جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

بأن يمسح من المقعدة إلى أصل القضيب ثلاثا ، ومنه الى رأسه ثلاثا ، وينتره ثلاثا ، فان وجد بللا بعده مشتبها لم يلتفت ، ولو لم يستبرئ أعاد الطهارة.

ولو وجده بعد الصلاة أعاد الطهارة خاصة ، وغسل الموضع ومسح بطنه عند الفراغ.

ويكره استقبال الشمس والقمر بفرجه في الحدثين ، واستقبال الريح بالبول ،

______________________________________________________

بطهارة البلل المشتبه بعده ، وعدم كونه ناقضا؟ وجهان ، ويحتمل قويا الحكم بطهارة الخارج منها ، وعدم النقض به مع اشتباهه وإن لم تستبرئ ، والقول بتعدية الحكم باستحباب الاستبراء إليها ضعيف ، لان فيه خروجا عن المنصوص ، مع انتفاء محله.

قوله : ( ولو وجده بعد الصلاة أعاد الطهارة خاصة ).

لأن ذلك حدث متجدد.

قوله : ( ومسح بطنه عند الفراغ ).

أي : بعده قائما بيده اليمنى ، قاله المفيد رحمه‌الله (١) ، ومن تبعه (٢).

قوله : ( ويكره استقبال الشمس والقمر بفرجه في الحدثين ).

لثبوت النهي عن ذلك ـ والمراد : نفس القرص دون الجهة ، بخلاف القبلة ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يبولن أحدكم ، وفرجه باد للقمر » (٣).

قال المصنف في المنتهى : لو استتر عنهما بشي‌ء فلا بأس ، لأنه لو استتر عن القبلة بالانحراف جاز ، فهاهنا أولى (٤).

قوله : ( واستقبال الريح بالبول ).

__________________

(١) المقنعة : ٤.

(٢) تبعه سلار في المراسم : ٣٣ ، والشهيد في البيان : ٦.

(٣) التهذيب ١ : ٣٤ حديث ٩٢ وفي آخره « يستقبل به ».

(٤) المنتهى ١ : ٤٠.

١٠١

والبول في الصلبة ، وقائما ومطمحا ، وفي الماء جاريا وراكدا.

______________________________________________________

للنهي عنه (١) ، ولئلا يعكس الريح البول فيرده على جسد المتخلي وثيابه.

وفي الذكرى عدّ في المكروهات : استقبال الريح واستدباره (٢) ، معللا بنهي الحسن عليه‌السلام عنه (٣)

قوله : ( والبول في الصلبة ).

لئلا يعود عليه ، وكذا ما في معناها ، كالجلوس في أسفل المنحدرة ، ويشهد لذلك قول الرضا عليه‌السلام : « من فقه الرجل أن يرتاد لبوله » (٤) أي : يتخير موضعا مناسبا ، كالمرتفع ، أو كثير التراب.

قوله : ( وقائما ومطمحا ).

عللت كراهية البول قائما في الأخبار بأنه من الجفاء (٥) ، أي : البعد عن الآداب ، ولأنه يعود عليه غالبا.

ونهي أن يطمّح (٦) الرجل ببوله من السطح في الهواء (٧) ، وهو قريب من البول قائما في العلة.

قوله : ( وفي الماء جاريا وراكدا ).

علل في الاخبار بأن للماء أهلا (٨) ، ولا ريب أن الراكد أشد كراهية ، لأنه أشد قبولا للانفعال ، ولما روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا بأس بأن يبول الرجل في الماء الجاري » (٩).

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٥ حديث ٣ ، الفقيه ١ : ١٨ حديث ٤٧ ، التهذيب ١ : ٢٦ ، ٣٣ حديث ٦٥ ، ٨٨ الاستبصار ١ : ٤٧ حديث ١٣١.

(٢) الذكرى : ٢٠.

(٣) الفقيه ١ : ١٨ حديث ٤٧.

(٤) الكافي ٣ : ١٥ حديث ١ ، التهذيب ١ : ٣٣ حديث ٨٦.

(٥) الكافي ٣ : ١٥ حديث ٤ ، الفقيه ١ : ١٦ ، ١٩ حديث ٣٦ ، ٥١ ، علل الشرائع : ٢٧٨ باب ١٨٦.

(٦) طمّح ببوله وبالشي‌ء : رمى به في الهواء ( طمح ) لسان العرب ٢ : ٥٣٥.

(٧) الكافي ٣ : ١٥ حديث ٤ ، الفقيه ١ : ١٩ حديث ٥٠.

(٨) التهذيب ١ : ٣٤ حديث ٩٠ ، الاستبصار ١ : ١٣ حديث ٢٥.

(٩) التهذيب ١ : ٣١ حديث ٨١ ، الاستبصار ١ : ١٣ حديث ٢٣.

١٠٢

والحدث في الشوارع والمشارع ، ومواضع اللعن ، وتحت المثمرة ، وفي‌ء النزّال ،

______________________________________________________

ولا يبعد أن يقال : أن الماء المعدّ في بيوت الخلاء لأخذ النجاسة واكتنافها ـ كما يوجد في الشام ، وما جرى مجراها من البلاد الكثيرة الماء ـ لا يكره قضاء الحاجة فيه.

قوله : ( والحدث في الشوارع والمشارع ).

الشوارع ، جمع شارع : وهو الطريق ، والمشارع ، جمع مشرعة : وهي طريق الماء للواردة.

قوله : ( ومواضع اللعن ).

عن زين العابدين عليه‌السلام : أنها أبواب الدور (١) ، وقيل : مجمع النادي (٢) لتعرضه للعنهم.

قوله : ( وتحت المثمرة ).

أي : الأشجار المثمرة ، والظاهر أنه لا يراد بها ذات الثمر بالفعل ، بل ما من شأنها ذلك ، كما في شاة لبون على ما صرحوا به ، ولان المشتق لا يشترط في صدقه بقاء أصله ، ولان ذلك موجب لبقاء النفرة من ثمرها في النفس ، وهذا إنما هو في المملوك له أو المباح ، أما ملك الغير فلا يجوز قطعا إلاّ باذنه ، ويضمن ما يتلف.

