جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

______________________________________________________

الخرقة أو غسلها ، لأن نفوذ الدّم من الكرسف يقتضي الوصول إليها فينجس.

ويجب الغسل لصلاة الغداة ، وابن الجنيد ، وابن أبي عقيل (١) سوّيا بين هذا القسم وبين الثّالث في وجوب ثلاثة أغسال ، وكذا المصنّف في المنتهى (٢) محتجّا بضعف الأخبار الدّالة على الاقتصار على الغسل الواحد (٣) ، وصحيحة معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام تضمنت وجوب الأغسال الثّلاثة بالغمس (٤).

قلنا : لا ريب أن سيلان الدم غمس وزيادة ، فلتحمل عليه جمعا بينها وبين رواية الصحاف (٥) ، وصحيحة زرارة (٦) ، وغيرهما من الأخبار (٧) ، وعملا بما عليه الأكثر ، وإن سال الدّم وهو القسم الثّالث للاستحاضة ، والمراد بسيلانه تجاوزه الكرسف والخرقة التي فوقه ، وذلك إنّما يكون عند تحشي المرأة ، لا وقت طرحه عنها.

هذا هو المفهوم من عبارات الأصحاب ، والّذي في خبر الصّحاف الأمران معا ، حيث قال : « ما لم تطرح الكرسف عنها ، فان طرحته وسال الدم وجب الغسل » مع قوله بعد : « فان كان الدم إذا أمسكت الكرسف يسيل من خلفه صبيبا » (٨) الى آخره ، فيظهر عدم الفرق.

وكيف كان فيجب عليها ـ مع ما تقدم ـ غسل للظهرين ، تجمع بينهما وجوبا ، والأفضل أن تؤخر الاولى وتعجل الثّانية ، وغسل للعشاءين ، كذلك وجوب الأغسال الثّلاثة في هذا القسم لا خلاف فيه بين الأصحاب ، إنّما الخلاف في وجوب الوضوء‌

__________________

(١) نقله عنهما في المختلف : ٤٠.

(٢) المنتهى ١ : ١٢٠.

(٣) الكافي ٣ : ٨٩ حديث ٤ ، التهذيب ١ : ١٧٠ ، ٤٠٢ حديث ٤٨٥ ، ١٢٨٥.

(٤) الكافي ٣ : ٨٨ حديث ٢ ، التهذيب ١ : ١٧٠ حديث ٤٨٤.

(٥) الكافي ٣ : ٩٥ حديث ١ ، التهذيب ١ : ١٦٩ حديث ٤٨٢.

(٦) التهذيب ١ : ١٧٣ حديث ٤٩٦.

(٧) انظر : الوسائل ٢ : ٦٠٤ باب ١ من أبواب الاستحاضة.

(٨) الكافي ٣ : ٩٥ حديث ١ ، التهذيب ١ : ١٦٩ حديث ٤٨٢ ، الاستبصار ١ : ١٤٠ حديث ٤٨٢ باختلاف يسير في الجميع.

٣٤١

______________________________________________________

لكل صلاة ، فاكتفى جمع من الأصحاب بالوضوء والغسل لصلاتي الجمع (١) ، وبعضهم اكتفى بالغسل عن الوضوء في هذا القسم وغيره (٢) ، والمعتمد ما قدمناه ، وهنا مباحث :

أولا : اعتبار الجمع بين الصّلاتين ليتحقّق الاكتفاء بغسل واحد ، فلو أفردت كلّ صلاة بغسل جاز قطعا ، بل هو أفضل وأبلغ كما صرح به في المنتهى (٣).

ثانيا : اعتبر جمع من الأصحاب لصحّة صلاتها معاقبتها للطّهارة (٤) ، فلو لم تتشاغل بها عقيب الطّهارة لم تصحّ ، وهو حسن ، لأن العفو عن حدثها المستمرّ للضّرورة ، فيقتصر على ما كان في محل الضّرورة ، وهو ما لا يمكن الانفكاك منه ، وإيجاب الوضوء لكلّ صلاة ، وإيجاب الجمع بين الفرضين بغسل يرشد إلى ذلك ، ولا يضرّ الاشتغال بنحو الاستقبال ، والسّتر ، والأذان ، والإقامة من مقدمات الصّلاة ، ولو كان دمها ينقطع حينا ، فان كان بحيث يسع الطّهارة والصّلاة وجب انتظاره ، ما لم يضرّ بالفرض.

ثالثا : لا تجمع المستحاضة بين الصّلاتين بوضوء واحد ، سواء الفرض والنفل بخلاف الغسل ، فتجمع بين صلاة اللّيل والصّبح بغسل واحد.

رابعا : قيل : المعتبر في قلة الدم وكثرته النّسبة إلى الأقسام السّابقة بأوقات الصّلاة (٥) لأنها أوقات الخطاب بالطّهارة ، فلا أثر لما قبلها ، فلو سبقت القلة وطرأت الكثرة ، تغيّر الحكم ، فلو طرأ السيلان بعد الصّبح واستمر اغتسلت للظّهرين ، ولو طرأ بعد هما فلا غسل لهما ، ولو كثر قبل الوقت ثم طرأت القلّة فعلى هذا القول لا غسل عليها.

ويمكن وجوبه نظرا إلى أن الحدث مانع ، سواء كان في وقت الصّلاة أم لا ،

__________________

(١) منهم : ابن إدريس في السرائر : ٣٠.

(٢) منهم : الشيخ في النهاية : ٢٨ ـ ٢٩ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٤٨٨.

(٣) المنتهى ١ : ١٢٢.

(٤) منهم : ابن إدريس في السرائر : ٣٠ ، والشهيد في الدروس : ٧.

(٥) قاله الشهيد في الذكرى : ٣١.

٣٤٢

ومع الأفعال تصير بحكم الطاهر ،

______________________________________________________

وهو ظاهر اختياره في البيان (١) ، وفي خبر الصحاف ما يشعر به (٢) ، وهو قوله عليه‌السلام : « فان كان الدّم لا يسيل فيما بينها وبين المغرب فلتتوضّأ لكلّ صلاة ».

وفي الذّكرى قال : إنّه مشعر بأن الاعتبار بوقت الصّلاة (٣) ، وليس بظاهر ، ولا ريب أن اعتباره مطلقا أحوط.

خامسا : إنما تجب الأغسال الثّلاثة مع استمرار الدم سائلا إلى وقت العشاءين ، فلو طرأت القلة بعد الظهرين فغسلان ، أو بعد الصّبح فغسل واحد ، وهذا هو المراد بقول المصنّف : ( مع الاستمرار ، وإلا فاثنان أو واحد ) أي : وإن لم يستمرّ فاثنان إن بقي إلى وقت الظّهرين ، أو واحد إن لم يبق ، ويظهر من العبارة القول بان الاعتبار بأوقات الصلوات لأن الظاهر أن المراد بالاستمرار بقاء الكثرة إلى وقت الصّلوات ، التي سبق وجوب الغسل لها.

