إستقصاء الإعتبار في شرح الإستبصار - ج ١

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار في شرح الإستبصار - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-173-7
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٥١٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

الشهيد في بعض فوائده (١) .

قال :

وبهذا الإسناد عن محمّد بن علي بن محبوب ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن عبد الله بن زرارة ، عن عيسىٰ بن عبد الله ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا استنجىٰ أحدكم فليوتر بها وتراً إذا لم يكن الماء » .

وبهذا الإسناد عن محمّد بن يحيىٰ ، عن محمّد بن أحمد بن يحيىٰ ، عن أحمد بن الحسن ( بن علي ) (٢) بن فضّال ، عن عمرو بن سعيد ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل ينسىٰ أن يغسل دبره بالماء حتىٰ صلّىٰ إلّا أنّه قد تمسح بثلاثة أحجار ، قال : « إن كان في وقت تلك الصلاة فليعد الصلاة وليعد الوضوء ، وإن كان قد خرجت تلك الصلاة التي صلىٰ فقد جازت صلاته وليتوضّأ لما يستقبل من الصلاة » وعن الرجل يخرج منه الريح عليه أن يستنجي ؟ قال : « لا » وقال : « إذا بال الرجل ولم يخرج منه شي‌ء غيره فإنّما عليه أن يغسل إحليله وحده ولا يغسل مقعدته ، وإن خرج من مقعدته شي‌ء ولم يبل فإنّما عليه أن يغسل المقعدة وحدها ولا يغسل الإحليل » وقال : « إنّما عليه أن يغسل ما ظهر منها وليس عليه أن يغسل باطنها » .

__________________

(١) حكاه في البحار ٧٧ : ١٩٩ عن الشهيد في أربعينه .

(٢) أثبتناه من الاستبصار ١ : ٥٢ / ١٤٩ .

٣٦١
 &

السند :

في الأوّل : قد تقدم القول فيه .

وفي الثاني : قوله : وبهذا الإسناد . عائد إلىٰ الحديث الثاني من أوّل الباب ، والاسناد عن الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمّد ، ولا يخفىٰ ما فيه من البعد ، والسند موثّق كما سبق .

المتن :

في الأوّل فيه الأمر بالوتر ، والضمير في « بها » غير ظاهر المرجع ، ويحتمل العود إلىٰ الأحجار لاشتهارها ، وحينئذٍ فالأمر للوجوب بناء علىٰ تعين الثلاثة كما قاله جماعة (١) .

ويحتمل العود إلىٰ آلة الاستجمار فإن قلنا بالتعدد في غير الحجر ـ كما ظنه بعض (٢) ـ فالحكم كالحجر ، وإن لم نقل به احتمل الأمر أن يراد به الوجوب والاستحباب ، إمّا باستعماله في حقيقته ومجازه أو في القدر المشترك .

ومن هنا يعلم أنّ الاستدلال بالخبر علىٰ أنّه يستحب أن لا يقطع إلّا علىٰ وتر إذا لم ينق المحل بالثلاثة محل تأمّل ، وقول المحقق في المعتبر بعد الاستدلال بالرواية : إنّها من المشاهير (٣) ، غير مفيد للمطلوب إذا أعطاها

__________________

(١) منهم ابن إدريس في السرائر ١ : ٩٦ ، والمحقق في المعتبر ١ : ١٣١ ، والشهيدان في الروضة ١ : ٨٣ .

(٢) الروضة البهية ١ : ٨٣ .

(٣) المعتبر ١ : ١٣٠ .

٣٦٢
 &

المتأمّل حق النظر .

ثم القائلون بالثلاثة الأحجار استدلوا مع الإجماع المدّعىٰ بروايات :

منها : صحيح زرارة الآتي ، وسيأتي فيه الكلام إن شاء الله (١) .

وأمّا غير الأحجار فاختلف العلماء فيه ، فجمهور المتأخّرين إلىٰ إجزاء كل جسم طاهر مزيل للنجاسة (٢) ، وادّعىٰ الشيخ في الخلاف إجماع الفرقة (٣) ، وقال سلّار : لا يجزي في الاستنجاء إلّا ما كان أصله الأرض (٤) وقال ابن الجنيد : إن لم يحضر الأحجار يمسح بالكرسف أو ما قام مقامه ، ثم قال : ولا اختار الاستطابة الآجر والخزف إلّا إذا لبس طين أو تراب يابس (٥) ، ونقل عن المرتضىٰ في المصباح أنّه جوز الاستنجاء بالأحجار وما قام مقامها (٦) .

والأخبار التي وقفنا عليها في هذا الباب صحيح زرارة قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « كان الحسين بن علي يتمسّح من الغائط بالكرسف ولا يغسل » (٧) .

وصحيح حريز عن زرارة قال : كان يستنجي من البول ثلاث مرّات ، ومن الغائط بالمدر والخزف (٨) .

__________________

(١) في ص ٣٨٠ .

(٢) منهم العلّامة في المختلف ١ : ١٠٠ ، والشهيد في الدروس ١ : ٨٩ ، والكركي في جامع المقاصد ١ : ٩٥ .