قوله : ( وفي‌ء النزّال ).

المراد به : موضع الظل المعد لنزول القوافل والمترددين ، كموضع ظل جبل ، أو شجرة ، ونحو ذلك.

ويمكن أن يراد به : أعم من ذلك ، وهو الموضع المعد لنزولهم مطلقا ، نظرا إلى أنهم يرجعون في النزول إليه ، من فاء إذا رجع وفيه تجوز ، والأول هو الموجود في الأخبار (٣).

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٥ حديث ٢ ، الفقيه ١ : ١٨ حديث ٤٤ ، التهذيب ١ : ٣٠ حديث ٧٨.

(٢) مجمع النادي : مجلس القوم ومتحدّثهم. انظر الصحاح ( ندا ) ٦ : ٢٥٠٥.

(٣) الكافي ٣ : ١٦ حديث ٥ ، ٦ ، الفقيه ١ : ١٨ حديث ٤٥ ، المقنع : ٣ ، التهذيب ١ : ٣٠ حديث ٧٩ ، ٨٠.

١٠٣

وجحرة الحيوان ، والأفنية ، ومواضع التأذي ، والسواك عليه ، والأكل والشرب. والكلام إلاّ بالذكر ، أو حكاية الأذان ، أو قراءة آية الكرسي ، أو طلب الحاجة المضر فوتها ،

______________________________________________________

قوله : ( وجحرة الحيوان ).

هي : بكسر الجيم وفتح الحاء والراء المهملتين جمع جحر للنهي عنه (١) ، ولأنه لا يؤمن خروج حيوان يلسعه ، فقد حكي : أن سعد بن عبادة بال في جحر بالشام فاستلقى ميتا ، فسمعت الجن تنوح عليه بالمدينة ، وتقول :

نحن قتلنا سيد الخزرج

سعد بن عباده

ورميناه بسهمين

فلم نخط فؤاده (٢)

قوله : ( والأفنية ).

هي : جمع فناء بكسر الفاء ، وهو ما امتد من جوانب الدار (٣) ، والمراد به : حريمها خارج المملوك منها.

قوله : ( والسواك عليه ).

أي : حالة الحدث ، فالمضاف محذوف ، وعلل في الأخبار (٤) بأنه يورث البخر (٥).

قوله : ( والكلام إلا بالذكر ، أو حكاية الأذان ، أو قراءة آية الكرسي ، أو طلب الحاجة المضر فوتها ).

أما الذكر ، فيدل عليه حديث : « ذكري على كل حال حسن » (٦).

وأما حكاية الأذان : فحكاه شيخنا ، في الذكرى ، بقوله : وقيل (٧) ،

__________________

(١) سنن أبي داود ١ : ٨ حديث ٢٩ ، ومستدرك الصحيحين ١ : ١٨٦.

(٢) أسد الغابة ٢ : ٢٨٤ ، الاستيعاب ٢ : ٤٠ ، تنقيح المقال ٢ : ١٦.

(٣) الصحاح ( فني ) ٦ : ٢٤٥٧.

(٤) الفقيه ١ : ٣٢ حديث ١١٠ ، التهذيب ١ : ٣٢ حديث ٨٥.

(٥) البخر : نتن الفم. الصحاح ٢ : ٥٨٦ ( بخر ).

(٦) التهذيب ١ : ٢٧ حديث ٦٨.

(٧) الذكرى : ٢٠.

١٠٤

وطول الجلوس ، والاستنجاء باليمين ، واليسار فيها خاتم عليه اسم الله تعالى أو أنبيائه أو الأئمة عليهم‌السلام ، أو فصّة من حجر زمزم ،

______________________________________________________

ومستنده عموم الأمر بالحكاية ، وأنه ذكر.

وربما قيل باستثناء الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند ذكره.

وأما قراءة آية الكرسي ، فلقول أبي عبد الله عليه‌السلام : « لم يرخص في الكنيف في أكثر من آية الكرسي ، وحمد الله ، أو آية » (١).

ويجب رد السلام ، كما صرح به المصنف في المنتهى (٢).

واستحب الحمدلة (٣) للعاطس وهي ذكر ، والتسميت ، وفيه شي‌ء.

قوله : ( وطول الجلوس ).

لما ورد في الأخبار أنه يورث الناسور (٤) ، والناسور بالنون : علة في حوالي المقعدة.

قوله : ( والاستنجاء باليمين ).

لما روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « من الجفاء الاستنجاء باليمين » (٥). وروى الجمهور عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انه نهى عنه وعن مسّ الذكر باليمين (٦) ، ومع الحاجة تزول الكراهة.

قوله : ( وباليسار وفيها خاتم عليه اسم الله تعالى ، أو أنبيائه ، أو الأئمة عليهم‌السلام ، أو فصّه من حجر زمزم ).

كراهة الاستنجاء باليسار إذا كان فيها خاتم كذلك ، لا مطلقا ، فلا يبعد أن يكون استئناف الجار للإشعار بأن الجملة الحالية مختصة باليسار.

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٩ حديث ٢٢ ، التهذيب ١ : ٣٥٢ حديث ١٠٤٢. وفيهما : « ويحمد الله ».

(٢) المنتهى ١ : ٤١.

(٣) هي قول : الحمد لله.

(٤) الفقيه ١ : ١٩ حديث ٢١ وفيه : الباسور ، وهي الدمامل في المقعدة كما في مجمع البحرين ( بسر ) ٣ : ٢٢١.

(٥) الخصال ١ : ٥٤ وفيه : « الاستنجاء باليمين من الجفاء ».

(٦) صحيح البخاري ١ : ٥٠ باب ١٩ ، صحيح مسلم ١ : ٢٢٥ باب ١٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٣ حديث ٣١٠ ، سنن النسائي ١ : ٤٣.

١٠٥

فإن كان حوّله.

فروع :

أ : لو توضأ قبل الاستنجاء صحّ وضوءه ، وعندي انّ التيمم إن كان لعذر لا يمكن زواله كذلك ،

______________________________________________________

والظاهر : ان اسم فاطمة عليها‌السلام كأسماء الأئمة عليهم‌السلام.

