إستقصاء الإعتبار في شرح الإستبصار - ج ١

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار في شرح الإستبصار - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-173-7
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٥١٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

النزح بدون التغيّر ؛ لأنّه عليه‌السلام اكتفىٰ في تطهيره مع التغير بنزح ما يذهب الريح ويطيب الطعم ، ولو وجب نزح المقادير المعيّنة لم يكن ذلك كافياً ، إذا لم يحصل به استيفاء المقدر .

ففيه نظر ؛ لأنّ زوال التغيّر يجوز أن يكون كافياً بدون المقدر ، كما سبق بيانه ، علىٰ أنّه يجوز أيضاً أن تكون العلة في الاكتفاء بزوال التغيّر ظهور النجاسة في الماء ، فتأمّل .

قوله :

فأمّا ما رواه أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن الحسن بن صالح الثوري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا كان الماء في الركي (١) كرّاً لم ينجّسه شي‌ء » قلت : وكم الكرّ ؟ قال : « ثلاثة أشبار ونصف طولها ، في ثلاثة أشبار ونصف عمقها ، في ثلاثة أشبار ونصف عرضها » .

فيحتمل هذا الخبر وجهين : أحدهما : أن يراد بالركي المصنع الذي لا يكون له مادّة بالنبع ، دون الآبار التي لها مادّة ، فإنّ ذلك هو الذي يراعىٰ فيه الاعتبار بالكرّ علىٰ ما بيّناه .

والثاني : أن يكون قد ورد ذلك مورد التقية ؛ لأنّ من الفقهاء من سوّىٰ بين الآبار والغُدران في قلّتها وكثرتها ، فيجوز أن يكون الخبر ورد موافقاً لهم ، والذي يبيّن ذلك أنّ الحسن بن صالح راوي هذا الحديث زيديّ بُتْريّ متروك الحديث فيما يختص به .

__________________

(١) الركيّة : بالفتح وتشديد الياء : البئر ، والجمع ركايا كعطية وعطايا ـ مجمع البحرين ١ : ١٩٥ ( ركا ) .

٢٦١
 &

السند :

فيه الحسن بن صالح كما ذكره الشيخ ، وقد ذكره في كتاب الرجال في أصحاب الباقر عليه‌السلام ، وقال : إنّه زيديّ ، وفي أصحاب الصادق عليه‌السلام ذكره من غير ذكر أنّه زيديّ (١) .

وفي الكشيّ عدّ من البُتْريّة الحسن بن صالح بن حيّ ، وقال : إنّهم الذين دعوا إلىٰ ولاية علي وخلطوها بولاية أبي بكر وعمر (٢) .

وفي النجاشي ذكر الحسن بن صالح الأحول ، وأنّ له كتاباً (٣) . ولعله غير هذا ، أو هو هو ، وعلىٰ كل حال الحديث غير صحيح .

المتن :

قد ذكر بعض الأصحاب أنّ هذه الرواية حجّة البصروي محمّد بن محمّد من أصحابنا علىٰ اختصاص الانفعال بما نقص عن الكرّ (٤) ، وفسّرت الركيّ بالآبار ، واستدل له أيضاً بما دل علىٰ اشتراط بلوغ الماء مقدار الكرّ في عدم الانفعال (٥) .

واُجيب عن الرواية بما سمعته .

وعن العموم أنّه مخصوص بخبر محمّد بن إسماعيل المعلّل بأنّ له

__________________

(١) رجال الطوسي : ١١٣ / ٦ ، ١٦٦ / ٧ .

(٢) رجال الكشّي ٢ : ٤٩٩ / ٤٢٢ .

(٣) رجال النجاشي : ٥٠ / ١٠٧ .

(٤) هو الشهيد في غاية المراد ١ : ٧٢ .

(٥) هو الشهيد في غاية المراد ١ : ٧٢ .

٢٦٢
 &

مادّة ، وهو يقتضي عدم الفرق بين القليل والكثير .

وأنت خبير ـ بعد ما قدّمناه في احتمال التعليل (١) ـ أنّه لا يصلح للاستدلال حينئذٍ .

نعم ربما يقال : إنّ الأحاديث الدالة علىٰ اعتبار الكرّية (٢) تدل بمفهومها علىٰ نجاسة ما دون الكرّ ، وأخبار البئر (٣) بعضها كالصريح في عدم النجاسة وإن كان قليلاً ، فيخص المفهوم بغير البئر .

وفيه : أنّ أخبار البئر لا دلالة فيها إلّا من حيث الإطلاق أو التعميم ، ولا مانع من تخصيصه بالمفهوم .

فلعل الأولىٰ أن يقال : إنّ التعليل في خبر ابن بزيع ظاهره العود إلىٰ عدم الإفساد ، إمّا مع غيره أو وحده ، وفي البين كلام .

والذي يظهر من الشيخ عدم الخلاف في اعتبار الكرّ في ماء البئر .

