إستقصاء الإعتبار في شرح الإستبصار - ج ١

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار في شرح الإستبصار - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-173-7
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٥١٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

المفيد والحسين بن عبيد الله ، فكيف حكمت باختصاص الحسين بن عبيد الله بأحمد بن محمد بن يحيىٰ ؟ .

قلت : الأمر كما ذكرت ، إلّا أنّ كلامنا في عادة الشيخ في الأسانيد المذكورة ، ولم نقف علىٰ حديث يتضمن سنده : الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد ؛ وأثر هذا هيّن ، فإنّ أحمد بن محمد بن يحيىٰ وإن ذكره الشيخ في من لم يرو عن أحد من الأئمّة عليهم‌السلام (١) ؛ إلّا أنّه لم يوثّق ، وإنّما استفاد البعض توثيقه من تصحيح العلّامة بعض طرق الشيخ وهو فيها .

وفي السند أيضاً الحسين بن الحسن بن أبان ، وقد ذكره الشيخ فيمن لم يرو عن الأئمّة عليهم‌السلام (٢) ، وفي رجال الهادي عليه‌السلام ولم يوثّقه (٣) ؛ إلّا أنّه يستفاد من بعض الاعتبارات أنّ له جلالة ، كما ذكره الوالد (٤) ـ قدس‌سره ـ .

وما ذكره ابن داود ـ من أنّه روىٰ عن محمد بن اُورمة وكان ثقة (٥) ـ لا يعتمد عليه .

وما قيل : من احتمال أن يعود التوثيق لمحمد بن اُورمة ، بمعنىٰ أنّه روىٰ عنه حال كون محمد ثقة (٦) .

بعيد ؛ لأنّ محمد بن اُورمة لم ينقل توثيقه في زمن من الأزمان في‌

__________________

(١) رجال الطوسي : ٤٤٤ / ٣٩ .

(٢) رجال الطوسي : ٤٦٩ / ٤٤ . .

(٣) لم يتعرض له في رجال الهادي عليه‌السلام ، بل ذكره في أصحاب العسكري عليه‌السلام ، رجال الطوسي : ٤٣٠ / ٨ .

(٤) منتقىٰ الجمان ١ : ٤٢ .

(٥) رجال ابن داود : ٢٧٠ / ٤٣١ .

(٦) مشرق الشمسين : ٨١ .

٤١
 &

الموجود من كتب الرجال .

علىٰ أنّ اللازم من هذا صحة الخبر ( أو حسنه إذا رواه الحسين عن محمد بن اُورمة ، ولا أعلم موافقة أحدٍ علىٰ هذا ) (١) .

نعم نقل الشيخ في الفهرست عن محمد بن علي بن الحسين بن بابويه : أنّ كل ما كان في كتبه ممّا يوجد في كتب الحسين بن سعيد وغيره فإنّه يعتمد عليه (٢) .

وهذا لا يفيد شيئاً في شأن محمد كما لا يخفىٰ .

وذكر شيخنا المحقق ميرزا محمد ـ أيّده الله ـ أنّه يستفاد من تصحيح بعض طرق التهذيب من العلّامة توثيقه (٣) . وقد سمعت الكلام في ذلك (٤) .

وبالجملة لا مجال للقول في ردّ حديث هو فيه ، والله تعالىٰ أعلم بالحال .

فإن قلت : إنّ التوقف في الحسين بن الحسن بن أبان لا يضر بحال الحديث ؛ لأنّه معطوف علىٰ محمد بن الحسن الصفار ، لأنّ رواية أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد عن أبيه عن الحسين بن الحسن بن أبان كثيرة في الأخبار .

قلت : الأمر كما ذكرت ، وبتقدير غيره من احتمال العطف علىٰ القريب ، الأمر كذلك ، إلّا أنَّ ذِكرنا لحال الحسين من حيث هو لفائدة التنبيه علىٰ شأنه .

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « رض » : إذا اشتمل سنده علىٰ من ذكر ، وفيه ما فيه .

(٢) الفهرست : ١٤٣ .

(٣) منهج المقال : ٤٢٠ .

(٤) راجع ص ٣٩ .

٤٢
 &

فإن قلت : المعهود من الشيخ أنّه إذا روىٰ مثل ذلك يقول : جميعاً ، وبتقدير الاعتماد علىٰ المعلوميّة فعطف سعد علىٰ محمد بن الحسن الصفار دون الحسين بن الحسن ـ مع أنّه شريك في العطف معه ـ غير ظاهر الوجه .

قلت : الوجه فيه أنّ الراوي عن الحسين بن سعيد ، أحمد بن محمد ابن عيسىٰ والحسين بن الحسن بن أبان ، فلو عطف الحسين علىٰ محمد بن الحسن لم يتمّ هذا ، كما يظهر بالتأمّل .

فإن قلت : إذا كان الأمر كذلك فليكن الحسين معطوفاً علىٰ أحمد بن محمد بن عيسىٰ .

قلت : إذا عطف عليه سبق الوهم إلىٰ أنّ الراوي عن الحسين ، الصفار وسعد ، والحال ما سمعته من معهودية رواية الشيخ عن أحمد بن محمد بن الحسن ، عن أبيه ، عن الحسين بن الحسن بن أبان .