وأما إذا كان فصه من حجر زمزم ، فقد روي مقطوعا جواز الفص منه ، وكراهة الاستنجاء وهو في اليد ، والأمر بنزعه عند إرادته (١).

وأورد عليه : أن إخراج الحصى من المسجد غير جائز ، وأجيب : باستثناء ذلك للنص ، وبأن هذا الحكم مبني على الوقوع لا على الجواز ، فلا يلزم من وقوعه جوازه.

لكن قال شيخنا في الذكرى : وفي نسخة الكافي للكليني رحمه‌الله إيراد هذه الرواية بلفظ من حجارة زمرذ ، فعلى هذا يكون هو المراد من زمزم ، قال : وسمعناه مذاكرة (٢) ، فحينئذ يسقط السؤال أصلا.

والفص بفتح الفاء ، والزمرذ بالزاء والذال المعجمتين ، قال في القاموس : الزمرذ بالضمات وشد الزاء : الزبرجد معرب (٣).

قوله : ( فان كان حوله ).

أي : من تلك اليد الى غيرها.

قوله : ( وعندي أن التيمم إن كان لعذر لا يمكن زواله كذلك ).

هذا مبني على أن التيمم إن كان لعذر لا يرجى زواله ـ عادة ـ يجوز فعله مع سعة الوقت ، فإنه حينئذ يتيمم ، ثم يزيل النجاسة بالاستنجاء ويصلي.

وعلى هذا : فلو كان العذر مرجو الزوال لم يصح التيمم قبل الاستنجاء ، لوجوب مراعاة ضيق الوقت في صحة فعل التيمم.

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٧ حديث ٦ وفيه « من زمرد » ، التهذيب ١ : ٣٥٥ حديث ١٠٥٩ وقد وردت اللفظتان ( زمرد ، زمرذ ) كما في القاموس ( زمرد ) ١ : ٢٩٨.

(٢) الذكرى : ٢٠.

(٣) القاموس ( الزمرذ ) ١ : ٣٥٤.

١٠٦

ولو صلّى والحال هذه أعاد الصلاة خاصة.

______________________________________________________

فإذا وقع قبل الاستنجاء ، لم يكن بدّ من زيادة الوقت على وقت التيمم والصلاة ، إذ لا بد للاستنجاء من وقت ، فيلزم وقوع التيمم ـ مع السعة ـ مع كون العذر مرجو الزوال.

وعلى القول بجواز التيمم مع السعة مطلقا (١) ، يصح التيمم قبل الاستنجاء مطلقا ، وينعكس الحكم على القول بمراعاة التضييق مطلقا.

وربما قيل بجواز التيمم قبل الاستنجاء ، من غير التفات الى هذا التفصيل ، فلا يكون الحكم بجوازه حينئذ مبنيا على القول بجوازه مع السعة ، إما مطلقا ، أو مع عدم رجاء زوال العذر ، وذلك لأن الاستنجاء ونحوه من إزالة النجاسة عن الثوب والبدن من جملة مقدمات الصلاة ، فيجب أن يستثني وقته مع وقت الصلاة ، فلا ينافي التضييق ـ على القول به ـ كستر العورة ، واستقبال القبلة.

ولأن الظاهر : أن المراد بالتضيق : العادي فلا ينافيه بقاء زمان يسير ، والاّ لم يجز التيمم في موضع يحتاج أن ينتقل عنه إلى مصلاه ، ولا فعل الأذان والإقامة ، وهذا قوي متين.

ولا يخفى أن المراد بقول المصنف : ( لا يمكن زواله ) عدم الإمكان عادة ، أي : لا يرجى زواله.

قوله : ( ولو صلى والحال هذه أعاد الصلاة خاصة ).

هذا أصح القولين ، وقيل : إن ترك غسل مخرج البول لزمه إعادة الطهارة أيضا ، بخلاف مخرج الغائط ، فيقتصر فيه على إعادة الصلاة (٢) ، وهو ضعيف.

__________________

(١) قاله ابن بابويه في المقنع : ٨ ـ ٩.

(٢) قال الشيخ الصدوق في المقنع : ٥ ( وان نسيت أن تستنجي بالماء. فأعد الوضوء والصلاة ).

وقال في الفقيه ١ : ٢١ ( ومن نسي أن يستنجي من الغائط حتى صلى لم يعد ).

وقال العلامة في المختلف : ١٩ ( وقال أبو جعفر بن بابويه : من صلى وذكر. ومن نسي أن يستنجي من الغائط حتى يصلي لم يعد الصلاة ) ، فتأمل.

١٠٧

ب : لو خرج أحد الحدثين اختص مخرجه بالاستنجاء.

ج : الأقرب جواز الاستنجاء في الخارج من غير المعتاد إذا صار معتادا.

د : لو استجمر بالنجس بغير الغائط وجب الماء ، وبه يكفي الثلاثة غيره.

المقصد الثاني : في المياه ، وفصوله خمسة : الأول : في المطلق ، والمراد به ما يستحق إطلاق اسم الماء عليه من غير قيد ويمتنع سلبه عنه ،

______________________________________________________

قوله : ( الأقرب جواز الاستنجاء في الخارج من غير المعتاد إذا صار معتادا ).

لو قال بدل هذا : الأقرب جريان أحكام الاستنجاء ، الى آخره لكان أوضح ، إذ ربما يتبادر الى الفهم من الاستنجاء غسل المحل ، فربما أوهم أن مقابل الأقرب عدم جوازه ، وليس بفاسد ، لأن المراد بالاستنجاء غسل مخصوص يتعلق به حكم طهارة الماء المنفصل ، أو مسح مخصوص بالأحجار ونحوها ، فإذا لاحظ الذهن هذا المعنى فلا وهم.

ووجه القرب : أنه باعتياده صار مخرجا حقيقيا تتناوله إطلاقات النصوص ، فتتعلق به أحكام الاستنجاء ، كما تتعلق به أحكام النقض ، ويحتمل ضعيفا العدم ، لاختصاص الاستنجاء بتخفيف في الأحكام ، فيقتصر فيه على موضع اليقين ، وضعفه ظاهر.

