إستقصاء الإعتبار في شرح الإستبصار - ج ١

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار في شرح الإستبصار - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-173-7
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٥١٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

الأعضاء ، لأنّه يتحقق الامتثال مع الإخلال بالمتابعة بغسل المغسول ومسح الممسوح فلا يكون قادحاً في الصحة (١) .

وفيه نظر واضح ، لأنّ المأمور به علىٰ تقدير ثبوت المتابعة لم يؤت به علىٰ وجهه فيبقىٰ في العهدة .

إلّا أن يقال : إنّ الأخبار الدالة علىٰ أنّه لا بطلان إلّا مع الجفاف تدل علىٰ الصحة مع عدمه .

وفيه : أنّ الأخبار لا تصلح لإثبات الحكم كما تقدم ، وعلىٰ تقدير الاعتماد عليها إنما تقتضي البطلان مع الجفاف ، ومع عدمه فالصحة لا تستفاد منها إلّا بتكلف غير تام .

وما استدل به بعض علىٰ وجوب المتابعة بأنّه عليه‌السلام تابع في الوضوء البياني تفسيراً للأمر الإجمالي فيجب التأسّي به (٢) .

ففيه : عدم ثبوت الوضوء البياني ، وجواز كون المتابعة وقعت اتفاقاً ، وقد بسطنا القول في هذه المسألة في محل آخر والمجمل ما ذكرناه هنا .

قال :

فأما ما رواه محمد بن علي بن محبوب ، عن أحمد بن محمد ، عن موسىٰ بن القاسم ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسىٰ بن جعفر عليهما‌السلام (٣) قال : سألته عن الرجل لا يكون علىٰ وضوء فيصيبه المطر حتىٰ يبتل رأسه ولحيته وجسده ويداه ورجلاه أيجزيه (٤) ذلك

__________________

(١) المعتبر ١ : ١٥٧ .

(٢) المعتبر ١ : ١٥٦ وانظر المدارك ١ : ٢٢٨ .

(٣) في الاستبصار ١ : ٧٥ / ٢٣١ : عليه السلام .

(٤) في الاستبصار ١ : ٧٥ / ٢٣١ : هل يجزيه .

٤٨١
 &

عن الوضوء ؟ قال : « إن غسله فإن ذلك يجزيه » .

فلا ينافي ما قدمناه ، لأن الوجه فيه أنّ من يصيبه المطر فيغسل أعضاءه علىٰ ما يقتضيه ترتيب الوضوء جاز له أن يستبيح به الصلاة ، وإذا لم يغسل واقتصر علىٰ نزول المطر (١) لم يكن ذلك مجزياً ، ولأجل ذلك قال حين سأل السائل : « إن غسله فإنّ ذلك يجزيه » .

السند‌ :

واضح .

المتن :

لا يخلو من إجمال ، وما قاله الشيخ فيه كذلك ، لأنّه إن أراد بتغسيل الأعضاء إمرار الكف علىٰ العضو ـ كما ينقل عن ابن الجنيد أنه يستفاد من ظاهر كلامه وجوب إمرار اليد (٢) ، وربما يستفاد من بعض الأخبار الواردة في تعليم الوضوء من الإمام عليه‌السلام ، حيث تضمّنت أنّه عليه‌السلام مسح بيده الجانبين وأمرّها علىٰ ساعده ـ أمكن ، إلّا أنّ النص لا يعيّنه ، بل يجوز أن يراد بقوله : « إن غسله » إن استوعبه الماء .

وإن أراد الشيخ بالغَسل في قوله : فيغسل أعضاءه ، القصد إلىٰ غَسلها أمكن أيضاً ، لحصول الفرق بين الوضوء وغيره .

وإن أراد ـ رحمه‌الله ـ الترتيب قصداً ، فهو بعيد الاستفادة من العبارة .

وأمّا النص : فالضمير في قوله : « إن غسله » يحتمل العود إلىٰ محالّ

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٧٥ / ٢٣١ يوجد : عليه .

(٢) حكاه عنه في المختلف ١ : ١١٩ .

٤٨٢
 &

الوضوء المغسول علىٰ معنىٰ كل محل ، أو إلىٰ الجزء ، أي كل جزء ؛ ويحتمل أن يعود إلىٰ ماء المطر ، والمعنىٰ : إن غسل الإنسان ماء المطر أجزأه ، وغسله يراد به إمرار اليد ، وفيه ما لا يخفىٰ .