وما قاله الشيخ رحمه‌الله ـ : من أنّ الحسن بن صالح متروك الحديث فيما يختص به ـ إن أراد أنّه مختص بهذا الحديث فنقله في الكتاب غير ظاهر الوجه ، إلّا أن يكون لمجرد بيان ردّه ، كما يذكره في غيره من الأخبار .

وما ذكر من الحمل علىٰ التقية ، ربما لا توافقه المساحة المذكورة في الرواية ، والعامة وإن قالوا بالكرّ في البئر (٤) ، إلّا أنّ المساحة المذكورة كأنّهم لم يعتبروها ، والشيخ أعلم بذلك .

__________________

(١) راجع ص ٢٥٨ ـ ٢٥٩ .

(٢) الوسائل ١ : ١٥٨ أبواب الماء المطلق ب ٩ .

(٣) الوسائل ١ : ١٧٠ أبواب الماء المطلق ب ١٤ .

(٤) انظر المغني لابن قدامة ١ : ٥٥ .

٢٦٣
 &

قوله :

باب بول الصبي يقع في البئر‌

أخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن محمّد بن أحمد بن يحيىٰ ، عن محمّد بن عبد الحميد ، عن سيف بن عميرة ، عن منصور (١) قال : حدثني عدة (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « ينزح منها سبع دلاء إذا بال فيها الصبي أو وقعت (٣) فأرة أو نحوها »

فأمّا ما رواه محمّد بن احمد بن يحيىٰ ، عن أحمد بن محمّد ، عن علي بن الحكم ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن بول الصبي الفطيم (٤) يقع في البئر ، فقال : « دلو واحد » قلت : بول الرجل ، قال : « ينزح منها أربعون دلواً » .

فلا ينافي الخبر الأوّل ؛ لأنّه يجوز أن يحمل علىٰ بول صبي لم يأكل الطعام .

السند :‌

أمّا الأوّل : فحال رجاله كررنا القول فيها (٥) ما عدا سيف بن عميرة ، وهو ثقة ، غير أنّ محمّد بن شهرآشوب قال : إنّه واقفي (٦) ؛ وحال محمّد

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٣٤ / ١ : منصور بن حازم .

(٢) في الاستبصار ١ : ٣٤ / ١ زيادة : من اصحابنا .

(٣) في الاستبصار ١ : ٣٤ / ١ زيادة : فيها .

(٤) الفطيم ككريم : هو الذي انتهت مدة رضاعه ـ مجمع البحرين ٦ : ١٣١ ( فطم ) .

(٥) راجع ص ٦٤ ، ١٠١ ، ٢٠٧ ، ٢١٢ ـ ٢١٣ .

(٦) معالم العلماء : ٥٦ / ٣٧٧ .

٢٦٤
 &

غير معلوم .

ومنصور ، وهو ابن حازم علىٰ الظاهر ، كما يستفاد من تتبع الأخبار ، فإنّ فيها التصريح بهذا ، وإن كان في الخبر المبحوث عنه لا فائدة فيه بعد الإرسال .

وأمّا الثاني : فرجاله في تكرر القول كالأوّل (١) ، إلّا علي بن أبي حمزة ، وهو محتمل لعلي بن أبي حمزة الثمالي الثقة ـ علىٰ ما قاله الكشّي عن حمدويه (٢) ـ وابن أبي حمزة البطائني الواقفي ـ كما ذكره النجاشي (٣) ـ والترجيح لا يخلو من إشكال .

ورواية البطائني عن أبي عبد الله عليه‌السلام غير مرجِّحة ؛ لعدم العلم بتاريخ ابن أبي حمزة الثمالي .

نعم في الرجال أنّ ابن البطائني روىٰ عن أبي الحسن موسىٰ وأبي عبد الله عليهما‌السلام (٤) ، وابن أبي حمزة لم يذكر روايته عن أحد [ من ] (٥) الأئمّة عليهم‌السلام ، إلّا أنّ في أخيه الحسين ذكر روايته عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٦) ، وهو مقترن معه في التوثيق ، ولا يفيد شيئاً .

المتن :

في الأول : دالٌّ بظاهره علىٰ نزح السبع لبول الصبي ، وهو منقول عن المفيد وجماعة مع الشيخ (٧) .

__________________

(١) راجع ص ١٠١ ، ٢٠٧ ، ٢٤٩ .

(٢) رجال الكشي ٢ : ٧٠٧ / ٧٦١ .

(٣) رجال النجاشي : ٢٤٩ / ٦٥٦ .

(٤) رجال النجاشي : ٢٤٩ / ٦٥٦ .

(٥) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة .

(٦) انظر جامع المقال : ٦٢ ، وهداية المحدثين : ١٤ .

(٧) حكاه في المختلف ١ : ٤٢ ، عن المفيد والطوسي وأبي الصلاح وابني زهرة

=

٢٦٥
 &

وفي الفقيه : إن بال فيها صبي قد أكل الطعام استقي منها ثلاثة دلاء (١) .

وحكاه الوالد ـ قدس‌سره ـ عن المرتضىٰ (٢) ، ولم نقف علىٰ حجّة هذا القول .