قوله : ( ومع الأفعال تصير بحكم الطاهر ).

المراد بالأفعال جميع ما تقدّم من الغسل والوضوء ، وتغيير القطنة والخرقة ، وقد عرفت وجوب تطهير المحل ، وانّما يراد بالأفعال ما يجب عليها بحسب حال الدم ، وإن أطلقه اعتمادا على ما سبق وقال : ( بحكم الطاهر ) ، لأنها لدوام حدثها لا تكون طاهرا حقيقة ، والمراد من كونها بحكم الطاهر ، أن جميع ما يصحّ من الطاهر من الأمور المشروطة بالطّهارة تصح منها ، فتصحّ صلاتها ، وصومها ، ويأتيها زوجها أو سيّدها.

ويلوح من مفهوم العبارة أنّها بدون الأفعال لا يأتيها زوجها ، وإنّما يراد بها الغسل خاصّة ، إذ لا تعلق للوضوء بالوطء ، واختاره في المنتهى (٤) ، وأسنده إلى ظاهر عبارات الأصحاب ، واستدل بالأخبار الدّالة على أن الاذن في الوطء بعد الغسل (٥) ،

__________________

(١) البيان : ٢١.

(٢) الكافي ٣ : ٩٥ حديث ١ ، التهذيب ١ : ١٦٩ حديث ٤٨٢ ، الاستبصار ١ : ١٤١ حديث ٤٨٢.

(٣) الذكرى : ٣٠.

(٤) المنتهى ١ : ١٢١.

(٥) التهذيب ١ : ١٧٠ ، ٤٠١ ، ٤٠٢ حديث ٤٨٦ ، ٤٨٧ و ١٢٥٣ و ١٢٥٧.

٣٤٣

ولو أخلت بشي‌ء من الأفعال لم تصح صلاتها. ولو أخلّت بالأغسال لم يصح صومها ، وانقطاع دمها للبرء يوجب الوضوء.

______________________________________________________

وصاحب المعتبر جعله قبل الغسل مكروها كراهية مغلّظة (١) ، متمسكا بعموم قوله تعالى ( فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ ) (٢) ، وقول الصّادق عليه‌السلام : « المستحاضة يأتيها بعلها متى شاء إلا أيّام أقرائها » (٣).

قال في الذّكرى : ما أقرب الخلاف هنا من الخلاف في وطء الحائض قبل الغسل (٤) ، وفي اختيار المعتبر قوة ، لعدم دلالة الأخبار على تعيين غسل الاستحاضة ، فجاز أن يكون المراد غسل الحيض ، إلا أن ما ذكره أحوط.

قوله : ( ولو أخلّت بشي‌ء من الأفعال لم تصح صلاتها ).

وذلك لأنها إما محدثة ، أو ذات نجاسة لم يعف عنها.

قوله : ( ولو أخلّت بالأغسال لم يصحّ صومها ).

المراد بها الأغسال النّهارية ، فلا يشترط لصوم يوم غسل لليلة المستقبلة قطعا ، وهل يشترط غسل ليلته؟ فيه وجهان. ولو أخلت بالغسل بطل صومها ووجب القضاء خاصّة ، قال في الذكرى : وكلام المبسوط (٥) يشعر بتوقّفه في القضاء ، حيث أسنده إلى رواية الأصحاب (٦).

قوله : ( وانقطاع دمها للبرء يوجب الوضوء ).

حكم الشّيخ بأن انقطاع دمها يوجب الوضوء (٧) ، وقيده جمع من الأصحاب‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ٢٤٨.

(٢) البقرة : ٢٢٣.

(٣) التهذيب ١ : ٤٠١ حديث ١٢٥٤.

(٤) الذكرى : ٣١.

(٥) المبسوط ١ : ٦٨.

(٦) الذكرى : ٣١.

(٧) المبسوط ١ : ٦٨.

٣٤٤

المقصد الثامن : في النفاس

وهو دم الولادة ، فلو ولدت ولم تر دما فلا نفاس وان كان تاما ،

______________________________________________________

بكونه انقطع للبرء ، أي : للشفاء ، فإن دم الاستحاضة دم مرض وفساد (١) ، والمراد أنّه لم ينقطع متوقع العود ، أعني انقطاع فترة فإنّه حينئذ لا يجب تجديد الطّهارة ، لأنه بمنزلة الموجود ، إلا أن يتسع للطهارة والصّلاة فيجب.

وانّما وجب الوضوء مع الانقطاع للبرء ، لأن الحدث لدوامه معفوّ عنه مقدار زمان الطّهارة والصّلاة ، فإذا انقطع كذلك ظهر أثر الحدث الّذي وقع في خلال الطّهارة والصّلاة وبعد هما ، لانتفاء العفو مع زوال الضّرورة ، إلا أنّ هذا يقتضي وجوب ما كان يوجبه الدّم من غسل أو وضوء ، اعتبارا بحال الحدث ، كما ذهب إليه شيخنا الشّهيد ، فإطلاق إيجاب الوضوء وحده لا يستقيم.

قال في الذّكرى : وهذه المسألة لم يظفر فيها بنصّ من قبل أهل البيت عليهم‌السلام ، ولكن ما أفتى به الشّيخ هو قول العامة ، بناء منهم على أن حدث الاستحاضة يوجب الوضوء لا غير ولما كان الأصحاب يوجبون به الغسل فليكن مستمرّا ، (٢). هذا كلامه ، وهو كلام واضح.

قوله : ( المقصد الثّامن في النّفاس : وهو دم الولادة ).

يقال : نفست المرأة ونفست بضم النون وفتحها ، وفي الحيض بالفتح لا غير ، وهو مأخوذ إما من النّفس وهو الدّم ، أو الولد ، أو من تنفس الرحم بالدّم (٣) ، وشرعا : هو دم يقذفه الرحم عقيب الولادة ، أو معها.

قوله : ( فلو ولدت ولم تر دما فلا نفاس وإن كان تامّا ).

لا خلاف بين الأصحاب في ذلك ، وإنّما المخالف في ذلك بعض العامة (٤) ،

__________________

(١) منهم : العلامة في المختلف ١ : ١٢٢ ، والشهيد في الدروس : ٧.

(٢) الذكرى : ٣١.

(٣) الصحاح ( نفس ) ٣ : ٩٨٤ ، القاموس ( نفس ) ٢ : ٢٥٥.

