جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

وخمسين للعذرة الرطبة والدم الكثير كذبح الشاة ، غير الدماء الثلاثة. وأربعين لموت الثعلب ، أو الأرنب ، أو الخنزير ، أو السنّور ، أو الكلب ، أو لبول الرجل.

______________________________________________________

قوله : ( والدم الكثير ).

هذا مختار الشيخ (١) واتباعه (٢) ، قال المصنف في المختلف : ما قدّره الشيخ لم أقف فيه على حديث مروي (٣). هذا كلامه ، وفي حسنة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام : « ما بين الثلاثين إلى الأربعين » (٤) والأكثر طريق إلى اليقين ، وأسنده في المختلف (٥) إلى الصدوق ، ولا بأس به.

واعلم أن إطلاق الأصحاب يقتضي عدم الفرق بين دم نجس العين وغيره ويحتمل قويا الفرق لغلظ نجاسته ، إذ هو في قوّة نجاستين ، ومن ثم لم يعف عن قليله في الصلاة ، فيكون مما لا نص فيه.

قوله : ( أو الخنزير ).

الظاهر : أن الخنزير إذا وقع حيّا ثم مات ، ينزح له أكثر الأمرين من الأربعين ، ومقدر ما لا نص فيه على القول به ، مع احتمال التضاعف ـ على ما سبق في الكافر ـ (٦) ، إذ لا نص في نجاسته حال الحياة ، ولم أجد في ذلك كلاما لأحد.

قوله : ( أو الكلب ).

يجري فيه احتمال التضاعف لو وقع حيا فمات ، ويلحق بموت الخنزير والكلب كلّ ما ماثلهما في قدر الجسم ، ككلب الماء وخنزيره.

قوله : ( ولبول الرجل ).

لما رواه علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٧) ولا يلحق به بول‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٢ ، النهاية : ٧.

(٢) منهم سلار في المراسم : ٣٥ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٤٩٠ ، والشهيد في الذكرى : ١٠.

(٣) المختلف : ٦.

(٤) قرب الاسناد : ٨٤ ، الكافي ٣ : ٦ حديث ٨ ، الفقيه ١ : ١٥ حديث ٢٩ التهذيب ١ : ٤٠٩ حديث ١٢٨٨.

(٥) المختلف : ٦.

(٦) سبق في صفحة ١٤٠ عند قوله : واعلم أن الميت إذا كان كافرا.

(٧) التهذيب ١ : ٢٤٣ حديث ٧٠٠ ، الاستبصار ١ : ٣٤ حديث ٩٠.

١٤١

وثلاثين لماء المطر المخالط للبول ، والعذرة ، وخرء الكلاب. وعشر للعذرة اليابسة والدم القليل ، كذبح الطير والرعاف القليل. وسبع لموت الطير ، كالحمامة والنعامة وما بينهما ،

______________________________________________________

المرأة ، خلافا لابن إدريس (١) لعدم النص ، وبطلان القياس ، فيجب له ما يجب لما لا نص فيه ، وكذا الخنثى على الأقرب ، ولو قيل : يجب له أكثر الأمرين من الأربعين ، وما يجب لما لا نص فيه كان وجها.

قوله : ( وثلاثين لماء المطر المخالط للبول والعذرة وخرء الكلاب ).

مستند هذا الحكم رواية كردويه عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام : « ولو خالط ماء المطر أحد هذه أجزأ الثلاثون بطريق أولى » (٢).

وهنا إشكال هو : أن ترك الاستفصال عن النجاسات المذكورة يقتضي المساواة في الحكم بين جميع محتملاتها ، لأن ترك الاستفصال مع قيام الاحتمال يدل على العموم ، فيستوي حال العذرة رطبة ويابسة ، وحال البول إذا كان بول رجل ، أو امرأة ، أو خنثى ، أو غيرهم ، مع أن ظاهر عبارة بعضهم أن خرء الكلاب مما لا نص فيه.

وقد أطلق المصنف في المختلف ، القول : بأنّ بول وروث ما لا يؤكل لحمه مما لا نص فيه (٣) ، ومع الحمل على نجاسات بخصوصها ، لا يتم ذلك عند القائل بتضاعف النزح ، لاختلاف النجاسات.

ويمكن تنزيل الرواية (٤) على ماء المطر المخالط لهذه النجاسات ، مع استهلاك أعيانها ، إذ لا بعد في أن يكون ماء النجاسة أخف منها ، فيندفع الاشكال.

قوله : ( وسبع لموت الطير كالحمامة والنعامة وما بينهما ) (٥).

فيه مناقشة لطيفة ، لأن المراد بالطير هنا : هو الحمامة ، والنعامة ، وما بينهما ،

__________________

(١) السرائر : ١٢.

(٢) الفقيه ١ : ١٦ حديث ٣٥ ، التهذيب ١ : ٤١٣ حديث ١٣٠٠ ، الاستبصار ١ : ٤٣ حديث ١٢٠.

(٣) المختلف : ٥.

(٤) الفقيه ١ : ١٦ ، حديث ٣٥ ، التهذيب ١ : ٤١٣ حديث ١٣٠٠ ، الاستبصار ١ : ٤٣ حديث ١٢٠.

(٥) جاء في هامش الصفحة من النسخة الخطيّة المعتمدة ما لفظه : « التشبيه بالحمامة والنعامة صحيح بالنسبة إلى نحوهما وما في حجمها. أمّا ما بينهما فإنّه لا شبهة بالنسبة إليه لعموم اللفظ ( منه مد ظله ) ».

١٤٢

وللفأرة مع التفسّخ أو الانتفاخ ، ولبول الصبي ، واغتسال الجنب ، ولخروج الكلب منها حيا.

______________________________________________________

والتشبيه يقتضي صدقه على غير ذلك ، لأن المشبه غير المشبه به ويمكن دفعها بأن وجود الحمامة ونحوها ، والنعامة ونحوها وما بينهما مصحح للتشبيه.

قوله : ( ولبول الصبي واغتسال الجنب ).

المراد بالصبي : الفطيم الذي لم يبلغ ، ولا تلحق به الصبية لعدم النص ، والمراد بالجنب : الخالي بدنه من نجاسة عينية ، وظاهر قول المصنف : ( واغتسال الجنب ) يؤذن بأنّ النزح إنما هو إذا اغتسل في البئر لا بمجرد الملاقاة ، والنصوص الواردة في هذا الباب ظاهرها عدم الفرق ، لأنها واردة بنزول الجنب إلى البئر ، ودخوله إليها ، ووقوعه فيها (١) ، وابن إدريس خصّ الحكم بالمرتمس (٢) ، ولا وجه له.