(٣) الخلاف ١ : ١٠٦ .

(٤) المراسم : ٣٢ .

(٥) نقله عنه في الذكرىٰ ١ : ١٧١ .

(٦) المعتبر ١ : ١٣١ .

(٧) التهذيب ١ : ٣٥٤ / ١٠٥٥ ، الوسائل ١ : ٣٥٨ أبواب احكام الخلوة ب ٣٥ ح ٣ .

(٨) التهذيب ١ : ٣٥٤ / ١٠٥٤ ، الوسائل ١ : ٣٥٧ أبواب احكام الخلوة ب ٣٥ ح ٢ .

٣٦٣
 &

وظنّ جدي ـ قدس‌سره ـ دلالة هذه الرواية علىٰ التعدّد (١) ، وفي نظري القاصر أنّها لا تدل علىٰ أنّ كل مرّة كان استنجاؤه بذلك ليدل علىٰ التعدّد ، كما لا يخفىٰ علىٰ المتأمّل .

ثم القائلون (٢) بعدم التعدّد حتىٰ في الأحجار احتجّوا بحسنة ابن المغيرة وقد سأله هل للاستنجاء حد ؟ قال : « لا حتىٰ ينقىٰ ما ثمّة » (٣) .

والاستنجاء يطلق علىٰ غَسل الموضع ومسحه كما يشهد به الأخبار وكلام أهل اللغة ، ففي القاموس : استنجىٰ غَسل بالماء أو تمسح بالحجر (٤) . وفي الصحاح : استنجىٰ غَسل موضع النجوىٰ أو مسحه (٥) .

وفي موثقة يونس بن يعقوب : « ويذهب بالغائط » (٦) .

وفي صحيح زرارة السابق : « يتمسح من الغائط بالكرسف » (٧) .

وحملوا رواية الأحجار الثلاثة علىٰ الاستحباب .

وفي الاستدلال بحث ، أمّا أوّلاً : فلأنّ رواية ابن المغيرة محتملة لأن يراد بها الغَسلات أو المسحات التي لا يجب علىٰ المكلّف الإتيان بما يزيد عليها ، ورواية زرارة المتضمنة للثلاثة الأحجار محتملة لأن يراد بها بيان أقل المراتب ، بل هو الظاهر من الإجزاء .

__________________

(١) روض الجنان : ٢٥ .

(٢) منهم الشيخ في الخلاف ١ : ١٠٥ ، والاردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ١ : ٩٢ ، وصاحب المدارك ١ : ١٦٩ .

(٣) الكافي ٣ : ١٧ / ٩ ، الوسائل ١ : ٣٢٢ أبواب أحكام الخلوة ب ١٣ ح ١ ، وص ٢٥٢ ب ٣٥ ح ٦ .

(٤) القاموس ٤ : ٣٩٦ ( نجا ) .

(٥) الصحاح ٦ : ٢٥٠٢ ( نجا ) .

(٦) التهذيب ١ : ٤٧ / ١٣٤ ، الوسائل ١ : ٣١٦ أبواب احكام الخلوة ب ٩ ح ٥ .

(٧) في ص ٣٦٣ .

٣٦٤
 &

وأمّا ثانياً : فالأخبار المطلقة لا تأبىٰ التقييد ، وفي نظري القاصر أنّ التقييد إنّما يكون للأحجار لا لغيرها ، إذ لا جامع للمطلق والمقيد بالأحجار ، فلا يدخل فيه مثل الكرسف كما ظنه بعض ، فليتأمّل ، ولو نظرنا إلىٰ معتبر الأخبار الصالح للعمل تخفّ المؤنة كما يعلمه من راجعها في مظانّها ، ولولا خوف الخروج عمّا نحن بصدده لذكرت جميعها ، والله الموفق .

ثم إنّ الحديث الثاني لا يخلو ظاهره من إشكال بتقدير العمل به ، فإنّه يقتضي أنّ المتمسّح بثلاثة أحجار إذا نسي أن يغسل دبره بالماء يعيد الصلاة والوضوء ، وإن خرج الوقت يعيد الوضوء لما يستقبل من الصلاة ، وغير خفيّ أنّ الاستجمار بالثلاثة قد يكون مطهِّراً إذا حصل النقاء مع شرائط الأحجار ، ولعلّ المراد به عدم حصول النقاء لكن إعادة الوضوء غير ظاهرة الوجه ، ولا يبعد الحمل علىٰ حصول النقاء والإعادة علىٰ سبيل الاستحباب ، فتكون إعادة الوضوء قرينة علىٰ الاستحباب إذ لا مجال لوجوب إعادة الوضوء كما لا يخفىٰ .

وما تضمنته من عدم الاستنجاء من الريح لا خلاف فيه . وفي صحيح سليمان بن جعفر الجعفري قال : رأيت أبا جعفر عليه‌السلام يستيقظ من نومه [ يتوضأ ] ولا يستنجي وقال عليه‌السلام ـ كالمتعجب من رجل سمّاه ـ : « بلغني انه إذا خرجت منه ريح يستنجي » (١) .