وفي فوائد شيخنا المحقق ـ أيّده الله ـ أنّه عطف علىٰ أبيه . ولم يظهر لي وجهه .

المتن :

قد استدلّ (١) بمفهوم الشرط فيه علىٰ نجاسة القليل ـ وهو ما دون الكثير (٢) ـ بالملاقاة ، فيدفع به قول ابن أبي عقيل (٣) .

واعترض الوالد ـ قدس‌سره ـ عليه : بأنّ المفهوم ليس بعام ، بل العموم في

__________________

(١) المعتبر ١ : ٤٨ .

(٢) كذا في النسخ والأنسب : الكرّ .

(٣) نقله عنه في المختلف ١ : ١٣ .

٤٣
 &

المنطوق موجود بسبب النكرة في سياق النفي ، وحينئذ لا بدّ من ضميمة عدم القائل بالفصل بين نجاسة ونجاسة . وبهذا يندفع الاستدلال بمفهومه علىٰ نجاسة الغسالة ؛ لوجود القائل بالفصل (١) .

أقول : والظاهر أنّ مراد الوالد ـ قدس‌سره ـ بضميمة الإجماع ، إنّما هو لإثبات تنجّس القليل ، أمّا ردّ قول ابن أبي عقيل فيكفي فيه ثبوت التنجّس بشي‌ء مّا ؛ لأنّه قائل بعدم التنجّس بكل شي‌ء .

وما قد يقال : إنّ ابن أبي عقيل قائل بتنجّس القليل بالتغيّر ، فلا يضرّه المفهوم في الحديث .

يمكن الجواب عنه : بأنّ المراد بالشي‌ء في الحديث النجاسة من حيث هي ، والتغيّر خارج عنها ، وإن نوقش في هذا .

والأولىٰ الجواب : بأنّ التغيّر في الحديث لا يمكن إرادته من المفهوم ؛ لأنّ التغيّر لا فرق فيه بين الكرّ وغيره ؛ فليتأمّل .

ويمكن أن يقال : إنّ المفهوم إذا أفاد تنجّسه بشي‌ء ما أفاد تنجّسه بكل من النجاسات ؛ لأنّ الإنسان مأخوذ عليه أن لا يستعمل في المشروط بالطهارة إلّا الطاهر ، فإذا دلّ الحديث علىٰ تنجّس القليل بشي‌ء مّا فلا بدّ من العلم بذلك الشي‌ء ، وإذا لم يعلم لم يمكن الحكم بطهارة القليل مع إصابة شي‌ء من النجاسات من دون العلم بشخص المنجّس ، وحينئذ يجب اجتنابه إذا أصابه شي‌ء من النجاسات ، وهو المطلوب .

وقد يجاب : بأنّ الشي‌ء إذا كان غير عام كان مجملاً ، ومع الإجمال لا يجب الاجتناب من دون البيان ، فلا يتمّ الحكم بالعموم ، ولو فرض

__________________

(١) معالم الفقه : ١٢٤ .

٤٤
 &

تأخير البيان مع وجود محل الحاجة يحكم بالعموم ؛ لعدم جواز التأخير ، ومن دون حضور محل الحاجة لا دلالة فيه علىٰ العموم ، فالاستدلال علىٰ العموم مطلقاً غير تامّ .

علىٰ أنّ التأخير عن محل الحاجة إنّما يفيد العموم إذا كان الشي‌ء منجّساً (١) واُخِّر بيان تنجيسه ، وهذا غير معلوم ، فليتأمّل .

وربما يقال : إنّ المفهوم إنّما يفيد إذا كان الماء عامّاً ، وهو في الحديث محتمل للعهدية احتمالاً ظاهراً ، وبتقدير عدم العهدية فالماء من المفرد المُحلّىٰ ، وعمومه محلّ تأمّل .

ويجاب : بأنّ الماء لا ظهور له في العهدية ، والعموم فيه من حيث منافاة غير العموم ـ من المعاني ـ للحكمة ، كما ذكره المحقق ـ رحمه‌الله ـ ؛ علىٰ أنّ الماء من باب الجنس المحلّىٰ ، والعموم فيه لا يخلو من وجه ؛ وفي البين كلام .

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الحديث قد يستفاد منه نجاسة أبوال الدوابّ من حيث إقرار الإمام عليه‌السلام للسائل ، ولم ينكر عليه في ذكر بول الدوابّ ، علىٰ نحو ما ذكروه في غيره من وجوه تقرير الإمام عليه‌السلام ، ولم أرَ من ذكره في الاستدلال لذلك ، حتىٰ أنّ الوالد ـ قدس‌سره ـ سبر الأخبار في باب بول الدوابّ ، وردّها بالطعن في الأسانيد (٢) ، وهذا الحديث لا ينكر الوالد ـ قدس‌سره ـ صحته (٣) .

ويمكن الجواب عن ذلك : بأنّ التقرير في مثله غير معلوم ، وذكر‌

__________________

(١) في « د » و « فض » : نجساً .

(٢) معالم الفقه : ٢٠٢ ـ ٢٠٦ .

(٣) منتقىٰ الجمان ١ : ٤٧ .