(٤) القائل أحمد بن حنبل كما في المغني لابن قدامة ١ : ٣٩٦ فصل ٤٩٥.

٣٤٥

ولو رأت الدم مع الولادة أو بعدها وان كان مضغة فهو نفاس.

ولو رأت قبل الولادة بعدد أيام الحيض وتخلل النقاء عشرة فالأول حيض وما مع الولادة نفاس ، وان تخلل أقل من عشرة فالأول استحاضة

______________________________________________________

فأوجب الغسل بخروج الولد ، وبعضهم جعل خروجه حدثا أصغر (١).

قوله : ( ولو رأت الدّم مع الولادة أو بعدها وإن كان مضغة فهو نفاس ).

لا خلاف في أن الدّم الخارج قبل الولادة كدم الطلق ليس نفاسا ، كما أنّه لا خلاف في أنّ الخارج بعد الولادة نفاس ، إنّما الخلاف في أن الخارج معها هل هو نفاس أم لا؟ والمشهور أنّه نفاس (٢) ، خلافا للسّيد المرتضى (٣) ، والعمل على المشهور ، لحصول المعنى المشتقّ منه ، وخروجه بسبب الولادة ، فيتناوله إطلاق النّصوص.

ويتحقّق النفاس بمقارنة الدّم وضع كلّ ما يعد آدميا ، أو مبدأ خلق آدمي حتّى المضغة دون العلقة ، لعدم اليقين ، وفي الذّكرى : إنّه لو علم كونه مبدأ نشوء إنسان ، بقول أربع من القوابل كان نفاسا (٤) ، وللتوقّف فيه مجال لانتفاء التّسمية.

قوله : ( ولو رأت قبل الولادة بعدد أيام الحيض ، وتخلل النقاء عشرة ، فالأوّل حيض ، وما مع الولادة نفاس ، وإن تخلل أقل من عشرة فالأوّل استحاضة ).

وجهه إعطاء كل من الدّمين حكمه ، فإن كل دم يمكن أن يكون حيضا فهو حيض كما سبق في الحيض ، وقد يستفاد من قوله : ( وتخلل النّقاء عشرة ) أنّه بدون تخلّله كذلك لا يكون الأوّل حيضا ، وقد صرّح بهذا المفهوم بقوله : ( وان تخلل أقل ... ) وفي المسألة وجهان :

__________________

(١) القائل امام الحرمين كما في فتح العزيز ٢ : ٥٨٠.

(٢) ذهب اليه المفيد في المقنعة : ٧ ، والشيخ في المبسوط ١ : ٦٨ ، والشهيد في الدروس : ٧ وغيرهم.

(٣) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٢٧.

(٤) الذكرى : ٣٣.

٣٤٦

ولا حد لأقله ، فجاز أن يكون لحظة. وأكثره للمبتدئة ، ومضطربة الحيض عشرة أيام.

______________________________________________________

أحدهما : ما ذكره المصنّف ، لأن دم النّفاس حيض من حيث المعنى ، لأنه دم حيض احتبس ، فيشترط تخلل أقل الطّهر بينه وبين الحيض ، ولإطلاق قولهم النفساء كالحائض ، إلا في أمور مخصوصة استثنوها ، وهو مقرب الذّكرى (١).

والثّاني : انّه ( ليس بحيض ) (٢) لعدم ثبوت اشتراط تخلّل أقل الطّهر بين الحيض والنّفاس ، وهو مختار المصنّف في التّذكرة (٣) ، وظاهر اختياره في المنتهى (٤) وفي الأوّل قوة.

قوله : ( ولا حد لأقله فجاز أن يكون لحظة ).

لا خلاف بين الأصحاب في ذلك ، إذ يجوز عدمه ، كالمرأة الّتي ولدت في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسميت الجفوف (٥).

قوله : ( وأكثره للمبتدئة ، ومضطربة الحيض عشرة أيام ).

هذا هو المشهور (٦) ، وللمفيد قول بثمانية عشر (٧) وهو قول الصدوق (٨) ، وابن الجنيد (٩) ، والمرتضى (١٠) ، وجعله ابن أبي عقيل أحد وعشرين ، حكاه في الذّكرى (١١) ، وفي المختلف : إنّ ذات العادة المستقرّة في الحيض تنفس بقدر عادتها ،

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) في ع ون : « حيض ».

(٣) التذكرة ١ : ٣٦.

(٤) المنتهى ١ : ٩٧.

(٥) ذكر ذلك المحقق في المعتبر ١ : ٢٥٣ ، والشهيد في الذكرى : ٣٣ ، وقال النووي في المجموع بعد ذكر الخبر وسميت ذات الجفوف.

(٦) منهم : المفيد في المقنعة : ٧ ، والشيخ في المبسوط ١ : ٦٩ ، والشهيد في الدروس : ٧.

(٧) المقنعة : ٧.

(٨) الهداية : ٢٣.

(٩) نقله في المختلف : ٤١.

(١٠) الانتصار : ٣٥.

(١١) الذكرى : ٣٣.

٣٤٧

ومستقيمته ترجع الى عادتها في الحيض إلاّ أن ينقطع على العشرة ، فالجميع نفاس. ولو ولدت التوأمين على التعاقب فابتدءا النفاس من الأول ، والعدد من الثاني ،

______________________________________________________

وللمبتدئة بثمانية عشر يوما (١) ، قال الشّيخ في التّهذيب : جاءت أخبار معتمدة في أن أقصى مدّة النّفاس عشرة ، وعليها أعمل لوضوحها عندي (٢) ، والعمل على المشهور اقتصارا في ترك العبادة على المتيقّن ، وترجيحا لجانب الشّهرة.

والمراد بالمضطربة : إمّا المتحيّرة وهي النّاسية للعدد والوقت ، أو الّتي نسيت عددها ، سواء ذكرت الوقت أم لا لما سيأتي من أن ذات العادة ترجع إليها ، وأثر الرّجوع إلى العادة إنّما يظهر في العدد.

قوله : ( ومستقيمته ترجع إلى عادتها في الحيض ، إلا أن ينقطع على العشرة فالجميع نفاس ).

يدلّ على ذلك ـ أعني رجوعها إلى عادتها في الحيض ـ الأخبار الصحيحة الصريحة (٣) ، وتستظهر بيوم أو يومين ، كما تستظهر بعد عادتها في الحيض ، صرّح به في المنتهى (٤) ، وهو مذكور في عدة أحاديث (٥) ، ولا ترجع إلى عادتها في النّفاس اتّفاقا ، ولو تجاوز الدّم قدر العادة وانقطع على العشرة فالجميع نفاس كالحيض ، ولما ظهر أن أثر الرّجوع إلى العادة إنّما يظهر في العدد ، لامتناع العدول عن وقت النّفاس إلى زمان العادة ، وجب أن يراد بمستقيمة الحيض ذات العادة المستقرة عددا ، وإن لم تعلم الوقت.

