جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

ويغسل الخنثى المشكل محارمه من وراء الثياب ، ولو فقد المسلم وذات الرحم أمرت الأجنبية الكافر بأن يغتسل ثم يغسّله غسل المسلمين ،

______________________________________________________

الأظهر ، واختاره في المعتبر (١) ، واختار المصنّف الأول إلاّ أن تكون مزوجة ، ومثله لو كانت معتدة أو مكاتبة أو معتقا بعضها ، أو أختها موطوءة ، هذا في تغسيلها للسيّد ، أما تغسيله لها فيجوز قطعا إذا كان وطؤها جائزا.

قوله : ( وتغسل الخنثى المشكل محارمه من وراء الثياب ).

المراد بالمحرم من حرم نكاحه مؤيّدا بنسب أو رضاع أو مصاهرة ، وهذا الحكم إنّما هو إذا كان له فوق ثلاث سنين لجواز التّغسيل إلى الثلاث مطلقا ، وإنّما جاز تغسيل المحارم هنا لأنّه موضع ضرورة لعدم الوقوف على المماثل ، وعلى القول بجواز التغسيل للأجنبي غير المماثل مع فقد المماثل والمحرم (٢) لا بحث في الجواز هنا مع فقد المحارم ، وهو ضعيف ، فتدفن بغير غسل ، وقال ابن البراج : تيمم (٣).

ويجوز له أن يغسل المحارم مع فقد المماثل ، ولو وجد معه محارم غير مماثلين فالظاهر أنّه أولى منهم لإمكان المماثلة في حقّه.

فرع :

الميّت المشتبه ذكوريته وأنوثيته كالخنثى ، مع احتمال القرعة هنا ضعيفا.

قوله : ( ولو فقد المسلم وذات الرّحم أمرت الأجنبيّة الكافر بأن يغتسل ، ثم يغسله غسل المسلمين ).

هذا هو المشهور بين الأصحاب (٤) ، وبه رواية عمّار بن موسى ، عن الصّادق عليه‌السلام (٥).

قال في الذّكرى : ولا أعلم لهذا مخالفا من الأصحاب ، سوى المحقّق في المعتبر‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٢١.

(٢) قال بهذا المفيد في المقنعة : ١٣ ، وأبو الصلاح في الكافي في الفقه : ٢٣٧ ، والشيخ في التهذيب ١ : ٣٤٣.

(٣) المهذب ١ : ٥٦.

(٤) منهم : المفيد في المقنعة : ١٣ والشيخ في المبسوط ١ : ١٧٥. وابن حمزة في الوسيلة : ٥٥ ،

(٥) الكافي ٣ : ١٥٩ حديث ١٢ ، التهذيب ١ : ٣٤٠ حديث ٩٩٧.

٣٦١

ولو كانت امرأة وفقدت المسلمة وذو الرحم أمر الأجنبي الكافرة بالاغتسال والتغسيل ، وفي إعادة الغسل لو وجد المسلم بعده إشكال ،

______________________________________________________

محتجّا بتعذر النيّة من الكافر مع ضعف السّند (١).

ونازعه في الاحتياج إلى النيّة هنا اكتفاء بنيّة الكافر ، ثم حكى عن جماعة عدم التعرّض إلى هذا الحكم.

وقال آخرا : وللتوقف فيه مجال (٢).

قلت : لا شبهة في تعذر وقوع الغسل المطلوب من الكافر ، وليس هو كالعتق والوقف والوصيّة ، لأن هذه ليست عبادة محضة ، بخلاف الغسل.

والاكتفاء بصورة الغسل بعيد ، فالمصير إليه بمثل هذا الخبر الضّعيف لا يخلو من شي‌ء ، مع أن مباشرة الكافر غالبا تقتضي تعدي نجاسته إليه ، فإن قلنا بالعدم أو لم يوجد الكافر المماثل فهل تيمّم؟ حكى في الذّكرى عن ظاهر المصنّف القول به ، وبه رواية متروكة (٣) ثم قال : وظاهر المذهب عدمه (٤).

قوله : ( وفي إعادة الغسل لو وجد المسلم بعده إشكال ).

ينشأ من حصول الامتثال المقتضي للاجزاء ، ومن أن المأمور به ـ وهو الغسل الحقيقي ـ لم يأت به ، فيبقى في عهدة التّكليف ، وتعذره للضّرورة لا يقتضي سقوطه مطلقا.

فان قيل : المأمور به ـ أعني الغسل الحقيقي ـ لمّا تعذر وجب بدله ، وهو غسل الضّرورة ، وانحصر التكليف فيه ، وسقط وجوب الأوّل ، فإذا امتثل بفعل البدل خرج من العهدة ولم يبق وجوب.

قلنا : بدلية غسل الضّرورة عن الغسل الحقيقي غير معلومة ، إذ لا دليل يدلّ عليها ، وسقوط وجوب الأوّل غير متحقّق ، إذ لا يلزم من امتناع التّكليف بفعل واجب في بعض أزمنة وجوبه لضرورة سقوط وجوبه مطلقا.

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٢٦.

(٢) الذكرى : ٣٩.

(٣) التهذيب ١ : ٤٤٣ حديث ١٤٣٣.

(٤) الذكرى : ٤٠.

٣٦٢

ولذي الرحم تغسيل ذات الرحم من وراء الثياب مع فقد المسلمة ، وبالعكس مع فقد المسلم ، ولكلّ من الزوجين تغسيل صاحبه اختيارا ، ويغسّل الرجل بنت ثلاث سنين الأجنبية مجردة ، وكذا المرأة.

______________________________________________________

والتحقيق أن هنا أمرين : الأمر بالغسل الحقيقي الّذي امتنع تعلقه بالمكلّف في زمان تعذّره ، والأمر الثاني بغسل الضّرورة في محلّ الضّرورة ، فإذا خرج المكلّف من عهدة الثاني بامتثاله بقي الأمر الأوّل ، لأن متعلّقه لم يتحقق بعد ، فإذا زال العذر زال امتناع تعلّقه ، فوجب امتثاله ، ولو لا ذلك لكان إذا أمر المسلم الكافر بالتّغسيل فلم يفعل يسقط الغسل أصلا ، لانحصار الوجوب حينئذ في الأمر لتعذّر الغسل.

هذا كلّه بالنّسبة إلى المسلم ، أمّا الكافر فإنه مكلف بفعل الغسل الحقيقي بأن يسلم ثم يوقعه ، لأنه مكلف بالفروع كما هو مقرر في موضعه ، وبهذا يظهر أنّ الأمر بالغسل الحقيقي لم يسقط إلاّ بالإضافة إلى ذلك المسلم الّذي ليس بمماثل ، فعلى هذا لو مسّ الميّت ماس وجب عليه الغسل لبقاء نجاسته ، فيجب تطهير الكفن الملاقي له برطوبة إذا أمكن الغسل ، وبما حققناه ينكشف حكم كثير من المسائل ، سيأتي جملة منها بعد ان شاء الله تعالى.

