إستقصاء الإعتبار في شرح الإستبصار - ج ١

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار في شرح الإستبصار - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-173-7
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٥١٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

السند :

لا ريب فيه بعد ملاحظة ما قدّمناه .

المتن :

لا قدح في زرارة لتوهّم إساءة الأدب في قوله : ألا تخبرني ، لأنّ الضرورة بمخالطة أهل الخلاف دعته إلىٰ ذلك ، والتعبير بما قاله اعتماداً علىٰ رسوخ ولايته ، كما في الحبل المتين (١) .

وما فيه من دلالة الخبر علىٰ أنّ الباء تأتي للتبعيض ، فيدفع به قول سيبويه : إنّ الباء لم تجئ للتبعيض (٢) .

قد يقال عليه : إنّ إفادة التبعيض تجوز كونها مجازاً ، والقرينة بيان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام عليه‌السلام حيث قال في أول الخبر : « قاله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ونزل به الكتاب » .

ولئن استبعد ذلك من حيث إنّ قول الرسول لا ينحصر في البيان أمكن أن تكون القرينة أخيراً من قوله عليه‌السلام : « بيّن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك للناس » مضافاً إلىٰ [ أنّ ] مثل زرارة لا يخفىٰ عليه الحال لو كانت في الآية للتبعيض ، إلّا أن يقال : إنّها مشتركة بين معان ، فالبيان لأحد المعاني لا يقتضي المجاز ، ولذلك سأل زرارة ، فليتأمّل .

وقوله عليه‌السلام : « فعرفنا أنّ الوجه كله ينبغي أنّ يغسله » ربما (٣) يسأل عن وجه استفادة هذا المعنىٰ من الآية ، مع أنّ المأمور به غسل جميع الوجوه ،

__________________

(١ و ٢) الحبل المتين : ١٦ .

(٣) في « رض » : إنّما .

٤٢١
 &

لا جميع كل وجه .

ومن ثم يخطر في البال الكلام علىٰ أهل الخلاف القائلين بأنّ الباء ليست للتبعيض في مثل ( وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ ) كما يظهر من كلام الشيخ من التهذيب (١) ، إن كان إشارة إليهم ، وإن كان دفع احتمال أورده فالكلام في جوابه .

وحاصل الأمر أنّ الشيخ ـ رحمه‌الله ـ قال في مسألة مسح الرأس بعد الرواية الدالة علىٰ مقدار ثلاث أصابع :

فإن قيل : كيف يمكنكم التعلق بهذا الخبر مع أنّ ظاهر القرآن يدفعه ؛ لأنّ الله تعالىٰ قال : ( وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ ) والباء هاهنا للإلصاق ، وإنّما دخلت لتعلق المسح بالرؤوس ، لا أن تفيد التبعيض ، لأنّ إفادتها للتبعيض غير موجود في كلام العرب ، وإذا كان هكذا فالظاهر يقتضي مسح جميع الرأس .

وأجاب ـ رحمه‌الله ـ بما فيه طول ، وحاصله توجيه كونها للتبعيض (٢) .

والذي يمكن أن يقال علىٰ نحو ما قلناه هنا ، إنّ الآية إنّما تدل بتقدير عدم التبعيض علىٰ مسح جميع الرؤوس لا جميع الرأس ، فلا يشكل الحال بأنّ جواب الشيخ لا يخلو من كلام من جهات أشرنا إليها في حاشية التهذيب .

غير أنّه ربما يقال في الخبر المبحوث عنه : إنّ المسح ببعض الرؤوس لا يدل علىٰ المسح ببعض كل رأس .

والجواب : أنّ كلام الإمام عليه‌السلام كشف الغموض في الآية ، بأنّ المراد

__________________

(١) التهذيب ١ : ٦٠ .

(٢) التهذيب ١ : ٦٠ ، ٦١ .

٤٢٢
 &

بعض كل رأس وغسل كل وجه ، فيرتفع الارتياب ، ويتحقق غموض مقصد زرارة في السؤال ، ويتضح أنّ الاستدلال بالخبر علىٰ كون الباء للتبعيض بمجردها غير كاف في المطلوب .

ثم ما تضمنه الخبر من قوله : « ثمّ فصّل بين الكلامين » قيل : إنّه يراد به : غاير به بينهما (١) .

وما تضمنه من حكم التيمّم سيأتي إن شاء الله تعالىٰ القول فيه في محله (٢) ، إذ فيه دلالة علىٰ أنّ الصعيد التراب ، ولم أَرَ من ذكره في الاستدلال لذلك ، ولا يخفىٰ أنّ دلالة الخبر علىٰ التبعيض في الرأس لا يخرج عن الإطلاق ، وحينئذٍ لا مانع من تقييده بما دل علىٰ مقدار الثلاث أصابع ، وقد أشرنا إلىٰ ذلك سابقاً ، والله تعالىٰ أعلم بحقائق الاُمور .