وبعد ، ففي هذا الحكم إشكال ، لأن النزح لا يستقيم كونه لنجاسة البئر هنا ، وإن كان ظاهر كلام القوم ، لأن نحاسة البئر بلا منجس معلوم البطلان ، إذ الفرض إسلام الجنب ، وخلو بدنه من نجاسة عينية ، وإلا لم يجزئ السبع ، ولا يستقيم كون النزح لصيرورة الماء باغتسال الجنب مستعملا عند من يقول به ، فيكون النزح لعود الطهارة ، لأن ذلك مشروط باغتساله على الوجه المعتبر وارتفاع حدثه ، وإلا لم يثبت الاستعمال.

ومورد الأخبار أعم من الاغتسال كما قدمناه ، وحديث عبد الله بن أبي يعفور عن الصادق عليه‌السلام بالنهي عن نزوله إلى البئر (٣) يقتضي فساد غسله ، فلا يرتفع حدثه ، كما صرّح به الشيخ (٤) ، فلا يظهر للنزح هنا وجه ، ولو قلنا به فهل تلحق به الحائض والنفساء والمستحاضة الكثيرة الدم؟ فيه احتمال.

قوله : ( ولخروج الكلب حيّا ).

أوجب ابن إدريس نزح أربعين إذ لا نص فيه (٥) ، والتقدير بالأربعين لأنها‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٤٠ حديث ٦٩٤ و ٦٩٥ ، والاستبصار ١ : ٣٤ حديث ٩٢ و ٩٣.

(٢) السرائر : ١٢.

(٣) الكافي ٣ : ٦٥ حديث ٩ ، التهذيب ١ : ١٤٩ حديث ٤٢٦ ، الاستبصار ١ : ٢٧ حديث ٤٣٥.

(٤) المبسوط ١ : ١٢.

(٥) السرائر : ١١.

١٤٣

وخمس لذرق جلاّل الدجاج ، وثلاث للفأرة والحيّة ، ويستحب للعقرب والوزغة. ودلو للعصفور وشبهه ، وبول الرضيع قبل اغتذائه بالطعام.

______________________________________________________

تجري لموته ، فلوقوعه حيا أولى ، ولولاه لوجب نزح الجميع ، وجوابه وجود النص بالسبع (١).

قوله : ( وخمس لذرق جلاّل الدجاج ).

لم يقيده الشيخ بكونه جلالا (٢) ، بناء منه على أن ذرقه مطلقا نجس ، وفي المختلف بعد حكاية الخلاف قال : وعلى القولين لم يصل إلينا حديث يتعلق بالنزح لهما (٣) ، ويمكن أن يقال : التقدير بالنزح مستفاد من الإجماع.

قوله : ( وثلاث للفأرة والحيّة ).

المراد بالفأرة ، إذا خلت من الأمرين ، ووجوب الثلاث في الحية إما بالإحالة على الفأرة والدجاجة المروي فيهما دلوان أو ثلاث ـ على ما ذكره في الذكرى (٤) ـ وهو ضعيف. وحكى عن المعتبر التعليل بأن لها نفسا سائلة ، وفي التعليل بعد.

وحكى عنه أيضا الإيماء إلى الثلاث ، لقول الصادق عليه‌السلام : « للحيوان الصغير دلاء » (٥) ، وأقل محتملاته الثلاث (٦).

قوله : ( ويستحب للعقرب والوزغة ).

المراد بالاستحباب عند القائلين بالنجاسة بالملاقاة ، لانتفاء النجاسة إذ ليس لهما نفس ، وعدم يقين الضرر ، وهو حسن.

قوله : ( وبول الرضيع قبل اغتذائه بالطعام ).

المراد : اغتذاؤه كثيرا بحيث يساوي اللبن ، فلا يضر القليل ، ولا بدّ من كونه في سن الرضاع ، ولا تلحق به الرضيعة لعدم النص.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٣٧ حديث ٦٨٧ ، الاستبصار ١ : ٣٨ حديث ١٠٣.

(٢) المبسوط ١ : ١٢ ، النهاية : ٧.

(٣) المختلف : ٩.

(٤) الذكرى : ١١.

(٥) الكافي ٣ : ٦ حديث ٧ ، التهذيب ١ : ٢٤٠ حديث ٦٩٤.

(٦) المعتبر ١ : ٧٥ ، ونقله عنه في الذكرى : ١١.

١٤٤

فروع :

أ : أوجب بعض هؤلاء الجميع فيما لم يرد فيه نص ، وبعضهم أربعين.

ب : جزء الحيوان وكلّه سواء ، وكذا صغيره وكبيره ، ذكره وأنثاه ،

______________________________________________________

قوله : ( أوجب بعض هؤلاء نزح الجميع (١) ، فيما لم يرد فيه نص ، وبعضهم أربعين ) (٢).

وأوجب بعضهم ثلاثين (٣) ، وحكى شيخنا الشهيد في بعض ما نسب إليه قولا بعدم وجوب شي‌ء ، واختار المصنف في المختلف القول بالثلاثين (٤) محتجا برواية كردويه (٥) ، وهو عجيب ، إذ لا دلالة فيها على المتنازع بوجه ، ولو دلت عليه كان ما لا نص فيه منصوصا ، لأن المراد بالنص الدليل النقلي من الكتاب أو السنّة ، لا ما يدل على المعنى ، مع عدم احتمال النقيض ، وإلا لكان كثير مما عدوه منصوصا من قبيل ما لا نص فيه ، فيضعف القول بالثلاثين ومثله القول بالأربعين ، وعدم إيجاب شي‌ء مع القول بنجاسة الماء ظاهر البطلان ، فلم يبق إلا القول بوجوب الجميع ، وهو المعتمد.

قوله : ( جزء الحيوان وكله سواء ).

أي : في الاجتزاء بمنزوح الكلّ للجزء بطريق أولى ، وفي وجوب منزوح الكل للجزء ، لأن يقين زوال النجاسة يتوقف عليه ، لانتفاء الدليل الدال على الاكتفاء بما دونه.

وأما الصغير والكبير ، والذكر والأنثى ، فلأن اسم الجنس يقع عليها ، كما في الإنسان والبعير ، ولورود الحكم للذكر كالثور ، أو ما يتعلق به كبول الرجل ، اختص‌

__________________

(١) منهم : الشيخ في المبسوط ١ : ١٢ قال : ( فالاحتياط يقتضي نزح جميع الماء ) ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٤٩٠ ، والشهيد في الذكرى : ١٠.

(٢) ذهب اليه الشيخ في المبسوط ١ : ١١ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٦٩.

(٣) قال السيد العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ١٢١ : ( ونفى عنه الشهيد البأس وهو المنقول عن البشرى ).

