).

قوله : ( والخروج من الباب المقابل له ).

قال في الدروس : الذي خرج منه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو الآن من المسجد معلّم بأسطوانتين معروفتين ، فليخرج من بينهما ، قال : والظاهر استحباب الخروج من الباب الموازي لهما (٢).

قوله : ( والصعود على الصفا ).

في بعض الأخبار ما يدل على استحباب الصعود على المروة (٣) ، ونبه عليه في المنتهى (٤).

قوله : ( وإطالة الوقوف ).

__________________

(١) قاله أبو بكر الصيرفي من الشافعية كما في المجموع ٨ : ٧١.

(٢) الدروس : ١١٨.

(٣) الكافي ٤ : ٤٣٣ حديث ٨ ، التهذيب ٥ : ١٤٧ حديث ٤٨٤.

(٤) المنتهى ٢ : ٧٠٤.

٢٠٦

والمشي فيه ، والرمل للرجل خاصة بين المنارة وزقاق العطارين ، والهنيئة في الطرفين ، والراكب يحرك دابته ، ولو نسي الرمل رجع القهقرى ورمل في موضعه ، والدعاء فيه.

______________________________________________________

أي : على الصفا بقدر سورة البقرة مرسلا ، تأسيا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رواه معاوية بن عمار ، عن الصادق عليه‌السلام صحيحا (١) ، وروي : أنه يورث الغنى (٢).

قوله : ( والرمل للرجل خاصة بين المنارة وزقاق العطارين ).

في رواية معاوية بن عمار ، عن الصادق عليه‌السلام : « ثم انحدر ماشيا ، وعليك السكينة والوقار ، حتى تأتي المنارة ، وهي طرف المسعى ، فاسع مل‌ء فروجك ، ـ إلى أن قال : ـ حتى تبلغ المنارة الأخرى ، قال : وكان المسعى أوسع مما هو اليوم ، ولكن الناس ضيقوه » (٣).

وعلل الرمل في هذا الموضع بأنه من جملة وادي محسر ، ذكره في المنتهى (٤) وغيره (٥).

قوله : ( والهنيئة في الطرفين ).

في حواشي الشهيد : إنّ المعروف الهينة ، قال في الصحاح : على هينتك ، أي : على رسلك (٦).

قوله : ( ولو نسي الرمل رجع القهقرى ).

أي : إلى المكان الذي يرمل فيه ، والقهقرى بفتح القافين والراء وإسكان‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٣١ حديث ١ ، التهذيب ٥ : ١٤٥ حديث ٤٨١.

(٢) الكافي ٤ : ٤٣٣ حديث ٦ ، الفقيه ٢ : ١٣٥ حديث ٥٧٨ ، التهذيب ٥ : ١٤٧ حديث ٤٨٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٨ حديث ٨٢٧.

(٣) الكافي ٤ : ٤٣٤ حديث ٦ ، التهذيب ٥ : ١٤٨ حديث ٤٨٧.

(٤) المنتهى ٢ : ٧٠٥.

(٥) التذكرة ١ : ٣٦٦.

(٦) الصحاح ( هون ) ٦ : ٢٢١٨.

٢٠٧

المطلب الثاني : في أحكامه ، السعي ركن ، إن تركه عمدا بطل حجه ، وسهوا يأتي به ، ولو خرج رجع ، فان تعذر استناب ، وتحرم الزيادة على السبع عمدا فيعيد ، لا سهوا فيتخير بين إهدار الثامن وبين تكميل أسبوعين.

______________________________________________________

الهاء هو : المشي إلى خلف من غير التفات بالوجه والرجوع مستحب.

لكن هذه الكيفية ذكرها الشيخ (١) والأصحاب (٢) ، وعبارتهم محتملة للوجوب والاستحباب ، فيحتمل وجوبها وعدمه.

قوله : ( السعي ركن إن تركه عمدا بطل حجه ).

تحقيق الترك (٣) كما سبق في الطواف.

قوله : ( وسهوا يأتي به ).

هل الجاهل كالعامد ، أم كالناسي؟ المتجه الأول.

