إستقصاء الإعتبار في شرح الإستبصار - ج ١

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار في شرح الإستبصار - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-173-7
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٥١٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

قال :

فأما ما رواه محمّد بن أحمد بن يحيىٰ ، عن محمّد بن الحسن (١) ، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم ، عن أبي خديجة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سئل عن الفأرة تقع في البئر ، قال : « إذا ماتت ولم تنتن فأربعين دلواً ، فإذا انتفخت فيه وأنتنت نزح الماء كله » .

فالوجه فيما تضمن هذا الخبر : من الأمر بنزح أربعين دلواً إذا لم تنتن . محمول علىٰ ضرب من الاستحباب دون الفرض والإيجاب لأنّ الوجوب في هذا المقدار لم يعتبره أحد من أصحابنا .

السند‌ :

الظاهر أنّ محمّد بن الحسن الواقع فيه ليس هو الصفّار ، فإنّ محمّد ابن أحمد بن يحيىٰ يبعد أن يروي عنه كما يعلم بالممارسة ، وغير الصفار ليس بمعلوم ، وأظن أنّه محمّد بن الحسين ابن أبي الخطاب ، وقد وجدته في بعض النسخ أيضاً .

وأمّا عبد الرحمن بن أبي هاشم فهو في الفهرست (٢) لكن غير موثق ، والنجاشي ذكر عبد الرحمن بن محمّد بن أبي هاشم ، ووثّقه (٣) ، ولا يبعد الاتحاد ، كما ذكره شيخنا المحقق ميرزا محمّد أيّده الله (٤) .

__________________

(١) الاستبصار ١ : ٤٠ / ١١١ في « ب » ونسخة في « ج » : الحسين .

(٢) الفهرست : ١٠٩ / ٤٦٦ .

(٣) رجال النجاشي : ٢٣٦ / ٦٢٣ .

(٤) منهج المقال : ١٩١ .

٣٠١
 &

وأمّا أبو خديجة فهو سالم بن مكرم ، وقد وثقه النجاشي (١) ، والشيخ له فيه اضطراب ، فضعّفه في موضع (٢) ووثّقه في آخر (٣) ، وقد قدمنا ما يتضح به الحال .

المتن :

لا مجال لإبقائه علىٰ ظاهره ، لنقل الشيخ عدم القول بذلك ، ووجود أخبار معتبرة علىٰ خلافه ، والاستحباب وجه حسن للجمع ، والله أعلم .

قال :

فأما ما رواه أحمد بن محمّد بن عيسىٰ ، عن علي بن حديد ، عن بعض أصحابنا قال : كنت مع أبي عبد الله عليه‌السلام في طريق مكة فصرنا إلىٰ بئر فاستقىٰ غلام أبي عبد الله عليه‌السلام دلواً فخرج فيه فأرة (٤) فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « أرقه » فاستقىٰ آخر فخرجت فيه فأرة فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « أرقه » قال (٥) فاستقىٰ الثالث فلم يخرج فيه شي‌ء ، قال : « صبّه في الإناء » فصبّه في الإناء .

فأوّل ما في هذا الخبر أنّه مرسل ، وراويه ضعيف وهو علي بن حديد ، وهذا يضعّف الاحتجاج بخبره .

ويحتمل مع تسليمه أن يكون المراد بالبئر المصنع الذي فيه من

__________________

(١) رجال النجاشي : ١٨٨ / ٥٠١ .

(٢) الفهرست : ٧٩ / ٣٢٧ .

(٣) حكاه عنه العلّامة في الخلاصة : ٢٢٧ .

(٤) في الاستبصار ١ : ٤٠ / ١١٢ : فاردَان .

(٥) في الاستبصار ١ : ٤٠ / ١١٢ لا يوجد : قال .

٣٠٢
 &

الماء ما يزيد مقداره علىٰ الكرّ ، فلا يجب نزح شي‌ء منه ، وذلك هو المعتاد في طريق مكة ، مع أنّه ليس في الخبر أنّه توضّأ بذلك الماء ، بل قال لغلامه : « صب (١) في الإناء » ، وليس في ذلك دليل علىٰ جواز استعمال ما هذا حكمه في الوضوء ، ويجوز أن يكون إنّما أمره بالصب في الإناء لاحتياجهم إليه لسقي الدوابّ والإبل والشرب (٢) عند الضرورة الداعية إليه ، وذلك سائغ ، ويحتمل أيضاً أن تكون الفأرتان خرجتا حيّتين ، وإذا كان كذلك جاز استعمال ما بقي من الماء لأنّ ذلك لا ينجّس الماء ، علىٰ ما تقدم فيما مضىٰ .

السند‌ :

ما ذكره الشيخ فيه فيه كفاية .