(٤) المختلف : ٩.

(٥) الفقيه ١ : ١٦ حديث ٣٥ ، التهذيب ١ : ٤١٣ حديث ١٣٠٠ ، الاستبصار ١ : ٤٣ حديث ١٢٠.

١٤٥

ولا فرق في الإنسان بين المسلم والكافر.

ج : الحوالة في الدلو على المعتاد ، فلو اتخذ آلة تسع العدد فالأقرب الاكتفاء.

______________________________________________________

بمورده ، ويحكى عن الصهرشتي شارح النهاية إلحاق صغار الطيور بالعصفور.

قوله : ( ولا فرق في الإنسان بين المسلم والكافر ).

خالف ابن إدريس في ذلك ، فحكم بوجوب نزح الجميع ، لمباشرة الكافر ميّتا ، محتجا بأن مباشرته حيّا يوجب نزح الجميع ، إذ لا نص فيه ، فبعد الموت أولى ، لأن الموت ينجّس الطاهر ، ويزيد النجس نجاسة (١). وأجاب المصنف في المختلف بأن نجاسته حيّا بسبب اعتقاده ، وقد زال بالموت (٢). وليس بجيّد ، لأن أحكام الكفر باقية بعد الموت ، ومن ثم لا يغسل ولا يدفن في مقابر المسلمين.

والتحقيق : أن ما احتج به ابن إدريس استدلال في مقابل النص (٣) ، لوروده بوجوب سبعين لموت الإنسان ، الصادق على المسلم والكافر ، ووجوب الجميع فيما لا نص فيه ـ إذ تم ـ فغير منصوص عليه ، فكيف يعارض به المنصوص.

قوله : ( الحوالة في الدلو على المعتاد ).

أي : على تلك البئر ، لعدم انضباط العادة مطلقا ، وقيل : المراد بها الدلو الهجرية (٤) ، ووزنها ثلاثون رطلا ، وقيل : أربعون ، والأول هو الوجه.

قوله : ( فلو اتخذ آلة تسع العدد ، فالأقرب الاكتفاء ).

وجه القرب أن الغرض إخراج ذلك القدر من الماء ، وقد حصل.

وأنت خبير بورود المنع على المقدمة الأولى ، والإجزاء إنما يتحقق بالإتيان بالمأمور به على وجهه ، فيبقى في العهدة ، فالأقرب عدم الاكتفاء.

ولا يخفى أن تفريع هذا الحكم على ما قبله غير ظاهر ، فلو عطفه بالواو مكان الفاء لكان أولى.

__________________

(١) السرائر : ١١.

(٢) المختلف : ٦.

(٣) التهذيب ١ : ٢٣٤ حديث ٦٧٨.

(٤) قال ابن البراج في المهذب ١ : ٢٣ : ذهب اليه قوم.

الهجرية : نسبة الى هجر ، وهي قرية قرب المدينة كانت تجلب منها القلال. معجم البلدان ٥ : ٣٩٣.

١٤٦

د : لو تغيّرت البئر بالجيفة ، حكم بالنجاسة من حين الوجدان.

هـ : لا يجب النيّة في النزح ، فيجوز ان يتولاه الصبي والكافر مع عدم المباشرة.

و : لو تكثرت النجاسة ، تداخل النزح مع الاختلاف وعدمه.

ز : انّما يجزئ العدد بعد إخراج النجاسة ، أو استحالتها.

______________________________________________________

قوله : ( لو تغيرت البئر بالجيفة حكم بالنجاسة من حين الوجدان ).

لأن الأصل عدم التقدم ، ومستنده خبر الدجاجة (١).

إن قيل : لا بدّ من الحكم بسبقها على الوجدان بزمان ما ، لامتناع وقوعها حال الوجدان ، قلنا : على القول بعدم النجاسة بالملاقاة لا إشكال ، لإمكان حصول التغيّر في ذلك الوقت ، وعلى القول بالنجاسة لا يلزم من وقوعها وصولها إلى الماء ، فيمكن تجدد الوصول وقت الوجدان.

قوله : ( فيجوز أن يتولاه الصبي ).

يستثني منه التراوح إن قلنا بأن لفظ القوم لا يقع عليه.

قوله : ( لو تكثرت النجاسة تداخل النزح مع الاختلاف وعدمه ).

أي : فيكفي منزوح الأكثر ، لصدق الامتثال ، وقيل بعدم التداخل (٢) ، لأن الأصل في الأسباب إذا اجتمعت عدم تداخل مسبباتها ، وصدق الامتثال ممنوع.

وربما فرق بين اختلاف النجاسة في النوع وعدمه ، والظاهر عدم التداخل مطلقا ، ويستثني من ذلك اختلاف نجاسة الواقع بالكم ، فان الدم الواقع إذا كان قليلا ، فوقع ـ بعد ـ ما يخرجه من القلة إلى حد الكثرة ، يجب منزوح الأكثر خاصة لانتفاء التكثر حينئذ.

قوله : ( إنما يجزئ العدد بعد إخراج النجاسة ، أو استحالتها ).

الحكم الأول لا كلام فيه ، إذ مع بقاء عين النجاسة التي لا تستهلك بالماء ـ كجلد الميتة ـ لا فائدة في النزح لدوام الملاقاة المقتضي للتنجيس.

وأمّا الحكم الثاني ، فإنما يستقيم على ظاهره إذا قيل بوجوب نزح المتغيرة‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٣٣ حديث ٦٧٥ ، الاستبصار ١ : ٣٧ حديث ١٠٢.

(٢) القائل هو الشهيد في الدروس : ١٥ ، والبيان : ٤٥.

١٤٧

ح : لو غار الماء سقط النزح ، فان عاد كان طاهرا ، ولو اتصلت بالنهر الجاري طهرت.

ولو زال تغيّرها بغير النزح والاتصال فالأقرب نزح الجميع ، وان زال ببعضه ـ لو كان ـ على اشكال.

______________________________________________________

بالنجاسة ، حتى يزول التغيّر ، ثم يستوفى المقدر ، فعلى ما اخترناه ـ من الاكتفاء بأكثر الأمرين ـ يجزي النزح مع وجود نجاسة الدم المغيرة.

قوله : ( ولو اتصلت بالنهر الجاري طهرت ).

هذا إذا كان الاتصال على وجه لا يتسنمها (١) من علو ، لاتحادها به حينئذ ، أما إذا تسنمها من علو فيشكل ، لأن الحكم بالطهارة دائر مع النزح ، وكذا القول في ماء المطر والكثير إذا ألقي دفعة ، ورواية كردويه (٢) تشعر بعدم حصول الطهارة بذلك.

