إعلام الورى بأعلام الهدى - ج ٢

الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي

إعلام الورى بأعلام الهدى - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-011-0
الصفحات: ٤٧٧
الجزء ١ الجزء ٢

ملكتها إجلالا لها ، فقالت لابنها موسى عليه‌السلام : يا بني ، إنّ تكتم جارية ما رأيت جارية قطّ أفضل منها ، ولست أشكّ أن الله سيظهر نسلها إن كان لها نسل ، وقد وهبتها لك ، فاستوص بها خيرا (١).

ومما يدلّ على أنّ اسمها تكتم قول الشاعر يمدح الرضا عليه‌السلام :

ألا إنّ خير الناس نفسا ووالدا

ورهطا وأجدادا عليّ المعظّم

أتتنا به للعلم والحلم ثامنا

إماما يؤدّي حجّة الله تكتم (٢)

وفي رواية اخرى : عن عليّ بن ميثم ، عن أبيه قال : إنّ حميدة أمّ موسى بن جعفر عليهما‌السلام لما اشترت نجمة رأت في المنام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لها : « يا حميدة ، هبي نجمة لابنك موسى ، فإنّه سيلد منها خير أهل الأرض » فوهبتها له ، فلمّا ولدت له الرضا سمّاها الطاهرة (٣).

وقبض عليه‌السلام بطوس من خراسان في قرية يقال لها : سناباذ في آخر صفر.

وقيل : انّه توفّي في شهر رمضان لسبع بقين منه يوم الجمعة من سنة ثلاث ومائتين ، وله يومئذ خمس وخمسون سنة.

وكانت مدّة إمامته وخلافته لأبيه عشرين سنة ، وكانت في أيّام إمامته بقيّة ملك الرشيد ، وملك محمد الأمين بعده ثلاث سنين وخمسة وعشرين يوما ، ثمّ خلع الأمين واجلس عمّه إبراهيم بن المهدي المعروف بابن شكلة أربعة عشر يوما ، ثمّ اخرج محمد ثانية وبويع له وبقي بعد ذلك سنة وسبعة

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ١٤ / ٢ ، كشف الغمة ٢ : ٣١١.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ١٥ / ذيل حديث ٢ ، كشف الغمة ٢ : ٣١٢.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ١٦ / ٣ ، كشف الغمة ٢ : ٣١٢.

٤١

أشهر وقتله طاهر بن الحسين ، ثمّ ملك المأمون عبد الله بن هارون الخلافة بعده عشرين سنة ، واستشهد عليه‌السلام في أيّام ملكه (١).

وإنّما سمّي عليه‌السلام الرضا لأنّه كان رضي الله عزّ وجلّ في سمائه ورضي لرسوله والأئمة عليهم‌السلام بعده في أرضه. وقيل : لأنّه رضي به المخالف والموافق (٢).

* * *

__________________

(١) انظر : عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ١٨ / ١ ، ارشاد المفيد ٢ : ٢٤٧ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٣٦٧ ، كشف الغمة ٢ : ٢٩٧ ، و ٣١٢ ، الفصول المهمة : ٢٦٤ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٤٩ : ٣ / ٤.

(٢) انظر : عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ١٨ / ١ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٣٦٧ ، كشف الغمة ٢ : ٣١٢.

٤٢

( الفصل الثاني )

في ذكر النصوص الدالة على إمامته عليه‌السلام

أجمع أصحاب أبيه أبي الحسن موسى عليه‌السلام على أنّه نصّ عليه وأشار بالإمامة إليه ، إلاّ من شذّ عنهم من الواقفة المسمّين ( الممطورة ) والسبب الظاهر في ذلك طمعهم فيما كان في أيديهم من الأموال المجباة إليهم في مدّة حبس أبي الحسن موسى عليه‌السلام وما كان عندهم من ودائعه ، فحملهم ذلك على إنكار وفاته وادّعاء حياته ، ودفع خليفته بعده عن الإمامة ، وإنكار النصّ عليه ليذهبوا بما في أيديهم ممّا وجب عليهم أن يسلّموه إليه ، ومن كان هذا سبيله بطل الاعتراض بمقاله هذا ، وقد ثبت أنّ الإنكار لا يقابل الإقرار ، فثبت النصّ المنقول وفسد قولهم المخالف للمعقول ، على أنّهم قد انقرضوا ولله الحمد فلا يوجد منهم ديّار.

فأمّا النصوص الواردة ، عن أبيه عليه :

فمن ذلك : ما رواه محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن الحسين بن نعيم الصحّاف قال : كنت أنا وهشام بن الحكم وعليّ بن يقطين ببغداد ، فقال عليّ بن يقطين : كنت عند العبد الصالح جالسا فدخل عليه ابنه عليّ فقال لي : « يا عليّ بن يقطين ، هذا عليّ سيّد ولدي ، أما إنّي قد نحلته كنيتي ».

قال : فضرب هشام بن الحكم جبهته براحته وقال : ويحك كيف قلت؟ فقال عليّ بن يقطين : سمعته والله منه كما قلت.

٤٣

قال هشام : إنّ الأمر فيه من بعده (١).