قوله : ( ولكل من الزّوجين تغسيل صاحبه اختيارا ).

لا يخفى أن موضع هذه المسألة ما سبق ، ولا يخفى أن كلام المصنّف في هذا البحث منتشر.

قوله : ( ويغسّل الرّجل بنت ثلاث سنين الأجنبية مجرّدة ، وكذا المرأة )

أي : تغسل ابن ثلاث سنين مجرّدا ، وهذا الحكم مستثنى من منع تغسيل غير المماثل الأجنبي ، والمراد جواز ذلك اختيارا ، وشرط الشّيخ في النّهاية عدم المماثل (١) ، ومنع في المعتبر من تغسيل الرجال الصبيّة (٢) ، وجوّز المفيد (٣) ، وسلاّر (٤) تغسيل ابن‌

__________________

(١) النهاية : ٤١.

(٢) المعتبر ١ : ٣٢٤.

(٣) المقنعة : ١٣.

(٤) المراسم : ٥٠.

٣٦٣

ويجب تغسيل كل مظهر للشهادتين وان كان مخالفا ، عدا الخوارج والغلاة ،

______________________________________________________

خمس سنين مجرّدا ، والصّدوق تغسيل بنت أقلّ من خمس سنين مجرّدة (١) ، وفي الجميع ضعف ، وفي التّذكرة نقل الإجماع على تغسيل ابن ثلاث سنين وبنت ثلاث (٢) ، والنّص يؤيّده (٣).

والظاهر من إطلاق النّص والأصحاب كون كلّ منهما مجرّدا عدم وجوب ستر العورة ، وهو متّجه ، وإلاّ لحرم تجريد البنت لأن جميع بدنها عورة ، ولانتفاء الشّهوة في مثل ذلك ، وقد صرّح في الذّكرى بعدم الوجوب في الطّفل إذا غسّله النّساء (٤) ، وكذا في التّذكرة (٥).

ولا يخفى أن الثلاث سنين هي نهاية الجواز ، فلا بدّ من كون الغسل واقعا قبل تمامها بحيث يتمّ بتمامها ، فإطلاق ابن ثلاث يحتاج الى التّنقيح ، إلاّ أن يصدق على من شرع في الثّالثة أنه ابن ثلاث. واعلم أن المصنّف لو قدّم جواز تغسيل المرأة ابن ثلاث سنين ، ثم قال : ( وكذا الرّجل ) لكان أحسن ، لثبوت الخلاف في الرّجل دون المرأة.

قوله : ( ويجب تغسيل كلّ مظهر للشهادتين وإن كان مخالفا ، عدا الخوارج والغلاة ).

يجب أن يستثني من ذلك كل من أنكر ما علم ثبوته من الدّين ضرورة ، فلا بدّ في العبارة من استثناء النواصب والمجسّمة أيضا ، فلا يجوز تغسيلهم ، وقد صرح بذلك في البيان (٦) ، لكنّه جوّز تغسيل المجسّمة بالتّسمية المجرّدة لا بالحقيقة ، وكذا غير هؤلاء ممن أظهر الشّهادتين وهو كافر.

__________________

(١) المقنع : ١٩.

(٢) التذكرة ١ : ٤٠.

(٣) الكافي ٣ : ١٦٠ حديث ١ ، الفقيه ١ : ٩٤ حديث ٤٣١ ، التهذيب ١ : ٣٤١ حديث ٩٩٨.

(٤) الذكرى : ٣٩.

(٥) التذكرة ١ : ٤٠.

(٦) البيان : ٢٤.

٣٦٤

والشهيد المقتول بين يدي الامام إن مات في المعركة صلّي عليه من غير غسل ولا كفن ،

______________________________________________________

قوله : ( والشّهيد المقتول بين يدي الامام ، إن مات في المعركة صلّي عليه من غير غسل ولا كفن ).

قد أطلقت الشّهادة على من قتل دون ماله ودون أهله ، وعلى المطعون والغريق وغيرهم ، وليس المراد المشاركة في هذا الحكم ، بل المماثلة في أصل الفضيلة وقوله : ( المقتول ... ) تفسير للشّهيد.

ولو قتل في الجهاد السائغ كما لو دهم المسلمين من يخاف منه على بيضة الإسلام فاضطروا إلى جهادهم بدون الامام ونائبه ، لا نحو المقتول في حرب قطاع الطّريق ـ إذ لا يعد ذلك جهادا ومحاماة عن الدّين ـ فإنّ إطلاق الاخبار وعموم بعضها ، مثل قول الصّادق عليه‌السلام : « الّذي يقتل في سبيل الله يدفن في ثيابه ولا يغسل ، إلاّ أن يدركه المسلمون وبه رمق ثم يموت بعد » (١) الحديث ، يقتضي كونه شهيدا بمعنى ثبوت هذا الحكم له ، واختاره الشّهيد (٢) ، وصاحب المعتبر (٣) ، وعليه الفتوى ، ويلوح من المصنّف الميل إليه ، وحكوا عن ظاهر الشّيخين المنع (٤) والعموم حجّة عليهما.

والمعتبر في سقوط الغسل موته في المعركة ، سواء أدرك وبه رمق أم لا ، كما دلّ عليه إطلاق الأصحاب ، ونقل المصنّف فيه الإجماع في التذكرة (٥) ، فلو نقل من المعركة وبه رمق ـ أي بقيّة الحياة ـ ثم مات غسل وكفن ، وظاهر الرّوايات (٦) أنّ وجوب التّغسيل منوط بإدراك المسلمين له وبه رمق.

والمقتول في جهاد البغاة كالمقتول في جهاد سائر الكفّار إجماعا منّا.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢١٠ حديث ١ ، التهذيب ١ : ٣٣٢ حديث ٩٧٣.

(٢) الذكرى : ٤١.

(٣) المعتبر ١ : ٣٠٩.

(٤) المقنعة : ١٢ ، المبسوط ١ : ١٨١.

(٥) التذكرة ١ : ٤١.

(٦) الكافي ٣ : ٢١٠ حديث ١ ، ٣ ، ٥ ، الفقيه ١ : ٩٧ حديث ٤٤٦ ، التهذيب ١ : ٣٣٠ ، ٣٣١ حديث ٩٦٧ ، ٩٦٩ ، ٩٧١ ، الاستبصار ١ : ٢١٣ ، ٢١٤ حديث ٧٥٣ ، ٧٥٥ ، ٧٥٧.

٣٦٥

فان جرد كفّن خاصة.

ويؤمر من وجب قتله بالاغتسال قبله ثلاثا على إشكال والتكفين والتحنيط ويجزئ.

______________________________________________________

قوله : ( فان جرد كفن خاصّة ).

