اليواقيت الحسان في تفسير سورة الرّحمن

آية الله مجد الدّين النّجفي الإصفهاني

اليواقيت الحسان في تفسير سورة الرّحمن

المؤلف:

آية الله مجد الدّين النّجفي الإصفهاني


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الذخائر
الطبعة: ١
الصفحات: ١٣٥

ـ الشيخ حسينعلي المنتظري

ـ الشيخ حيدر علي الجبل عاملي

ـ الشيخ رحمت الله الفشاركي

ـ الشيخ محمد رضا مداح الحسيني

ـ الشيخ عبد الرحيم الفضيلتي

ـ الشيخ علي اكبر الفقيه

ـ المرحوم الشيخ محمد علي الاقائي

ـ الشيخ علي الشمس

ـ الشيخ قاسم الكاظميني

ـ السيد محمد الفقيه الاحمد آبادي

ـ السيد محمود الامام جمعه زاده

ـ الشيخ مرتضى التمنائي

ـ الشيخ مرتضى الشفيعي

ـ الشيخ مرتضى المقتدائي

ـ الشيخ مظفر الكاظميني

ـ الشيخ مهدي مجد الاسلام النجفي ، نجله

ـ الشيخ هادي النجفي ، حفيده

تأليفاته القيمة :

له تأليفات قيمة في غاية الحسن والفصاحة كما ينبغي له ، ألفها مع عدم تفرغه لهذا الشأن واشتغاله في اكثر الأوقات بالتدريس وتربية الطلاب ، وتوليه للشؤون الاجتماعية وقضاء حوائج العامة ، واليك سرد أسمائها :

٢١

* ـ ايرادات وانتقادات على دائرة المعارف لفريد وجدي.

* ـ ترجمة « نقد فلسفة دارون » من العربية الى الفارسية في مجلدين ضخمين.

* ـ حاشية الروضات : طبع بعض منها مع حاشية والده على الروضات.

* ـ حاشية « سمط اللئال في مسئلتى الوضع والاستعمال » طبعت.

* ـ حاشية « وقاية الأذهان » في علم الأصول : طبعت.

* ـ دروس في فقه الامامية ( كتاب الصلاة وكتاب الصوم ) وهي دروسه التي كان يلقيها على تلامذته في البحث المعروف بالخارج.

* ـ رسالتان في ترجمة والده ونفسه.

* ـ رسالة في ترجمة جده العلامة الحاج الشيخ محمد حسين النجفي الاصفهاني « قده » كتبها بعنوان المقدمة لتفسيره ( طبعت ).

* ـ صرف أفعال ، رسالة ألفها في صغره.

* ـ الفوائد الرضوية في شرح الفصول الغروية ، أو حاشية على فصول عمه العلامة الشيخ محمد حسين الاصفهاني في علم الأصول.

* ـ گل گلشن : انتخبها من منظومة ( گلشن راز ) للعارف المشهور الشيخ محمود الشبستري.

* ـ المختار من القصائد والاشعار ، وهي الرسالة الثانية في هذه المجموعة.

* ـ مسائل العلوم.

* ـ اليواقيت الحسان في تفسير سورة الرحمن ، وهي الرسالة الأولى في هذه المجموعة.

نموذج من نثره :

هذا كتاب الى نجله العلامة الشيخ مهدي مجد الاسلام النجفي كتبه بتاريخ

٢٢

٢ / ١١ / ١٣٣٦ ش :

« ولدي العزيز ، جعلني الله فداك وزرقك العزة والسعادة في آخرتك ودنياك وجعل من يحسدك وقاك وعمرك الله عمراً طويلا مع الصحة والسلامة وأبقاك. قد وصل كتابك وسررت كثيراً من بلاغة أسلوبه وفصاحة مرقومه ، وخصوصاً الأشعار الرنانة التي كتبتم في الصفحة الثانية من كتابكم ، ولاسيما أشعار أحمد شوقي ... وكذا ما ذكرتم في ترجمة الاشعار التي كتبتها اليكم ، فقد أحسنتم كل الاحسان وأجدتم كل الاجادة ، فلله دركم وعلى الله أجركم.