قال :

باب الاُذنين هل يجب مسحهما مع الرأس أم لا ؟

أخبرني الشيخ ـ رحمه‌الله ـ عن أبي القاسم جعفر بن محمّد ، عن محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن يحيىٰ ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير ، عن زرارة قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام أنّ اُناساً يقولون إنّ (٣) الاُذنين من الوجه وظهرهما من الرأس ، فقال : « ليس عليهما غَسل ولا مسح » .

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن يونس ، عن علي بن رئاب ،

__________________

(١) قال به في الحبل المتين : ١٦ .

(٢) يأتي في ج ٣ : ١٣ .

(٣) في الاستبصار ١ : ٦٣ / ١٨٧ زيادة : بطن .

٤٢٣
 &

قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام الاُذنان من الرأس ؟ قال : « نعم » . قلت : وإذا (١) مسحتُ رأسي مسحتُ اُذني ؟ قال : « نعم ، كأنّي أنظر إلىٰ أبي في عنقه عُكنة (٢) وكان يحفي رأسه إذا جزّه ، كأنّي أنظر والماء يجري علىٰ عاتقه » (٣) .

فمحمول علىٰ التقيّة ، لأنّه موافق لمذهب العامّة ، ومناف لظاهر القرآن ، علىٰ ما بيّناه في كتاب تهذيب الأحكام (٤) .

السند :‌

في الأوّل ابن فضال وابن بكير ، وهما غير خفيّين .

وفي الثاني يونس ، وأمره ملتبس ، إذ يونس بن عبد الرحمان لم أجد في غير هذا الموضع رواية الحسين بن سعيد عنه ، ويونس بن يعقوب محتمل ، وحاله مشهور ، وغيره أيضاً محتمل .

وبالجملة فالخبر غير معلوم الصحة .

المتن :

في الأوّل : صريح في أنّ الاُذنين ليس عليهما غَسل ولا مسح ، وهو إجماع أيضاً .

وفي الثاني : ما قاله الشيخ فيه هو المتعيّن ، غير أنّ قوله : وإن

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٦٤ / ١٨٨ : فإذا .

(٢) تقدم معناه في ص ٤١٢ .

(٣) في الاستبصار ١ : ٦٤ / ١٨٨ : ينحدر علىٰ عنقه .

(٤) التهذيب ١ : ٦٠ .

٤٢٤
 &

مسحت رأسي مسحت اُذني . لا يخلو من إجمال ؛ لأنّ مسح الرأس إن اعتبر جميعه كان مسح الاُذنين لازماً ، وإن لم يعتبر فالحكم بمسحهما لكونهما من الرأس غير ظاهر الوجه ، ولعل مذهب أهل الخلاف يوافق ذلك ، أمّا قوله عليه‌السلام : « كأنّي أنظر » إلىٰ آخره ، ففيه من اللطف ما لا يخفىٰ .

اللغة :

أحفىٰ شاربه : بالغ في جزّه ، قاله في المغرب (١) .

قال :

باب وجوب المسح علىٰ الرِّجلين

أخبرني الشيخ ـ رحمه‌الله ـ عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن الحسين ابن الحسن بن أبان ، ومحمّد بن يحيىٰ ، عن أحمد بن محمّد جميعاً ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن حماد بن عثمان ، عن سالم ، وغالب بن هذيل قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن المسح علىٰ الرِّجلين ، فقال : « هو الذي نزل به جبرائيل » (٢) .

وبهذا الأسناد عن الحسين بن سعيد ، عن صفوان ، عن العلاء (٣) ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن المسح علىٰ الرِّجلين ؟ فقال : « لا بأس » .

وأخبرني الشيخ ـ رحمه‌الله ـ عن أبي القاسم جعفر بن محمّد ، عن

__________________

(١) المغرب ١ : ١٣١ .

(٢) في الاستبصار ١ : ٦٤ / ١٨٩ : جبرئيل عليه‌السلام .

(٣) في الاستبصار ١ : ٦٤ / ١٩٠ زيادة : عن محمّد .

٤٢٥
 &

محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن يحيىٰ ، عن محمّد بن الحسين ، عن الحكم بن مسكين ، عن محمّد بن سهل ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « يأتي علىٰ الرجل ستون وسبعون سنة ما قَبِل الله منه صلاة » قلت : وكيف ذلك ؟ قال : « لأنّه يغسل ما أمر الله بمسحه » .

وأخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمّد بن يحيىٰ ، عن أبيه ، عن محمّد بن علي بن محبوب ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبي همام ، عن أبي الحسن عليه‌السلام في وضوء الفريضة في كتاب الله قال : « المسح والغسل في الوضوء للتنظيف » .

الحسين بن سعيد ، عن حماد ، عن حريز ، عن زرارة ، قال : قال لي : « لو أنّك توضّأت فجعلت مسح الرِّجلين (١) غَسلاً ثم أضمرتَ أنّ ذلك من المفروض (٢) لم يكن ذلك بوضوء » ثم قال : « إبدأ بالمسح علىٰ الرِّجلين فإن بدا لك غَسلٌ فغسلته فامسح بعده ، ليكون آخر ذلك المفروض » .

السند :‌

في الأوّل : فيه سالم ، وهو مشترك (٣) ، وغالب بن هذيل غير مذكور فيما وقفت عليه من الرجال .

وفي الثاني : ليس فيه ارتياب ، إلّا أنّ رواية العلاء عن أحدهما محلّ تأمّل ؛ لأنّ العلاء لا يروي عن الباقر عليه‌السلام ، كما ذكره شيخنا المحقق ميرزا

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٦٥ / ١٩٣ : الرِّجل .

(٢) في الاستبصار ١ : ٦٥ / ١٩٣ : الفروض .

(٣) هداية المحدثين : ٦٩ .

٤٢٦
 &

محمّد ـ أيّده الله ـ في فوائده علىٰ الكتاب ، وفي بعض النسخ ـ كما ذكره أيضاً ـ العلاء عن محمّد . وهو الذي ينبغي ، ولعلّ محمّداً ساقط بعد العلاء سهواً من قلم الشيخ ، لأنّه المتكثّر في الأخبار .

وفي الثالث : الحكم بن مسكين ، وهو مهمل في الرجال (١) ؛ ومحمّد ابن سهل ، وليس هو ابن سهل بن اليسع علىٰ ما ظهر ، لأنّه من رجال الرضا عليه‌السلام ، وإنّ لم تكن ثمرة هذا مهمّة لإهماله في الرجال (٢) ، وغيره مهمل أيضاً .

وفي الرابع : لا ارتياب كما تقدم .

وفي الخامس كذلك .

المتن :

في الأوّل صريح في أنّ المسح هو الذي نزل به جبرئيل ، والإجماع علىٰ ذلك واقع أيضاً .

وفي الثاني : نوع إبهام ، ولعلّه للخوف من بعض المعاندين في المذهب .

والثالث : صريح ، وكذا الرابع والخامس .

وما يوهمه من أنّ إضمار كونه من المفروض هو الموجب لعدم كونه وضوءاً ، يدفعه أنّ المراد به علىٰ الظاهر من الأخبار السابقة أنّ الغَسل لغير الوضوء لا ضير فيه ، لا أنّ (٣) الغَسل بغير نية الفرض يجعله وضوءاً

__________________

(١) رجال النجاشي : ١٣٦ / ٣٥٠ .

(٢) رجال الطوسي : ٢٨٩ / ١٤٨ ـ ١٥٠ .

(٣) في « رض » : إلّا أنّ ، وفي « د » : لأنّ .

(٤) في « رض » : إذ لا .

٤٢٧
 &

فلا (١) واسطة ، كما يظهر بالتأمّل .

ثم إنّ الأصحاب قد اختلفوا في الفرق بين الغَسل والمسح ، فقيل : إنّ بينهما تبايناً كلّياً في الصدق والمفهوم (١) .

وقيل : بينهما عموم وخصوص من وجه باعتبار الصدق ، وتباين بحسب المفهوم (٢) .

أمّا الأوّل فالاجتماع مع إمرار اليد والجريان اليسير ، وتحقق الغسل خاصة مع انتفاء الأوّل ، والمسح مع انتفاء الثاني .

وربما ظنّ بعض المتأخّرين الفرق باعتبار القصد (٣) ، ولعلّه نظر إلىٰ هذا الخبر ، ودفعه غير خفي بعد ما قرّرناه ، وغير بعيد أن يكون المراد في الخبر بالغَسل استئناف الماء ، وإن أمكن فيه احتمالات اُخر ذكرناه في حاشية التهذيب ، منها : إيصال بلّة الوضوء بالتقطير من غير واسطة اليد ؛ ومنها : وضع اليد ورفعها من غير إمرار ؛ ومنها : كثرة المأخوذ من البلل ؛ والفضل للأوّل ، كما أنّ القصور في المتأخّر .