المتن :

علىٰ القول بعدم انفعال البئر لا حاجة إلىٰ تكلّف القول إلّا من حيث إنّ المستحب يبعد تركه من الإمام عليه‌السلام ، وقد يقال : إنّ ترك النزح للضرورة ، أو لقيام الاحتمال (٣) في الفأرة كما لا يخفىٰ .

وأمّا علىٰ القول بالانفعال فالحمل علىٰ البئر غير النابع له وجه وجيه ، وبقية الوجوه في غاية التكلف .

ولا يذهب عليك أنّ الشيخ خالف ما ذكره في أوّل الكتاب من أنّه

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٤٠ / ١١٢ : صبه .

(٢) في الاستبصار ١ : ٤٠ / ١١٢ : أو للشرب .

(٣) أي : احتمال الحياة .

٣٠٣
 &

لا يردّ الحديث من جهة السند إلّا بعد انتفاء التأويل .

قال :

ويزيده بياناً ما أخبرني به الشيخ أبو عبد الله (١) ، عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه ، عن أبيه ، عن محمّد بن يحيىٰ ، عن محمّد بن أحمد (٢) ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب والحسن ابن موسىٰ الخشاب جميعاً ، عن يزيد بن إسحاق شَعَر (٣) ، عن هارون بن حمزة الغنوي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الفأرة والعقرب وأشباه ذلك يقع في الماء فيخرج حيّاً هل يشرب من ذلك الماء ويتوضّأ منه ؟ قال : « يسكب ثلاث مرّات وقليله وكثيره بمنزلة واحدة ثم يشرب منه ويتوضّأ منه ، غير الوزغ فإنّه لا ينتفع بما يقع فيه » وهذا الخبر قد تكلّمنا عليه فيما مضىٰ .

السند‌ :

قد تقدم أيضاً الكلام فيه ، إلّا أنّه مروي فيما مضىٰ عن محمّد بن أحمد بن يحيىٰ ، وطريقه في المشيخة (٤) إليه ليس فيه محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه ، ولا يضرّ بالحال لو سلم من يزيد بن إسحاق ، وتصحيح

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٤١ / ١١٣ يوجد : رحمه‌الله .

(٢) في الاستبصار ١ : ٤١ / ١١٣ يوجد : بن يحيىٰ .

(٣) ليس في الاستبصار ١ : ٤١ / ١١٣ .

(٤) الاستبصار ٤ : ٣٢٣ .

٣٠٤
 &

العلّامة (١) طريق الصدوق إلىٰ هارون بن حمزة ـ وهو فيه ـ لا يخلو من تأمّل في إفادة الصحة .

ثم إنّ رواية محمّد بن أحمد ، عن محمّد بن الحسين يؤيّد ما قدّمناه : من أنّ محمّد بن الحسن ـ الراوي عنه محمّد بن أحمد ـ هو محمّد بن الحسين علىٰ ما أظن .

المتن :

مضىٰ الكلام فيه ، وذِكر الشيخ لهذا الحديث هنا ظنّاً منه لتناول الماء للبئر ، وقد يناقش في ذلك : إلّا أنّ الأمر سهل .

قال :

أخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن محمّد بن علي بن محبوب ، عن أحمد بن محمّد ، عن علي بن الحكم ، عن أبان ، عن يعقوب بن عثيم ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : سام أبرص وجدته (٢) قد تفسخ في البئر ، قال : « إنّما عليك أن تنزح منها سبع دلاء » .

فأمّا ما رواه جابر بن يزيد الجعفي قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن السام أبرص يقع في البئر قال : « ليس بشي‌ء حرِّك الماء بالدلو » (٣) .

فلا ينافي الخبر الأوّل ، لأنّ الخبر الأوّل محمول علىٰ

__________________

(١) خلاصة العلّامة : ٢٧٩ .

(٢) في الاستبصار ١ : ٤١ / ١١٤ : وجدناه .

(٣) في الاستبصار ١ : ٤١ / ١١٥ يوجد : في البئر ، وفي الهامش : ليس في « ج » .

٣٠٥
 &

الاستحباب ، وهذا الخبر مطابق لما قدّمناه من الأخبار من أنّ ما ليس له نفس سائلة لا يفسد بموته الماء ، والسام ابرص من ذلك .

السند‌ :

الأوّل ليس فيه من يتوقف في شأنه سوىٰ يعقوب بن عثيم ، فإنّه مجهول الحال ، وقد تقدم أيضاً القول فيه ، ولقبه أبو يوسف في الخبر السابق (١) .

والثاني فيه أنّ الطريق إلىٰ جابر غير مذكور في المشيخة ، والطرق في الفهرست (٢) مختلفة ، ولا نفع لها هنا إلّا علىٰ وجه بعيد ، فالكلام في جابر قليل الفائدة حينئذٍ ، فتدبّر .