أما ماذكرتم في اول الكتاب من أن هذه الأشعار من لامية العرب فغير صحيح لأنها لامية العجم التي عارض بها لامية العرب. ولامية العجم للطغرائي وهو مؤيد الدين حسن بن علي بن محمد الطغرائي الاصفهاني المنشئ الدئلي من ولد أبى اسود الدئلي المقتول في سنة ٥١٥ خمس ععشرة وخمسمائة بتهمة فساد العقيدة وقد جاوز ستين سنة في الحرب التي وقعت بين السلطان مسعود السلجوقي والسلطان محمود السلجوقي ، فأخذ الطغرائي أسيراً وقتل صبراً وكان وزيراً للسلطان مسعود المذكور ، وسمي بالطغرائي لأنه كان متولياً ديوان الطغراء.

وأما ما ذكرتم في وصف لامية العرب وان قائلها الشنفري ـ الى آخرما ذكرتم ـ فصحيح جداً وقد أجدتم في بيانها ...

وأرجو منك أن تبلغ سلامي وتحياتي ... الى السيدين السندين الموسوي (١) والنوربخش (٢) والشيخين الجليلين الحائري (٣) وابن الدين (٤) ».

__________________

١) هو السيد مجتبى الموسوي صهر المصنف.

٢) هو العلامة الاستاذ السيد كمال الدين النور بخش.

٣) هو العلامة الفيلسوف نجل المحقق الحائري الشيخ مهدي اليزدي.

٤) هو العلامة الاستاذ الشيخ عبد الحسين ابن الدين.

٢٣

نموذج من شعره :

كان رحمه‌الله قليل الشعر انشاءاً وكثير الشعر نشاداً محيث نقل عنه الشيخ محمد علي المعلم الحبيب آبادي «ره» في كتابه « مكارم الاثار » أبياتاً لجده من طريق الام السيد محمد علي بن السيد صدر الدين المعروف بآقا مجتهد ( ت ١٢٧٤ ) قال «ره» ما نصه : « ... آقاى مجد العلماء (١٣٢٦) اين اشعار را از او نقل مى كرد :

محتسب مستان زمستان جام مى

تازه مستان از زمستان رسته اند

شيخ را از پارسائي چاره نيست

چون در ميخانه بروى بسته اند

باستشارهء مستان گسسته ام تسبيح

كجااست خوشه تاكى كه استخاره كنم(١)


وقال المترجم «ره» في بعض مصنفاته : « أيضاً شعر عربى له طاب ثراه ( أي لشيخنا البهائي ) :

قد صرفت العمر في قيل وقال

يا نديمى قم فقد ضاق المجال

وقد قلت في هذا المعنى على نهج شعره «ره» :

آنچه ندارد عوضى در جهان

عمر عزيز است غنيمت بدان

وترجم هذا البيت من لامية العجم :

لو كان في شرف المأوى بلوغ منى

لم تبرح الشمس يوماً دارة الحمل

بقوله :

اگر درمكان بود عز وخوشى

هميشه بدى شمس أندر حمل

وترجم الى الفارسية ايضاً هذه الابيات من لامية العجم :

__________________

١) مكارم الاثار ٤ / ١٠٩٦.

٢٤

فان علاني من دوني فلا عجب

لي اسوة بانحطاط الشمس عن زحل

فانما رجل الدنيا وواحدها

من لايعول في الدنيا على رجل

غاض الوفا وفاض الغدر وانفرجت

مسافة الخلف بين القول والعمل

بقوله :

اگر برترى جست پستر زمن

مرا اسوه باشد به شمس وزحل

يگانه رجل در جهان آن كس است

كه تعويل نارد بديگر رجل

همانا وفا رفت وغدر آمده است

مسافت بود بين قول وعمل

راجع كتاب « المختار من القصائد والأشعار » للمترجم له.

امامته للجماعة :

كان يقيم الجماعة في المسجدين الأعظمين المزد حمين « مسجد نو » في سوق اصبهان و « مسجد الامام » اكثر من أربعين عاماً.

واقتدى به جماعة كبيرة من مختلف الطبقات من وجوه الفضلاء والمتدينين والوجهاء.

اخلاقه الفاضلة :

كان رحمه‌الله مؤدباً بالاخلاق الاسلامية والاداب القرآنية متبعاً للتعاليم النبوية متأدباً بالأخلاق المحمدية ، كما وصف الله تعالى نبيه الاكرم في كتابه الكريم بقوله

٢٥

عز من قائل : « انك لعلى خلق عظيم » (١) وكما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ».

وهو من غير ملق ومجاملة اقتدى بالنبي الأكرم والأئمة الهداة المهديين عليهم صلوات رب العالمين ، ولذا كان محبوب القلوب ووجيه الملة عند جميع الطبقات من الخواص والعوام.

