إعلام الورى بأعلام الهدى - ج ٢

الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي

إعلام الورى بأعلام الهدى - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-011-0
الصفحات: ٤٧٧
الجزء ١ الجزء ٢

آخر سلطانهم ، والجوع بغلاء الأسعار ، ونقص من الأموال بكساد (١) التجارات وقلّة الفضل ، ونقص من الأنفس بالموت الذريع ، ونقص من الثمرات قلّة ريع ما يزرع وقلّة بركات الثمرات ، وبشّر الصابرين عند ذلك بتعجيل خروج القائم » ثم قال لي : « يا محمد ، هذا تأويله ، انّ الله تعالى يقول : ( وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (٢) » (٣).

وروى عليّ بن مهزيار ، عن عبد الله بن محمد الحجّال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن شعيب الحذّاء ، عن أبي صالح مولى بني العذراء قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « ليس بين قائم آل محمد وبين قتل النفس الزكيّة إلاّ خمس عشرة ليلة » (٤).

وروى محمد بن أبي البلاد ، عن عليّ بن محمد الأودي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : « بين يدي القائم موت أحمر وموت أبيض ، وجراد في حينه وجراد في غير حينه ، كألوان الدم ، فأمّا الموت الأحمر فالسيف ، وأمّا الموت الأبيض فالطاعون » (٥).

وروى الحسن بن محبوب ، عن عمرو بن أبي المقدام ، عن جابر بن يزيد الجعفيّ ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « الزم الأرض ولا تحرّك يدا

__________________

(١) في نسختي « ط » و « ق » : بفساد.

(٢) آل عمران ٣ : ٧.

(٣) كمال الدين : ٦٤٩ / ٣ ، غيبة النعماني : ٢٥٠ / ٥ ، دلائل الامامة : ٢٥٩ ، وباختلاف يسير في : الامامة والتبصرة : ١٣٩ / ١٣٢ ، وارشاد المفيد ٢ : ٣٧٧ ، والخرائج والجرائح ٣ : ١١٥٣ / ٦٠.

(٤) كمال الدين : ٦٤٩ / ٢ ، غيبة الطوسي : ٤٤٥ / ٤٤٠ ، ارشاد المفيد ٢ : ٢٧٤.

(٥) ارشاد المفيد ٢ : ٣٧٢ ، غيبة الطوسي : ٤٣٨ / ٤٣٠ ، غيبة النعماني : ٢٧٧ / ٦١ ، الخرائج والجرائح ٣ : ١١٥٢.

٢٨١

ولا رجلا حتّى ترى علامات أذكرها لك ، وما أراك تدرك [ ذلك ] : اختلاف بني العباس ، ومناد ينادي من السماء ، وخسف قرية من قرى الشام تسمّى الجابية ، ونزول الترك الجزيرة ، ونزول الروم الرملة ، واختلاف كثير عند ذلك في كلّ أرض حتّى تخرب الشام ، ويكون سبب خرابها اجتماع ثلاث رايات فيها : راية الأصهب ، وراية الأبقع ، وراية السفياني » (١).

وروى قتيبة عن محمد بن عبد الله بن منصور البجليّ قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن اسم السفياني فقال : « وما تصنع باسمه؟! إذا ملك كور الشام الخمس : دمشق ، وحمص ، وفلسطين ، والاردن ، وقنسرين ، فتوقّعوا عند ذلك الفرج ».

قلت : يملك تسعة أشهر؟

قال : « لا ولكن يملك ثمانية أشهر لا تزيد يوما » (٢).

وروى محمد بن أبي عمير ، عن عمر بن اذينة ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « قال أبي عليه‌السلام : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : يخرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس ، وهو رجل ربعة ، وحش الوجه ، ضخم الهامة ، بوجهه أثر جدري ، إذا رأيته حسبته أعور ، اسمه عثمان وأبوه عيينة ، وهو من ولد أبي سفيان ، حتّى يأتي أرضا ذات قرار ومعين فيستوي على منبرها » (٣).

وروى عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام في قوله تعالى : ( سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ

__________________

(١) ارشاد المفيد ٢ : ٣٧٢ ، الاختصاص : ٢٤٩ ، الغيبة للنعماني : ٢٧٩ / ٦٧ ، الغيبة للطوسي : ٤٤١ / ٤٣٤ ، الخرائج والجرائح ٣ : ١١٥٦ ، الفصول المهمة : ٣٠١.

(٢) كمال الدين : ٦٥١ / ١١.

(٣) كمال الدين : ٦٥١ / ٩ ، الخرائج والجرائح ٣ : ١١٥٠.