أي : ولا يغسل ، والمستند فعل النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحمزة لما جرد (١).

قوله : ( ويؤمر من وجب قتله بالاغتسال قبله ثلاثا على إشكال ).

وجوب القتل أعمّ من أن يكون في حدّ أو قصاص ، والنّص عن الصّادق عليه‌السلام ورد في المرجوم والمرجومة : انّهما يغتسلان ، ويتحنطان ويلبسان الكفن قبل ذلك (٢) ، والمقتص منه بمنزلة ذلك ، الحديث. والآمر له هو الإمام أو نائبه قال في الذكرى : ولا نعلم في ذلك مخالفا من الأصحاب ، والحق بهم كلّ من وجب عليه القتل ، للمشاركة في السّبب (٣) وهو ظاهر العبارة.

ويجب في هذا الغسل ما يجب في غسل الميّت ، فيغتسل ثلاثا على إشكال ينشأ من أنه غسل الحي والأمر لا يقتضي التكرار ، ومن أنّ المأمور به غسل الأموات بدليل التحنّط ولبس الكفن ، فلا بدّ من الغسلات الثلاث وهو الأصحّ ، ولا يقدح في الاجتزاء به الحدث تخلل أو تأخّر ، واحتمل مساواته لغسل الجنابة في الذّكرى (٤) ، وهو ضعيف للأصل.

ولا يدخل تحته شي‌ء من الأغسال الواجبة ، بل يتعيّن فعل ما وجب منها ، ولا يعاد الغسل بعد قتله ، ولا يجب بمسّه الغسل لصدق غسل الأموات ، ولو سبق موته وجبت الإعادة ، ويجب بمسّه الغسل حينئذ ، ولو قتل بسبب آخر فكذلك أيضا ، سواء بقي الأوّل كالقصاص مع ثبوت الرّجم أم لا كما لو عفي عن القود ، لأن الظّاهر وجوب التجديد لأصالة عدم إجزاء الغسل للسّبب الأخر.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢١٠ حديث ١ ، التهذيب ١ : ٣٣١ حديث ٩٦٩.

(٢) الكافي ٣ : ٢١٤ حديث ١ ، التهذيب ١ : ٣٣٤ حديث ٩٧٨.

(٣) الذكرى : ٤٢.

(٤) الذكرى : ٤٢.

٣٦٦

ولو فقد المسلم والكافر وذات الرحم دفن بغير غسل ، ولا تقربه الكافرة ، وكذا المرأة.

وروي انهم يغسّلون محاسنها ـ يديها ووجهها ـ ويكره أن يغسل مخالفا ، فان اضطر غسله غسل أهل الخلاف.

______________________________________________________

قوله : ( ولو فقد المسلم والكافر وذات الرّحم دفن بغير غسل ، ولا تقربه الكافرة ).

عن الشّهيد رحمه‌الله انّها لا تقربه الكافرة وإن كانت ذات رحم (١) ، ولعلّه استنادا إلى أنّ النّص (٢) ، وكلام الأصحاب في الكافر المماثل فيقتصر في الحكم المخالف على مورده ، وهو متّجه ، وعبارة المصنّف تحتمل الأمرين لأن فقد ذات الرحم يتناول الكافرة ، فيكون فقدها معتبرا في عدم قرب الكافرة ، وقوله : ( ولا تقربه الكافرة ) مطلق ، فيصدق على المحرم والأجنبية ، وقوله : ( وكذا المرأة ) معناه أنّه مع فقد المسلمة وذي الرّحم الى آخره.

قوله : ( وروي أنّهم يغسلون محاسنها يديها ووجهها ).

هذه الرّواية هي رواية المفضّل بن عمر ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ما تقول في المرأة تكون في السّفر مع رجال ليس لها فيهم محرم ولا معهم امرأة ، فتموت المرأة ما يصنع بها؟ قال : « يغسل منها ما أوجب الله عليه التيمّم ، ولا يكشف لها شي‌ء من محاسنها الّتي أمر الله بستره » فقلت : كيف يصنع بها؟ قال : « يغسل بطن كفّيها ، ثم يغسل وجهها ، ثم يغسل ظهر كفيها » (٣) وفي رواية « تؤمّم » (٤) وفي أخرى : « يغسل منها موضع الوضوء » (٥) ، والمنع مطلقا هو الأصحّ.

قوله : ( ويكره أن يغسل مخالفا ، فان اضطر غسله غسل أهل الخلاف ).

قال المفيد : لا يجوز تغسيله ولا الصّلاة عليه ، إلاّ أن تدعوه ضرورة ، فيغسله‌

__________________

(١) الذكرى : ٣٩.

(٢) الكافي ٣ : ١٥٩ حديث ١٢ ، الفقيه ١ : ٩٥ حديث ٤٣٩ ، ٤٤٠ ، التهذيب ١ : ٣٤٠ حديث ٩٩٧.

(٣) الكافي ٣ : ١٥٩ حديث ١٣ ، والفقيه ١ : ٩٥ حديث ٤٣٨ والتهذيب ١ : ٣٤٢ حديث ١٠٠٢ ، والاستبصار ١ : ٢٠٠ حديث ٧٠٥ مع اختلاف يسير في ألفاظه.

(٤) التهذيب ١ : ٤٤٣ حديث ١٤٣٣.

(٥) التهذيب ١ : ٤٤٣ حديث ١٤٣٠.

٣٦٧

المطلب الثاني : في الكيفية ، ويجب أن يبدأ الغاسل بإزالة النجاسة عن بدنه ، ثم يستر عورته ، ثم يغسّله ناويا

______________________________________________________

غسل أهل الخلاف (١) ، والمشهور بين الأصحاب كراهية التعرض إليه إلا أن يتعيّن فيجب (٢) ، وظاهر هم أنّه لا يجوز تغسيله غسل أهل الولاية ، ولا نعرف لأحد تصريحا بخلافه ، ولو مسّ بعد الغسل فالظّاهر عدم وجوب الغسل بمسّه.

ولو جهل غسلهم ولم يمكن استعلامه ، فهل يغسل غسل أهل الحق؟ فيه نظر ، ولا بدّ من تقييده بأن لا يكون ناصبا.

ولو غسل المخالف مؤمنا ففي البيان الأقرب الاجزاء (٣) ، وهو حسن إن غسله غسل أهل الايمان ، وإلاّ فلا.

قوله : ( ويجب أن يبدأ الغاسل بإزالة النّجاسة عن بدنه ، ثم يستر عورته ).

لا شبهة في وجوب إزالة النّجاسة عنه لتوقف تطهيره عليها ، أمّا عطفه ستر عورته عليها بـ ( ثم ) ففيه تسامح ، إذ لا ترتيب هنا ، بل الحكم العكس لوجوب ستر عورته عن النّاظر مطلقا ، ولو كان الغاسل غير مبصر ، أو واثقا من نفسه بكفّ البصر وليس هناك ناظر غيره لم يجب ، لكنّه يستحب استظهارا.