والرواية المنقولة هنا ربما يقال فيها ـ بعد تسليم العمل بها ـ : إنّ الفأرة مقترنة مع البول . والسبع للفأرة مطلقاً معارض بما دل علىٰ اشتراط التفسخ في السبع ، كما تقدم (٣) ، وبما دلّ علىٰ الثلاث كما سيأتي (٤) . والتوفيق بين الأخبار يقتضي إمّا الحمل في السبع علىٰ الاستحباب ، أو حمل الفأرة هنا علىٰ التفسخ ، وقد ينافي هذا لفظ الوقوع . وفيه ما فيه .

نعم يمكن ترجيح الاستحباب بتعدّد أخبار الثلاث واعتبارها ، وعدم صلاحيّة أخبار السبع للمعارضة .

وفيه : أنّه خروج عن القول بتقدير العمل كما لا يخفىٰ ، غير أنّ الحق علىٰ تقدير اعتبار الصحة هذا ، وحينئذ يستبعد الوجوب في بول الصبي والاستحباب في الفأرة ، وإن أمكن بناءً علىٰ جواز تخصيص بعض الخبر بمخصص دون البعض . هذا كله علىٰ تقدير وجوب النزح .

وفي صحيح معاوية بن عمار نزح الجميع إذا بال فيها صبي (٥) ، وحمل علىٰ حصول التغيّر ، وفيه كلام ذكرته في محلّ آخر .

__________________

a والبراج ، وهو في المقنعة : ٦٧ ، والمبسوط ١ : ١٢ ، والنهاية : ٧ والكافي في الفقه : ١٣٠ ، والغنية ( الجوامع الفقهية : ٥٥٢ ) ، والمهذّب ١ : ٢٢ .

(١) الفقيه ١ : ١٣ .

(٢) معالم الفقه : ٦٤ .

(٣) راجع ص ٢٤٨ .

(٤) الآتي في ص ٢٩٧ .

(٥) التهذيب ١ : ٢٤١ / ٦٩٦ ، الوسائل ١ : ١٨٢ أبواب الماء المطلق ب ١٦ ح ٧ .

٢٦٦
 &

أمّا حمل الشيخ الرواية الثانية ففي غاية البعد ، بل وصفه بالفطيم يضادّه ، إلّا أن يحمل علىٰ أوّل مراتب الفطام ، وفيه تكلّف تام .

والحمل علىٰ قريب الفطام لا يخلو من وجه ، لكن لم أرَ عليه موافقاً . ولعل مقام الاستحباب واسع ، إلّا أنّ الإشكال في رواية معاوية بن عمار قوي ، والله تعالىٰ أعلم بالحال .

وما تضمنه متن الثانية ـ من نزح أربعين لبول الرجل ـ إليه استند القائلون من الأصحاب بذلك ، بل قيل : إنّه المشهور (١) ، والخبر كما ترىٰ .

وفي المعتبر ما قد يدل علىٰ أنّ علي بن أبي حمزة هو البطائني ، فإنّه قال بعد ذكرها وغيرها : والترجيح بجانب الاُولىٰ ـ يعني رواية عليّ بن أبي حمزة ـ لاشتهارها في العمل وشذوذ غيرها بين المفتين . لا يقال : علي ابن أبي حمزة واقفي ؛ لأنّا نقول : تغيّره إنّما هو في [ موت ] (٢) موسىٰ عليه‌السلام فلا يقدح فيما قبله ، علىٰ أنّ هذا الوهن لو كان حاصلاً وقت الأخذ عنه لانجبرت بعمل الأصحاب وقبولهم لها (٣) . انتهىٰ .

وفيه نظر ؛ إذ ليس الاعتبار في عدالة الراوي بحال التحمل بل بزمان الرواية ، وكيف يعلم ذلك كما هو واضح .

نعم ما ذكره من الانجبار بالشهرة لا يخلو من وجه .

وإنما قلنا : قد يدل كلامه علىٰ أنّه البطائني ؛ لعدم الصراحة ، من حيث إنّه يجوز أن يكون قوله : علي بن أبي حمزة واقفي ، ( لجواز ) (٤) أن

__________________

(١) كما في روض الجنان : ١٥٠ ، ومعالم الفقه : ٥٢ .

(٢) في النسخ : زمن ، وما اثبتناه من المصدر .

(٣) المعتبر ١ : ٦٨ .

(٤) بدل ما بين القوسين في « رض » و « فض » : انه يجوز .

٢٦٧
 &

يكون هو ، ( والاشتراك كافٍ في الردّ ) (١) غير أنّ الظاهر خلاف ذلك ( واليقين ) (٢) هو أعلم به ، هذا .

وفي معتبر الأخبار مثل صحيح معاوية بن عمار نزح الجميع ، إذا بال فيها صبي أو صب فيها بول .

وفي صحيح ابن بزيع : دلاء للقطرات من البول (٣) ، ولعل هذا أسهل الأمر .