وعنه ، عن أحمد بن مهران ، عن محمد بن عليّ ، عن محمد بن سنان وإسماعيل بن عباد القصري جميعا ، عن داود الرقّي قال : قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام : جعلت فداك ، إنّه قد كبر سنّي فخذ بيدي وأنقذني من النار ، من صاحبنا بعدك؟

قال : فأشار إلى ابنه أبي الحسن عليّ الرضا عليه‌السلام فقال : « هذا صاحبكم من بعدي » (٢).

وعنه ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن معاوية بن حكيم ، عن نعيم القابوسي ، عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال : « ابني عليّ أكبر ولدي ، وآثرهم عندي ، وأحبّهم إليّ ، وهو ينظر معي في الجفر ولم ينظر فيه إلاّ نبيّ أو وصيّ نبيّ » (٣).

وعنه ، عن الحسين بن محمد ، عن معلّى بن محمد ، عن أحمد بن محمد بن عبد الله ، عن الحسن ، عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن إسحاق ابن عمّار قال : قلت لأبي الحسن الأول عليه‌السلام : ألا تدلّني على من آخذ ديني عنه؟

__________________

(١) الكافي ١ : ٢٤٨ / ١ ، وكذا في : عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢١ / ٣ ، ارشاد المفيد ٢ : ٢٤٩ ، كشف الغمة ٢ : ٢٧٠ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٤٩ : ١٣ / ٤.

(٢) الكافي ١ : ٢٤٩ / ٣ ، وكذا في : عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٣ / ٧ ، ارشاد المفيد ٢ : ٢٤٨ ، الغيبة للطوسي : ٣٤ / ٩ ، كشف الغمة ٢ : ٢٧٠ ، الفصول المهمة : ٢٤٣ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٤٩ : ٢٣ / ٣٤.

(٣) الكافي ١ : ٢٤٩ / ٢ ، وكذا في : عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٣١ / ٢٧ ، ارشاد المفيد ٢ : ٢٤٩ ، الغيبة للطوسي : ٣٦ / ١٢ ، كشف الغمة ٢ : ٢٧١ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٤٩ : ٢٤ / ٣٦.

٤٤

فقال : « هذا ابني عليّ ، إنّ أبي أخذ بيدي فادخلني إلى قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا بنيّ إنّ الله عزّ وجلّ قال : ( إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) (١) وإنّ الله تعالى إذا قال قولا وفى به » (٢).

وعنه ، عن أحمد بن مهران ، عن محمد بن عليّ ، عن زياد بن مروان القنديّ ـ وكان من الواقفة ـ قال : دخلت على أبي إبراهيم عليه‌السلام وعنده ابنه أبو الحسن فقال : « يا زياد ، هذا ابني كتابه كتابي ، وكلامه كلامي ، ورسوله رسولي ، وما قال فالقول قوله » (٣).

وعنه ، عن أحمد بن مهران ، عن محمد بن عليّ ، عن محمد بن الفضيل قال : حدّثني المخزوميّ ـ وكانت امّه من ولد جعفر بن أبي طالب ـ قال : بعث إلينا أبو الحسن موسى عليه‌السلام فجمعنا ثمّ قال : « أتدرون لم دعوتكم؟ »

فقلنا : لا.

قال : « اشهدوا إنّ ابني هذا وصيّي والقيّم بأمري وخليفتي من بعدي ، من كان له عندي دين فليأخذه من ابني هذا ، ومن كان له عندي عدة فلينجزها منه ، ومن لم يكن له بد من لقائي فلا يلقني إلاّ بكتابه » (٤).

__________________

(١) البقرة ٢ : ٣٠.

(٢) الكافي ١ : ٢٤٩ / ٤ ، وكذا في : ارشاد المفيد ٢ : ٢٤٩ ، الغيبة للطوسي : ٣٤ / ١٠ ، كشف الغمة ٢ : ٢٧٠ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٤٩ : ٢٤ / ٣٥.

(٣) الكافي ١ : ٢٤٩ / ٦ ، وكذا في : عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٣١ / ٢٥ ، ارشاد المفيد ٢ : ٢٥٠ ، الغيبة للطوسي : ٣٧ / ١٤ ، كشف الغمة ٢ : ٢٧١ ، الفصول المهمة : ٢٤٤ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٤٩ : ١٩ / ٢٣.

(٤) الكافي ١ : ٢٤٩ / ٧ ، وكذا في : عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٧ / ١٤ ، ارشاد المفيد ٢ : ٢٥٠ ، الغيبة للطوسي : ٣٧ / ١٥ ، كشف الغمة ٢ : ٢٧١ ، الفصول المهمة : ٢٤٤.

٤٥

وعنه ، عن أحمد بن مهران ، عن محمد بن عليّ ، عن محمد بن سنان ، وعليّ بن الحكم جميعا ، عن الحسين بن المختار قال : خرجت إلينا ألواح من أبي الحسن موسى عليه‌السلام ـ وهو في الحبس ـ : « عهدي إلى أكبر ولدي أن يفعل كذا وكذا ، وفلان لا تنله شيئا حتّى ألقاه أو يقضي الله عليّ الموت » (١).

