جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

ويتيمم للخسوف بالخسوف ، وللاستسقاء بالاجتماع في الصحراء ، وللفائتة بذكرها. ولو تيمم لفائتة ضحوة جاز أن يؤدي الظهر في أول الوقت‌ على اشكال ..

______________________________________________________

حمل تلك على استحباب التأخير ، بل الترجيح هنا نظرا إلى إطلاق الآية والأصل ، وعموم أفضلية أول الوقت مع الاعتضاد بمثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أينما أدركتني الصّلاة تيممت وصلّيت » (١) ، وهو صريح في الدلالة على الجواز مع السّعة مطلقا.

وإلى هذا القول ذهب ابن بابويه (٢) والمصنّف في المنتهى (٣) وقوة دليله ظاهرة ، إلاّ أنّ القول بالتّفصيل أولى ، لأنّ فيه مع الجمع بين الأدلّة عملا بكل من القولين ، فالمصير إليه أظهر.

قوله : ( وللاستسقاء بالاجتماع في الصّحراء ).

لأنّ ذلك وقت فعلها ولا يتوقف على اصطفافهم ، قال في الذّكرى : والأقرب جوازه بإرادة الخروج إلى الصّحراء لأنّه كالشّروع في المقدّمات (٤) ، وفيما قاله قوة ، لأنّ السّعي إلى الصّلاة بعد حضور وقتها حقه أن يكون على طهارة.

واحتمل الجواز بطلوع الشّمس في اليوم الثّالث ، لأن السبب الاستسقاء ، وهذا وقت الخروج فيه. وهو بعيد ، لأنّه لو سلم أنّ هذا هو الوقت ، فلا بد من مراعاة التضيق إذا رجي زوال العذر ، وبهذا يظهر أنّ العمل بالأوّل أقوى.

قوله : ( وللفائتة بذكرها ).

لأنّه وقتها ، ولا يراعى الضيق هنا على القول بأنّ القضاء موسع لما فيه من التّعزير بالقضاء ، ولأن السّعة هنا غير مستفادة من تحديد الوقت ، بل من عدم الفوريّة.

قوله : ( ولو تيمّم لفائتة ضحوة جاز أن يؤدي الظهر في أول وقتها ، على إشكال ).

__________________

(١) سنن البيهقي ١ : ٢٢٢ ، مسند أحمد ٢ : ٢٢٢.

(٢) المقنع : ٨ ، الفقيه ١ : ٦٠.

(٣) المنتهى ١ : ١٤٠.

(٤) الذكرى : ١٠٦.

٥٠١

______________________________________________________

ذكر الضحوة على طريق التمثيل ، فان التيمّم للفائتة قبل دخول شي‌ء من أوقات الحاضرة ـ أي وقت كان ـ كذلك ، ومثله ذكر الفائتة لأنّ التيمّم للكسوف أو لنافلة كالاستسقاء ، ومطلق الصّلاة أيضا هكذا ، وكذا القول في التقييد بالظهر ، واحترز بأدائها في أوّل وقتها عن فعلها في آخره بهذا التيمّم فإنّه يجوز قطعا ، لأن تيمما واحدا يجوز أن يصلّى به عدّة صلوات عندنا.

وحكى ولد المصنّف قولا بأنّه لا يجوز فعلها في آخر الوقت بهذا التيمّم ، وعلله بأنّ التيمّم للصّلاة قبل وقتها لا يصحّ إجماعا ، فحين إيقاع هذا التيمّم لا يكون مبيحا لصلاة الظهر ، ولا تصحّ نية إباحتها به ، وكذا عند آخر الوقت لعدم صفة زائدة فيه (١).

وليس بشي‌ء ، لأن عدم ترتّب إباحة الظّهر عليه لعدم دخول وقتها لا يقتضي عدم ترتّبها مطلقا كما في الطّهارة المائية ، نعم على القول بأن التيمّم إنّما يبيح صلاة واحدة يتجه ذلك.

إذا تقرر ذلك ، فاعلم أنّه في مسألة الكتاب لا إشكال في جواز فعل الظّهر في أوّل وقتها على القول بصحة التيمّم مع السعة مطلقا ، وكذا إذا كان العذر غير مرجوّ الزوال على القول بالتّفصيل ، أما إذا كان العذر مرجو الزوال على هذا القول ، أو مطلقا على القول بوجوب مراعاة التضيق فهو موضع الاشكال ، وإطلاق المصنّف منزّل على ما إذا كان العذر مرجوّ الزّوال بناء على ما اختاره سابقا.

ومنشأ الاشكال من أن المقتضي لوجوب التّأخير ـ وهو إمكان استعمال الماء ـ موجود ، والمانع منتف ، إذ ليس إلاّ كون التيمّم صحيحا وهو غير صالح للمانعية ، ومن احتمال كون المقتضي لوجوب التّأخير هو عدم صحّة التيمّم مع السّعة إذا رجي زوال العذر ، وهو منتف هنا للحكم بصحّته لصلاة آخرى ، فينتفي وجوب التّأخير.

والحاصل : إن منشأ الاشكال راجع الى الشّك في المقتضي لوجوب التأخير من الأمرين المذكورين ، فان دلّ دليل على كونه هو الأوّل لم يجز فعلها في أوّل الوقت ، وإن كان الثّاني جاز.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٧٠.

٥٠٢

ولا تشترط طهارة البدن عن النجاسة ، ولو تيمم وعلى بدنه نجاسة جاز ، ولا يعيد ما صلاّه بالتيمم في سفر أو حضر

______________________________________________________

والأظهر هو الأوّل لقوله عليه‌السلام : « فليطلب ما دام في الوقت ، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم وليصل » (١) ، أمر بالطلب ما دام في الوقت ، واشترط في فعل الصّلاة خوف فوات الوقت لأنّه اشترط ذلك في فعل التيمّم وفي فعل الصّلاة ، ولا يلزم من انتفاء التأخير بالنسبة إلى التيمّم لسبق فعله انتفاؤه بالنسبة إلى فعل الصّلاة استصحابا لما كان ، وكذا قوله عليه‌السلام : « فان فاتك الماء لم يفتك التّراب » (٢) يدل على أنّ التّأخير للطمع في الماء ، ومختار المصنّف في التذكرة (٣) الجواز ، وهو قول الشيخ في المبسوط (٤).