قوله : ( وبه يكفي الثلاثة غيره ).

أي : ولو استجمر بالنجس بالغائط يكفي الثلاثة ـ أي : الأحجار الثلاثة أو ما في حكمها المعلومة مما سبق ـ غيره ، اي : غير ذلك النجس بالغائط ، لامتناع اعتبار النجس في التطهير ، ووجهه : ان نجاسة الغائط واحدة ، فلا يتفاوت الحكم بطريانه على المحل ، وإلاّ لزم اجتماع الأمثال ، ويحتمل تعين الماء لأن الاستجمار رخصة ، فيختص بنجاسة المحل.

قوله : ( المقصد الثاني : في المياه ، وفصوله خمسة : الأول : في المطلق ، والمراد به ما يستحق إطلاق اسم الماء عليه من غير قيد ويمتنع سلبه عنه ).

هذا بيان لمدلول لفظ الماء المطلق ، فهو تعريف لفظي على قانون أهل اللغة ،

١٠٨

وهو المطهر من الحدث والخبث خاصة ما دام على أصل الخلقة ، فإن خرج عنها بممازجة طاهر فهو على حكمه وإن تغيّر أحد أوصافه ، ما لم يفتقر صدق اسم الماء عليه الى قيد فيصير مضافا ،

______________________________________________________

وعرّفه بخاصتي الحقيقة اللتين أحدهما ثبوتية ، والأخرى سلبيّة.

والمراد بقوله ( ما يستحق ) ثبوت ذلك له عند أهل العرف ، والمراد بـ ( إطلاق اسم الماء عليه ) : جعله بإزائه بحيث يستفاد منه من غير توقف على قرينة.

ولا يخفى : أن استحقاق إطلاق اسم الماء عليه لا ينافي جواز تقييده مع ذلك ، كما يقال : ماء الفرات وماء البحر ، فالاستحقاق ثابت وإن جاز مثل هذا التقييد ، بخلاف المضاف ، فان تقييده لازم ، ولا يستحق الإطلاق المذكور.

والمراد بامتناع سلبه عنه : عدم صحته عند أهل الاستعمال ، بحيث يخطّئون من سلب اسم الماء عن المستحق لإطلاقه عليه.

قوله : ( وهو المطهر من الحدث والخبث خاصة ).

أكّد بقوله : ( خاصة ) : ما استفيد من الحصر في قوله : ( وهو المطهر ) ، فهي حال مؤكّدة.

والمراد : اختصاصه بالأمرين معا ، من بين سائر المائعات ، فلا يرد المضاف عند بعض الأصحاب (١) إذ ليس كذلك ، ولا التراب ، على أن تطهيره غير تام ، فإن إناء الولوغ إنما يطهر بالتراب والماء معا.

وقوله : ( ما دام على أصل الخلقة )

ظرف للحصر المذكور ، فان ( ما ) هذه بمعنى : المدّة ، أي الاختصاص المذكور ثابت للمطلق في مدة دوامه على أصل خلقته.

قوله : ( فان خرج عنه بممازجة طاهر ... ).

الممازجة : هي المخالطة ، وهي انما تتحقق في الشيئين إذا وصل أحدهما إلى الآخر ، واختلط به كالزعفران وغيره من الأصباغ التي تنماع (٢) في الماء.

وقد اقتصر المصنّف على بيان حكم الممازج من الطاهر والنجس ، فبقي‌

__________________

(١) كابن بابويه في الهداية : ١٣.

(٢) تنماع : من انماع السمن أي ذاب ، انظر القاموس ٣ : ٨٦ مادة ( ميع ).

١٠٩

وان خرج بممازجة النجاسة فأقسامه ثلاثة :

الأول : الجاري ، وانّما ينجس بتغير أحد أوصافه الثلاثة ـ أعني : اللون ، والطعم ، والرائحة ـ التي هي مدار الطهورية ، وزوالها ـ

______________________________________________________

حكم تغير الماء بنحو الجيفة على الشاطئ ، ووقوع الأشياء غير الممازجة ، مثل الخشب وعظم نجس العين بغير بيان.

اللهم إلاّ أن يقال : أراد بالممازج للماء الواقع فيه مطلقا.

وحكم التغير بالجيفة يعلم بأدنى تأمّل للاحكام التي أوردها في هذا البحث.

واعلم أنه يندرج في قوله : ( بممازجة طاهر ) ما يقع في الماء بنفسه وما يطرح فيه ، سواء كان مما لا ينفك الماء عنه غالبا كالطحلب والتراب ومطلق ما في مقرّه وممره كالنورة ، أم لا.

قوله : ( فأقسامه ثلاثة ).

إنما كانت أقسامه ثلاثة نظرا الى اختلاف أحكامه باختلاف هذه الأقسام الثلاثة عند أكثر الأصحاب ، فكان انقسامه إليها باعتبار أحكامه.

قوله : ( الأول الجاري ).

المراد به النابع ، لان الجاري لا عن نبع من أقسام الراكد ، تعتبر فيه الكرية اتفاقا ممن عدا ابن أبي عقيل رحمه‌الله (١) بخلاف النابع.

قوله : ( التي هي مدار الطهورية وزوالها ).

أي : أوصاف الماء الأصلية ، التي هو عليها في أصل خلقته.

والمراد بأصل خلقته : الحالة التي يخرج عليها من منبعه إن كان نابعا.

والمراد برائحة الماء : سلامته من رائحة مكتسبة ، سواء كان له رائحة في أصله ، أم لا.

واعلم : أن الدوران ، هو ترتب الشي‌ء على الشي‌ء الذي له صلوح العلية ، والأول يقال له : الدائر ، والثاني يقال له : المدار ، وهو قد يكون مدارا للوجود خاصة كالهبة بالنسبة إلى الملك ، وللعدم خاصة كالطهارة بالنسبة إلى الصلاة ، ولهما معا‌

__________________

(١) حكاه العلامة في المختلف ١ : ٢.

١١٠

لا ـ مطلق الصفات كالحرارة بالنجاسة إذا كان كرا فصاعدا ، ولو تغيّر بعضه ـ نجس دون ما قبله وبعده.