قوله : ( ثم يغسله ناويا ).

قطع الشّيخ في الخلاف على وجوب النّية في غسل الميّت ، ونقل فيه الإجماع (٤) ، وتردد في المعتبر نظرا إلى أنه تطهير للميّت من نجاسة الموت (٥) ، وباقي المتأخّرين على الوجوب وهو ظاهر المذهب (٦) لأنه عبادة ، ولوجوب التّرتيب فيه بين الأعضاء المقتضي لكونه غسلا حقيقيا ، ولإيماء قوله عليه‌السلام : « كغسل الجنابة » (٧) إلى ذلك ، إذ لا يحسن تشبيه إزالة النّجاسة به.

__________________

(١) المقنعة : ١٣.

(٢) منهم : الشيخ في المبسوط ١ : ١٨١ ، والمحقق في الشرائع ١ : ٣٧ ، والشهيد في البيان : ٢٤.

(٣) البيان : ٢٤.

(٤) الخلاف ١ : ٢٨٤ مسألة ٢٧ كتاب الجنائز.

(٥) المعتبر ١ : ٢٦٥.

(٦) منهم : فخر المحققين في إيضاح الفوائد ١ : ٥٩ ، والشهيد في الدروس : ٩.

(٧) التهذيب ١ : ٤٤٧ حديث ١٤٤٧ ، الاستبصار ١ : ٢٠٨ حديث ٧٣٢.

٣٦٨

______________________________________________________

ويجب اشتمالها على قصد الفعل المعيّن ، والقربة ، والوجه دون الرّفع لامتناعه والاستباحة لأنه لم يجعل شرعا لإباحة ممنوع منه كالطّهارة المطلوبة للصّلاة لأن الغسل من جملة أحكام الميّت الواجبة ، فوجوبه لنفسه.

وترتب التكفين والصّلاة والدّفن عليه لا يقتضي كونه مطلوبا لها كسائر الأشياء المترتّبة ، فلو نسي الغسل وصلّى ففي الإجزاء ، أو وجوب الإعادة بعد الغسل والتكفين نظر ينشأ من أنّ الترتيب شرط الصحّة ، أو واجب لا غير. ولو دفن بغير غسل ، فان قلنا بعدم النّبش له صلّى عليه بدونه.

ويجب صدور النّية من الغاسل أعني الصاب للماء ، فلو نوى غيره لم يجز ولو اشترك جماعة في غسله ، فان ترتّبوا بأن غسل كلّ واحد بعضا اعتبرت النيّة من كلّ واحد عند أوّل فعله ، لامتناع ابتناء فعل مكلّف على نية مكلّف آخر ، وإن اجتمعوا في الصب فالظاهر اعتبار النيّة من الجميع ، لأن التغسيل مستند إلى جميعهم ولا أولويّة ، ولو كان بعضهم يصب الماء والبعض يقلب فالأفضل للمقلب أن ينوي أيضا ، واكتفى في الذكرى بكون النية منه ، محتجا بأن الصّاب كالآلة (١) ، وليس بشي‌ء ، لأن الغاسل حقيقة من يصدر منه الغسل ، وحقيقة الغسل ليست أمرا زائدا على إجراء الماء على المحل.

ويتخير بين نيّة واحدة ونيات ثلاث عند أوّل كل غسلة ، لأنه في المعنى عبادة واحدة ، وغسل واحد مركب من مجموع غسلات تترتب على فعله عدة أمور ، فينوي له عند أوّل الغسلات ، وفي الصورة ثلاثة أغسال لوجوب الترتيب في أعضاء كلّ مرة ، وثبوت التشبيه بين كلّ مرّة وغسل الجنابة في النّصوص (٢) وكلام الفقهاء فلا يمتنع إفراد كل غسل بنية عند أوّله.

ولا يجوز إفراد أبعاض الغسلة بنية كما في سائر الأغسال ، ويجب استدامة النيّة حكما إلى الفراغ ، وعلى ما بيّناه من كونه عبادة يمتنع وقوعه بماء مغصوب ، وفي مكان مغضوب كسائر العبادات.

__________________

(١) الذكرى : ٤٤.

(٢) الكافي ٣ : ١٦١ حديث ١ ، الفقيه ١ : ١٢٢ حديث ٥٨٦ ، علل الشرائع : ٣٠٠ باب ٢٣٧ حديث ٥ الاستبصار ١ : ٢٠٨ حديث ٧٣٢ ، التهذيب ١ : ٤٤٧ حديث ١٤٤٧.

٣٦٩

بماء طرح فيه من السدر ما يقع عليه اسمه ، ولو خرج به عن الإطلاق لم يجزئ مرتبا كالجنابة ، ثم بماء الكافور‌

______________________________________________________

قوله : ( بماء طرح فيه من السّدر ما يقع عليه اسمه ).

ما أحسن هذه العبارة وأوفقها للتقييد بعدم خروج الماء بالسّدر عن الإطلاق بحيث يصير مضافا ، وقد ورد في رواية سليمان بن خالد ، عن الصّادق عليه‌السلام : « يغسل بماء وسدر ، ثم بماء وكافور ، ثم بماء » (١).

وليس للسّدر مقدر ، فيعتبر فيه صدق الاسم ، نعم ينبغي أن يكون في الماء قدر سبع ورقات ولا يتعيّن ، وإن قدر بذلك في بعض الأخبار (٢). ويعتبر كونه مطحونا لأن المراد به التنظيف ولا يتحقّق بدون طحنه ، نعم لو مرس (٣) الورق الأخضر بالماء حتى استهلك أجزاءه كفى ذلك ، وقدّر المفيد السّدر بنحو رطل (٤) ، وابن البراج برطل ونصف (٥) ، وإطلاق الأخبار يدفعهما (٦).

قوله : ( ولو خرج به عن الإطلاق لم يجزئ ).

أي : لو خرج الماء بالسّدر عن كونه مطلقا لم يجزئ التّغسيل به ، وكذا الكافور ، لأنّه مطلوب للتطهير والمضاف غير مطهر ، ولدلالة قوله عليه‌السلام : « بماء وسدر ، ثم بماء وكافور عليه ) (٧) وقوله : ( مرتّبا كالجنابة ) معناه أنه يغسل رأسه ورقبته أولا ، ثم جانبه الأيمن ، ثم الأيسر ، والتّشبيه به مستفاد من الأخبار ، قال الباقر عليه‌السلام : « غسل الميّت مثل غسل الجنب » (٨). ويجوز في قوله ( مرتّبا ) فتح التاء وكسرها على أنه حال من الغسل أو الغاسل ، ولو نكس فكالجنابة.

قوله : ( ثم بماء الكافور كذلك ).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٤٦ حديث ١٤٤٣.