المتن :

علىٰ تقدير العمل به يمكن حمل مطلقه علىٰ المقيّد السابق ، وهو ما إذا لم يتفسّخ ، وما ذكره الشيخ من الحمل علىٰ الاستحباب لا وجه له بعد ما ذكرناه ، وإن كان الحمل علىٰ الاستحباب له وجه من جهة اُخرىٰ .

وما قاله ـ رحمه‌الله ـ : من أنّ ما ليس له نفس سائلة لا يفسد الماء مقبول . والإفساد لا ينحصر في النجاسة .

والصدوق أوجب النزح لسام أبرص (٣) ، ويظهر من الشيخ في التهذيب ذلك أيضاً (٤) ، وزاد في رواية يعقوب قلت : فثيابنا التي صلينا فيها‌

__________________

(١) في « د » زيادة : أمّا أبان فقد يدّعىٰ ظهور كونه ابن عثمان ، وقد قدّمنا القول فيه .

(٢) الفهرست : ٤٥ / ١٤٧ .

(٣) الفقيه ١ : ١٥ .

(٤) التهذيب ١ : ٢٤٥ .

٣٠٦
 &

نغسلها ونعيد الصلاة ؟ قال : « لا » وقال بعد ذلك : وسأل جابر بن يزيد وذكر الرواية ، ثم قال : قال محمّد بن الحسن : المعنىٰ فيه إذا لم يكن تفسّخ ، لأنه إذا تفسّخ نزح منها سبع دلاء علىٰ ما بيناه في الخبر الأول (١) .

وفي المنتهىٰ بعد أن ذكر الروايتين حمل رواية يعقوب علىٰ الاستحباب ، أمّا أوّلاً فلرواية جابر ، وأمّا ثانياً فلأنّها لو كانت نجسة لما اُسقط عنه غسل الثوب (٢) .

وفي كلامه نظر واضح ، لأنّ مذهبه وجوب النزح تعبّداً ، فلا ينافي عدم وجوب غسل الثوب وجوب النزح .

اللغة :

قال في الصحاح : سام أبرص من كبار الوزغ ، وهو معرفة إلّا أنّه تعريف جنس ، وهما اسمان جعلا واحداً ، إنّ شئت أعربت الأول وأضفته إلىٰ الثاني ، وإن شئت بنيت الأول علىٰ الفتح وأعربت الثاني بإعراب ما لا ينصرف ، وتقول في التثنية : هذان سامّا أبرَصَ ، وفي الجمع : هؤلاء سوام أبرص ، ( وإن شئت قلت : هؤلاء السوام ، ولا يذكر أبرص ) (٣) وإن شئت قلت : هؤلاء البرصة والأبارص ، ولا تذكر سام (٤) . انتهىٰ .

وظاهره أنّه صنف من الوزغ وهو أكبره ، وظاهر العلّامة في المختلف ذلك لأنّه قال‌ :

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٤٥ / ٧٠٨ ، الوسائل ١ : ١٧٦ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ١٩ .

(٢) المنتهىٰ ١ : ١٦ .

(٣) ما بين القوسين ليس في الصحاح .

(٤) الصحاح ٣ : ١٠٢٩ ( برص ) .

٣٠٧
 &

مسألة :

قال الشيخان : ينزح لموت الوزغة ثلاث دلاء ، وبه قال ابن البراج ، وابن حمزة ، والشيخ أبو جعفر بن بابويه ، وقال سلّار وأبو الصلاح الحلبي دلو واحد ، وابن إدريس منع من ذلك ولم يوجب شيئاً . احتجّ الشيخ بما رواه معاوية بن عمار ـ وذكر الرواية السابقة المتضمنة للفأرة والوزغة ـ ثم قال : وروىٰ يعقوب بن عثيم ـ وذكر الرواية ورواية جابر ـ ثم قال : احتجّ أبو الصلاح وسلّار بما رواه ابن بابويه قال : سأل يعقوب بن عثيم أبا عبد الله عليه‌السلام قال له : بئر ماء في مائها ريح يخرج منه قطع جلود ، قال : « ليس بشي‌ء إنّ الوزغ ربما طرح جلده ، إنّما يكفيك من ذلك دلو واحد » (١) (٢) .

وهذا الكلام يعطي اتحاد الوزغ والسام أبرص ، وقد قدمنا عن القاموس ما يدل علىٰ الاتحاد أيضاً (٣) ، إلّا أنّ الوالد ـ قدس‌سره ـ جعل لكل واحد بالانفراد مسألة (٤) ، وظاهر الشيخ في العنوان المغايرة ، والأمر سهل .

قال :

باب البئر تقع فيها العذرة اليابسة والرطبة‌

أخبرني الشيخ أبو عبد الله (٥) ، عن أحمد بن محمّد ، عن ( الحسين بن سعيد ، و ) (٦) سعد بن عبد الله ، والصفار ، جميعاً عن أحمد

__________________

(١) المختلف ١ : ٤٦ .