قوله : ( ولا تشترط طهارة البدن عن النّجاسة ، فلو تيمّم وعلى بدنه نجاسة جاز ).

النّجاسة إن كانت في محلّ التيمّم فازالتها شرط لصحته قطعا ، وليس في عبارة المصنّف في هذا الباب ما يتعلق بذلك نفيا ولا إثباتا ، وقوله هنا : ( فلو تيمّم وعلى بدنه نجاسة ) يقتضي أن يكون في غير محلّ التيمّم ، وإطلاق عبارته يقتضي جواز التيمّم مع نجاسة غير محلّ الفرض ، سواء كان العذر مرجو الزّوال أم لا ، وقد سبق في كلامه في باب الاستنجاء ما يخالف ذلك ، وقد حققنا المسألة هناك.

قوله : ( ولا يعيد ما صلاه بالتيمّم في سفر أو حضر ).

لأنّه أتى بالمأمور به على وجهه لأنّه المفروض فيجزئ ، والإعادة تحتاج إلى دليل.

وقال بعض العامّة بوجوب إعادة ما صلاّه بالتيمّم لفقد الماء حضرا (٥).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦٣ حديث ٢ ، التهذيب ١ : ١٩٢ ، ٢٠٣ حديث ٥٥٥ ، ٥٨٩ ، الاستبصار ١ : ١٥٩ ، ١٦٥ حديث ٥٤٨ ، ٥٧٤.

(٢) الكافي ٣ : ٦٣ حديث ١ ، التهذيب ١ : ٢٠٣ حديث ٥٨٨ ، الاستبصار ١ : ١٦٥ حديث ٥٧٣ وفي الجميع ، ( لم تفتك الأرض ).

(٣) التذكرة ١ : ٥٣.

(٤) المبسوط ١ : ٣٠.

(٥) المجموع ٢ : ٣٠٥.

٥٠٣

تعمّد الجنابة أو لا ، منعه زحام الجمعة أو لا ، تعذّر عليه إزالة النجاسة عن بدنه أو لا.

______________________________________________________

قوله : ( تعمّد الجنابة أو لا ).

أي : سواء تعمّد الجنابة في حال عجزه عن الغسل فتيمّم وصلّى ، أم لم يكن كذلك بأن كانت جنابته لا عن عمد ، وقيل بوجوب إعادة المتعمّد (١) ، والأصحّ العدم لتحقّق الامتثال وعموم الأخبار (٢) ، وقد سبق التّنبيه عليه.

ويجب أن يستثني منه ما إذا تعمّد الجنابة بعد دخول الوقت وهو غير طامع في الماء للغسل ، فإنّه بمنزلة من أراق الماء في الوقت ، وقد سبق في كلام المصنّف وجوب الإعادة عليه.

قوله : ( منعه زحام الجمعة أو لا ).

أي : وسواء منعه زحام الجمعة عن الخروج للإتيان بالطهارة المائية فتيمّم ، أو لم يكن تيممه لذلك لا إعادة عليه لتحقّق الامتثال المقتضي للاجزاء ، والإعادة بأمر جديد ، وقال الشيخ : يعيد (٣). وكذا الممنوع بزحام عرفة تعويلا على رواية السّكوني ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (٤) ، وفيه ضعف.

قوله : ( تعذّر عليه إزالة النّجاسة عن بدنه أو لا ).

أي : وسواء تعذّر عليه إزالة النّجاسة عن بدنه لعدم الماء فتيمّم وصلّى ، أو لم يكن تيمّمه لذلك ، فإنّه لا يعيد على الأصحّ لمثل ما قلناه ، وقال الشّيخ بإعادة المتيمّم ذي النّجاسة على بدنه أو ثوبه إذا لم يجد ماء يغسلها به ، ولم يتمكّن من نزع الثوب والصّلاة عاريا (٥) ، تعويلا على رواية عمّار ، عن الصّادق عليه‌السلام (٦) ، وعمّار ضعيف ، والأصحّ عدم الإعادة.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٣٠.

(٢) الكافي ٣ : ٦٣ ، والفقيه ١ : ٥٧ الحديث ٢١٣ ، والمحاسن : ٣٧٢.

(٣) المبسوط ١ : ٣١.

(٤) التهذيب ١ : ١٨٥ حديث ٥٣٤ ، الاستبصار ١ : ٨١ حديث ٢٥٤.

(٥) المبسوط ١ : ٣٥.

(٦) التهذيب ١ : ٤٠٧ حديث ١٢٧٩ و ٢ : ٢٢٤ حديث ٨٨٦ ، الاستبصار ١ : ١٦٩ حديث ٥٨٧.

٥٠٤

ويستباح به كل ما يستباح بالمائية ،

______________________________________________________

واقتصر في عبارة الكتاب على ذكر نجاسة البدن ، لأنّ نجاسة الثّوب إذا تعذّر نزعه كنجاسة البدن ، ولأنه إذا وجبت الإعادة لنجاسة البدن ، فلنجاسة الثّوب أولى.

واعلم أنّ المصنّف قال في المنتهى : إنّ ظاهر كلام الشّيخ تعلّق الإعادة بذي النّجاسة المتيمّم عند غسل النّجاسة ، سواء وجد الماء للطّهارة أم لا ، لأنّه قال : ثم يعيد إذا غسل الموضع ، لأن المؤثر هو وجود النّجاسة وقد زالت (١).

قلت : لا دلالة في عبارة الشيخ هذه على ما ادّعاه في المنتهى ، لأن ظاهر قوله بوجوب الإعادة التّعليل بكونه قد صلّى بتيمم مع النّجاسة ، والاّ لم يكن لذكر المسألة في باب التّيمم وجه أصلا ، إذ ليست من أحكامه حينئذ ، بل من أحكام النّجاسات ، فإذا زال أحدهما انتفى الأمران من حيث هما كذلك ، فحينئذ وجبت الإعادة إلا أن يكون الشيخ يرى وجوب الإعادة بالصّلاة مع النّجاسة مطلقا وإن كانت الطهارة مائية ، وليس في كلامه في باب النّجاسات دلالة على ذلك ، لأنه احتج على وجوب إعادة ذي النّجاسة الّذي لا يتمكن من إزالتها بحديث عمّار المتضمّن للتيمّم ، وظاهر هذا أنّ الإعادة للأمرين معا لا لخصوص النّجاسة.