وعنه ، عن أحمد بن مهران ، عن محمد بن عليّ ، عن أبي عليّ الخزّاز ، عن داود بن سليمان قال : قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام : إنّي أخاف أن يحدث حدث الموت ولا ألقاك ، فأخبرني من الإمام بعدك؟

فقال : « ابني عليّ » يعني الرضا عليه‌السلام (٢).

وعنه ، عن ابن مهران ، عن محمد بن عليّ ، عن سعيد بن أبي الجهم ، عن نصر بن قابوس قال : قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام : إنّي سألت أباك عليه‌السلام من الذي يكون من بعدك؟ فأخبرني أنّك أنت هو ، فلمّا توفّي أبو عبد الله عليه‌السلام ذهب الناس يمينا وشمالا وقلت أنا بك وأصحابي ، فأخبرني من الذي يكون من بعدك من ولدك؟

قال : « ابني فلان » (٣) يعني عليّا.

__________________

(١) الكافي ١ : ٢٥٠ / ٨ ، وكذا في : عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٣٠ / ٢٣ ، ارشاد المفيد ٢ : ٢٥٠ ، الغيبة للطوسي : ٣٦ / ١٣ ، كشف الغمة ٢ : ٢٧١ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٤٩ : ٢٤ / ٣٧.

(٢) الكافي ١ : ٢٥٠ / ١١ ، وكذا في : عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٣ / ٨ ، ارشاد المفيد ٢ : ٢٥١ ، الغيبة للطوسي : ٣٨ / ١٦ ، كشف الغمة ٢ : ٢٧١ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٤٩ : ٢٤ / ٣٨.

(٣) الكافي ١ : ٢٥٠ / ١٢ ، وكذا في : عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٣١ / ٢٦ ، ارشاد المفيد ٢ : ٢٥١ ، الغيبة للطوسي : ٣٨ / ١٧ ، رجال الكشي : ٤٥١ / ٨٤٩ ، كشف الغمة ٢ : ٢٧١ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٤٩ : ٢٥ / ٣٩.

٤٦

وعنه ، عن ابن مهران ، عن محمد بن عليّ ، عن الضحّاك بن الأشعث ، عن داود بن زربي قال : جئت إلى أبي إبراهيم عليه‌السلام بمال فأخذ بعضه وترك بعضه فقلت : أصلحك الله ، لأيّ شيء تركته عندي؟

فقال : « إنّ صاحب هذا الأمر يطلبه منك ».

فلمّا جاء نعيه عليه‌السلام بعث إليّ أبو الحسن عليه‌السلام فسألني ذلك المال ، فدفعته إليه (١).

وعنه ، عن محمد بن عليّ ، عن أبي الحكم ـ ورواه الشيخ أبو جعفر ابن بابويه ، عن أبيه وجماعة ، عن محمد بن يحيى العطّار ، عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن عبد الله بن محمد ، عن الحسن بن موسى الخشاب ، عن عليّ بن أسباط ، عن الحسين مولى أبي عبد الله ، عن أبي الحكم ـ عن عبد الله بن إبراهيم بن عليّ بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، عن يزيد بن سليط قال : لقيت أبا إبراهيم عليه‌السلام ـ ونحن نريد العمرة ـ في بعض الطريق فقلت : جعلت فداك هل تثبت هذا الموضع الذي نحن فيه.

قال : « نعم ، فهل تثبته أنت؟ »

قلت : نعم ، إنّي أنا وأبي لقيناك هاهنا مع أبي عبد الله ومعه إخوتك ، فقال له أبي : بأبي أنت وامّي أنتم كلّكم أئمّة مطهّرون ، والموت لا يعرى منه أحد ، فأحدث إليّ شيئا احدّث به من يخلفني من بعدي فلا يضلّوا.

فقال : « نعم يا أبا عمارة (٢) ، هؤلاء ولدي ، وهذا سيّدهم ـ وأشار

__________________

(١) الكافي ١ : ٢٥٠ / ١٣ ، وكذا في : ارشاد المفيد ٢ : ٢٥١ ـ ٢٥٢ ، الغيبة للطوسي : ٣٩ / ١٨ ، رجال الكشي : ٣١٣ / ٥٦٥ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٣٦٨ ، كشف الغمة ٢ : ٢٧١ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٤٩ : ٢٥ / ٤٠.

(٢) في الكافي : يا أبا عبد الله.

٤٧

إليك ـ قد علّم الحكم والفهم ، وله السخاء والمعرفة بما يحتاج إليه الناس وما اختلفوا فيه من أمر دينهم ودنياهم ، وفيه حسن الخلق وحسن الجوار ، وهو باب من أبواب الله عزّ وجلّ ، وفيه آخر خير من هذا كلّه ».

فقال له أبي : وما هي؟

فقال : « يخرج الله منه غوث هذه الأمّة وغياثها وعلمها ونورها ، خير مولود وخير ناشئ ، يحقن الله به الدماء ، ويصلح به ذات البين ، ويلمّ به الشعث ، ويشعب (١) به الصدع (٢) ، ويكسو به العاري ، ويشبع به الجائع ، ويؤمن به الخائف ، وينزل الله به القطر ، ويرحم به العباد ، خير كهل ، وخير ناشئ ، قوله حكم ، وصمته علم ، يبيّن للناس ما يختلفون فيه ، ويسود عشيرته من قبل أوان حلمه ».