قوله : ( فان تعذر استناب ).

المراد بالتعذر : المشقة الكثيرة ، وهل تلزمه كفارة لو ذكر ثم واقع؟ لا نص فيه. لكن وجوبها على من ظن إتمامه فواقع ، ثم تبين النقص كما سيأتي ، يقتضي الوجوب بطريق أولى ، ومقتضاه الوجوب وإن واقع قبل التذكر (٤) ، وهذا في المتمتع ، أما غيره فلا دليل يدل عليه.

قوله : ( فيتخير بين إهدار الثامن ، وبين تكميل أسبوعين ).

إنما يتخير إذا أكمل الثامن ، وإلاّ قطع وجوبا ، فان لم يفعل بطل ، لدلالة الأخبار على إبطال الزيادة ، إلا إذا سعى ثمانية (٥) ، وحيث تخير يكون السعي‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٣٦٣ ، النهاية : ٢٤٥.

(٢) منهم : ابن البراج في المهذب ١ : ٢٤٢ ، والشهيد في الدروس : ١١٩.

(٣) في « س » : الركن. والمثبت هو الصحيح انظر صحيفة : ٨٥٨.

(٤) في « ن » و « ه‍ » : الذكر.

(٥) الكافي ٤ : ٤٣٦ حديث ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٥٧ حديث ١٢٤٦ ، ١٢٤٧ ، التهذيب ٥ : ١٥٢ حديث ٤٩٩ ، ٥٠٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٩ حديث ٨٣٢ ، ٨٣٥.

٢٠٨

ولو لم يحصّل العدد ، أو حصّله وشك في المبدأ وهو في المزدوج على المروة ، أو قدمه على الطواف أعاد.

ولو تيقن النقص أكمله ، ولو ظن المتمتع إكماله في العمرة فأحل وواقع ، ثم ذكر النقص أتمه ، وكفّر ببقرة على رواية. وكذا لو قلّم ، أو قص شعره ويجوز الجلوس خلاله للراحة ، وقطعه لحاجة له ولغيره ثم يتمه‌

______________________________________________________

الثاني مستحبا ، قيل : لم يشرع استحباب السعي إلا هنا.

قوله : ( ولو ظن المتمتع إكماله في العمرة فأحل وواقع ، ثم ذكر النقص أتمه وكفّر ببقرة على رواية ، وكذا لو قلّم أو قص شعره ).

مستند الحكمين رواية عبد الله بن مسكان (١) ، ورواية سعيد بن يسار ، عن الصادق عليه‌السلام (٢). لكن في عبارة المصنف إشكال ، فإن قوله : ( فأحل ) مقتضاه أنه قصّر ، فيكون الحكم بالدم للمواقعة ، فيمكن حملها على اعتقاده الإحلال في نفسه.

قيل : إنما فعل كذا ، لأنّ الكفارة تترتب على المجموع ، وعلى الأبعاض كفارة واحدة.

والحق : أنّ ترتيب الحكم على المجموع يشعر بأنّ الأبعاض لا تقتضيها ، فإذا نص على القلم وقص الشعر وحده بقي حكم المواقعة غير معلوم.

قوله : ( وقطعه لحاجة له ولغيره ).

هذا يشعر بأنه لا يجوز قطعه إلاّ لحاجة ، ويجوز قطعه لصلاة فريضة إذا دخل وقتها كما سيأتي ، وهل يجوز اختيارا؟ فيه إشكال.

قوله : ( ثم يتمه ).

إطلاق العبارة يقتضي البناء ولو على شوط ، وهكذا يستفاد من‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٥٦ حديث ١٢٤٥ ، التهذيب ٥ : ١٥٣ حديث ٥٠٥.

(٢) التهذيب ٥ : ١٥٣ حديث ٥٠٤.

٢٠٩

ولو دخل وقت الفريضة قطعه ثم أتمه بعد الصلاة.

الفصل الرابع : في التقصير ، فإذا فرغ من السعي قصّر واجبا ، وبه يحل من إحرام العمرة المتمتع بها ، وأقله قص بعض الأظفار أو قليل من الشعر.