قوله : ( ولو زال تغيرها بغير النزح والاتصال ، فالأقرب نزح الجميع ، وإن زال ببعضه لو كان ، على اشكال ).

أي : الأقرب وجوب نزح الجميع في النجاسة التي يكفي لها نزح البعض ، وإن زال التغيّر بنزح بعض الماء ، لو كان التغير باقيا.

ووجه القرب ، أن المقدار الذي نزحه غير معلوم حيث زال التغير ، لأن زوال التغير بالنزح له مدخل في حصول الطهارة ، والماء محكوم بنجاسته ، فيتوقف الحكم بطهارته على نزح الجميع ومنشأ الإشكال من ذلك ، ومن أن البعض يجزئ على تقدير بقاء التغير ، فإجزاؤه مع زواله أولى.

ولما لحظ المصنف هذا الوجه رجع عن الفتوى إلى التردد ، ولا يخفى ضعفه ، وأن الأولوية التي ادعيت ممنوعة ، ولو سلمت فمقدار ذلك البعض غير معلوم ، فعلى هذا ما قرّبه أولا هو الأقرب.

__________________

(١) تسنم الشي‌ء : علاه ، الصحاح ( سنم ) ٥ : ١٩٥٥.

(٢) الفقيه ١ : ١٦ حديث ٣٥ ، التهذيب ١ : ٤١٣ حديث ١٣٠٠ ، الاستبصار ١ : ٤٣ حديث ١٢٠.

١٤٨

الفصل الخامس : في الأحكام

يحرم استعمال الماء النجس في الطهارة وازالة النجاسة مطلقا ، وفي الأكل والشرب اختيارا ، فان تطهّر به لم يرتفع حدثه ، ولو صلّى أعادهما مطلقا.

______________________________________________________

قوله : ( الفصل الخامس : في الأحكام ).

قد جرت عادة المصنف في هذا الكتاب ، وفي غيره ، بأن يذكر بعد المباحث التي هو بصدد بيانها مثل أقسام المياه ، وأعداد النجاسات ، وكيفية الوضوء إلى غير ذلك من المباحث ، فصلا يذكر فيه أحكام ما سبق ، مع كون المباحث السابقة أيضا مشتملة على بيان أحكام ، فكأنه يريد بذلك الأحكام الثانية التي تترتب على الأحكام الأولى ، أو أن المباحث السابقة غالبا تتضمن أحكام الوضع ، وأحكام التكليف لازمة لها ، فلذلك تذكر بعدها كالطهارة والنجاسة ، والإضافة التي تضمنتها المباحث السالفة من هذا المقصد.

قوله : ( يحرم استعمال الماء النجس في الطهارة وإزالة النجاسة مطلقا ).

المراد بالتحريم هنا هو المتعارف ، أعني طلب الترك المانع من النقيض ، الذي يترتب على فعل متعلقة الذم والعقاب ، وإنما كان كذلك لأن استعمال المكلف الماء النجس فيما يعد طهارة في نظر الشارع أو إزالة نجس ، يتضمن إدخال ما ليس من الشرع فيه ، فيكون حراما لا محالة والمراد بالإطلاق في قوله : ( مطلقا ) شمول حالتي الاضطرار والاختيار ، مقابل القيد الذي في المسألة التي بعده.

قوله : ( وفي الأكل والشرب اختيارا ).

أي : من غير ضرورة ، فيستفاد من القيد إباحته عند الضرورة ، وإنما يباح القدر الضروري كما تشعر به الضرورة.

قوله : ( فان تطهر به لم يرتفع حدثه ، ولو صلى أعادهما مطلقا ).

أما الحكم الأول فلأن النجس لا يطهّر غيره ، وأما الثاني فلأنه صلّى محدثا‌

١٤٩

أما لو غسل ثوبه به ، فإنه يعيد الصلاة ان سبقه العلم مطلقا ، وإلاّ ففي الوقت خاصة ، وحكم المشتبه بالنجس حكمه.

______________________________________________________

فتقع صلاته فاسدة ، ويجب إعادتها في الوقت ـ وهو ظاهر ـ وفي خارجه لأنه لم يأت بالأداء ، وعموم : ( من فاتته صلاة فريضة فليقضها ) (١) يقتضي وجوب القضاء ، ومعلوم أن مراده بقوله : ( مطلقا ) الوقت وخارجه ، وسبق العلم وعدمه ، في مقابل التقييد في المسألة التي بعده.

قوله : ( أما لو غسل ثوبه به فإنه يعيد الصلاة ، إن سبقه العلم مطلقا ، وإلا ففي الوقت خاصة ).

ما تقدم فهو بيان حكم استعماله في رفع الحدث ، وهذا بيان حكم استعماله في إزالة الخبث ، وحكمه إن فعل ذلك وصلّى بالثوب عامدا وجوب الإعادة في الوقت وخارجه ، وهو ظاهر ، وأما إذا علم بالنجاسة في الماء ، ثم نسي وقت فعل الصلاة وقد أزال نجاسة ثوبه به ، فقد قيل بوجوب الإعادة في الوقت دون خارجه (٢) ، والأصح وجوب الإعادة مطلقا ، كالعامد لظاهر الاخبار (٣).

فقول المصنف : ( إن سبقه العلم ) شامل للقسمين ، لأن سبق العلم صادق مع طروء النسيان وعدمه.

وقوله : ( وإلا ) أي : وإن لم يسبقه العلم أعاد في الوقت دون خارجه ، إذا ثبت أن النجاسة كانت في الماء وقت الاستعمال ، ومستند ذلك خبران مطلقان بالإعادة (٤) ، وبعدمها (٥) ، فجمع بينهما بحمل خبر الإعادة على الوقت ، والآخر على خارجه ، وهو جمع ظاهر.

قوله : ( وحكم المشتبه بالنجس حكمه ).

أي : حكم النجس في وجوب اجتنابه في الصلاة وإزالة النجاسة وعدم جوازه‌

__________________

(١) عوالي اللآلي ٢ : ٥٤ حديث ١٤٣.

(٢) قاله الشيخ في المبسوط ١ : ٣٨ ، والنهاية : ٥٢.

(٣) الكافي ٣ : ٥٩ حديث ٣ ، التهذيب ١ : ٢٥٤ حديث ٧٣٦ ، ٧٣٧.

(٤) التهذيب ١ : ٥٠ حديث ١٤٦ ، الاستبصار ١ : ٥٥ حديث ١٦٢.

(٥) التهذيب ١ : ٤٨ حديث ١٤٠ ، الاستبصار ١ : ٥٤ حديث ١٥٧.

١٥٠

ولا يجوز له التحرّي وان انقلب أحدهما ، بل يتيمّم مع فقد غيرهما ، ولا تجب الإراقة ، بل قد تحرم عند خوف العطش.