(٢) التهذيب ١ : ٣٠٢ ، ٣٠٣ حديث ٨٧٨ ، ٨٨٢ ، الاستبصار ١ : ٢٠٧ حديث ٧٢٦ ، ٧٢٩.

(٣) مرس التمر وغيره في الماء إذا أنقعه ومرثه بيده الصحاح ٣ : ٩٧٧ مادة ( مرس ).

(٤) المقنعة : ١١.

(٥) المهذب ١ : ٥٦.

(٦) الكافي ٣ : ١٣٩ باب غسل الميت ، التهذيب ١ : ٢٩٨ حديث ٨٧٣ ـ ٨٧٧.

(٧) التهذيب ١ : ٤٤٦ حديث ١٤٤٣.

(٨) الفقيه ١ : ١٢٢ حديث ٥٨٦ ، التهذيب ١ : ٤٤٧ حديث ١٤٤٧ ، الاستبصار ١ : ٢٠٨ حديث ٧٣٢.

٣٧٠

كذلك ، ثم كذلك بالقراح.

______________________________________________________

المشار اليه بـ ( ذلك ) هو ما سبق في ماء السّدر ، أي بماء طرح فيه من الكافور ما يقع عليه اسمه ، ولم يخرج به الماء عن الإطلاق مرتّبا ايضا.

قوله : ( ثم كذلك بالقراح ).

المشار إليه بـ ( ذلك ) هنا هو التّرتيب ، أي ثم يغسل مرتّبا بالقراح ، ـ وهو بفتح القاف ـ الخالي عن السّدر والكافور ، وفي الصّحاح : القراح : الّذي لا يشوبه شي‌ء (١).

وربما توهم بعضهم من هذا التّفسير أن الماء المشوب بشي‌ء ، كماء السيل مثلا المشوب بالطين لا يجوز تغسيل الميت به لعدم كونه قراحا ، وهو فاسد لأن مثل هذا الماء يجوز استعماله في سائر الطّهارات ، وطهوريته موضع وفاق ، وإنّما المراد بالقراح في مقابل ماء السّدر والكافور ما خلا عنهما ، وقد تقدم في حديث سليمان بن خالد « ثم بماء » (٢) ، ولا شبهة في أن هذا ماء.

ويستفاد من قوله : ( ثم بماء الكافور ، ثم بالقراح ) حيث عطف بـ ( ثم ) وجوب الترتيب بين هذه المياه كما ذكره ، لأن ( ثم ) تقتضي التّرتيب ، فلو غير التّرتيب لم يجزئ لعدم صدق الامتثال ، واحتمل الاجزاء في التّذكرة (٣) وعلى قول سلاّر بأن الواجب غسلة واحدة بالقراح ، والباقيتان مستحبتان (٤) لا بحث في الإجزاء ، وهو ضعيف.

واعلم أن في رواية الكاهلي ، عن الصّادق عليه‌السلام في غسل جانبي الميّت بعد غسل رأسه ولحيته ووجهه ، الأمر بغسل جانبيه من قرنيه الى قدميه الأيمن أولا ، ثم الأيسر (٥) ، فمقتضاه أن إضافة كلّ من شقي رأسه الى الجانب الّذي يليه من السّنن كما يستحب تثليث الغسل في كلّ غسلة.

__________________

(١) الصحاح ١ : ٣٩٦ مادة ( قرح ).

(٢) التهذيب ١ : ٤٤٦ حديث ١٤٤٣.

(٣) التذكرة ١ : ٣٩.

(٤) المراسم : ٤٧.

(٥) الكافي ٣ : ١٤٠ حديث ٤ ، التهذيب ١ : ٢٩٨ حديث ٨٧٣.

٣٧١

ولو فقد السدر والكافور غسّله ثلاثا بالقراح على رأي.

______________________________________________________

قوله : ( ولو فقد السّدر والكافور غسّله ثلاثا بالقراح ).

هذا هو أصحّ الوجهين ، لأنّ الواجب تغسيله بماء وسدر وبماء وكافور ، كما تقدم في خبر سليمان بن خالد (١) فالمأمور به شيئان ، فإذا تعذر الخليطان ، أو أحدهما بقي الأمر بتغسيله بالماء كما كان ، ويؤيّده قوله عليه‌السلام : « لا يسقط الميسور بالمعسور » (٢) ، وقوله عليه‌السلام : « فاتوا منه ما استطعتم » (٣).

وعلله في المختلف بأنه مأمور بالغسلات الثّلاث على هيئته ـ وهي كون الاولى بماء السّدر ، والثانية بماء الكافور ، والثّالثة بالقراح ـ فيكون مطلق الغسلات واجبا ، لاستلزام وجوب المركب وجوب أجزائه (٤). وفيه نظر ، لأن اللازم وجوب أجزائه حين هي أجزاؤه لا مطلقا ، والماء عند تعذّر السّدر ليس جزءا لماء السّدر ، فلا يلزم وجوبه.

والوجه الثّاني : الاجتزاء بغسلة واحدة لتعذر ما سواها ، فيمتنع التّكليف به ، ويضعّف بأنّ المتعذر هو الخليط خاصّة ، فيسقط.

إذا عرفت هذا ، فاعلم أنّه لا بدّ من تمييز الغسلات بعضها عن البعض الآخر ، لوجوب الترتيب بينها ، وذلك بالنية ، بأن يقصد تغسيله بالقراح في موضع ماء السّدر ، وكذا في ماء الكافور.

ولو مسّ الميّت ماسّ بعد هذا الغسل ، فالظاهر وجوب الغسل عليه ، لعدم تغسيله على الوجه المعتبر لان هذا غسل ضرورة ، ولهذا تجب إعادته على الأصحّ إذا أمكن تغسيله على الوجه المعتبر قبل الدّفن ، وكذا القول في كلّ غسل شرع للضرورة ، ومثله التيمّم بطريق أولى.

فرع :

قال في الذكرى : لو وجد ماء لغسلة واحدة فالأولى القراح لأنّه أقوى في‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٤٦ حديث ١٤٤٣.

(٢) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٩٧٥ حديث ٤١٢.

(٤) المختلف : ٤٣.

٣٧٢

ولو خيف تناثر جلد المحترق والمجدور لو غسله يممه مرة على اشكال ، وكذا لو خشي الغاسل على نفسه من استعمال الماء أو فقد الغاسل.

ويستحب وضع الميت على ساجة.

______________________________________________________

التطهير ، ثم قال : ولا تيمّم لحصول مسمى الغسل (١) ، وفي الحكمين معا نظر ، بل الظّاهر وجوب رعاية الترتيب ، ورعاية فعل بدل الفائت.

واعلم أنّه يستفاد من عبارة المصنّف أنّ غير السّدر لا يقوم مقامه عند فقده ، وعبارة الشّيخ تقتضي الاكتفاء بالخطمي عند فقده (٢) ، والأصحّ خلافه.