ولا يجوز أن يحلق ، فيجب عليه شاة مع العمد ، ويمر يوم النحر الموسى على رأسه وجوبا ،

______________________________________________________

الأخبار (١) ، وهو مذهب الأكثر (٢) ، والظاهر أنّ بعض الشوط كالشوط ، وقيل : تعتبر مجاوزة النصف كالطواف (٣).

قوله : ( ولو دخل وقت الفريضة قطعه ، ثم أتمه بعد الصلاة ).

يستحب قطعه حينئذ ، ولا يجب ذلك قطعا ، وإن كان ظاهر العبارة ربما يوهمه.

قوله : ( ولا يجوز أن يحلق ، فيجب عليه شاة مع العمد ).

ولا يجزئه الحلق على الأصح ، للنهي عنه (٤).

ولا يقال : إنّ الحلق إنما يكون تدريجا ، فإذا زال أقل شعر صدق التقصير ، لأنّ الاعتبار بالنية والمنوي ـ وهو الحلق ـ منهي عنه ، فيجب التقصير بعد ذلك.

ويجب في التقصير النية المشتملة على كونه في عمرة التمتع ، والوجه إلى آخره ، ويجب كونه بمكة.

ويستحب أن يكون على المروة ، وتكفي الإزالة بالنتف والحديد والنورة ، والقرض بالسن.

قوله : ( ويمر يوم النحر الموسى على رأسه وجوبا ).

أي : الذي حلق في إحرام العمرة المتمتع بها ، لموثقة أبي بصير عن أبي‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٣٨ حديث ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٥٨ حديث ١٢٥٣ ، التهذيب ٥ : ١٥٧ حديث ٥٢٠.

(٢) منهم : الشيخ في المبسوط : ٣٦٢ ـ ٣٦٣ ، وابن إدريس في السرائر : ١٣٦.

(٣) القائل المفيد في المقنعة : ٦٩.

(٤) التهذيب ٥ : ١٦٠ حديث ٥٣٣.

٢١٠

والأصلع استحبابا ، ويأخذ من لحيته أو أظفاره ، ولو حلق بعض رأسه جاز.

ولو ترك التقصير حتى أهل بالحج سهوا صحت متعته ، ولا شي‌ء عليه ، وروي‌ شاة ،

______________________________________________________

عبد الله عليه‌السلام (١).

قال شيخنا الشهيد رحمه‌الله : وفيه تنبيه على أنّ الواجب في الحج منوط بالرأس اختيارا ، قال : وفي الآية الكريمة إيماء إلى ذلك ، وهي قوله تعالى ( مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ) (٢).

ولا دلالة فيه على الوجوب ، لإمكان أن يقال : يستحب الحلق ، فلو كان قد حلق في إحرام عمرة التمتع فقد فوّته ، فيجب عليه الحلق إن نبت على رأسه شعر ويكفيه ، وإن لم يكن قد نبت ( على رأسه ) (٣) شعر أمرّ الموسى وجوبا ، ثم قصر مع ذلك وجوبا ، ولا يلزم ما ذكره من التنبيه.

قوله : ( والأصلع استحبابا ).

أي : يستحب له ذلك ، لأنّ الحج يطلب فيه الحلق ، فمع فواته يصار إلى ما يشبهه.

قوله : ( ويأخذ من لحيته وأظفاره ).

أي : كل من الحالق والأصلع ، قال شيخنا الشهيد : وفيه تنبيه على أنه بدل اضطراري (٤) ، وهذا يتم له إن أراد بذلك الاستحباب.

قوله : ( ولو حلق بعض رأسه جاز ).

أي : في عمرة التمتع ، لأنّ الممنوع منه حلق الرأس ، وهذا لا يخرج عن التقصير.

قوله : ( ولو ترك التقصير حتى أهل بالحج ـ الى قوله : وروي :

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٥٨ حديث ٥٢٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٢ حديث ٨٤٢.

(٢) الفتح : ٢٧.

