جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

الفصل الثاني : في أسبابها

يجب الوضوء بخروج البول ، والغائط ، والريح من المعتاد وغيره مع اعتياده ،

______________________________________________________

قوله : ( الفصل الثاني : في أسبابها ، يجب الوضوء بخروج البول ، والغائط ، والريح من المعتاد ، وغيره مع اعتياده ).

اعلم أن السبب في عرف الأصوليين هو الوصف الوجودي الظاهر المنضبط ، الذي دل الدليل الشرعي على أنه معرّف لحكم شرعي ، وهو أحد متعلقات خطاب الوضع.

وقول المصنف : ( في أسبابها ).

أراد بها : الأمور التي يترتب عليها فعل الطهارة في الجملة ، أعمّ من أن تكون واجبة أو مندوبة ، إذ لا تجب إلا بوجوب شي‌ء من الغايات السابقة ، إلاّ غسل الجنابة عند المصنف وجماعة (١).

وربما هذه موجبات ، نظرا إلى ترتب الوجوب عليها مع وجوب الغاية ، وتسمى نواقض أيضا ، باعتبار طروء شي‌ء منها على الطهارة غالبا ، وإنّما قيد به لأن دائم الحدث لا ينقض حدثه الدائم إلا على بعض الوجوه ، والأول أعمّ مطلقا ، وبين الأخيرين عموم من وجه.

وقوله : ( من المعتاد ).

أراد بالمعتاد هاهنا : الذي اعتيد خلق مثله مصرفا للفضلة المعلومة ، وهو المخرج الطبيعي ، وأراد بالاعتياد في قوله : ( مع اعتياده ) تكرر خروج الفضلة مرّة بعد أخرى ، لأنه حينئذ يصير مخرجا عرفا ، فيتناول إطلاقات النصوص الواردة بالنقض بالخارج من السبيلين ، ما يخرج منه (٢).

__________________

(١) منهم والد العلامة كما في المختلف : ٢٩ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٤٢.

(٢) الكافي : ٣ : ٣٥ و ٣٦ ، الاستبصار ١ : ٨٦ وللمزيد راجع الوسائل ١ : ١٧٧ الباب الثاني من نواقض الوضوء.

٨١

والنوم المبطل للحاستين مطلقا ، وكلّما أزال العقل ،

______________________________________________________

وإطلاق الشيخ النقض بالخارج مما تحت المعدة دون غيره (١) ضعيف ، واعتبر بعضهم في صيرورته معتادا خروج الخارج منه مرتين متواليتين عادة ، فيثبت النقض في الثالثة.

وفي صيرورته بذلك مخرجا عرفا نظر ، ولو اعتبر فيه صدق الاسم عليه عرفا ، من غير تعيين عدد لكان وجها ، لأن الحقيقة الشرعية إذا تعذرت ، أو لم توجد صير إلى العرفية.

وليس هذا كعادة الحيض ، للإجماع على عدم اشتراط ما زاد على المرتين فيه ، مع أنه مبني على التغليب ، فلو خرج أحد الثلاثة من غير الطبيعي قبل اعتياده فلا نقض ، ومنه كل من قبلي المشكل ، وهذا إنما هو إذا لم ينسد الطبيعي ، فإذا انسد نقض الخارج من غيره ، بأول مرّة ، كما ذكره المصنف في المنتهى ، وحكى فيه الإجماع (٢).

وينبغي أن يعلم أن الجار في قوله : ( من المعتاد ) ، متعلق بخروج المعتبر في كل من الثلاثة ، فلا نقض بخروج الريح من ذكر الرجل ، ولا من قبل المرأة ، إلا مع الاعتياد ـ على الأصح ـ في قبل المرأة.

وينبغي أن يراد بالخروج : المتعارف ، وهو خروج الخارج بنفسه منفصلا عن حد الباطن ، فلو خرجت المقعدة ملوَّثة ثم عادت فلا نقض على الأصح.

قوله : ( والنوم المبطل للحاستين مطلقا ).

أراد بالحاستين : السمع والبصر ، وإنما خصّهما لأنهما أعم الحواس الخمس إدراكا ، فإنّ بطلان الإدراك بهما غالبا يستلزم بطلان الإدراك بغيرهما ، دون العكس ، وفي النصوص ما يصلح وجها لهذا التخصيص (٣).

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٧ ، الخلاف ١ : ١٢ مسألة ٥٨.

(٢) منتهى المطلب ١ : ٣١.

(٣) علل الشرائع : ٢٥٧ ، عيون أخبار الرضا ٢ : ١٠٤‌

٨٢

والاستحاضة القليلة ،

______________________________________________________

وتعبيره بـ ( المبطل ) ، أولى من تعبير غيره بالغالب (١) ، لأنه أصرح في نفي النقض عن السنة ، وهي مبادئ النوم.

وأراد بقوله ( مطلقا ) : تعميم النقض في جميع الحالات ، سواء كان النائم قاعدا ، أو منفرجا ، أو قائما ، أو راكعا ، لأن قوله عليه‌السلام : « فمن نام فليتوضأ » (٢) للعموم ، وتخصيص ابن بابويه الحكم بالمنفرج (٣) ضعيف.

ولو شك هل خفي عليه الصوت أم لا؟ وأن ما خطر له منام ، أم حديث النفس؟ بنى على استصحاب الطهارة ، ولو كان فاقد الحاسة قدّر وجودها ، وعمل بما يغلب على ظنّه.

قوله : ( والاستحاضة القليلة ).

أورد على العبارة شيخنا الشهيد قسمي المتوسطة في غير الصبح ، فإنّهما يوجبان الوضوء خاصة (٤) ، فكان عليه أن يذكرهما ، ليكون كلامه حاصرا لأسباب الوضوء ، كما صنع شيخنا في كتبه.

ويمكن دفع الإيراد ، بأن المتوسطة من أسباب الغسل ، لأنها سبب له بالنسبة إلى الصبح ، أو يقال : إذا انقطع دمها للبرء في وقت الظهرين ، أو العشاءين وجب الغسل إذا كان في وقت الصبح يوجبه ، فالمتوسطة من أسباب الغسل ، وإن تخلف الحكم لعارض.

وكل هذا لا يشفي ، لأن غايته أن يكون من أسباب الوضوء وحده تارة ، ومن أسباب الغسل أخرى ، فلا بد من ضمّ كلّ إلى بابه ، ليكون المذكور حاصرا لأسباب كل منهما.