ولو اشتبه المطلق بالمضاف ، تطهّر بكل واحد منهما طهارة ،

______________________________________________________

في الأكل والشرب اختيارا.

قوله : ( ولا يجوز التحري وإن انقلب أحدهما ).

المراد بالتحري : الاجتهاد في طلب الأحرى بالاستعمال ، وهو الظاهر ، لقرينة ثبوت النهي عن استعمالهما ، والقرينة التي لا تثمر اليقين غير كافية في الخروج عن النهي الشرعي ، ولأنه لا يأمن أن يكون استعماله للنجس ، فيتنجس به مع بقائه على حدثه ، وليس هذا كالاجتهاد في القبلة ، وجوّزه الشافعي هنا (١).

ومع انقلاب أحد الإناءين ، فالتحري عند بعض الشافعية ثابت ، ـ كما إذا لم ينقلب ـ وعند بعضهم يتعين استعمال الباقي لعدم القطع بوجود النجس ، وقد كان الأصل الطهارة (٢) ، وليس بشي‌ء ، فحاول المصنف الرد عليهم ، مشيرا الى الوجه الأخير بقوله : ( وإن انقلب أحدهما ) ، فإن الانقلاب مفض إلى الطهارة عند البعض ـ كما عرفت ـ فجواز التحري معه أولى ، وفي العبارة شائبة التكلف.

قوله : ( ولا تجب الإراقة ، بل قد تحرم عند خوف العطش ).

خالف الشيخ (٣) في ذلك فقال بوجوب الإراقة لورود الأمر بها في بعض الاخبار (٤) ، وهو ضعيف ، وربما كانت حراما لخوف العطش ونحوه.

قوله : ( ولو اشتبه المطلق بالمضاف تطهّر بكل واحد منهما طهارة ).

لا ريب أن التطهر بهما محصل للطهارة بالمطلق المأمور بها ، فيكون مقدمة للواجب المطلق ، ولا يضر عدم جزمه بالنيّة عند كل طهارة ، لأن الجزم إنما يعتبر بحسب الممكن ، لكن يشترط لصحته فقد ما ليس بمشتبه ، وإلا تعين استعماله.

__________________

(١) المجموع شرح المهذب ١ : ١٨٠ ، وفتح العزيز بهامشه ١ : ٢٧٣.

(٢) انظر : المجموع ١ : ١٨٥.

(٣) التهذيب ١ : ٢٤٧.

(٤) التهذيب ١ : ٢٢٩ حديث ٦٦٢ ، الاستبصار ١ : ٢١ حديث ٤٨.

١٥١

ومع انقلاب أحدهما فالوجه الوضوء والتيمم ، وكذا يصلّي في الباقي من الثوبين ، وعاريا مع احتمال الثاني خاصة.

ولو اشتبه بالمغصوب وجب اجتنابهما ،

______________________________________________________

قوله : ( ومع انقلاب أحدهما فالوجه الوضوء والتيمم ).

وجهه : أنه مقدمة لتحصيل الطهارة بالمطلق في الجملة فيجب ، ولأن الحكم بوجوب الاستعمال تابع لوجود المطلق ، وقد كان وجوده مقطوعا به ، ولم يقطع بانقلابه ، فيبقى الحكم بالوجوب الى أن يتحقق الناقل.

ويحتمل ـ ضعيفا ـ عدم الوجوب فيتيمم خاصة ، لأن التكليف بالطهارة مع وجود المطلق : وهو منتف ، ولأصالة البراءة من وجوب طهارتين ، والفتوى على الأول ، ولا يخفى أنه يجب تقديم الوضوء على التيمم.

قوله : ( وكذا يصلي في الباقي من الثوبين وعاريا ).

أي : وكذا الوجه في وجوب فعل الصلاة مرتين ، كما ذكره ، لو كان عنده ثوبان ، أحدهما نجس لم يتعين ، فتلف أحدهما وبقي الآخر ، ووجهه أنه مقدمة للواجب المطلق ، وللقطع بوجوده قبل تلف واحد كما سبق.

ويحتمل الاقتصار على الصلاة عاريا ، نظرا إلى عدم تحقق ثوب طاهر ، وهذا بناء على أن من لم يجد ساترا إلا النجس ، ولم يقدر على إزالة النجاسة ينزعه ويصلي عاريا ، وسيأتي أن الأصح أفضلية الصلاة فيه ، فلا تتعين الصلاة عاريا ، بل ولا يجب ، وإنما الواجب فعلها في الباقي من الثوبين خاصة.

واعلم أن قول المصنف : ( مع احتمال الثاني خاصة ) يريد به الاقتصار على التيمم والصلاة عاريا في المسألتين ، وقد عرفت ضعفه ، بل ضعف ما اختاره في المسألة الثانية.

قوله : ( ولو اشتبه بالمغصوب وجب اجتنابهما ).

وذلك لأن اجتناب إتلاف مال الغير واجب مطلق ، ولا يتم إلا باجتنابهما ، وما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب.

١٥٢

فان تطهّر بهما فالوجه البطلان.

ولو غسل ثوبه أو بدنه من النجاسة به أو بالمشتبه به طهر. وهل يقوم ظن النجاسة مقام العلم؟ فيه نظر ،

______________________________________________________

قوله : ( فان تطهر بهما فالوجه البطلان ).

وجهه ثبوت النهي عن استعمال كل منهما ، لما عرفت من ثبوت النهي عن إتلاف مال الغير عدوانا ، ومع الاشتباه ، فاستعمال أيهما كان معرض لاستعمال مال الغير ، والنهي في العبادة يقتضي الفساد ، وتوهم القلب هنا ضعيف ، لأن مقدمة الواجب المطلق لا بدّ من كونها مباحة ، لامتناع كون الحرام مقدمة الواجب.

ويحتمل ضعيفا الصحة ، ليقين الطهارة بماء مملوك مباح عند تطهيره بها ، وقد عرفت دليل التحريم في كل منهما ، فلا يتم هذا الوجه.

قوله : ( ولو غسل ثوبه أو بدنه من النجاسة به أو بالمشتبه به طهر ).

أي : بالمغصوب أو بالمشتبه بالمغصوب ، وذلك لأن إزالة النجاسة ليس مأمورا به على وجه القربة ، فلا يكون عبادة محضة ، فلا يؤثر فيه النهي فسادا.

قوله : ( وهل يقوم ظن النجاسة مقام العلم؟ فيه نظر ).