قوله : ( ويستباح به كلّ ما يستباح بالمائية ).

من صلاة ، وطواف ، ودخول المساجد حتّى المسجدين والكعبة ، ومسّ كتابة القرآن ، والصّوم كما سبق ، ومنع ولد المصنّف من استباحة المساجد به للجنب (٢) لقوله تعالى ( وَلا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ) (٣) ، جعل غاية التّحريم الغسل فلا يزول بالتيمّم ، وإلاّ لم تكن الغاية غاية ، وكذا مسّ كتابة القرآن له معلّلا بعدم فرق الآية بينهما هنا ، وهو ضعيف.

أمّا الأوّل : فهو معارض بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا أبا ذر يكفيك الصّعيد عشر سنين » (٤) ، فإن إطلاقه يقتضي الاكتفاء به في العبادات المشروطة بالطّهارة ،

__________________

(١) المنتهى ١ : ١٥٤.

(٢) حكاه العاملي في المفتاح ١ : ٢٧ عنه في شرح الإرشاد ( مخطوط ).

(٣) النساء : ٤٣.

(٤) الفقيه ١ : ٥٩ حديث ٢٢١ ، التهذيب ١ : ١٩٤ ، ١٩٩ حديث ٥٦١ ، ٥٧٨.

٥٠٥

وتنقضه نواقضها ، والتمكن من استعمال الماء ،

______________________________________________________

للقطع بأنّه لا يراد الاكتفاء به في الصّلاة في البيت دون دخول المسجد ، والصّلاة مع النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولظاهر قول الصّادق عليه‌السلام : « التّراب أحد الطّهورين » (١) ، ولأنّ التيمّم يبيح الصّلاة التي هي أعظم من دخول المساجد ، مع اشتراطها بالطهارة الصّغرى والكبرى ، فإباحته لدخول المساجد بطريق أولى ، ولإطلاق الحثّ على فعل الصّلاة في المسجد.

وليس التمسّك بإطلاق ما ذكره من الغاية بأولى من التمسّك بهذا الإطلاق ، وعلى هذا فذكر الاغتسال في الآية خرج مخرج الغالب ، أو أنّه هو الأصل ، لأن التيمّم إنّما يكون عند الضّرورة.

وأمّا مسّ كتابة القرآن فظاهر ، لأنّ التيمّم طهارة بالكتاب والسّنة لقوله تعالى : ( وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ) (٢) ، أي : بالأمور السّابقة والتيمّم أحدها ، وقوله عليه‌السلام : « هو أحد الطّهورين ». ويجي‌ء على قوله عدم جواز الطواف للجنب أيضا إذا تيمّم لاستلزامه دخول المسجد ، ولم يصرّح بحكم الحائض والنّفساء ونحوهما.

قوله : ( وتنقضه نواقضها والتمكن من استعمال الماء ).

لا ريب في انتقاض التيمّم بنواقض كل من الطّهارتين لأنّه طهارة ضعيفة لا ترفع الحدث إنّما تفيد إباحة الصّلاة ونحوها ، فإذا حصل شي‌ء من الأحداث الكبرى والصّغرى بطلب الإباحة الحاصلة بالتيمّم ، واستمر حكم الحدث ، وتزيد نواقض التيمّم على نواقضهما التمكّن من استعمال الماء في الطّهارة الّتي تيمّم عنها.

والمراد بالتمكّن : أن لا يكون مانع حسيّ ولا شرعيّ ، فلو وجد الماء وله مانع من استعماله ، كمتغلب نزل على نهر فمنع من وروده ، أو كان في بئر ولا وصلة له إليه ، أو كان به مرض يخشى عليه من الماء ، أو يخشى حدوث المرض ، أو كان الماء بيد من لا يبذله أصلا ، أو بعوض غير مقدور ، أو توهم وجود الماء ثم ظهر الخطأ ، أو تمكن من استعماله في الوضوء وهو متيمّم عن الجنابة ، فإن تيمّمه في جميع هذه المواضع لا ينتقض لعدم‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٩٧ حديث ٥٧١ ، الاستبصار ١ : ١٦١ حديث ٥٥٧ والحديث فيهما مقارب.

(٢) المائدة : ٦.

٥٠٦

______________________________________________________

التمكّن ، وعدم صدق الوجدان.

وكذا لو كان متيمّما عن الطّهارتين فتمكن من إحداهما خاصّة ، فإن تيمّمها ينتقض دون الأخرى ، فلو كفى الماء للغسل تعيّن تيمّمه للانتقاض ، وإلا فتيمّم للوضوء إن كفى له ، وعبارة الكتاب مطلقة كما ترى ، وتنقيحها بما ذكرناه.

بقي هنا شي‌ء ، وهو أنّه هل يشترط لانتقاض التيمّم مضي مقدار زمان الطّهارة المائية متمكّنا من فعلها ، أم بمجرّد وجود الماء والتمكّن من استعماله ينتقض التيمّم ، وإن لم يمض مقدار زمان الطّهارة؟ إطلاق عبارة الكتاب يقتضي الثّاني ، وإن كان المتبادر منها أنّ التمكّن من استعمال الماء في الطّهارة هو النّاقض.

ويشهد للثاني إطلاق الاخبار ، مثل قول أبي جعفر عليه‌السلام وقد سئل أيصلي الرّجل بتيمّم واحد صلاة اللّيل والنّهار كلها؟ : « نعم ما لم يحدث ، أو يصب ماء » (١) ، وغيره (٢). ويشهد للأول أن التّكليف بالطهارة المائية في وقت لا يسعها تكليف بما لا يطاق ، والمقتضي للنقض هو التمكّن من فعلها لا مطلق التمكّن للقطع بأنه لو علم من أوّل الأمر أنّه لا يتمكّن من فعلها لا ينتقض تيمّمه.