أمّا من جهة مواضع المسح فقد قدّمنا فيها القول سابقاً مما يغني عن الإعادة ، وغير بعيد أن يستفاد من الخبر وكلام الشيخ إرادة إمرار اليد واستيعاب العضو ، وربما يستفاد من الخبر أنّ الترتيب يحصل بالقصد أو بإمرار اليد علىٰ العضو بعد العضو ، فليتأمل .

قال :

باب المسح علىٰ الرأس وعليه الحِنّاء

أخبرني (١) الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد بن يحيىٰ ، عن أبيه ، عن محمد بن علي بن محبوب ، عن محمد بن الحسين (٢) ، عن جعفر بن بشير ، عن حماد بن عثمان ، عن عمر بن يزيد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يخضب رأسه بالحِنّاء ، ثم يبدو له في الوضوء ، قال : « يمسح فوق الحِنّاء » .

وبهذا الإسناد ، عن محمد بن علي بن محبوب ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في الرجل يحلق رأسه ثم يطليه بالحناء ثم يتوضّأ للصلاة ، فقال : « لا بأس بأن يمسح رأسه والحِنّاء عليه » .

__________________

(١) في « رض » زيادة : الشيخ .

(٢) الاستبصار ١ : ٧٥ / ٣٣٢ في « ج » الحسن .

٤٨٣
 &

السند :

في الخبرين واضح ، والحسين في الثاني هو ابن سعيد ، وعمر بن يزيد في الأول هو ابن محمد بن يزيد ، علىٰ ما جزم به مشايخنا (١) .

المتن :

ظاهر الشيخ بمعونة الكلام الآتي في الخبر المعارض أنّه حمل هذين الخبرين علىٰ المسح فوق جسم الحِناء ، وستسمع القول فيه .

وقد يحتمل أن يراد هنا منه السؤال عن المسح فوق لون الحناء . وقوله : يخضب رأسه بالحناء ، لا يتوقف علىٰ أن يراد به اللون ليحتاج إلىٰ إثبات صحة الإطلاق لغة ، بل يراد بالخضاب الجسم ، لكن يبدو له بعد ذلك الوضوء .

ويحتمل أن يراد الخضاب بماء الحنّاء والمسح فوقه ، وفيه الإشكال من حيث إنّ المسح بالبلل الباقي من الوضوء لم يتحقق حينئذ ، لخروجه عن الإطلاق ، إلّا أن يقال بعدم خروجه بذلك قبل المسح ؛ ولا يخفىٰ بُعد أصل الاحتمال ، فضلاً عن الإشكال .

ونقل عن المفيد أنّه علّل كراهة الاختضاب للجنب بأنّ اللون يمنع وصول الماء إلىٰ البشرة (٢) . وهذا التعليل يحقق السؤال علىٰ وجه يعتد به .

وقال المحقّق في المعتبر : لعلّه نظر إلىٰ أنّ اللون عرض وهو لا ينتقل ، فيلزم حصول الأجزاء من الحِنّاء في محل اللون ليكون وجود اللون

__________________

(١) منهم صاحب منهج المقال : ٢٥٢ .

(٢) حكاه عنه في المعتبر ١ : ١٩٢ وهو في المقنعة : ٥٨ .

٤٨٤
 &

بوجودها ، لكنها حقيقة لا تمنع الماء منعاً تامّاً فكراهته لذلك (١) .

وأنت خبير بأنّ الخبرين ربما ظهر منهما إرادة الجسم من الحِنّاء ، فيحتمل أن يراد المسح علىٰ الحِنّاء بحيث يصل إلىٰ البشرة ، غير أنّ إطلاق الخبرين لا يفيد ذلك ، ولعلّ التقييد من خارج .

ويحتمل أن يكون المسح للضرورة فوق الحنّاء ، كما يحتمل أن يكون محل المسح في المقدم خالياً . والجميع متكلّفة كما لا يخفىٰ .

قال :

فأما ما رواه محمد بن يحيىٰ رفعه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يخضب رأسه بالحناء ثم يبدو له في الوضوء قال : « لا يجوز حتىٰ يصيب بشرة رأسه الماء » .

فأوّل ما فيه : أنّه مرسل مقطوع الإسناد ، وما هذا حكمه لا يعارض به الأخبار المسندة ، ولو سلّم لأمكن حمله علىٰ أنّه إذا أمكن إيصال الماء إلىٰ البشرة فلا بدّ من إيصاله ، وإذا لم يمكن ذلك أو لحقه مشقة في إيصاله لم يجب عليه .

