إستقصاء الإعتبار في شرح الإستبصار - ج ١

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار في شرح الإستبصار - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-173-7
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٥١٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « الكرّ من الماء الذي لا ينجّسه شي‌ء ألف ومائتا رطل » .

فلا ينافي هذا الخبر ما تقدّم من الأخبار ، لأنّا كنّا ذكرنا في كتاب تهذيب الأحكام (١) أنّ العمل علىٰ هذا الخبر علىٰ ما نصره الشيخ ـ رحمه‌الله ـ وحملنا ما ورد من التحديد بالأشبار علىٰ أن يكون مطابقا لذلك ، بأن يكون مقدارها المقدار الذي يطابقها ، فكأنّه جعل لنا طريقان ، أحدهما : أن نعتبر الأرطال إذا كان لنا طريق إليه ، وإذا لم يكن إلىٰ ذلك طريق : اعتبرنا الأشبار لأنّ ذلك لا يتعذّر علىٰ حال من الأحوال .

وكأن الشيخ ـ رحمه‌الله ـ اختار في الأرطال أن تكون بالبغدادي ، وغيره من أصحابنا اعتبر أن تكون بالمدني (٢) ، وليس ها هنا خبر يتضمن ذكر الأرطال غير هذا الخبر ، وهو مع ذلك أيضا مرسل وإن تكرّر في الكتب ، والأصل فيه ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، والقول باعتبار الأرطال البغدادية أقرب إلىٰ الصواب ؛ لأنّها تقارب المقدار الذي اعتبرناه في الأشبار ، وإذا اعتبرنا المدني بَعُدَ التقارب بينهما ، فالعمل بذلك أولىٰ لما قدّمناه .

السند :‌

طريق الشيخ إلىٰ محمد بن أحمد بن يحيىٰ متعدد ، فمنه الحسين بن عبيد الله ( عن أحمد بن محمد بن يحيىٰ ، عن أبيه محمد بن يحيىٰ ، عن‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤١ / ١١٣ .

(٢) كالصدوق في الفقيه ١ : ٦ .

١٠١
 &

محمد بن أحمد بن يحيىٰ (١) .

والإرسال الواقع عن محمّد ) (٢) بن أبي عمير ، قيل : (٣) إنه مقبول ، لأنّه لا يرسل إلّا عن ثقة ، وصرّح به العلّامة في النهاية (٤) .

وفيه كلام من حيث إنّه لو سلّم أنّه لا يرسل إلّا عن ثقة لا يكون حجّة علىٰ غيره ؛ لجواز أن يكون المرسل عنه ثقة عنده علىٰ حسب ما أدّاه إليه ظنّه ، فلا يكفي المتعبّد بظنّ نفسه ؛ لجواز كون الغير لو علم ذاك المرسل عنه يظهر له ما يخالف ذلك بعد تفحّصه عن الجرح والتعديل ، كما قرّر في الاُصول ، وسيأتي لهذا مزيد بيان إن شاء الله تعالىٰ (٥) .

وأنت خبير بأنّ كلام الشيخ الآتي ينافي كون مراسيل ابن أبي عمير ( مقبولة مطلقاً ، فدعوىٰ العلّامة لا بدّ لها من مستند يصلح للاعتماد ، مع تحقق الخلاف في مراسيل ابن أبي عمير والسبر (٦) من العلّامة لا يكفي غيره ) (٧) .

وما ذكرناه سابقاً من جهة الإجماع علىٰ تصحيح ما يصح عن ابن أبي عمير لا ينبغي الغفلة عنه ، ( فإنّ كلام الشيخ هنا من أكبر المؤيدات لما قلناه ) (٨) .

__________________

(١) الاستبصار ٤ : ٣٢٤ ، مشيخة التهذيب ( التهذيب ١٠ ) : ٧٢ .

(٢) ما بين القوسين ساقط من « فض » .

(٣) انظر العدة ١ : ١٥٤ .

(٤) نهاية الوصول إلىٰ علم الاُصول ، مخطوط .

(٥) يأتي في ص ٢٢٠ .

(٦) في « فض » : في السرّ ، وفي « د » : والسير ، والظاهر ما أثبتناه .

(٧) ما بين القوسين ليس في « رض » .

(٨) ما بين القوسين ليس في « د » .

١٠٢
 &

فإن قلت : ظاهر كلام النجاشي الاتفاق علىٰ قبول مراسيل ابن أبي عمير (١) فلعلّه مستند العلّامة وغيره (٢) .

قلت : كلام النجاشي لا يدل علىٰ ذلك ، لأنّه قال : قيل : إنّ اُخته دفنت كتبه في حال استتارها وكونه في الحبس أربع سنين ، فهلكت الكتب ، وقيل : بل تركها في غرفة فسال عليها المطر فهلكت ، فحدّث من حفظه وممّا كان سلف له في أيدي الناس ، فلهذا أصحابنا يسكنون إلىٰ مراسيله .