وما تضمنه ظاهر الخبر الأوّل من قوله : « إذا لم يكن الماء » يدل بالمفهوم أنّ الماء إذا كان لا يستحب الوتر علىٰ تقدير إرادة الاستحباب من الخبر علىٰ ظاهر الأصحاب من الاستدلال به علىٰ الاستحباب (٢) ، وعلىٰ

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٢ / ٦٥ ، التهذيب ١ : ٤٤ / ١٢٤ ، الوسائل ١ : ٣٤٥ أبواب أحكام الخلوة ب ٢٧ ح ١ وفيها : أبا الحسن عليه‌السلام ، وما بين المعقوفين أثبتناه من المصادر .

(٢) منهم الشيخ في المبسوط ١ : ١٦ ، والمحقق في المعتبر ١ : ١٣٠ ، والعلّامة في قواعد الأحكام ١ : ١٨٠ .

٣٦٥
 &

ما احتملناه من إرادة الوجوب والندب من الأمر فما يوجد في كلام الأصحاب الذي رأينا كلامهم من استحباب الجمع بين الماء والأحجار (١) لا يقتضي انسحاب استحباب الوتر في الأحجار إليه .

وقد احتجّوا علىٰ كون الجمع أفضل : بأنّه جمع بين مطهّرين (٢) ، وبما رواه الشيخ عن أحمد بن محمّد ، عن بعض أصحابنا رفعه إلىٰ أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار ويتبع بالماء » (٣) .

ولا يخفىٰ ما في إثبات الاستحباب بهذا من النظر ، إلّا أنّه قابل للتسديد بسبب عدم الخلاف ، كما قيل (٤) .

وما قد يقال : من أنّ ظاهر الخبر المرفوع بقاء حكم الوتر في الأحجار مع الماء فلا تبقىٰ دلالة مفهوم الخبر المبحوث عنه سالمة ، ربما يجاب عنه : بأنّ مقتضىٰ الخبر المرفوع اعتبار الثلاثة الأحجار فقط ، أمّا استحباب الوتر بالأحجار مطلقاً فلا تتحقق فيه المعارضة ، علىٰ أنّ الظاهر إمكان أن يقال : بعدم القائل بالفرق ، فيتم الإيراد علىٰ تقدير العمل بالأخبار ، وبدونه فالأمر سهل ، وما ذكرناه مشياً علىٰ كلام من رأيناه من الأصحاب فإنّهم أهملوا هذا التفصيل ، والله الهادي إلىٰ سواء السبيل .

بقي شي‌ء وهو أنّ ما تضمنته الأخبار من عدم غسل الباطن ظاهر في الدبر .

__________________

(١) منهم ابن البراج في المهذب ١ : ٤٠ ، وأبو الصلاح في الكافي في الفقه : ١٢٧ ، والمحقق في المعتبر ١ : ١٣٦ .

(٢) منهم المحقق في المعتبر ١ : ١٣٦ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٤ ، وصاحب المدارك ١ : ١٦٨ .

(٣) التهذيب ١ : ٤٦ / ١٣٠ ، الوسائل ١ : ٣٤٩ أبواب أحكام الخلوة ب ٣٠ ح ٤ .

(٤) انظر المدارك ١ : ١٦٨ .

٣٦٦
 &

لكن قال الشهيد في الذكرىٰ : إنّه لا فرق في عدم غَسل الباطن بين الرجل والمرأة بكراً أو ثيّباً ، نعم لو علمت الثّيب وصول البول إلىٰ مدخل الذكر ومخرج الولد وجب غسل ما ظهر منه عند الجلوس علىٰ القدمين (١) .

وقد تبع في هذا الكلام أثر العلّامة في التذكرة (٢) ، ولم نقف فيه علىٰ نص .

وما قاله الوالد قدس‌سره : من أنّ مدركه العرف (٣) . إنّما يظهر تماميته لو كان الظاهر المأمور بغسله متناولاً لغير الدبر .

إلّا أن يقال : إنّ حديث إبراهيم بن أبي محمود بتقدير تفسير القاموس يدل علىٰ ذلك بنوع تقريب (٤) ، أمّا حديث مسعدة بن زياد الدالّ علىٰ المبالغة للنساء يدلّ عليه (٥) .

وفيه : أنّ العمل به حينئذٍ يوجب زيادة الإشكال في لفظه ومعناه ، مضافاً إلىٰ أنّ الوالد قدس‌سره نفىٰ النص الدال علىٰ ما قاله الشهيد كما نقلناه ، فليتأمّل .

قال :

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيىٰ ، قال : حدثني عمرو بن أبي نصر قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أبول وأتوضّأ وأنسىٰ

__________________

(١) الذكرىٰ ١ : ١٧٤ .

(٢) التذكرة ١ : ١٣٤ .

(٣) معالم الفقه : ٤٤٥ .

(٤) المتقدم في ص ٣٥٩ ـ ٣٦٠ .