فان قيل : توجّه الخطاب بالطّهارة المائية ينافي بقاء التيمّم ، ولعدم الجزم بالنيّة على هذا التّقدير.

قلنا : توجّه الخطاب إنما هو بحسب الظاهر ، فإذا تبيّن فوات شرطه انتفى ظاهرا وباطنا ، والجزم بالنيّة إنّما يجب بحسب الممكن ، ولولاه لم يتحقّق الجزم في شي‌ء من نيات العبادات ، لعدم علم المكلّف ببقائه إلى آخر العبادة على صفات التّكليف.

والتّحقيق : إنّ الخطاب ـ ظاهرا ـ بفعل الطّهارة المائية يراعى بمضي زمان يسعها ، فان مضى ذلك المقدار تبين استقرار الوجوب ظاهرا وباطنا ، وإلاّ تبيّن العدم فيكون كاشفا ، وهذا هو المختار.

والمراد بقوله عليه‌السلام : « أو يصب ماء » كونه بحيث يتمكّن من استعماله‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦٣ حديث ٤ ، التهذيب ١ : ٢٠٠ حديث ٥٨٠ ، الاستبصار ١ : ١٦٣ ، ١٦٤ حديث ٥٦٥ ، ٥٧٠.

(٢) التهذيب ١ : ٢٠١ حديث ٥٨٢ و ٥٨٣ و ٣٨٥ ، الاستبصار ١ : ١٦٣ حديث ٥٦٧ و ٥٦٨.

٥٠٧

فلو وجده قبل الشروع بطل ، فان عدم استأنف. ولو وجده بعد التلبس بتكبيرة الإحرام استمر.

______________________________________________________

في الطّهارة ، للقطع بأنّ إصابته وهو محتاج إلى شربه كلا إصابة ، فعلى ما اخترناه لو تلف الماء قبل إتمام الطّهارة فالتيمّم بحاله ، فيجب أن يقيد قوله : ( فلو وجده قبل الشّروع بطل ، فان عدم استأنف ) بما إذا مضى مقدار زمان استعماله في الطّهارة متمكّنا من فعلها.

قوله : ( ولو وجده بعد التّلبس بتكبيرة الإحرام استمرّ ).

سواء كان في فرض أو نفل وهو الأصحّ ، لعموم قوله تعالى ( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) (١) ، ولما رواه محمّد بن حمران ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في المتيمّم يؤتى بالماء حين يدخل في الصّلاة ، قال : « يمضي في الصّلاة » (٢).

ولا يرد على الاستدلال بالآية أنّ النّهي عن إبطال العمل مشروط بصحّته ، والصّحة إنّما تتحقّق مع الشّرط ، لمنع اشتراط الصّلاة حينئذ بالطّهارة المائية ، وليس هذا كانقطاع دم المستحاضة في أثناء الصّلاة ، لأن المقتضي للبطلان هو وجود الحدث الّذي لم يتطهّر عنه ، وقد كان معفوا عنه بالدّوام فزال العفو بالانقطاع ، بخلاف ما نحن فيه ، لأن الحدث قد أبيحت الصّلاة منه ، والأصل البقاء ، والمبطل هو التمكّن من المائية وهو غير متحقّق.

وقال الشّيخ في النّهاية : يرجع ما لم يركع (٣) ، لقول أبي عبد الله عليه‌السلام : « إن كان لم يركع فلينصرف وليتوضأ ، وإن كان قد ركع فليمض في صلاته » (٤).

وقال ابن الجنيد : يرجع ما لم يركع الركعة الثانية (٥) ، لرواية زرارة الدّالة على الإبطال إذا كان قد صلّى ركعة ، وعلى عدمه مع صلاة ركعتين (٦).

__________________

(١) محمد ( ص ) : ٣٣.

(٢) التهذيب ١ : ٢٠٣ حديث ٥٩٠ ، الاستبصار ١ : ١٦٦ حديث ٥٧٥.

(٣) النهاية : ٤٨.

(٤) الكافي ٣ : ٦٤ حديث ٥ ، التهذيب ١ : ٢٠٤ حديث ٥٩١ ، الاستبصار ١ : ١٦٦ حديث ٥٧٦.

(٥) نقله عنه في المختلف : ٥١.

(٦) الفقيه ١ : ٥٨ حديث ٢١٤ ، الاستبصار ١ : ١٦٧ حديث ٥٨٠.

٥٠٨

وهل له العدول الى النفل؟ الأقرب ذلك ، ولو كان في نافلة استمر ندبا ، فان فقد بعده ففي النقض نظر ،

______________________________________________________

وقال سلاّر : يرجع ما لم يقرأ (١).

وشهرة القول الأوّل ترجع العمل بروايته ، وظاهر الآية يعيّن العمل به.

قوله : ( وهل له العدول إلى النّفل؟ الأقرب ذلك ).

وجه القرب أنّ فيه الجمع بين عدم قطع الفريضة وإبطالها ، وبين أدائها بأكمل الطّهارتين ، وقد شرع مثله فيما هو دون ذلك ، كما في المحافظة على فضيلة الجماعة.

ويحتمل عدم الجواز لأنه في معنى الابطال المنهي عنه ، لأنّ النافلة يجوز قطعها وهو أقوى ، فإنّ الجمع المدّعى غير واضح ، وجواز القطع في موضع الدليل لا يقتضي الجواز مطلقا ، والقياس باطل.

قوله : ( ولو كان في نافلة استمرّ ندبا ).

لأنّ ترك الاستفصال في رواية محمّد بن حمران (٢) ، يقتضي عموم (٣) النّافلة ، وللاستصحاب. ويحتمل تعيّن القطع هنا ، لأنّ إبطال النّافلة غير ممنوع منه ، فيتحقّق التمكّن من استعمال الماء.

قوله : ( فان فقده بعده ففي النّقض نظر ).