ويؤكد ذلك : ما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام ، عن الدواء إذا كان علىٰ يدي الرجل ، أيجزيه أن يمسح علىٰ طلاء الدواء ؟ قال : « نعم يجزيه أن يمسح عليه » .

__________________

(١) المعتبر ١ : ١٩٢ .

٤٨٥
 &

السند :

في الأول كما قال الشيخ مقطوع ، وفي الثاني حسن بالوشاء .

المتن :

غير خفي دلالته علىٰ وجوب إيصال ماء المسح إلىٰ البشرة ، والخبران المتقدمان وإن كان ظاهرهما المسح فوق جسم الحناء ، إلّا أنّ تأويلهما بما يوافقه ممكن كما تقدم (١) .

وما ذكره الشيخ في تأويل الخبر يدل علىٰ أنّه حمل الخبرين الأولين علىٰ المسح فوق جسم الحناء ، غير أنّ قوله : وإذا لم يمكن أو لحقه مشقة في إيصاله لم يجب عليه ، يدل علىٰ أنّ الخبرين الأوّلين محمولان علىٰ المشقة في إيصال الماء إلىٰ البشرة ، ولا يخفىٰ أنّه وإن كان وجهاً للحمل ، إلّا أنّه بعيد عن ظاهرهما ، وما قدمناه من الاحتمالات أقرب منه ، بل ربما يشكل جمع الشيخ بأنّه يعيّن إرادة جسم الحِنّاء والتقييد فيه ظاهر .

وما ذكره من أنّ الخبر المذكور أخيراً يؤكد ذلك ، يشكل ، بأنّ مورد الخبر الطلاء للدواء ، وهذا بعيد عن مدلول الخبرين ، والشيخ أعلم بما قاله .

ثم إنّ ما ذكره من إيصال الماء إلىٰ البشرة لا يخلو من تأمل ، لأنّ المسح لا بدّ فيه من ملاصقة الماء للممسوح إلّا للضرورة ، أما تعين إيصال الماء إلىٰ البشرة كما هو مدلول الرواية كأنّه محمول علىٰ الرأس المحلوق ، أو أنّ إيصال الماء إلىٰ البشرة لا اليد ، فليتأمل .

__________________

(١) في ص ٤٨٤ ـ ٤٨٥ .

٤٨٦
 &

ثم إنّ ردّ الخبر بالقطع من الشيخ مع إمكان التأويل خلاف ما يفهم منه في أول الكتاب . وبالجملة فالحكم في هذا الباب لا يخلو من اضطراب .

قال :

باب جواز التقيّة في المسح علىٰ الخفين

أخبرني الشيخ ـ رحمه‌الله ـ عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن حماد بن عثمان ، عن محمد بن النعمان ، عن أبي الورد قال ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : إنّ أبا ظبيان حدثني أنّه رأىٰ علياً عليه‌السلام أراق الماء ثم مسح علىٰ الخفين ، فقال : « كذب أبو ظبيان ، أما بلغك قول علي عليه‌السلام فيكم : سبق الكتاب الخفين » فقلت : فهل فيهما رخصة ؟ فقال : « لا ، إلّا من عدوّ تتقيه أو ثلج تخاف علىٰ رجليك » .

السند‌ :

فيه أبو الورد ، وهو مهمل في رجال الباقر عليه‌السلام من كتاب الشيخ (١) ، وفي الكافي حديث معتبر عن سلمة بن محرز ـ وهو مهمل ـ يقتضي مدحاً ما في أبي الورد (٢) ، إلّا أنّ حال الحديث قد سمعته ، وهذا الخبر قد ينافيه بعد التأمّل فيه .

وأمّا أبو ظبيان المحكي عنه فهو من أصحاب علي عليه‌السلام كما نقله‌

__________________

(١) رجال الطوسي : ١٤١ / ١ .

(٢) الكافي ٤ : ٢٦٣ ح ٤٦ ، الوسائل ١١ : ١٠١ أبواب وجوب الحج وشرائطه ب ٣٨ ح ٢٤ .

٤٨٧
 &

العلّامة في الخلاصة عن البرقي (١) ، ونقل في جامع الاُصول أنّ اسمه حصين بن جندب ، وظبيان بكسر الظاء المعجمة ، وأكثر أصحاب الحديث واللغة علىٰ الفتح (٢) . انتهىٰ .