فقال له أبي : بأبي أنت وامّي ، هل يكون له ولد بعده؟

فقال : « نعم » ثمّ قطع الكلام.

قال يزيد : فقلت له : بأبي أنت وامّي ، فأخبرني بمثل ما أخبرنا به أبوك فقال لي : « نعم ، إنّ أبي عليه‌السلام كان في زمان ليس هذا الزمان مثله ».

فقلت له : من يرضى بهذا منك فعليه لعنة الله.

قال : فضحك أبو إبراهيم عليه‌السلام ثمّ قال : « اخبرك يا أبا عمارة ، إنّي خرجت من منزلي فأوصيت إلى ابني فلان وأشركت معه بنيّ في الظاهر ، وأوصيته في الباطن وأفردته وحده ، ولو كان الأمر إليّ لجعلته في القاسم لحبّي إيّاه ورأفتي عليه ، ولكن ذاك إلى الله يجعله حيث يشاء ، ولقد جاءني بخبره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ أرانيه وأراني من يكون بعده ، وكذلك

__________________

(١) يشعب : يجمع. « انظر : الصحاح ـ شعب ـ ١ : ١٥٦ ».

(٢) الصدع : الشق. « الصحاح ـ صدع ـ ٣ : ١٢٤١ ».

٤٨

نحن لا نوصي إلى أحد منّا حتّى يخبره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجدّي عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، ورأيت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاتما وسيفا وعصا وكتابا وعمامة ، فقلت : ما هذا يا رسول الله؟ فقال لي : أمّا العمامة فسلطان الله ، وأمّا السيف فعزّ الله ، وأمّا الكتاب فنور الله ؛ وأمّا العصا فقوّة الله ، وأمّا الخاتم فجامع هذه الامور ، ثمّ قال : والأمر قد خرج منك إلى غيرك ، فقلت : يا رسول الله أرنيه أيّهم هو؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما رأيت من الأئمة أحدا أجزع على فراق هذا الأمر منك ، ولو كانت الإمامة بالمحبّة لكان إسماعيل أحبّ إلى أبيك منك ، ولكن ذاك إلى الله عزّ وجلّ ».

ثمّ قال أبو إبراهيم عليه‌السلام : « ورأيت ولدي جميعا ـ الأحياء منهم والأموات ـ فقال لي أمير المؤمنين عليه‌السلام : هذا سيّدهم ، وأشار إلى ابني عليّ ، فهو منّي وأنا منه والله مع المحسنين ».

قال يزيد : ثمّ قال أبو إبراهيم عليه‌السلام : « يا يزيد ، إنّها وديعة عندك فلا تخبر بها إلاّ عاقلا أو عبدا تعرفه صادقا ، وإن سئلت عن الشهادة فاشهد بها ، وهو قول الله عزّ وجلّ لنا : ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) (١) وقال لنا : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ ) (٢).

قال : وقال أبو إبراهيم عليه‌السلام : « فأقبلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت : قد اجتمعوا إليّ ـ بأبي أنت وامّي ـ فأيّهم هو؟ فقال : هو الذي ينظر بنور الله ، ويسمع بتفهيمه ، وينطق بحكمته ، ويصيب فلا يخطئ ، ويعلم فلا يجهل ، هو هذا ـ وأخذ بيد عليّ ابني ـ ثمّ قال : ما أقلّ

__________________

(١) النساء ٤ : ٥٨.

(٢) البقرة ٢ : ١٤٠.

٤٩

مقامك معه ، فإذا رجعت من سفرتك فأوص وأصلح أمرك ، وافرغ ممّا أردت فإنّك منتقل عنهم ومجاور غيرهم ، وإذا أردت فادع عليّا فمره فليغسّلك وليكفّنك وليتطهّر لك ولا يصلح إلاّ ذلك وذلك سنّة قد مضت ».

ثمّ قال أبو إبراهيم عليه‌السلام : « إنّي أوخذ هذه السنّة ، والأمر إلى ابني عليّ سمّي عليّ وعليّ ، فأمّا عليّ الأول فعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وأمّا عليّ الآخر فعليّ بن الحسين عليهما‌السلام ، اعطي فهم الأول وحكمته وبصره وودّه ودينه ومحنته ، ومحنة الآخر وصبره على ما يكره ، وليس له أن يتكلّم إلاّ بعد موت هارون بأربع سنين ».

ثمّ قال : « يا يزيد ، فإذا مررت بهذا الموضع ولقيته ـ وستلقاه ـ فبشّره أنّه سيولد له غلام أمين مأمون مبارك ، وسيعلمك أنّك لقيتني ، فأخبره عند ذلك أنّ الجارية التي يكون منها هذا الغلام جارية من أهل بيت مارية القبطيّة جارية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإن قدرت أن تبلّغها منّي السلام فافعل ذلك ».

قال يزيد : فلقيت بعد مضيّ أبي إبراهيم عليه‌السلام عليّا عليه‌السلام فبدأني فقال لي : « يا يزيد ، ما تقول في العمرة؟ »

فقلت : فداك أبي وأمّي ، ذاك إليك وما عندي نفقة.