______________________________________________________

كالأوصاف الثلاثة الأصلية في الماء بالنسبة إلى الطهورية ، فإنها مدار لوجودها ، بمعنى أن وجودها يتبعه وجود الطهورية ، ولعدمها بمعنى أن عدمها يتبعه عدم الطهورية.

ولما كان عدم المجموع يكفي فيه عدم جزء من أجزائه ، كان عدم واحد من الأوصاف يتبعه عدم الطهورية.

والجار في قوله ( بالنجاسة ) يتعلق بالمصدر في قوله : ( بتغير أحد أوصافه ).

ويستفاد من الحصر بـ ( إنما ) أن التغير بالمتنجس لا يقتضي نجاسة الماء إذا كان كثيرا.

والفعل في قوله : ( وإنما ينجس ) مفتوح العين ومضمومها ، على حدّ يعلم ، ويكرم ، نص عليه في القاموس (١) ، فعين الماضي مضمومة ومكسورة.

قوله : ( إذا كان كرا فصاعدا ).

أفاد بذلك اشتراط الكرية في الجاري فينجس بالملاقاة لو كان دون الكر عنده ، ومستنده عموم اشتراط الكرية ، لعدم قبول النجاسة بالملاقاة ، وهو ضعيف ، مع مخالفته لمذهب الأصحاب ، فإنه مما تفرد به المصنف ، وما احتج به من العموم معارض بعموم نفي البأس عن البول في الماء الجاري من غير تقييد (٢) ، والترجيح معنا للأصل والشهرة ، والعلية المستفادة من تعلّق الحكم على وصف الجريان.

قوله : ( ولو تغيّر بعضه نجس ، دون ما قبله ، وما بعده ).

لا ريب أن ما قبل المتغير لا ينجس على حال ، لكونه نابعا ، وعلى ما اختاره المصنف لا بد من بقاء كرّ غير متغير.

وأما ما بعده ، فان لم يستوعب التغير عمود الماء ـ أي : جميع أجزائه في العرض والعمق ـ فكذلك ، ولا تشترط الكرية لبقاء الاتصال بالنابع ، وان استوعب فلا بد فيه‌

__________________

(١) القاموس ٢ : ٢٥٣.

(٢) الكافي ٣ : ١٢ حديث ١ ، التهذيب ١ : ٤٣ حديث ١٢٠ ، ١٢١ ، الاستبصار ١ : ١٣ حديث ٢١ ، ٢٢ وان شئت المزيد فراجع الوسائل ١ : ١٠٧ باب ٥.

١١١

وماء المطر حال تقاطره كالجاري ، فإن لاقته نجاسة بعد انقطاع تقاطره فكالواقف.

وماء الحمام كالجاري ، ان كانت له مادة هي كر فصاعدا وإلاّ فكالواقف.

______________________________________________________

من الكرية ، لتحقق الانفصال وإلاّ كان نجسا.

وإطلاق عبارة المصنف يتخرج على مذهب الأصحاب ، لا على اشتراط الكرية في الجاري ، وهكذا صنع في غير ذلك من مسائل الجاري.

قوله : ( وماء المطر حال تقاطره كالجاري ).

فلا تشترط فيه الكرية ، ولا يعتبر جريانه من ميزاب ، لإطلاق الخبر (١) ، خلافا للشيخ رحمه‌الله (٢).

وعلى ما اختاره المصنف من اشتراط الكرية في الجاري يلزمه اشتراطها هنا.

قوله : ( كالجاري ) مع قوله : ( فان لاقته نجاسة بعد انقطاع تقاطره ، فكالواقف )

انما يظهر ـ لاختلاف التشبيه فيه معنى ـ على مقالة الأصحاب ، أما على مقالته فالكل سواء.

قوله : ( وماء الحمام كالجاري ، إن كانت له مادة هي كر فصاعدا ).

ينبغي أن يراد بماء الحمام ما في حياضه الصغار ، مما لا يبلغ الكرّ كما يليق بالمقام ، إذ لا يحسن البحث عن ما كان منه كرّا فصاعدا ، وكما هو مفروض في غير هذا الكتاب ، مع إمكان أن يراد به الأعم ، واشتراط الكرّية في المادة إنما هو مع عدم استواء السطوح بأن تكون المادة أعلى أو أسفل ، لكن مع اشتراط القاهرية بفوران ونحوه في هذا القسم ، أما مع استواء السطوح فيكفي بلوغ المجموع كرّا ، كالغديرين إذا وصل بينهما بساقية ، بل أولى لعموم البلوى هنا.

واعلم أن اشتراط الكرّية في المادة هو أصح القولين للأصحاب (٣) ، لانفعال‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٣ حديث ٣ ، الفقيه ١ : ٧ حديث ٤.

(٢) انظر المبسوط ١ : ٦.

(٣) منهم الشيخ في النهاية : ٥ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٦.

١١٢

فروع :

أ : لو وافقت النجاسة الجاري في الصفات فالوجه عندي الحكم بنجاسته ، إن كان يتغيّر بمثلها على تقدير المخالفة ، وإلاّ فلا.

______________________________________________________

ما دون الكرّ بالملاقاة ، فلا يدفع النجاسة عن غيره.

وقال أبو القاسم بن سعيد رحمه‌الله : لا يشترط ، لإطلاق الرواية بالمادة عن الباقر عليه‌السلام (١) مع عموم البلوى بالحمّام (٢).

وجوابه وجوب التقييد بالكرية لعموم اشتراطها ترجيحا للشهرة.

وينبغي التنبيه بشي‌ء وهو أن المادة لا بد أن تكون أزيد من الكرّ ، إذ لو كانت كرا فقط لكان ورود شي‌ء منها على ماء الحمام موجبا لخروجها عن الكرية ، فيقبل الانفعال حينئذ.

ومعنى قوله : ( والا فكالواقف ) أن المادة لو لم تكن كرّا كان ماء الحمّام كالواقف ، يتنجس بالملاقاة مع القلة.