(٥) المتقدم في ص ٣٥٩ .

٣٦٧
 &

استنجائي ثم أذكر بعد ما صليت ، قال : « اغسل ذكرك وأعد صلاتك ولا تعد وضوؤك » .

وعن الصفار ، عن سندي بن محمّد ، عن يونس بن يعقوب قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الوضوء الذي افترضه الله علىٰ العباد لمن جاء من الغائط أو بال ؟ قال : « يغسل ذكره ويذهب بالغائط ثم يتوضّأ مرّتين مرّتين » .

السند :‌

في الأوّل : واضح بعد ما قدّمناه ، وعمرو بن أبي نصر ثقة .

وفي الثاني : موثق بيونس ، والسندي بن محمّد ثقة .

المتن :

في الأول : صريح في عدم إعادة الوضوء إذا نسي الاستنجاء ، فيتأيّد حمل الإعادة في الخبر السابق علىٰ الاستحباب .

ثم إنّ إطلاق عدم الإعادة يتناول ناسي الاستبراء مع وجود بلل وعدمه ، إلّا أنّ غيره من الأخبار يقيّده .

ومن هنا يعلم احتمال أن يقال : بأنّ إعادة الوضوء في الخبر السابق لعدم الاستبراء مع وجود بلل ، غير أنّ الإطلاق ربما يظن أنّه يستلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وفيه ما قدمناه من احتمال وجود البيان لمن له الخطاب .

وما تضمنه الخبر : من إطلاق الإعادة الشامل لما بعد الوقت ، قد يدفعه انصراف الإعادة للوقت ، وفيه ما فيه ، إلّا أنّ وجود الأخبار المقيدة

٣٦٨
 &

تسهل الخطب ، وستسمعها في بابها إن شاء الله ، وإن كان في الظنّ جواز أن يكون لترك الاستنجاء حكم آخر ، كما سيأتي القول فيه .

والخبر الثاني : استدل به القائلون بالاكتفاء بإذهاب الغائط من دون اعتبار العدد ، وقد أشرنا إليه سابقاً مع جوابه (١) .

وما تضمنه الجواب بعد السؤال عن الوضوء : من ذكر غسل الذكر وإذهاب الغائط ، قد يتخيّل منه اشتراط الوضوء بغسل الذكر والإذهاب فيؤيّد ما دل علىٰ إعادة الوضوء من دون ذلك ، إلّا أنّ وجود المعارض يدفع هذا .

وقوله عليه‌السلام : « ثم يتوضّأ مرّتين مرّتين » دليل القائل بتعدد الغَسل في الوضوء استحباباً ، وستسمع القول فيه إن شاء الله .

وربما يستفاد من الخبر بمعونة ذكر المرّتين وكونها مستحبة أنّ غَسل الذكر وإذهاب الغائط علىٰ سبيل الاستحباب ، وفيه نوع تأمّل ، إلّا أنّ الأمر سهل ، واستدل به القائل بالمرّة في غسل مخرج البول ، وقد تقدم فيه قول (٢) .

فإن قلت : السؤال في الخبر تضمن طلب بيان المفروض ، ولا يناسبه ذكر المرتين ، لأنّها مستحبة ، وكذلك الغسل المطلق والإذهاب علىٰ تقدير وجوب المرّتين والعدد .

قلت : الظاهر أنّ ذكر غسل الذكر وإذهاب الغائط لا يضرّ بالحال . إذ ليس هو محل السؤال ، فالإطلاق فيه لا ينافي التقييد ، وأمّا ذكر المرّتين فالأمر فيه أشدّ إشكالاً علىٰ تقدير الحمل علىٰ إرادة الغَسل مرّتين ، أمّا لو اُريد به ما قيل (٣) في الأخبار الواردة في الوضوء ، بأنّه مثنىٰ مثنىٰ (٤) ، بمعنىٰ

__________________

(١) في ص ٣٦٤ ـ ٣٦٥ .

(٢) في ص ٣٥٢ ـ ٣٥٣ .

(٣) كما في حبل المتين : ٣٥ .

(٤) الوسائل ١ : ٤٤١ أبواب الوضوء ب ٣١ ح ٢٨ ، ٢٩ ، ٣٠ .

٣٦٩
 &

غسلين ومسحين ولو بنوع تكلّف ، أمكن الموافقة للسؤال ، فليتأمّل .

وما تضمنه الخبر الثاني من إطلاق جعل الوضوء بعد ما ذكر من دون اعتبار الغاية لعلّه سهل التوجيه ، وإن كان القول منقولاً بوجوب الوضوء لنفسه ، كما حرّرناه في موضع آخر .

قال :

وأخبرني الشيخ ـ رحمه‌الله ـ عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن عمر بن اُذينة ، عن زرارة ، قال : توضّأت ولم أغسل ذكري ثم صلّيت فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذلك ، فقال : « اغسل ذكرك وأعد صلاتك » .