المراد بقيامه مقام العلم إجراؤه مجرى العلم بحصول النجاسة ، أو مكافأته للعلم بطهارة المحل السابق على حصول ظن النجاسة ، ومنشأ النظر من اختلاف الأصحاب ، فقال أبو الصلاح : تثبت النجاسة بكل ظن ، لأن الظن مناط الشرعيات (١) ، وهو ظاهر الفساد ، لأن مناطها ظن مخصوص أجراه الشارع مجرى اليقين لا مطلقا.

وقال ابن البراج : لا تثبت النجاسة بالظن مطلقا (٢) ، أي وإن كان الظن بسبب شرعي ، كشهادة العدلين تمسكا باليقين السابق. وفيه ضعف ، لأن المثمر للظن شرعا جار مجرى اليقين عند الشارع ، ولأن المشتري لو ادعى العيب في المبيع لكونه نجسا ، وشهد له عدلان ، فلا بد من القول بالثبوت ، لأن حقوق العباد تثبت بالعدلين‌

__________________

(١) نقله العاملي في المفتاح ١ : ١٣٠ عنه.

(٢) جواهر الفقه ( الجوامع الفقهية ) : ٤١٠.

١٥٣

أقربه ذلك إن استند الى سبب ، وإلاّ فلا.

ولو شهد عدل بنجاسة الماء لم يجب القبول ، وان أسند إلى السبب.

ويجب قبول العدلين ، فان عارضهما مثلهما فالوجه الحاقه بالمشتبه ،

______________________________________________________

إجماعا ، وثبوت الحكم في هذا الفرد يقتضي الثبوت مطلقا ، لعدم الفصل.

قوله : ( أقربه ذلك إن استند الى سبب ، وإلا فلا ).

أي : أقرب وجهي النظر القول بقيام الظن مقام العلم ، إذا كان الظن مستندا إلى سبب ، والمراد به : ما اعتبر الشارع سببيته ، كشهادة العدلين ، ومثله إخبار المالك لا نحو شهادة العدل الواحد ، أو كون الشي‌ء مظنّة للنجاسة عادة ، ونحو ذلك.

وفي هذه العبارة إجمال يتأكد بقوله : ( ولو شهد عدل ... ). بالواو وكان حقه الإتيان بالفاء ويزيده قوله : ( ويجب قبول العدلين ) وإن كان قد يعتذر له بكونه توطئة لما بعده ، والحق أن نظم العبارة غير حسن.

قوله : ( ولو شهد عدل بنجاسة الماء لم يجب القبول ، وإن استند الى السبب ).

أي : إلى السبب المقتضي للتنجيس ، كأن المصنف حاول بهذا ، الرد على أبي الصلاح الذي يكتفي في حصول النجاسة بمطلق ما يحصل به الظن ، والشافعي القائل بقبول العدل الواحد إذا بيّن سبب التنجيس (١) لا إن أطلق ، لاختلاف الناس في أسباب التنجيس اختلافا ظاهرا.

قوله : ( فان عارضهما مثلهما فالوجه الحاقه بالمشتبه ).

المراد بالمعارضة : استجماع كل من الشهادتين ما به يتحقق التنافي بينهما بحيث لا يمكن الجمع ، فلو شهدت إحداهما بالنجاسة ، والأخرى بعدم الاطلاع على سبب يقتضي التنجيس فلا تعارض ، إذ لا يلزم من عدم الاطلاع العدم ، أما لو ضبط الزمان كيوم كذا مثلا ، وشهدت إحداهما بحصول النجاسة في هذا اليوم ، والأخرى بالعلم بعدم النجاسة فيه ، لملاحظتها له تمام اليوم فقد ثبت التعارض.

__________________

(١) المجموع ١ : ١٧٥.

١٥٤

ولو أخبر الفاسق بنجاسة مائه أو طهارته قبل.

ولو علم بالنجاسة بعد الطهارة ، وشك في سبقها عليها ، فالأصل الصحة.

ولو علم سبقها وشك في بلوغ الكريّة أعاد.

ولو شك في نجاسة الواقع بنى على الطهارة ، وينجس القليل بموت ذي لنفس السائلة فيه دون غيره ، وإن كان من حيوان الماء كالتمساح.

______________________________________________________

ثم هو إما في إناء واحد ، أو في إنائين ، وفي الفرض الأول أقوال :

الطهارة (١) إما لترجيح بينة الطهارة بالأصل ، أو للتساقط ، والنجاسة (٢) ترجيحا للناقل على المقرر ، والحاقه بالمشتبه لتكافؤ البينتين وهذا أحوط ، وإن كان القول بالطهارة لا يخلو من وجه.

أما الفرض الثاني فيحتمل فيه القول بالطهارة ، للتعارض الموجب للتساقط ، والرجوع إلى حكم الأصل. وفيه نظر ، لأنهما إنما تعارضتا في تعيين النجس لا في حصول النجاسة ، لاتفاقهما على نجاسة أحدهما ومثله القول بالنجاسة تقريرا للبينتين ، لاتفاقها على طهارة واحد ، فلم يبق إلا إلحاقه بالمشتبه لاتفاقهما على نجاسة واحد ، وانتفاء المقتضي للتعيين لتعارضهما ، ولا معنى للاشتباه إلا ذلك ، وهذا هو الأصح.

قوله : ( ولو علم بالنجاسة بعد الطهارة ... ).

قد سبق ما يعلم منه وجه ذلك ، وما يجب أن يقيد به الحكم الثاني.

قوله : ( وينجس القليل بموت ذي النفس السائلة فيه دون غيره ، وإن كان من حيوان الماء كالتمساح ).

رد على الشافعي بقوله : ( دون غيره ) أي : دون غير ذي النفس ، فإن الشافعي يرى أن ما لا نفس له ينجس الماء بموته إذا لم يكن من حيوان الماء (٣).

وبجملة ( إن ) الوصلية المؤكدة لما دل عليه قوله : ( وينجس القليل بموت ذي النفس ) ردّ على أبي حنيفة القائل : بأن موت حيوان الماء فيه لا ينجسه ، وإن قل الماء‌

__________________

(١) نقل هذا القول عن الشيخ في إيضاح الفوائد ١ : ٢٤.

(٢) ذهب اليه ابن إدريس في السرائر : ١٤.

(٣) الأم ١ : ٥.

١٥٥

ولو اشتبه استناد موت الصيد في القليل الى الجرح أو الماء ، احتمل العمل بالأصلين ، والوجه المنع.

ويستحب التباعد بين البئر والبالوعة بقدر خمس أذرع مع صلابة الأرض ، أو فوقية البئر ، وإلاّ فسبع.

______________________________________________________

وكان الحيوان ذا نفس (١).

قوله : ( ولو اشتبه استناد موت الصيد في القليل إلى الجرح أو الماء احتمل العمل بالأصلين ، والوجه المنع ).