ولا يخفى أن اعتبار الكرية في مادة ماء الحمّام إنما هو حيث لا يكون منتزعا من الجاري ، لأن الجاري لا ينفعل بالملاقاة وإن كان قليلا ـ على الأصح ـ كما سبق.

قوله : ( لو وافقت النجاسة الجاري في الصفات فالوجه عندي الحكم بنجاسته ، إن كان يتغير بمثلها على تقدير المخالفة ، وإلاّ فلا ).

كان حق العبارة أن يقول : لو وقعت نجاسة مسلوبة الصفات في الجاري والكثير لأن موافقة النجاسة الماء في الصفات صادق على نحو الماء المتغير بطاهر أحمر إذا وقع فيه دم ، فيقتضي ثبوت التردد في تقدير المخالفة.

وينبغي القطع بوجوب تقدير خلوّ الماء عن ذلك الوصف ، لأن التغير هنا ـ على تقدير حصوله ـ تحقيقي ، غاية ما في الباب انه مستور على الحس ، وقد نبه عليه شيخنا‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٤ حديث ٢ ، التهذيب ١ : ٣٧٨ حديث ١١٦٨.

(٢) المعتبر ١ : ٤٢.

١١٣

______________________________________________________

في البيان (١).

والتقييد بالجاري يمكن أن يكون خرّج مخرج التصوير للمسألة ، مع أنه في بحثه.

وفقه المبحث : أنه إذا وقعت النجاسة المذكورة في الماء هل يبقى على طهارته مطلقا ، أم يجب تقدير النجاسة على أوصاف مخالفة له؟

ثم يستفتي القلب على ذلك التقدير ، فان شهد بتغير الماء بها حينئذ حكم بنجاسته ، والاّ فهو على أصل الطهارة.

وفي المسألة قولان :

الأول منهما : قال به شيخنا في الذكرى (٢) ، محتجا بأن النص (٣) دال على انحصار نجاسة الماء في تغير أحد أوصافه ، والتغير حقيقة إنما هو الحسي ، واختيار المصنف هو الثاني ، لأن التغير الذي هو مناط النجاسة دائر مع وجود الأوصاف ، فإذا فقدت وجب تقديرها ، وهو إعادة لمحل النزاع.

واحتج الفاضل ولد المصنف في الشرح بأن الماء مقهور ، لأنه كلما لم يصر الماء مقهورا لم يتغير بها على تقدير المخالفة ، وينعكس بعكس النقيض إلى قولنا : كلما تغير على تقدير المخالفة كان مقهورا (٤) ،

وكلية الأولى ممنوعة ، فإن صورة النزاع صيرورة الماء مقهورا ( لا ينفك عنه ) (٥) على تقدير المخالفة ، فكيف يكون الحكم بعدم التغير التقديري لازما لعدم صيرورة الماء مقهورا لا ينفك عنه.

ويمكن الاحتجاج بأن المضاف المسلوب الأوصاف لو وقع في الماء وجب‌

__________________

(١) البيان : ٤٤.

(٢) الذكرى : ٨.

(٣) الكافي ٣ : ٤ حديث ٣ ، ٦ ، الفقيه ١ : ١٢ حديث ٢٢ ، التهذيب ١ : ٢١٦ حديث ٦٢٤ ، ٦٢٥ ، الاستبصار ١ : ٩ حديث ٩ ، ١٠ ، وللمزيد راجع الوسائل ١ : ١٠٢ باب ٣ من أبواب الماء المطلق.

(٤) إيضاح الفوائد في شرح القواعد ١ : ١٦.

(٥) ما بين المعقوفين زيادة من نسخة « ح » ‌

١١٤

ب : لو اتصل الواقف القليل بالجاري لم ينجس بالملاقاة ، ولو تغيّر بعضه بها اختص المتغيّر بالتنجيس.

ج : الجريات المارّة على النجاسة الواقفة طاهرة وإن قلّت عن الكر مع التواصل.

______________________________________________________

اعتباره ، إما بقلة الاجزاء وكثرتها ، أو بتقديره مخالفا في الأوصاف ، على اختلاف القولين ، وإذا وجب الاعتبار في الجملة للمضاف ، فللنجاسة أولى ، ولأن عدم وجوب التقدير يفضي إلى جواز الاستعمال ، وإن زادت النجاسة على الماء أضعافا ، وهو كالمعلوم البطلان ، فوجب تقدير الأوصاف ، لأنها مناط التنجيس وعدمه.

وهذا القول أرجح وأقرب إلى الاحتياط.

فعلى هذا يمكن أن تقدر المخالفة على وجه أشد ، كحدّة الخل ، وذكاء المسك ، وسواد الحبر ، لمناسبة النجاسة تغليظ الحكم.

والظاهر اعتبار الوسط ، اعتبارا للأغلب ، لرجحانه.

وهل تعتبر أوصاف الماء وسطا ، نظرا إلى شدة اختلافها كالعذوبة والملوحة ، والرقة والغلظة ، والصفاء والكدورة؟ فيه احتمال ، ولا يبعد اعتبارها ، لأن له أثرا بينا في قبول التغير وعدمه.

قوله : ( لو اتصل الواقف القليل بالجاري لم ينجس بالملاقاة ).

يشترط في هذا الحكم علو الجاري ، أو مساواة السطوح ، أو فوران الجاري من تحت القليل إذا كان الجاري أسفل ، لانتفاء ثبوته بدون ذلك.

قوله : ( الجريات المارة على النجاسة الواقفة طاهرة وإن قلت عن الكر مع التواصل ).

الجرية : هي الدفعة من الماء الجاري بين حافتي النهر عند جريانه على سطح منحدر.

وقد ذهب بعض العامة الى أن الجريات الحاصلة في الماء عند جريانه متفاصلة معنى ، وإن تواصلت حسّا ، فلكل جرية حكم نفسها ، فيعتبر فيها الكثرة ، والاّ‌

١١٥

الثاني : الواقف غير البئر ان كان كرا فصاعدا مائعا على اشكال هو ألف ومائتا رطل بالعراقي ، أو ثلاثة أشبار ونصف طولا في عرض في عمق لا ينجس بملاقاة النجاسة ، بل بتغيّره بها في أحد أوصافه.