٤٥
 &

ولوغ الكلاب كافٍ في الجواب . وفيه ما فيه .

ثم ما تضمنه الحديث من اغتسال الجنب ، لعلّ المراد به مع عدم خلوّ البدن من النجاسة كما هو الغالب ، ولو اُريد الأعمّ من خلوّه وعدمه ليصير الماء مستعملاً أُشكل : بأنّ الجواب لا يوافقه إلّا بأن يراد بالنجاسة ما يتناول المستعمل ، وإثبات الحكم في المستعمل مشكل ـ كما سيأتي بيانه (١) ـ ودلالة الرواية أشدّ إشكالاً ، والكلام السابق في التقرير يأتي هنا بنوع من التقريب .

قوله (٢) ـ رحمه‌الله ـ :

وأخبرني الشيخ ـ رحمه‌الله ـ عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه ، عن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان ؛ وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسىٰ ، جميعاً عن معاوية بن عمار قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « إذا كان الماءُ قدرَ كُرٍّ لم ينجّسه شي‌ء » .

السند :

لا يخفىٰ أنّه يشتمل علىٰ طريقين يرويهما محمد بن يعقوب :

أحدهما : عن محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان .

وثانيهما : عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسىٰ .

__________________

(١) يأتي في ص : ٢١٦ ـ ٢١٧ .

(٢) لم يتعرض ـ رحمه‌الله ـ لبيان الحديث الثاني ، ولعلّه لاتحاده مع الأوّل والثالث في المتن وتضمّنهما لسنده .

٤٦
 &

وقوله : جميعاً ، عائد إلىٰ صفوان وحماد .

ثم إنّ محمد بن إسماعيل ليس هو ابن بزيع بغير ارتياب ؛ لوجوه ، أوضحها : أنّ محمد بن يعقوب يروي عن محمد بن إسماعيل بن بزيع بواسطتين غالباً ، وبدون واسطة لم يوجد إلّا في بعض الطرق ، ( وفي الظنّ أنّه سهو من الكاتب ) (١) .

ثم إنّ محمد بن إسماعيل بن بزيع يروي عنه (٢) الفضل بن شاذان دون العكس ، علىٰ أنّ محمد بن إسماعيل بن بزيع لو روىٰ عنه الكليني يكون قد أدرك خمسةً من الأئمّة عليهم‌السلام ، لأنّه من رجال أبي الحسن موسىٰ عليه‌السلام ، وهذه المرتبة أحقّ بالذكر في الرجال ؛ لأنّ من يروي عن أربعة أئمة قد ذكروه ، ومحمد بن إسماعيل ، قد ذكر أصحاب كتب الرجال أنّه ( من أصحاب موسىٰ عليه‌السلام ) (٣) أدرك أبا جعفر الثاني عليه‌السلام وهذه العبارة تفيد أنّه غاية من أدرك ؛ ولو رام محتمل فتح باب الاحتمال في المقام فالتكلّف فيه ظاهر .

وقد حقق الوالد قدس‌سره ذلك في المنتقىٰ (٤) .

إذا عرفت هذا مجملاً فاعلم أنّه لا يبعد أن يكون محمد بن إسماعيل هذا هو البندقي النيسابوري ؛ لأنّ الكشي كثيراً ما يروي عنه بغير واسطة ، وهو في مرتبة محمد بن يعقوب .

وفيه في ترجمة الفضل بن شاذان ما هذه صورته : ذكر أبو الحسن

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « رض » : وفي الظنّ أنّه لا يدل علىٰ إرادة ابن بزيع هنا ، وسيأتي تفصيل القول في وجهه هنا إن شاء الله .

(٢) في « د » : عن .

(٣) ما بين القوسين ليس في « رض » .

(٤) منتقىٰ الجمان ١ : ٤٤ .

٤٧
 &

محمد بن إسماعيل البندقي النيسابوري : أنّ الفضل بن شاذان بن الخليل نفاه عبد الله بن طاهر عن نيسابور بعد أنّ دعا به ، واستعلم كتبه ، وأمره أن يكتبها ـ إلىٰ أن قال ـ : فذكر أنّه يحبّ أن يقف علىٰ قوله في السلف ، فقال أبو محمد : أتولّىٰ أبا بكر ، وأتبرّأ من عمر ، فقال له : ولِمَ تتبرّأ من عمر ؟ قال : لإخراجه العباس من الشورىٰ (١) .

وهذا الحديث من القرائن الواضحة علىٰ ما قلناه ، غير أنّ الرجل غير معلوم الحال .

واعتمد الوالد ـ قدس‌سره ـ علىٰ عدّ (٢) الحديث من الحَسَن بسبب محمد بن إسماعيل ؛ نظراً إلىٰ اعتناء محمد بن يعقوب بالرواية عنه كثيراً (٣) .

وفي الظنّ أنّ الرواية عن الرجل في بعض الأحيان أيضاً لا تقصر عن ذلك ؛ لما يظهر من النجاشي في ترجمة أحمد بن محمد بن عياش حيث قال : سمعت منه شيئاً كثيراً ، ورأيت شيوخنا يضعّفونه ، فلم أروِ عنه ، وتجنّبته (٤) .