قال :

باب البئر يقع فيها البعير أو الحمار أو ما أشبههما أو يصب فيها الخمر‌

أخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن محمّد بن علي بن محبوب ، عن أحمد ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن عمر بن يزيد قال : حدثني عمرو بن سعيد بن هلال قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عمّا يقع في البئر ما بين الفأرة والسنّور إلىٰ الشاة فقال : كل ذلك يقول : « سبع دلاء » (٤) حتىٰ بلغت الحمار والجمل فقال : « كرّ من ماء » .

السند‌ :

ما تقدم منه لا حاجة إلىٰ إعادته ، وأحمد المطلق فيه هو ابن عيسىٰ

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط من « فض » و « رض » .

(٢) بدل ما بين القوسين في « رض » و « فض » ما يمكن أن يقرأ : التعبير ، أو : التغيّر .

(٣) الكافي ٣ : ٥ / ١ ، التهذيب ١ : ٢٤٤ / ٧٠٥ ، الوسائل ١ : ١٧٦ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ٢١ .

(٤) في الاستبصار ١ : ٣٤ / ٩١ زيادة : قال .

٢٦٨
 &

علىٰ الظاهر ، كما قدمناه أيضاً (١) ، وأبوه غير موثق ، واحتمال أحمد بن محمد بن خالد بعيد .

وعمر بن يزيد كأنّه ابن محمّد بن يزيد الذي ذكره النجاشي (٢) ، والشيخ ذكر عمر بن يزيد مكرراً (٣) ، وفيهم غير موثق ، ومع الاتحاد لا إشكال ، أمّا مع التغاير فلا يبعد الاتحاد فيمن ذكره الشيخ ويكون هو الثقة ، ويظهر من العلّامة الاتحاد السابق (٤) ، وقد أوضحت الحال فيما أفردته في الرجال .

وأمّا عمرو بن سعيد بن هلال فقد قال المحقق في المعتبر ـ بعد ذكر الرواية رادّاً لها ـ : إنّه فطحي (٥) ؛ وتبعه العلّامة في المنتهى والمختلف (٦) ، والشهيد في الذكرىٰ (٧) .

وفيه نظر ؛ لأنّ الذي ذكر في كتب الرجال من طريق ضعيف أنّه فطحي : عمرو بن سعيد المدائني من أصحاب الرضا عليه‌السلام ، وهذه الرواية عن الباقر عليه‌السلام ، والراوي عن عمرو بن سعيد كما ترىٰ عمر بن يزيد ، وهو من أصحاب الصادق والكاظم عليهما‌السلام ، لكن لا يخفىٰ أنّ الردّ للرواية علىٰ كل حال حاصل بجهالة الرجل .

__________________

(١) راجع ص ٢٠٧ .

(٢) رجال النجاشي : ٢٨٣ / ٧٥١ ، وص ٢٨٦ / ٧٦٣ .

(٣) رجال الطوسي : ٢٥١ / ٤٥٠ ، ٤٥٧ ، ٤٥٨ .

(٤) خلاصة العلّامة : ١١٩ / ١ .

(٥) المعتبر ١ : ٥٨ .

(٦) المنتهىٰ ١ : ١٢ ، المختلف ١ : ٣١ .

(٧) الذكرىٰ ١ : ٩٢ .

٢٦٩
 &

المتن :

قوله : ما بين الفأرة ، يحتمل أن تكون الفأرة غير داخلة ، وكذلك السنّور ، إلّا أنّ الفأرة قد سبق في الأخبار أنّ لها سبعاً ، فدخولها لا مانع فيه ، وكونه يوجب السبع في السنّور لا ضير في ذلك ؛ فإنّ الصدوق قال : إنّه روي في السنّور سبع دلاء (١) . وكأنّه فهم هذا من الرواية ، أو هو موجود في غيرها .

أمّا الشاة فالظاهر خروجها ، ويحتمل دخولها لتصريح الصدوق في المقنع بأنّ لها سبع دلاء (٢) .

ويحتمل خروج الفأرة والسنّور والشاة والسؤال حينئذٍ عما بينها ، لوجود المعارض في الجميع ، أمّا الفأرة فستأتي الأخبار (٣) فيها ، وأمّا الشاة فستأتي الرواية الدالة علىٰ التسع والعشر (٤) ، والسنّور سيأتي في رواية أنّ له خمس دلاء (٥) ، وفي رواية اُخرىٰ أنّ للسنّور عشرين أو ثلاثين ، وفي رواية غير ذلك (٦) ، وسيأتي الكلام في ذلك إن شاء الله تعالىٰ ، وإنّما الغرض هنا بيان الاحتمال .

وأمّا الحمار والجمل فمقتضي الرواية الكرّ من الماء ، وحكم الحمار معروف بين الأصحاب ، بل قال الوالد ـ قدس‌سره ـ : إنّه لا يعلم فيه خلافاً ، وفي

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٢ .

(٢) المقنع : ١٠ .