المتن :

ظاهر في إنكار المسح من علي عليه‌السلام علىٰ الخفين ، أمّا قوله : « أما بلغكم قول علي عليه‌السلام فيكم » فربما يدل علىٰ أنّ أبا الورد لم يكن علىٰ الطريق المستقيم ، وقوله : « إلّا من عدوّ تتقيه » قد ينافي ذلك في الجملة ، والأمر في الحديث مريب . لأنّ الظاهر من قوله : « سبق الكتاب الخفين » أنّ المسح عليهما كان مشروعاً ثم نسخ بالكتاب ، وحينئذ يراد بسبق الكتاب أنّ حكمه مقدم ، وفي بعض الأخبار ما يدل علىٰ ما قلناه من المشروعية أوّلاً (٣) ، إلّا أنّ تحقيق الحال في ذلك لا ثمرة له .

وقد قطع الأصحاب علىٰ ما حكاه شيخنا ـ قدس‌سره ـ بجواز المسح علىٰ الحائل للتقية إذا لم تتأدّ بالغسل (٤) .

وفي المختلف : يجوز المسح علىٰ الخفين عند التقية والضرورة إجماعاً ، فإذا زالت الضرورة أو نزع الخف قال الشيخ رحمه‌الله : يجب عليه استئناف الوضوء . والوجه عندي أنّه لا يستأنف . لنا : أنّه ارتفع حدثه بالطهارة الاُولىٰ فلا ينتقض بغير النواقض المنصوص عليها ، احتج الشيخ

__________________

(١) خلاصة العلّامة : ١٩٤ .

(٢) جامع الاُصول : ١٣ : ٣٥٢ .

(٣) الفقيه ١ : ٢٥ / ٧٥ ، الوسائل ١ : ٤٦٠ أبواب الوضوء ب ٣٨ ح ١٣ .

(٤) المدارك ١ : ٢٢٣ .

٤٨٨
 &

بأنّها طهارة ضرورية فتقدر بقدر الضرورة كالتيمم . والجواب بالفرق ، فإنّ الطهارة رفعت الحدث بخلاف التيمم (١) . انتهىٰ .

ولا يخفىٰ عليك وجاهة استدلاله ، أمّا جوابه عن كلام الشيخ ففيه أنّ الرفع حصل في الأمرين ، غاية الأمر أنّ التيمم إلىٰ غاية وهو وجود الماء أو الحدث ، والوضوء إلىٰ غاية وهو الحدث . وما وقع في كلام جماعة من أنّ التيمم رفع المنع ، والوضوء رفع المانع ، فهو مجرد قول لا دليل عليه . إذا تأملت ما قلناه لم يظهر الفرق إلّا بما أشرنا إليه .

ثم إنّ الحديث الدال علىٰ أنّه « لا ينقض الوضوء إلّا حدث » (٢) يتناول ما نحن فيه في الظاهر ، فالأولىٰ الاستدلال به ، غير أنّ فيه بحثاً يأتي الكلام فيه إن شاء الله .

إذا عرفت هذا : فاعلم أنّه قد تقدم (٣) في خبر زرارة وبكير أنّه قال عليه‌السلام في المسح علىٰ النعلين : « ولا تدخل يدك تحت الشراك » .

وشيخنا ـ قدس‌سره ـ قال في هذا المبحث من المدارك ـ عند قول المحقق : ولا يجوز علىٰ حائل من خف أو غيره ـ : ويستثنىٰ من ذلك الشراك إن أوجبنا المسح إلىٰ المفصل (٤) .

وظاهر كلامه أنّ المسح يجب أن يكون فوق الشراك ، ولا أعلم الآن مأخذه .

ثم إنّ للأصحاب خلافاً في أنّه هل يشترط في جواز التقية عدم

__________________

(١) المختلف ١ : ١٣٧ وهو في المبسوط ١ : ٢٢ .

(٢) التهذيب ١ : ٦ / ٥ ، الوسائل ١ : ٢٥٣ أبواب نواقض الوضوء ب ٣ ح ٤ .

(٣) في ص ٤١٢ .

(٤) مدارك الأحكام ١ : ٢٢٣ .

٤٨٩
 &

المندوحة أم لا ؟ فقيل بالثاني ، لإطلاق النص (١) ؛ وقيل بالإشتراط ، لانتفاء الضرر مع وجودها فيزول المقتضي (٢) .