وفي ترجمة أحمد بن محمد بن خالد البرقي قال : إنّه ثقة في نفسه ، يروي عن الضعفاء ، واعتمد المراسيل (٥) .

وظاهر قوله : ـ يروي عن الضعفاء ـ أنّه نوع قدح ، بقرينة اعتماد المراسيل .

وقد يخطر في البال : أنّ الاعتماد علىٰ المراسيل لا يصلح للقدح ؛

__________________

(١) رجال الكشي ٢ : ٨١٨ / ١٠٢٤ .

(٢) في « رض » و « فض » : هذا .

(٣) منتقىٰ الجمان ١ : ٤٥ ، ٥٠ .

(٤) رجال النجاشي : ٨٥ / ٢٠٧ .

(٥) رجال النجاشي : ٧٦ / ١٨٢ .

٤٨
 &

لأنّ مرجعه إلىٰ الاجتهاد .

إلّا أن يقال : إنّ المراد روايته بالإرسال من دون البيان ، فهو نوع تدليس يقتضي القدح .

وفيه : أنّ بعض علماء الدراية جوّز الرواية بالإجازة من دون ذكر لفظ الإجازة (١) ، [ فضرره ] (٢) بحال المُرِسل محلّ تأمّل إذا كان مذهباً له .

وكلام النجاشي بعد تأمّل ما قلناه ربما يفيد القدح ، وإنّما ذكرناه في مقام التأييد ؛ لأنّ رواية الثقة عن الضعفاء نادر ، فإذا وقع ذكروه ، ومثل الثقة الجليل محمد بن يعقوب لو كان يروي عن الضعفاء لذكر .

فإن قلت : لا ريب في روايته عن الضعفاء في كتابه ، لكن الاعتماد علىٰ القرائن المصحّحة للخبر ، فلا يضرّ ضعف الرجل ، وحينئذ لا يدلّ ما ذكرت علىٰ جلالة شأن محمد بن إسماعيل .

قلت : لما ذكرت وجه ؛ إلّا أنّ ذكر الرواية عن الضعفاء في ترجمة محمد (٣) بن خالد يقتضي مخالفة قاعدة المتقدمين إنّ عمل بالخبر ، وإن كان مجرد الرواية عن الضعفاء من دون عمل بالخبر فلا يضر بحال الشخص ، وظاهر الحال نوع خدش .

فإن قلت : عدم التفات المتقدمين إلىٰ الخبر من جهة رواته (٤) لو كان تامّاً لما صرّحوا باستثناء رواية محمد بن أحمد بن يحيىٰ عن جماعة ، كما يأتي بيانه في مواضع من الكتاب .

__________________

(١) الدراية : ٩٥ .

(٢) في النسخ : فضرورته ، والظاهر ما أثبتناه .

(٣) كذا في النسخ ، والظاهر : أحمد بن محمد . . . راجع ص ٤٨ .

(٤) في النسخ : رواية ، والظاهر ما أثبتناه .

٤٩
 &

قلت : وما ذكرته أيضاً لا يخلو من وجه ، وإنّي متعجّب من ذلك ؛ غير أنّه يخطر في البال احتمال توجيه الجمع بين ما ذُكِرَ وبين الاستثناء ، بأنّ العمل بالقرائن يقتضي تخفيفها إذا كان الرواة معتَمَداً عليهم ، وعدم تخفيفها إذا لم يكن كذلك ، وحينئذ إذا استثني من روايات محمد بن أحمد ابن يحيىٰ ما يرويه عن الجماعة ، فإذا وردت الرواية عن محمد بن أحمد ابن يحيىٰ عن أحدهم يحتاج إلىٰ تحصيل قرائن زائدة ، ولو روىٰ عن غير الجماعة يفتقر إلىٰ أقلّ ممّا احتيج إليه لو روىٰ عن الجماعة ، فليتأمّل .

فإن قلت : كيف يوافق ما عليه المتقدّمون تصريح الصدوق في الفقيه في باب صلاة الغدير بعد ذكر رواية : أنّ راويها لم يوثّقه شيخه محمد بن الحسن بن الوليد ، وما لم يصحّحه لا يحكم بصحته (١) .

قلت : لا يبعد التوفيق بأنّ عدم توثيق شيخه للراوي يقتضي وجود قرينة الردّ للرواية ، فمن ثَمّ لم يعمل بها ، لا أنّ الأمر منحصر في تصحيح شيخه .

فإن قلت : الذي يظهر من الكشي في ترجمة الحسن بن علي بن أبي حمزة عدم الرواية عن الضعيف وإن لم يعمل بالرواية ، لأنّه نقل عن محمد ابن مسعود أنّه سأل علي بن الحسن بن فضال ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، فقال : كذّاب ملعون ، رويت عنه أحاديث كثيرة ، وكتبت عنه تفسير القرآن من أوّله إلىٰ آخره ، إلّا أنّي لا أستحلّ أن أروي عنه حديثاً واحداً (٢) .

وكذلك نقل العلّامة في الخلاصة عن ابن الغضائري ، عن علي بن الحسن بن فضال أنّه قال : إنّي لأَستحيي من الله أن أروي عن الحسن بن

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٥٥ .