٢٨٢

الْحَقُ ) (١) قال : « الفتن في آفاق الأرض ، والمسخ في أعداد الحقّ » (٢)

وهيب بن حفص ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى : ( إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ ) (٣) قال : « سيفعل الله ذلك بهم ».

قال : فقلت : من هم؟

قال : « بنو اميّة وشيعتهم ».

قلت : وما الآية؟

قال : « ركود الشمس ما بين زوال الشمس إلى وقت العصر ، وخروج صدر رجل ووجهه في عين الشمس يعرف بحسبه ونسبه ، ذلك في زمان السفياني وعندها يكون بواره وبوار قومه » (٤).

العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « إذا رأيتم نارا من المشرق كهيئة المرد (٥) العظيم يطلع ثلاثة أيّام أو سبعة ـ الشكّ من العلاء ـ فتوقّعوا فرج آل محمد ، إنّ الله عزيز كريم » (٦).

علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :

__________________

(١) فصلت ٤١ : ٥٣.

(٢) ارشاد المفيد ٢ : ٣٧٣.

(٣) الشعراء ٢٦ : ٤.

(٤) ارشاد المفيد ٢ : ٣٧٣.

(٥) كذا في نسخنا ، وفي غيبة النعماني : الهردي ، وهو الثوب المصبوغ بالهرد ، أي بالكركم.

وقيل : هو الذي يصبغ بالورس ثم بالزعفران فيجيء لونه مثل لون زهرة الحوذانة.

ولعل المراد به أنّ لون هذه النار العظيمة صفراء تميل إلى الحمرة لشدة اشتعالها. والله تعالى هو العالم.

انظر : لسان العرب ٣ : ٤٣٥.

(٦) الغيبة للنعماني : ٢٥٣ / ١٣.

٢٨٣

« إنّ قدّام القائم لسنة غيداقة (١) تفسد الثمر في النخل ، فلا تشكّوا في ذلك » (٢).

سيف بن عميرة ، عن بكر بن محمد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « خروج الثلاثة : السفياني والخراساني واليماني في سنة واحدة ، في شهر واحد ، في يوم واحد ، وليس فيها راية أهدى من راية اليماني ، لأنّه يدعو إلى الحقّ » (٣).

عليّ بن أسباط ، عن الحسن بن الجهم قال : سأل رجل أبا الحسن عليه‌السلام عن الفرج ، فقال : « تريد الإكثار أم اجمل لك؟ »

قال : بل تجمل لي.

قال : « إذا ركزت رايات قيس بمصر ، ورايات كندة بخراسان » (٤).

إبراهيم بن محمد بن جعفر ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سنة الفتح ينشق الفرات حتّى يدخل أزقّة الكوفة » (٥).

الحسين بن يزيد ، عن منذر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « يزجر الناس قبل قيام القائم عن معاصيهم بنار تظهر في السماء ، وحمرة تجلّل السماء ، وخسف ببغداد ، وخسف ببلد البصرة ، ودماء تسفك بها ، وخراب دورها ، وفناء يقع في أهلها ، وشمول أهل العراق خوف لا يكون لهم معه قرار » (٦).

__________________

(١) الغدق : المطر الكثير العام ، وقد غيدق المطر : كثر « لسان العرب ١٠ : ٢٨٢ ».

(٢) ارشاد المفيد ٢ : ٣٧٧ ، غيبة الطوسي : ٤٤٩ / ٤٥٠ ، الخرائج والجرائح ٣ : ١١٦٤

(٣) ارشاد المفيد ٢ : ٣٧٥ ، غيبة الطوسي : ٤٤٦ / ٤٤٣ ، الخرائج والجرائح ٣ : ١١٦٣

(٤) ارشاد المفيد ٢ : ٣٧٦ ، غيبة الطوسي : ٤٤٨ / ٤٤٩ ، الخرائج والجرائح ٣ : ١١٦٤

(٥) ارشاد المفيد ٢ : ٣٧٧ ، غيبة الطوسي : ٤٥١ / ٤٥٦ ، الخرائج والجرائح ٣ : ١١٦٤

(٦) ارشاد المفيد ٢ : ٣٧٨.

٢٨٤

الفضل بن شاذان ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن ثعلبة الأزدي قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : « آيتان تكونان قبل قيام القائم : كسوف الشمس في النصف من شهر رمضان ، وخسوف القمر في آخره ».

قال : فقلت : يا ابن رسول الله ، تنكسف الشمس في النصف من الشهر والقمر في آخر الشهر؟

فقال : « أنا أعلم بما قلت ، إنّهما آيتان لم تكونا منذ هبط آدم عليه‌السلام » (١).