__________________

(١) منهم : الشيخ المفيد في المقنعة : ٣ ، والشيخ في المبسوط ١ : ٢٦ ، والمحقق في الشرائع ١ : ١٧ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٤٢ ، والشهيد في البيان : ٥ وفيه : ( المزيل للحواس ) ، وغيرهم.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ١٦١ باب ٦٢ حديث ٤٧٧ ، سنن أبي داود ١ : ٥٢ حديث ٢٠٣ مسند أحمد بن حنبل ١ : ١١١ ، السنن الكبرى للبيهقي ١ : ١١٨.

(٣) المقنع : ٧.

(٤) الذكرى : ٢٥ ، الدروس : ٧ ، البيان : ٥ ، اللمعة : ٢١.

٨٣

والمستصحب للنواقض كالدود المتلطخ ناقض أمّا غيره فلا ، ولا يجب بغيرها كالمذي والقي‌ء وغيرهما.

ويجب الغسل بالجنابة ، والحيض ، والاستحاضة مع غمس القطنة ، والنفاس ،

______________________________________________________

قوله : ( والمستصحب للنواقض كالدود المتلطخ ناقض ، أما غيره فلا ).

في هذه العبارة مناقشة ما ، لأن المستصحب للنواقض ليس النقض مستندا اليه ، بل إلى ما صاحبه ، وكأنه ارتكب في ذلك ضربا من التجوّز لعدم اللبس ، والضمير في قوله : ( أما غيره ) يعود الى المستصحب لأنه المحدث عنه ، أو الى الدود لقربه.

قوله : ( ولا يجب بغيرها كالمذي ).

أراد بذلك الرد على من يقول بانتقاض الوضوء بغير هذه الأسباب ، من أصحابنا (١) ومن العامة (٢).

وما ورد في أخبارنا من وجوب الوضوء بغير ما ذكر ، مما لا يقول به الأصحاب ، أمّا لضعف الحديث ، أو لشذوذه (٣).

والمذي بالذال المعجمة : ماء رقيق أصفر ، يخرج عقيب شهوة الجماع والملاعبة غالبا.

والمذهب انه ليس بناقض ، وانه طاهر ، وقول ابن الجنيد بنقضه عقيب الشهوة ضعيف (٤) ، كما ضعف قول أبي حنيفة بالنقض بالقي‌ء إذا ملأ الفم (٥).

قوله : ( والاستحاضة مع غمس القطنة ).

لم يورد عليه شيخنا هاهنا وجوب التقييد في المتوسطة بوقت الصبح ، مع أنه وارد‌

__________________

(١) نسب في المختلف : ١٨ هذا القول لابن الجنيد.

(٢) ذهب الى ذلك أبو حنيفة كما في اللباب في شرح الكتاب ١ : ١٧ ، والشافعي في الأم ١ : ١٧.

(٣) انظر : ما رواه الشيخ الطوسي في التهذيب ١ : ١١ ، ١٢ ، ١٣ ، ٢٢ ، ٤٥ حديث ١٩ ، ٢٣ ، ٢٩ ، ٥٦ ، ١٢٧ ، والاستبصار ١ : ٨٢ ، ٨٥ ، ٨٦ ، ٨٨ حديث ٢٥٧ ، ٢٦٨ ، ٢٧٣ ، ٢٨٠ ، ٢٨٤.

(٤) المختلف : ١٨.

(٥) المبسوط للسرخسي ١ : ٧٥ ، وشرح فتح القدير ١ : ٣٤ ، وبداية المجتهد ١ : ٣٤ ، والمحلى ١ : ٢٥٧‌

٨٤

ومسّ الميت من الناس بعد برده قبل الغسل ، أو ذات عظم منه وان أبينت

______________________________________________________

عليه ، لما عرفت من أنها في غير الصبح من أسباب الوضوء خاصّة ، وليس له أن يقول : أراد أنّها من أسباب الغسل في الجملة ، لأن الظاهر أن المراد في جميع الأسباب ، أنها أسباب متى حصلت.

واعلم أن قوله : ( ويجب الغسل بالجنابة والحيض ) يحتاج إلى فضل تكلف ، لأن الحيض هو الدم ، والمراد بإيجاب الغسل به إيجابه بخروجه ، إذ لا معنى للإيجاب به نفسه ، لما عرفت من أن السبب هو الوصف.

والجنابة : هي الحالة التي تحصل بالإنزال أو بالجماع ، فهي غنية عن تقدير شي‌ء ، ولو قدرت معها الخروج الذي لا بد من تقديره مع الحيض فسد المعنى ، فحينئذ يجب أن تكون العبارة هكذا ، يجب الغسل بالجنابة ، وبخروج الحيض ، وأخويه ، إلى آخره.

قوله : ( ومس الميت من الناس بعد برده قبل الغسل ، أو ذات عظم منه وإن أبينت من حي ).

قيّد الميت بكونه من الناس ، لأن ميتة غير الآدمي لا يجب بمسها غسل ، وقيد المس بكونه بعد برد الميت بالموت ، إذ لو مسه حارّا لم يجب الغسل ، لأن الحرارة من توابع الحياة وللنص (١).

وقيده أيضا بكونه قبل الغسل ، كما دلّت الأخبار عليه ، في نحو خبر عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إذا مسّه وقبّله وقد برد ، فعليه الغسل ، ولا بأس أن يمسه بعد الغسل ويقبّله » (٢).

والمراد بالغسل : الغسل المعهود ، وهو المعتبر في حال الاختيار ، لأنه المتبادر الى الفهم ، ولأنه المطلوب شرعا ، وسقوط الطلب عن بعضه لتعذره لا يقتضي عدم اعتباره في مسمى الغسل ، ومن ثم لو غسّل للضرورة بغير خليط ، أو يمّم عن بعض الغسلات ، وأمكن الغسل المعتبر‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٦٠ حديث ١ ، ٢ ، التهذيب ١ : ٤٣٨ و ٤٣٩ حديث ١٣٦٤ ، ١٣٦٦‌

(٢) الكافي ٣ : ١٦٠ حديث ٣ ، التهذيب ١ : ١٠٨ حديث ٢٨٤ ، الاستبصار ١ : ٩٩ حديث ٢٢٢‌

٨٥

من حي ، وغسل الأموات ، ولا يجب بغيرها.