فقال : « سبحان الله ، ما كنّا نكلّفك ولا نكفيك ».

فخرجنا حتى انتهينا إلى ذلك الموضع ابتدأني فقال : « يا يزيد ، إنّ هذا الموضع لكثيرا ما لقيت فيه ( خيرا لك من عمرتك ) » (١).

فقلت : نعم ، ثمّ قصصت عليه الخبر.

__________________

(١) في الكافي : جيرتك وعمومتك.

٥٠

فقال لي : « أمّا الجارية فلم تجيء بعد فإذا ( دخلت ) (١) أبلغتها منك السّلام ».

فانطلقنا إلى مكّة ، واشتراها في تلك السنة ، فلم تلبث إلاّ قليلا حتّى حملت فولدت ذلك الغلام.

قال يزيد : وكان إخوة عليّ يرجون أن يرثوه ، فعادوني من غير ذنب ، فقال لهم إسحاق بن جعفر : والله لقد رأيته وأنّه ليقعد من أبي إبراهيم عليه‌السلام المجلس الذي لا اجلس فيه انا (٢).

وعنه ، عن محمد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن عليّ وعبيد الله بن المرزبان ، عن ابن سنان قال : دخلت على أبي الحسن موسى عليه‌السلام قبل أن يقدم العراق بسنة وعليّ ابنه جالس بين يديه ، فنظر إليّ فقال : « يا محمد ، أما إنه ستكون في هذه السنة حركة ، فلا تجزع لذلك ».

قال : قلت : وما يكون جعلت فداك؟ فقد أقلقتني.

قال : « أصير إلى هذه الطاغية ، أما إنّه لا يبدأني منه سوء ولا من الذي يكون بعده ».

قال : قلت : وما يكون جعلت فداك؟

قال : ( يُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ ) (٣).

قال : قلت : وما ذاك جعلت فداك.

قال : « من ظلم ابني هذا حقّه وجحد إمامته من بعدي كان كمن جحد

__________________

(١) في الكافي : جاءت.

(٢) الكافي ١ : ٢٥٠ / ١٤ ، وكذا في : ارشاد المفيد ٢ : ٢٥٢ ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٣ / ٩ ، الغيبة للطوسي : ٤٠ / ١٩ ، وباختلاف في صدر الرواية في : الإمامة والتبصرة ٢١٥ / ١٦٨ ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٥٠ : ٢٥ / ١٧.

(٣) ابراهيم ١٤ : ٢٧.

٥١

عليّا عليه‌السلام حقّه وجحد إمامته من بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

قال : قلت : والله لئن مدّ الله لي في العمر لاسلّمنّ له حقّه ، ولاقرّنّ له بإمامته.

قال : « صدقت يا محمد ، يمدّ الله في عمرك وتقرّ بإمامته وإمامة من يكون بعده ».

قال : قلت : ومن ذاك؟

قال : « محمد ابنه ».

قال : قلت له : الرضا والتسليم (١).

والأخبار في هذا الباب كثيرة ، وهذه جملة كافية في هذا الموضع.

__________________

(١) الكافي ١ : ٢٥٦ / ١٦ ، وكذا في : عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٣٢ / ٢٩ ، ارشاد المفيد ٢ : ٢٥٢ ، الغيبة للطوسي : ٣٢ / ٨.

٥٢

( الفصل الثالث )

في ذكر دلالاته ومعجزاته عليه‌السلام

قد نقلت الرواة من العامّة والخاصّة كثيرا من دلالاته وآياته في حياته وبعد وفاته ، ونحن نذكر منها ما يليق بكتابنا هذا ، فممّا روته العامّة :

ما أخبرني به الحاكم الموفّق بن عبد الله العارف النوقانيّ قال : أخبرنا الحسن بن أحمد بن محمد السمرقنديّ المحدّث ، قال : أخبرنا محمد بن أبي عليّ الصفّار ، قال : أخبرنا أبو سعد الزاهد ، قال : أخبرنا عبد العزيز بن محمد بن عبد ربّه الشيرازيّ بمصر ، قال : حدّثنا عمر بن محمد بن عراك ، قال : حدّثنا عليّ بن محمد الشيروانيّ ، قال : حدّثنا عليّ بن أحمد الوشّاء الكوفيّ قال : خرجت من الكوفة إلى خراسان فقالت لي ابنتي : يا أبه ، خذ هذه الحلّة فبعها واشتر لي بثمنها فيروزجا.

قال : فأخذتها وشددتها في بعض متاعي وقدمت مرو ، فنزلت في بعض الفنادق ، فإذا غلمان عليّ بن موسى ـ المعروف بالرضا ـ قد جاءوني وقالوا : نريد حلّة نكفّن بها بعض علمائنا ، فقلت : ما عندي ، فمضوا ثمّ عادوا وقالوا : مولانا يقرأ عليك السلام ويقول لك : « معك حلّة في السفط الفلانيّ دفعتها إليك ابنتك وقالت : اشتر لي بثمنها فيروزجا ، وهده ثمنها ».