(٣) في ص ٢٨٥ ـ ٢٨٦ ، ٢٩٧ .

(٤) في ص ٢٩٦ .

(٥) في ص ٢٩٢ .

(٦) في ص ٢٨٥ ـ ٢٨٦ .

٢٧٠
 &

المنتهىٰ أنّه مذهب أكثر الأصحاب (١) .

وفي المعتبر نسبه إلىٰ الشيخين والمرتضىٰ وابني بابويه وأتباعهم ، قال : والمستند رواية عمرو بن سعيد عن أبي جعفر عليه‌السلام ، وإن ضعف سندها فالشهرة تؤيّدها ، فإنّي لم أعرف من الأصحاب رادّاً لها في هذا الحكم .

والطعن فيها بالتسوية بين الحمار والجمل غير لازم ؛ لأنّ حصول التعارض في بعض مدلولها لا يُسقِط استعمالها في الباقي ، قال : وقد أجاب بعض الأصحاب بأنّه من الجائز أن يكون الجواب وقع عن الحمار دون الجمل ، إلّا أنّ هذا ضعيف ؛ لأنّه يلزم منه التعمية في الجواب وهو ينافي حكمه المجيب (٢) . انتهىٰ .

ولقائل أن يقول : إنّ التعمية التي أوردها علىٰ المجيب بعينها ترد عليه .

إلّا أن يقال : إنّ مع وجود المعارض يحتمل أن يكون السائل فهمه وقت الحاجة بخلاف الجواب عن البعض .

وفيه : أنّ احتمال فهم السائل بقرينة ممكن أيضاً .

ثم لا يخفىٰ أنّ في نسبة المحقق القول إلىٰ المذكورين ثم قوله : إنّه لا يعرف الخلاف بين الأصحاب ، تدافعا .

( ويمكن التسديد بأنّ المنقول عنهم وقع التصريح منهم بالقول ، وغيرهم لم يصرّح بردّ الرواية ولم يقل بمضمونها ، فتأمّل ) (٣) .

__________________

(١) المنتهىٰ ١ : ١٣ .

(٢) المعتبر ١ : ٦١ .

(٣) ما بين القوسين ساقط من « رض » و « فض » .

٢٧١
 &

قوله :

فأمّا ما رواه محمّد بن يعقوب ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن ابن مسكان ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا سقط في البئر شي‌ء صغير فمات فيها فانزح منها دلاء ، وإن وقع فيها جنب فانزح منها سبع دلاء ، وإن مات فيها بعير أو صب فيها خمر فلينزح الماء كله » .

وما رواه الحسين بن سعيد ، عن النضر ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إن سقط في البئر دابّة صغيرة أو نزل فيها جنب نزح منها سبع دلاء ، وإن مات فيها ثورٌ أو صبّ فيها خمرٌ نزح الماء كله » .

فما تضمن هذان الخبران من وجوب نزح الماء كله عند وقوع البعير هو الذي أعمل عليه وبه اُفتي .

ولا ينافي ذلك الخبر الأول من قوله : « كرّ من ماء » عند سؤال السائل عن الحمار والجمل ؛ لأنّه لا يمتنع أن يكون عليه‌السلام أجاب بما يختص حكم الحمار ، وعوّل في حكم الجمل علىٰ ما سمع منه من وجوب نزح الماء كله .

فأمّا الخمر فإنّه ينزح ماء البئر كلها إذا وقع فيها شي‌ء منه علىٰ ما تضمن الخبران .

السند :‌

في الأول ليس فيه ارتياب ، وابن مسكان هو عبد الله ، والحلبي هو

٢٧٢
 &

محمّد بن علي ، والراوي عنه في النجاشي ابن مسكان (١) .

وكون ابن مسكان عبد الله لتصريح النجاشي أيضاً بأنّ عبد الله بن مسكان أكثر روايته عن محمّد الحلبي (٢) ، وبالجملة لا ارتياب عند الممارس في ذلك .

وفتح باب الاحتمالات ـ في إطلاق الحلبي وإطلاق ابن مسكان ـ سدّه أولىٰ بعد ما ذكرناه .

وفي الثاني أيضاً معلوم مما تقدّم (٣) ، والنضر هو ابن سويد ؛ لأنّ الراوي عنه الحسين بن سعيد علىٰ ما في الفهرست (٤) .

المتن :

مجمل في الأول في الشي‌ء الصغير وفي الدلاء ، إلّا أنّ المعروف في الدلاء الحمل علىٰ الثلاثة ؛ لأنّها المتيقّن وسيأتي فيها كلام .

وما تضمنه الثاني ـ من أنّ الدابّة الصغيرة ينزح لها سبع دلاء ـ يحتمل أن يقيّد به الدلاء والشي‌ء الصغير ، إلّا أنّ فيه ما فيه . وحينئذٍ يحتمل الاستدلال بالأوّل علىٰ غير ما يختص بالدليل في الأشياء الصغيرة ، بل وبالثاني أيضاً في الدابّة الصغيرة ؛ فإنّ الظاهر إرادة العموم من الدابّة في المقام ، إلّا أنّ الفائدة في هذا هيّنة كما يعلم من أخبار البئر .