قوله : ( ولو ولدت التوأمين على التّعاقب فابتداء النّفاس من الأوّل والعدد من الثّاني ).

التوأمان : هما الولدان في بطن ، يقال : هذا توأم هذا ، وهذه توأمة هذه ، والغالب تعاقب ولادتهما ، فالدم مع كلّ منهما وبعده نفاس مستقل ، لتعدّد العلّة ، فلكلّ‌

__________________

(١) المختلف : ٤١.

(٢) التهذيب ١ : ١٧٤.

(٣) الكافي ٣ : ٩٧ ـ ٩٩ حديث ١ ، ٤ ، ٥ ، ٦ ، التهذيب ١ : ١٧٣ ـ ١٧٥ حديث ٤٩٥ ، ٤٩٦ ، ٤٩٩ ، ٥٠٠.

(٤) المنتهى ١ : ١٢٤.

(٥) الكافي ٣ : ٩٧ حديث ٤ ، ٦ ، التهذيب ١ : ١٧٥ حديث ٥٠٠ ، ٥٠١.

٣٤٨

ولو لم تر إلاّ في العاشر فهو النفاس. ولو رأته مع يوم الولادة خاصة فالعشرة نفاس.

ولو رأته يوم الولادة وانقطع عشرة ثم عاد فالأول نفاس ، والثاني حيض ان حصلت شرائطه ، والنفساء كالحائض في جميع الأحكام.

______________________________________________________

نفاس حكم نفسه ، فلا جرم هي نفساء من وضع الأوّل ، وهو ابتداء النّفاس الأوّل ، والعدد معتبر من وضع الثّاني إن لم يتخلل بينهما أزيد من عشرة ، فإن تخلل اعتبر للأوّل عدد برأسه كالثاني ، وعبارة المصنّف خرجت مخرج الغالب ، إذ الغالب عدم تخلل ما زاد على العشرة.

قوله : ( ولو لم تر إلاّ في العاشر فهو النّفاس ).

علله في المنتهى بأن النّفاس هو الدّم وحدّه عشرة أيّام (١) ، والتّحقيق أن يقال : على اعتبار العادة ، انّما يكون العاشر نفاسا إذا لم يتجاوز الدّم العاشر ، أو كانت مبتدئة أو مضطربة ، أو ذات عادة هي عشرة ، لمصادفته جزءا من العادة ، وكذا لو كانت أقلّ وصادف الدّم جزءا منها ، إلا أنّ ذلك الجزء هو النّفاس خاصّة مع التجاوز.

ويمكن أن لا يرد شي‌ء على العبارة لأن قوله : ( ولو لم تر إلاّ في العاشر ) يقتضي الانقطاع عليه ، وإن كان المتبادر أن الحصر بالإضافة إلى ما قبله.

قوله : ( ولو رأته مع يوم الولادة خاصّة فالعشرة نفاس ).

إن انقطع على العاشر ـ كما هو مقتضى العبارة ـ فلا بحث ، وإن تجاوز اعتبر في ذات العادة كون عادتها عشرة ـ كما تقدم ـ وإلاّ فإن صادف جزءا من العادة فالعادة النّفاس خاصّة ، وإلاّ فالأوّل لا غير.

قوله : ( والنّفساء كالحائض في جميع الأحكام ).

استثني أمور :

أولا : الأقل قطعا.

ثانيا : الخلاف في أكثره دون أكثر الحيض.

ثالثا : لا ترجع النّفساء إلى عادة النّفاس ، بخلاف الحائض.

__________________

(١) المنتهى : ١ : ١٢٦.

٣٤٩

المقصد التاسع : في غسل الأموات : وفيه خمسة فصول :

مقدمة :

ينبغي للمريض ترك الشكاية ، كأن يقول : ابتليت بما لم يبتل به أحد وشبهه.

______________________________________________________

رابعا : لا ترجع إلى عادة نسائها في النّفاس أيضا ، وان كان في كلّ من هذين رواية (١) لا عمل عليها.

خامسا : لا ترجع المبتدئة إلى عادة نسائها في الحيض ، ولا هي والمضطربة إلى الرّوايات ، ولا هما وذات العادة إلى التمييز.

سادسا : الحيض يدل على البلوغ بخلاف النّفاس ، لحصوله بالحمل.

سابعا : العدة تنقضي بالحيض دون النّفاس غالبا ، ولو حملت من زنى ورأت قرائن في زمان الحمل حسب النّفاس قرءا آخر ، وانقضت به العدة بظهوره أو انقطاعه على القولين ، ولو تقدم عد في الأقراء.

ثامنا : قيل : لا يشترط أن يكون بين الحيض والنّفاس أقل الطهر بخلاف الحيضتين (٢) وما سوى ذلك من الأحكام فهما سواء فيه من واجب وحرام ، ومكروه ومندوب ، والغسلان سواء إلا في النية.

قوله : ( المقصد التّاسع في غسل الأموات : وفيه خمسة فصول ).

لما كانت أحكام الغسل مبحوثا عنها في هذا الباب عنونه به ، بخلاف الحيض والاستحاضة والنّفاس ، ولما كان الغسل أسبق أحكام الميّت ، خصّ الباب بالغسل وجعل التكفين والصّلاة والدّفن كالتّوابع له.

قوله : ( مقدمة : ينبغي للمريض ترك الشكاية ، كأن يقول : ابتليت بما لم يبتل به أحد وشبهه ).

أي : يستحب له ذلك استحبابا مؤكدا ، عن الصّادق عليه‌السلام : « من مرض‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٧٧ ، ٤٠٣ حديث ٥٠٧ ، ١٢٦٢.

(٢) قاله العلامة في المنتهى ١ : ١٢٣.

٣٥٠

وتستحب عيادته إلاّ في وجع العين ، وأن يأذن لهم في الدخول عليه ، فإذا طالت علّته ترك وعياله.

ويستحب تخفيف العيادة إلاّ مع حب المريض الإطالة ، وتجب الوصيّة على كل من عليه حق.

______________________________________________________

ليلة ، فقبلها بقبولها ـ أي : لا يشكو ما أصابه إلى أحد ـ كتب الله له عبادة ستّين سنة » (١) ، وعنه عليه‌السلام : « قول الرّجل : حممت اليوم ، وسهرت البارحة ليس شكاية ، إنّما الشكوى لقد ابتليت بما لم يبتل به أحد ، أو أصابني ما لم يصب أحدا ». (٢).