وبهذا الاسناد عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن حسين بن عثمان عن سماعة ، عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إذا (١) أهرقت الماء ونسيت أن تغسل ذكرك حتىٰ صلّيت فعليك إعادة الوضوء (٢) وغَسل ذكرك » .

فهذا الخبر محمول علىٰ أنّه لم يكن توضّأ ، فأمّا إذا توضّأ ونسي غَسل الذكر لا غير لم يجب عليه إعادة الوضوء ، وإنّما يجب عليه غَسل الموضع حسب .

والذي يدل علىٰ ذلك :

ما أخبرني به الشيخ ـ رحمه‌الله ـ عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٥٣ / ١٥٣ : إنّ .

(٢) في « رض » : الصلاة .

٣٧٠
 &

الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن اُذينة (١) قال ذكر أبو مريم الأنصاري أنّ الحكم بن عتيبة (٢) بال يوماً ولم يغسل ذكره متعمّداً فذكرت ذلك لأبي عبد الله ، عليه‌السلام فقال : « بئس ما صنع ، عليه أن يغسل ذكره ويعيد صلاته ولا يعيد وضوءه » .

السند :‌

أمّا الأوّل : فليس فيه من يرتاب في شأنه إلّا محمّد بن عيسىٰ الأشعري .

والثاني : فيه من ذكر ، وأبو بصير وسماعة بتقدير الوقف .

والثالث : قد تقدم فيه القول فيمن لم ينص علىٰ توثيقه مع اعتباره بين المتأخّرين (٣) .

المتن :

ظاهر الأوّل إعادة الصلاة مع نسيان غسل الذكر ، والأكثر علىٰ أنّها علىٰ الوجوب في الوقت وخارجه (٤) ، وقد يتوقف في وجوب إعادة ناسي النجاسة في الوقت . لما رواه الشيخ في الصحيح عن العلاء ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشي‌ء ينجّسه فينسىٰ أن‌

__________________

(١) الاستبصار ١ : ٥٣ / ١٥٤ في « ج » : عمر بن اذينة .

(٢) الاستبصار ١ : ٥٣ / ١٥٤ في « د » : عيينة .

(٣) راجع ص ٣٩ ـ ٤٣ .

(٤) منهم الشيخ في المبسوط ١ : ٢٤ ، والمحقق في المعتبر ١ : ١٢٥ ، ١٧٤ ، والعلّامة في المختلف ١ : ١٠٣ .

٣٧١
 &

يغسله فيصلّي فيه ثم يذكر أنّه لم يكن غسله أيعيد الصلاة ؟ قال : « لا يعيد قد مضت الصلاة وكتبت له » (١) .

وما قد يقال : من احتمال الفرق بين نجاسة الثوب ومحل البول ، ممكن لو وجد القائل به ، مع احتمال ما في المقام .

وربما يقال : إنّ الخبر المنقول عن الشيخ لا يخرج عن كونه مطلقاً ، وغيره من الأخبار الدالة علىٰ الإعادة في الوقت دون خارجه (٢) موجود ، كما سيأتي من المصنف ويأتي إن شاء الله بيانه ، وحينئذٍ يحمل هذا الخبر المبحوث عنه علىٰ الإعادة في الوقت ، بل ربما كانت الإعادة تدل عليه .

فإن قلت : قد نقل عن ابن إدريس دعوىٰ الإجماع علىٰ إعادة الناسي مطلقاً (٣) فكيف [ يحمل هذا الخبر علىٰ الإعادة ] (٤) في الوقت فقط ؟

قلت : لا يخلو مثل هذا الإجماع من إشكال ، كيف وقد نقل العلّامة في التذكرة عن الشيخ في بعض أقواله عدم وجوب الإعادة مطلقاً (٥) وسيأتي من الشيخ ما يدل علىٰ الإعادة في الوقت ، إلّا أنّ الاعتماد علىٰ القول في هذا الكتاب لا يخلو من تأمّل .

نعم يظهر من المعتبر علىٰ ما حكاه شيخنا ـ قدس‌سره ـ العمل بمضمون الخبر المتقدم عن العلاء ، لأنّه قال بعدها : وعندي أنّ هذه الرواية حسنة والاُصول تطابقها لأنّه صلّىٰ صلاة مشروعة مأموراً بها فيسقط الفرض بها ،

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٢٣ / ١٣٤٥ ، الوسائل ٣ : ٤٨٠ أبواب النجاسات ب ٤٢ ح ٣ .

(٢) الوسائل ٣ : ٤٧٩ أبواب النجاسات ب ٤٣ .

(٣) السرائر ١ : ٢٧١ .

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ ، يحتمل الوقت ، بالإعادة ، غيّرناه لاستقامة المعنىٰ .

(٥) التذكرة ٢ : ٤٩٠ .

٣٧٢
 &

ويؤيّد ذلك قوله عليه‌السلام : « غفر لاُمتي الخطأ والنسيان » (١) انتهىٰ (٢) .

ومراده بحسن الرواية غير المعنىٰ المصطلح عليه لأنّها في أعلىٰ مراتب الصحة علىٰ ما قاله شيخنا (٣) ـ قدس‌سره ـ وسيجي‌ء إن شاء الله تحقيق القول في ذلك .