(٢) المختلف ١ : ٤٧ ، بتفاوت يسير ، الوسائل ١ : ١٨٩ أبواب الماء المطلق ب ١٩ ح ٩ .

(٣) القاموس المحيط ٢ : ٣٠٦ ( برص ) .

(٤) معالم الدين : ٧١ / ٧٦ .

(٥) في الاستبصار ١ : ٤١ / ١١٦ يوجد : رحمه‌الله .

(٦) في الاستبصار ١ : ٤١ / ١١٦ بدل ما بين القوسين يوجد : أبيه عن ، وفي حاشية

=

٣٠٨
 &

ابن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن عبد الله بن يحيىٰ (١) ، عن ابن مسكان قال : حدثني أبو بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن العذرة تقع في البئر ، قال : « ينزح منها عشر دلاء ، فإن ذابت فأربعون أو خمسون » (٢) .

فأمّا ما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن الحسن ، عن عمرو بن سعيد ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن البئر يقع فيها زنبيل عذرة يابسة أو رطبة ، فقال : « لا بأس إذا كان فيها ماء كثير » .

وما رواه محمّد بن علي بن محبوب ، عن محمّد بن الحسين ، عن موسىٰ بن القاسم ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسىٰ (٣) عليه‌السلام قال : سألته عن بئر ماء وقع فيها زنبيل من عذرة رطبة أو يابسة (٤) أو زنبيل من سرقين ، أيصلح الوضوء منها ؟ قال : « لا بأس » .

فالوجه في هذين الخبرين أحد شيئين : أحدهما : أن يكون المراد (٥) أنّه لا بأس به بعد نزح خمسين دلواً حسب ما تضمنه الخبر الأول ، والثاني : أن يكون المراد بالبئر المصنع الذي يكون فيه الماء (٦) أكثر من كرّ ، ولأجل هذا قال : « لا بأس به إذا كان فيه كثير ماء » (٧) لأنّ

__________________

= الاستبصار ١ : ٤١ / ١١٦ : في « ج » و « د » : في ترتيب رجال السند اختلاف من النساخ .

(١) الاستبصار ١ : ٤٢ / ١١٦ : في « ب » : بحر .

(٢) في الاستبصار ١ : ٤٢ / ١١٦ يوجد : دلواً .

(٣) في الاستبصار ١ : ٤٢ / ١١٨ يوجد : بن جعفر .

(٤) في الاستبصار ١ : ٤٢ / ١١٨ : يابسة أو رطبة .

(٥) في الاستبصار ١ : ٤٢ / ١١٨ يوجد : به .

(٦) في الاستبصار ١ : ٤٢ / ١١٨ يوجد : من الماء .

(٧) في الاستبصار ١ : ٤٢ / ١١٨ يوجد : فيها ماء كثير .

٣٠٩
 &

ذلك هو الذي يعتبر فيه القلة والكثرة دون الآبار المعيّنة .

السند‌ :

في الخبر الأول لا يخلو من خلل كما يعرفه الممارس ، فإن أحمد بن محمّد الذي يروي عنه الشيخ المفيد : أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد ، كما تقدم القول فيه ، وهو إنّما يروي عن الحسين بن سعيد بواسطة أبيه ، وأحمد بن محمّد بن عيسىٰ ، كما يعرف من الطريق الثاني في الحديث ، ثمّ سعد إن عطف علىٰ أحمد لم يستقم ، لأنّ المفيد لا يروي عن سعد ضرورة .

والذي في التهذيب : عن الشيخ ـ أيّده الله ـ عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، ومحمّد بن الحسن ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد (١) .

ثمّ عبد الله بن يحيىٰ في التهذيب (٢) عبد الله بن بحر ، والمتن : قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الجنب يدخل البئر فيغتسل فيها ، قال : « ينزح منها سبع دلاء » قال : وسألته عن العذرة (٣) . . . إلخ ، وكأنّ الشيخ اختصره .

وأمّا عبد الله بن يحيىٰ : فهو الكاهلي علىٰ الظاهر ، لأنّ الراوي عنه في الفهرست (٤) أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، وهو في مرتبة الحسين بن سعيد‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٤٤ / ٧٠٢ .

(٢) التهذيب ١ : ٢٤٤ / ٧٠٢ .

(٣) التهذيب ١ : ٢٤٤ / ٧٠٢ ، الوسائل ١ : ١٩١ أبواب الماء المطلق ب ٢٠ ح ١ ، وص ١٩٤ أبواب الماء المطلق ب ٢٢ ح ٤ .

(٤) الفهرست : ١٠٢ / ٤٣٠ .

٣١٠
 &

في الجملة ، واحتمال غيره ممكن لوجود مجهول في رجال الكاظم عليه‌السلام بهذا الاسم ، إلّا أنّ الأظهر أنّه (١) عبد الله بن بحر كما في التهذيب ، لما يستفاد من الرجال أنّ عبد الله بن بحر يروي عن أبي بصير (٢) ، وإن كان هنا بواسطة ابن مسكان ، وعلىٰ كل حال السند لا يعتمد عليه بواسطة أبي بصير أيضاً .