عبد الله بن بكير ، عن عبد الملك بن إسماعيل ، عن أبيه ، عن سعيد ابن جبير قال : إنّ السنة التي يقوم فيها المهديّ تمطر الأرض أربعا وعشرين مطرة ترى آثارها وبركاتها (٢) إن شاء الله (٣).

__________________

(١) الكافي ٨ : ٢١٢ / ٢٥٨ ، ارشاد المفيد ٢ : ٣٧٤ ، غيبة الطوسي : ٤٤٤ / ٤٣٩ ، غيبة النعماني : ٢٧١ / ٤٥.

(٢) في نسخة « ط » : وبركتها.

(٣) ارشاد المفيد ٢ : ٣٧٣ ، غيبة الطوسي : ٤٤٣ / ٤٣٥.

٢٨٥

( الفصل الثاني )

في ذكر السنة التي يقوم فيها القائم عليه‌السلام ،

واليوم الذي يقوم فيه

روى الحسن بن محبوب ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا يخرج القائم إلاّ في وتر من السنين ، سنة إحدى ، أو ثلاث ، أو خمس ، أو سبع ، أو تسع » (١).

الفضل بن شاذان ، عن محمد بن عليّ الكوفيّ ، عن وهيب بن حفص ، عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « ينادى باسم القائم في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان ، ويقوم في يوم عاشوراء ، وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين بن عليّ عليهما‌السلام ، لكأنّي به في يوم السبت العاشر من المحرّم قائما بين الركن والمقام ، جبرئيل بين يديه ينادي بالبيعة له ، فتصير إليه شيعته من أطراف الأرض ، تطوى لهم طيّا ، حتّى يبايعوه ، فيملأ الله به الأرض عدلا كما ملئت جورا وظلما » (٢).

__________________

(١) ارشاد المفيد ٢ : ٣٧٨ ، غيبة الطوسي : ٤٥٣ / ٤٦٠ ، روضة الواعظين : ٢٦٣ ، الخرائج والجرائح ٣ : ١١٦١ ، الفصول المهمة : ٣٠٢.

(٢) ارشاد المفيد ٢ : ٣٧٩ ، غيبة الطوسي : ٤٥٣ / ٤٥٩ ، روضة الواعظين : ٢٦٣ ، وفيها : البيعة لله ، بدل بالبيعة له.

٢٨٦

( الفصل الثالث )

في ذكر نبذ من سيرته عند قيامه ، وطريقة أحكامه ،

ووصف زمانه ، ومدة أيامه

روى الحجّال ، عن ثعلبة ، عن أبي بكر الحضرميّ ، عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال : « كأنّي بالقائم على نجف الكوفة قد سار إليها من مكّة في خمسة آلاف من الملائكة ، جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن شماله ، والمؤمنون بين يديه ، وهو يفرّق الجنود في الأمصار » (١).

وفي رواية عمرو بن شمر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : ذكر المهديّ فقال : « يدخل الكوفة وفيها ثلاث رايات قد اضطربت فتصفو له ، ويدخل حتّى يأتي المنبر فيخطب فلا يدري الناس ما يقول من البكاء ، فإذا كانت الجمعة الثانية سأله الناس أن يصلّي بهم الجمعة ، فيأمر أن يخطّ له مسجد على الغريّ ، ويصلّي بهم هناك ، ثمّ يأمر من يحفر من ظهر مشهد الحسين عليه‌السلام نهرا يجري إلى الغريّين حتّى ينزل الماء في النجف ، ويعمل على فوهته القناطير والأرحاء ، فكأنّي بالعجوز على رأسها مكتل فيه برّ تأتي تلك الأرحاء فتطحنه بلا كراء » (٢).

وفي رواية المفضل بن عمر قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « إذا قام قائم آل محمد بنى في ظهر الكوفة مسجدا له ألف باب ، واتّصلت بيوت أهل الكوفة بنهر كربلاء » (٣).

__________________

(١) ارشاد المفيد ٢ : ٣٧٩ ، روضة الواعظين : ٢٦٤.

(٢) ارشاد المفيد ٢ : ٣٨٠ ، غيبة الطوسي : ٤٦٨ / ٤٨٥ ، روضة الواعظين : ٢٦٣.