الضّمير يعود إلى الوجدان ، أي : فان فقده بعد الوجدان ، ولا بدّ من كون الفقدان قبل الفراغ والتمكّن من فعل الطهارة. وينشأ النّظر من أنّ التمكّن لم يتحقّق لأنّ المنع الشّرعي بمنزلة المنع الحسي بل أقوى ، ولأن التيمّم لم ينتقض مع وجود الماء ، فبعد فقده أولى ، ولأنّ صحة أداء الصّلاة يقتضي عدم ثبوت المنع من فعلها ، وهو أمر مشترك بين جميع الصلوات ، ومن أنّ صحّة التيمّم مشروطة بعدم التمكّن من استعمال الماء ، وحيث انتفى الشرط انتفت الصحّة.

__________________

(١) المراسم : ٥٤.

(٢) التهذيب : ١ : ٢٠٣ حديث ٥٩٠ ، الاستبصار ١ : ١٦٦ حديث ٥٧٥.

(٣) في « ع » : عدم.

٥٠٩

وفي تنزل صلاة الميت منزلة التكبير نظر ، وان أوجبنا الغسل ففي إعادة الصلاة إشكال ،

______________________________________________________

وعدم فساده بالنسبة إلى الصّلاة التي كان فيها للإذن بإتمامها حذرا من قطع العمل ، أما غيرها فلا مانع من بطلانه بالنسبة إليه. وهو ضعيف ، لأنّ الإذن بإتمام ما هو فيها يقتضي بقاء الإباحة ، واجتماع الصحّة والفساد في طهارة واحدة معلوم البطلان ، والأصحّ عدم النّقض ، فرضا كانت أو نفلا.

قوله : ( وفي تنزّل الصّلاة على الميّت منزلة التكبير نظر ).

لو يمّم الميّت بدلا من غسله ، هل تنزّل الصّلاة عليه منزلة التكبير للإحرام من المتيمّم لصلاة أخرى ، فلا يبطل تيمّمه ولا يجب الغسل ، أم لا؟ فيه نظر عند المصنّف ، ينشأ : من أنّه طهارة صحيحة قد ترتّب عليها بعض أحكامها ، فلا يحكم بفسادها ـ وفي كبرى القياس منع ـ وأن امتثال المأمور به يقتضي الإجزاء ، والإعادة بأمر جديد لأنّها على خلاف الأصل ، ولا ربط له بالمدعى إذ ليس المتنازع فيه الإعادة ، بل فساد البدل والإتيان بالمبدل منه ، وإن سلم فالأمر بالغسل الصّحيح باق ، وامتناع توجّهه إلى المكلّف عند عدم الإمكان لا يقتضي السّقوط مطلقا.

ومن أن التيمّم طهارة ضروريّة شرعت لتعذّر الغسل وقد زال العذر ، والوقت صالح له ، فانّ محله باق ما لم يدفن ، ولأنّه ميت لم يغسل على الوجه المعتبر قبل الدّفن ولا مانع شرعا ، وكل ميّت كذلك يجب تغسيله ، والمقدّمتان قطعيّتان ، وهذا هو الأصحّ : ومثله ما لو يمّم عن بعض الغسلات ، أو غسّل فاسدا ، أو خلا غسله من الخليط.

قوله : ( فإن أوجبنا الغسل ففي إعادة الصّلاة إشكال ).

ينشأ من أنّ الصّلاة مشروطة بالطّهارة ، والاكتفاء بالتيمّم في محلّ الضّرورة وقد زالت. وفيه نظر لمنع الاشتراط ، إذ الواجب التّرتيب ، وهو إنّما يكون عند التمكّن ، وإن سلم فالشرط أحد الأمرين ، إمّا الغسل مع إمكانه أو التيمّم عند تعذّره وقد حصل ، ولأن إيجاب الغسل يقتضي إعادة ما بعده تحصيلا للتّرتيب ، وهو ممنوع.

ومن أنّ امتثال المأمور به على الوجه المطلوب يقتضي الاجزاء والإعادة بأمر جديد ولم يثبت ، ولا يلزم من طريان الفساد على التيمّم للتمكّن من مبدله فساد واجب‌

٥١٠

ويجمع بين الفرائض بتيمم واحد. ولو تيمم ندبا لنافلة دخل به في الفريضة.

ويستحب تخصيص الجنب بالماء المباح أو المبذول ، وييمم الميت ، ويتيمم المحدث ،

______________________________________________________

آخر قد حكم بصحّته إلاّ بدليل ، ولم يثبت.

قوله : ( ويجمع بين الفرائض بتيمّم واحد ).

لقول الباقر عليه‌السلام وقد سئل يصلّي الرّجل بتيمّم واحد صلاة اللّيل والنّهار كلّها؟ : « نعم ، ما لم يحدث أو يصب الماء » (١) ، خلافا للشّافعي من العامّة (٢).

قوله : ( ولو تيمّم ندبا لنافلة دخل به في الفريضة ).

لأنّ النفل كالفرض في الافتقار إلى الطّهارة ، فاستباحته تقتضي زوال المنع كالفريضة ، ولأنّ التيمّم يبيح ما يبيحه مبدله كما سبق بيانه ، فلا يفرق فيه بين نية الفرض والنّفل كالمبدل.

وكذا القول في مسّ كتابة القرآن ، وقراءة شي‌ء من العزائم للجنب ، ومن في حكمه ، واللبث في المساجد لهما وغير ذلك ، فإذا نوى استباحة شي‌ء منها استباح الباقي بخلاف استباحة نحو العزائم ، واللبث في المساجد لماس الميّت ، إذ لا يحرم عليه ذلك على الأصحّ في اللبث في المساجد كما سبق.

قوله : ( ويستحبّ تخصيص الجنب بالماء المباح ، أو المبذول ، وييمّم الميّت ويتيمّم المحدث ).

لرواية التفليسي ، عن الرّضا عليه‌السلام في القوم يكونون في السّفر فيموت منهم ميّت ومعهم جنب ، ومعهم ماء قليل قدر ما يكفي أحدهم ، أيهم يبدأ به؟ قال : « يغتسل الجنب ويترك الميّت » (٣).