قوله : ( وتستحب عيادته إلا في وجع العين ، وأن يأذن لهم في الدّخول عليه ، فإذا طالت علته ترك وعياله ).

عن الصّادق عليه‌السلام : « لا عيادة في وجع العين ، ولا تكون عيادة في أقل من ثلاثة أيّام ، فإذا وجبت فيوم ويوم لا ، فإذا طالت العلة ترك العليل وعياله » (٣) ويستحب للعليل الاذن لهم في الدّخول عليه ، لرجاء دعوة مستجابة ، فإنه ليس من أحد إلاّ وله دعوة مستجابة (٤).

قوله : ( ويستحب تخفيف العيادة إلاّ مع حب المريض الإطالة ).

عنه عليه‌السلام : « تمام عيادة المريض أن تضع يدك على ذراعه ، وتعجل القيام من عنده ، فإن عيادة النوكى أشد على المريض من وجعه » (٥) ، وعن علي عليه‌السلام الأمر بالتخفيف ، إلاّ أن يكون المريض يحبّ ذلك ويريده ويسأله (٦).

قوله : ( وتجب الوصيّة على كل من عليه حق ).

سواء حق الله أو حقّ العباد ، ولا يخفى أن المراد بالحق الذي يجب تأديته ، وكذا يجب على من له حق يخاف ضياعه ، وما وقفت عليه من العبارات خال منه ، ولو‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ١١٥ حديث ٤.

(٢) الكافي ٣ : ١١٦ حديث ١.

(٣) الكافي ٣ : ١١٧ حديث ١.

(٤) مضمون خبر في الكافي ٣ : ١١٧ حديث ٢.

(٥) الكافي ٣ : ١١٨ حديث ٤.

(٦) الكافي ٣ : ١١٨ حديث ٦.

٣٥١

ويستحب الاستعداد بذكر الموت كل وقت ، وحسن ظنه بربه ، وتلقين من حضره الموت الشهادتين ، والإقرار بالنبي والأئمة عليهم‌السلام ، وكلمات الفرج ، ونقله الى مصلاّه إن تعسّر عليه خروج روحه ، والإسراج إن مات ليلا ،

______________________________________________________

كان قد أوصى قبل ذلك سقط الوجوب.

قوله : ( وتلقين من حضره الموت الشهادتين ، والإقرار بالنّبي والأئمة عليهم‌السلام ، وكلمات الفرج ).

أي : يستحب تلقينه ذلك كلّه ، والتلقين التفهيم (١) ، يقال : غلام لقن أي : سريع الفهم ، ولا يخفى أنّ تلقينه الإقرار بالنّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في العبارة مكرر لأنه داخل في تلقينه الشهادتين. والمراد بمن حضره الموت من قرب منه ، فظهرت عليه علاماته ، وفي رواية يلقنه كلمات الفرج والشّهادتين ، ويسمّي له الإقرار بالأئمة واحدا بعد واحد ، حتّى ينقطع منه الكلام (٢).

قوله : ( ونقله إلى مصلاه إن تعسر عليه خروج روحه ، والإسراج إن مات ليلا ).

أي : الّذي كان يكثر فيه الصّلاة من بيته ، واستحباب الإسراج عنده إن مات ليلا ، ذكره الشيخان (٣) والأصحاب (٤) معللا بأنّه لما قبض الباقر عليه‌السلام أمر أبو عبد الله عليه‌السلام بالسراج في البيت الذي كان يسكنه حتّى قبض أبو عبد الله عليه‌السلام ، وأمر أبو الحسن بمثل ذلك في بيت أبي عبد الله عليه‌السلام ، حتّى أخرج إلى العراق. (٥).

قال في الذكرى : فيدخل في ذلك المدّعى (٦) وفيه نظر ، لأنّ ما دل عليه‌

__________________

(١) الصحاح ٦ : ٢١٩٦ ( مادة لقن ).

(٢) الكافي ٣ : ١٢٤ ذيل حديث ٦.

(٣) المفيد في المقنعة : ١١ ، والشيخ في المبسوط ١ : ١٧٤ ، والنهاية : ٣٠.

(٤) منهم : ابن حمزة في الوسيلة ، ٥٣ : والمحقق في الشرائع ١ : ٣٦.

(٥) الكافي ٣ : ٢٥١ حديث ٥ ، الفقيه ١ : ٩٧ حديث ٤٥٠ ، التهذيب ١ : ٢٨٩ حديث ٨٤٣.

(٦) الذكرى : ٣٨.

٣٥٢

وقراءة القرآن عنده ، وتغميض عينيه بعد الموت ، واطباق فيه ومد يديه الى جنبيه ، وتغطيته بثوب ، وتعجيل تجهيزه إلاّ مع الاشتباه فيرجع الى الأمارات أو يصبر عليه‌ ثلاثة أيام.

______________________________________________________

الحديث غير المدعى ، إلا أن اشتهار الحكم بينهم كاف في ثبوته للتسامح في دلائل السّنن.

قوله : ( وقراءة القرآن عنده ).

يستحب قراءة الصّافات ، لقول الكاظم عليه‌السلام : « لم تقرأ عند مكروب من موت قط إلاّ عجل الله راحته » (١) وفي رواية عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأمر بقراءة يس (٢).

قوله : ( وتغميض عينيه بعد الموت ، وإطباق فيه ).

قال في المنتهى : لا خلاف في استحبابهما ، وقال فيه : يستحب أن يشدّ لحياه بعصابة لئلا يسترخي لحياه وينفتح فوه وتدخل الهوام إلى جوفه ، ويقبح بذلك منظره (٣).

قوله : ( ومد يديه إلى جنبيه ).

ذكره الأصحاب (٤) ، قال في المعتبر : ولا أعلم به نقلا عن أئمّتنا عليهم‌السلام ، ولكن ليكون أطوع للغاسل وأسهل للادراج (٥).

قوله : ( وتغطيته بثوب ).

لا خلاف في ذلك ، وقد ورد في حديث أبي كهمش (٦) ، وفيه ستر للميّت وصيانة.

قوله : ( وتعجيل تجهيزه إلاّ مع الاشتباه ، فيرجع إلى الأمارات ، أو يصبر‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٢٦ حديث ٥.

(٢) مستدرك الوسائل ١ : ٩٣ باب ٣١ من أبواب الاحتضار.

(٣) المنتهى ١ : ٤٢٧.

(٤) منهم : الشيخ في النهاية : ٣٠ ، وابن البراج في المهذب ١ : ٥٤ ، والشهيد في البيان : ٢٣.

(٥) المعتبر ١ : ٢٦١.

(٦) التهذيب ١ : ٢٨٩ حديث ٨٤٢.