(٣) ارشاد المفيد ٢ : ٣٨٠ ، غيبة الطوسي : ٤٦٧ / ذيل حديث ٤٨٤ ، الخرائج والجرائح ٣ :

٢٨٧

قال : وسمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « إذا أذن الله تعالى للقائم بالخروج صعد المنبر فدعا الناس إلى نفسه ، وناشدهم بالله ، ودعاهم إلى حقه ، على أن يسير فيهم بسيرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويعمل فيهم بعمله ، فيبعث الله عزّ وجل جبرئيل عليه‌السلام حتّى يأتيه فينزل على الحطيم ثمّ يقول له : إلى أيّ شيء تدعو؟ فيخبره القائم فيقول جبرئيل : أنا أوّل من يبايعك ابسط كفّك ، فيمسح على يده ، وقد وافاه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا ، فيبايعونه ، ويقيم بمكّة حتّى يتمّ أصحابه عشرة آلاف نفس ، ثمّ يسير إلى المدينة » (١).

وروى محمد بن عجلان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا قام القائم دعا الناس إلى الإسلام جديدا ، وهداهم إلى أمر قد دثر وضلّ عنه الجمهور ، وإنّما سمّي المهديّ مهديّا [ لأنّه يهدي إلى أمر قد ضلّوا عنه ، وسمّي بالقائم ] (٢) لقيامه بالحقّ » (٣).

وروى عبد الله بن المغيرة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا قام القائم من آل محمد أقام خمسمائة من قريش فضرب أعناقهم ، ثمّ أقام خمسمائة فضرب أعناقهم ، ثمّ خمسمائة أخرى ، حتّى يفعل ذلك ستّ مرّات ».

قلت : ويبلغ عدد هؤلاء هذا؟

قال : « نعم ، منهم ومن مواليهم » (٤).

__________________

١١٧٦ لم يرد فيه ذيل الحديث.

(١) ارشاد المفيد ٢ : ٣٨٢ ، روضة الواعظين : ٢٦٥ لم يرد فيه ذيل الحديث.

(٢) ما بين المعقوفين أثبتناه من الارشاد ليستقيم السياق.

(٣) ارشاد المفيد ٢ : ٣٨٣ ، روضة الواعظين : ٢٦٤.

(٤) ارشاد المفيد ٢ : ٣٨٣ ، روضة الواعظين : ٢٦٥.

٢٨٨

وروى أبو بصير قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إذا قام القائم هدم المسجد الحرام حتّى يردّه إلى أساسه ، وحوّل المقام إلى الموضع الذي كان فيه ، وقطع أيدي بني شيبة وعلّقها بالكعبة ، وكتب عليها : هؤلاء سرّاق الكعبة » (١).

وروى عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا قام القائم نزلت ملائكة بدر : ثلث على خيول شهب ، وثلث على خيول بلق ، وثلث على خيول حوّ ».

قلت : يا ابن رسول الله ، وما الحوّ؟

قال : « الحمر » (٢).

وروى محمد بن عطاء ، عن سلاّم بن أبي عمرة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « إنّ لصاحب هذا الأمر بيتا يقال له : الحمد ، فيه سراج يزهر منذ يوم ولد إلى يوم يقوم بالسيف » (٣).

وروى أبو الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ـ في حديث طويل ـ أنّه قال : « إذا قام القائم سار إلى الكوفة فيخرج منها بضعة عشر ألف نفس يدعون البترية ، عليهم السلاح ، فيقولون له : ارجع من حيث جئت فلا حاجة لنا في بني فاطمة ، فيضع فيهم السيف حتّى يأتي على آخرهم ، ثمّ يدخل الكوفة فيقتل بها كلّ منافق مرتاب ، ويهدم قصورها ، ويقتل مقاتليها ، حتّى يرضى الله عزّ وجل » (٤).

__________________

(١) ارشاد المفيد ٢ : ٣٨٣ ، روضة الواعظين : ٢٦٥ ، ونحوه في غيبة الطوسي : ٤٧٢ / ٤٩٢.

(٢) غيبة النعماني : ٢٤٤ / ٤٤.

(٣) غيبة الطوسي : ٤٦٧ / ٤٨٣ ، غيبة النعماني : ٢٣٩ / ٣١ ، اثبات الوصية : ٢٢٦.

(٤) ارشاد المفيد ٢ : ٣٨٤ ، روضة الواعظين : ٢٦٥.

٢٨٩

وروى عليّ بن عقبة ، عن أبيه قال : إذا قام القائم عليه‌السلام حكم بالعدل ، وارتفع في أيّامه الجور ، وأمنت به السبل ، وأخرجت الأرض بركاتها ، وردّ كلّ حقّ إلى أهله ، ولم يبق أهل دين حتّى يظهروا الإسلام ويعترفوا بالإيمان ، أما سمعت الله عزّ وجل يقول : ( وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ) (١) وحكم بين الناس بحكم داود وحكم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فحينئذ تظهر الأرض كنوزها ، وتبدي بركتها ، فلا يجد الرجل منكم يومئذ موضعا لصدقته ولا لبرّه لشمول الغنى جميع المؤمنين ».