وغير خفيّ أنّ إرادة قبول المراسيل من هذا الكلام لا وجه لها ، لأنّ ذهاب الكتب لا يقتضي قبول المراسيل .

بل الذي يظهر لي أنّ الغرض من السكون إلىٰ مراسيله عدم القدح فيه بسبب عدم الضبط ، حيث إنّ كثرة الإرسال قد يظنّ منها ذلك ، ومثل هذا لو قصد به قبول المراسيل يعدّ من قبيل اللغو ، فكيف يصدر من مثل النجاشي ؟ .

فإن قلت : النجاشي إنّما ذكره بلفظ « قيل » فلا يضرّ بحاله .

قلت : إذا كان الأمر كذلك زالت الدلالة من كلامه ، ولا يبعد أن يكون النجاشي نقل القول لما ذكرناه ، فليتأمّل‌

المتن :

يدل في الجملة علىٰ كمّيّة الكرّ بالوزن ، وقد ادّعي الاتفاق علىٰ أنّ الكميّة ألف ومائتا رطل (٣) ، وإنّما الخلاف في المراد من الرطل هو العراقي

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣٢٦ / ٨٨٧ .

(٢) الشهيد في الذكرىٰ ١ : ٤٩ ، والمحقق البهائي في الزبدة : ٦٣ .

(٣) معالم الفقه : ٧ .

١٠٣
 &

أو المدني ، قيل : والرطل العراقي مائة وثلاثون درهما ، والمدني مائة وخمسة وتسعون ، فيكون العراقي ثلثي المدني (١) .

وحجة القائلين بالعراقي (٢) : أنّ حمل الخبر علىٰ ذلك يوجب تقارب المساحة والوزن ، فهو أولىٰ ، واُيّد برواية ابن مسلم الصحيحة الآتية (٣) كما ذكره الشيخ ، وبأنّ الأصل طهارة الماء ، خرج ما نقص عن العراقية بالإجماع فيبقىٰ ما عداه .

واحتجّ القائلون بالمدنية (٤) : بأنّها مقتضىٰ الاحتياط ، لأنّ الحمل علىٰ الأكثر يدخل فيه الأقل ، وبأنّه عليه‌السلام كان من أهل المدينة ، فالظاهر أنّه يجيب بما هو المعهود عنده .

وعورض الاحتجاج بالوجه الأوّل : بأنّ المكلف مع تمكّنه من الطهارة المائية لا يشرع له العدول إلىٰ الترابية ، ولا يحكم بنجاسة الماء إلّا بدليل شرعي ، فإذا لم يتمّ علىٰ النجاسة فيما نحن فيه دليل كان الاحتياط في استعمال الماء لا في تركه .

وأمّا الوجه الثاني : فبأنّ المهمّ في نظر الحكيم رعاية ما يفهم السائل (٥) ، وسيأتي إن شاء الله بيان الحال في الاستدلال عند ذكر الشيخ له (٦) .

__________________

(١) كما في معالم الفقه : ٧ .

(٢) منهم المفيد في المقنعة : ٤٢ ، والشيخ في المبسوط ١ : ٦ ، والمحقق في المعتبر ١ : ٤٧ ، والعلّامة في المختلف ١ : ٢٣ .

(٣) في ص ١٠٦ .

(٤) منهم الصدوق في الفقيه ١ : ٦ ، والسيد في الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٧٩ ، واستدل لهم العلّامة في المختلف ١ : ٢٣ .

(٥) كما في الحبل المتين : ١٠٧ .

(٦) راجع ص ١٠٩ ـ ١١٠ .

١٠٤
 &

وإذا عرفته مجملاً فما قاله الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في أوّل الأمر يقتضي ما ذكرناه في النقل عن البعض ، من مقاربة المساحة والوزن ، إلّا أنّ قوله : فكأنّه جعل لنا طريقان ، إلىٰ آخره ، قد يقال : إنّه لا يوافق ذلك ، من حيث إنّ المساحة إذا قاربت الوزن فكل منهما كاف ، والحال أنّه قرر ما يقتضي أنّ العدول إلىٰ الأشبار ، إذا لم يكن لنا طريق إلىٰ المساحة .

ولا يبعد أن يكون غرض الشيخ ـ رحمه‌الله ـ بيان أنّ الكميّة وإن تقاربت ، إلّا أنّ الوزن أضبط ، فلا يعدل عنه إلّا مع تعذّره ، علىٰ أن يكون التوجيه منه ، لا من الخبرين الدال أحدهما علىٰ الوزن والآخر علىٰ المساحة ، إذ لا يخرجان عن إفادة التخيير .

لكن لا يخفىٰ أنّ الشيخ مطالب بالدليل .

ثم قوله : وكأنّ الشيخ اختار ، إلىٰ آخره ؛ لا يخلو من القصور في التعبير ، لأنّ الشيخ صرّح في المقنعة بالعراقي (١) ، وإنّما مراد الشيخ هنا الإشارة إلىٰ وجه اختياره العراقي علىٰ المدني ، مع كون الخبر بالوصف الذي ذكره ، والوجه هو المقاربة .