قوله : ( ولو خيف تناثر جلد المحترق والمجدور لو غسله يمّمه مرة على إشكال ).

المجدور من به الجدري ـ بضمّ الجيم وفتحها ـ وهي قروح في البدن تنقط وتقيح (٣) ، وينشأ الإشكال من أنّه بدل من غسل واحد فيجزئ مرّة ومن أنّه ثلاثة أغسال وكونها في قوة واحد لا يخرجها عن التّعدد ، وإذا وجب التّعدّد في المبدل منه مع قوته ففي البدل الضعيف بطريق أولى ، وهو الأصحّ.

قوله : ( وكذا لو خشي الغاسل على نفسه من استعمال الماء أو فقد الغاسل ).

اي : وكذا ييمّم في هذين الموضعين أيضا ، وفي الاكتفاء بالمرة ووجوب التعدد الاشكال السّابق.

قوله : ( ويستحب وضع الميّت على ساجة ).

صيانة له عن التلطخ ، وليكن على مرتفع لئلاّ يعود ماء الغسل اليه ، وليكن مكان الرّجلين منحدرا حذرا من اجتماع الماء تحته.

__________________

(١) الذكرى : ٤٥.

(٢) المبسوط ١ : ١٧٧.

(٣) القاموس ١ : ٣٨٧ مادة ( جدر ).

٣٧٣

مستقبل القبلة تحت الظلال ، وفتق قميصه ونزعه من تحته ،

______________________________________________________

قوله : ( مستقبل القبلة ).

أي : يستحب ذلك وفاقا للمرتضى (١) ، والمحقّق لقول (٢) الرّضا عليه‌السلام وقد سئل عن وضع الميّت على المغتسل : « يوضع كيف تيسر » (٣) وقال الشّيخ : يجب الاستقبال كحال الاحتضار لورود الأمر به (٤) ، وهو دال على الوجوب (٥) ولا ينافيه ما سبق لأن ما تعسّر لا يجب ، واختاره شيخنا الشّهيد (٦) ، وهو الأصحّ.

قوله : ( تحت الظلال ).

أي : يستحبّ ذلك ، قاله الأصحاب عن الصّادق عليه‌السلام : « إن أباه كان يستحبّ أن يجعل بين الميّت وبين السّماء سقف » (٧) يعني إذ غسل ، قال في التّذكرة : ولعل الحكمة كراهة مقابلة السماء بعورته (٨).

قوله : ( وفتق قميصه ونزعه من تحته ).

أكثر عبارات الأصحاب بالفتق ، وفي البيان عبّر بشق القميص (٩) ، وهو في خبر عبد الله بن سنان عن الصّادق عليه‌السلام (١٠) ، وهل بينهما فرق؟ المتعارف أن الفتق بموضع الخياطة ، ولكن أهل اللّغة ساووا بينهما ، صرّح بذلك في القاموس وغيره (١١).

إذا عرفت ذلك فاستحباب نزع القميص من تحت الميّت لا كلام فيه بين الأصحاب ، لئلاّ يكون فيه نجاسة تلطخ أعالي بدنه لأن الحال مظنة النّجاسة ، لكن الخلاف في أنّ تجريده من القميص وتغسيله عريانا مستور العورة أفضل ، أم تغسيله في‌

__________________

(١) المسائل الموصليات الثالثة ، ضمن رسائله ١ : ٢١٨.

(٢) المعتبر ١ : ٢٦٩.

(٣) التهذيب ١ : ٢٩٨ حديث ٨٧١.

(٤) الكافي ٣ : ١٢٧ ، ١٤٠ حديث ٣ ، ٤ ، الفقيه ١ : ١٢٣ حديث ٥٩١ ، التهذيب ١ : ٢٩٨ حديث ٨٧٢ ، ٨٧٣.

(٥) المبسوط ١ : ٧٧.

(٦) الذكرى : ٤٤.

(٧) التهذيب ١ : ٤٣٢ حديث ١٣٨٠ وفيه : ( ستر ) بدل ( سقف ).

(٨) التذكرة ١ : ٣٨.

(٩) البيان : ٢٤.

(١٠) الكافي ٣ : ١٤٤ حديث ٩ ، التهذيب ١ : ٣٠٨ حديث ٨٩٤.

(١١) القاموس ٣ : ٢٧٣ ، والصحاح ٤ : ١٥٣٩ مادة ( فتق ).

٣٧٤

وتليين أصابعه برفق ، وغسل رأسه برغوة السدر أولا ، ثم فرجه بماء السدر والحرض.

______________________________________________________

قميصه كما غسل النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١)؟

فبالأوّل قال الشّيخ في النّهاية (٢) والمبسوط (٣) وجمع (٤) ، وبالثّاني قال ابن ابي عقيل (٥) ، وأوجب النّزع ابن حمزة (٦) ، ورواية عبد الله بن سنان (٧) وغيرها (٨) تشهد للأوّل ، وظاهر الاخبار طهارة القميص وإن لم يعصر (٩) ، إجراء له مجرى ما لا يمكن عصره ، وجواز الأمرين أقوى ، وتطهيره مع تجريده أمكن ، والظاهر أن فتق القميص مشروط بإذن الوارث ، فلو تعذّر لصغر ، أو غيبة ونحو هما لم يجز لأنّه إتلاف لحكم مستحب.

قوله : ( وتليين أصابعه برفق ).

منع منه ابن أبي عقيل (١٠) ، لخبر طلحة بن زيد ، عن الصّادق عليه‌السلام : « ولا تغمز له مفصلا » (١١) ، ونزله الشّيخ على ما بعد الغسل (١٢) ، والمشهور الاستحباب.

قوله : ( وغسل رأسه برغوة السّدر أولا ، ثم فرجه بماء السّدر والحرض ).

لا محلّ لهذا الترتيب ، بل المستحبّ في الاخبار الابتداء بغسل فرجه (١٣) ، وفي‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٦٨ حديث ١٥٣٥.

(٢) النهاية : ٣٣.

(٣) المبسوط ١ : ١٧٨.

(٤) منهم : ابن بابويه في الهداية : ٢٤ ، وسلار في المراسم : ٥٦ ، والشهيد في الدروس : ٩.

(٥) نقله عنه في المختلف : ٤٣.

(٦) الوسيلة : ٥٥.

(٧) الكافي ٣ : ١٤٤ حديث ٩ ، التهذيب ١ : ٣٠٨ حديث ٨٩٤.

(٨) الكافي ٣ : ١٤١ حديث ٥ ، التهذيب ١ : ٣٠١ حديث ٨٧٧.

(٩) التهذيب ١ : ٤٤٦ حديث ١٤٤٣ ، ١٤٤٤ ، الاستبصار ١ : ٢٠٨ حديث ٧٣١.