ثمّ قال عليه‌السلام : « إنّ دولتنا آخر الدول ، ولم يبق أهل بيت لهم دولة إلاّ ملكوا قبلنا لئلاّ يقولوا ـ إذا رأوا سيرتنا ـ : لو ملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء ، وهو قول الله عزّ وجلّ ( وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (٢) » (٣).

وروى عبد الكريم الخثعمي قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : كم يملك القائم؟

قال : « سبع سنين ، تطول له الأيّام والليالي حتّى تكون السنة من سنيه مكان عشر سنين من سنيكم هذه ، فيكون ملكه سبعين سنة من سنيكم هذه ، وإذا آن قيامه مطر الناس جمادى الآخرة وعشرة أيّام من رجب مطرا لم ير الناس مثله ، فينبت الله به لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم ، فكأنّي انظر إليهم مقبلين من قبل جهينة ينفضون رءوسهم من التراب » (٤).

__________________

(١) آل عمران ٣ : ٨٣.

(٢) الأعراف ٧ : ١٢٨ ، القصص ٢٨ : ٨٣.

(٣) ارشاد المفيد ٢ : ٣٨٤ ، روضة الواعظين : ٢٦٥.

(٤) ارشاد المفيد ٢ : ٣٨١ ، روضة الواعظين : ١٦٤ ، وقطعة منه في : غيبة الطوسي :

٢٩٠

وروى أبو بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « إذا قام القائم عليه‌السلام سار إلى الكوفة فهدم بها أربع مساجد ، ولم يبق مسجد على وجه الأرض له شرف إلاّ هدمه وجعلها جمّا ، ووسع الطريق الأعظم ، وكسر كلّ جناح خارج في الطريق ، وأبطل الكنف المازيب ، ولا يترك بدعة إلاّ أزالها ، ولا سنّة إلاّ أقامها ، ويفتح قسطنطينية والصين وجبال الديلم ، ويمكث على ذلك سبع سنين من سنيكم هذه ، ثمّ يفعل الله ما يشاء ».

قال : قلت له : جعلت فداك ، وكيف تطول السنون؟

قال : « يأمر الله تعالى الفلك بالثبوت وقلّة الحركة ، فتطول الأيّام لذلك والسنون ».

قال : قلت : إنّهم يقولون : إنّ الفلك إن تغيّر فسد؟

قال : « ذلك قول الزنادقة ، فأمّا المسلمون فلا سبيل لهم إلى ذلك وقد شقّ الله القمر لنبيّه ، وردّ الشمس من قبله ليوشع بن نون ، وأخبر بطول يوم القيامة وإنّه ( كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) (١) » (٢).

وروى عاصم بن حميد الحنّاط ، عن محمد بن مسلم الثقفيّ قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « القائم منّا منصور بالرعب ، مؤيّد بالنصر ، تطوى له الأرض ، وتظهر له الكنوز ، يبلغ سلطانه المشرق والمغرب ، ويظهر به الله دينه على الدين كلّه ولو كره المشركون ، فلا يبقى في الأرض خراب إلاّ عمر ، وينزل روح الله عيسى بن مريم فيصلّي خلفه ».

قال : فقلت : يا ابن رسول الله ، ومتى يخرج قائمكم؟

__________________

٤٧٤ / ٤٩٧ ، وصدره في : الفصول المهمة : ٣٠٢.

(١) الحج ٢٢ : ٤٧.

(٢) ارشاد المفيد ٢ : ٣٨٥ ، روضة الواعظين : ٢٦٤ ، ونحوه في : غيبة ٤٧٥ / ٤٩٨ ، وصدره في : الفصول المهمة : ٣٠٢.

٢٩١

قال : « إذا تشبّه الرجال بالنساء والنساء بالرجال ، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء ، وركبت ذوات الفروج السروج ، وقبلت شهادات الزور وردّت شهادات العدول ، واستخف الناس بالدماء وارتكاب الزنا وأكل الربا ، واتّقي الأشرار مخافة ألسنتهم ، وخرج السفيانيّ من الشام ، واليمانيّ من اليمن ، وخسف بالبيداء ، وقتل غلام من آل محمد بين الركن والمقام اسمه محمد بن الحسن النفس الزكيّة ، وجاءت صيحة من السماء بأنّ الحقّ فيه وفي شيعته ، فعند ذلك خروج قائمنا.

فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة واجتمع إليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، فأوّل ما ينطق به هذه الآية ( بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (١) ثمّ يقول : أنا بقيّة الله وخليفته وحجّته عليكم ، فلا يسلّم عليه مسلم إلاّ قال : السلام عليك يا بقيّة الله في أرضه ، فإذا اجتمع له العقد عشرة آلاف رجل فلا يبقى في الأرض معبود دون الله ـ من صنم ولا وثن ـ إلاّ وقعت فيه نار واحترق ، وذلك بعد غيبة طويلة ، ليعلم الله من يطيعه بالغيب ويؤمن به » (٢).

وروى المفضّل بن عمر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « يخرج إلى القائم من ظهر الكوفة سبعة وعشرون رجلا ، خمسة عشر من قوم موسى الذين كانوا يهدون بالحقّ وبه يعدلون ، وسبعة من أصحاب الكهف ، ويوشع ابن نون ، وسلمان ، وأبو دجانة الأنصاريّ ، والمقداد بن الأسود ، ومالك الأشتر ، فيكونون بين يديه أنصارا وحكّاما » (٣).

وروى عبد الله بن عجلان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا قام

__________________

(١) هود ١١ : ٨٦.

(٢) كمال الدين : ٣٣٠ / ١٦ ، وباختلاف يسير في : الفصول المهمة : ٣٠٢.

(٣) ارشاد المفيد ٢ : ٣٨٦ ، روضة الواعظين : ٢٦٦ ، وباختلاف يسير في : تفسير العياشي ٢ : ٣٢ / ٩٠.

٢٩٢

قائم آل محمد حكم بين الناس بحكم داود ، لا يحتاج إلى بيّنة ، يلهمه الله تعالى فيحكم بعلمه ، ويخبر كلّ قوم بما استبطنوه ، ويعرف وليّه من عدوّه بالتوسّم ، قال الله تعالى : ( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) (١) »

وقد روي : أنّ مدّة دولة القائم تسع عشرة سنة ، تطول أيّامها وشهورها على ما تقدّم ذكره (٢).

وروي أيضا : أنّه عليه‌السلام يملك ثلاثمائة وتسع سنين ، قدر ما لبث أصحاب الكهف في كهفهم (٣) ، وهذا أمر مغيّب عنّا ، والله أعلم بحقيقة ذلك.

وروى المفضّل بن عمر قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « إنّ قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربّها ، واستغنى العباد عن ضوء الشّمس ، وذهبت الظلمة ، ويعمّر الرجل في ملكه حتّى يولد له ألف ذكر لا يولد فيهم انثى ، وتظهر الأرض كنوزها حتّى يراها الناس على وجهها ، ويطلب الرجل منكم من يصله بماله ، ويأخذ منه زكاته فلا يجد أحدا يقبل منه ذلك ، لاستغناء الناس بما رزقهم الله من فضله » (٤).

__________________

(١) الحجر ١٥ : ٧٥.

(٢) تقدم في صفحة : ٢٩٠.

(٣) غيبة الطوسي : ٤٧٤ / صدر حديث ٤٩٦ ، تاج المواليد : ١٥٣ ، دلائل الامامة : ٢٤٢ ضمن رواية.

(٤) ارشاد المفيد ٢ : ٣٨١ ، روضة الواعظين : ٢٦٤ ، وباختلاف في ذيل الحديث في : غيبة الطوسي : ٤٦٧ / ٤٨٤ ، وصدره في : دلائل الامامة : ٢٤١.

٢٩٣

( الفصل الرابع )

في ذكر صفة القائم وحليته

روى عمرو بن شمر ، عن جابر الجعفيّ قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « سأل عمر بن الخطّاب أمير المؤمنين علي عليه‌السلام فقال : أخبرني عن المهديّ ما اسمه؟

فقال : أمّا اسمه ، فإنّ حبيبي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عهد إليّ أن لا احدّث به حتّى يبعثه الله تعالى.

قال : فأخبرني عن صفته.

فقال : هو شابّ مربوع ، حسن الوجه ، حسن الشعر ، يسيل شعره على منكبيه ، ويعلو نور وجهه سواد شعر لحيته ورأسه ، بأبي ابن خيرة الإماء » (١).

وروى محمد بن سنان ، عن أبي الجارود زياد بن المنذر ، عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام عن أبيه ، عن جدّه عليهما‌السلام قال : « قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام على المنبر : يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان أبيض مشرّب حمرة ، مبدح البطن (٢) ، عريض الفخذين ، عظيم مشاش (٣) المنكبين ، بظهره شامتان : شامة على لون جلده ، وشامة على لون شامة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، له اسمان :

__________________

(١) ارشاد المفيد ٢ : ٣٨٢ ، غيبة الطوسي : ٤٧٠ / ٤٨٧ ، روضة الواعظين : ٢٦٦ ، وصدره في : كمال الدين : ٦٤٨ / ٣.