ولقائل أن يقول : إنّ المقاربة بالأشبار إن كان المراد بها الثلاثة والنصف ، فالروايات المذكورة غير مختصّة بذلك ، وإن كان مطلق الأشبار فالمقاربة غير حاصلة ، فتخصيص المقاربة ببعض الروايات غير ظاهر الوجه .

ولعلّ المراد أنّ اعتبار المدني يبعد عن جميع الأخبار ، بخلاف العراقي فإنّه يقرب إليها ، ويبقىٰ ترجيح أحد الروايات يحتاج إلىٰ مرجّحٍ ،

__________________

(١) المقنعة : ٤٢ .

١٠٥
 &

ولا يخفىٰ عليك الحال .

قوله ـ رحمه‌الله ـ :

ويقوي هذا الاعتبار أيضاً : ما رواه ابن أبي عمير قال : روي لي عن عبد الله ـ يعني ابن المغيرة ـ يرفعه إلىٰ أبي عبد الله عليه‌السلام : « أنّ الكرّ ستمائة رطل » .

وروىٰ هذا الخبر محمد بن علي بن محبوب ، عن العباس ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن أبي أيوب ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له : الغدير فيه ماء مجتمع ، تبول فيه الدوابّ ، وتلغ فيه الكلاب ، ويغتسل فيه الجنب ، قال : « إذا كان قدر كرّ لم ينجّسه شي‌ء ، والكرّ ستمائة رطل » .

السند :‌

أمّا الأوّل : فطريق الشيخ إلىٰ ابن أبي عمير ، عن الشيخ المفيد ، والحسين بن عبيد الله ، جميعاً عن جعفر بن محمد بن قولويه ، عن أبي القاسم جعفر بن محمد العلوي الموسوي ، عن عبيد الله بن أحمد بن نهيك ، عن ابن أبي عمير (١) .

وفي هذا الطريق جعفر بن محمد العلوي ، وهو غير موصوف بالثقة ، نعم في النجاشي هو موصوف بالصالح في ترجمة محمد بن أبي عمير (٢) ، والوصف لا يفيد المطلوب كما لا يخفىٰ .

__________________

(١) مشيخة التهذيب ( التهذيب ١٠ ) : ٧٩ .

(٢) رجال النجاشي : ٣٢٧ / ٨٨٧ .

١٠٦
 &

ثمّ الحديث أيضاً مرسل ومرفوع ، واشتمال السند علىٰ ابن أبي عمير ، وابن المغيرة المجمع علىٰ تصحيح ما يصح عنهما نفعه (١) موقوف ـ علىٰ تقدير تسليم إرادة ما سبق فيه القول (٢) ـ علىٰ الصحة إليهما ، كما هو واضح .

وأمّا الثاني : فالطريق إلىٰ محمد بن علي بن محبوب ، عن الحسين ابن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد بن يحيىٰ العطار ، عن أبيه محمد بن يحيىٰ ، عن محمد بن علي بن محبوب ، وقد علمت القول فيه (٣) ، وسلامة طريق الفهرست (٤) من الارتياب مضىٰ القول فيها وفي العبّاس أيضاً (٥) ، والحديث مجزوم بصحته (٦) .

المتن :

لا يتمّ الكلام فيه إلّا بذكر ما قرّره الشيخ ـ رحمه‌الله ـ .

قوله : ووجه الترجيح بهذا الخبر في اعتبار الأرطال العراقية ، أن يكون المراد به رطل مكة ، لأنّه رطلان ، ولا يمتنع أن يكونوا عليهم‌السلام أفتوا السائل علىٰ عادة بلده ، لأنّه لا يجوز أن يكون المراد به أرطال أهل العراق ، ولا أرطال أهل المدينة ، لأنّ ذلك لم يعتبره أحد من أصحابنا ، فهو متروك بالإجماع .

فأمّا ترجيح معتبر أرطال المدينة بأن قال : ذلك يقتضيه الاحتياط ، لأنّا

__________________

(١) ليست في « فض » و « د » .

(٢) راجع : ص ٦٠ ـ ٦٣ و ١٠٢ ـ ١٠٣ .

(٣) راجع : ص ٦٤ ـ ٦٥ .

(٤) الفهرست : ١٤٥ / ٦١٣ .

(٥) راجع ص ٦٥ .

(٦) في « رض » زيادة : عند البعض .

١٠٧
 &

إذا حملناه علىٰ الأكثر دخل الأقل فيه ؛ غير صحيح ؛ لأنّ لقائل أن يقول : إنّ ذلك ضدّ الاحتياط ، لأنّه مأخوذ علىٰ الإنسان أن لا يؤدّي الصلاة إلّا بأن يتوضّأ بالماء مع وجوده ، ولا يحكم بنجاسة ماء موجود إلّا بدليل شرعي ، ولا خلاف بين أصحابنا أنّ الماء إذا نقص عن المقدار الذي ذكرناه فإنّه ينجس بما يقع فيه (١) .