ثم إنّ الخبر الأوّل صريح في نزح الجميع للبعير ، فيخالف ما تقدّم ،

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣٢٥ / ٨٨٥ .

(٢) رجال النجاشي : ٢١٤ / ٥٥٩ .

(٣) راجع ص ٧٢ ، ١٢١ ، ١٩٥ .

(٤) الفهرست : ١٧١ / ٧٥٠ .

٢٧٣
 &

وأمّا الثاني فلا أدري وجه المخالفة فيه .

وقد صرّح الشيخ كما ترىٰ بأنّ الخبرين تضمنا وجوب نزح الجميع للبعير ، مع أنّ الثاني إنّما فيه الثور ، وكأنّ الشيخ رأىٰ أن الثور إذا ثبت له الجميع فللبعير بطريق أولىٰ ، لزيادة البعير بكِبَر الحجم .

والنظر فيه واضح ؛ لأنّا لو سلّمنا حجيّة المفهوم فالمنطوق إذا دل علىٰ الكرّ صريحاً لا سبيل معه علىٰ الاستدلال بالمفهوم .

وفي التهذيب رواه بزيادة ، وهي لفظ « ونحوه » بعد قوله : « فيها ثور » (١) ويحتمل أن تكون سقطت سهواً من قلم الشيخ أو الناسخ ، والشيخ بناؤه عليها والإشكال في ذلك أيضاً علىٰ نحو ما قدمناه .

وأمّا ما ذكره المحقق سابقاً عن بعض الأصحاب (٢) فكأنّه عنىٰ به الشيخ ، وقد عرفت ما يتوجه علىٰ المحقق ، ويتم به كلام الشيخ في الجملة .

وربما يقال : إنّ الحديث الثاني لا معارضة فيه كما سمعت .

والأول ، وإن كان يقتضي المعارضة إلّا أنّ فيه احتمالاً وهو أن يكون قوله : « أو مات فيها بعير أو صب فيها خمر » شكاً من الراوي في أيّ اللفظين وقع ، والواقع إنّما هو الخمر .

وهذا الاحتمال وإنّ بَعُد ليس بأبعد من تأويلات الشيخ ، ولو لم يعمل إلّا بالصحيح فالمعارض المتقدّم مطروح ، ويزول تكلّف القول .

وكذلك علىٰ تقدير القول باستحباب النزح وقبول الحديث الأول لا مانع من استحباب الجميع ، علىٰ معنىٰ أنّه الأكمل وإن استحب

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٤١ / ٦٩٥ ، الوسائل ١ : ١٧٩ أبواب الماء المطلق ب ١٥ ح ١ .

(٢) راجع ص ٢٧١ .

٢٧٤
 &

الكرّ .

وما قاله الشيخ ـ رحمه‌الله ـ : من دلالة الخبرين علىٰ الخمر وأنّه ينزح ماء البئر كلها إذا وقع فيها شي‌ء منه .

ففيه نظر واضح ؛ لأنّ مضمون الروايتين انصباب الخمر ، فلا يتناولان قليله .

وقد فرّق الصدوق في المقنع فحكم بأنّه ينزح للقطرة من الخمر عشرون (١) ، وهو مروي عن زرارة وكردويه كما يأتي (٢) .

ويظهر من المحقق في المعتبر الميل إلىٰ العمل بالروايتين في القطرة ، والفرق ببينها وبين الصب (٣) .

وما ناقشه به العلّامة في المنتهىٰ : من أنّ الرواية ـ يعني رواية زرارة ـ اشتملت علىٰ حكم التغير ـ كما ستسمعه (٤) ـ ومن المستبعد بل المحال حصول التغيّر من القطرة ، ومن أنّه لم يفرّق أحد من أصحابنا بين قليل الخمر وكثيره إلّا من شذّ (٥) . .

لا يخفىٰ علىٰ المتأمّل عدم ورود ما ذكره :

أمّا أوّلاً : فلأنّ الرواية قد تضمنت غير الخمر ، والتغيّر المذكور فيها لا يختص بالخمر حينئذٍ .

وأمّا ثانياً : فالإجماع إذا لم ينعقد لا تضرّ المخالفة ، وهذا واضح .

أمّا ما تضمنته الروايتان ـ من حكم الجنب إذا سقط في البئر وإذا نزل ـ

__________________

(١) المقنع : ١١ .

(٢) في ص ٢٨١ ـ ٢٨٢ .

(٣) المعتبر ١ : ٥٨ .

(٤) الآتي في ص ٢٨٣ ـ ٢٨٤ .

(٥) المنتهىٰ ١ : ١٢ .

٢٧٥
 &

فالظاهر منه أنّ مجرد ذلك هو السبب في نزح السبع ، ولعله لحصول النفرة من الماء بواسطة كونه جنباً ، واحتمال كون البدن غير خال من النجاسة ، وللأصحاب في هذا اضطراب ، ومجال القول فيه واسع ، وقد ذكرنا ما لا بُدّ منه في حاشية التهذيب ، غير أنّا نذكر هنا جملة من المقال . .