أما الأصلان فالمراد بهما : طهارة الماء ـ فإن الأصل فيه الطهارة ـ وتحريم الصيد ، لأن الأصل عدم حصول شرائط التذكية ، ووجه العمل بهما أصالة كل منهما في نفسه ، ووجوب التمسك بالأصل إلى أن يحصل الناقل ووجه ما اختاره المصنف أن العمل بهما يفضي الى الجمع بين المتنافيين ، لأن طهارة الماء يقتضي عدم نجاسة الصيد المقتضي لعدم موته حتف أنفه ، وتحريمه يقتضي عدم ذكاته المقتضي لموته حتف أنفه.

والتحقيق ، أن يقال : إن تحريم الصيد إن كان مستندا الى عدم التذكية ـ التي هي عبارة عن موته حتف أنفه ـ تم التنافي الذي ادعى لزومه ، وامتنع العمل بهما ، وإن كان مستندا إلى عدم العلم بالتذكية لم يتم ما ادعاه من التنافي ، لأن الحكم بطهارة الماء يستلزم عدم العلم بوجود النجاسة فيه ، لا عدم النجاسة في الواقع ، فإنه لو شك في نجاسة الواقع لم ينجس الماء قطعا.

على أن العمل بالأصلين المتنافيين واقع في كثير من المسائل ، مثلا لو ادعت وقوع العقد في الإحرام حلف ، ولم يكن لها المطالبة بالنفقة ، ولا له التزوج بأختها ، وهذا قوي ، وإن كان الحكم بالنجاسة أحوط وأوفق لما يلمحه الأصحاب غالبا.

قوله : ( ويستحب التباعد بين البئر والبالوعة بقدر خمس أذرع مع صلابة الأرض ، أو فوقية البئر ، وإلا فسبع ).

هذا هو المشهور بين الأصحاب (٢) ، وقال ابن الجنيد : إن كانت الأرض‌

__________________

(١) شرح فتح القدير ١ : ٧٣ ، والهداية ( بهامشه ) ١ : ٧٣ ، والمجموع شرح المهذب ١ ١٣٢.

(٢) منهم : الشيخ في المبسوط ١ : ١٣ ، والنهاية : ٩ ، والمحقق في المعتبر ١ : ٧٩.

١٥٦

______________________________________________________

رخوة ، والبئر تحت البالوعة فليكن بينهما اثنتا عشر ذراعا ، وإن كانت صلبة ، أو كانت البئر فوق البالوعة فليكن بينهما سبع أذرع (١) ، والمعتمد الأول.

لنا : إن فيه جمعا بين رواية حسن بن رباط الدالة على اعتبار الفوقية والتحتية في الخمس والسبع (٢) ، ومرسل قدّامة بن أبي ( يزيد ) الحمّار الدالة على اعتبار السهولة والجبلية فيهما أيضا (٣).

ويدل على تقدير ابن الجنيد ، ما رواه محمد بن سليمان الديلمي عن أبيه قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن البئر يكون إلى جنبها الكنيف ، فقال : « إن مجرى العيون كلها مع مهب الشمال ، فإذا كانت البئر النظيفة فوق الشمال والكنيف أسفل منها لم يضرها إذا كان بينهما أذرع وإن كان الكنيف فوق النظيفة فلا أقل من اثني عشر ذراعا ، وإن كانت اتجاهها بحذاء القبلة وهما مستويان في مهب الشمال فسبع أذرع » (٤).

كذا احتج له في المختلف (٥) وفي دلالة هذه الرواية على مذهبه نظر ، وطريق الجمع حمل ما دل على الزيادة على المبالغة في الاستحباب ، وحينئذ فتعتبر الفوقية والتحتية باعتبار المجرى ، فإن جهة الشمال فوق بالنسبة ( إلى ) ما يقابلها كما دلت عليه هذه الرواية ، وإنما يظهر أثر ذلك مع التساوي في القرار ، ويضم إلى الفوقية والتحتية باعتبار القرار ، والى صلابة الأرض ورخاوتها ، فنحصل أربع وعشرون صورة ، لأن البئر والبالوعة إما أن يكون امتدادهما بين الشمال والجنوب وله صورتان : كون البئر في الشمال وعكسه ، أو بين المشرق والمغرب ، وله صورتان.

وعلى كل تقدير إما أن تكون الأرض صلبة أو لا ، وعلى التقديرات إما أن يكون البئر أعلى قرارا أو جهة أو البالوعة ، أو يستويا ، وحاصل ذلك أربع وعشرون صورة ، في‌

__________________

(١) نقل قوله في المختلف : ١٥.

(٢) الكافي ٣ : ٧ حديث ١ ، التهذيب ١ : ٤١٠ حديث ١٢٩٠ ، الاستبصار ١ : ٤٥ حديث ١٢٦.

(٣) الكافي ٣ : ٨ حديث ٣ ، التهذيب ١ : ٤١٠ حديث ١٢٩١ ، الاستبصار ١ : ٤٥ حديث ١٢٧.

(٤) التهذيب ١ : ٤١٠ حديث ١٢٩٢.

(٥) المختلف : ١٥.

١٥٧

ولا يحكم بنجاسة البئر مع التقارب ما لم يعلم وصول ماء البالوعة إليها مع التغير عندنا ، ومطلقا عند آخرين.

ويكره التداوي بالمياه الحارة من الجبال التي يشم منها رائحة الكبريت ، وما مات فيه الوزغة أو العقرب أو خرجا منه.

______________________________________________________

سبع عشرة منها يكفي الخمس ـ وهي كل صورة توجد فيها صلابة الأرض ، أو فوقية البئر بأحد الاعتبارين ـ والسبع في الباقي وهي كل صورة ينتفي فيها الأمران. واعلم أن قول المصنف : ( وإلا فسبع ) يحتاج إلى تقدير مبتدأ أو خبر ، ولو قال : ( وإلا فبسبع ) لأغنى عن ذلك ، مع ما فيه من السلامة والجزالة.

قوله : ( مع التغيّر عندنا ، ومطلقا عند آخرين ).

يريد بذلك البناء على الخلاف ، في أن نجاسة البئر بالملاقاة أو بالتغير. قال المصنف ، في المنتهى : فرع : لو تغير ماؤها تغيرا يصلح استناده إلى البالوعة فهو على الطهارة ما لم يحصل اليقين بالاستناد ، وكذا غير البالوعة من النجاسات (١) ، وما قاله جيد.

قوله : ( ويكره التداوي بالمياه الحارة ... ).

قيل : إن الطهارة بها مكروهة (٢) ، ولم يثبت ، لكن روى ابن بابويه كراهة التداوي بها لأنها من فيح جهنم (٣).