وقال الشّيخ : إن كان ملكا لأحدهم اختص به ، وإن لم يكن ملكا لأحدهم‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦٣ حديث ٤ ، التهذيب ١ : ٢٠٠ حديث ٥٨٠ ، الاستبصار ١ : ١٦٣ ، ١٦٤ حديث ٥٦٥ ، ٥٧٠.

(٢) الأم ١ : ٤٧ ، مختصر المزني : ٧ ، شرح فتح القدير ١ : ١٢١.

(٣) التهذيب ١ : ١١٠ حديث ٢٨٧ ، الاستبصار ١ : ١٠٢ حديث ٣٣١.

٥١١

______________________________________________________

تخيروا في استعمال من شاء منهم لأنّها فروض قد اجتمعت ولا أولوية لأحدهما ، ولا دليل يقتضي التخصيص ، فوجب التخيير (١).

ولاختلاف الرّوايات في التّرجيح ، ففي رواية محمّد بن علي ، عن بعض أصحابنا قال : قلت : الجنب والميّت يتفقان في مكان ولا يكون الماء إلاّ بقدر ما يكفي أحدهما ، أيهما أولى أن يغتسل بالماء؟ قال : « يتيمّم الجنب ، ويغسل الميّت » (٢) ويؤيّدها أنّ غسله خاتمة طهارته فينبغي إكمالها ، والحي قد يجد الماء فيغتسل.

وأيضا القصد في غسل الميّت التّنظيف ولا يحصل بالتيمّم ، وفي الحي الدّخول في الصّلاة وهو حاصل به ، وقد تقدّمت رواية التفليسي بترجيح الجنب ، ويؤيّدها أنّه متعبد بالغسل مع وجود الماء ، والميّت قد خرج عن التّكليف بالموت ، ولأنّ الطّهارة من الحيّ تبيح فعل العبادات على الوجه الأكمل بخلاف الميّت. وما ذكره ضعيف ، لأن رواية التفليسي أرجح من الأخرى ، فإنها مقطوعة مع اعتضادها بصحيحة عبد الرّحمن بن أبي نجران ، عن الصّادق عليه‌السلام (٣) ، فالمعتمد استحباب تخصيص الجنب.

وهذا إذا لم يكن الماء ملكا لأحدهم ، فإنه حينئذ لا يجوز له إيثار غيره به لوجوب الطّهارة به عليه عينا.

أمّا إذا كان مبذولا مطلقا ، أو مع مالك يسمح ببذله ، أو مباحا واستووا في إثبات اليد عليه ، أو مشتركا في الملك بين من سوى وارث الميّت الطفل ، إذا ضاق الوقت في هذين القسمين فإن الأفضل تخصيص الجنب به.

ولو كان في الوقت سعة لم يجز للمالك ، ولا لذي الأولوية في المباح بذله لرجاء إكماله بما يكفي للطّهارة ، نعم لو كان في غير وقت صلاة جاز ، لكن يلزم القول بتخصيص الميّت حينئذ ، بناء على وجوب غسل الجنابة لغيره. ولو بذل للأحوج بنذر أو وصيّة ونحوهما تعين صرفه للجنب ، فإنه أولى ، لما قلناه.

__________________

(١) الخلاف ١ : ٢٤ مسألة ١١٩ كتاب الطهارة.

(٢) التهذيب ١ : ١١٠ حديث ٢٨٨ ، الاستبصار ١ : ١٠٢ حديث ٣٣٢ باختلاف يسير.

(٣) الفقيه ١ : ٥٩ حديث ٢٢٢ ، التهذيب ١ : ١٠٩ حديث ٢٨٥ ، الاستبصار ١ : ١٠١ حديث ٣٢٩.

٥١٢

ولو انتهوا الى ماء مباح واستووا في إثبات اليد فالملك لهم ،

______________________________________________________

ولو اجتمع الجنب والمحدث فالجنب أولى للخبر (١) ، ولو كفى للمحدث خاصة فهو أولى ، ولو لم يكف واحدا منهما فالأولوية للجنب (٢) ، ولو فضل منه فضلة لا تكفي الأخر ، فالظاهر أن الجنب أولى ، وظاهر التّذكرة أولويّة المحدث هنا (٣) ، وهو بعيد.

ولو اجتمع الميّت والمحدث فأولوية الميّت أقرب لشدّة حاجته ، ولمقطوعة علي بن محمّد السّابقة (٤) ، والجنب مع الحائض وقسيميها ، وماس الميّت لا نصّ فيه ، فيحتمل أولويّته للاكتفاء بغسله في استباحة الصّلاة وهو قريب ، ولو قلنا بتوقّف حلّ الوطء على الغسل في الحائض وقسيميها أمكن أولويتهن ، نظرا الى قضاء حقّ الله تعالى ، وحقّ الزّوج.

وفي المحدث مع أحد الأربعة تردّد من ضعف حدثه بالنسبة إلى حدثهم ، ومن استفادته الاستباحة باستعمال الماء دونهم ، والعطشان أولى من الجميع قطعا ، وذو النّجاسة أولى ممن عدا الميّت لعدم البدل ، وفي الميّت معه تردّد منشؤه يعلم ممّا سبق ، ولم يرجّح في التّذكرة شيئا ، والظاهر أن ذا النّجاسة إنّما يقدم مع تمكن الباقين من التيمّم ، ولم أجد به تصريحا ، لكن تعليلهم يرشد إليه.

قوله : ( ولو انتهوا إلى ماء مباح ، واستووا في إثبات اليد فالملك لهم ).

وذلك لعدم الأولويّة ، ولو استووا في الوصول إليه من دون إثبات اليد فالأولويّة لهم ، فلو تمانعوا فالمانع آثم ، وفي المعتبر (٥) ، والتّذكرة (٦) : يملكه القاهر ، واستشكله في الذّكرى (٧) ، بإزالة أولويّة غيره ، وهي في معنى الملك ، وهذا مطّرد في كلّ أولويّة كالتحجير ، وتعشيش الطائر في ملك شخص ، وكلامه متجه.

إذا عرفت هذا فان كان الماء يكفي جميعهم فلا بحث ، وينتقض تيممهم لو‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٠٩ حديث ٢٨٥ ، الاستبصار ١ : ١٠١ حديث ٣٢٩.