فاعلم أنّ الذي وقفت عليه من الروايات ـ غير هاتين الروايتين ـ صحيح محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « إذا دخل الجنب البئر ينزح منها سبع دلاء » (١) .

ورواية أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الجنب يدخل البئر فيغتسل فيها (٢) ، قال : « ينزح منها سبع دلاء » (٣) .

والأخبار كما ترىٰ ليس فيها قيد الاغتسال إلّا في الأخيرة .

وبعض الأصحاب حمل الأخبار الخالية من القيد علىٰ الاغتسال ؛ لأنّها مطلقة والأخيرة مقيّدة (٤) .

وفيه : أنّه لا منافاة تدعو إلىٰ الجمع بل الغسل من أفراد العام ، مضافاً إلىٰ حال أبي بصير وغيره أيضاً ، هكذا ذكره الوالد ـ قدس‌سره ـ (٥) .

وقد يقال : إنّ الجمع بين المطلق والمقيد لو اشترط فيه المنافاة لم يتم الحكم في كثير من مسائل المطلق والمقيد ؛ فإنّ الأمر بعتق رقبة ثم الأمر بعتق رقبة مؤمنة مع اتحاد المورد يوجب حمل المطلق علىٰ المقيد مع عدم المنافاة ؛ لأنّ المؤمنة أحد الأفراد ، ولو لوحظ أنّ المؤمنة تقتضي عدم

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٤٤ / ٧٠٤ ، الوسائل ١ : ١٩٥ أبواب الماء المطلق ب ٢٢ ح ٢ .

(٢) في « د » : منها .

(٣) التهذيب ١ : ٢٤٤ / ٧٠٢ ، الوسائل ١ : ١٩٥ أبواب الماء المطلق ب ٢٢ ح ٤ .

(٤) كالشهيد الثاني في روض الجنان : ١٥٤ .

(٥) معالم الفقه : ٦٨ .

٢٧٦
 &

إجزاء غيرها فينافي المطلق ، يقال فيما نحن فيه كذلك .

والجواب : أنّ ما نحن فيه من كلام السائل ، وهو فرد من أفراد العام قد سئل عنه فأجاب عليه‌السلام عنه بما يوافق العام ، بخلاف ما إذا تضمن الجواب التقييد المقتضي لنفي ما عداه ؛ فإنّ المنافاة حاصلة .

وربما يقال : إنّ التقييد بوصف لا يقتضي النفي عمّا عداه عند البعض ، فكيف يطلق القائل بذلك وغيره الحكم في المطلق والمقيد ؟ بل ذِكر الحكم فيهما قرينة علىٰ أنّ مفهوم الوصف حجّة ، واحتمال ـ أن يكون ذكر الوصف لغير النفي عمّا عداه ـ يقتضي عدم المنافاة المقتضية لعدم جواز حمل المطلق علىٰ المقيد .

( ولم أَرَ من تنبّه لهذا من الاُصوليين مع ظهور التنافي بين الأمرين ، وإنّما ذكرنا ما قلناه بالعارض ، وإن لم يكن ما نحن فيه من مواد الإشكال ، بل هو ) (١) من حيث سؤال السائل عن بعض أفراد المطلق ، وهذا لا يوجب حمل المطلق عليه .

نعم ربما يدل علىٰ خصوص الاغتسال صحيح عبد الله بن أبي يعفور الآتي ، وستسمع القول فيه إن شاء الله تعالىٰ (٢) .

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ للأصحاب خلافاً في أنّ نزح السبع للجنب هل هو لسلب الطهورية ، أم لنجاسة البئر ، أم هو تعبّد ، أم هو مستحب ؟ ذهب إلىٰ كلٍّ قائل .

واعترض شيخنا ـ قدس‌سره ـ علىٰ القول الأوّل : بأنّ قصارىٰ ما تدل عليه

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « د » : وتحقيق الجواب عن هذا محلّه الاُصول فإنّ ما نحن فيه ليس من هذا القبيل بل .

(٢) انظر ج ٣ : ١٨٣ . لم نعثر علىٰ غيره .

٢٧٧
 &

الأخبار وجوب النزح ، وهو أعم من عدم الطهورية ، وبأنّ ذلك إنّما يتم لو كان الحكم معلّقاً علىٰ الاغتسال (١) ، وبأنّ المحقق صرح في نكت النهاية (٢) وغيره بأنّ الماء الذي ينفعل بالاستعمال ـ عند من قال به ـ إنّما هو القليل غير الجاري فيكون هذا مخالفاً لما يقول به المحقق في المعتبر من سلب الطهورية (٣) .

ولقائل أن يقول : إنّ الجواب عن الأخير غير سهل بعد معرفة أحكام البئر ، غير أنّه موقوف علىٰ الدليل ، فالمطالبة به كافية ، وأمّا بقية الإشكالات فوجه الأوّل ظاهر .