(٢) رجال الكشي ٢ : ٨٢٧ / ١٠٤٢ .

٥٠
 &

علي (١) .

قلت : وهذا أيضاً يوجب التعجّب ، إلّا أنّ قول عليّ بن الحسن بن فضال ـ بتقدير اعتباره ـ يمكن أن يحمل علىٰ روايات الحسن بن علي في تفسير القرآن ؛ لأنّ الاحتياط فيه مطلوب .

وربما كان القول المحكي من ابن الغضائري علىٰ الإطلاق فيه نوع توهم ، أو التعبير بالاستحياء كناية عن فعل خلاف الأولىٰ ، ( أو أنّ تحقّق كذب الراوي يعترض بكثرة توجب عدم الرواية عنه ) (٢) وبالجملة فالمقام واسع البحث ؛ إلّا أنّ الدخول في هذا الباب يوجب شيئاً ما (٣) غير خفي .

وإذا عرفت مجمل الأمر فلنعد إلىٰ ما نحن بصدده ، فاعلم أنّه ربما يقال : إنّ غرض النجاشي بقوله ـ في ترجمة أحمد بن محمد بن خالد : إنّه يروي عن الضعفاء ـ (٤) إرادة كثرة روايته عن الضعفاء ، كما فهمه العلّامة في الخلاصة ، حيث قال في ترجمته : إنّه أكثر الرواية عن الضعفاء (٥) .

وإن أمكن أن يقال : إنّ إكثار الرواية من دون عمل لا يقتضي الطعن في الرجل ، وما ذكره النجاشي في ترجمة أحمد بن عياش (٦) ، له نوع دلالة علىٰ رجحان ترك الرواية عن الضعيف ، وهو أعلم بالوجه .

لكن المقصود أنّ المتقدمين لهم حرص علىٰ الرواية عن غير الضعفاء ، فربما كان في رواية الكليني عن الرجل المبحوث عنه نوع دلالة ‌

__________________

(١) خلاصة العلّامة : ٢١٣ .

(٢) ما بين القوسين ليس في « رض » و « د » .

(٣) لفظة ما ليست في « رض » .

(٤) رجال النجاشي : ٧٦ / ١٨٢ .

(٥) خلاصة العلّامة : ١٤ / ٧ .

(٦) رجال النجاشي : ٨٥ / ٢٠٧ .

٥١
 &

علىٰ جلالة شأنه .

وفي ترجمة جعفر بن محمد بن مالك قال النجاشي : إنّه ضعيف ، ثم تعجّب من شيخه أبي غالب وابن همام ؛ حيث رويا عنه (١) ؛ إلّا أنّ الظاهر كون التعجّب من زيادة ضعفه في أنّه يضع الحديث .

نعم في ترجمة علي بن الحسن بن فضال قال ـ في مقام الثناء عليه ـ : إنّه قلّ ما روىٰ عن ضعيف (٢) و (٣) نحو ذلك كثير ، ومجال القول واسع .

وأمّا غير محمد بن إسماعيل المذكور فقد ذكر أصحاب الرجال جماعة من المُسمّينَ بهذا الاسم (٤) ؛ إلّا أنّ بعضهم منفي الإرادة بغير ريب ، كمحمد بن إسماعيل العلوي ، فإنّه من أصحاب الباقر عليه‌السلام ، ومحمد بن إسماعيل بن رجا من أصحاب الصادق عليه‌السلام ، ومحمد بن إسماعيل المخزومي كذلك ، وكذلك محمد بن إسماعيل بن سعيد ، ومحمد بن إسماعيل الجعفي ، ومحمد بن إسماعيل الزعفراني ، فإنّه لقي أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام .

وأمّا محمد بن إسماعيل الجعفري فقد ذكر الشيخ في الفهرست أنّ الراوي عنه ابن نهيك (٥) ، وأين هو من محمد بن يعقوب .

ومحمد بن إسماعيل البلخي ذكره الشيخ في رجال الهادي عليه‌السلام (٦) ، وظاهر عدم إدراك محمد بن يعقوب له إلّا بتقدير بعيد ، وقد أوضحت القول في هذا في محلّ آخر علىٰ الانفراد ، وملخّص المرام ما ذكرناه .

__________________

(١) رجال النجاشي : ١٢٢ / ٣١٣ .

(٢) رجال النجاشي : ٢٥٧ / ٦٧٦ .

(٣) في « رض » زيادة : بالجملة .

(٤) انظر رجال الطوسي : ١٣٦ ، ٢٨٠ ، ٢٨١ .

(٥) الفهرست : ١٥٢ / ٦٥٥ .

(٦) رجال الطوسي : ٤٢٤ / ٣٦ .

٥٢
 &

ثم إنّ الحديث لا ريب في حسنه ؛ نظراً إلىٰ الطريق الآخر ، بل قال شيخنا ـ قدس‌سره ـ : إنّ حديث إبراهيم بن هاشم لا يقصر عن الصحيح (١) .

وفيه تأمّل يظهر من ملاحظة كتب الرجال ، وموافقة الاصطلاح في تعريف الصحيح ؛ فإنّ شأن إبراهيم لا يصل إلىٰ التوثيق علىٰ ما وقفت عليه .