(٣) ما بين القوسين لم ترد في « س » و « ه‍ ».

(٤) في « س » : اختياري.

٢١١

وعمدا تصير حجته مفردة على رأي ، ويبطل الثاني على رأي.

______________________________________________________

شاة ).

هي رواية إسحاق بن عمار (١) ، وهي محمولة على الاستحباب ، لروايته هو عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنه لا شي‌ء عليه (٢).

قوله : ( وعمدا تصير حجة مفردة على رأي ، ويبطل الثاني على رأي ).

الأول : هو المشهور بين الأصحاب ، لصحيحة أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام قال : « المتمتع إذا طاف وسعى ، ثم لبى بالحج قبل أن يقصر ، فليس عليه أن يقصر ، وليس له متعة » (٣).

والمراد به : المتعمد ، جمعا بينه وبين حسنة معاوية بن عمار عن الصادق عليه‌السلام في رجل أهلّ بالعمرة ، ونسي أن يقصر حتى يدخل في الحج قال : « يستغفر الله ، ولا شي‌ء عليه ، وتمت عمرته » (٤).

ويشكل بوجوه :

الأول : إنّ الإحرام منهي عنه قبل التقصير ، والنهي في العبادة يدل على الفساد.

وقيل : النهي ليس عن الإحرام ، بل عن وصف خارج ، أعني : الإخلال بالتقصير المقارن له.

وجوابه : إنّ المنهي عنه نفس الإحرام ، لأنه على هذه الحالة غير مشروع.

ويرد عليه ، أنّ عدم شرعيته على هذه الحالة لا يقتضي عدم شرعيته مطلقا ، لأنّ انتفاء الشرعية المخصوصة لا يقتضي انتفاء الشرعية مطلقا ، لأنّ انتفاء‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٥٨ حديث ٥٢٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٢ حديث ٨٤٤.

(٢) التهذيب ٥ : ١٥٩ حديث ٥٢٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٢ حديث ٨٤٥.

(٣) التهذيب ٥ : ١٥٩ حديث ٥٢٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٣ حديث ٨٤٦ ، باختلاف في اللفظ.

(٤) التهذيب ٥ : ١٥٩ حديث ٥٢٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٢ حديث ٨٤٥.

٢١٢

ولو جامع عامدا قبل التقصير وجب عليه بدنة للموسر ، وبقرة للمتوسط ، وشاة للمعسر. ويستحب له بعد التقصير التشبه بالمحرمين في ترك المخيط.

______________________________________________________

الأخص لا يقتضي انتفاء الأعم ، وللمعارضة (١) بكثير من الصور مثل التقدم على الامام عمدا ، والصلاة مع منافاتها لحق آدمي مضيق ، أو حق الله تعالى كذلك.

ويمكن أن يقال : إنّ الترتيب بين الإحرام والتقصير إن كان شرطا تحقق النهي عن الإحرام ، لأنه حينئذ لم يأت بالواجب على الوجه المأمور به كتقديم العصر (٢) عمدا ، والتحقيق أنه لو لا الرواية لاتّجه البطلان.

الثاني : منافاة قوله عليه‌السلام : « وإنما لكل امرئ ما نوى » (٣) فإن المنوي وهو حج التمتع غير واقع على ذلك التقدير ، والواقع وهو حج الإفراد غير منوي.

ويمكن الجواب بأنّ الإخلال بالتقصير يقتضي بقاءه على إحرامه الأول ، والإحرام الثاني مانع من التقصير بعد ذلك فتنتفي المتعة ، فيلزم الافراد ، لا أنّ الإفراد يقع بالإحرام الثاني ليقع الفعل بغير نية.

الثالث : إنّ أفعال العمرة قد تمت ، والتقصير خارج ، لأنه محلل.

وجوابه : أنّ كونه محلّلا لا يقتضي خروجه ، وإتيانه ببعض الأفعال لا يقدح ببقائه على الإحرام الأول. ولو سلم لكفى بقاؤه على الإحرام الأول في إعداده لثبوت الحكم المدعى ، ولا نظر إلى كون الأفعال ( قد ) (٤) تمت أولا ، لأنّ التقصير بعد الإخلال ممتنع للرواية (٥) ، والإحرام الأول باق.