وأمّا الثاني : فقد سمعت القول فيه غير أنّه ينبغي أن يعلم أنّ الخلاف أيضاً واقع في صحة الغسل من الجنب يرتفع عنه الحدث بناء علىٰ انّ الحكم معلق علىٰ الاغتسال ، والمنقول عن الشيخ القول بعدم ارتفاع الحدث به (٤) .

وناقشه العلّامة بأنّ المقتضي لسلب الطهورية عن الماء تحمّله للنجاسة الحكمية عن الجنب ، وهو إنّما يحصل بارتفاع حدث الجنابة (٥) ، واستحسن الوالد ـ قدس‌سره ـ هذه المناقشة (٦) .

وقد يقال : إنّ غرض الشيخ بيان سبب النهي ، وهو سلب الطهورية عن الماء ، والنهي إنّما يقتضي الفساد مع العلم به ، وهو غير لازم لكل

__________________

(١) مدارك الأحكام ١ : ٨٨ .

(٢) نكت النهاية ١ : ٢٣٢ .

(٣) المعتبر ١ : ٨٨ .

(٤) المبسوط ١ : ١٢ .

(٥) المختلف ١ : ٥٥ .

(٦) منتقىٰ الجمان ١ : ٥٨ .

٢٧٨
 &

أحد ، إذ يجوز وقوع الغسل من الجاهل وذلك كاف ، وفيه نوع تأمّل ، إلّا أنّ باب التسديد واسع ، وفي المقام أبحاث طويلة ذكرتها في حاشية التهذيب ولعل في هذا القدر كفاية .

قوله :

ويؤيّد ذلك ما رواه محمّد بن علي بن محبوب ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في البئر يبول فيها الصبي أو يصب فيها بول أو خمر ، قال : « ينزح الماء كله » .

فما تضمن هذا الخبر من ذكر البول مع الخمر محمول علىٰ أنّه إذا تغيّر أحد أوصاف الماء ، لأنّه إذا لم يتغيّر فإنّ له قدراً بعينه ينزح علىٰ ما نبيّنه فيما بعد .

السند‌ :

واضح ليس فيه ارتياب بعد ملاحظة ما قدّمناه من الطريق إلىٰ محمّد بن علي بن محبوب .

المتن :

ظاهر في انصباب الخمر ، وقد ذكرنا سابقاً حقيقة الحال فيه ، أمّا هذا الحديث فالإشكال فيه من جهة البول من الصبي قوي ، والحمل علىٰ التغيّر يضر بحال تأييد الخبر لمطلوب الشيخ في الخمر ، لأنّ مع التغيّر يخرج عن محل الاستدلال ، ولو خصّ بالتغيّر من جهة بول الصبي فقط كان أشدّ

٢٧٩
 &

إشكالاً ، إلّا أن يجاب عن ذلك بنحو ما قدمناه (١) عن إيراد المحقق علىٰ الشيخ وإن كان متكلفاً .

وينبغي أن يعلم أنّ أكثر الأصحاب [ فرّقوا ] (٢) في نزح الأربعين للبول بين الرجل والمرأة نظراً إلىٰ اختصاص رواية علي بن أبي حمزة بالرجل ، وهي معتمدهم ، وابن إدريس ساوىٰ بينهما في الأربعين محتجاً بتناول لفظ الإنسان لها (٣) .

والمحقق اعترض عليه بأنّا (٤) نسلّم تناول الإنسان لها (٥) ونطالبه بالدليل المعلق علىٰ بول الإنسان .

والعلّامة في المختلف نقل عن ابن إدريس أنّه قال : وإنّما أوجبنا الأربعين لأنّ الأخبار المتواترة عن الأئمة وردت بأن ينزح لبول الإنسان أربعون (٦) ، وهو يطلق علىٰ الذكر والأنثىٰ ، ثم قال العلّامة : وما أدري الأخبار المتواترة التي ادّعاها (٧) ، وكذلك في المنتهىٰ (٨) أنكر ذلك ، وفي التحرير قال : والأقرب عدم الفرق بين الذكر والاُنثىٰ (٩) .

وهذا كله ممّا يوجب التعجب ، غير أنّه يمكن أن يقال : إنّ الأحكام الشرعية المتعلقة بالرجال لا تختص بهم إلّا فيما ثبت التخصيص ، وفيه أنّ

__________________

(١) في ص ٢٧٤ .

(٢) في النسخ : لم يفرّقوا ، والظاهر ما أثبتناه .

(٣) السرائر ١ : ٧٨ .

(٤) في النسخ يوجد : لا ، حذفناها لاستقامة المعنىٰ .

(٥) المعتبر ١ : ٦٨ ، وفيه : ونحن نسلم أنها إنسان .

(٦) المختلف ١ : ٤٤ .

(٧) المختلف ١ : ٤٤ .

(٨) المنتهىٰ ١ : ١٥ .

(٩) تحرير الاحكام ١ : ٥ .

٢٨٠