فدفعتها إليهم وقلت : والله لأسألنّه عن مسائل فإن أجابني عنها فهو هو ، فكتبتها وعدوت إلى بابه فلم أصل إليه لكثرة ازدحام الناس ، فبينما أنا جالس إذ خرج إليّ خادم فقال لي : يا عليّ بن أحمد هذه جوابات مسائلك التي معك ، فأخذتها منه فإذا هي جوابات مسائلي بعينها (١).

__________________

(١) المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٣٤١ ، دلائل الامامة : ١٩٤ ، الثاقب في المناقب

٥٣

ومن ذلك : ما رواه الحاكم أبو عبد الله الحافظ بإسناده ، عن محمد بن عيسى ، عن أبي حبيب النباجي قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام وقد وافى النباج (١) ونزل في المسجد الذي ينزله الحجّاج في كلّ سنة ، وكأنّي مضيت إليه وسلّمت عليه ووقفت بين يديه ، فوجدت عنده طبقا من خوص نخل المدينة فيه تمر صيحانيّ ، وكأنّه قبض قبضة من ذلك التمر فناولني ، فعددته فكان ثماني عشرة ، فتأوّلت أنّي أعيش بعدد كلّ تمرة سنة.

فلمّا كان بعد عشرين يوما كنت في أرض تعمر بين يدي للزراعة إذ جاءني من أخبرني بقدوم أبي الحسن الرضا عليه‌السلام من المدينة ونزوله ذلك المسجد ، ورأيت الناس يسعون إليه فمضيت نحوه ، فإذا هو جالس في الموضع الذي كنت رأيت فيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتحته حصير مثل ما كان تحته وبين يديه طبق من خوص فيه تمر صيحانيّ ، فسلّمت عليه فردّ عليّ السلام ، واستدعاني فناولني قبضة من ذلك التمر ، فعددته فإذا عدده مثل ذلك العدد الذي ناولني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت له : زدني منه يا ابن رسول الله.

فقال : « لو زادك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لزدناك » (٢).

__________________

٤٧٩ / ٤٠٦ ، كشف الغمة ٢ : ٣١٢ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٤٩ : ٦٩ / ذيل حديث ٩٣.

(١) قال الحموي في « معجم البلدان ٥ : ٢٥٥ » : قال أبو منصور : في بلاد العرب نباجان ، أحدهما على طريق البصرة يقال له نباج بني عامر وهو بحذاء فيد ، والآخر نباج بني سعد في الغريتين.

وقال غيره : النباج منزل لحجاج البصرة.

وقيل : النباج بين مكة والبصرة للكريزيين ، ونباج آخر بين البصرة واليمامة.

(٢) رواه عنه ابن شهرآشوب في المناقب ٤ : ٣٤٢ ، وابن حمزة في الثاقب في المناقب :

٥٤

ومن ذلك ما أورده الحاكم أيضا ورواه بإسناده ، عن سعد بن سعد ، عنه عليه‌السلام : أنّه نظر إلى رجل فقال له : « يا عبد الله ، أوص بما تريد واستعدّ لما لا بدّ منه ».

فمات الرجل بعد ذلك بثلاثة أيّام (١).

ومما روته الخاصة : ما رواه الشيخ أبو جعفر بن بابويه بإسناده ، عن يحيى بن محمد بن جعفر قال : مرض أبي مرضا شديدا فأتاه الرضا عليه‌السلام يعوده وعمّي إسحاق جالس يبكي ، فالتفت إليّ وقال : « ما يبكي عمّك؟ » قلت : يخاف عليه ما ترى.

قال : فقال لي : « لا تغتمنّ ، فإنّ إسحاق سيموت قبله ».

قال : فبرئ أبي محمد ومات إسحاق (٢).

وباسناده ، عن معمر بن خلاّد قال : قال لي الريّان بن الصلت : أحبّ أن تستأذن لي على أبي الحسن الرضا عليه‌السلام فاسلّم عليه ، واحبّ أن يكسوني من ثيابه ، وأن يهب لي من الدراهم التي ضربت باسمه.

فدخلت على الرضا عليه‌السلام فقال مبتدئا : « إنّ الريّان بن الصلت

__________________

٤٨٣ / ٤١٢ ، وانظر : عيون اخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢١٠ / ١٥ ، دلائل الامامة : ١٨٩ ، ونقله ابن الصباغ في الفصول المهمة : ٢٤٦ ، والمجلسي في بحار الأنوار ٤٩ : ٣٥ / ١٥.

(١) نقله عنه ابن حمزة في الثاقب في المناقب : ٤٨١ / ٤٠٧ ، وانظر : عيون اخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢٢٣ / ٤٣ ، ونقله ابن الصباغ في الفصول المهمة : ٢٤٧ ، والمجلسي في بحار الأنوار ٤٩ : ٥٩ / ٧٥.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢٠٦ / ٧ ، وكذا في : المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٣٤٠ ، الثاقب في المناقب : ٤٨١ / ٤٠٨.

٥٥

يريد الدخول علينا ، والكسوة من ثيابنا ، والعطيّة من دراهمنا ، فأذنت له ».

فدخل وسلّم ، فأعطاه ثوبين ، وثلاثين درهما من الدراهم المضروبة باسمه (١).