وأمّا ما رجّح به من عادتهم من حيث كانوا من المدينة عليهم‌السلام ؛ فليس في ذلك ترجيح ؛ لأنّهم كانوا يفتون بالمتعارف من عادة السائل وعرفه ، ولأجل ذلك اعتبرنا في أرطال الصاع تسعة أرطال بالعراقي وذلك خلاف عادتهم ، وكذلك الخبر الذي تكلّمنا عليه من اعتبارهم بستمائة رطل إنّما ذلك اعتباراً لعادة أهل مكة ، فهم عليهم‌السلام كانوا يعتبرون عادة سائر البلاد حسب ما يسألون عنه .

أقول : قد عرفت ممّا قدّمناه محصّل الحجّة ومعارضها ، والشيخ ـ رحمه‌الله ـ قد أطال المقال في التوجيه بما يرجع حاصله :

أولاً : أنّ محمد بن مسلم طائفي ، وهو داخل في أهل مكة بالقرب ، فإذا أفتوه علىٰ عادة بلده كانت الأرطال في الرواية مكّيّة ؛ ووجه ذلك أنّه لو اُريد أرطال العراق أو أرطال المدينة خالف الإجماع ، أمّا أرطال العراق فظاهره عدم القائل بها ، وأمّا أرطال المدينة فلأنها تبلغ تسعمائة بالعراقي ، ولا قائل به أيضاً .

وأمّا ثانياً : فلأنّ معتبر أرطال المدينة ( فيما دل علىٰ الألف ومائتي

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٢ زيادة : وليس هٰهُنا دلالة علىٰ أنّه إذا زاد علىٰ ما اعتبرناه فإنّه ينجس بما يقع فيه .

١٠٨
 &

رطل ) (١) قد استدل عليه بما لا يتمّ ، وهو أنّه مقتضي الاحتياط .

واعترض عليه : بأنّ هذا ضدّ الاحتياط ؛ لأنّ العدول إلىٰ التيمم ـ بتقدير أن لا يوجد غير هذا الماء ، وقد أصابته نجاسة ، وهو ألف ومائتا رطل بالعراقي ـ يحتاج إلىٰ دليل ، ولمّا كان الإجماع منعقداً علىٰ نجاسة ما دون هذا المقدار من العراقي تحقق الدليل ، والذي هو بالغ هذا المقدار لا إجماع عليه ، فيجب استعماله في الوضوء (٢) .

وأمّا ثالثاً : فما قاله مرجِّح المدني : من أنّه ينبغي الجواب علىٰ عادتهم وهم من أهل المدينة ، فيه : أنّهم كانوا يفتون بعادة السائل كما يعلم من المواضع التي وافق عليها المستدل في مثل الصاع ، وقوله : وكذلك الخبر ؛ ليس من مواضع الاستدلال ، بل بيان حاصل المطلوب إثباته ، فلا يتوجه عليه ما هو ظاهر .

نعم قد يقال عليه : أوّلاً : إنّ الستمائة إذا اعتبرت بالمدنية قاربت بعض الروايات الدالة علىٰ المساحة ، والعامل بتلك الروايات لو حمل هذه علىٰ المدنية لا بعد فيه ، والمقاربة لا يشترط فيها المساواة من كل وجه .

وثانياً : ما ذكره من أنّه مأخوذ علىٰ الإنسان ، إلىٰ آخره ، فيه : أنّه مشروط علىٰ الإنسان أن لا يستعمل إلّا الماء الطاهر ، وقد شُرِط عليه أن يعلم بالكرّيّة ، وبالأقل لا إجماع علىٰ الكرّيّة بخلاف الأكثر .

وثالثاً : ( إنّ مجرد موافقة عادة السائل محض الدعوىٰ ، بل الأولىٰ أن يوجّه بما قيل : من ) (٣) أنّ المناسب هو عادة السائل ، لاحتياجه علىٰ تقدير

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « د » .

(٢) راجع ص ١٠٨ .

(٣) ما بين القوسين ساقط من « فض » و « د » .

١٠٩
 &

عادة المسؤول إلىٰ زيادة السؤال ، وهو تكليف ، والأصل خلافه .

وكون الصاع بالعراقي إن ثبت الإجماع عليه أو غيره من الأدلّة فهو الحجة ، وإلّا فهو من محلّ النزاع ، فليتأمّل .

قوله :

باب حكم الماء الكثير إذا تغيّر أحد أوصافه إمّا اللون ، أو الطعم ، أو الرائحة

أخبرني الشيخ ـ رحمه‌الله ـ عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن عثمان بن عيسىٰ ، عن سماعة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يمرّ بالماء وفيه دابّة ميتة قد أنتنت ، قال : « إذا كان النتن الغالب علىٰ الماء فلا يُتوضّأ ولا يُشرب » .

السند :‌

قد تقدم القول في رجاله الذين فيهم الارتياب (١) .