وأنت خبير بأنّ النص المطلق إن أريد به هذا فحاله غير خفية ، وإن أُريد الأخبار الواردة بمطلق التقية ، ففيه : أنّ في بعض الأخبار ما يقتضي اشتراط الضرورة ، وإن كان لي في دلالة ما ذكر من الأخبار تأمل ، والاحتياط في الإعادة أولىٰ .

قال :

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن حماد ، عن حريز ، عن زرارة قال ، قلت له : هل في مسح الخفين تقية ؟ فقال : « ثلاثة لا أتقي فيهن أحداً : شرب المسكر ، ومسح الخفين ، ومتعة الحج » .

فلا ينافي الخبر الأول لوجوه :

أحدها : أنّه أخبر عن نفسه أنّه لا يتقي فيه أحداً ، ويجوز أن يكون إنّما أخبر بذلك لعلمه بأنّه لا يحتاج إلىٰ ما يتقي فيه في ذلك ، ولم يقل : لا تتقوا فيه أنتم أحداً ، وهذا وجه ذكره زرارة بن أعين .

والثاني : أن يكون أراد لا أتقي فيه أحداً في الفتياء بالمنع من جواز المسح عليهما دون الفعل ، لأنّ ذلك معلوم من مذهبه ، فلا وجه لاستعمال التقية فيه .

والثالث : أن يكون أراد لا أتقي فيه [ أحداً ] (٣) إذا لم يبلغ الخوف

__________________

(١) كما في جامع المقاصد ١ : ٢٢٢ ، وروض الجنان : ٣٧ .

(٢) مدارك الأحكام ١ : ٢٢٣ .

(٣) اثبتناه من الاستبصار ١ : ٧٧ / ٢٣٧ .

٤٩٠
 &

علىٰ النفس والمال وإن لحقه أدنىٰ مشقة احتمله ، وإنّما يجوز التقية في ذلك عند الخوف الشديد علىٰ النفس أو المال .

السند‌ :

واضح .

المتن :

ما ذكره الشيخ فيه عن زرارة ينبغي الاعتماد عليه لأنّه الراوي ، إن كان استفاد المعنىٰ من الإمام عليه‌السلام ، وإن كان باجتهاد أمكن التوقف فيه ، لعدم مطابقة الجواب للسؤال كما لا يخفىٰ ، إلّا أن يراد من السؤال تقية الإمام عليه‌السلام ، وغير خفي رجوع هذا إلىٰ تفسير زرارة .

ثم ما ذكره الشيخ بقوله : ويجوز أن يكون ، يحتمل أنّه من كلام زرارة ، وفيه ما فيه . وإن كان من كلام الشيخ ، وقول زرارة إنّما هو ما تقدم علىٰ هذا ، ففيه : أنّ نفي الاحتياج إلىٰ ما يتقىٰ فيه لا يطابق السؤال ، كما هو ظاهر .

وأما الوجه الثاني : فأوّله واضح ، إلّا أنّ قوله : دون الفعل ، لأنّ ذلك معلوم من مذهبه ، فلا وجه لاستعمال التقية فيه ؛ لا يخلو من تأمّل ، فإنّ معلومية كونه من مذهبه لا يقتضي سقوط التقية ، بل التقية مطلوبة مطلقاً ، علىٰ أنّ المناسبة بين قوله : دون الفعل ، والتعليل غير ظاهرة ، لأنّه عليه‌السلام إذا لم يتق في الفتيا أحداً بل يحكم بالمنع فلا وجه للتوقف في الفعل ؛ ولو رجع التعليل إلىٰ قوله : لا أتقي في الفتيا ـ والمعنىٰ أنّ عدم الاتقاء لكونه معلوماً من مذهبه ، وقوله : دون الفعل ، أي لم يرد الاتقاء في الفعل ـ أمكن ،

٤٩١
 &

غير أنّه لا يخلو من الإشكال ، وهو أعلم بمراده .

أمّا الوجه الثالث : ففيه أنّ الاختصاص بالثلاثة لا وجه له ، والخبر قد تضمّن التخصيص .