فإن قلت : قد تقدم من الشيخ نقل خبر عمار الساباطي الدال علىٰ أنّ الناسي يعيد في الوقت دون خارجه (٤) فكيف لم يذكر أنّ هذا الخبر مناف لما سبق ؟ .

قلت : لا يبعد أن يكون الشيخ حمل الإعادة علىٰ الوقت ، ومن ثم لم يتعرض للمنافاة ودفعها ، علىٰ أنّ الخبر السابق عن عمار قد تقدم القول (٥) في احتمال حمله علىٰ الاستحباب ، نظراً إلىٰ أنّ ظاهره حصول الاستجمار (٦) بثلاثة أحجار .

ويخطر الآن في البال أنّ فيه احتمال تصحيف لفظ « دبره » في قوله : ينسىٰ أن يغسل دبره بالماء ، وإنّما هو « ذكره » والتصحيف قريب إلىٰ هذا اللفظ ، ويندفع به الإشكال في متن الرواية ، وهي في التهذيب (٧) كما هنا .

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الرواية الثانية ما ذكره الشيخ فيها غير تامّ ، لأنّ من لم يتوضّأ كيف يقال له عليك إعادة الوضوء ؟ .

__________________

(١) ورد مؤدّاه في سنن ابن ماجة ١ : ٦٥٩ .

(٢) المعتبر ١ : ٤٤١ ، ٤٤٢ بتفاوت يسير ، مدارك الأحكام ٢ : ٣٤٦ .

(٣) مدارك الأحكام ٢ : ٣٤٦ بتفاوت يسير .

(٤) في ص ٣٦١ .

(٥) في ص ٣٦٢ ـ ٣٦٧ .

(٦) في « فض » : الاستحجار .

(٧) التهذيب ١ : ٤٥ / ١٢٧ ، الوسائل ١ : ٣١٧ أبواب أحكام الخلوة ب ١٠ ح ١ .

٣٧٣
 &

ثمّ إنّ السؤال تضمّن الصلاة ولم يقع في الجواب ما يدل عليها صريحاً ، غير أنّه يحتمل لزوم إعادتها لإعادة الوضوء ، وفيه : أنّ إعادة الوضوء إن حملت علىٰ الظاهر من أنّه توضّأ وصلّىٰ ناسياً فهي مستحبة لدلالة الأخبار علىٰ صحة الوضوء ، وإعادة الصلاة قد سمعت القول فيها سابقاً ، وإن حملت علىٰ قول الشيخ فإعادة الصلاة مطلقاً محتملة اللزوم لإعادة الوضوء ، ومحتملة للاختصاص بالوقت لما يظهر من العلّامة في المختلف أنّ في البين خلافاً (١) ، غير أنّ المنقول فيه عن الشيخ أنّه قائل بأنّ المتوضّئ بالماء النجس إذا لم يعلم بالنجاسة يعيد في الوقت فقط (٢) ، وكذلك نقل عن ابن الجنيد (٣) ، وحينئذٍ ربما يختص الحكم بالوضوء بالماء النجس دون الصلاة مع عدم الوضوء ، ولو نظر في القول إلىٰ أنّ القضاء يتوقف علىٰ أمر جديد أمكن الاتحاد في الأمرين ، إلّا أنّه محل بحث .

وقول الشيخ ـ رحمه‌الله ـ هنا : أمّا إذا توضّأ ونسي غسل الذكر لا غير لم يجب عليه إعادة الوضوء . لا يخفىٰ أنّ خبر عمار السابق ينافيه ، لتضمنه إعادة الوضوء ، وكان علىٰ الشيخ التنبيه علىٰ دفع المنافاة .

وأمّا الخبر الذي استدل به علىٰ عدم إعادة الوضوء (٤) فلا يخلو متنه من إجمال ، بل الظاهر أنّ فيه نقصاً ، لأنّ السؤال لم يتضمن ذكر الوضوء والصلاة ، فإن كان المراد فعلهما عمداً فإعادة الصلاة يراد بها مطلقاً ، وإلّا

__________________

(١) المختلف ١ : ٧٤ .

(٢) المختلف ١ : ٧٤ .

(٣) المختلف ١ : ٧٦ .

(٤) المتقدم في ص ٣٧١ .

٣٧٤
 &

فالحكم ما تقدم ، والرواية في التهذيب (١) كما هنا .

والحكم بن عتيبة المذكور عاميّ ، وعتيبة بالعين المهملة المضمومة والتاء الفوقانية والياء المثناة من تحت والباء الموحدة .

قال :

وأخبرني الشيخ ـ رحمه‌الله ـ عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن سعد ابن عبد الله ، عن أيوب بن نوح ، عن محمّد بن أبي حمزة عن علي بن يقطين ، عن أبي الحسن موسىٰ عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يبول فلا يغسل ذكره حتىٰ يتوضّأ وضوء الصلاة ، فقال : « يغسل ذكره ولا يعيد وضوءه » .