وفي الخبر الثاني من علم حاله مراراً ، فهو موثق .

وسند الثالث لا ريب فيه بعد ما قدّمناه ، ومحمّد بن الحسين فيه : هو ابن أبي الخطاب علىٰ ما أظنّه ، وإن كان باب الاحتمال واسعاً .

المتن :

ظاهر في نزح العشر للعذرة إذا لم تذب ، ومع الذوبان ينزح لها الأربعون أو الخمسون ، وأنّ المنقول عن الشيخ نزح الخمسين للعذرة الرطبة (٣) ، وفي المقنعة : وإن كانت العذرة رطبة أو ذابت وتقطعت فيها نزح منها خمسون دلواً (٤) .

والمحقق اختار التخيير في المعتبر بين الأربعين والخمسين في الذائبة ، واحتجّ برواية أبي بصير المذكورة (٥) ، ولا يخفىٰ عليك حال الرواية .

قيل : والمراد بالذوبان تحلّل الأجزاء وشيوعها في الماء بحيث يستهلكها ؛ واحتمل بعض ذوبان بعض الأجزاء نظراً إلىٰ أنّ القلّة والكثرة

__________________

(١) في « رض » : هو ، مكان : أنّه .

(٢) خلاصة العلّامة : ٢٣٨ .

(٣) نقله عنه في المختلف ١ : ٤٥ .

(٤) المقنعة : ٦٧ .

(٥) المعتبر ١ : ٦٥ .

٣١١
 &

غير معتبرة ، فلو سقط مقدار البعض الذائب منفرداً وذاب لأثّرَ ، فانضمام غيره إليه لا يمنعه التأثير (١) . ولا يخلو من وجه .

وفي المنتهىٰ بعد أن ذكر هذه الرواية قال : ويمكن التعدية إلىٰ الرطبة للاشتراك في شياع الأجزاء ولأنّها تصير حينئذٍ رطبة انتهىٰ (٢) .

وقد يقال : إنّ الرطوبة لا تقتضي شيوع الأجزاء مطلقاً ، نعم هي أقرب (٣) ، ولو حصل الذوبان فلا حاجة إلىٰ غيره ، فليتأمّل .

وما تضمّنه خبر عمار من عدم تأثّر البئر من وقوع الزنبيل إذا كان فيها ماء كثير ربما دل علىٰ اشتراط الكرّيّة في البئر ، وقد تقدم نقل القول بذلك ، إلّا أنّ الشيخ لمّا ادعىٰ الإجماع سابقاً علىٰ نفيه احتاج إلىٰ تأويل الخبر بما ذكره ، وبعد (٤) تأويله غني عن البيان .

وعلىٰ تقدير العمل بالخبر يمكن أن يوجّه بأنّ الماء الكثير لا يتغيّر ( غالباً بدون ) (٥) جميع الأجزاء التي تحلها (٦) ، والكثرة إضافية لا أنّها كرّ .

وربما يقال : إنّ أجزاء العذرة علىٰ تقدير شيوعها في الماء يشكل الشرب منها . ويجاب بأنّ العلم بشرب شي‌ء من الأجزاء غير معلوم ، وذلك كاف .

وأمّا خبر علي بن جعفر فدلالته علىٰ عدم نجاسة البئر بالملاقاة ظاهرة ، إلّا أن يقال : إنّ أخبار النزح مقيّدة وهو مطلق ، وفيه ما لا يخفىٰ .

__________________

(١) كما في معالم الفقه : ٥٢ .

(٢) المنتهىٰ ١ : ١٤ .

(٣) كما في معالم الفقه : ٥٢ .

(٤) في « رض » : ويعد .

(٥) بدل ما بين القوسين في « فض » و « رض » : وتذوب .

(٦) في « رض » : تحللها .

٣١٢
 &

وما يقال : من أنّ العذرة والسرقين أعمّ من النجس ، والوقوع المسؤول عنه للزنبيل المشتمل علىٰ ما ذكر ، فلا يلزم وقوع النجاسة . فالثاني ممّا لا ينبغي ذكره في المقام ، والأول له نوع وجه ، إلّا أنّ علي بن جعفر لا يسأل عن غير النجس ، كما لا يخفىٰ .

أمّا توجيه الشيخ فهو وإن كان بعيداً ، إلّا أنّه يمكن تسديده بأنّ المطلق يحمل علىٰ المقيّد .

وما قاله شيخنا ـ قدس‌سره ـ : من أنّ في توجيه الشيخ الألغاز وتأخير البيان عن وقت الحاجة (١) . محل بحث ، لأنّ ذلك لازم له في كل مطلق ومقيد وعام وخاص ، والجواب الجواب ؟

والحق أنّ تأخير البيان عن أصحاب الأخبار غير معلوم .