______________________________________________________

تنجست عند ملاقاة النجاسة لها ، فلو مرت الجريات على نجاسة واقعة في النهر ، وكانت كل واحدة منها لا تبلغ الكثرة تنجست جميعها (١).

ولمّا كان هذا من الأوهام الفاسدة التي لا يدل عليها دليل ، نبّه المصنف على الحكم مع الرد على المخالف.

قوله : ( مائعا على إشكال ).

الإشكال في اشتراط المائعية ، ومنشؤه : من أن الجمود لا يخرج الماء عن حقيقته ، ومن أنه بجموده خرج عن صدق اسم الماء عليه ، والأحكام دائرة مع الأسماء لوجوب اعتبار الدلالة الوضعية ، ولأن الجمود أخرجه عن شيوع الأجزاء ، فلا يتقوى بعضها ببعض ولا يسري الحكم من بعضها الى بعض ، بل يختص موضع ملاقاة النجاسة بالتنجيس ، والأصح اعتبار المائعية.

قوله : ( هو ألف ومائتا رطل بالعراقي ).

للأصحاب قولان : في أن الأرطال عراقية ـ كل رطل منها أحد وتسعون مثقالا (٢) ـ أم مدنية ـ كل رطل منها رطل ونصف بالعراقي (٣) ـ والمشهور بين الأصحاب الأول ، وعليه الفتوى.

قوله : ( أو ثلاثة أشبار ونصف طولا في عرض في عمق ).

أراد بـ ( في ) ضرب الحساب ليكون الحكم دائرا مع هذا المقدار ، وإن تغيرت هذه الصورة ، فيكون مجموع تكسيرها اثنين وأربعين وسبعة أثمان شبر.

وقال القطب الراوندي رحمه‌الله : إنه إذا بلغ مجموع الأبعاد الثلاثة للماء عشرة‌

__________________

(١) قاله الشافعي في الأم ١ : ٤.

(٢) ذهب اليه جمع منهم : المفيد في المقنعة : ٨ وفيه ( بالبغدادي ) ، والشيخ في المبسوط ١ : ٦ ، وابن البراج في المهذب ١ : ٢١ ، والشهيد في البيان : ٤٤ ، واللمعة : ١٥.

(٣) ذهب اليه جمع منهم : الصدوق في الفقيه ١ : ٦ حديث ٢ وأطلق في المقنع : ١٠ ، والمرتضى في الناصريات ( ضمن الجوامع الفقهية ) : ٢١٤.

١١٦

وان نقص عنه نجس بالملاقاة لها وان بقيت أوصافه ، سواء قلّت النجاسة كرؤوس الابر من الدم أو كثرت ، وسواء كان ماء غدير ، أو آنية ، أو حوض ، أو غيرها.

والحوالة في الأشبار على المعتاد ، والتقدير تحقيق لا تقريب.

______________________________________________________

أشبار ونصفا كان كرا ، سواء كان تكسيره يبلغ ذلك أم لا.

قوله : ( سواء قلّت النجاسة كرؤوس الابر من الدم أو كثرت ).

خالف الشيخ رحمه‌الله في الحكم الأول فقال : ان القليل من الدم جدّا بحيث لا يدركه الطرف ـ أي لا يكاد يدركه لقلته ، ومثل له المصنف برءوس الابر ، والأمر قريب ـ لا ينجس الماء القليل (١) تعويلا على رواية (٢) لا دلالة فيها على ذلك ، والأصح ما في الكتاب.

قوله : ( وسواء كان ماء غدير أو آنية أو حوض أو غيرها ).

خالف المفيد (٣) وسلار (٤) رحمهما الله في ماء الآنية والحوض ، فحكما فيه بالنجاسة وإن كان كثيرا ، وضعفه بيّن.

قوله : ( والحوالة في الأشبار على المعتاد ).

المراد بالمعتاد : الموجود مثله غالبا ، وهو الذي يراد بمستوي الخلقة.

قوله : ( والتقدير تحقيق لا تقريب ).

يظهر من كلام ابن الجنيد : أن الكرّ ما بلغ تكسيره نحوا من مائة شبر (٥) أن التقدير تقريب ، لأن نحو الشي‌ء ما شابهه وكان قريبا منه ، فلو نقص شيئا يسيرا لم يقدح ، وهو مذهب الشافعي (٦) من العامة.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٧.

(٢) الكافي ٣ : ٧٤ حديث ١٦ ، التهذيب ١ : ٤١٢ حديث ١٢٩٩ ، الاستبصار ١ : ٢٣ حديث ٥٧.

(٣) المقنعة : ٩.

(٤) المراسم : ٣٦.

(٥) نقله العلامة في المختلف : ٣.

(٦) المجموع ١ : ١٢٣ ، وكفاية الأخيار ١ : ٨.

١١٧

فروع :

أ : لو تغير بعض الزائد على الكر ، فان كان الباقي كرا فصاعدا اختص المتغير بالتنجيس ، وإلاّ عمّ الجميع.

______________________________________________________

والأصح : أنه تحقيق ، فلا يغتفر نقصان شي‌ء وإلاّ لم يكن الحدّ حدا.

وهنا سؤالان : أحدهما : انّ أحد الحدين للكرّ مرجعه إلى الأشبار ، وهي متفاوتة ، حتى أنه قلّ أن يكون شبر شخص مطابقا لشبر آخر ، ومع التفاوت كيف يكون تحقيقا!!؟.

الثاني : ان مقدار كل من تحديدي الكر لا ينطبق على الآخر ولا يساويه ، على أنه قد قيل : بأن الكر ما كان كل واحد من أبعاده الثلاثة ثلاثة أشبار ، وهو قول القميين (١) ، واختاره المصنف في المختلف (٢) ، وحينئذ فتظهر شدة التفاوت ، وكيف يحدّ مقدار واحد بحدين مختلفين ، وقد كان اللازم الحكم للأقل بكونه الحد المعتبر دون الآخر؟!.