والاستدلال المذكور للتباين صدقاً ومفهوماً دلالة الأخبار علىٰ اختصاص أعضاء الوضوء بالغَسل في بعض ، والمسح في آخر ، والتفصيل قاطع للشركة ، وعدم قصد الغَسل مع تحقّقه لا يخرجه عن كونه غَسلاً ، إذ الاسم يتبع الحقيقة لا النية ، وكونه ماء الوضوء لا يخرجه عن ذلك أيضاً ، وإلّا لزم من صبّ الماء علىٰ العضو ثم غَسل عضو آخر عدم الجواز ، وفي البين كلام .

__________________

(١) المعتبر ١ : ١٤٨ .

(٢) مدارك الأحكام ١ : ٢١٥ .

(٣) كالأردبيلي في مجمع الفائدة ١ : ١٠٤ .

٤٢٨
 &

وقد صرح شيخنا ـ قدس‌سره ـ بأظهرية العموم والخصوص من وجه (١) .

وفي الذكرىٰ : لا يقدح قصد إكثار الماء لأجل المسح ، لأنّه من بلل الوضوء ، وكذا لو مسح بماءٍ جارٍ علىٰ العضو وإن أفرط في الجريان ؛ لصدق الامتثال ؛ ولأنّ الغَسل غير مقصود (٢) ، وفيه نظر واضح .

وبالجملة : فللكلام في المقام مجال ، واحتمال الحوالة علىٰ العرف ممكن ، إنّ لم تثبت الحقيقة الشرعية واللغوية .

فإن قلت : مع انتفاء الشرع واللغة لا بُدّ من العرف ، فكيف يقال بالإمكان ؟

قلت : إنّما ذكرت ذلك لاحتمال عدم ثبوت الحقيقة الشرعية ( وإرادة معنىٰ مجازي من الأخبار بقرينة ، إذ مرجع كلامنا إلىٰ مدلول الخبر الأخير ، وإنّما ذكرنا الفرق في مطلق الغَسل والمسح بالعارض ، فليتأمّل في هذا ) (٣) فإنّه لا يخلو من غموض .

ثم إنّ الخبر الأخير قد يستفاد منه جواز المسح مع بقية نداوة الغَسل ، حيث قال : « فإن بدا لك غَسل فغسلته فامسح بعده » وإليه ذهب بعض ؛ للأصل ؛ وإطلاق ؛ الأمر ؛ وصدق الامتثال .

بل صرّح المحقق بأنه لو كان في ماء وغسل وجهه ويديه ثم مسح رأسه ورجليه جاز ، لأنّ يديه لا تنفك عن ماء الوضوء ، ولم يضرّه ما كان علىٰ قدميه من الماء (٤) .

__________________

(١) مدارك الأحكام ١ : ٢١٥ .

(٢) الذكرىٰ ٢ : ١٤٣ .

(٣) ما بين القوسين ليس في « رض » .

(٤) المعتبر ١ : ١٦٠ .

٤٢٩
 &

والعلّامة في المختلف نقل عن ابن إدريس أنّه قال : من كان قائماً في الماء وتوضّأ ثم أخرج رجليه من الماء ومسح عليها من غير أن يدخل يده في الماء فلا حرج عليه ، لأنّه ماسحٌ إجماعاً ، والظواهر من الآيات والأخبار متناولة له .

ثم قال العلّامة : وكان والدي يمنع ذلك كله ، ولا يجيز مسح الرِّجلين وعليهما رطوبة ، وليس بعيداً من الصواب ؛ لأنّ المسح يجب بنداوة الوضوء ويحرم التجديد ، ومع رطوبة الرجلين يحصل المسح بماء جديد (١) . انتهىٰ .

والظاهر أنّ مراد المحقق ما قاله ابن إدريس لا ما يقتضيه ظاهر كلامه ، واستدلال ابن إدريس بظواهر الآيات والأخبار يمكن توجيهه ، سيّما الخبر الذي نحن بصدده .

وربما كان أوضح منه ما رواه الشيخ فيما يأتي عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسىٰ عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل لا يكون علىٰ وضوء فيصيبه المطر حتىٰ يبتلّ رأسه ولحيته وجسده ويداه ورجلاه ، أيجزيه ذلك عن الوضوء ؟ قال : « إن غسله فإنّ ذلك يجزيه » (٢) .

فإن قلت : هذا الخبر إنّما يدل علىٰ الإجزاء في الأعضاء المغسولة ، لقوله : « إن غسله » والمطلوب الإجزاء في المسح .

قلت : لِما ذكرت وجه ، إلّا أنّ ترك الإمام عليه‌السلام الإعلام بتجفيف موضع المسح دليل علىٰ الجواز ، إلّا أن يقال : إنّ الإمام لم يترك ذلك بل بيّنه بأنّ الغَسل يجزئ ، وهو يدل علىٰ عدم إجزاء المسح ، وفيه ما فيه .