وقول شيخنا : إنّ حمل البئر علىٰ المصنع خروج عن حقيقة اللفظ . فيه : أنّه لا يضر بالحال ، لأنّ الشيخ بصدد الجمع بين الأخبار فلا مانع من الخروج عن الحقيقة ، غاية الأمر أنّ باب التأويل لا ينحصر فيما قاله الشيخ ، فإنّ حمل أخبار النزح علىٰ الاستحباب ممكن ، ويندفع به كثير من التكلّفات الذي ذكرها الشيخ .

اللغة :

قال الهروي : العذرة أصلها فناء الدار ، وسميت عذرة الناس بهذا لأنّها كانت تلقىٰ في الأفنية فكُنّي عنها باسم الفناء (٢) . وربما ظن من هذا

__________________

(١) مدارك الأحكام ١ : ٥٨ .

(٢) غريب الحديث ٢ : ١٣٧ .

٣١٣
 &

الاختصاص ، وفيه كلام .

وأيّد شيخنا ـ قدس‌سره ـ الاختصاص بدلالة العرف (١) . وفي الأخبار ما لا يساعد علىٰ مقتضىٰ العرف فلا نفع له في إثبات المطلوب ، وقد أوضحنا ذلك في محل آخر ، غير أنّ ما ذكرناه لا يضر بالحال ، فإنّ المراد بالعذرة هنا النجسة كما هو واضح .

والسرقين بكسر السين معرب سرگين بكسر السين وفتحها .

والزنبيل بكسر الزاي ، والفتح خطأ ، فإنّ شرطه حذف النون ، فإذا حذفتها فلا بُدّ من تشديد الباء علىٰ ما في الحبل المتين (٢) .

قال :

فأمّا ما رواه سعد بن عبد الله ، عن موسىٰ بن الحسن ، عن أبي القاسم عبد الرحمن بن حماد (٣) الكوفي ، عن أبي (٤) بشير ، عن أبي مريم الأنصاري قال : كنت مع أبي عبد الله عليه‌السلام في حائط (٥) فحضرت الصلاة فنزح دلواً للوضوء من ركيّ له فخرج عليه قطعة (٦) عذرة يابسة فأكفأ رأسه وتوضّأ بالباقي .

فيحتمل هذا الخبر أيضاً شيئين (٧) : أحدهما : ما ذكرناه في‌

__________________

(١) مدارك الأحكام ١ : ٥٨ .

(٢) الحبل المتين : ١١٧ .

(٣) الإستبصار ١ : ٤٢ / ١١٩ في « ج » : أبي حماد .

(٤) في الاستبصار ١ : ٤٢ / ١١٩ لا يوجد : أبي .

(٥) في الاستبصار ١ : ٤٢ / ١١٩ يوجد : له .

(٦) في الاستبصار ١ : ٤٢ / ١١٩ يوجد : من .

(٧) في الاستبصار ١ : ٤٣ / ١١٩ : شيئين أيضاً .

٣١٤
 &

الخبر (١) من أن يكون المراد بالركيّ المصنع الذي يكون فيه الماء الكثير . والثاني أن تحمل العذرة علىٰ أنّها كانت عذرة ما يؤكل لحمه ، وذلك لا ينجّس الماء علىٰ (٢) حال .

السند‌ :

موسىٰ بن الحسن الواقع فيه لا يبعد أن يكون ابن الحسن بن عامر الأشعري ، لأنّ الحميري يروي عن أبيه عنه ، كما في النجاشي (٣) ، وهي في مرتبة سعد بن عبد الله ، والرجل وثّقه النجاشي (٤) .

وأمّا أبو القاسم عبد الرحمن بن حماد فذكر شيخنا ـ قدس‌سره ـ في فوائده علىٰ الكتاب أنّ الموجود في كتب الرجال ابن أبي حماد أبو القاسم الكوفي ، وكأنّه هو هذا ، ولفظة : أبي ، سقطت من نسخة المصنف ، وعلىٰ كل حال فهو ضعيف ، والأمر كما قال .

وأمّا أبو بشير فمجهول ، وأبو مريم الأنصاري ثقة ، وقد تقدم .

المتن :

ظاهر في أنّه عليه‌السلام توضّأ من بقية ماء الدلو الذي عليه العذرة بعد إكفائه رأسه ، فلا وجه لحمل الشيخ الركيّ علىٰ المصنع ، ولو حمل الدلو علىٰ كونه كرّاً فما زاد لزمه تمام الاستبعاد .

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٤٣ / ١١٩ : الخبرين .

(٢) في الاستبصار ١ : ٤٣ / ١١٩ زيادة : كل .

(٣) رجال النجاشي : ٤٠٦ / ١٠٧٨ .

(٤) رجال النجاشي : ٤٠٦ / ١٠٧٨ .