ويكفي غسل الجنابة عن غيره منها لو جامعه دون العكس ،

______________________________________________________

قبل الدفن ، كان المتجه وجوب الإعادة ، ولأن استصحاب ما كان قبل غسل الضرورة الى أن يحصل الناقل يقتضي ذلك.

فعلى هذا يندرج فيه : من لم يغسل أصلا بعد البرد ، ومن غسل فاسدا ، ومنه : تغسيل الكافر عند فقد المسلم إن قلنا به ، ومن سبق موته قتله وقد اغتسل ، أو قتل بغير السبب الذي اغتسل له ، ومن فقد في غسله أحد الخليطين ، والميمم ولو عن بعض الغسلات ، والكافر وإن فعل به صورة الغسل.

ويخرج عنه من لم يبرد بالموت ، ومن غسّل صحيحا ، وان تقدم الغسل إذا قتل بالسبب الذي اغتسل له ، والشهيد ، والمعصوم.

وفي عضو كمل الغسل بالنسبة إليه قولان ، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.

وحكم القطعة ذات العظم حكم الميت في ذلك ، سواء أبينت من حيّ أو ميّت ، وفي العظم المجرد قول بالمساواة لا بأس به.

فعلى هذا كل من يجب تغسيله يجب بمسّه الغسل ، ومن لا فلا.

وفي قوله : ( أو ذات عظم منه ، وإن أبينت من حيّ ) مناقشة ، لأن الضمير المجرور يعود الى الميت ، فعطف المبانة من حي بـ ( أن ) الوصلية حينئذ لا يستقيم.

قوله : ( وغسل الأموات ).

هو مبتدأ محذوف الخبر ، أي : واجب ، وإنما غيّر الأسلوب في العبارة لأن غسل الأموات ليس على نهج الأغسال السابقة ، ولا يخفى أن المراد الميت المسلم ومن بحكمه.

قوله : ( ويكفي غسل الجنابة عن غيره منها لو جامعه دون العكس ).

الضمير في قوله : ( منها ) يرجع الى الأغسال ، والمستتر في قوله : ( لو جامعه ) يرجع الى غسل الجنابة ، والآخر يعود الى الغير ،. ومعناه : انه إذا اجتمع على المكلف غسلان فصاعدا من هذه الأغسال ـ أحدهما غسل الجنابة ـ فإذا اغتسل غسل الجنابة كفى عن ذلك الغير وارتفع الحدث ، دون العكس ، فلو اغتسل عن ذلك الغير ولم يتوضأ ، فقد جزم المصنف بأنه لا يكفي عن الجنابة ، ويبقى على الحدث ، وقيل : بأنه‌

٨٦

______________________________________________________

يجزئ عن غسل الجنابة كما يجزئ غسل الجنابة عنه من غير احتياج إلى الوضوء.

أما وجه الفرض الأول مضافا الى الإجماع ، فهو أنّ الحدث ـ الذي هو عبارة عن النجاسة الحكمية ـ متحد ـ كما سننبه عليه ـ وإن تعددت أسبابه ، فإذا نوى ارتفاعه بالسبب الأقوى ارتفع بالإضافة إلى غيره ، وسيأتي ـ في دلائل الفرض الثاني ـ من الأخبار ما يصلح دليلا لهذا.

وأما وجه القول الأول من الفرض الثاني ـ وهو الذي جزم به المصنف ـ فهو : أن غسل الجنابة أكمل من غيره من الأغسال ، لأنه في قوّة طهارتين ، وغيره طهارة واحدة وأقوى ، لأنه يرفع الحدثين الأكبر والأصغر ، وغيره إنما يرفع حدثا واحدا ، والأضعف لا يقوم مقام الأقوى ، ولا يجزئ عنه للأصل.

ويدل على القول الثاني وجوه :

( أ ) : ان الأحداث التي هي أسباب الطهارة ، وإن تعددت ، فان مسببها ـ وهو النجاسة الحكمية ، التي هي المانع من الأشياء المخصوصة ، ويعبر عنها بالحدث أيضا ـ متحد ، وهي مشتركة في الدلالة عليه ، فإذا نوى المكلف الغسل لرفع الحدث ، مضافا الى واحد من الأسباب عند تعددها ، فقد نوى رفع ذلك المشترك فيجب ارتفاعه ، لأن « لكل امرئ ما نوى » (١) فيزول المانع المضاف الى جميعها.

بيان اتحاد المانع أنه لو تعدد لوجب لرفع كلّ واحد من أفراده غسل ، والتالي باطل ، فالمقدم مثله.

بيان الملازمة : أن الأسباب المتعددة إذا اجتمعت فالأصل عدم تداخل مسبباتها ، ومن ثم لم تتعدد الطهارة الصغرى بتعدد أسبابها. وفي بيان الملازمة نظر.

( ب ) : انه لو لم يكتف بغسل الحيض عن الجنابة مثلا عند اجتماعهما ، لم يكن لوجوب غسل الحيض فائدة أصلا ، وكان وجوده كعدمه ، والتالي ظاهر البطلان ، فالمقدم مثله.

بيان الملازمة : أن وجوب الغسلين معا ، إما أن يكون بمعنى تحتّمهما معا ، أو‌

__________________

(١) صحيح البخاري ١ : ٢ ، وسنن ابي داود ٢ : ٢٦٢ حديث ٢٢٠١.

٨٧

______________________________________________________

التخيير بينهما على أن يجزئ كل منهما عن الآخر في التعبد به ، أو بمعنى إجزاء أحدهما عن الآخر خاصة ، دون العكس ، والأول معلوم البطلان ، والفرض بطلان الثاني ، فتعيّن الثالث ، وحينئذ فلا يكون لوجوب ذلك الآخر فائدة ، لأنه لو أتى به لم يكن مجزئا ، ولو أتى بغيره أجزأ عنه ، وذلك يقتضي أن لا يكون لوجوبه فائدة ، وأن يكون وجوده كعدمه.

ويمكن أن يساق الدليل على وجه أوضح من هذا ، بأن يقال : لو لم يجزئ غسل الحيض عن الجنابة عند وجوبهما امتنع وجوبه ، والتالي واضح البطلان.