وتصحيح العلّامة في المختلف بعض الطرق الذي هو فيها (٢) ، قد مضىٰ فيه القول (٣) .

غير أنّه ينبغي أن يعلم أنّ النجاشي قال في ترجمة إبراهيم بن هاشم : قال أبو عمرو الكشي : إنّه ـ يعني إبراهيم ـ تلميذ يونس بن عبد الرحمن من أصحاب الرضا عليه‌السلام ، وفيه نظر (٤) .

وقد ذكرت وجوهاً للنظر في حاشية الفقيه ، والذي يخطر الآن في البال أنّ أوجهها : كون النظر راجعاً إلىٰ أنّه من أصحاب الرضا عليه‌السلام ؛ لأنّ النجاشي ذكر في ترجمة محمد بن علي بن إبراهيم الهمداني : وروىٰ إبراهيم بن هاشم ، عن إبراهيم بن محمد الهمداني ، عن الرضا عليه‌السلام (٥) .

وهذا الكلام يعطي أنّه روىٰ عن الرضا عليه‌السلام بواسطة إبراهيم المذكور .

وإن أمكن أن يقال : إنّه لا مانع من كونه من أصحاب الرضا عليه‌السلام وقد روىٰ عنه بواسطة ، إمّا دائماً أو في بعض الأحيان ؛ إلّا أنّ سياق المقال يقتضي عدم لقاء الرضا عليه‌السلام .

__________________

(١) انظر المدارك ٦ : ١٨١ .

(٢) المختلف ٣ : ٣٨٤ .

(٣) راجع ص ٣٩ .

(٤) رجال النجاشي : ١٦ / ١٨ .

(٥) رجال النجاشي : ٣٤٤ / ٩٢٨ .

٥٣
 &

وما ذكره الشيخ ؛ من أنّه من أصحاب الرضا عليه‌السلام ، في كتاب الرجال (١) ؛ كأنّه تبع فيه الكشي ، وهذا علىٰ سبيل الإجمال ، وتوضيح القول فيما أشرنا إليه ، والله تعالىٰ أعلم بالحال .

المتن :

قد تقدم القول فيه بما يغني عن إعادته (٢) ، غير أنّه ينبغي أن يعلم أنّ دلالة الشرط ومفهومه في هذا الحديث ( أظهر .

وينبغي أن يعلم أنّه ) (٣) استُدل بهذا الحديث ونحوه علىٰ اشتراط الكريّة في البئر ، كما ذهب إليه البصروي (٤) ، نظراً إلىٰ العموم في الماء .

واُجيب عنه : بأنّ العموم مخصوص بخبر محمد بن إسماعيل ، الوارد في البئر ، معلّلاً : بأنّ له مادّة ؛ فإنّ التعليل يقتضي عدم الفرق بين القليل والكثير .

وهذا الجواب ذكره الوالد (٥) ـ قدس‌سره ـ أيضاً .

وقد يقال عليه : إنّه ـ قدس‌سره ـ كثيراً ما ذكر : أنّ عموم الماء ليس من حيث الصيغة ، بل من حيث منافاة الحكمة لو اُريد غير العموم من المعاني (٦) ،

__________________

(١) رجال الطوسي : ٣٦٩ .

(٢) راجع ص ٤٣ ـ ٤٥ .

(٣) بدل ما بين القوسين في « د » : أشهر ، وقد .

(٤) حكاه عنه في الذكرىٰ ١ : ٨٨ ، والمدارك ١ : ٥٥ ، والحبل المتين : ١١٧ ، وهو الشيخ أبو الحسن محمد بن محمد البصروي ، فقيه فاضل من قدمائنا ، قرأ علىٰ السيد المرتضىٰ ، وأجاز له السيد مصنفاته ، له كتاب المفيد في التكليف ، وكتاب المعتمد . رياض العلماء ٥ : ١٥٨ .

(٥) معالم الفقه : ٣٤ .

(٦) كما في معالم الفقه : ١٢ ، ومعالم الاُصول : ١١٠ .

٥٤
 &

ولا ريب أنّ انصراف الماء إلىٰ البئر في الحديث السابق بعيد جدّاً ، وفي هذا الحديث لو اعتبر العموم بما ذكر أمكن القول باندفاع منافاة الحكمة بالأفراد الكثيرة للمحقون .

ويمكن الجواب عن ذلك : بمنع ظهور غير ماء البئر بل هو متساوٍ .

ولا يتوجه أن يقال : إنّ الماء في الحديث يتناول الجاري حينئذ ، فيدل بمفهومه علىٰ نجاسة القليل منه .

لأنّه قد اُجيب عن ذلك : بأنّ التعليل في حديث محمد بن إسماعيل لا يوافقه .

والوالد ـ قدس‌سره ـ قال في الجواب : إنّ العموم في الأحاديث مخصوص بصحيح ابن بزيع ؛ لدلالته علىٰ أنّ وجود المادّة سبب في نفي الانفعال بالملاقاة ، فلو كانت الكريّة معتبرة في ذي المادّة لكانت هي السبب في عدم الانفعال ، فلا يبقىٰ للتعليل بالمادّة معنىٰ (١) .