وأمّا سماعة : فهو ثقة ثقة علىٰ ما ذكره النجاشي (٢) ، لكن الشيخ في كتاب الرجال ذكره في رجال الكاظم عليه‌السلام ، وقال : إنّه واقفي (٣) ، وعليه اعتمد المتأخّرون (٤) بناءً علىٰ أنّه لا منافاة بين التوثيق وكونه واقفياً ، إذ من المقرّر

__________________

(١) راجع ص ٣٩ ، ٤١ ـ ٤٣ .

(٢) رجال النجاشي : ١٩٣ / ٥١٧ .

(٣) رجال الطوسي : ٣٥١ / ٤ .

(٤) رجال ابن داود : ٢٤٢ ، خلاصة العلّامة : ٢٢٨ ، المدارك ٢ : ١٧٤ .

١١٠
 &

أنّ الجرح والتعديل إذا أمكن الجمع بينهما لا يحتاج إلىٰ الترجيح .

وفي هذا بحث : من حيث إنّ النجاشي قد عُلم من طريقته عدم الاقتصار علىٰ توثيق من هو واقفي أو فطحي ونحوهما ، ليقال : إنّه ترك ذكر الوقف في سماعه لذلك ، بل الظاهر أنّه لم يثبت عنده ذلك ، وحينئذ يتعارض الجرح والتعديل ، والنجاشي يقدّم علىٰ الشيخ في هذه المقامات ، كما يعلم بالممارسة ، وقد رأيت ـ بعد ما ذكرته ـ كلاماً لمولانا أحمد الأردبيلي ـ قدّس الله روحه ـ يدلّ علىٰ ذلك ، واعتمد علىٰ نفي الوقف (١) ، ونحوه عن جماعة ، والحق أحقّ أن يتّبع .

إلّا أنّي وجدت الآن في الفقيه التصريح بأنّ سماعة واقفي في موضعين من كتاب الصوم (٢) ، فيترجّح قول الشيخ .

فإن قلت : كيف يخفىٰ علىٰ النجاشي قول الصدوق في الفقيه مع تكرّره فيه ، وهل هذا يوجب نوع ارتياب في عدم ذكر النجاشي الوقف في سماعه ( وغير الوقف في غير سماعة ؟ ) (٣) والحال أنّك وجّهت الاعتماد علىٰ قول النجاشي في جماعة من الرواة ، حيث لم يذكر فساد المذهب .

قلت : لا يبعد أن يكون النجاشي لم يرجّح الوقف في سماعة وإن ذكره الصدوق مكرّراً ، لوجود معارض لقول الصدوق يوجب ذلك (٤) .

فإن قلت : ما وجه ردّ الصدوق الروايات الواردة عن سماعة بأنّه واقفي ، والحال أنّ عمله ليس من جهة الصحة الاصطلاحية ، ليحتاج إلىٰ أن‌

__________________

(١) لم نعثر علىٰ نصّ يفي بذلك ، غير أنّه قال في مجمع الفائدة ( ٥ : ٩٣ ) : ولصحيحة أبي بصير وسماعة . لكنّه صرّح بكونه واقفياً في مواضع ، منها في ج ١ : ١٥٧ و ٣ : ٦٨ و ١١٥ .

(٢) الفقيه ٢ : ٧٥ ، ٨٨ .

(٣) ما بين القوسين ليس في « رض » و « د » .

(٤) في « رض » زيادة : والحكم بالترجيح مباحاً لاحتمالٍ ما ، وإن كان في البين كلام .

١١١
 &

يقول : إنّه واقفي .

قلت : لا يبعد أن يكون غرضه بذكر الوقف ليس لبيان أنّ الردّ بسببه خاصة ، فلو انتفىٰ عمل بالرواية ، بل لأنّ هذا الوجه من الضعف أظهر من غيره ، وحينئذ فيه دلالة علىٰ أنّ من اتصف بفساد المذهب وإن كان ثقة لا يعمل بقوله ( عند الجميع ، كما قد توهمه عبارة البعض ) (١) .

فإن قلت : من أين ( ثبوت التوثيق عند الصدوق ليقال : ) (٢) إنّه غير عامل بقول سماعة مع كونه ثقة ؟

قلت : من المستبعد أن يكون موثّقا في النجاشي مرّتين ، ولم يكن موثّقاً عند الصدوق أصلاً .

ولئن قيل : إنّه لا مانع من ذلك فإنّ الشيخ لم يوثّقه والنجاشي قريب من الشيخ ، فالبعيد عنه كالصدوق أولىٰ .

أمكن أن يجاب بالفرق بين المراتب .

فإن قلت : قد ردّ الصدوق رواية سماعة مع زرعة بالوقف فيهما ، والحال أنّ الشيخ في زرعة ذكر في الطريق إليه محمد بن علي بن بابويه (٣) ، فكيف يروي عنه الصدوق وقد ردّ روايته في الفقيه (٤) ؟ .

قلت : الرواية عن الشخص لا دخل لها بالعمل .