سعد ، عن أحمد بن محمّد ، عن العباس بن معروف ، عن علي ابن مهزيار ، عن محمّد بن يحيىٰ الخزاز ، عن عمرو بن أبي نصر قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يبول فينسىٰ أن يغسل ذكره ويتوضّأ ، قال : « يغسل ذكره ولا يعيد وضوءه » .

السند :

في الأوّل : قد تقدم ، وذكرنا أنّ محمّد بن أبي حمزة هو ابن الثمالي علىٰ الظاهر (٢) .

وأمّا الثاني : ففيه محمّد بن يحيىٰ الخزاز ولم يتقدم له ذكر وهو ثقة .

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٨ / ١٣٧ ، الوسائل ١ : ٢٩٤ أبواب نواقض الوضوء ب ١٨ ح ٤ .

(٢) في ص ١٤٦ .

٣٧٥
 &

المتن :

في الخبرين ظاهر الدلالة علىٰ عدم إعادة الوضوء ، غير أنّ حكم الاستبراء وخروج شي‌ء أم لا ، لا تعرض في الخبرين له ، فلا يخرج عن الإطلاق ، والمقيد موجود كما سيأتي .

قال :

فأمّا ما رواه سعد (١) ، عن موسىٰ بن الحسن ، والحسن بن علي ، عن أحمد بن هلال ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يتوضّأ وينسىٰ أن يغسل ذكره وقد بال ، فقال : « يغسل ذكره ولا يعيد الصلاة » .

فهذا الخبر يمكن أن يحمل (٢) علىٰ من نسي غَسل ذكره بالماء ثم ذكر وقد عَدُم الماء جاز أن يستبيح الصلاة بما تقدم من الاستنجاء بالأحجار ولا يلزمه إعادة الصلاة (٣) يصليها بعد ذلك والحال علىٰ ما وصفناه ، فإذا وجد الماء وجب عليه إعادة غسل الموضع ( ولا يجب عليه ) (٤) إعادة الصلاة التي صلّاها عند عدم الماء .

السند‌ :

فيه موسىٰ بن الحسن ، والظاهر أنّه ابن عامر الثقة لأنّه في هذه

__________________

(١) الاستبصار ١ : ٥٤ / ١٥٧ « ج » : وسعد بن عبد الله .

(٢) في الاستبصار ١ : ٥٤ / ١٥٧ : نحمله .

(٣) في الاستبصار ١ : ٥٤ / ١٥٧ : صلاة .

(٤) في الاستبصار ١ : ٥٤ / ١٥٧ بدل ما بين القوسين يوجد : ولا يلزمه .

٣٧٦
 &

المرتبة ، وفي الرجال غيره ليس بموثق إلّا أنّه بعيد عن هذا ، والفائدة قليلة بعد وجود أحمد بن هلال فإنّ حاله بالضعف غنيّة عن البيان .

وأمّا الحسن بن علي فهو مشترك (١) ، ولا يبعد أن يكون ابن علي بن النعمان ، لأن الراوي عنه الصفار وهو في مرتبة سعد ، إلّا أنّ احتمال غيره قائم .

المتن :

علىٰ تقدير العمل به يدل علىٰ أنّ الناسي لا إعادة عليه كما تقدم القول فيه ، وبتقدير عدم العمل فهو مؤيّد ، وكلام الشيخ في توجيهه لا يخرج عن ربقة التكلّف التّام ، وما ذكره من الاستنجاء بالأحجار غير ظاهر الوجه ، فإنّ عدم القدرة علىٰ إزالة النجاسة إذا أباح الصلاة لا فرق بين الأحجار وغيرها ، إلّا أنّ الشيخ سيأتي منه ما يدل علىٰ أنّ الأحجار لها نوع خصوصية ، وستسمع القول في ذلك .

قال :

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن صفوان ، عن منصور بن حازم ، عن سليمان بن خالد ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في الرجل يتوضّأ فينسىٰ غَسل ذكره ، قال : « يغسل ذكره ثم يعيد الوضوء » .

فمحمول علىٰ الاستحباب والندب بدلالة الأخبار المتقدمة التي تضمنت أنّه لا يجب عليه إعادة الوضوء ، ولا يجوز التناقض في

__________________

(١) هداية المحدثين : ١٩٠ .

٣٧٧
 &

أقوالهم .

فأمّا ما رواه سعد بن عبد الله ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن جعفر بن بشير البجلي ، عن حماد بن عثمان ، عن عمار ابن موسىٰ قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « لو أنّ رجلاً نسي أن يستنجي من الغائط حتىٰ يصلّي لم يعد الصلاة » .

فالوجه في هذا الخبر أنّه نسي أن يستنجي بالماء وإن كان قد استنجىٰ بالأحجار إنّه إذا كان كذلك لم (١) يلزمه إعادة الصلاة .