٣٥٣

وفي وجوب الاستقبال به الى القبلة حالة الاحتضار قولان.

وكيفيته بأن يلقى على ظهره ، ويجعل وجهه وباطن رجليه إلى القبلة ، بحيث لو جلس لكان مستقبلا.

______________________________________________________

عليه ثلاثة أيّام ).

لا خلاف في استحباب التعجيل ، وروي عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « عجّلوا بهم إلى مضاجعهم » (١) وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا مات الميت أول النهار فلا يقيل إلاّ في قبره » (٢) وهذا في غير من اشتبه موته ، لقول الكاظم عليه‌السلام : « إن أناسا دفنوا أحياء ما ماتوا إلا في قبورهم » (٣).

والمراد بالأمارات نحو انخساف صدغيه ، وميل أنفه ، وامتداد جلدة وجهه ، وانخلاع كفه من ذراعه ، واسترخاء قدميه ، وتقلص أنثييه إلى فوق مع تدلي الجلدة ، ونحو ذلك.

ومع الاشتباه يتربص به ثلاثة أيّام وجوبا ، لئلاّ يعان على قتل مسلم ، فقد نقل انّه دفن جماعة أحياء منهم من أخرج حيّا ، ومنهم من مات في قبره. وفي المنتهى نقل حديثين حاصلهما أن خمسة ينتظر بهم ثلاثة أيّام : الغريق ، والمصعوق ، والمبطون ، والمهدوم ، والمدخن ، إلا أن يتغير قبل ذلك ثم قال : ويستبرأ بعلامات الموت في غير هؤلاء إذا اشتبه ، ولا يعجل عليه (٤).

قوله : ( وفي وجوب الاستقبال به إلى القبلة حالة الاحتضار قولان ، وكيفيته أن يلقى على ظهره ، ويجعل وجهه وباطن رجليه إلى القبلة ، بحيث لو جلس لكان مستقبلا ).

الاحتضار : افتعال : من الحضور ، وهو إما حضور المريض الموت ، أو حضور الملائكة عنده لقبض روحه ، وحضور النّاس لتوفير دواعيهم على ذلك في هذا الوقت ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٣٧ حديث ١ ، الفقيه ١ : ٨٥ حديث ٣٨٩ ، التهذيب ١ : ٤٢٧ حديث ١٣٥٩.

(٢) الكافي ٣ : ١٣٨ حديث ٢ ، التهذيب ١ : ٤٢٨ حديث ١٣٦٠.

(٣) التهذيب ١ : ٣٣٨ حديث ٩٩١ مع اختلاف يسير.

(٤) المنتهى ١ : ٤٢٧.

٣٥٤

ويكره طرح حديد على بطنه ، وحضور جنب أو حائض عنده.

______________________________________________________

وكونه مطلوبا شرعا ، والقولان في الاستقبال للشيخ (١) ، والأشهر الوجوب (٢) وعليه الفتوى للأمر به في عدّة أحاديث (٣) وفي بعضها الأمر به في حال التّغسيل (٤).

واحتمل في الذّكرى دوام الاستقبال به ، وذكر أنّ استفادة هذا الاحتمال من بعض الأخبار (٥) ، قال : ونبه عليه ذكره حال الغسل ، ووجوبه حال الصّلاة والدّفن ، وإن اختلفت الهيئة (٦).

ولا يخفى أن وجوب الاستقبال بالميّت فرض كفاية ، وأنّه يسقط باشتباه القبلة لعدم إمكان توجيهه إلى الجهات المختلفة. والظاهر أنه لا فرق بين الصّغير والكبير في هذا الحكم إذا كان مسلّما أو في حكمه ، وكيفية الاستقبال ما ذكره المصنّف.

قوله : ( ويكره طرح حديد على بطنه ).

ذكر ذلك الشّيخان (٧) وأكثر الأصحاب (٨) ، وفي التّهذيب : سمعناه مذاكرة (٩) وقال ابن الجنيد : يضع على بطنه شيئا يمنع ربوها (١٠) وإجماع الأصحاب على خلافه.

قوله : ( وحضور جنب أو حائض عنده ).

لثبوت النّهي عنه في الأخبار (١١) ، وعلل أبو الحسن عليه‌السلام أمره الحائض بالتنحي عن قربه ، بأن الملائكة تتأذى بذلك (١٢).

__________________

(١) قال بالوجوب في المبسوط ١ : ١٧٤ ، والنهاية : ٣٠ ، وبالاستحباب في الخلاف ١ : ١٦١ مسألة ١ كتاب الجنائز.

(٢) من القائلين بالوجوب المفيد في المقنعة : ١٠ ، والمحقق في الشرائع ١ : ٣٦ ، والشهيد في الدروس : ٨.

(٣) الكافي ٣ : ١٢٦ باب توجيه الميت إلى القبلة ، الفقيه ١ : ٧٩ حديث ٣٥١ ، ٣٥٢ ، التهذيب ١ : ٢٨٥ حديث ٨٣٤ ، ٨٣٥.

(٤) الفقيه ١ : ١٢٣ حديث ٥٩١ ، التهذيب ١ : ٢٩٨ حديث ٨٧١ ، ٨٧٢ ، ٨٧٣.

(٥) الكافي ٣ : ١٢٧ حديث ٣ ، التهذيب ١ : ٢٨٦ حديث ٨٣٥.

(٦) الذكرى : ٣٧.

(٧) المفيد في المقنعة : ١١ والشيخ في الخلاف ١ : ٢٧٩ مسألة ٢ كتاب الجنائز.

(٨) منهم : ابن البراج في التهذيب ١ : ٥٤ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٤٢٧.

(٩) التهذيب ١ : ٢٩٠.

(١٠) نقله في المختلف : ٤٣.

(١١) علل الشرائع ١ : ٢٩٨ باب ٢٣٦ حديث ١ ، التهذيب ١ : ٤٢٨ حديث ١٣٦١ ، ١٣٦٢.

(١٢) الكافي ٣ : ١٣٨ حديث ١ ، التهذيب ١ : ٤٢٨ حديث ١٣٦١.

٣٥٥

الفصل الأول : في الغسل وفيه مطلبان :

الأول : الفاعل والمحل ، يجب على كل مسلم على الكفاية تغسيل المسلم ومن هو بحكمه ، وان كان سقطا له أربعة أشهر ،

______________________________________________________

قوله : ( الفصل الأوّل : في الغسل وفيه مطلبان :

الأوّل الفاعل والمحل ).

البحث عن تغسيل الميّت يستدعي ثلاثة أمور : النظر في الغاسل ، والمحل ، والكيفية ، فجعل الأوّلين في بحث ، والأخير في بحث.