نعم قد يشكل الحال بأنّ الصدوق روىٰ عن سماعة في الفقيه بكثرة ، وكذا عن زرعة عن سماعة ، مع أنّه عامل بما رواه ، فردّ البعض بوقف‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « رض » .

(٢) ما بين القوسين ليس في « رض » .

(٣) الفهرست : ٧٥ / ٣٠٣ .

(٤) الفقيه ٢ : ٧٥ .

١١٢
 &

سماعة دون البعض قد يوجب الارتياب .

إلّا أنّ الحق دفعه : بأنّه غير عامل بالخبر من حيث الراوي ، بل من القرائن .

وما عساه يقال : إنّ ردّ الرواية بالوقف حينئذ لا وجه له ؛ جوابه ما قدّمناه ، فليتأمّل هذا كله .

وما قد يتوهّم : من الاشتراك في سماعه بين سماعة بن عبد الرحمن الذي ذكره الشيخ في رجال الصادق عليه‌السلام وسماعة الحناط كذلك ، مع كونهما غير موثّقين (١) .

يدفعه : أنّ النجاشي قال في سماعة بن مهران : له كتاب يرويه عنه عثمان بن عيسىٰ (٢) .

وهذا وإنّ لم يفد حكماً بالنظر إلىٰ ضعف الرواية فيما أظنّ بعثمان بن عيسىٰ ، إلّا أنّه لا يخلو من فائدة .

المتن :

وإن كان الماء فيه غير مقيّد بالكثير ، ليشكل الحال فيه بأن المفهوم منه أنّ النتن إذا لم يكن الغالب علىٰ الماء يتوضّأ منه ويشرب ، إلّا أنّ غيره من الأخبار يقيّده ، وقد تقدم ما فيه كفاية .

قوله ـ رحمه‌الله ـ :

وأخبرني الشيخ ـ رحمه‌الله ـ عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن

__________________

(١) رجال الطوسي : ٢١٤ / ١٩٧ .

(٢) رجال النجاشي : ١٩٣ / ٥١٧ .

١١٣
 &

قولويه ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد وعبد الرحمن بن أبي نجران ، عن حماد بن عيسىٰ ، عن حريز بن عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « كلّما غلب الماء علىٰ ريح الجيفة فتوضّأ منه واشرب ، فإذا تغيّر الماء وتغيّر الطعم فلا تتوضّأ منه ولا تشرب » .

السند‌ :

ليس في ظاهره ارتياب إلّا في محمد بن قولويه ، فإنّي لم أقف علىٰ بيان حاله من سوىٰ النجاشي (١) والعلّامة تبعاً له ، ( فإنّه قال في الخلاصة ) (٢) إنّه من خيار أصحاب سعد (٣) ، والشيخ في رجال من لم يرو عن أحد من الأئمّة عليهم‌السلام قال : محمد بن قولويه الجمال والد أبي القاسم جعفر بن محمد يروي عن سعد بن عبد الله وغيره (٤) .

والوالد ـ قدس‌سره ـ وصفه بالصحة (٥) ، وكذلك شيخنا (٦) ـ قدس‌سره ـ وكأنهما استفادا التوثيق من عبارة النجاشي والخلاصة ، والأمر كما ترىٰ .

وفي كتاب ابن طاووس في الرجال ذكر بعد طريق فيه محمد بن قولويه : ما يقتضي أنّه ثقة (٧) ؛ وحينئذ ربما كان اعتماد الوالد ـ قدس‌سره ـ علىٰ

__________________

(١) رجال النجاشي : ١٢٣ / ٣١٨ .

(٢) ما بين القوسين ليس في « رض » و « د » .

(٣) خلاصة العلّامة : ١٦٤ / ١٨١ .

(٤) رجال الطوسي : ٤٩٤ / ٢٢ .

(٥) منتقىٰ الجمان ١ : ٢ .

(٦) مدارك الاحكام ١ : ٢٨ .

(٧) التحرير الطاووسي : ١٣٤ .

١١٤
 &

ذلك ؛ وفيه ما فيه .

فإنّ قلت : النجاشي في أيّ محل ذكر ما حكيته ؟ .

قلت : في ترجمة جعفر بن محمد بن قولويه ، لأنّه قال : جعفر بن محمد بن قولويه يكنّىٰ أبا القاسم ، وكان أبوه يلقّب مسلمة ، من خيار أصحاب سعد ، وكان أبو القاسم من ثقات أصحابنا وأجلّائهم . إلىٰ آخره (١) .

وفي الظنّ أنّ قوله في شأن أبي القاسم : إنّه من الثقات ، مع اقتصاره في أبيه علىٰ كونه من خيار أصحاب سعد ، قرينة علىٰ عدم استفادة توثيق محمد بن قولويه ، إذ لو كان مشاركا لأبيه في التوثيق لذكر أنّهما من الثقات ، فليتأمّل .