الرابع : إنّ الرواية (٦) قاصرة الدلالة ، مع إمكان حملها على متمتع عدل‌

__________________

(١) في « ن » : والمعارضة.

(٢) في « ن » و « ه‍ » : القصر.

(٣) صحيح البخاري ١ : ٢ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٦٢ حديث ٢٢٠١.

(٤) لم ترد في « س » و « ه‍ ».

(٥) التهذيب ٥ : ١٥٩ حديث ٥٢٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٢ حديث ٨٤٥.

(٦) المصدر السابق.

٢١٣

الفصل الخامس : في إحرام الحج والوقوف ، وفيه مطالب :

الأول : في إحرام الحج ، والنظر في أمور ثلاثة :

الأول : في وقته ومحله ، أما وقته فإذا فرغ الحاج من عمرة التمتع أحرم بالحج ، وأفضل أوقاته يوم التروية عند الزوال بعد أن يصلي الظهر ،

______________________________________________________

الى (١) الافراد ، ثم لبى بعد السعي ، لأنه قد ورد التصريح بذلك في رواية أخرى (٢).

وجوابه : لا قصور في الرواية ، لأنّ نفي المتعة لا يدل على بطلان الحج ، بل يشعر ببقاء أصله صحيحا ، وإلاّ لكان المنفي هو الحج لا المتعة ، ولا ريب في انتفاء القران ، فلم يبق إلا الافراد ، والحمل المذكور خلاف الظاهر ، ولا باعث قويا على ارتكابه والعدول إلى التأويل ، مع أنّ الحكم مشهور بين الأصحاب ، كما حكاه في الدروس (٣).

ويمكن المعارضة بالناسي ، فإنّ الإحرام لو كان منافيا للتقصير لنافى في حق الناسي ، وهو باطل.

ويجاب بأنّ ذلك كله مدافعة للنص الصحيح الصريح وليس بجائز ، وقد علم وجه القول الثاني مما قررناه والعمل على الأول.

بقي شي‌ء ، وهو أنه بعد انقلاب حج التمتع إفرادا ، هل يجزئ عن فرض المكلف؟ الأقرب لا ، إن كان التمتع متعينا عليه وفاقا لفتوى الدروس (٤).

قوله : ( وأفضل أوقاته عند الزوال ).

أي : بعده بدليل قوله : ( بعد أن يصلي الظهر ) وفي الرواية : بعد أن يصلي‌

__________________

(١) في بعض النسخ « عن » وهي كما ترى.

(٢) التهذيب ٥ : ١٥٩ حديث ٥٢٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٣ حديث ٨٤٦.

(٣) الدروس : ٩٢.

(٤) الدروس : ٩٢.

٢١٤

أو ست ركعات إن وقع في غيره ، وأقله ركعتان.

ويجوز تأخيره الى أن يعلم ضيق وقت عرفة فيجب إيقاعه حينئذ.

وأما المحل فمكة ، فلا يجوز إيقاعه في غيرها ، وأفضل المواطن المسجد تحت الميزاب أو‌ في المقام.

______________________________________________________

الفرضين (١).

قوله : ( أو ست ركعات إن وقع في غيره ).

ينبغي انه إن لم يتفق وقت فريضة الظهر يوقعه عقيب فريضة ولو مقضيّة ، فان لم يتفق اكتفى بست ركعات أو ركعتين ، ومع الفرض يصلي الركعات قبله كما سبق في إحرام العمرة.

والعبارة لا تفيد هذه الأحكام ، مع أنّ الضمير في ( غيره ) إذا ردّ إلى ( عند الزوال ) ، وهو المتبادر من سياق العبارة ، اقتضى الاكتفاء في الأفضلية بست ركعات في غير وقت الزوال مطلقا ، ( وليس كذلك ، لاستحباب رعاية الفرض مطلقا ) (٢) ، وتكلف ردّ الضمير إلى الفرض لا يخلو من تعسف.