اولاده :

له اربعة ابناء وخمس بنات :

أما أبناؤه فأكبرهم العلامة آية الله الحاج الشيخ مهدي مجد الاسلام النجفي وهو امام الجماعة في المسجدين المذكورين اللذين أقام الجماعة فيهما والده والمدرس في مختلف العلوم الاسلامية.

وثانيهم : المهندس محمد رضا النجفي.

وثالثهم : المهندس محمد النجفي أدام الله تعالى ايامهم وتوفيقاتهم.

ورابعهم : حسين النجفي ، توفى وهو طفل في عام ١٣٣٢ ش.

وفاته ومدفنه :

توفي رحمه الله تعالى في صبيحة يوم الأربعاء عشرين من ذي الحجة سنة ١٤٠٣ ق المطابق لسادس شهر مهر ١٣٦٢ ش في طهران ، ونقل جثمانه الشريف الى اصبهان فوصل اليها يوم الخميس وغسل في بيته ثم شيع تشييعاً ضخماً الى مسجد الامام ومنها الى مسجد « نو » ( الذي بناه جده الاكبر العلامة الفقيه الرئيس آية الله العظمى الحاج الشيخ محمد باقر النجفي الاصفهاني من تلاميذ الشيخ

__________________

١) سورة القلم : ٠٤.

٢٦

الاعظم الأنصاري قدس‌سرهما ) بعد أن تعطلت الأسواق ودفن هناك في أيوان الشمال الشرقي ، رحمة الله عليه رحمة واسعة.

ومن طريف البيان ، ان سمع منه انه كان يقول : « نعم اليوم يوم الأربعاء » ولعله كان يشير الى هذا البيت الفارسي :

خرم آن روز كه زين منزل ويران بروم

پى جانان طلبم در پى آنان بروم

تسلية المراجع بوفاته :

لما انتشر نبأ وفاته في البلاد بواسطة الراديو والتلفزيون والجرائد ، انهالت برقيات كثيرة الى نجله من علماء البلاد والمراجع العظام ، تعزية بالمصاب الجلل وتسلية له ولسائر الاسرة ، وممن أبرق :

١ ـ آية الله العظمى الامام الخميني مد ظله العالي

٢ ـ آية الله العظمى السيد ابوالقاسم الموسوي الخوئي مد ظله العالي

٣ ـ آية الله العظمى الحاج الشيخ حسينعلي المنتظري مد ظله العالي

٤ ـ آية الله العظمى السيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني مد ظله العالي

٥ ـ آية الله العظمى السيد شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي مد ظله العالي

٦ ـ آية الله العظمى المرحوم السيد عبد الله الشيرازي طاب ثراه

مراثيه :

رثاه جمع من العلماء والشعراء بما جادته به قريحتهم من المراثي بالعربية والفارسية ، واليك نماذج من تلك المراثي :

٢٧

١ ـ منهم العلامة الحجة الحاج السيد مجتبى الصادقي أدام الله ايامه بأبيات أرخ فيها سنة الوفاة ايضا :

لهفي لموت البطل العليم

ذي المجد ثم الحسب القديم

أف لدهر يقنطف ثمر الهدى

من دوحة العلم ذي النسب الكريم

فأردت ان اورخ عام وفاته

ليكون تذكرة الاخلاف والحميم

ألحق الى المجموع سبعاً ثم قل

«نرجو لمجد العلم مثوى في النعيم»

( ١٣٦٢ش )

٢ ـ ومنهم الأديب الاستاذ علي المظاهري ، قال في ابيات بالفارسية :

مجد العلماء ومجد دين رفت

آن عالم عالم يقين رفت

آن مظهر زهد وپارسائى

آن رهبر راه راستين رفت

از مجمع عالمان معلم

از حلقه زاهدان نگين رفت

محراب نشين مسجد نو

بر منبر عرش از زمين رفت

آن دم كه از اين جهان به جنت

آن پاك نهاد پاك بين رفت

تاريخ وفات او رقم شد

«رونق ده علم وحصن دين رفت»

(١٣٦٢ش)

والشطر الاخير الذي نظم فيه التاريخ هو للاستاذ الاديب السيد قدرت الله الهاتفي وفقه الله تعالى.