أمّا ما قاله العلّامة في المختلف : من أنّ الماسح فوق البلل ماسح

__________________

(١) المختلف ١ : ١٣٦ و ١٣٧ ، وهو في السرائر ١ : ١٠٤ .

(٢) التهذيب ١ : ٣٥٩ / ١٠٨٢ ، الوسائل ١ : ٤٥٤ أبواب الوضوء ب ٣٦ ح ١ .

٤٣٠
 &

بالماء الجديد . فقد يقال عليه : إنّ تحقق المسح بالماء الجديد ممنوع ، بل هو ماسح بالبلل ، غاية الأمر أنّ البلل ليس مستقلاً ، كما أنّ الماء الجديد غير مستقل .

والأخبار الدالة علىٰ المسح بالبلل تدل علىٰ أنّ المسح بمصاحبة البلل أو الاستعانة به ، وكلاهما حاصل ، ولم أجد في كلام الأصحاب تحرير هذا المقام .

وما قاله الشهيد في الذكرىٰ : من أنّه لو غلب ماء المسح رطوبة الرِّجلين ارتفع الإشكال (١) ؛ محل بحث ، لأنّ الإشكال باق ، كما يعلم ممّا قرّرناه .

والعجب من شيخنا ـ قدس‌سره ـ أنّه استحسن قول الشهيد ـ رحمه‌الله ـ ومنع قول العلّامة السابق (٢) ، مقتصراً علىٰ ذلك ، والله سبحانه وليّ التوفيق .

قال :

فأمّا ما رواه محمّد بن أحمد بن يحيىٰ ، عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال ، عن عمرو بن سعيد المدائني ، عن مصدّق بن صدقة ، عن عمار بن موسىٰ ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يتوضّأ الوضوء كله إلّا رجليه ثم يخوض الماء بهما خوضاً قال : « أجزأه ذلك » .

فهذا الخبر محمول علىٰ حال التقية ، فأمّا مع الاختيار فلا يجوز إلّا المسح عليهما علىٰ ما بيّناه .

فأمّا ما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن أيوب

__________________

(١) الذكرىٰ ٢ : ١٥٣ .

(٢) مدارك الأحكام ١ : ٢١٣ .

٤٣١
 &

ابن نوح قال : كتبت إلىٰ أبي الحسن عليه‌السلام أسأله عن المسح علىٰ القدمين ، فقال : « الوضوء بالمسح ولا يجب فيه إلّا ذاك ومن غَسل فلا بأس » .

قوله عليه‌السلام : « ومن غسل فلا بأس » محمول علىٰ التنظيف ، لأنّه قد ذكر قبل ذلك فقال : « الوضوء بالمسح ، ولا يجب إلّا ذاك » فلو كان الغَسل أيضاً من الوضوء لكان واجباً ، وقد فصّل ذلك في رواية أبي همام التي قدّمناها حيث قال في وضوء الفريضة في كتاب الله : « المسح ، والغَسل في الوضوء للتنظيف » .

السند‌ :

في الأول موثق ، وفي الثاني صحيح .

المتن :

في الخبرين كلام الشيخ لا غبار عليه ، وفيه تنبيه علىٰ ما أشرنا إليه سابقاً في حديث زرارة (١) .

وما عساه يقال : إنّ مثل أيوب بن نوح كيف يسأل عن المسح والحال أنّه معلوم ضرورة من مذهب الإماميّة ، فإنّ كان السؤال عن كيفية المسح فالجواب لا يوافقه ، وإن كان عما يوافق الجواب فالحال ما سمعت .

يمكن الجواب عنه بأنّ السؤال لا يتعيّن فائدته للسائل ، بل قد يكون لدفع الريب عن قاصر ، وعلىٰ تقدير الاختصاص يجوز كون الوجه دفع

__________________

(١) راجع ص ٤٢١ .

٤٣٢
 &

احتمال ، والأمر سهل بعد ثبوت جلالة السائل .

قال :

فأمّا ما رواه محمّد بن الحسن الصفار ، عن عبد الله (١) بن المنبه ، عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه ، عن علي عليه‌السلام قال : « جلست أتوضّأ فأقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين ابتدأت بالوضوء ، فقال لي : تمضمض واستنشق واستنّ (٢) ، ثم غسلت وجهي (٣) ثلاثاً ، فقال : قد يجزيك من ذلك المرّتان » قال (٤) : « فغسلت ذراعيّ ومسحت برأسي مرّتين ، فقال : قد يجزيك من ذلك المرّة ، وغسلت قدميّ ، فقال (٥) : يا علي خلّل بين الأصابع لا تخلّل بالنار » .