(٢) مبدح البطن : أي واسعها. انظر : الصحاح ـ بدح ـ ١ : ٣٥٤.

(٣) المشاش ( بالضم ) : رأس العظم. القاموس المحيط ٢ : ٢٨٨.

٢٩٤

اسم يخفى واسم يعلن ، فأمّا الذي يخفى فأحمد ، وأمّا الذي يعلن فمحمد ، فإذا هزّ رايته أضاء لها ما بين المشرق والمغرب ، ووضع يده على رءوس العباد فلا يبقى مؤمن إلاّ صار قلبه أشدّ من زبر الحديد ، وأعطاه الله عزّ وجل قوّة أربعين رجلا ، ولا يبقى ميت إلاّ دخلت عليه تلك الفرحة في قبره ، فهم يتزاورون في قبورهم ويتباشرون بقيام القائم عليه‌السلام » (١).

وروى أبو الصلت الهروي قال : قلت للرضا عليه‌السلام : ما علامة القائم منكم إذا خرج؟

فقال : « علامته أن يكون شيخ السن ، شابّ المنظر ، حتّى أن الناظر إليه ليحسبه ابن أربعين سنة أو دونها ، وإنّ من علاماته أن لا يهرم بمرور الأيّام واللّيالي عليه حتّى يأتي أجله » (٢).

وجاءت الرواية الصحيحة : بأنّه ليس بعد دولة القائم عليه‌السلام دولة لأحد ، إلاّ ما روي من قيام ولده إن شاء الله تعالى ذلك ، ولم ترد به الرواية على القطع والثبات ، وأكثر الروايات أنّه لن يمضي عليه‌السلام من الدنيا إلاّ قبل القيامة بأربعين يوما ، يكون فيها الهرج ، وعلامة خروج الأموات ، وقيام الساعة ، والله أعلم (٣).

__________________

(١) كمال الدين : ٦٥٣ / ١٧.

(٢) كمال الدين : ٦٥٢ / ١٢.

(٣) ورد نص التعليق في ارشاد المفيد ٢ : ٣٨٧.

٢٩٥
٢٩٦

( الباب الخامس )

في ذكر مسائل يسأل عنها أهل الخلاف في غيبة

صاحب الزمان عليه‌السلام ، وحلّ الشبهات فيها

بواضح الدليل ولائح البرهان

وهي سبع مسائل :

مسألة : قالوا : ما الوجه في غيبته عليه‌السلام على الاستمرار والدوام ، حتّى صار ذلك سببا لإنكار وجوده ، ونفي ولادته (١) ، وآباؤه عليهم‌السلام وإن لم يظهروا الدعاء إلى نفوسهم فيما يتعلّق بالإمامة ، فقد كانوا ظاهرين يفتون في الأحكام ، فلا يمكن لأحد نفي وجودهم؟

الجواب : قد ذكر الأجل المرتضى ـ قدّس الله روحه ـ في ذلك طريقة لم يسبقه إليها أحد من أصحابنا ، فقال : إنّ العقل إذا دلّ على وجوب الإمامة فإنّ كلّ زمان ـ كلّف المكلّفون الذين يقع منهم القبيح والحسن ، ويجوز عليهم الطاعة والمعصية ـ لا يخلو من إمام ، لأنّ خلوّه من الإمام

__________________

(١) في نسخة « م » زيادة : وكيف يجوز أن يكون إماما للخلق ولم يظهر قطّ لأحد منهم.

٢٩٧

إخلال بتمكينهم ، وقادح في حسن تكليفهم.

ثمّ دلّ العقل على أنّ ذلك الإمام لا بدّ أن يكون معصوما من الخطأ ، مأمونا منه كلّ قبيح ، وثبت أنّ هذه الصفة ـ التي دلّ العقل على وجوبها ـ لا توجد إلاّ فيمن تدّعي الإماميّة إمامته ، ويعرى منها كلّ من تدّعى له الإمامة سواه.

فالكلام في علة غيبته وسببها واضح بعد أن تقرّرت إمامته ، لأنّا إذا علمنا أنّه الإمام دون غيره ، ورأيناه غائبا عن الأبصار ، علمنا أنّه لم يغب مع عصمته وتعيّن فرض الإمامة فيه وعليه إلاّ لسبب اقتضى ذلك ، استدعته ، وضرورة حملت عليه ، وإن لم يعلم وجهه على التفصيل ؛ لأنّ ذلك مما لا يلزم علمه ، وجرى الكلام في الغيبة ووجهها مجرى العلم بمراد الله تعالى من الآيات المتشابهات في القرآن التي ظاهرها الجبر أو التشبيه.