بيان الملازمة : أن وجوب الفعل يقتضي القطع بترتب الإجزاء على الإتيان به مشتملا على جميع وجوه الوجوب ، وسقوط الطلب عن المكلف ، وغسل الحيض على ذلك التقدير لا يترتب على فعله الإجزاء ، ولا سقوط الطلب والخروج عن عهدة التكليف ، وإنّما يترتب الإجزاء على فعل الغسل المقارن له ـ وهو الجنابة ـ ووجوده كعدمه ، فيكون التكليف به تكليفا بما لا يجزئ ، وهو محال ، فيمتنع.

أو يقال : وجوب غسل الحيض ـ على تقدير عدم اجزائه عن الجنابة ـ ليس واحدا من أقسام الوجوب ، فيجب انتفاؤه.

بيان الملازمة : أن الوجوب ينقسم باعتبار الفعل إلى الحتمي ، والمرتب ، والمخير ، ووجوب غسل الحيض في الفرض المذكور على تقدير عدم الاجزاء عن الجنابة ليس واحدا منها ، فينتفي وجوبه ، وإذا انتفى وجوبه ـ على تقدير عدم الاجزاء عن الجنابة ـ وجب بحكم العكس أن يجزئ عنه ، على تقدير الوجوب.

( ج ) : النص ، فمنه رواية حريز عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « إذا حاضت المرأة وهي جنب أجزأها غسل واحد » (١) فإن أريد إجزاء كل منهما عن الآخر فهو المدعى ، وإلا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وهو محال.

ومنه حسنة زرارة ، عن أحدهما عليهما‌السلام أنه قال في حديث طويل : « المرأة يجزئها غسل واحد لجنابتها ، وإحرامها ، وجمعتها ، وغسلها من حيضها ، وعيدها » (٢)

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٩٥ حديث ١٢٢٥ ، الاستبصار ١ : ١٤٦ حديث ٥٠٢‌

(٢) الكافي ٣ : ٤١ باب ٢٧ حديث ١ ، التهذيب ١ : ١٠٧ حديث ٢٦٩‌

٨٨

فان انضمّ الوضوء فإشكال ، ونيّة الاستباحة أقوى إشكالا.

______________________________________________________

وتقريبه ما تقدم.

وعليه إشكال : فإن الاكتفاء بغسل واحد ، بحيث يكفي عن الأغسال المندوبة إن كان مع اشتماله على نيّتها يلزم وقوع غسل واحد على وجهين متنافيين ، وإلاّ لزم وقوع عمل بغير نية ، مع لزوم استعمال الإجزاء في حقيقته ومجازه ، إذ هو حقيقة في الخروج عن عهدة الواجب ، فيمكن أن يراد بالواحد : الواحد في النوع ، مع أنه بعيد ، ولا ريب أن القول بالإجزاء قوي ، وهو مختار صاحب المعتبر (١) ، وشيخنا الشهيد (٢) ، والأول أحوط.

قوله : ( فان انضم الوضوء فإشكال ).

بناء على ما اختاره المصنف من الجزم بعدم إجزاء العكس تردد في الإجزاء على تقدير انضمام الوضوء إلى غير غسل الجنابة.

ومنشأ الاشكال من أن غير الجنابة مع الوضوء يكافئ غسل الجنابة ، لثبوت إباحة الصلاة ونحوها بكل واحد منهما عند الانفراد ، وكل من المتكافئين يقوم مقام الآخر فيجزي عنه ، ومن أن الغسل وحده لا يجزئ عن الجنابة لضعفه وقصوره ، والوضوء لا مدخل له في رفع حدث الجنابة ، فيبقى الحدث بحاله.

ولا شبهة في ضعف الوجه الأول ، لأن جزء السبب لا بد أن يكون صالحا للتأثير ، وليس للوضوء مدخل في رفع حدث الجنابة أصلا ، بل وجوده كعدمه ، وجزء السبب لا يكون سببا برأسه.

قوله : ( ونية الاستباحة أقوى إشكالا ).

المراد : أن عدم الإجزاء بالنسبة إليها أقوى إشكالا ، فيكون الإجزاء أقوى ، كما يدل عليه سوق العبارة ، حيث انتقل مما لا يجزئ عنده جزما الى ما في إجزائه إشكال ، استوى طرفاه ، ومقتضاه الانتقال الى ما يكون جانب الاجزاء فيه أقوى.

ومنشأ الاشكال : من أن غسله صالح لكل من الأضعف والأقوى ، والرفع إنما‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٦١‌

(٢) الذكرى : ٢٥‌

٨٩

ويجب التيمّم بجميع أسباب الوضوء والغسل ، وكلّ أسباب الغسل أسباب الوضوء إلاّ الجنابة فإن غسلها كاف عنه ، وغسل الأموات كاف عن فرضه.

______________________________________________________

يتحقق بانصرافه إلى الأقوى ، وانصرافه اليه ترجيح من غير مرجح ، ومن عموم قوله عليه‌السلام : « إنما لكل امرئ ما نوى » (١) وقد نوى بالاستباحة زوال المانع ، فيجب أن يحصل له ، وإنما يتحقق برفع حدث الجنابة فيرتفع ، وقوّة هذا الوجه ظاهرة.

ولو نوى رفع الحدث وأطلق فكالاستباحة ، وهذا كله بناء على أن العكس لا يجزئ.

قوله : ( ويجب التيمم بجميع (٢) أسباب الوضوء والغسل ).

أما وجوب التيمم بدلا من الغسل بجميع أسبابه فظاهر ، لان المتيمم بدلا من الغسل لو أحدث حدثا أصغر وجب عليه التيمم بدلا من الغسل لا من الوضوء على الأصح ، كما سيجي‌ء بيانه ، وأما التيمم بدلا من الوضوء فإنما يجب بأسباب الوضوء.

ولا ريب أن المتيمم لو وجد الماء وتمكن من استعماله في الطهارة انتقض تيممه ، فإذا فقد وجب التيمم ، فيكون التمكن من استعمال الماء سببا ناقضا لوجوب التيمم.

قوله : ( وكل أسباب الغسل أسباب الوضوء إلا الجنابة ، فإن غسلها كاف عنه ، وغسل الأموات كاف عن فرضه ).

لما كان غسل الجنابة لا يجامعه الوضوء لا فرضا ولا نفلا كان ضميمته إليه بدعة ، واكتفي بالغسل في استباحة الصلاة ، فمن ثم كان غسل الجنابة كافيا عن الوضوء ، لأنه يفيد فائدته ، فيكون حدث الجنابة بعد الوضوء ناقضا للوضوء ، غير موجب له.