والجواب عن الأول : أنه ليس المراد من التقدير التحقيقي عدم التفاوت أصلا ، فإن الموازين تتفاوت فكيف الأشبار؟ بل المراد عدم جواز نقصان شي‌ء مما جعل حدا بعد تعيينه في قدر مخصوص ، وعلى التقريب يجوز.

وعن الثاني : أن الظاهر أن اختلاف الحدين لاختلاف المياه في الوزن باعتبار الرقّة والصفاء ومقابلهما ، فربما بلغ مقدار من ماء مخصوص الكرية بأحدهما دون الآخر ، وينعكس ذلك في ماء آخر مع فرض الاستواء ، فالحدّ الحقيقي هو الأقل ، والزائد منزل على الاستحباب.

قوله : ( لو تغير بعض الزائد على الكر ... ).

المراد بعض المجموع الزائد على الكرّ ، لا بعض ما به الزيادة ، وإلا لم ينتظم معه‌

قوله : ( فإن كان الباقي كرّا فصاعدا ... ). (٣)

__________________

(١) الفقيه ١ : ٦.

(٢) المختلف : ٤.

(٣) هكذا ورد هذا القول من دون شرح.

١١٨

ب : لو اغترف ماء من الكر المتصل بالنجاسة المتميّزة ، كان المأخوذ طاهرا والباقي نجسا ، ولو لم يتميز كان الباقي طاهرا أيضا.

ج : لو وجد نجاسة في الكر ، وشكّ في وقوعها قبل بلوغ الكرّية أو بعدها فهو طاهر ،

______________________________________________________

قوله : ( لو اغترف ماء من الكر المتصل بالنجاسة المتميزة كان المأخوذ طاهرا والباقي نجسا ، ( ولو لم يتميز كان الباقي طاهرا أيضا ) ) (١).

المراد بـ ( المتميزة : ) ما لم تكن مستهلكة ، لتشمل الجامدة والمائعة ، فتكون غير المتميزة ـ في الحكم الثاني ـ هي المستهلكة.

ويجب أن يكون الاغتراف بآلة على وجه يكون الماء مستوليا عليها ، فلو كان الماء يدخلها شيئا فشيئا فالجميع نجس ، لنقصان الكر بأول دخول شي‌ء منه في آلة الاغتراف.

ولو اغترف النجاسة انعكس الحكم : فيكون المأخوذ وباطن الإناء نجسا ، والباقي وظاهر الإناء طاهرا.

قوله : ( لو وجد نجاسة في الكر ، وشكّ في وقوعها قبل بلوغ الكرية أو بعدها فهو طاهر ).

لا ريب أن النجاسة سبب في تنجيس ما تلاقيه مع اجتماع جميع المعدّات لقبول التنجيس ، وكذا لا ريب أنّ بلوغ الماء حدّ الكرية سبب لزوال التنجيس ، ولمنع قبوله مع انتفاء المانع من ذلك ، فإذا وجدت النجاسة وبلوغ حدّ الكرية في ماء ، ولم يعلم السابق واللاحق ، كان محكوما بطهارته ، لأن المقتضي للطهارة هنا موجود ـ وهو بلوغ الكرية ـ والمانع هنا ـ وهو سبق النجاسة لا غيره ـ مشكوك فيه ، فينتفي بالأصل ، فيعمل المقتضي عمله.

وأما المقتضي للتنجيس ـ وهو النجاسة ـ فإن تأثيره مشروط بعدم الكرية ، ولا يكون ذلك إلاّ مع السبق ، وهو غير معلوم ، فينتفي بالأصل.

__________________

(١) ما بين المعقوفين زيادة من نسخة « ح ».

١١٩

ولو شكّ في بلوغ الكريّة فهو نجس.

الثالث : ماء البئر ان غيّرت النجاسة أحد أوصافه نجست إجماعا ، وان لاقته من غير تغيير فقولان ، أقربهما البقاء على الطهارة.

______________________________________________________

قوله : ( ولو شك في بلوغ الكرية فهو نجس ).

لأن المقتضي للتنجيس موجود ، والمانع مشكوك فيه ، فينتفي بالأصل ـ كما سبق ـ لكن الحكم بالنجاسة هنا مطلقا مشكل ، لوجوب اعتبار هذا الماء إذا تعين للاستعمال ، لأنه إذا توقف تحصيل الماء الطاهر على الاعتبار وجب الاعتبار ، ولم يجز التيمم ولا الصلاة بالنجاسة من دونه ، فيمكن حمل ذلك على ما إذا تعذّر اعتباره بوقوع ماء آخر فيه حصل به الجهل ، بقدر ذلك الماء حين وصول النجاسة إليه ، ونحو ذلك.

قوله : ( ماء البئر إن غيرت النجاسة ... ).

عرّف شيخنا الشهيد في شرح الإرشاد البئر بأنها : مجمع ماء نابع من الأرض لا يتعدّاها غالبا ، ولا يخرج عن مسمّاها عرفا (١).

والقيد الأخير موجب لإجمال التعريف ، لأن العرف الواقع لا يظهر أيّ عرف هو ، أعرف زمانه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أم عرف غيره؟ وعلى الثاني ، فيراد العرف العام ، أم الأعم منه ومن الخاص؟

مع أنه يشكل إرادة عرف غيره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والاّ لزم تغير الحكم بتغيير التسمية ، فيثبت في العين حكم البئر لو سمّيت باسمه ، وبطلانه ظاهر.

والذي يقتضيه النظر : أنّ ما ثبت إطلاق اسم البئر عليه في زمنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو زمن أحد الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم ، كالتي في العراق والحجاز ، فثبوت الأحكام له واضح ، وما وقع فيه الشك فالأصل عدم تعلق أحكام البئر به ، وإن كان العمل بالاحتياط أولى.

قوله : ( وإن لاقته من غير تغيير فقولان : أقربهما البقاء على الطهارة ).

إذا لم تغير النجاسة ماء البئر للأصحاب في المسألة أقوال ، وقول المصنف : إن فيها قولين تسامع ، لأن البقاء على الطهارة قول ، ومقابله كأنّه قول آخر ، وحاصل‌

__________________

(١) غاية المراد في شرح الإرشاد : ٧.

١٢٠