قوله : ( ويجوز تأخيره إلى أن يعلم ضيق وقت عرفة ، فيجب إيقاعه حينئذ ).

ضيق وقت العبادة يستعمل في ضيقه عنها بحيث لا يسعها ، وفي ضيقه عن غيرها بحيث لا يكفي إلاّ للعبادة ، فإن حملت العبارة على المعنى الثاني سلمت عن الطعن.

قوله : ( وأفضل المواطن المسجد ، تحت الميزاب أو في المقام ).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٦٧ حديث ٥٥٧.

(٢) ما بين القوسين لم ترد في « س ».

٢١٥

ولو نسيه حتى يخرج إلى منى رجع الى مكة وجوبا مع المكنة ، فإن تعذر أحرم من موضعه ولو من عرفات.

الثاني : الكيفية ، وتجب فيه النية المشتملة على قصد حج التمتع خاصة ـ من غير ذكر العمرة فإنها قد سبقت ، ولو نسي وأحرم بها بنى على قصده من إحرام الحج ـ

______________________________________________________

كل منهما مروي (١) ، وفي الدروس رجح فعلهما في المقام (٢) ، وهو خيرة المختلف (٣) ، وبه رواية (٤) ، وهو الأصح.

قوله : ( ولو نسيه ... ).

مثل (٥) الجاهل بخلاف العامد ، فإنه لا بد من عوده ، والا فلا نسك له.

قوله : ( فلو نسي وأحرم بها بنى على قصده من إحرام الحج ).

إن كان إحرامه بها بمجرد النطق ، والمقصود هو الحج فلا شبهة في الصحة ، إلا أنّ ذلك بعيد أن يكون مقصود العبارة.

والظاهر من عبارته هنا ، ومن عبارة غير هذا الكتاب : أنّ الخطأ في القصد الذي هو النية (٦) ، وبه رواية تدل بظاهرها على اغتفار الخطأ في الإرادة (٧).

وفي الصحة حينئذ نظر ، لأنّ « الأعمال بالنيات ، ولكل امرئ‌

__________________

(١) أما حكم الإحرام من عند المقام فرواه الشيخ في التهذيب ٥ : ١٦٩ حديث ٥٦١ ، والاستبصار ٢ : ٢٥٢ حديث ٨٨٦.

وأما حكم الإحرام تحت الميزاب ، قال في كشف اللثام ١ : ٣٥٢ : ( ولم أظفر لخصوص الميزاب بخبر ) ، لكن روي في خبر معاوية : « من عند المقام أو في الحجر » ، راجع الكافي ٤ : ٤٥٤ حديث ١ ، التهذيب ٥ : ١٦٧ حديث ٥٥٧.

(٢) الدروس : ١٢٠.

(٣) المختلف : ٢٩٧.

(٤) انظر : الهامش رقم (٢).

(٥) في « ن » و « ه‍ » : مثله.

(٦) في التذكرة ١ : ٣٧٠ ، وفي المنتهى ٢ : ٧١٥.

(٧) قرب الاسناد : ١٠٤ وفيه. فأخطأ قبل العمرة. ، التهذيب ٥ : ١٦٩ حديث ٥٦٢ ، وفيه. فأخطأ فقال : العمرة.

٢١٦

وعلى الوجوب أو الندب لوجههما. والتقرب الى الله تعالى ، ولبس الثوبين ، والتلبيات الأربع كما تقدم في إحرام العمرة من الواجب والمستحب. ويلبّي الماشي في الموضع الذي صلى فيه ، والراكب إذا نهض به بعيره ، ويرفع صوته إذا أشرف على الأبطح ، ثم يخرج إلى منى ملبيا.

______________________________________________________

ما نوى » (١). وبالجملة ، فالقول بالصحة لا يخلو من اشكال.

قوله : ( وعلى الوجوب أو الندب ).

الكلام في حج التمتع المسبوق بالعمرة ، والندب إنما يتصور على القول بعدم وجوبه بالشروع في العمرة ، وقد سبق للمصنف فيه إشكال.