وقد يقال : إنّ التعليل بالمادّة لو اختصّ بعدم النجاسة كان الجواب متوجهاً ، أمّا لو عاد إلىٰ طيب الطعم ـ كما ذكره شيخنا البهائي (٢) أيّده الله ـ لا يتمّ الجواب .

لكن لا يخفىٰ أنّ تحقيق الكلام لا يتمّ إلّا بذكر خبر ابن بزيع ، وسيأتي إن شاء الله في بابه (٣) ، وإنّما قدّمنا هذا القول للتعلّق بهذين الخبرين في الجملة .

__________________

(١) معالم الفقه : ١١١ .

(٢) الحبل المتين : ١١٧ .

(٣) يأتي في ص ٢٥٨ .

٥٥
 &

قوله ـ رحمه‌الله ـ :

فأمّا ما رواه محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير (١) ؛ ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، جميعاً ، عن حماد بن عيسىٰ ، عن حريز ، عن زرارة [ عن أبي جعفر عليه‌السلام ] (٢) قال : « إذا كان الماء أكثر من راوية لم ينجّسه شي‌ء ، تفسّخ فيه أو لم يتفسّخ فيه ؛ إلّا أن يجي‌ء له ريح تغلب علىٰ ريح الماء » .

فليس ينافي ما قدّمناه من الأخبار ؛ لأنّه [ قال : ] (٣) « إذا كان الماء أكثر من راوية » فتبيّن أنّه [ إنّما ] (٤) لم يحمل نجاسة إذا زاد علىٰ الراوية ، وتلك الزيادة لا يمتنع أن يكون المراد بها ما يكون به تمام الكرّ .

السند :

قد تقدم القول في مثله (٥) .

وحريز لا ارتياب فيه عند المتأخرين ، وإن كان فيه نوع كلام في الرجال ، ففي النجاشي : كان ممّن شهر السيف في قتال الخوارج بسجستان في حياة أبي عبد الله عليه‌السلام وروي أنّه جفاه ، وحجبه عنه (٦) .

وفي الكشي : ذكر في حذيفة بن منصور حديثاً معتبر الاسناد عن ‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٦ : محمد بن أبي عمير .

(٢) ما بين المعقوفين أثبتناه من الاستبصار ١ : ٧ .

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من الاستبصار ١ : ٧ / ٤ .

(٤) ما بين المعقوفين أضفناه من الاستبصار ١ : ٧ / ٤ .

(٥) راجع ص ٤٦ ـ ٥٣ .

(٦) رجال النجاشي : ١٤٤ / ٣٧٥ .

٥٦
 &

عبدالرحمن بن الحجاج قال : سأل أبو العباس فضل البقباق لحريز الإذن علىٰ أبي عبد الله عليه‌السلام ، فلم يأذن له ، فعاوده فلم يأذن له ، فقال : أيّ شي‌ء للرجل أن يبلغ في عقوبة غلامه ؟ فقال : « علىٰ قدر جريرته » قال : قد عاقبتَ ـ واللهِ ـ حريزاً بأعظمَ ممّا صنع ، فقال : « ويحك أما إنّي فعلت ذلك أنّ حريزاً جرّد السيف » الحديث (١) .

وأجاب العلّامة في الخلاصة : بأنّ الحجب لا يستلزم الجرح ؛ لعدم العلم بالسرِّ فيه (٢) .

قال شيخنا المحقق ـ أيّده الله ـ في كتاب الرجال : لاحتمال كون الحجب تقيّة علىٰ نفسه ؛ من حيث إنّ شهر السيف عظيم عند المخالفين (٣) .

ولا يخلو من وجه إلّا أنّ في البين شيئاً .

وأمّا زرارة فحاله مشهور (٤) ، والأخبار الواردة بالقدح فيه (٥) محمولة علىٰ الخوف عليه من أهل الخلاف ، كما هو صريح الخبر الصحيح (٦) .

المتن :

ظاهره أنّ الماء إذا كان أكثر من راوية لم ينجس ، إلّا أن يجي‌ء له

__________________

(١) رجال الكشي ٢ : ٦٢٧ / ٦١٥ بتفاوت يسير .

(٢) خلاصة العلّامة : ٦٣ / ٤ .

(٣) لم نعثر عليه .

(٤) انظر رجال الكشي ١ : ٣٤٥ / ٢٠٨ ـ ٢٣٠ ، رجال النجاشي : ١٧٥ / ٤٦٣ .

(٥) كما في رجال الكشي ١ : ٣٥٨ / ٢٣٠ ـ ٢٤٤ .

(٦) رجال الكشي ١ : ٣٤٩ .

٥٧
 &

ريح تغلب علىٰ ريح الماء ، وغير خفيّ أنّ الراوية غير معلومة القدر ، والأكثرية في حيّز الإجمال ، والشيخ ـ رحمه‌الله ـ كما ترىٰ قال : إنّه لا يمتنع أن يكون الزائد علىٰ الراوية يحصل به تمام الكرّ .

وهذا لا ريب فيه ، لكن كان الأولىٰ أن يذكر الأخبار الدالة علىٰ مقدار الكرّ قبل ذكر هذا الخبر ، وما ذكره من الأخبار ، وإن تضمن الكرّ ؛ إلّا أن المقدار مفصلاً لا يعلم منها .