وانما قلنا : ان الوضوء لا يجامعه مطلقا ، لرواية عبد الله بن سليمان قال : سمعت‌

__________________

(١) صحيح البخاري ١ : ٢ ، وسنن ابي داود ٢ : ٢٦٢ حديث ٢٢٠١.

(٢) ورد في هامش النسخة المعتمدة ما لفظه : « يجب أن يكون الحكم على طبيعة التيمم لا على كل فرد فرد ، لان كل فرد فرد لا يجب بجميع موجبات الوضوء والغسل « منه مد ظله ».

٩٠

______________________________________________________

أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « الوضوء بعد الغسل بدعة » (١) ومرسلة ( محمد بن ) أحمد ابن يحيى : « الوضوء قبل الغسل وبعده بدعة » (٢).

والمراد : غسل الجنابة ، لرواية محمد بن مسلم ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن أهل الكوفة يروون عن علي عليه‌السلام أنه كان يأمر بالوضوء قبل الغسل من الجنابة ، قال : « كذبوا على عليّ عليه‌السلام » (٣) الحديث ، ولا شك أن إطلاق الروايتين الأوليين يقتضي كون الوضوء بدعة ، سواء كان واجبا أو مندوبا.

ونزّلهما الشيخ في التهذيب (٤) على الوضوء واجبا ، وأفتى باستحباب الوضوء مع الغسل ، محتجا برواية أبي بكر الحضرمي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، وقد سأله : كيف أصنع إذا أجنبت؟ فقال : « اغسل كفك وفرجك ، وتوضأ » (٥) الحديث.

وجوابه : أن تنزيل هذه على التقية ، واجراء الروايتين على ظاهرهما أولى ، لأن ظاهرهما وجوب الوضوء ، وهو موافق لمذهب العامة (٦).

والذي عليه الأصحاب نفي استحباب الوضوء ، قال المصنف في المنتهى (٧) : لا يستحب الوضوء عندنا فيه ، خلافا للشيخ في التهذيب (٨) وعبارة الكتاب تنفيه أيضا ، حيث نفى الوضوء مع غسل الجنابة ، ونفى فرضه مع غسل الأموات ، فظهر من تقييده في الثاني إرادة الإطلاق في الأول.

وأمّا غسل الأموات فإنما يكفي عن فرض الوضوء ، أي لا يجامعه الوضوء واجبا ، كما هو مذهب أكثر الأصحاب (٩) ، وهو الأصح لقول الصادق عليه‌السلام في‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٥ حديث ١٢ ، التهذيب ١ : ١٤٠ حديث ٣٩٥.

(٢) التهذيب ١ : ١٤٠ حديث ٣٩٤ ، الاستبصار ١ : ١٢٦ حديث ٤٣٠‌

(٣) التهذيب ١ : ١٤٢ حديث ٤٠٠ ، الاستبصار ١ : ١٢٥ ـ ١٢٦ حديث ٤٢٦‌

(٤) التهذيب ١ : ١٤٠ ذيل حديث ٣٩٣ ، وكذا الاستبصار ١ : ١٢٦ ذيل حديث ٤٢٩‌

(٥) التهذيب ١ : ١٤٠ حديث ٣٩٣ ، الاستبصار ١ : ١٢٦ ذيل حديث ٤٢٩‌

(٦) انظر : الام ١ : ٤٢ ، والمجموع ٢ : ١٨٦ ، وعمدة القارئ ٣ : ١٩١ ، ومغني المحتاج ١ : ٧٦.

(٧) المنتهى ١ : ٩٠.

(٨) التهذيب ١ : ٣٠٢ حديث ٨٧٨ ، الاستبصار ١ : ٢٠٦ ـ ٢٠٧ حديث ٧٢٦‌

(٩) كالشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ١٦١ مسألة ٧ كتاب الجنائز ، وابن إدريس في السرائر : ٣١‌

٩١

______________________________________________________

عدة أخبار : « يوضأ وضوء الصلاة » (١) وهو منزل على الاستحباب لأصالة البراءة من الوجوب ، ولأن الجملة الخبرية غير صريحة في الوجوب ، مع أن أكثر الأصحاب على نفي الوجوب.

وقيل بالوجوب لظاهر قوله عليه‌السلام : « في كلّ غسل وضوء ، إلا الجنابة » (٢) ونقل سلار عن شيخه : أنه لا يرى وضوءه (٣) ، والعمل على الاستحباب.

* * *

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٠٢ حديث ٨٧٨ و ٨٧٩ ، والاستبصار ١ : ٢٠٦ ـ ٢٠٧ حديث ٧٢٦ ـ ٧٢٧.

(٢) الكافي ٣ : ٤٥ حديث ١٣ ، التهذيب ١ : ١٣٩ حديث ٣٩١ ، الاستبصار ١ : ١٢٦ حديث ٤٢٨ وفي المصادر كلها « كل غسل قبله وضوء إلا الجنابة ».

(٣) المراسم : ٤٨.

٩٢

الفصل الثالث : في آداب الخلوة وكيفية الاستنجاء

يجب في البول غسله بالماء خاصة أقلّه مثلاه ،

______________________________________________________

قوله : ( أقله مثلاه ).

هذا هو المشهور بين الأصحاب ، وبه رواية نشيط بن صالح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته كم يجزئ من الماء في الاستنجاء من البول؟ قال : « مثلا ما على الحشفة من البلل » (١) ولا يضرّ قدح المصنف فيها ـ بأن في طريقها مروك بن عبيد ، وليس بمعلوم حاله ـ لاشتهار مضمونها بين الأصحاب.

والظاهر أن المراد وجوب غسل مخرج البول مرتين ، والتعبير بالمثلين لبيان أقل ما يجزئ ، وقد وردت عدّة أخبار بوجوب غسل البول مرتين (٢) ، فهي مؤيّدة لهذه الرواية. وأنكر بعض الأصحاب وجوب المثلين ، واكتفى بالغسل مرّة ، سواء كان مثلين أو أقل (٣) ، استضعافا للرواية ، وشيخنا في البيان قال : ان الاختلاف في مجرّد العبارة (٤) ، وليس بجيد.