( فإن قلت : ـ مع قطع النظر عمّا ذكر ـ هل يستفاد من قوله : إنّه من خيار أصحاب سعد ، التوثيق أم لا ؟

قلت : قد صرّح جدّي ـ قدس‌سره ـ في الدراية بعد أنّ نقل عن أهل الفنّ أنّهم اصطلحوا علىٰ أنّ ألفاظ التعديل : عدل ، أو ثقة ، أو حجة ، أو صحيح الحديث ، أو ما أدّىٰ معنىٰ ذلك ، أو متقن ، أو ثبت ، أو حافظ ، أو يحتجّ بحديثه ، ـ إلىٰ أن قال ـ : أو خيّر ، أو فاضل ، ـ ثم قال ـ : والأربعة الاُول متّفق عليها ، والأقوىٰ في البواقي العدم ، وإن أفاد المدح (٢) . انتهىٰ كلامه ـ قدس‌سره ـ .

وقد يقال : إنّه إن أراد بالتعديل ثبوت العدالة فقط من دون نظر إلىٰ القبول ؛ ففيه : أنّ صحيح الحديث عند المتقدّمين لا يدل علىٰ العدالة ، كما هو واضح .

وإن اُريد العدالة مع القبول ؛ ففيه مع ذكر التصريح باشتراط الضبط‌

__________________

(١) رجال النجاشي : ١٢٣ / ٣١٨ .

(٢) الدراية : ٧٥ .

١١٥
 &

في العدل المعبّر عنه بالثقة ، لاشتقاقه من الوثوق ، ولا وثوق لمن يساوي سهوه وذكره ، أو غلب سهوه علىٰ ذكره ) (١) .

ثم إنّ في الحديث ارتياباً من جهة اُخرىٰ ، وهو أنّ الكليني ـ رحمه‌الله ـ رواه عن حريز عمّن أخبره (٢) ، وقد اطّلع علىٰ ذلك شيخنا ـ قدس‌سره ـ فذكره في حواشي الكتاب ، وفي المدارك جزم بالصحة (٣) .

ولا يخلو من إشكال ؛ إذ من المستبعد أن يكون حريز روىٰ تارة بواسطة واُخرىٰ بغيرها ، فيحتمل أن يكون الكليني روىٰ أحدهما ، والشيخ روىٰ غيرها .

المتن :

قد تقدم فيه القول (٤) ، وبه يندفع ما قاله البعض : من أن الأخبار ليس فيها دلالة علىٰ أنّ تغيّر اللون ينجّس الماء (٥) ، وما تضمّنه مفهوم بعض الأخبار السابقة : من أنّ الماء إذا لم يتغيّر ريحه وطعمه يُشرب منه ويُتوضّأ ، المقتضي لعدم اعتبار اللّون قد تقدم احتمال التلازم (٦) ، وعلىٰ تقدير المنع فالإجماع المدّعىٰ كاف في المقام .

أما ما قد يقال : من أنّ المفهوم إذا عارضه المنطوق لا تبقىٰ صلاحيته للاستدلال .

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط من « فض » و « د » .

(٢) الكافي ٣ : ٤ / ٣ ، الوسائل ١ : ١٣٧ أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ١ ذ .ح .

(٣) مدارك الأحكام ١ : ٤٣ .

(٤) راجع ص ٧٤ ـ ٧٥ .

(٥) الحبل المتين : ١٠٦ .

(٦) راجع ص ٧٤ .

١١٦
 &

ففيه : أوّلاً : أنّ المفهوم بتقدير حجّيته يساوي المنطوق فلا مانع منه ، نعم لو ضادّ حكم المنطوق أمكن ترجيح المنطوق عليه ، وفي المقام لا مضادّة .

وثانياً : أنّ منطوق الحديث المبحوث عنه من قبيل المجمل ، ولا مانع من بيانه بالمفهوم ؛ وفي هذا تأمّل لأنّ الظاهر أنّه ليس من المجمل ، كما لا يخفىٰ .

وينبغي أن يعلم أنّ الماء إذا تغيّر بمجاورة النجاسة لا تؤثّر فيه ، لأن رائحة النجاسة ليست بنجسة ، كما ذكره الأصحاب (١) .

وقد نقل شيخنا ـ قدس‌سره ـ في الاستدلال علىٰ أنّ الماء ينجَّس بتغيّر أحد الأوصاف ما هذا لفظه : والأصل فيه الأخبار المستفيضة ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « خلق الله الماء طهوراً لا ينجّسه شي‌ء إلّا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه (٢) » (٣) .

ولم أقف الآن علىٰ هذه الرواية مسندة ، ودلالتها علىٰ اللون ظاهرة ، وربما يحصل نوع شك في حكم التغيّر بالمجاورة ، ليس في ذكره هنا كثير فائدة .

قوله ـ رحمه‌الله ـ :

فأمّا ما رواه محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد (٤) عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) معالم الفقه : ١٧ .

(٢) رواه في السرائر ١ : ٦٤ ، وقال : إنّه متّفق علىٰ روايته ، وفي المعتبر ١ : ٤٠ ، ٤١ ، الوسائل ١ : ١٣٥ أبواب الماء المطلق ب ١ ح ٩ ، سنن البيهقي ١ : ٢٥٧ .