قوله : ( يجب على كلّ مسلم على الكفاية تغسيل المسلم ، ومن هو بحكمه ).

لا يخفى أن أحكام الموتى كلّها واجبة على الكفاية ، إذا قام بها بعض ، أو ظن قيامه سقطت عن الباقين ، وإنّما يجب تغسيل المسلم دون الكافر لثبوت النّهي عنه (١) ، فيكون محرّما ، ولأنه يمتنع الغسل في حقّه ـ إذ لا يطهر ـ فكيف يعقل وجوبه ، ولا فرق في ذلك بين جميع الكفّار ، حتّى المظهر للإسلام إذا قال أو فعل ما يقتضي كفره؟

والمراد بمن في حكم المسلم : من الحق شرعا بالمسلمين وجعل بمنزلتهم كالصّبي ، ومن بلغ مجنونا إذا كان أحد أبويهما مسلما ، وكذا لقيط دار الإسلام ودار الكفر ، وفيها مسلم يمكن إلحاقه به تغليبا ، وفي المتولّد من زنى المسلم نظر ينشأ من عدم اللحاق شرعا ، ويمكن تبعية الإسلام هنا لكونه ولدا لغة كالتّحريم ، بخلاف البالغ إذا أظهر الإسلام فإنّه يغسل قطعا ، وكذا الطفل المسببي إذا كان السّابي مسلما وقلنا

بتبعيته للسابي ، لأن التّبعية في الطّهارة خاصّة.

قوله : ( وإن كان سقطا له أربعة أشهر ).

لورود الأخبار بالأمر بغسله (٢) ، وضعف السّند منجبر بقول الأصحاب ، واطباقهم على الحكم ، وهل يكفن؟ قال في الذكرى : لم يذكره الشّيخان ، وحكي عن‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٥٩ حديث ١٢ ، الفقيه ١ : ٩٥ حديث ٤٣٧ ، التهذيب ١ : ٣٣٥ حديث ٩٨٢.

(٢) الكافي ٣ : ٢٠٦ حديث ١ ، التهذيب ١ : ٣٢٨ حديث ٩٦٠.

٣٥٦

أو كان بعضه إذا كان فيه عظم ، ولو خلا من العظم أو كان للسقط أقل من أربعة أشهر لفّا في خرقة ودفنا.

______________________________________________________

ابن البراج أنّه يلفّ بخرقة (١) ، وأورد في مكاتبة محمّد بن الفضل لأبي جعفر عليه‌السلام انه يدفن بدمه (٢) ، ثم حملها على النّاقص عن أربعة جمعا بينها وبين غيرها (٣) ، فظاهره أنّه يكفن وليس ببعيد. ولو نقص السقط عن أربعة لم يغسل ، لفقد الموت الّذي هو عدم الحياة عن محل اتصف بها.

قوله : ( أو كان بعضه إذا كان فيه عظم ).

ذكره الأصحاب ، واحتجّ عليه في الخلاف بإجماعنا (٤) وربما يستفاد من قوله : ( أو كان بعضه ) إن القطعة المبانة من المسلم الحيّ يجب تغسيلها ، وهو مقرّب الذكرى (٥) وذهب صاحب المعتبر الى دفنها بغير غسل ، لأنّها من جملة لا تغسل (٦) ، وردّه في الذّكرى بأن الجملة لم يحصل فيها الموت بخلاف القطعة (٧) ، وفي الدّليل ضعف ، وكل من القولين محتمل ، والحمل على قطعة الميّت قياس.

ولو قيل : لو لم يجب تغسيلها لم يجب تغسيل من قطع حيّا إذا وجدت قطعة متفرقة ، لأن كل قطعة لا يتعلق بها الوجوب لم يتم لأنه بعين هذا يلزم وجوب الصّلاة على القطعة ، إلا أن يقال : انتفى هذا بالإجماع فلا يقدح ، ولا ريب أنّ تغسيلها أحوط. والمراد بتغسيل البعض الغسل المعهود.

والظّاهر أنّه يكفن كما ذكره الأصحاب ، وفي اعتبار تعدّد قطع الكفن تردد ، ويمكن اعتبار حال ذلك البعض حين الاتّصال ، فان كان من موضع يناله القطع الثّلاث ، أو اثنتان منها اعتبر ما كان ، وعظام الميت كالميّت لرواية علي بن جعفر ، عن‌

__________________

(١) المهذب ١ : ٥٦.

(٢) الكافي ٣ : ٢٠٨ حديث ٦ ، التهذيب ١ : ٣٢٩ حديث ٩٦١.

(٣) الذكرى : ٤٠.

(٤) الخلاف ١ : ٢٩١ مسألة ٦٢ كتاب الجنائز.

(٥) الذكرى : ٤٠.

(٦) المعتبر ١ : ٣١٩.

(٧) الذكرى : ٤٠.

٣٥٧

وحكم ما فيه الصدر أو الصدر وحده حكم الميت في التغسيل والتكفين والصلاة عليه والدفن ، وفي الحنوط إشكال.

______________________________________________________

أخيه عليه‌السلام في أكيل السبع (١) ، وفي العظم الواحد تردّد ، وعن ابن الجنيد وجوب غسله (٢).

قوله : ( وحكم ما فيه الصدر أو الصدر وحده حكم الميّت في التّغسيل والتّكفين والصّلاة عليه والدّفن ).

لمرفوعة رواها البزنطي : « إذا قطع أعضاؤه يصلّى على العضو الّذي فيه القلب » (٣) وهو يستلزم أولوية الغسل والكفن لترتبها عليهما ، وألحق في الذكرى بالصّدر القلب لفحوى الرّواية ، وكذا بعض كلّ واحد منهما محتجّا بأنّه من جملة يجب غسلها منفردة (٤) ، وفي الدّليل ضعف ، وفي دلالة الرّواية على حكم القلب بالفحوى وبغيرها نظر ، والاحتياط طريق السّلامة ، فلا بأس بالمصير إلى ما ذكره.

قوله : ( وفي الحنوط إشكال ).

في القاموس : الحنوط كصبور وكتاب ، كل طيب يخلط للميّت (٥) ، والمراد به هنا المسح بالكافور ، ومنشأ الاشكال من إطلاق الحكم بمساواته للميّت ، ومن أنّ المساواة لا تقتضي العموم ، وظاهر كلام الشّارح أنّ الاشكال مع فقد المساجد (٦) ، وظاهر العبارة يشهد له ، إلا أنّه بعيد.