(١٠) نقله عنه في المختلف : ٤٢.

(١١) الكافي ٣ : ١٥٦ حديث ٣ ، التهذيب ١ : ٣٢٣ حديث ٩٤١ وفيهما : ( ولا يغمز له مفصل ) ، والنص الذي هنا ورد في التهذيب ١ : ٤٤٧ حديث ١٤٤٥ عن حمران بن أعين.

(١٢) الخلاف ١ : ١٦٢ مسألة ١٥ كتاب الجنائز.

(١٣) الكافي ٣ : ١٣٨ باب غسل الميت ، التهذيب ١ : ٢٩٨ حديث ٨٧٤ ، ٨٧٧ ـ ٨٧٩.

٣٧٥

ويديه ، وتوضئته ، والبدأة بشق الرأس الأيمن ثم الأيسر ، وتثليث كل غسله في كل عضو ، ومسح بطنه في الأوليين إلاّ الحامل ، والوقوف على الأيمن ، وغسل يدي الغاسل مع كل غسلة ، وتنشيفه بثوب بعد الفراغ صونا للكفن ،

______________________________________________________

خبر يونس غسل رأسه بالرغوة بعد تنقية الفرج (١) ، وكما يستحب تقديم غسل العورة بالحرض والسّدر ، كذا يستحب في الثّانية بماء الكافور والحرض (٢) وفي الثّالثة بالقراح وحده.

قوله : ( ويديه ).

أي : يدي الميّت ثلاثا إلى نصف الذراع لخبر يونس (٣) ، أمّا الغاسل فالى مرفقيه لخبر يونس أيضا ، ويلوح منه أن الغسل هنا مرة.

قوله : ( وتوضئته ).

قبل الغسل أو بعده لكن لا بدّ من مراعاة إزالة النّجاسة العرضيّة أولا ، ولا مضمضة ولا استنشاق هنا.

قوله : ( ومسح بطنه في الأوليين إلا الحامل ).

أي : في كلّ من غسلتي السدر والكافور قبلهما ليرد عليه الماء ، والغرض به التحفّظ من خروج شي‌ء بعد الغسل ، وأنكره ابن إدريس لمساواة الميّت الحي في الحرمة (٤) وهو ضعيف. ولا يستحبّ المسح في الثّالثة إجماعا بل يكره ، وليكن المسح رفيقا ، ولا تمسح بطن الحامل التي مات ولدها حذرا من الإجهاض ، ولو أجهضت فعشر دية أمّه ، نبه على ذلك في البيان (٥).

قوله : ( وغسل يدي الغاسل مع كلّ غسلة ).

قد عرفت أن الغسلة إلى مرفقيه مرّة واحدة ، وكذا يستحبّ غسل الإجانة.

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٤١ حديث ٥ ، التهذيب ١ : ٣٠١ حديث ٨٧٧.

(٢) الحرض : الأشنان ، انظر الصحاح ٣ : ١٠٧ مادة ( حرض ).

(٣) الكافي ٣ : ١٤١ حديث ٥ : التهذيب ١ : ٣٠١ حديث ٨٧٧.

(٤) السرائر : ٣١.

(٥) البيان : ٢٥.

٣٧٦

وصبّ الماء في الحفيرة ، ويكره في الكنيف ، ولا بأس بالبالوعة. ويكره ركوبه ، وإقعاده ، وقص أظفاره ، وترجيل شعره.

فروع :

أ : الدلك ليس بواجب ، بل أقل واجب الغسل إمرار الماء على جميع الرأس والبدن ، والأقرب سقوط الترتيب مع غمسه في الكثير.

______________________________________________________

قوله : ( وصبّ الماء في الحفيرة ).

أي : بأن يحفر له موضع المغتسل ، وليكن تجاه القبلة كما تضمّنه خبر سليمان بن حمّاد (١) ، والحفيرة أولى من البالوعة أسنده في الذّكرى (٢) إلى ابن حمزة (٣).

قوله : ( ويكره الكنيف ، ولا بأس بالبالوعة ).

الكنيف : الموضع المعدّ لقضاء الحاجة (٤) ، والبالوعة : ما يعدّ في المنزل لإراقة الماء ونحوه ، وكراهية صبّ الماء في الكنيف دون البالوعة بإجماع الأصحاب ، وبه مكاتبة محمّد بن الحسن الصفّار إلى العسكري عليه‌السلام (٥).

قوله : ( وقصّ أظفاره وترجيل شعره ).

أي : تسريحه ، وقيل بالتّحريم فيهما ، نقل الشّيخ فيه الإجماع ، وكذا في تنظيف أظفاره من الوسخ بالخلال (٦) ، والمشهور الكراهيّة (٧) ، فإن فعل دفن ما ينفصل من الأظفار والشّعر معه وجوبا.

قوله : ( والأقرب سقوط التّرتيب مع غمسه في الكثير ).

وجه القرب أنّه كغسل الجنابة ، ولأن المطلوب من الغسل يحصل بالغمس كما‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٢٧ حديث ٣ ، التهذيب ١ : ٢٩٨ حديث ٨٧٢ وفيهما عن سليمان بن خالد ، الفقيه ١ : ١٢٣ حديث ٥٩١ رواه مرسلا.

(٢) الذكرى : ٤٤.

(٣) الوسيلة : ٥٧.

(٤) لسان العرب ٩ : ٣١٠ مادة ( كنف ).

(٥) الكافي ٣ : ١٥٠ حديث ٣ ، التهذيب ١ : ٤٣١ حديث ١٣٧٨.

(٦) المبسوط ١ : ١٨١ ، الخلاف ١ : ١٦٢ مسألة ١٣ كتاب الجنائز ، النهاية : ٤٣.

(٧) منهم : المحقق في المعتبر ١ : ٢٧٨ ، والبيان : ٢٥.

٣٧٧

ب : الغريق يجب إعادة الغسل عليه.

ج : لو خرجت نجاسة بعد الغسل لم يعد ، ولا الوضوء ، بل تغسل. ولو أصابت الكفن غسل منه ما لم يطرح في القبر فيقرض.

______________________________________________________

يحصل بالتّرتيب ، والمراد سقوط التّرتيب بين أعضاء كلّ غسلة لا بين الغسلات ، فلا بدّ من كون ماء السّدر غير ماء الكافور ، والقراح غيرهما ، فان لم يكن تغاير المياه امتنع ذلك في غير الغسلة الواحدة لعدم صدق ماء الكافور والقراح شرعا على ما مزج بالسّدر.

ويحتمل عدم إجزاء الغمس لعدم النّص ، وفي الأوّل قوة لأن سقوط التّرتيب بالغمس في الغسل الحقيقي يقتضي سقوطه هنا بطريق أولى ، وإن كان التّرتيب أحوط.

قوله : ( الغريق يجب إعادة الغسل عليه ).