٣١٥
 &

نعم الحمل الثاني لا يخلو من وجاهة ، وقول شيخنا ـ قدس‌سره ـ في فوائد الكتاب : إنّه بعيد لأنّ العذرة لغة وعرفاً فضلة الإنسان . فيه نظر . . » .

أمّا أوّلاً : فلمنع الاختصاص ، والسند وجود إطلاقها علىٰ غير فضلة الإنسان في الأخبار .

وأمّا ثانياً : فلو سلّم المنع حقيقة ، أمّا بواسطة المعارض لا مانع من الحمل مجازاً ، والضرورة هنا بتقدير العمل بالخبر داعية إلىٰ الجمع .

ولو حمل علىٰ أنّ العذرة علىٰ جانب الدلو ، ويؤيّده قوله : يابسة . وحينئذٍ يحتمل كونها من غير الماء ، وإكفاؤه عليه‌السلام لإزالتها عنه ، وكون الركيّ بئراً وتكون العذرة منه علىٰ تقدير القول بعدم نجاسته بالملاقاة أمكن لكنه بعيد .

ولعلّ الحمل علىٰ عدم تحقق كونها عذرة من إنسان وإنّما توهّم الراوي ذلك أولىٰ ، ومن لم يعمل بالخبر الضعيف فهو في راحة من هذا التكلّف .

اللغة :

قال الجوهري : كفأتُ الإناء قلبته ، وزعم ابن الأعرابي أنّ أكفأته لغة (١) . وظاهر هذا الكلام أنّ اللغة الثابتة : الاُولىٰ ، وأنّ « أكفأ » لم يثبت ، وفي الخبر المذكور « أكفأ رأسه » وكذلك في غيره من الأخبار ، إلّا أنّ الكلام في الثبوت ولم يحضرني الآن خبر صحيح ، غير أنّي أظنّ أنّ الوالد ـ قدس‌سره ـ ذكر ذلك في منتقىٰ الجمان (٢) .

__________________

(١) الصحاح ١ : ٦٨ ( كفأ ) .

(٢) منتقىٰ الجمان ١ : ٤٨ .

٣١٦
 &

قال :

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن كردويه قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن بئر يدخلها ماء المطر ، فيه البول والعذرة وأبوال الدواب وأرواثها وخرؤ الكلاب ، قال : « ينزح منها ثلاثون دلواً وإن (١) كانت مبخرة » .

فلا ينافي هذا الخبر ما حدّدنا به من نزح خمسين دلواً ، لأنّ هذا الخبر مختص بماء المطر الذي يختلط به أحد هذه الأشياء من النجاسات ثم تدخل البئر فحينئذٍ يجوز استعماله بعد نزح الأربعين ، والخبر الذي قدّمناه يتناول ما (٢) إذا كانت العذرة نفسها تقع في البئر فلا تنافي بينهما علىٰ حال .

السند‌ :

كردويه الراوي فيه مجهول الحال ، وقد قدمنا النقل عن الشهيد (٣) أنّه مسمع كردويه ، ووجدت الآن في فوائد شيخنا ـ قدس‌سره ـ علىٰ الكتاب ما هذه صورته : قيل : وجد بخط الشهيد نقلاً عن يحيىٰ بن سعيد أنّ كردويه وكردين اسمان لمسمع بن عبد الملك ، وقيل : ابن مالك وهو ممدوح . انتهىٰ .

ولا يخفىٰ عليك الحال في المدح إذا لاحظت الرجال .

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٤٣ / ١٢٠ : ولو .

(٢) في الاستبصار ١ : ٤٣ / ١٢٠ : لا يوجد : ما .

(٣) في ص ٢٨٣ .

٣١٧
 &

المتن :

كما ترىٰ صريح في نزح الثلاثين ، والشيخ ذكر في التوجيه الأربعين ، فالأمر لا يخلو من غرابة .

ونقل الوالد ـ قدس‌سره ـ عن المبسوط أنّ الشيخ قال فيه في بيان حكم غير المنصوص من النجاسات الواقعة في البئر : الاحتياط يقتضي نزح جميع الماء ، وإن قلنا بجواز أربعين دلواً منها ، لقولهم عليهم‌السلام : « ينزح منها أربعون دلواً ، وإن صارت مبخّرة » كان سائغاً غير أنّ الأحوط الأول (١) .

وهذا الكلام يدل علىٰ أنّ الرواية بالأربعين ، وكان السهو من قلم الشيخ في نقل الرواية إن كانت هذه .

وفي المختلف بعد النقل عن الشيخ في المبسوط ما حكيناه : وأمّا النقل الذي ادعاه الشيخ فلم يصل إلينا وإنّما الذي بلغنا في هذا الباب ـ يعني باب ما لا نص فيه ـ حديث واحد ـ وذكر هذه الرواية المبحوث عنها ـ ثمّ قال : وهو يدلّ (٢) علىٰ وجوب الثلاثين ، أمّا الأربعون دلواً ـ كما قال الشيخ ـ فلا ، ومع ذلك فكردويه لا أعرف حاله ، فإنّ كان ثقة فالحديث صحيح (٣) .