(٣) مدارك الأحكام ١ : ٢٨ .

(٤) في الاستبصار ١ : ١٣ / ٢٠ : حماد بن عثمان .

١١٧
 &

قال في الماء الآجن : « تتوضأ منه إلّا أن تجد ماءً غيره » .

فليس ينافي الخبرين الأولين ، لأنّ الوجه في هذا الخبر إذا كان الماء قد تغيّر من قبل نفسه ، أو بمجاورة جسم طاهر ، لأنّ المحظور استعماله هو إذا كان متغيّراً بما يحلّه من النجاسة ، وعلىٰ هذا الوجه لا تنافي بين الأخبار .

السند‌ :

حسن كما تقدّم (١) .

المتن :

ما ذكره الشيخ فيه لا ريب يعتريه ، بل الذي يظهر من اللغة أنّ الآجن هو ما تغيّر من نفسه ، وقول الشيخ : أو بمجاورة جسم طاهر ؛ قد يوهم أنّ التغيّر لو كان بمجاورة جسم نجس يوجب تنجيسه ، وليس كذلك ، ومراده بالمجاورة وقوع الجسم في الماء ، كما ينبّه عليه قوله : إذا كان متغيّراً بما تحلّه من النجاسة .

ثمّ إنّ كراهة الوضوء بالماء الآجن إذا وجد غيره خالياً من ذلك يستفاد من الرواية علىٰ تقدير العمل بها ، ويراد من الكراهة قلّة الثواب بالنسبة إلىٰ الوضوء بغيره ، لا الكراهة بالمعنىٰ المقرّر في الاُصول ، لأنّ العبادة لا يكون تركها أولىٰ ، كما قاله جماعة (٢) .

أمّا ما اعترض به بعض فضلاء المتأخّرين : من أنّه يلزم كون جميع

__________________

(١) راجع ص ٥٢ ـ ٥٣ .

(٢) منهم المقدّس الأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ٤٧ ، ٣٦٥ و ٥ : ١٩٤ .

١١٨
 &

العبادات مكروهة ، إذ اعتبار الإضافة فيها إلىٰ ما هو أكمل حاصل (١) .

فجوابه : أنّ الكلام فيما ورد النهي عن فعله ، لا أنّ كل ما كان ثوابه أقل فهو مكروه ، والفرق بين الأمرين واضح .

نعم ربما يقال : إنّ في الرواية دلالة علىٰ أنّ مكروه العبادة إنّما يتحقق مع إمكان فعل الأولىٰ ، وقد صرّح به بعض الأصحاب (٢) نظرا إلىٰ أنّ الاعتبار يساعد عليه ، فليتأمّل .

اللغة :

قال في الصحاح : الآجن : الماء المتغيّر اللون والطعم (٣) ، ( وما نقلناه سابقاً عن غير صاحب الصحاح ) (٤) .

قوله :

باب البول في الماء الجاري

أخبرني الشيخ ـ رحمه‌الله ـ عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن عثمان بن عيسىٰ ، عن سماعة قال : سألته عن الماء الجاري يبال فيه ، قال : « لا بأس » .

__________________

(١) لم نعثر عليه .

(٢) انظر مجمع الفائدة ٥ : ١٩٤ .

(٣) الصحاح ٥ : ٢٠٦٧ ( أحن ) .

(٤) ما بين القوسين ليس في « فض » و « د » .

١١٩
 &

السند :

قد تقدّم القول فيه بما يغني عن إعادته (١) .

المتن :

ظاهر في أنّ المطلوب من السؤال هو البول في الماء الجاري ، لا الماء الجاري الذي يبال فيه ، فما ذكره ( الشيخ في التهذيب (٢) ، وتبعه ) (٣) جماعة من المتأخّرين في الاستدلال علىٰ عدم نجاسة الجاري بالملاقاة وإن كان قليلاً ، نظراً إلىٰ إطلاق الخبر (٤) ؛ غريب .

ثمّ المتبادر من الجاري غير الراكد ، وفي دخول ماء المطر في الجاري احتمال ، وسيأتي في الحديث المعلّل بأنّ للماء أهلاً ، ما يتناوله في تحقق الكراهة فيه (٥) .

قوله :

الحسين بن سعيد ، عن ابن سنان ، عن عنبسة بن مصعب ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يبول في الماء الجاري ، قال : « لا بأس به إذا كان الماء جارياً » .

__________________

(١) راجع ص ١١٠ ـ ١١٣ .

(٢) التهذيب ١ : ٣٤ .

(٣) ما بين القوسين ليس في « فض » و « د » .

(٤) منهم المحقق في المعتبر ١ : ٤١ ، والشهيد في الذكرىٰ ١ : ٧٩ ، وصاحب المدارك ١ : ٣٠ .

(٥) تأتي في ص ١٢٧ .

١٢٠