فهذا خبر موافق للعامة ، وقد ورد مورد التقيّة ؛ لأنّ المعلوم الذي لا يختلج (٦) فيه الشك من مذاهب أئمّتنا عليهم‌السلام القول بالمسح علىٰ الرِّجلين ، وذلك أشهر من أن يدخل فيه شك أو إرتياب ، يبين (٧) ذلك أنّ رواة هذا الخبر كلهم عامّة ورجال الزيديّة ، وما يختصّون بروايته لا يعمل به علىٰ ما بين في غير موضع .

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٦٥ / ١٩٦ : عبيد الله .

(٢) استن : الاستنان : استعمال السواك ـ النهاية لابن الأثير ٢ : ٤١١ ( سنن ) .

(٣) في الاستبصار ١ : ٦٦ / ١٩٦ لا يوجد : وجهي .

(٤) في الاستبصار ١ : ٦٦ / ١٩٦ لا يوجد : قال .

(٥) في الاستبصار ١ : ٦٦ / ١٩٦ يوجد : لي .

(٦) في الاستبصار ١ : ٦٦ / ١٩٦ : لا يتخالج .

(٧) في الاستبصار ١ : ٦٦ / ١٩٦ : بين .

٤٣٣
 &

السند :

كما ترىٰ يعطي كلام الشيخ أنّ رواته من العامة والزيدية ، غير أنّ عبد الله بن المنبّه لم أقف علىٰ حاله من أيّ النوعين ، إذ هو غير موجود في الرجال ، بل الموجود المنبّه بن عبد الله روىٰ عنه الصفار (١) ؛ أمّا الحسين بن علوان : فقد قيل : إنّه عاميٌ (٢) .

وعمرو بن خالد : قال الكشيّ في رواية : إنّه من كبار الزيديّة (٣) . وأمّا الشيخ فإنّه في رجال الباقر عليه‌السلام قال : إنّه بتريّ ، وأتىٰ به بغير واو (٤) ، وذكر النجاشي : أنّه يروي عن زيد (٥) ، ومن هنا يعلم شخصه وإلّا ففي الرجال غيره ثقة (٦) .

المتن :

أمارات الوضع عليه لائحة ، وما قاله الشيخ من الحمل علىٰ التقية لم يتّضح لي حقيقة الحال فيه ؛ لأنّ الحاكي لزيد من آبائه عن علي عليه‌السلام ـ إذا اقتضىٰ المقام تقيّة ـ كيف يصدر منه هذا الكلام مع اندفاع التقية بما دونه ، واحتمال كون التقية ألجأت إلىٰ هذا في غاية البعد ، إلّا أنّ باب الإمكان واسع .

__________________

(١) رجال النجاشي : ٤٢١ / ١١٢٩ .

(٢) رجال ابن داود : ٢٤٠ / ١٤٤ .

(٣) رجال الكشي ٢ : ٤٩٨ / ٤١٩ .

(٤) رجال الطوسي : ١٣١ / ٦٩ .

(٥) رجال النجاشي : ٢٨٨ / ٧٧١ .

(٦) رجال ابن داود : ١٤٥ / ١١٩ .

٤٣٤
 &

ولا يخفىٰ أنّ في كلام الشيخ نوع تدافع ؛ لأنّ الحمل علىٰ التقية يقتضي قبول الخبر ، وقوله : إنّه لا يعمل بما يختصون به . يقتضي ردّ الخبر ، وإرادة عدم العمل به مع قبوله بأن يحمل علىٰ التقيّة لا وجه له ، كما هو ظاهر .

ويمكن الجواب : بأنّ مراد الشيخ بعدم العمل عدم فعل ما تضمّنه الخبر لا قبوله ، والظاهر أنّ هذا هو غرض الشيخ ، فتدبّر .

ثم إنّه يستفاد من كلام الشيخ هنا أنّ روايات الزيدية والعامة لا يعمل بها إلّا إذا كانت معتضدة بروايات غيرهم ، أو قرائن تدل علىٰ الصحّة ، وهو الذي يظهر منه في العدّة الاُصوليّة علىٰ ما حكاه الوالد (١) ـ قدس‌سره ـ .

وما نقله المحقق عن الشيخ : من أنّه أجاز العمل بخبر الفطحيّة ومن ضارعهم ، بشرط أن لا يكون متّهماً بالكذب ، محتجّاً بأنّ الطائفة عملت بخبر عبد الله بن بكير ، وسماعة ، وعلي بن أبي حمزة ، وعثمان بن عيسىٰ (٢) . لا يخلو من منافاة لما ذكره هنا وحكاه الوالد (٣) .