٣ ـ ومنهم الاديب الاستاذ الجمشيدى بقوله بالفارسية :

عالمى چون بگذرد از روزگار

عالمى گريان شود بى اختيار

از وجود عالمان دين بود

نظم اين گردنده گيتى بر قرار

هر كه شد با عالمان دين قرين

شد بدور زندگانى كامكار

٢٨

ملت ايران از اين دانشوران

يافت در دور جهانى اقتدار

رهبران دين ز جانبازى خويش

خوش بر آوردند از دشمن دمار

مجد دين مجد شرف مجد كمال

بود عمرى در ره حق استوار

تا كه از جمع عزيزان شد جدا

قلب اهل دين شد از غم داغدار

گرچه آن بحر كمال ومعرفت

رفته او از عالم ناپايدار

مانده از او شاخه هاى بارور

در جهان علم ودانش يادگار

اين مصيبت را به اهل علم ودين

خاصه بر آن رهبر والا تبار

تسليت گوييم وداريم آرزو

عمرشان باشد به گيتى پايدار

خاندانش را بخواهم تا ابد

در پناه حضرت پروردگار

٤ ـ ومنهم الشاعر البارع الاستاذ فضل الله اعتمادى ( برنا ) :

مجد العلماء كه مجد دين نامش بود

حب حق وحب دين مى جامش بود

آن حبر كه كسب فضل وتدريس علوم

رسم وروش وسيرت مادامش بود

آن عالم عاملى كه روحانيت

سنخيت خاندان واقوامش بود

آن مجتهد مسلمى كاندر فقه

داراى اجازات ز اعظامش بود

هم زاده از كياى دانش بابش

هم وارث رهبران دين مامش بود

هم حب بتول ومرتضى داشت بدل

هم حامى مصطفى واسلامش بود

٢٩

مهر حسن وحسين واولاد حسين

چون جان وروان بجسم واندامش بود

در بندگى خدا لياليش گذشت

تعليم وهدايت كار ايامش بود

در هر عمل خير كه ميكرد قيام

كوشا زدل وجان پى اتمامش بود

نه فكر فريب خلق در سر پرورد

نه ميل به پيرروى اوهامش بود

نه ظلم وستم كسى در اعمالش ديد

نه نقص وخلاف وغش در احكامش بود

هر جا كه شدى ز كثرت حسن سلوك

هر كس پى احترام واكرامش بود

گفت ارجعى دعوت حق را لبيك

چون وقت فرا خواندن واعزامش بود

برنا پى تاريخ وفاتش بنوشت

بيتى كه بشمسى جمع ارقامش بود

(مجد العلماء كه مجد دين نامش بود

حب حق وحب دين مى جامش بود)

( ١٣٦٢ ش )

٣٠

مصادر الترجمة :

ترجمته بقلمه ـ امجدية. الطبعة الثالثة / ١١ ـ ٣٤.

تاريخ علمى واجتماعى اصفهان در دو قرن اخير (بيان سبل الهداية فى ذكر أعقاب صاحب الهداية) المجلد الثانى والثالث.

دانشمندان وبزرگان اصفهان / ٣٢٩.

گنجينهء دانشمندان ٥ / ٣٨٤ ـ ٣٨٦.

مكارم الاثار ٤ / ١٠٩٦.

نقباء البشر ٢ / ٧٥٣.

جريدة (عرفان) شهر فروردين ١٣٢٢ ش.

٣١
٣٢

اليواقيت الحسان

في تفسير سورة الرحمن

٣٣

٣٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله بارىء النسم وخالق العالم ، الذي أوجدنا من كتم العدم ، والصلاة والسلام على المنقذ الأعظم ، والنبى الأفخم ، والرسول الأكرم ، سيد ولد آدم ، وعلى آله الأئمة الاطهارهداة الأمم ومفاتيح الظلم.

وبعد : يقول المفتقر الى رحمة رب العالمين العبد المسكين مجد الدين ابن العلامة جامع المعقول والمنقول ابي المجد الشيخ محمد الرضا النجفي طاب الله ثراه وجعل الجنة مثواه :

سألني بعض الاخوان عن سر تكرير الاية الشريفة في سورة الرحمن ، فأجبته جواباً كافياً بازاحة ما خلج بباله شافياً ـ فالتمس مني أن أذكر ذلك في كتاب ، وان أضيف اليه تفسير هذه السورة المباركة في ضمن فصول وأبواب ، فنكلت عن ذلك زمانا واخرت الاقدام على ذلك أوانا ، علما مني بأنا في زمان كثر فيه العناد وظهر فيه الفساد واتخذ أهله اللغو عادة واللهو سعادة والجهل علما والخديعة فخرا ، وسكن الأفاضل زوايا الخمول وقربت شمس الهداية على الأفول.