والحديث المتضمن للراوية إنّما تتحقق فيه المنافاة إذا علم أوّلاً مقدار الكرّ مفصلاً ؛ ليفهم منه أنّ الراوية لا تكون هذا القدر غالباً ، فتحمل الزيادة علىٰ تمام الكرّ .

والأمر سهل ، غير أنّ ما تضمنه الحديث ـ من أنّ الريح إذا غلب علىٰ ريح الماء ـ يراد به ريح النجاسة لا ريح المنجّس .

واعتبار الغلبة علىٰ ريح الماء ، وإن ظنّ منه أنّه لا بد أن يكون للماء ريح ؛ إلّا أنّه غير خفيّ عدم اللزوم .

ثم الذي عليه الأكثر هو أنّ المعتبر من التغيير ما يظهر للحسّ ، فلو كانت النجاسة مسلوبة الصفات لم تؤثّر في الماء ، وإن كثرت .

واختار العلّامة وجوب تقدير النجاسة علىٰ أوصافٍ مخالفة ، فإن كان الماء يتغيّر بها علىٰ ذلك التقدير حكم بالنجاسة ، وإلّا فلا (١) .

ونقل عنه الاحتجاج بأنّ التغيّر الذي هو المناط (٢) مع الأوصاف (٣) ،

__________________

(١) قواعد الأحكام ١ : ١٨٣ .

(٢) أي مناط النجاسة .

(٣) أي دائر مدار وجود الأوصاف .

٥٨
 &

فإذا فقدت وجب تقديرها (١) .

وهذا الاحتجاج غريب ، فإنّه نفس المدعىٰ .

واحتجّ ولده فخر المحققين : بوجود المقتضي ، وهو صيرورة الماء مقهوراً ؛ لأنه كلّما لم يكن الماء مقهوراً لم يتغيّر بها علىٰ تقدير المخالفة ، وينعكس بعكس النقيض إلىٰ قولنا : كلّما تغيّر علىٰ تقدير المخالفة كان مقهوراً (٢) .

وهذه الحجّة مردودة ؛ لتوجّه المنع إلىٰ كلّية الاُولىٰ ، وإطلاق النص يقتضي توقّف النجاسة علىٰ غلبة الريح .

وما قد يقال ؛ من أنّ عدم وجوب التقدير يقتضي جواز الاستعمال ، وإن زادت النجاسة علىٰ الماء أضعافاً ، وهو كالمعلوم البطلان ؛ فهو استبعاد ، لكن لا يصلح دليلاً ، فليتأمّل .

قوله ـ رحمه‌الله ـ :

وأمّا ما رواه محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « الكرّ من الماء نحو حبّي هذا » ، وأشار إلىٰ حبّ من تلك الحباب التي تكون بالمدينة .

فلا يمتنع أن يكون الحبّ يسع من الماء مقدار الكرّ ، وليس هذا ببعيد .

__________________

(١) حكاه في معالم الفقه : ١٦ .

(٢) إيضاح الفوائد ١ : ١٦ .

٥٩
 &

السند :

فيه إرسال ، غير أنّ عبد الله بن المغيرة قد ذكر الكشي : أنّه ممّن أجمعت العصابة علىٰ تصحيح ما يصح عنه (١) . وفهم بعض الأصحاب أنّ المراد بهذا الكلام صحة كل ما رواه (٢) ؛ بحيث تصح الرواية إليه ، وحينئذ لا يضرّ الإرسال ، ولا ضعفُ من روىٰ عنه عبد الله بن المغيرة .

وتوقّف في هذا بعض قائلاً : إنّا لا نفهم منه إلّا كونه ثقة .

والذي يقتضيه النظر القاصر أنّ كون الرجل ثقة أمر مشترك ، فلا وجه لاختصاص الإجماع بهؤلاء المذكورين ، وحينئذ لا بدّ من بيان الوجه .

ثم ما ذكره القائل الأوّل ينافيه ما قاله الشيخ في الرواية الآتية عن عبد الله بن المغيرة : من أنّها مرسلة (٣) ؛ فإنّ الشيخ أعلم بمقاصد الكشي من المتأخرين .

ولا يبعد أن يكون الوجه في ذكر الإجماع علىٰ الجماعة المخصوصين ، أنّ عمل المتقدمين بالأخبار إنّما هو مع اعتضادها بالقرائن ، فإذا كان الرواة ممّن اجمع علىٰ تصحيح ما يصح عنهم ؛ كان الإجماع من جملة القرائن ، وبدون هذا يحتاج إلىٰ زيادة القرائن .

فإن قلت : هذا الوجه إنّما يفيد في نفس الرجل ، والعبارة هي تصحيح ما يصح عنه ، فلا يوافق ما ذكرت .

قلت : بل الموافقة حاصلة ، فإنّ الخبر إذا صح إليه علىٰ طريقة

__________________

(١) رجال الكشي ٢ : ٨٣٠ .

(٢) انظر الخلاصة : ٢٧٧ ، مشرق الشمسين : ٣٢ ، الرواشح السماوية : ٤٧ .

(٣) يأتي في ص ٦٣ .

٦٠