قوله : ( لوجههما ).

الأولى حمل الوجه على سبب الوجوب كالنذر والإسلام وغيرهما ، لكن تصور هذا في الندب غير واضح ، ولو أجزأ في المندوب المنذور بالقلب منعنا وجوب ذكر السبب حينئذ.

ولا ريب أنّ حمل وجههما على الوجه المقتضي لشرع التكليف بالواجب والمندوب بعيد ، إذ لا يجب الجمع بينهما وبين وجههما معا ، إلا على النسخة التي صورتها : ( أو وجههما ) فإنه لا إشكال حينئذ.

قوله : ( كما تقدم في إحرام العمرة من الواجب والمستحب ).

أي : في اللبس والتلبيات الأربع ، ولو عمم فقال : وغيرهما من الواجب والمستحب لكان أولى.

قوله : ( ويلبي الماشي في الموضع الذي صلى فيه ، والراكب إذا نهض به بعيره ).

ظاهره تأخير التلبية إلى نهوض البعير به ، ويشكل ، بأنه لا بد من عقد‌

__________________

(١) أمالي الطوسي ٢ : ٢٣١ ، التهذيب ١ : ٨٣ حديث ٢١٨ ، صحيح البخاري ١ : ٢ ، صحيح مسلم ٣ : ١٥١٥ حديث ١٥٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٤١٣ حديث ٤٢٢٧ ، سنن النسائي ١ : ٥٠٩ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٦٢ حديث ٢٢٠١.

٢١٧

ويستحب استمراره عليها الى زوال الشمس يوم عرفة.

الثالث : في أحكامه ، ويحرم به ما قدمناه في محظورات إحرام العمرة.

ويكره ما يكره فيه ، وتاركه عمدا يبطل حجه ، لا ناسيا على رأي

______________________________________________________

الإحرام بها ، واستحباب الإحرام في المقام ، أو تحت الميزاب يقتضي عدم تأخيره إلى وقت الركوب.

وفي الدروس استحب رفع الصوت بالتلبية في موضع الإحرام للماشي وللراكب إذا نهض به بعيره (١) ، وهو خلاف المفهوم من الأخبار (٢) ، ومن عبارة المصنف السابقة مع قوله : ( ويرفع صوته إذا أشرف على الأبطح ) وفي التذكرة (٣) والمنتهى (٤) مثل ما هنا ، والموافق لقوانين المذهب هو ما ذكره في الدروس (٥).

ويمكن تنزيل الأخبار على أنّ الراكب يجهر بالتلبية إذا نهض به بعيره ، ويرفع صوته بها إذا أشرف على الأبطح. أما التلبية التي يعقد بها إحرامه فإنه يسر بها ، وهو تنزيل ملائم ، وهو قريب مما قال ابن إدريس في السرائر : فإن كان ماشيا جهر بالتلبية من موضعه الذي عقد الإحرام فيه ، وإن كان راكبا لبى إذا نهض به بعيره ، فإذا انتهى إلى الردم وأشرف على الأبطح رفع صوته بالتلبية (٦).

قوله : ( وتاركه عمدا يبطل حجه ، لا ناسيا على رأي ).

قد سبق الكلام على ذلك ، قال الشارح ولد المصنف ما معناه : إن الخلاف في نسيان التلبية ، أما ناسي النية فإن إحرامه يبطل إجماعا (٧).

__________________

(١) الدروس : ١٢٠.

(٢) التهذيب ٥ : ٨٥ حديث ٢٨١ ، الاستبصار ٢ : ١٧٠ حديث ٥٦٣.

(٣) التذكرة ١ : ٣٧٠.

(٤) المنتهى ٢ : ٧١٤.

(٥) الدروس : ١٢٠.

(٦) السرائر : ١٣٧.

(٧) إيضاح الفوائد ١ : ٣٠٥.

٢١٨

فيجب ما يجب على المحرم من الكفارة على اشكال.