السند‌ :

في الأول : ليس فيه ارتياب إلّا من جهة سليمان بن خالد ، إلّا أنّ من عاصرناه من مشايخنا (٢) لم يتوقف فيه ، واحتمال كونه غير ابن خالد الأقطع بعيد ، بل يكاد أن يقطع بنفيه ، وغير ابن خالد الأقطع قد ذكره الشيخ في رجال الكاظم عليه‌السلام من كتابه مهملاً (٣) .

ويخطر الآن في البال إمكان أن يقال : إنّ سليمان بن خالد الأقطع لا يضر بحاله خروجه مع زيد ، إذ خروج زيد علىٰ ما يظهر من بعض الأخبار أنّه لم يخالف المشروع :

فقد روىٰ الكليني في الروضة عن علي بن إبراهيم ، عن صفوان بن يحيىٰ ، عن عيص بن القاسم ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « عليكم بتقوىٰ الله » إلىٰ أن قال : « ولا تقولوا خَرَجَ زيد ، فإنّ زيداً كان عالماً وكان

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٥٥ / ١٥٩ : لا .

(٢) انظر منهج المقال : ١٧٣ .

(٣) رجال الطوسي : ٣٥١ / ١٤ .

٣٧٨
 &

صدوقاً ولم يدعكم إلىٰ نفسه إنّما دعاكم إلىٰ الرضا من آل محمّد ولو ظهر لَوَفىٰ بما دعاكم إليه ، إنّما خرج إلىٰ سلطان مجتمع لينقضه » (١) .

وهذا الحديث في ظاهر الحال لا ريب فيه ، غير أنّ الاعتبار يشهد بأنّ رواية علي بن إبراهيم عن صفوان بعيدة جدّاً ، بل الظاهر أنّ الرواية بواسطة أبيه ، لكن الذي رأيته من النسخة ما ذكرته ، وعلىٰ تقدير الأب فالرواية حسنة .

وفي البال أنّ في الجزء الأوّل من الكافي حديثاً صحيحاً دالّاً علىٰ أنّ زيداً ادّعىٰ الإمامة أو خطرت في نفسه (٢) ، فالتعارض موجود ، والحسنة علىٰ تقدير ما ذكرناه لا تكافئ الصحيحة .

ولو بنينا علىٰ ظاهر الرواية التي نقلناها من الروضة تعارضت الصحيحتان ، وغير بعيد توجيه الجمع بأنّ زيداً في أوّل الأمر خطر في باله الشك ثم زال ، ووقت الخروج لم يكن ذلك الشك .

وفي الثاني : فيه عمار بن موسىٰ فهو موثق علىٰ ما تقدم (٣) .

المتن :

في الأوّل : كما قاله الشيخ محمول علىٰ الاستحباب .

وفي الثاني : ما ذكره الشيخ غير تامّ فيه ، لأنّ من استنجىٰ بالأحجار الجامعة للشرائط لا وجه لقول الإمام ابتداءً فيه ما قاله ، ومع فقد الشرائط أو

__________________

(١) الروضة من الكافي ٨ : ٢٦٤ / ٣٨١ ، الوسائل ١٥ : ٥٠ أبواب جهاد العدو وما يناسبه ب ١٣ ح ١ .

(٢) اُصول الكافي ١ : ٣٥٦ / ١٦ .

(٣) المتقدمة في ص ٧٩ .

٣٧٩
 &

بعضها لا تأثير للأحجار ، واحتمال أنّ يريد عليه‌السلام التنبيه علىٰ أنّ الأحجار مطهرة لا يقتضي التعبير بهذا النحو كما هو واضح .

ولعلّ الأولىٰ حمله علىٰ ظاهره من عدم الإعادة ، وما دلّ علىٰ الإعادة يحمل علىٰ الاستحباب ، أو يحمل عدم الإعادة علىٰ خارج الوقت ، ولا يخفىٰ بعده .

وذكر شيخنا المحقق ميرزا محمّد ـ أيّده الله ـ في فوائده علىٰ الكتاب ما هذا لفظه : ينبغي قراءة « أنّ » في : وأن كان ، بفتح الهمزة وإن كان تركه أولىٰ فافهم . انتهىٰ . وينبغي اتباع أمره .

قال :

ويزيد ذلك بياناً . ما رواه الحسين بن سعيد ، عن حماد ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « لا صلاة إلّا بطهور ويجزؤك من الاستنجاء ثلاثة أحجار ، بذلك جرت السنة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمّا البول فلا بُدّ (١) من غسله » .

فأمّا ما رواه محمّد بن علي بن محبوب ، عن أحمد بن محمّد ، عن موسىٰ بن القاسم ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسىٰ عليهما‌السلام قال : سألته عن رجل ذكر وهو في صلاته أنّه لم يستنج من الخلاء ، قال : « ينصرف ويستنجي من الخلاء ويعيد الصلاة ، وإن ذكر وقد فرغ من صلاته أجزأه ذلك ولا إعادة عليه » .

فالوجه فيه أيضاً ما ذكرناه من أنّه إذا ذكر أنّه لم يستنج بالماء

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٥٥ / ١٦٠ : فإنّه لا بُدّ .

٣٨٠