وشيخنا الشّهيد ردّ هذا الإشكال بأنه مع فقد المساجد لا وجه للتحنيط ، ومع وجودها لا وجه للتردّد (٧) ، والحق انّه مع وجود المساجد يجب الحنوط لفحوى الرّواية السّابقة (٨) ، ولأن الحكم معلق بمساجد الميّت ، والأصل بقاء ما كان ، ولأن « الميسور‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢١٢ حديث ١ ، الفقيه ١ : ٩٦ حديث ٤٤٤ ، التهذيب ١ : ٣٣٦ حديث ٩٨٣.

(٢) نقله عنه في المختلف : ٤٦.

(٣) المعتبر ١ : ٣١٧ نقلا عن جامع البزنطي.

(٤) الذكرى : ٤١.

(٥) القاموس ٢ : ٣٥٥ مادة ( حنط ).

(٦) إيضاح الفوائد ١ : ٥٨.

(٧) الذكرى : ٥٠.

(٨) المعتبر : ١ : ٣١٧.

٣٥٨

وأولى الناس بالميت في أحكامه أولاهم بميراثه ، والزوج أولى من كل أحد ، والرجال أولى من النساء ، ولا يغسّل الرجل إلاّ رجل أو زوجته ، وكذا المرأة يغسّلها زوجها أو امرأة ،

______________________________________________________

لا يسقط بالمعسور » (١) ، أمّا مع الانتفاء فلا ، ولو وجد عضو من المساجد كاليد فهل يحنط؟ الظاهر نعم ، إذ لم يثبت أنّ تحنيط المجموع شرط للأبعاض ، فيبقى الوجوب.

قوله : ( وأولى النّاس بالميّت في أحكامه أولاهم بميراثه ، والزّوج أولى من كلّ أحد ).

أما الحكم الأوّل فلقوله تعالى ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) (٢) ، وقول علي عليه‌السلام : « يغسل الميت أولى النّاس به » (٣) والأولى هاهنا المراد به المستحق للميراث ، كذا قال في المنتهى (٤) والظاهر أن الحكم مجمع عليه ، ويدل على الثّاني قول الصّادق عليه‌السلام في خبر إسحاق ابن عمّار : « الزّوج أحقّ بامرأته حتّى يضعها في قبرها » (٥).

قوله : ( والرّجال أولى من النّساء ).

المراد بالرّجل ، ولو عطف قوله : ( ولا يغسل الرّجل إلا رجل أو زوجته ) على ما قبله بالفاء ليتفرع على ما قبله لكان أحسن وأسلم عن تخيل التكرار.

قوله : ( وكذا المرأة يغسلها زوجها أو امرأة ).

أي : لا يكون إلاّ ذلك في حال الاختيار كالرّجل ، وهذا أشهر القولين للأصحاب (٦) وفي رواية محمّد بن مسلم قال : سألته عن الرّجل يغسل امرأته قال : « نعم ، إنّما يمنعها أهلها تعصّبا » (٧).

__________________

(١) الرواية عن علي عليه‌السلام كما في العوالي ٤ : هامش ٥٨.

(٢) الأنفال : ٧٥.

(٣) الفقيه ١ : ٨٦ حديث ٣٩٤ ، التهذيب ١ : ٤٣١ حديث ١٣٧٦.

(٤) المنتهى ١ : ٤٣٦.

(٥) الكافي ٣ : ١٩٤ حديث ٦ ، التهذيب ١ : ٣٢٥ حديث ٩٤٩.

(٦) منهم : الشيخ في الخلاف ١ : ١٦٣ مسألة ٢١ كتاب الجنائز ، وابن إدريس في السرائر : ٣٣ والشهيد في الذكرى : ٣٨.

(٧) الكافي ٣ : ١٥٨ حديث ١١ ، التهذيب ١ : ٤٣٩ حديث ١٤١٩ ، الاستبصار ١ : ١٩٩ حديث ٧٠٠.

٣٥٩

وملك اليمين كالزوجة ، ولو كانت مزوّجة فكالأجنبية.

______________________________________________________

وفي صحيح الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « المرأة تغسل زوجها لأنه إذا مات كانت في عدّة منه » (١).

وقيل : إنّ جواز تغسيل كل من الزّوجين الآخر مختصّ بحال الضّرورة (٢) ، والعمل على الأوّل ، وصرّح جمع من الأصحاب بأن التّغسيل من وراء الثّياب (٣) ، لصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سألته عن الرّجل يغسل امرأته ، قال : « نعم من وراء الثّياب » (٤) وهو الأصحّ ، ولم أقف في كلام على تعيين ما يعتبر في التّغسيل من وراء الثّياب.

والظاهر أنّ المراد ما يشمل جميع البدن ، وحمل الثياب على المعهود يقتضي استثناء الوجه والكفين والقدمين ، فيجوز أن تكون مكشوفة ، والظاهر أنّ العصر في هذه الثياب غير شرط لتعذّره ، فجرى مجرى ما لا يمكن عصره ، وقد نبّه عليه في الذّكرى (٥).

واعلم أن المطلقة رجعية تغسل زوجها بخلاف البائن ، ولا فرق في الزّوجة بين الحرة والأمة ، والمدخول بها وغيرها ، ولا يقدح انقضاء عدّة الزّوجة في جواز التّغسيل وإن تزوّجت ، وقد علم من العبارة أن الولاية في التّغسيل مشروطة بالمماثلة في الذكورة والأنوثة إلاّ في الزّوجين مطلقا ، وسيأتي استثناء المحارم عند الضّرورة.

قوله : ( وملك اليمين كالزّوجة ولو كانت مزوجة فكالأجنبيّة ).

إذا كانت ملك اليمين أم ولد جاز التّغسيل ، لايصاء زين العابدين عليه‌السلام أن تغسله أم ولده (٦) ، وفي غير أم الولد من المملوكات نظر ينشأ من انتقالها إلى الوارث ، وخروجها عن الملك ، وإلحاقها بأم الولد قياس ، مع أنّ علاقة أم الولد أقوى ، وهو‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٤٠ حديث ١٤٢٣ ، الاستبصار ١ : ٢٠٠ حديث ٧٠٦.

(٢) قاله الشيخ في التهذيب ١ : ٤٤٠ ، الاستبصار ١ : ١٩٩.

(٣) منهم : الشيخ في الاستبصار ١ : ١٩٨ ، وابن إدريس في السرائر : ٣٣ والعلامة في المنتهى ١ : ٤٣٧ ،.

(٤) الكافي ٣ : ١٥٧ حديث ٣ ، التهذيب ١ : ٤٣٨ حديث ١٤١١ ، الاستبصار ١ : ١٩٦ حديث ٦٩٠.

(٥) الذكرى : ٤٤.

(٦) التهذيب ١ : ٤٤٤ حديث ١٤٣٧ ، الاستبصار ١ : ٢٠٠ حديث ٧٠٤.

٣٦٠