٣٥

لما رأيت الجهل في الناس فاشيا

تجاهلت حتى ظن أني جاهل

فواعجبا كم يدعي الفضل ناقص

ووا أسفا كم يظهر النقص فاضل

ولما طال الحافه في ذلك واصر على ذلك أجبته الى مسئوله في نيل مأموله وسميته ( اليواقيت الحسان في تفسير سورة الرحمن ).

ونسأل الله الكريم المنان بحرمة رسوله نبي الرحمة واله البررة أولياء الرحمن صلوات الله عليهم والرضوان أن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم وذخري ليوم الدين ، وان ينفعني به واخواني المؤمنين ، انه على كل شىء قدير وبالاجابة جدير ، عليه توكلت واليه أنيب.

وهذا أوان الشروع في المقصود متوكلا على الله الملك المعبود :

٣٦

مقدمة

( في اعجاز القرآن )

القرآن العظيم والفرقان الكريم امتاز عن سائر معجزات نبينا المنقذ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ على كثرتها ـ بأنه المعجزة الباقية على مرالدهر وصفحات الأيام ، فهو باق في كل زمان ومكان ، ولايختص بعصر الرسالة كما لا اختصاص له بقرن دون قرن ومكان دون مكان ، ينادي اليوم كما نادى أولا في الجوامع والمجامع التى اجتمعت الانس والجن « على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا » (١).

وتحدى المرسل به صلى‌الله‌عليه‌وآله ودعا فصحاء العرب من مصفى خطبائها وفحوا شعرائها ، فقال بتعليم الله تعالى له : « فأتوا بسورة من مثله » (٢) « فأتوا بعشر سور مثله مفتريات » (٣) ، فنكصوا على أعقابهم خائبين وظهر عجزهم للعالمين ، واختاروا اللئام على الكلام والقتال على المقال ، لعلمهم بأنه معجز للبشر

__________________

١) سورة الاسراء : ٨٨.

٢) سورة البقرة : ٢٣.

٣) سورة هود : ١٣.

٣٧

ولجأوا الى الافتراء فقالوا : « ان هذا الا سحر يؤثر » (١).

القرآن اكبر معجزة باقية الى الان في جميع الأصقاع والبلدان ، معجزة من الوجهة التاريخية ، معجزة من جهة الاحتجاج ، معجزة من وجهة التشريع العادل ونظام المدنية ، معجزة من وجهة الاستقامة والسلامة من الاختلاف والتناقض ، معجزة من الوجهة الاخلاقية ، معجزة في اخباره عن المغيبات ، معجزة من الوجهة العلمية (٢).

فان الفلكي لما يتلو قوله تعالى « الم نجعل الأرض مهادا » (٣) أو قوله تعالى « وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمرمر السحاب » (٤) يتعجب كيف قال القرآن العظيم بتحرك الأرض ودورانها على نفسها منذ أربعة عشر قرنا تقريبا بينما كانت الهيئة البطلميوسية قائلة بسكون الأرض ودوران الأجرام. وكذلك المجسطي المرجع الوحيد والمعول عليه في تعليم الهيئة والفلك قبل ذهاب غاليلة وكبرنيك واضرابهما الى ذلك الرأي بقرون واجيال ، وقد حبس غاليلة في أروبا لقوله بتحرك الأرض وحكم البابا بكفره لقوله بذلك وان زعمه ينافي العهدين القديم والجديد.

هذا في أرقى ممالك ذلك العصر ، أعني المملكتين الشرقية والغربية ( الفرس والروم ) ، واما الجزيرة العربية فلم تعرف حتى هذه الفلسفة ولاعلمت حتى هذه النظرية ولاسمعت اسم بطلميوس ولا جالينوس ولا أفلاطون وارسطاطاليس ، ولاعرفت من الظواهر الطبيعية الا أن الحر في الصيف شديد وفي الشتاء تقل حرارة الهواء ، يغزو أهلها بعضهم بعضا ويقتل ويسلب بعضهم بعضا ، يؤودون البنات ويأكلون

__________________

١) سورة المدثر : ٢٤.

٢) راجع لتفصيل البحث الى مقدمات آلاء الرحمن فى تفسير القرآن.

٣) سورة النبأ : ٦.