(٢) على القول بوجوب استعمال الجنب ما يجده من الماء وإن كان قليلا لا يكفي غسل كل الجسم.

(٣) التذكرة ١ : ٦٧.

(٤) التهذيب ١ : ١١٠ حديث ٢٢٨ ، الاستبصار ١ : ١٠٢ حديث ٣٣٢.

(٥) المعتبر ١ : ٤٠٧.

(٦) التذكرة ١ : ٦٧.

(٧) الذكرى : ٢٣.

٥١٣

وكل واحد أولى بملك نفسه.

ويعيد المجنب تيممه بدلا من الغسل لو نقضه بحدث أصغر. ويتيمم من لا يتمكن من غسل بعض أعضائه ولا مسحه ،

______________________________________________________

كانوا متيممين بأوّل وصولهم ، ولو قصر فحكمه معلوم ممّا سبق ، وانتقاض التيمّم حينئذ غير واضح.

قوله : ( وكلّ واحد أولى بملك نفسه ).

ولا يجوز له إيثار غيره به إن كفى طهارته ، وإن قصر ففيه تفصيل سبق بيانه.

قوله : ( ويعيد المجنب تيمّمه بدلا من الغسل لو نقضه بحدث أصغر ).

أجمع علماء الإسلام إلاّ شاذا على أنّ التيمّم لا يرفع الحدث وإنّما يفيد الإباحة ، فلو تيمّم الجنب ثم نقض تيمّمه بحدث أصغر أعاد التيمّم بدلا من الغسل ، لبطلان التيمّم بالحدث الطارئ ، وحدث الجنابة باق ، فلا حكم للحدث الأصغر معه.

وقال المرتضى : إنّ المجنب إذا تيمّم ، ثم أحدث حدثا أصغر ووجد ماء يكفيه للوضوء توضأ به ، لأن حدثه الأوّل قد ارتفع ، وجاء ما يوجب الصّغرى وقد وجد من الماء ما يكفيه لها ، فيجب عليه استعماله ولا يجزئه تيمّمه ، فعلى هذا لو لم يجد ماء للوضوء تيمّم بدلا منه (١) ، وضعفه ظاهر.

قال في الذّكرى : ويمكن أن يريد بارتفاع حدثه استباحة الصّلاة ، وأن الجنابة لم تبق مانعة منها ، فلا ينسب إلى مخالفة الإجماع (٢) ، وكيف حملنا كلامه فهو ضعيف ، إذ لا يلزم من الاستباحة زوال حدث الجنابة بل هو باق ، فإذا بطلت الاستباحة تعلّق الحكم به.

قوله : ( ويتيمّم من لا يتمكّن من غسل بعض أعضائه ولا مسحه ).

لجرح وغيره ، ولا يجزئه الجمع بين غسل الصّحيح والتيمّم عن غيره ، لأنّ الطّهارة لا تتبعض ، لأن تفصيل الطّهارة في الآية إلى الوضوء ، والغسل ، والتيمّم يقطع الشّركة بينهما ، فلا يتلفّق من نوعين منها طهارة واحدة.

__________________

(١) لم نجد قول المرتضى في كتبه المتوفرة لدنيا ولكن حكى قوله في الذكرى : ١١٢ ، والعلامة في المختلف : ٥٥ ، وقال السيد العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٦٣ (. ما عدا السيد في شرح الرسالة ... ).

(٢) الذكرى : ١١٢.

٥١٤

ومن يصلّي على الجنازة مع وجود الماء ندبا ، ولا يدخل به في غيرها.

______________________________________________________

وقال الشّيخ : يحتاط بغسل الصّحيح والتيمّم (١) ، فيمكن اعتبار مراعاة التّرتيب على قوله : بأن يتيمّم في محلّ غسل المريض أو مسحه.

ولا ريب في ضعفه ، واعلم أن هذا الحكم لا يتمشى على ظاهره ، لأن الجرح الّذي لا لصوق عليه ، والكسر الّذي لم يوضع عليه جبيرة ، إذا تضرّر بالماء يكفي غسل ما حوله ، كما نصّوا عليه ، ووردت به الأخبار (٢) ، فكيف يجوز العدول عنه الى التيمّم؟

ويمكن الجمع بينهما ، بأن يكون الّذي يسقط غسله ، ولا ينتقل بسببه إلى التيمّم ما إذا كان الجرح ونحوه في بعض العضو ، فلو استوعب عضوا كاملا وجب الانتقال إلى التيمّم.

ويمكن الجمع بأنّ ما ورد النّص بغسل ما حوله مع تعذر غسله ـ وهو الجرح والقرح والكسر لا ينتقل عنه إلى التيمّم بمجرّد تعذر غسله وإن كثر بخلاف غيره ، كما لو كان تعذّر الغسل لمرض آخر ، فإنه ينتقل إلى التيمّم هنا ، إلا أنّ عبارات الأصحاب تأبى ذلك ، لأنّ المصنّف قال في التّذكرة : الطّهارة عندنا لا تتبعض ، فلو كان بعض بدنه صحيحا وبعضه جريحا تيمّم ، وكفاه عن غسل الصّحيح (٣).

وظاهر هذه العبارة الإطلاق ، فيكون الجمع الأوّل قريبا من الصواب ، لأن اغتفار عضو كامل في الطّهارة بعيد.

قوله : ( ومن يصلّي على الجنازة ندبا مع وجود الماء ، ولا يدخل به في غيرها ).

أي : يتيمّم حينئذ على الأصحّ للرواية (٤) ، وإنّما لم يدخل به في غيرها لأنّ شرعيّة التيمّم مع وجود الماء مقصور على مواضع مخصوصة.

__________________

(١) الخلاف ١ : ٢١ مسألة ١٠٥ كتاب التيمم.

(٢) الكافي ٣ : ٣٢ حديث ١ ـ ٤.

(٣) التذكرة ١ : ٦٦.

(٤) الكافي : ٣ : ١٧٨ حديث ٥ ، الفقيه ١ : ١٠٧ حديث ٤٩٥ ، التهذيب ٣ : ٢٠٣ حديث ٤٧٧.