قوله : ( وما مات فيه الوزغة أو العقرب ، أو خرجتا منه ).

الوزغة محركة : سام أبرص ، لأمر الباقر عليه‌السلام بإراقة ما وقع فيه العقرب (٤) ، والأمر بالنزح للوزغة (٥) ولا يمنع من استعماله ، لأن الأمر بذلك محمول على الندب للتنزه أو السم ، إذ لا نفس لهما ، وضررهما غير متيقن ولا مظنون.

__________________

(١) المنتهى ١ : ١٩.

(٢) ذهب اليه الصدوق في الفقيه ١ : ١٣ ، والشيخ في النهاية : ٩.

(٣) الفقيه ١ : ١٤ حديث ٢٥.

(٤) التهذيب ١ : ٢٣٠ حديث ٦٦٤ ، الاستبصار ١ : ٢٧ حديث ٦٩.

(٥) التهذيب ١ : ٢٣٨ حديث ٦٨٨ ، الاستبصار ١ : ٣٩ حديث ١٠٦.

١٥٨

ولا يطهر العجين النجس بخبزه ، بل باستحالته رمادا ، وروي بيعه على مستحلّ الميتة أو دفنه.

______________________________________________________

قوله : ( ولا يطهر العجين النجس بخبزه ، بل باستحالته رمادا ).

خالف في ذلك الشيخ رحمه‌الله فقال في النهاية : إنه يطهر بخبزه (١) ، استنادا إلى مرسلة ابن أبي عمير الصحيحة (٢) ، ولا صراحة فيها مع مخالفة الحكم أصول المذهب ، فان النار إنما تطهّر ما أحالته رمادا أو نحوه ، لأن المراد بالاستحالة المطهرة زوال الصورة النوعية ، التي هي مناط تعليق الاسم المفضي إلى زوال الاسم الأول ، كما في صيرورة العذرة دودا أو ترابا ، فيتمسك باستصحاب النجاسة إلى أن يحصل المطهر.

وقد يتوهم من قول المصنف : ( بل باستحالته رمادا ) سدّ باب طهارته بغير ذلك ، كما تشعر به صحاح ابن أبي عمير الواردة بدفنه (٣) ، وبيعه على مستحل الميتة (٤) ، وطهره بالخبز (٥).

قال في الذكرى إلا أن يقيد بالمعهود من القليل ، ومال الى طهارته إذا ( رقق ) وتخلله الماء (٦) ، وهو حسن. ولا ريب أن تخلل الماء له بعد خبزه أظهر ، لأن النار تعده لذلك لتصلبه بها ، وحدوث المسام له.

قوله : ( وروي بيعه على مستحل الميتة أو دفنه ).

الروايتان صحيحتان من مراسيل ابن أبي عمير الملحقة بالمسانيد (٧) ، قال المصنف في المنتهى : الأقرب أنه لا يباع ، وحمل الرواية على البيع من غير أهل الذمة ، وقال : وإن لم يكن ذلك بيعا في الحقيقة ، فصرف لفظ البيع عن حقيقته إلى الاستنقاذ لأن مال من لا ذمة له في‌ء لنا (٨).

__________________

(١) النهاية : ٨.

(٢) الفقيه ١ : ١١ حديث ١٩ ، التهذيب ١ : ٤١٤ حديث ١٣٠٤ ، الاستبصار ١ : ٢٩ حديث ٧٥.

(٣) التهذيب ١ : ٤١٤ حديث ١٣٠٦ ، الاستبصار ١ : ٢٩ حديث ٧٧.

(٤) التهذيب ١ : ٤١٤ حديث ١٣٠٥ ، الاستبصار ١ : ٢٩ حديث ٧٦.

(٥) الفقيه ١ : ١١ حديث ١٩ ، التهذيب ١ : ٤١٤ حديث ١٣٠٤ ، الاستبصار ١ : ٢٩ حديث ٧٥.

(٦) الذكرى : ١٤.

(٧) التهذيب ١ : ٤١٤ حديث ١٣٠٥ ، ١٣٠٦ ، الاستبصار ١ : ٢٩ حديث ٧٦ ، ٧٧.

(٨) المنتهى ١ : ١٨.

١٥٩

المقصد الثالث : في النجاسات ، وفيه فصلان :

الأول : في أنواعها ، وهي عشرة : البول ، والغائط من كل حيوان ذي نفس سائلة غير مأكول ، وان كان التحريم عارضا كالجلاّل ،

______________________________________________________

وفيما قال إشكال ، أمّا أولا فلأن طهارته ممكنة كما عرفت ، وأمّا ثانيا فلأنه بنجاسته لم يخرج عن كونه مالا حتى لا يقابل بمال ، إذ ليس هو عين نجاسة ، والانتفاع به ثابت ، في نحو علف الدواب ، وأما ثالثا فلأنه لا ضرورة إلى ارتكاب المجاز في الحديث ، بحمل البيع على الاستنقاذ وتخصيصه بمن عدا أهل الذمة ، فإنه لا مانع من جواز البيع لهم ولغيرهم حتى المسلمين ، لما قلناه من كونه مالا فيصح أن يقابل بمال.

ولا دلالة في الحديث على ما ينافي ذلك بوجه من الوجوه ، وتقييد البيع في الحديث بمستحل الميتة ، الظاهر أنه عليه‌السلام أراد به مع عدم الإعلام بالنجاسة ، أما معه فيجوز مطلقا.

قوله : ( المقصد الثالث في النجاسات : وفيه فصلان : الأول : في أنواعها ، وهي عشرة : البول والغائط من كل حيوان ذي نفس سائلة ).

النفس هنا هي الدّم قال :

تسيل على حدّ الظبات (١) نفوسنا

................... (٢)

والمراد بالنفس السائلة : الدم الذي يجتمع في العروق ويخرج إذا قطع شي‌ء منها بقوة ودفع ، بخلاف دم ما لا نفس له ، فإنه يخرج ترشيحا.

قوله : ( وإن كان التحريم عارضا كالجلاّل ).

ومثله موطوء الإنسان ، والمراد بالجلاّل : الحيوان الذي يغتذي بعذرة الإنسان محضا ، الى أن يسمى في العرف جلاّلا ، وأن (٣) ينبت بها لحمه ويشتد عظمه ، لانه بذلك يصير جزءا وعضوا له ، وسيأتي تحقيقه في موضعه ان شاء الله تعالى.

__________________

(١) الظبات : حد السيوف ، لسان العرب ( ظبا ) ١٥ : ٢٢.

(٢) قاله السموأل ، وعجز البيت .. وليست على غير الظبات تسيل.

(٣) في نسخة ح « أو أن ».

١٦٠