وفي الذكرى اعتبر الفصل بين المثلين (٥) ، والظاهر أنه أراد به تحقق الغسلتين ، فهو اعتراف بأن الخلاف معنوي ، وفي الدروس اعتبر الغسل بما يزيل العين ويرد بعد الزوال (٦) ، وهو كما في الذكرى ، والعمل على المشهور.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٥ حديث ٩٣ ، الاستبصار ١ : ٤٩ حديث ١٣٩.

(٢) منها ما رواه في الكافي ٣ : ٢٠ حديث ٧ ، التهذيب ١ : ٢٤٩ حديث ٧١٤ ، السرائر : ٤٧٣.

(٣) منهم المرتضى في الانتصار : ١٦ ، وجمل العلم والعمل : ٥٠ ، وأبو الصلاح في الكافي في الفقه : ١٢٧ ، والشيخ في الجمل والعقود : ١٥٧.

(٤) البيان : ٦‌

(٥) الذكرى : ٢١‌

(٦) الدروس : ٢‌

٩٣

وفي الغائط المتعدي كذلك حتى تزول العين والأثر ،

______________________________________________________

وما اعتبره في الذكرى ، من اشتراط تخلل الفصل بين المثلين ، ليتحقق تعدد الغسل (١) حق ، لا لأن التعدد لا يتحقق إلاّ بذلك ، بل لأن التعدد المطلوب بالمثلين لا يوجد بدون ذلك ، لأن ورود المثلين دفعة واحدة غسلة واحدة ، ولو غسل بأكثر من المثلين بحيث تراخى أجزاء الغسل بعضها عن بعض في الزمان ، لم يشترط الفصل قطعا.

إلاّ أن هنا سؤالا ، وهو أن الغسل إنما يتحقق إذا ورد الماء على محل النجاسة شاملا له ، مع الغلبة والجريان ، وذلك منتف مع كلّ واحد من المثلين ، فان المماثل للبلل الذي على الحشفة كيف يكون غالبا عليه؟

والذي سنح لي في الاعتذار عن هذا هو : أن الحشفة تتخلف عليها بعد خروج البول قطرة ، فلعل المماثلة بين هذه وبين الماء المغسول به ، ولا ريب أن القطرة يمكن إجراؤها على المخرج ، وأغلبيّتها ـ على البلل الذي يكون على حواشي المخرج ـ طاهر.

واعلم : أنه يجب على الأغلف في الاستنجاء من البول كشف البشرة ، وتطهير محل النجاسة لأن ما تحتها من الظواهر ، ولو ارتتقت أمكن القول بوجوب التوصل اليه بحسب الممكن ، وقد صرّح المصنف في المنتهى (٢) وشيخنا في الذكرى (٣) ، بإلحاقه بالبواطن ، فيغسل ما ظهر ، وللنظر فيه مجال.

وكذا يجب على الثيب أن تغسل ما يبدو من الفرج عند الجلوس على القدمين ، ولو علمت وصول البول إلى مخرج الولد والحيض غسلت ما ظهر منه وجوبا.

قوله : ( حتى تزول العين والأثر ).

المراد بالعين معلوم ، وأما الأثر : فهو في الأصل رسم الشي‌ء وبقاياه ، والمراد به هنا ، هو ما يتخلف على المحل عند مسح النجاسة وتنشيفها ، وليس المراد به الرطوبة التي تتخلف بعد قلع جرم النجاسة لأن ذلك من العين ، وانما وجب إزالة الأثر لأن الغسل يأتي عليه ، بخلاف الاستجمار.

__________________

(١) الذكرى : ٢١‌

(٢) المنتهى ١ : ٤٣‌

(٣) الذكرى : ٢١‌

٩٤

ولا عبرة بالرائحة.

وغير المتعدّي يجزي ثلاثة أحجار وشبهها من خرق ، وخشب ، وجلد مزيلة للعين ،

______________________________________________________

قوله : ( ولا عبرة بالرائحة ).

يدل على ذلك ما روي عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام (١) ، واعترض على ذلك شيخنا ، بأن وجود الرائحة يرفع أحد أوصاف الماء ، وذلك يقتضي النجاسة (٢).

وأجاب مرّة بالعفو عن الرائحة للنص والإجماع ـ وفي الدلالة نظر ـ واخرى بأن الرائحة إن كان محلّها الماء نجس لانفعاله ، وان كان محلها اليد أو المخرج فلا حرج ، وهذا أجود ، وعليه تنزّل الرواية وكلام الأصحاب ، ولو شك فالعفو بحاله.

قوله : ( وشبهها من خرق وخشب وجلد ).

ربما أفاد حصر الشبه فيما ذكره ، نظرا الى أن ( من ) إمّا للتبيين أو للتبعيض ، وكلاهما يعطي ذلك ، فكان ينبغي أن تكون العبارة أشمل ممّا ذكره ، كأن يقول : من نحو خرق وخشب.

واعلم : أنه لا فرق في الجلد بين أن يدبغ أم لا ، كما يستفاد من إطلاق اللفظ.

ويحتمل أن يقال : ما لم يدبغ من قبيل المحترم لأنه مطعوم ، فإن أكل الجلد مع اللحم شائع في السخال (٣) وفي غيرها في بعض البلدان كمصر ، وهو بعيد ، إذ ليس مقصودا بالأكل عادة.

قوله : ( مزيلة للعين ).

احترز به عما يكون صقيلا جدا يزلق عن النجاسة ، أو خشنا جدا لا يمكن الاعتماد عليه في قلعها ، أو رخوا كذلك ، ويستفاد من قوله : ( مزيلة للعين ) أن زوال‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٧ حديث ٩ ، التهذيب ١ : ٢٨ حديث ٧٥‌

(٢) قال السيد العاملي في المفتاح ١ : ٤٤ ( وقال الفاضل الكركي : لو شك في أن الرائحة في الماء أو غيره فالعفو بحاله ، ونقل هو وصاحب المدارك والدلائل عن الشهيد انه استشكل بأن وجود الرائحة ان كان محلها الماء نجس لانفعاله ).

(٣) جمع سخل ، يقال لأولاد الغنم ساعة تضعه ، من الضأن والمعز جميعا ذكرا كان أو أنثى ، الصحاح ( سخل ) ٥ : ١٧٢٨.

٩٥

والماء أفضل ، كما أنّ الجمع في المتعدي أفضل. ويجزئ ذو الجهات الثلاث ،

______________________________________________________

الأثر في الأحجار غير لازم لتعذره ، فيعفى عنه ، حتى لو عرض للمحل بلل بعد ذلك كان طاهرا.