وهذا الكلام من العلّامة يتعجب منه ، فإنّ باب ما لا نص فيه أيّ دخل للحديث فيه ، وقد صرح في موضع آخر بالاستدلال به علىٰ حكم البول (٤) ، وهو غريب بعد ردّ الحديث بالجهالة .

__________________

(١) معالم الفقه : ٩٢ .

(٢) ليس في « فض » .

(٣) المختلف ١ : ٥١ .

(٤) المختلف ١ : ٢٩ .

٣١٨
 &

والوالد ـ قدس‌سره ـ نقل عن بعض الأصحاب أنّه قال : إنّ الشيخ ثبت ثقة فلا يضر إرساله (١) .

وأراد بهذا الكلام أنّ حكاية الشيخ الرواية في المبسوط (٢) كافية في ثبوت الأربعين ، ودفعه أظهر من أن يخفىٰ .

وما قاله الوالد ـ قدس‌سره ـ : من أنّ في متن حديث الشيخ المنقول في المبسوط قصوراً ، لأنّ متعلق نزح الأربعين غير مذكور ، والدلالة موقوفة عليه (٣) . فمراده به أنّ الصراحة في غير المنصوص غير معلومة لا أنّ الأشياء التي ينزح لها الأربعون غير معلومة ، فإنّ الأشياء إذا ذكرت تكون منصوصة ، والكلام في غير المنصوص . هذا .

وما قاله الشيخ في الحديث : إنّه مختص بماء المطر الذي يختلط به أحد هذه الأشياء . محل نظر ، لأنّ ظاهر النص مخالطة الجميع ، وقول الشيخ : لا ينافي ما حدّدناه من الخمسين . غريب ، لأنّ الخبر السابق ليس فيه تعين الخمسين .

ونقل شيخنا ـ قدس‌سره ـ في المدارك عن المختلف أنّ فيه : ويمكن أن يقال : إيجاب أحدهما يستلزم إيجاب الأكثر ، لأنّه مع الأقل غير متيقن للبراءة ، وإنّما يعلم الخروج عن العهدة بفعل الأكثر (٤) .

واعترض عليه ـ قدس‌سره ـ بأنّه غير مستقيم ، فإنّ التخيير بين الأقل والأكثر يقتضي عدم وجوب الزائد عيناً ، وإلّا لم يكن للتخيير معنىٰ ، فيجب أن

__________________

(١) معالم الفقه : ٩٣ .

(٢) المبسوط ١ : ١٢ .

(٣) معالم الفقه : ٩٣ .

(٤) مدارك الاحكام ١ : ٧٨ .

٣١٩
 &

يحصل يقين البراءة بالأقل ويكون الزائد مستحباً . انتهىٰ كلامه (١) ـ قدس‌سره ـ

وفي نظري القاصر أنّ كلام العلّامة مبنيّ علىٰ أنّ الراوي شكّ في أنّ الإمام قال : أربعون ، أو خمسون ، لا أنّه خيّر بين الأمرين ، وحينئذٍ كلام العلّامة متوجه ، والشيخ ـ رحمه‌الله ـ كأنّه فهم ذلك أيضاً ، غاية الأمر أن يقال : إنّ تعيّن إرادة الشك غير معلوم ، فيجاب بأنّ التخيير كذلك ، إلّا أن يدعىٰ الظهور ، وفيه ما فيه .

أمّا ما قاله شيخنا ـ قدس‌سره ـ : من أنّ الزائد مستحب (٢) . ففيه نظر ، لأن التخيير بين فردين أحدهما كذلك لا يقتضي أنّ الزيادة مستحبة مطلقاً بل إذا اختار الأقل ، أمّا لو اختار الأكثر من الأول فلا ، كما لا يخفىٰ علىٰ المتأمّل ، وفي الحديث أبحاث طويلة ذكرناها في موضع آخر ، والمهم ما ذكرناه هنا .

اللغة :

قال في القاموس : البخر بالتحريك النتن في الفم وغيره ، بخر كفرح (٣) ، وذكر بعض أنّه وجد بخط الشيخ في نسخة الاستبصار مبخرة بضم الميم وسكون الباء وكسر الخاء ، ومعناها المنتنة ، ويروىٰ بفتح الميم والخاء ومعناها موضع النتن .

قال :

باب الدجاجة وما أشبهها تموت في البئر‌

أخبرني الشيخ ـ رحمه‌الله ـ عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن

__________________

(١) مدارك الأحكام ١ : ٧٨ .

(٢) مدارك الأحكام ١ : ٧٨ .

(٣) القاموس المحيط ١ : ٣٨٢ ( بخر ) .

٣٢٠