ولعل مراد الشيخ أنّ عمل الطائفة قرينة عاضدة ، وفيه بحث حرّرناه في محله ، والغرض هنا هو الإشارة إلىٰ المنافرة بين الكلامين ، ليعلم الناظر الاضطراب ، ويتحرىٰ معرفة طريق الصواب .

اللغة :

قال ابن الأثير في النهاية في حديث السواك : إنّه كان يستنّ بعود من

__________________

(١) معالم الاُصول : ٢٠٠ .

(٢) معارج الاُصول : ١٤٩ وهو في العدة ١ : ١٥٠ .

(٣) معالم الاُصول : ٢٠٠ .

٤٣٥
 &

أراك ، الاستنان : استعمال السواك ، وهو افتعال من الأسنان : أي يمرّه عليها (١) .

قوله :

باب المضمضة والاستنشاق‌

أخبرني الشيخ ـ رحمه‌الله ـ عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن عثمان بن عيسىٰ ، عن سماعة قال : سألته عنهما ، قال : « هما من السنة فإن نسيتهما لم يكن عليك إعادة » .

وبهذا الإسناد عن عثمان بن عيسىٰ ، عن ابن مسكان ، عن مالك ابن أعين قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عمّن توضأ ونسي المضمضة والاستنشاق ، ثم ذكر بعدما دخل في صلاته ، قال : « لا بأس » .

وبهذا الإسناد عن الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « المضمضة والاستنشاق ليسا من الوضوء » .

قال محمّد بن الحسن : معنىٰ قوله عليه‌السلام : « ليسا من الوضوء » أي ليسا من فرائض الوضوء وإن كانا من سننه ، يدل علىٰ ذلك الخبر الأوّل الذي رويناه عن سماعة ، ويؤكد ذلك أيضاً :

ما أخبرني به الشيخ ـ رحمه‌الله ـ عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمّد بن عيسىٰ ، عن الحسين بن

__________________

(١) النهاية لابن الأثير ٢ : ٤١١ ( سن ) .

٤٣٦
 &

سعيد ، عن حماد ، عن شعيب ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عنهما ، فقال : « هما من الوضوء ، فإن نسيتهما فلا تعد » .

السند‌ :

فيما عدا الثالث غير سليم ، أمّا الأوّل : فواضح الضعف ، والثاني : فيه مالك بن أعين أيضاً ، وقيل : إنّه كان مخالفاً (١) . وقيل : كان مرجئاً .

وفي الرابع : أبو بصير ، والثالث معلوم الحال .

المتن :

ظاهر في الأوّل والثاني ، وأمّا الثالث فما ذكره الشيخ في توجيهه بعيد ، بل الظاهر في التوجيه أنّهما مستحبّان خارجان عن حقيقته ، بل هما من الحنيفية ، علىٰ ما رواه ابن بابويه (٢) ، غاية الأمر استحباب فعلهما قبل الوضوء .

وعلىٰ ظاهر قول الشيخ : إنّهما ليسا من الفرائض ، بل من المستحبات الداخلة في ماهيته ، وقد يمكن توجيه كلام الشيخ بما يرجع إلىٰ ما قلناه ، والأمر سهل .

أمّا ما قاله : من أنّ خبر سماعة يدل علىٰ أنّهما ليسا من الفرائض . فهو صحيح ، غير أنّه مجمل ، لأنّ خبر سماعة محتمل لأن يراد بالسنّة ما قابل الفرض ، فيشمل الواجب ، إذ المراد بالسنّة في أخبارنا قد يكون

__________________

(١) انظر الخلاصة : ٢٦١ .

(٢) الهداية ( المقنع والهداية ) : ١٧ .

٤٣٧
 &

ما ثبت بالسنّة لا بالقرآن .

وقوله عليه‌السلام في خبر سماعة : « فإن نسيتهما » إلىٰ آخره . لا يدلّ علىٰ عدم الوجوب ، لأنّ الإعادة فيه ظاهرة في الوضوء ، وإذا لم يكونا من أجزاء الوضوء لا يلزم إعادته بالإخلال بهما ، إلّا أنّ عدم القائل بالوجوب علىٰ ما يظهر من المختلف (١) يؤيّد كلام الشيخ .

اللغة :

قال ابن الأثير في كتاب إحكام الأحكام في المضمضة : إنّ أصل هذه اللفظة مشعر بالتحريك ، ومنه مضمض النعاس في عينيه ، واستعملت في الوضوء لتحريك الماء في الفم ؛ وزاد في توجيه استحباب المضمضة والاستنشاق أنّ صفات الماء ثلاثة : اللون يدرك بالبصر ، والطعم يدرك بالذوق ، والريح يدرك بالشم ، فقدّمت هاتان السنّتان ليختبر حال الماء قبل استعماله في الفرض ؛ ولا بأس به .