وباسناده ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن الحسين بن موسى ابن جعفر قال : كنّا حول أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ونحن شبّان من بني هاشم إذ مرّ علينا جعفر بن عمر العلويّ ، وهو رثّ الهيئة ، فنظر بعضنا إلى بعض وضحكنا من هيئته ، فقال الرضا عليه‌السلام : « سترونه عن قريب كثير المال كثير التبع ».

فما مضى إلاّ شهر أو نحوه حتّى ولي المدينة وحسنت حاله ، فكان يمرّ بنا ومعه الخصيان والحشم (٢).

وباسناده ، عن الحسين بن بشار قال : قال لي الرضا عليه‌السلام : « إنّ عبد الله يقتل محمدا.

فقلت : عبد الله بن هارون يقتل محمد بن هارون؟

فقال لي : « نعم ، عبد الله الذي بخراسان يقتل محمد بن زبيدة الذي هو ببغداد » فقتله (٣).

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢٠٨ / ١٠ ، وكذا في : رجال الكشي ١ : ٨٢٤ / ١٠٣٦ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٣٤٠ ، الثاقب في المناقب : ٤٧٦ / ٣٩٩.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢٠٨ / ١١ وكذا في : المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٣٣٥ ، الثاقب في المناقب ٤٨٦ / ٤١٤ ، كشف الغمة ٢ : ٣١٤ ، الفصول المهمة : ٢٤٧.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢٠٩ / ١٢ وكذا في : اثبات الوصية : ١٧٧ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٣٣٥ ، الثاقب في المناقب : ٤٨١ / ٤٠٩ ، دلائل الامامة : ١٨٩ ، كشف الغمة ٢ : ٣١٤ ، الفصول المهمة : ٢٤٧.

٥٦

وباسناده ، عن موسى بن مهران قال : رأيت الرضا عليه‌السلام وقد نظر إلى هرثمة بالمدينة فقال : « كأنّي به وقد حمل إلى مرو فضربت عنقه ».

فكان كما قال (١).

وباسناده ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران وصفوان بن يحيى قالا : جاءنا الحسين بن قياما الواسطيّ ـ وكان من رؤساء الواقفة ـ فسألنا أن نستأذن له على الرضا عليه‌السلام ففعلنا ، فلمّا صار بين يديه قال له : أنت إمام؟

قال : « نعم ».

قال : فإني اشهد الله أنّك لست بإمام.

قال : فنكت طويلا في الأرض منكس الرأس ثمّ رفع رأسه إليه فقال له : « ما علمك أنّي لست بإمام؟ ».

قال له : إنّا روينا عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّ الإمام لا يكون عقيما ، وأنت قد بلغت هذا السنّ وليس لك ولد.

قال : فنكس رأسه أطول من المرّة الاولى ثمّ رفع رأسه وقال : « إنّي أشهد الله انّه لا تمضي الأيّام والليالي حتّى يرزقني الله ولدا منّي ».

قال عبد الرحمن : فعددنا الشهور من الوقت الذي قال : فوهب الله له أبا جعفر في أقلّ من سنة (٢).

قال الشيخ : حدّثنا أحمد بن عليّ بن الحسين الثعالبيّ ، قال : حدّثنا أبو أحمد عبد الله بن عبد الرحمن المعروف بالصفوانيّ قال : خرجت قافلة من

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢١٠ / ١٤ ، وكذا في : اثبات الوصية : ١٧٥ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٣٣٥ ، الثاقب في المناقب : ٤٨٢ / ٤١٠ ، دلائل الامامة : ١٩٣ ، كشف الغمة ٢ : ٣٠٤

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢٠٩ / ١٣ ، وكذا في : اثبات الوصية : ١٨٣ ، دلائل الامامة : ١٨٩ ، نوادر المعجزات : ١٧٢ / ١١.

٥٧

خراسان إلى كرمان ، فقطع اللصوص عليهم الطريق وأخذوا منهم رجلا اتّهموه بكثرة المال ، وأقاموه في الثلج وملأوا فاه منه فانفسد فمه ولسانه حتّى لم يقدر على الكلام ، ثمّ انصرف إلى خراسان وسمع بخبر الرضا عليه‌السلام وأنّه بنيسابور ، فرأى فيما يرى النائم كأنّ قائلا يقول له : إنّ ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد ورد خراسان فسله عن علّتك ليعلّمك دواء تنتفع به.

قال : فرأيت كأنّي قد قصدته وشكوت إليه ما كنت دفعت إليه ، وأخبرته بعلّتي فقال لي : « خذ من الكمّون والسعتر والملح ودقّه وخذ منه في فمك مرّتين أو ثلاثا ، فإنّك تعافى ».

فانتبه الرجل من منامه ولم يفكّر فيما كان رأى في منامه حتّى ورد باب نيسابور فقيل له : إنّ عليّ بن موسى الرضا عليهما‌السلام قد ارتحل من نيسابور وهو برباط سعد ، فوقع في نفسه أن يقصده ويصف له أمره ، فدخل إليه فقال له : يا ابن رسول الله ، كان من أمري كيت وكيت ، وقد انفسد عليّ فمي ولساني حتّى لا أقدر على الكلام إلا بجهد ، فعلّمني دواء أنتفع به.

فقال عليه‌السلام : « ألم اعلّمك ، اذهب فاستعمل ما وصفته لك في منامك ».