قال :

باب المسح علىٰ الجبائر

أخبرني الشيخ رحمه‌الله ، عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيىٰ ، عن محمد بن الحسن (١) ، عن صفوان بن يحيىٰ ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الكسير تكون عليه الجبائر أو تكون به الجراحة ، كيف يصنع بالوضوء وعند غسل الجنابة وغسل الجمعة ؟ قال : « يغسل ما وصل إليه الغِسل ممّا ظهر ممّا ليس عليه الجبائر ويدع ما سوىٰ ذلك ممّا لا يستطيع غسله ولا ينزع الجبائر ولا يعبث بجراحته » .

عنه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنّه سئل عن الرجل يكون به القرحة في ذراعه أو غير ذلك من موضع الوضوء فيعصبها بالخرقة ويتوضّأ ويمسح عليها إذا توضّأ ، فقال : « إن كان يؤذيه الماء فليمسح علىٰ الخرقة ، وإن كان لا يؤذيه الماء فلينزع الخرقة ثم يغسلها » قال : وسألته عن الجرح كيف يصنع به في غسله ؟ قال : « اغسل ما حوله » .

أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن علي بن الحسن بن رباط ،

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٧٧ / ٢٣٨ : الحسين .

٤٩٢
 &

عن عبد الأعلىٰ مولىٰ آل سام قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : عثرت فانقطع ظفري فجعلت علىٰ إصبعي مرارة فكيف أصنع بالوضوء ؟ قال : « تعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عز وجل (١) ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (٢) امسح عليه » .

السند :

في الأوّل كما ترىٰ محمد بن الحسن ، وأظنّه محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، لكن النسخ التي وقفت عليها ما ذكرته ، ومحمد بن الحسن علىٰ تقديره الظاهر أنّه غير الصفار ، لأنّ الصفار في مرتبة محمد بن يحيىٰ ، وإن جاز رواية محمد بن يحيىٰ عنه ، أمّا روايته عن صفوان بن يحيىٰ فبعيدة ، كما يعلم من كتب الرجال ، وممّا ينبّه (٣) علىٰ هذا أنّ رواية محمد ابن يعقوب عن الصفار بغير واسطة واقعة ، فإذا روىٰ عن صفوان بن يحيىٰ كانت روايته عن أبي عبد الله بواسطتين لأنّ صفوان من أصحابه ، غير أنه لا مانع منه إنّما هو مستبعد ، ثم إنّ غير الصفار كثير في الرجال ، وقد عدّ بعض المتأخرين الخبر من الصحيح (٤) .

وفي الثاني : حسن بإبراهيم بن هاشم .

والثالث : فيه عبد الأعلىٰ مولىٰ آل سام ، ولم يعلم توثيقه بل ولا مدحه .

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٧٨ / ٢٤٠ زيادة : قال الله تعالىٰ .

(٢) الحج : ٧٨ .

(٣) في « رض » : نبّه .

(٤) كصاحب المدارك ١ : ٢٣٨ .

٤٩٣
 &

المتن :

لا يبعد أن يراد بقوله : « ويدع ما سوىٰ ذلك ممّا لا يستطيع غسله » عدم غسل (١) الجبيرة لا ما يتناول مسحها ، وبتقدير التناول ظاهراً يخص بحديث الحلبي الدالّ علىٰ مسح الخرقة .

واحتمال أن يقال بتقدير التناول : إنّه يجوز حمل المسح علىٰ الاستحباب ، لا يخلو من تأمل ، لأنّ الخبر الأوّل لا يخرج عن الإجمال والآخر مبيِّن له .

نعم : يحتمل أن يخص خبر الحلبي بالخرقة ، ومورد خبر عبد الرحمن الجبيرة ، وفيه ما فيه .

هذا إن عملنا بالحسن ، وإلّا فالخبر الأول لا معارض له .

ومن هنا يعلم أنّ ما في الحبل المتين من أنّ قوله عليه‌السلام : « ويدع ما سوىٰ ذلك » ربما يعطي بظاهره عدم وجوب المسح علىٰ الجبيرة ، والمعروف بين فقهائنا وجوب المسح ، كما يدل عليه الحديث الثاني عشر ، يعني خبر الحلبي (٢) ، محل كلام ، فليتأمّل .

وما تضمنه خبر الحلبي : من أنّه « إذا كان يؤذيه الماء فليمسح علىٰ الخرقة » مطلق بالنسبة إلىٰ الطهارة وعدمها ، والمسح عليها بالاستيعاب وعدمه ، وربما قيل بالاستيعاب (٣) ؛ لأنّ الأصل يجب استيعابه . واعتبار الطهارة مذكورة في كلام من رأينا كلامه .