قوله : ( والماء أفضل ، كما أن الجمع في المتعدي أفضل ).

إن قيل : الماء أحد الواجبين تخييرا فكيف يكون أفضل؟ قلنا : الوجوب التخييري لا ينافي الاستحباب العيني ، لأن متعلق الوجوب في المخيّر ليس عين واحد من الافراد ، بل الأمر الكلي ـ كما حقق في الأصول (١) ـ فتعلق الاستحباب والأفضلية بواحد منها لا محذور فيه.

وأورد : ان الجمع في غير المتعدي أيضا أفضل ، فلم خص المتعدي بالذكر؟

وأجيب : بأن الأفضل في غير المتعدي هو الماء ، وأما الجمع بينه وبين الأحجار فيه فإنه أكمل ، لانه المرتبة الثانية في الفضل ، فحاول المصنف الإشعار بمرتبة كل واحد في الفضل.

ووجه أفضلية الماء على الأحجار ظاهر ، فإنه يزيل العين والأثر بخلافها ، وأما وجه أفضلية الجمع فأظهر ، فإن فيه تنزيها لليد عن مخامرة (٢) النجاسة ، وقد اثنى الله تعالى على أهل قبا بمحبة التطهير لذلك (٣).

قوله : ( ويجزئ ذو الجهات الثلاث ).

هذا أصح القولين (٤) ، لأنه ثلاثة أحجار قوة ، ولان المطلوب تعدد موضع‌

__________________

(١) ورد في هداية المسترشدين : ٢٤٨ ما لفظه : ( ومنها ان الواجب في المقام مفهوم أحدهما والمنع من الترك حاصل بالنسبة اليه واختاره جماعة من الخاصة والعامة منهم العلامة في النهاية ونهج الحق والسيد العميدي والشهيد والمحقق الكركي وشيخنا البهائي والمحقق الخونساري والحاجبي والبيضاوي وعن القاضي حكاية إجماع سلف الأمة عليه وحكاه في العدة عن شيخنا المفيد وعزاه في نهج الحق إلى الإمامية مؤذنا بإطباقهم عليه.

(٢) المخامرة : المخالطة ، انظر الصحاح ( خمر ) ٢ : ٦٥٠.

(٣) التبيان ٥ : ٣٠٠ ، مجمع البيان ٣ : ٧٣.

(٤) ذهب الى الاجزاء الشيخ في المبسوط ١ : ١٧ ، والمحقق في المعتبر ١ : ١٣١ ، وذهب الى عدم الاجزاء ابن البراج في المهذب ١ : ٤٠ وقيده بما إذا لم يقدر على ثلاثة أحجار ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٢٧ ، والشهيد في الدروس : ٢.

٩٦

والتوزيع على أجزاء المحل ، وان لم ينق بالثلاثة وجب الزائد ، ويستحب الوتر ، ولو نقي بدونها وجب الإكمال.

______________________________________________________

المسح ، كما دل عليه قوله عليه‌السلام في بعض الأخبار : « فليتمسح ثلاث مسحات » (١).

وقيل : لا يجزئ ، وقوفا مع ظاهر النص الوارد بثلاثة أحجار (٢).

وجوابه : أن الحكم مستفاد من نصّ آخر ، على أن ظاهره ـ لو أريد ـ لم يجز إلا الأحجار دون الخرق ونحوها.

قوله : ( والتوزيع على أجزاء المحل ).

هذا أحد القولين (٣) ، ومعناه المسح ببعض أدوات الاستنجاء بعض محل النجاسة ، وببعض آخر بعضا آخر ، وبما بقي ما بقي ، مع حصول النقاء المعتبر.

ووجه إجزائه تناول إطلاق النص له ، وليس في شي‌ء من النصوص ما يدل على استيعاب المحل كلّه بجميع المسحات.

وقيل (٤) : بعدم الاجزاء ، لأنه خلاف المتبادر من الإطلاق ، ولأن الثلاث حينئذ ، في قوّة مسحة واحدة ، وهذا أحوط القولين.

قوله : ( ولو نقي بدونها وجب الإكمال ).

هذا أصح القولين (٥) ، لإطلاق النصوص اعتبار مسحات ثلاث (٦) ، فيجب الوقوف معها ، ولأن زوال النجاسة حكم شرعي ، فيتوقف على سببه الشرعي.

وقيل : لا يجب ، لأن المعتبر النقاء وقد حصل (٧). وفيه منع ، وإنما المعتبر‌

__________________

(١) في التهذيب ١ : ٤٦ ، ٢٠٩ حديث ١٢٩ ، ٦٠٤ ، ورد مضمون الحديث ، وورد النص في مسند أحمد ٣ : ٣٣٦.

(٢) قاله جماعة منهم : الشيخ في النهاية : ١٠ ، وابن إدريس في السرائر : ١٦ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٥.

(٣) قاله الشيخ في المبسوط ١ : ١٧ ، والشهيد في الذكرى : ٢٠.

(٤) القول للمحقق الحلي في شرائع الإسلام ١ : ١٩.

(٥) قاله ابن إدريس في السرائر : ١٦ ، والمحقق في الشرائع ١ : ١٩.

(٦) التهذيب ١ : ٤٦ حديث ١٢٩ ـ ١٣٠.

(٧) قاله جماعة منهم : الشيخ في النهاية : ١٠ والخلاف ١ : ١٠ مسألة ٤٩ كتاب الطهارة ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٥.

٩٧

ولا يجزئ المستعمل ، ولا النجس ، ولا ما يزلق عن النجاسة.

ويحرم بالروث ، والعظم ، وذي الحرمة كالمطعوم ، وتربة الحسين عليه‌السلام ويجزئ.

______________________________________________________

النقاء على الوجه المخصوص ، فعلى هذا ، هل الحكم بطهارة المحل موقوف على الإكمال ، أم الطهارة دائرة مع النقاء ، والإكمال واجب؟

الظاهر الأول لما قلناه ، فلو تركه وصلّى لم تصح صلاته.

قوله : ( ولا يجزئ المستعمل ، ولا النجس ).

إنما لا يجزئ المستعمل إذا كان نجسا ، حتى لو طهر جاز استعماله ثانيا ، فالجمع بينه وبين النجس لا فائدة فيه.