٥١٥
٥١٦

فهرس الموضوعات

الموضوع

الصفحة

مقدمة التحقيق

مقدمة المؤلف.................................................................. ٦٥

أنواع الطهارة

ما يجب له الوضوء.............................................................. ٦٨

ما يستحب له الوضوء........................................................... ٦٩

ما يجب له الغسل............................................................... ٧٢

ما يستحب له الغسل............................................................ ٧٤

ما يجب له التيمم................................................................ ٧٧

ما يستحب له التيمم............................................................ ٧٩

أسباب الطهارة

موجبات الوضوء............................................................... ٨١

موجبات الغسل................................................................. ٨٤

كفاية غسل الجنابة عن غيره من الأغسال........................................... ٨٦

موجبات التيمم................................................................. ٩٠

آداب الخلوة وكيفية الاستنجاء

وجوب غسل مخرج البول مرتين................................................... ٩٣

الاستنجاء بالأحجار وشبهها..................................................... ٩٥

٥١٧

ما يحرم الاستنجاء به............................................................ ٩٨

ما يحرم فعله أثناء التخلي......................................................... ٩٩

ما يستحب فعله أثناء التخلي.................................................... ١٠٠

ما يكره فعله أثناء التخلي....................................................... ١٠١

فروع........................................................................ ١٠٦

المياه

الماء المطلق وأقسامه............................................................ ١٠٨

الماء الجاري................................................................... ١١٠

موافقة النجاسة الماء الجاري في الصفات........................................... ١١٣

اتصال الواقف القليل بالجاري................................................... ١١٥

طهارة الجريات المارة على النجاسة الواقفة......................................... ١١٥

تقدير الكر وأحكامه........................................................... ١١٦

حكم تغير بعض الزائد على الكر................................................ ١١٨

حكم الاغتراف من الكر المتصل بالنجاسة المتميزة.................................. ١١٩

حكم البئر إن تغيرت أحد أوصافه بالنجاسة أو لم تتغير............................. ١٢٠

معنى المضاف وحكمه.......................................................... ١٢٢

الأسئار...................................................................... ١٢٤

حكم ما لو نجس المضاف ثم امتزج بالمطلق الكثير.................................. ١٢٥

تتميم المطلق القليل بالمضاف الطاهر.............................................. ١٢٦

الماء المستعمل في الوضوء والغسل................................................ ١٢٧

الماء المستعمل في غسل النجاسة.................................................. ١٢٨

حكم ماء الاستنجاء........................................................... ١٢٩

ما تكره الطهارة به............................................................ ١٣٠

حكم غسالة الحمام............................................................ ١٣١

حكم المتخلف في الثوب....................................................... ١٣٢

تطهير المياه النجسة

تطهير الماء القليل.............................................................. ١٣٣

٥١٨

تطهير الماء الكثير.............................................................. ١٣٥

تطهير المضاف................................................................ ١٣٦

تطهير البئر.................................................................... ١٣٧

أحكام المياه

حكم استعمال الماء النجس..................................................... ١٤٩

ما لو اشتبه المطلق بالمضاف..................................................... ١٥١

ما لو اشتبه المباح بالمغصوب.................................................... ١٥٢

ثبوت النجاسة بالبينة.......................................................... ١٥٤

التباعد بين البئر والبالوعة....................................................... ١٥٦

ما يكره التداوي به من المياه.................................................... ١٥٨

حكم العجين النجس.......................................................... ١٥٩

النجاسات

أنواع النجاسات.............................................................. ١٦٠

وجوب إزالة النجاسة عن البدن والثوب والأواني................................... ١٦٩

ما عفي عنه من النجاسات...................................................... ١٧٠

غسل الثوب من النجاسات..................................................... ١٧٢

فيما لو اشتبه موضع النجاسة................................................... ١٧٤

حكم المربية ذات الثوب الواحد................................................. ١٧٥

ما لو اشتبه الثوب الطاهر بالنجس............................................... ١٧٦

المطهرات..................................................................... ١٧٨

تطهير المائعات................................................................ ١٨٣

لو جبر عظمه بعظم نجس....................................................... ١٨٤

عدم طهارة الجسم الصقيل بالمسح................................................ ١٨٤

حكم ما لو صلى حاملاً لحيوان غير مأكول....................................... ١٨٥

ينبغي في الغسل ورود الماء على النجس........................................... ١٨٦

تطهير اللبن................................................................... ١٨٦

لو صلى في نجاسة معفو عنها في المسجد.......................................... ١٨٧

٥١٩

الآنية

آنية الذهب والفضة............................................................ ١٨٧

الآنية المتخذة من الجلود........................................................ ١٨٩

أواني المشركين................................................................ ١٨٩

غسل الآنية من ولوغ الكلب والخنزير ، والخمر والجرذ وباقي النجاسات............... ١٩٠

حكم ما لو تطهر من آنية الذهب أو الفضة ، أو المغصوبة........................... ١٩٢

إجزاء مشابه التراب عند فقده................................................... ١٩٤

حكم آنية الخمر المتخذة من القرع والخشب والخرف............................... ١٩٥

الوضوء

النية......................................................................... ١٩٦

غسل الوجه................................................................... ٢١٢

غسل اليدين.................................................................. ٢١٥

مسح الرأس................................................................... ٢١٨

مسح الرجلين................................................................. ٢٢٠

الترتيب...................................................................... ٢٢٣

الموالاة....................................................................... ٢٢٤

مستحبات الوضوء............................................................. ٢٢٨

كراهية الاستعانة والتمندل ، وحرمة التولية....................................... ٢٣١

ما يستباح به الوضوء.......................................................... ٢٣٢

أحكام ذي الجبيرة............................................................. ٢٣٣

أحكام صاحب السلس والمبطون................................................. ٢٣٤

أحكام الشك والاخلال في الطهارة............................................... ٢٣٥

غسل الجنابة

موجبات غسل الجنابة.......................................................... ٢٥٥

وجدان المني على الجسد ، أو الثوب المختص ، أو المشترك........................... ٢٥٨

٥٢٠