فقال الرجل : يا ابن رسول الله ، إن رأيت أن تعيده عليّ.

فقال لي : « خذ من الكمّون والسعتر والملح فدقّه وخذ منه في فمك مرّتين أو ثلاثا فإنّك تعافى ».

قال الرجل : فاستعملت ما وصفه لي فعوفيت.

قال الثعالبي : سمعت الصفواني يقول : رأيت هذا الرجل وسمعت منه هذه الحكاية (١).

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢١١ / ١٦ ، وباختصار في : المناقب لابن شهرآشوب

٥٨

وباسناده ، عن جعفر بن محمد النوفليّ قال : أتيت الرضا عليه‌السلام وهو بقنطرة أربق (١) فسلّمت عليه ثمّ جلست وقلت : جعلت فداك ، إنّ اناسا يزعمون أنّ أباك حيّ.

فقال : « كذبوا لعنهم الله ، لو كان حيّا ما قسّم ميراثه ولا نكح نساؤه ، ولكنّه والله ذاق الموت كما ذاقه عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ».

قال : فقلت له : فما تأمرني؟

قال : « عليك بابني محمد من بعدي ، وأمّا أنا فإنّي ذاهب في وجه لا أرجع منه ، بورك قبر بطوس وقبران ببغداد ».

قلت : جعلت فداك قد عرفنا واحدا فما الثاني؟

قال : « ستعرفونه » ثمّ قال : « قبري وقبر هارون هكذا » وضمّ اصبعيه (٢).

وعن حمزة بن جعفر الأرجانيّ قال : خرج هارون من المسجد الحرام من باب وخرج الرضا عليه‌السلام من باب ، فقال الرضا عليه‌السلام ـ وهو يعني هارون ـ : « ما أبعد الدار وأقرب اللقاء يا طوس يا طوس ، ستجمعني وإيّاه » (٣).

وباسناده ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء قال : قال لي الرضا عليه‌السلام : « إنّي حيث أرادوا الخروج بي من المدينة جمعت عيالي فامرتهم أن

__________________

٤ : ٣٤٤ ، الثاقب في المناقب ٤٨٤ / ٤١٣ ، كشف الغمة ٢ : ٣١٤ ، مكارم الأخلاق ١ : ٤١٦ / ١٤١٢.

(١) اربق ( بفتح الباء وقد تضم ) : من نواحي رامهرمز من نواحي خوزستان. « معجم البلدان ٢ : ١٣٧ ».

(٢) عيون أخبار الرضا ٧ ٢ : ٢١٦ / ٢٣ ، وكذا في : الثاقب في المناقب : ٤٩١ / ٤١٩.

(٣) عيون أخبار الرضا ٧ ٢ : ٢١٦ / ٢٤ ، وكذا في : الثاقب في المناقب : ٤٩٢ / ٤٢٠ ، كشف الغمة ٢ : ٣١٥ ، الفصول المهمة : ٢٤٦.

٥٩

يبكوا عليّ حتّى أسمع ، ثمّ فرّقت فيهم اثني عشر ألف دينار ، ثمّ قلت : أما إنّي لا أرجع إلى عيالي أبدا » (١).

وعن الحسن الوشّاء أيضا ، عن مسافر قال : كنت مع الرضا عليه‌السلام بمنى فمرّ يحيى بن خالد مع قوم من آل برمك فغطّى وجهه من الغبار فقال عليه‌السلام : « مساكين لا يدرون ما يحلّ بهم في هذه السنة » ثمّ قال : « وأعجب من هذا هارون وأنا كهاتين » وضمّ بين إصبعيه.

قال مسافر : فما عرفت معنى حديثه حتّى دفنّاه معه (٢).

وباسناده ، عن صفوان بن يحيى قال : لمّا مضى أبو الحسن موسى عليه‌السلام وتكلّم الرضا عليه‌السلام خفنا عليه من ذلك وقلنا له : إنّك قد أظهرت أمرا عظيما ، وإنّا نخاف عليك هذا الطاغي.

فقال : « ليجهد جهده ، فلا سبيل له عليّ ».

قال صفوان : فأخبرنا الثقة : أنّ يحيى بن خالد قال للطاغي : هذا عليّ ابنه قد قعد وادّعى الأمر لنفسه ، فقال : ما يكفينا ما صنعنا بأبيه ، تريد أن نقتلهم جميعا! (٣).

وباسناده ، عن عليّ بن جعفر ، عن أبي الحسن الطيب قال : لمّا توفّي أبو الحسن موسى عليه‌السلام دخل أبو الحسن الرضا عليه‌السلام السوق واشترى كلبا وكبشا وديكا ، فلمّا كتب صاحب الخبر بذلك إلى هارون قال : قد أمنّا جانبه.

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢١٧ / ٢٨ ، وكذا في : اثبات الوصية : ١٧٨.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢٢٥ / ٢ ، وكذا في : الكافي ١ : ٤١٠ / ٩ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٣٤٠ ، كشف الغمة ٢ : ٢٧٥.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢٢٦ / ٤ ، وكذا في : الكافي ١ : ٤٠٦ / ٢ ، كشف الغمة ٢ : ٣١٥.

٦٠