وذلك لأن النيّة معتبرة في الغسل ولم تحصل ، ويجي‌ء على قول من لا يعتبر النيّة (١) عدم الوجوب.

قوله : ( لو خرجت نجاسة بعد الغسل لم يعد ، ولا الوضوء ، بل تغسل ).

وكذا لا يجب إعادة شي‌ء منهما لو خرجت في الأثناء وان تقدم الوضوء ، إذ ليس المراد بهذا الغسل والوضوء دفع الحدث ، وأوجب ابن ابي عقيل اعادة الغسل بالخارج (٢) ، وهو ضعيف ، نعم يجب غسل النّجاسة على كلّ حال وإن وضع في القبر إلاّ مع التعذّر ، ولا يجوز حينئذ إخراجه بحال لما فيه من هتك الميّت مع أن القبر محل النّجاسة ، واعلم أنّ الوضوء معطوف على الضّمير المرفوع في ( لم يعد ) بغير فصل ، وفيه ضعف.

قوله : ( ولو أصابت الكفن غسلت منه ما لم يطرح في القبر فيقرض ).

أطلق الشّيخ قرضها (٣) لصحيح الكاهلي عن الصّادق عليه‌السلام (٤)

__________________

(١) هذا القول محكي عن السيد كما في ذخيرة المعاد : ٨٣ ، ومفتاح الكرامة ١ : ٤٢٧.

(٢) نقله عنه في المختلف : ٤٣.

(٣) المبسوط ١ : ١٨١ ، النهاية : ٤٣.

(٤) الكافي ٣ : ١٥٦ حديث ١ ، التهذيب ١ : ٤٣٦ حديث ١٤٠٥.

٣٧٨

الفصل الثاني : في التكفين ، وفيه مطلبان :

الأول : في جنسه وقدره ، وشرطه أن يكون مما تجوز الصلاة فيه ، فيحرم في الحرير المحض.

______________________________________________________

وغيره (١) ، وفصّل بما ذكره المصنّف جماعة لاستبقاء الكفن ، والنّهي عن إتلاف المال ، وعلى هذا فإنّما يقرض في القبر إذا تعذر غسلها ، وعن الصّدوق إذا قرضت مدّ أحد الثّوبين على الآخر ليستر المقطوع (٢).

ولو تفاحشت النّجاسة بحيث يؤدي القطع إلى إفساد الكفن وهتك الميّت وتعذّر الغسل ، فالظاهر عدم القطع لامتناع إتلاف الكفن على هذا الوجه ، وقد نبّه على ذلك شيخنا الشّهيد (٣).

قوله : ( الأوّل : في جنسه وقدره ، وشرطه أن يكون ممّا تجوز الصّلاة فيه فيحرم في الحرير المحض ).

الضّمير في ( جنسه وقدره ) للكفن المدلول عليه بالتكفين ، والأولى أن يكون الضّمير في شرطه للكفن أيضا ، وتكون الجملة مسوقة لبيان الجنس ، ولا يحسن جعل هذا الضّمير للجنس إذ يصير التّقدير حينئذ : وشرط الجنس أن يكون من الّذي تجوز الصّلاة فيه.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ المراد بقوله : ( ممّا تجوز الصّلاة فيه ) كون الجواز للرّجال ، إذ لا يجوز التكفين في الحرير للرّجل ولا للمرأة باتفاقنا ، حكاه في الذّكرى (٤) ولثبوت النّهي عنه في خبر كسوة الكعبة (٥) ، مع تجويز البيع والهبة.

ويخرج عنه المغصوب والنّجس ، وجلد ووبر ما لا يؤكل لحمه ، فلا يجوز في شي‌ء من ذلك قطعا ، ويندرج فيه نحو وبر ما يؤكل لحمه ، فيجوز التّكفين فيه كما صرّح‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٥٦ حديث ٣ ، التهذيب ١ : ٤٥٠ حديث ١٤٥٨.

(٢) الفقيه ١ : ٩٢.

(٣) الذكرى : ٥٠.

(٤) الذكرى : ٤٦.

(٥) الكافي ٣ : ١٤٨ حديث ٥ ، الفقيه ١ : ٩٠ حديث ٤١٦ ، التهذيب ١ : ٤٣٤ حديث ١٣٩١.

٣٧٩

______________________________________________________

به في التّذكرة (١) وإن لم يقيد بالمأكول ، لأن الظّاهر إرادته ، وعن ابن الجنيد المنع منه (٢) ، وسنده غير معلوم. ويجب أن يستثني منه جلد ما يؤكل لحمه ، فإنه لا يجوز التكفين فيه ، لوجوب نزعه عن الشّهيد فهنا أولى ، ومع الضّرورة لا يكفن في المغصوب قطعا وغيره.

قال في الذّكرى : فيه ثلاثة أوجه ، المنع لإطلاق النّهي ، والجواز لئلاّ يدفن عاريا مع وجوب ستره ولو بالحجر ، ووجوب ستر العورة لا غير حالة الصّلاة ثم ينزع بعد ، وحينئذ فالجلد مقدّم لعدم صريح النّهي فيه ، ثم النّجس لعروض المانع ، ثم الحرير لجواز صلاة النّساء فيه ، ثم وبر غير المأكول ، وفي هذا التّرتيب للنظر مجال ، إذ يمكن أولوية الحرير على النّجس لجواز صلاتهن فيه اختيارا (٣).

هذا كلامه ، وفيه نظر ، أما في الجلد فلأن الأمر بنزعه عن الشّهيد يدل على المنع في غيره بمفهوم الموافقة ، وهي أقوى من الصّريح ، ولم يدل دليل على الجواز فيه ، والتكفين بالممنوع منه بمنزلة العدم شرعا ، والقبر كاف في الستر ، والأمر التعبّدي متعذّر على كلّ تقدير.

ومثله القول في الحرير ، وجواز صلاة النّساء فيه لا يقتضي جواز التكفين به لعدم الملازمة ، على أنّه لو تم ذلك لزم اختصاص الحكم بالنّساء ، وظاهر كلامه الإطلاق ، ووبر غير المأكول أبعد من الجميع.

أمّا النّجس فيدل على جوازه مع الضّرورة عدم وجوب نزعه عن الميّت لو استوعبته النّجاسة وتعذر غسلها وقرضه ، وأنّه آئل إلى النّجاسة عن قريب فأمره أخف ، والظاهر المنع مطلقا في غير النّجس.

ولو اضطر إلى ستر عورته حال الصّلاة ولم يوجد غير الممنوع منه أمكن الستر بأحد الأشياء الممنوع منها من غير ترتيب لعدم الدّليل عليه ، مع احتمال وضعه في القبر على وجه لا ترى عورته ، ثم يصلى عليه.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٣.

(٢) نقله عنه في التذكرة ١ : ٤٣.

(٣) الذكرى : ٤٦.

٣٨٠