٤) سورة النمل : ٨٨.

٣٨

الحيات يقال : انه سئل بعضه عن مأكله ومشربه؟ فأجاب بأناً نأكل كلما دب ودرج الا [ ... ] (١) أوالجبل.

نعم ، برع بينهم في العصر الجاهلي شعراء أذكياء ، ولكن في الفصاحة الطبيعية والمعاني الساذجة ووصف الغمراء والبيداء ومدح المرأة الحسناء ، لا في المعاني الدقيقة والحقائق العلمية.

أما في الدولتين السابقتين الحكمة على المسكونة فقد ظهر فيهم أيضاً ما يشين وجه التاريخ من العادات الفاسدة والاراء الكاسدة ، ولا نطول الكلام بالتفصيل بل نقنع بالاشارة اليها.

في ذلك الظلام الدامس والوحشية السوداء وتلك الجزيرة البعيدة عن المدنية والبلاد القاحلة ، نزل القرآن المبين على قلب سيد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله الطاهرين ، ناطقا بالحقائق العلمية وادق الاراء الفلسفية واصح المذاهب النظرية والحق الأبلج من المطالب الدينية ، فنهضت تلك الامة المغلوبة على أمرها ببركة القرآن [ ... ] (٢) وفتحت الشرق والغرب والشمال والجنوب ، ووصلت جنودها واعلامها الى حدود الصين من جهة والى المحيط [ الأطلسي ] من جهة أخرى ، فتحوا البلاد الأندلسية والممالك الساحلية على المحيط الغربى وفتح المسلمون بعد ذلك بلاد روسيا وممالك بلغانيا والقسم الاعظم من أروبا ، فصارت تلك الأمة الوحشية أرقى الأمم وسيد العالم ، ونبغ بينهم علماء وفلاسفه أذكياء ، واسسوا المجامع العلمية والمعاهد المدرسية ومدنية راقية ، وعلى أثره والاقتباس منه ظهر التمدن الحديث على أعلامها ، ولكن تلك كانت خالية من هذه الويلات وتلك العيوبات و ... (٣).

نعم ، ان القرآن أوحي على محمد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وكانت معجزته

__________________

١ و ٢ ) كلمات لاتقرأ.

٣ ) خرجنا عما هو المقصود والشىء يذكر. منه قدس‌سره.

٣٩

الخالدة من الوجهة العلمية ، فانه يتضح من متواترات التاريخ أم المنقذ الأعظم لم يدخل مدرسة قط ولا تعلم عند أحد ، بل ما قرأ كتابا ولا خط بيمينه خطابا [ كما قال الله تعالى ] : «وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك اذاً لارتاب المبطلون » (١).

وما كانت أمته أهل علم وعرفان ، ولو فرضنا أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله مارس جميع التعاليم وتخرج من الكليات ونال أعلى الشهادات فلم يكن ممكنا أن يأتي بمثل هذه الايات الباهرات والمعجزات الخالدات « ان هو الا وحي يوحى » (٢).

وبعبارة أخرى : لو فرض أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله صرف عمره الشريف في التعلم عند أشهر الأساتذة الماهرين واخذ العلم من أعلم العلماء العاملين ، لما كان يمكن الا أن يأتي بمعلومات أهل زمانه والمقرر عند أهل دهره واوانه. ولما رأينا أن القرآن العظيم نطق بما لم يصل العلماء الى تحقيقه الا بعد مضي قرون واجيال والعصور الطوال واختراع آلات دقيقة وتلسكوبات عظيمة كبيرة [ كما في علم الفلك وسنشير الى هذا في ضمن سير الايات الباهرات ] علمنا أنه منزل من رب العالمين على قلب حبيبه سيد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله ليكون نذيراً للعالمين ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين.

حتى أن عدو الاسلام والمسلمين بل عدو كافة الأديان والمتدينين ناشر فرضية دارون في البلاد العربية والشرق الأدنى الدكتور شبلي شميل (٣) يقول في مدح

__________________

١) سورة العنكبوت : ٤٨.

٢) سورة النجم : ٤.

٣) شميل ( شبلى ) ( ١٨٦٠ ـ ١٩١٧ ). طبيب لبنانى من كفرشيما. له « الاهواء والمياه والبلدان لابى الطب ابقراط الحكيم » ورسالة « الحقيقة » لاثبات مذهب دارون. أول من عرف هذا المذهب الى العالم العربى.

٤٠