ويمكن أن يقال : المستعمل بعد نقاء المحل بما دون الثلاث ليس بنجس مع صدق الاستعمال عليه ، ففائدة الجمع : التنبيه على عدم إجزائه. وفيه بعد ، بل الظاهر إجزاؤه لانتفاء المانع ، فإنه طاهر.

قوله : ( ويحرم بالروث ، والعظم ).

لورود النهي عن الاستنجاء بهما ، معلّلا بأنهما طعام الجن ودوابهم (١) ، ومنه يستفاد تحريم الاستنجاء بمطعوم الانس.

قوله : ( وتربة الحسين عليه‌السلام ).

يوجد في عبارة بعض الأصحاب : ما كتب عليه القرآن ، وفيه شي‌ء ، فان هذا يقتضي كفر فاعله. وفي التربة المقدسة ، إن دل استعمالها على الاستخفاف بالحسين عليه‌السلام كذلك.

قوله : ( ويجزئ ).

أي : كل واحد من الأمور المذكورة ، من الروث وما بعده ـ وهذا أصح القولين (٢) ـ لعدم المنافاة بين النهي والاجزاء في نحوه مما ليس بعبادة ، إذ ليس مطلوبا‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٠ حديث ٥٨ ، التهذيب ١ : ٣٥٤ حديث ١٠٥٣.

(٢) ذهب إليه العلامة في المختلف : ١٩ ، والشهيد في الذكرى : ٢١.

٩٨

ويجب على المتخلّي ستر العورة. ويحرم استقبال القبلة واستدبارها مطلقا ،

______________________________________________________

للقربة فينافيه النهي ، كما لو استنجى بحجر أو ماء مغصوبين ، وقيل : لا يجزئ للنهي (١).

وقد عرفت أنه إنما يقتضي الفساد في العبادة المطلوبة للقربة ، لا مطلقا.

قوله : ( ويجب على المتخلي ستر العورة ).

أي : جلوسه بحيث لا ترى عورته ، ومعلوم : أن ذلك حيث يكون النظر محرما ، فالزوجة والمملوكة التي يباح وطؤها ، ومن حضوره وغيبته سواء ، من الحيوان والطفل الذي لا يميز ، لا يجب التستر عنهم.

قوله : ( ويحرم استقبال القبلة واستدبارها مطلقا ).

المراد : الاستقبال والاستدبار بالبدن في حال قضاء الحاجة ، وتوهم بعضهم أن تحريم ذلك منوط بالعورة حتى لو حرفها زال المنع (٢) ليس بشي‌ء ، لدلالة النصوص صريحا على ما قلناه.

والمراد بالقبلة : العين للقريب ، والجهة للبعيد ، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.

وأراد بقوله : ( مطلقا ) استواء الصحراء والبنيان في التحريم.

وقال بعض الأصحاب بكراهة الاستقبال والاستدبار مطلقا (٣).

وبعضهم بالتحريم في الصحراء ، والكراهة في البيان (٤) ، وهما ضعيفان.

واعلم : ان الاستقبال والاستدبار بالنسبة إلى القائم والجالس معلوم ، أمّا بالنسبة إلى المضطجع والمستلقي ، فإن بلغ بهما العجز الى هذا الحد ، فلا بحث في ان الاستقبال والاستدبار ـ بالنسبة إليهما في التخلي ـ يحال على استقبالهما في الصلاة ، والا ففيه تردد ينشأ من أن هذه حالة استقبال واستدبار في الجملة ، ومن أن ذلك إنما هو‌

__________________

(١) ذهب اليه الشيخ في المبسوط ١ : ١٦ ، والمحقق في المعتبر ١ : ١٣٢ ، والشرائع ١ : ١٩.

(٢) يلوح هذا المذهب من كلام الشيخ في المبسوط ١ : ١٦ ، وقاله الشهيد في الألفية : ٣٧.

(٣) نسبه العلامة في التذكرة ١ : ١٢ لابن الجنيد.

(٤) ذهب اليه سلار في المراسم : ٣٢.

٩٩

وينحرف في المبني عليهما. ويستحب ستر البدن ، وتغطية الرأس ، والتسمية ، وتقديم اليسرى دخولا واليمنى خروجا ، والدعاء عندهما وعند الاستنجاء والفراغ منه. والاستبراء في البول للرجل ،

______________________________________________________

بالنسبة إلى العاجز ، ولهذا لو حلف ليستقبلن لم يبرأ بهذه الحالة مع القدرة على غيرها ، ولعل هذا أقرب.

قوله : ( وينحرف في المبني عليهما ).

أي : وجوبا ، بحيث يخرج عن الاستقبال والاستدبار.

قوله : ( ويستحب ستر البدن ).

المراد به : جلوسه للحاجة حيث لا يرى ، إما بان يلج حفيرة ، أو يدخل بنيانا ، أو يبعد بحيث لا يرى.

قوله : ( والتسمية ).

المراد بها قول : ( بسم الله وبالله ، أعوذ بالله من الرجس النجس ، الى آخره ) (١).

قوله : ( وتقديم اليسرى دخولا ).

هذا في البنيان ظاهر ، أمّا في الصحراء فلا يصدق الدخول والخروج ، ويمكن أن يقال : التقديم هنا منوط بموضع الجلوس ، على ما فيه من التكلف.

قوله : ( والاستبراء في البول للرجل ).

قال الشيخ في الاستبصار بوجوبه ، وبه رواية محمولة على الاستحباب (٢) ، وتقييده بالرجل يشعر بعدم استحبابه للمرأة ، وقوفا مع ظاهر النص ، وربما قيل باستحبابه لها ، فتستبرئ عرضا (٣). فان قلنا به ، فهل تتعدى إليها فائدته ، بحيث يحكم‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٦ حديث ١ ، التهذيب ١ : ٢٥ حديث ٦٣ مع اختلاف يسير في المصدرين ، وفي السرائر : ١٦ (. فالمستحب أن يقول : أعوذ بالله من الرجس النجس ـ بكسر الراء من الرجس وكسر النون من النجس ـ لأن هذه اللفظة إذا استعملت مع الرجس قيل : رجس نجس بخفض الراء والنون ، وإذا استعملت مفردا قيل : نجس بفتح النون والجيم معا ... ).

(٢) الاستبصار ١ : ٤٩ حديث ١٣٨.

(٣) قاله العلامة في المختلف : ٢٠.

١٠٠