قال :

فأمّا ما رواه محمّد بن علي بن محبوب ، عن العباس بن معروف ، عن القاسم بن عروة ، عن ابن بكير ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « ليس المضمضة والاستنشاق فريضة ولا سنّة ، إنّما عليك أن تغسل ما ظهر » .

فالوجه في هذا الخبر أنّهما ليسا من السنّة التي لا يجوز تركها ،

__________________

(١) المختلف ١ : ١١١ .

٤٣٨
 &

فأمّا أن يكون فعلهما (١) بدعة فلا يدلّ علىٰ ذلك :

ما رواه الشيخ عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن الحسين بن الحسن ابن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن عروة ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « المضمضة والاستنشاق ممّا سنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » .

السند‌ :

في الأول والثاني القاسم بن عروة ، ولا أعلم مدحه ، بل ربما أشعر قول بعض علماء الرجال بنوع ذمّ (٢) كما يظهر من المراجعة .

المتن :

في الأول جعله العلّامة في المختلف من جملة الأدلة لابن أبي عقيل القائل بأن المضمضة والاستنشاق ليسا بفرض ولا سنّة ، علىٰ ما حكاه عنه .

وأجاب العلّامة أولاً بالمنع من صحة السند ، فإنّ في طريقه القاسم ابن عروة قال : ولا يحضرني الآن حاله ، وابن بكير وهو فطحيّ ، ومع ذلك فهو محتمل للتأويل ، وذكر كلام الشيخ في تأويله .

ثم قال : ويؤيّد هذا التأويل أنّهما سنّة ، لا سنّة الوضوء ، لأنّ الوضوء فريضة ، ولكنهما من الحنيفية التي قال الله تعالىٰ لنبيه عليه‌السلام : ( وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ) (٣) انتهىٰ (٤) .

__________________

(١) في النسخ : فعله ، وما أثبتناه من الإستبصار ١ : ٦٧ / ٢٠١ .

(٢) انظر حاوي الأقوال ٤ : ١٩٦ / ١٩٧٩ .

(٣) النساء : ١٢٥ .

(٤) المختلف ١ : ١١١ و ١١٢ .

٤٣٩
 &

ولا يخفىٰ عليك ما في كلام العلّامة والشيخ من جهة التأويل ، فإنّ إرادة الواجب من السنّة في غاية البعد ، مع إمكان الدخول في الحديث من باب آخر ، وهو إرادة عدم كونهما من ماهيّته وجوباً واستحباباً ، وكلام العلّامة وإن أفهم في التأييد هذا ، إلّا أنّ قوله : لأنّ الوضوء فريضة . محل كلام ، بل الوضوء ملتمّ من فروض ومستحبات ، وقوله : ولكنهما من الحنيفية . مجمل المرام ، بل لا يخلو من اختلال ، والله تعالىٰ أعلم بالحال .

وما قاله الشيخ ـ رحمه‌الله ـ من أنّ رواية عبد الله بن سنان تدل علىٰ تأويله ، محل كلام ؛ لأنّ الخبر يدل علىٰ أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سنّ المضمضة والاستنشاق ، أمّا كونهما من سنن الوضوء فلا يدلّ عليه .

وبالجملة : لا يبعد أن يكون مراد ابن أبي عقيل نفي كونهما من فرائض الوضوء وسننه الداخلة فيه ، إن كان الاستدلال بالخبر منه ، لأنّ قوله عليه‌السلام : « إنّما عليك أن تغسل ما ظهر » يدلّ علىٰ ما قلناه ، وإن كان الاستدلال من العلّامة له ، فمطلوبه غير واضح ، بل عبارته المنقولة من العلّامة تفيد نفي المضمضة والاستنشاق مطلقاً .

وهذه عبارة العلّامة : المشهور عند علمائنا استحباب المضمضة والاستنشاق ، وقال ابن أبي عقيل : إنّهما ليسا عند آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بفرض ولا سنّة . لنا أنّهما من العشرة الحنيفية ، وما رواه الشيخ ، وذكر رواية عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه حكىٰ وضوء أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : « ثم يمضمض » إلىٰ آخر الرواية (١) (٢) .

__________________

(١) التهذيب ١ : ٥٣ / ١٥٣ ، الوسائل ١ : ٤٠١ أبواب الوضوء ب ١٦ ح ١ .

(٢) المختلف ١ : ١١١ .

٤٤٠