وما تضمنه الخبر الثالث : من المسح عليه ، يدل علىٰ أنّ القدم في

__________________

(١) في « رض » : غسله .

(٢ و ٣) الحبل المتين : ٢٦ .

٤٩٤
 &

الوضوء تمسح أصابعه ولا يكتفىٰ بالمسمىٰ ، وقد تقدم ما يعارضه .

وينبغي أن يعلم أنّ في كلام الأصحاب هنا إجمالاً ، فإنّهم صرّحوا بإلحاق الجرح والقرح بالجبيرة سواء كان عليها خرقة أم لا ، ونص بعضهم علىٰ أنّه لا فرق بين أن تكون الجبيرة مختصة بعضو أو شاملة للجميع ، وفي التيمم جعلوا من أسبابه الخوف من استعمال الماء بسبب القرح والجرح ، ولم يشترط أكثرهم تعذر وضع شي‌ء عليها والمسح عليه (١) ، والأخبار لا تخلو من اختلاف ، كما يعلم من تأمّلها .

أمّا المذكور هنا : فدلالته غير خفية ، وقد احتمل شيخنا ـ قدس‌سره ـ التخيير بين الأمرين ، مع احتمال حمل أخبار التيمم علىٰ ما إذا تضرّر بغسل ما حولها ؛ ثم قال قدس‌سره : وكيف كان فينبغي الانتقال إلىٰ التيمم فيما خرج عن مورد النص ، كما في العضو المريض . وهو خيرة المعتبر ، تمسكاً بعموم قوله تعالىٰ ( وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ ) (٢) (٣) .

اللغة :

الجبيرة : الخرقة مع العيدان التي تُشدّ علىٰ العظام المكسورة (٤) .

والغِسل : بكسر الغين في قوله عليه‌السلام : « يغسل ما وصل إليه الغِسل » (٥) وربما جاء فيه الضم علىٰ ما في الحبل المتين (٦) .

__________________

(١) صاحب المدارك ١ : ٢٣٩ .

(٢) المائدة : ٦ .

(٣) مدارك الأحكام ١ : ٢٣٩ .

(٤) لسان العرب ٤ : ١١٥ ( جبر ) .

(٥) الغِسل : الماء الذي يغتسل به ( مجمع البحرين ٥ : ٤٣٤ ) .

(٦) الحبل المتين : ٢٦ .

٤٩٥
 &

قال :

فأمّا ما رواه محمد بن أحمد بن يحيىٰ ، عن أحمد بن الحسن ، عن عمرو بن سعيد ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، عن الرجل ينقطع ظفره هل يجوز له أن يجعل عليه عَلِكاً ؟ قال : « لا ، ولا يجعل عليه إلّا ما يقدر علىٰ أخذه منه (١) عند الوضوء ، ولا يجعل عليه ما لا يصل إليه الماء » .

فالوجه في هذا الخبر : أنّه لا يجوز ذلك مع الاختيار ، فأمّا مع الضرورة فلا بأس به ، حسب ما تضمنه الخبر الأول .

السند‌ :

موثق .

المتن :

ما ذكره الشيخ فيه متّجه ، وإن كان خلاف الظاهر ، لضرورة الجمع .

وقد يمكن أن يحمل علىٰ أنّ وضع العَلِك موضع الظفر بعد الصحة طلباً لبقاء صورة الظفر من العَلِك ، وهذا الحمل وإن بعد ليس بأبعد من غيره .

قال :

فأمّا ما رواه محمد بن أحمد بن يحيىٰ ، عن أحمد بن الحسن بن علي ، عن عمرو بن سعيد ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار بن

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٧٨ / ٢٤١ : عنه .

٤٩٦
 &

موسىٰ ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال (١) : الرجل ينكسر ساعده ، أو موضع من مواضع الوضوء ، فلا يقدر أن يحلّه لحال الجبر اذا أجبر كيف يصنع ؟ قال : « إذا أراد أن يتوضّأ فليضع إناءً فيه ماء ويضع موضع الجبر في الماء حتىٰ يصل الماء إلىٰ جلده ، وقد أجزأه ذلك من غير أن يحلّه » .

فالوجه في هذا الخبر : أن نحمله علىٰ ضرب من الاستحباب إذا أمكن ذلك ولا يؤدي إلىٰ ضرر ، فأمّا إذا خاف من الضرر من ذلك فلا يلزم أكثر من المسح علىٰ الجبائر علىٰ ما بيناه .