ولا يجوز الطواف بعد الإحرام حتى يرجع من منى ، فان طاف ساهيا لم ينتقض إحرامه. قيل ويجدد التلبية ليعقد بها الإحرام.

المطلب الثاني : في نزول منى.

يستحب للحاج بعد الإحرام يوم التروية الخروج إلى منى من مكة بعد صلاة الظهر ، والإقامة بها الى فجر عرفة ، وقطع وادي محسر بعد طلوع الشمس.

______________________________________________________

ويظهر من كلام شيخنا الشهيد في شرح الإرشاد أنّ الخلاف في ترك النية أيضا.

قوله : ( فيجب عليه ما يجب على المحرم من الكفارة على إشكال ).

ينشأ من عموم الأخبار الدالة على أنّ من فعل ما يوجب الكفارة على المحرم قبل التلبية لا شي‌ء عليه (١) ، ومن أنه يلحق بالمحرم ، ولهذا صحت باقي أفعاله ، وفي الأول قوة ، والوجوب أحوط.

قوله : ( فان طاف ساهيا لم ينتقض إحرامه ، قيل : ويجدد التلبية ، ليعقد بها الإحرام ) (٢).

الأصح الاستحباب ، واختاره الشيخ في التهذيب (٣).

قوله : ( والإقامة بها إلى فجر عرفة ).

فيكره قبله ، وقيل : يحرم (٤).

قوله : ( وقطع وادي محسر بعد طلوع الشمس ).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٨٢ حديث ٢٧٢ ـ ٢٧٤ ، الاستبصار ٢ : ١٨٨ باب من جامع قبل عقد الإحرام بالتلبية ، وغيرها.

(٢) قاله ابن حمزة في الوسيلة : ١٩٦ ، والشيخ في المبسوط ١ : ٣٦٥ ، والنهاية : ٢٤٨.

(٣) التهذيب ٥ : ١٦٩.

(٤) قاله أبو الصلاح في الكافي في الفقه : ١٩٨ ، وابن البراج في المهذب ١ : ٢٥١.

٢١٩

وللعليل والكبير وخائف الزحام الخروج قبل الظهر ، وكذا الإمام يستحب له أن يصلي الظهرين بمنى ، والإقامة بها الى طلوع الشمس.

ويكره الخروج منها قبل الفجر لغير عذر.

ويستحب الدعاء عند دخولها ، والخروج منها ، وإليها بالمنقول ، وحدها من العقبة إلى وادي محسر ، والمبيت بمنى ليلة عرفة مستحب للترفه لا فرض.

المطلب الثالث : في الوقوف بعرفة ومباحثه ثلاثة :

الأول : الوقت والمحل ، ولعرفة وقتان اختياري : من زوال‌

______________________________________________________

أي : مجاوزته فيكره قبله ، وقيل بالتحريم (١).

قوله : ( وللعليل ـ إلى قوله : ـ قبل الظهر ).

لكل منهم الخروج قبله بما شاء من نحو يوم ويومين.

قوله : ( ويكره الخروج منها قبل الفجر لغير عذر ).

وقيل : يحرم (٢) ، وقد سبق.

قوله : ( وحدّها من العقبة إلى وادي محسر ).

محسر بكسر السين : موضع من منى ، ذكره في الصحاح (٣).

قوله : ( والمبيت بمنى ليلة عرفة مستحب ، للترفه لا فرض ).

قيل : فلا ينوي له إذ لا يعد في المستحبات الدينية. وليس بشي‌ء ، لأنّ المستحب ديني ، وإن كان الغرض منه الدنيا.

ويمكن أن يقال : هو إرشادي كالإشهاد عند التبايع ، لكن تعبير المصنف بالاستحباب ينافيه.

__________________

(١) قاله الشيخ في المبسوط ١ : ٣٦٦ ، والنهاية : ٢٤٩ ـ ٢٥٠.

(٢) قاله أبو الصلاح في الكافي في الفقه : ١٩٨ ، وابن البراج في المهذب ١ : ٢٥١.

(٣) الصحاح ( حسر ) ٢ : ٦٣٠.

٢٢٠