السند‌ :

موثق أيضاً .

المتن :

ظاهره أنّ الكسر جبر ، وإنّما يخاف من حلّه أن يتغير الجبر ، وحينئذ فمورد الرواية انتفاء الضرر ، وقول الشيخ : إنّه محمول علىٰ ضرب من الاستحباب ، يريد أن وضع الإناء بالصورة المذكورة مستحب ، إذ الواجب إيصال الماء بأيّ وجه اتفق .

أمّا قوله : فأمّا إذا خاف الضرر فلا يلزم أكثر من المسح علىٰ الجبائر ، فلم يتقدم منه البيان ، بل الأخبار السابقة مختلفة ، وكأنّه ـ رحمه‌الله ـ نظر إلىٰ ما قلناه سابقاً فليتدبر .

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٧٨ / ٢٤١ : في ، بدل قال .

٤٩٧
 &

ولا يخفىٰ أنّ مضمون الرواية المبحوث عنها ما يتناول موضع المسح من الوضوء ، والاكتفاء بإيصال الماء إلىٰ المحل خلاف ما قرره المتأخرون ، ولعل الرواية ممكنة الحمل علىٰ ما لا يخالفهم ، والله أعلم .

٤٩٨
 &

فهرس الموضوعات

مقدمة المؤلّف

الفوائد

الفائدة الاولىٰ : في الخبر والحديث         ٧

ما هي النسبة بين الخبر والحديث ؟                ٧

هل الخبر ضروري لا يحدّ ؟      ٨

تعريف الخبر                  ١٠

الخبر المتواتر                  ١٠

التواتر يفيد العلم             ١٠

الفائدة الثانية : في الخبر المحفوف بالقرآئن                ١٢

الفائدة الثالثة : مطابقة الخبر لأدلّة العقل ومقتضاه           ١٣

الفائدة الرابعة : مطابقة الخبر لظاهر القرآن                  ١٦

الفائدة الخامسة : مطابقة الخبر للسنة المقطوع بها          ١٧

الفائدة السادسة : مطابقة الخبر للإجماع                    ١٨

الفائدة السابعة : حول العمل بخبر الواحد                   ٢١

الفائدة الثامنة : الاستدلال بوجوب دفع الضرر المظنون علىٰ العمل بخبر الواحد            ٢٦

الفائدة التاسعة : التخيير في العمل بالمتعارضين             ٣١

٤٩٩
 &

الفائدة العاشرة : العمل بالخبرين المختلفين خطراً واباحة    ٣٢

الفائدة الحادية عشرة : المرجحات        ٣٤

الفائدة الثانية عشرة : فقد الإجماع علىٰ بطلان المتعارضين                    ٣٥

كتاب الطهارة

أبواب المياه وأحكامها

مقدار الماء الذي لا ينجّسه شيء         ٣٩

بحث رجالي حول أحمد بن محمد بت الحسن بن الوليد               ٣٩

بحث الرجالي حول الحسين بن الحسن بن أبان    ٤١

قول ابن عقيل بعدم نجاسة القيل بالملاقات والجواب عنه             ٤٣

هل يستفاد من حديث محمد بن مسلم نجاسة أبوال الدوابّ ؟       ٤٥

المراد بالجنب في قوله : يغتسل فيه الجنب ، مع نجاسة بدنه           ٤٦

بحث رجالي حول محمد بن اسماعيل              ٤٦

بحث رجالي حول إبراهيم بن هاشم              ٥٣

قول البصروي باشتراط الكرّية في البئر والجواب عنه                  ٥٤

بحث رجالي حول حريز        ٥٦

بحث رجالي حول زرارة        ٥٧

ما المراد بالرواية ؟             ٥٧

المعتبر هو التغيير الحسّي       ٥٨

بحث رجالي حول عبد الله بن المغيرة              ٦٠

بحث رجالي حول أصحاب الإجماع              ٦٠

ما المراد الحبّ ؟              ٦٣

طريق الشيخ إلىٰ محمد بن علي بن محبوب        ٦٤

بحث رجالي حول الحسين بن عبيد الله الغضائري                    ٦٤

وثاقة العباس بن عامر والعباس بن معروف        ٦٥

إشارة إلىٰ حال محمد بن الحسين                 ٦٧

٥٠٠