فإنّا نقول : إذا علمنا حكمة الله سبحانه ، وأنّه لا يجوز أن يخبر بخلاف ما هو عليه من الصفات ، علمنا ـ على الجملة ـ أنّ لهذه الآيات وجوها صحيحة بخلاف ظاهرها ، تطابق مدلول أدلّة العقل ، وإن غاب عنّا العلم بذلك مفصّلا ، فإن تكلّفنا الجواب عن ذلك ، وتبرعنا بذكره ، فهو فضل منّا غير واجب.

وكذلك الجواب لمن سأل عن الوجه في إيلام الأطفال ، وجهة المصلحة في رمي الجمار والطواف بالبيت ، وما أشبه ذلك من العبادات على التفصيل والتعيين ، فإنّا إذا عوّلنا على حكمة القديم سبحانه ، وأنّه لا يجوز أن يفعل قبيحا ، فلا بدّ من وجه حسن في جميع ذلك وإن جهلناه بعينه ، وليس يجب علينا بيان ذلك الوجه وأنّه ما هو ، وفي هذا سدّ الباب على مخالفينا في سؤالاتهم ، وقطع التطويلات عنهم والاسهابات ، إلاّ أن نتبرّع بإيراد الوجه في غيبته عليه‌السلام على سبيل الاستظهار وبيان الاقتدار ، وإن

٢٩٨

كان ذلك غير واجب علينا في حكم النظر والاعتبار.

فنقول : الوجه في غيبته عليه‌السلام هو خوفه على نفسه ، ومن خاف على نفسه احتاج إلى الاستتار ، فأمّا لو كان خوفه على ماله أو على الأذى في نفسه لوجب عليه أن يتحمّل ذلك كله لتنزاح علّة المكلّفين في تكليفهم ، وهذا كما نقوله في النبيّ في أنّه يجب عليه أن يتحمّل كلّ أذى في نفسه حتّى يصحّ منه الأداء إلى الخلق ما هو لطف لهم ، وإنّما يجب عليه الظهور وإن أدّى إلى قتله كما ظهر كثير من الأنبياء وإن قتلوا ، لأنّ هناك كان في المعلوم أنّ غير ذلك النبيّ يقوم مقامه في تحمّل أعباء النبوّة ، أو أنّ المصالح التي كان يؤدّيها ذلك النبيّ قد تغيّرت ، وليس كذلك حال إمام الزمان عليه‌السلام ، فإنّ الله تعالى قد علم أنّه ليس بعده من يقوم مقامه في باب الإمامة والشريعة على ما كانت عليه ، واللطف بمكانه لم يتغيّر ، ولا يصحّ تغيره ، فلا يجوز ظهوره إذا أدّى إلى القتل.

وإنّما كان آباؤه عليهم‌السلام ظاهرين بين الناس يفتونهم ويعاشرونهم ، ولم يظهر هو لأنّ خوفه عليه‌السلام أكثر ، فإنّ الأئمّة الماضين من آبائه عليهم‌السلام أسرّوا إلى شيعتهم أن صاحب السيف هو الثاني عشر منهم ، وأنّه الذي يملأ الأرض عدلا ، وشاع ذلك القول من مذهبهم حتى ظهر ذلك القول بين أعدائهم ، فكانت السلاطين الظلمة يتوقّفون عن إتلاف آبائه لعلمهم بأنّهم لا يخرجون بالسيف ، ويتشوّقون إلى حصول الثاني عشر ليقتلوه ويبيدوه.

ألا ترى أنّ السلطان في الوقت الذي توفّي فيه العسكريّ عليه‌السلام وكّل بداره وجواريه من يتفقّد حملهنّ لكي يظفر بولده ويفنيه؟

كما أنّ فرعون موسى لمّا علم أن ذهاب ملكه على يد موسى عليه‌السلام منع الرجال من أزواجهم ، ووكّل بذوات الأحمال منهنّ ليظفر به.

٢٩٩

وكذلك نمرود لمّا علم أنّ ملكه يزول على يد إبراهيم عليه‌السلام وكّل بالحبالى من نساء قومه ، وفرّق بين الرجال وأزواجهم ، فستر الله سبحانه ولادة إبراهيم وموسى عليهما‌السلام كما ستر ولادة القائم عليه‌السلام لما علم في ذلك من التدبير.

وأمّا كون غيبته سببا لنفي ولادته ، فإن ذلك لضعف البصيرة والتقصير عن النظر ، وعلى الحق الدليل الواضح ، لمن أراده ، الظاهر لمن قصده.

مسألة ثانية : قالوا : إذا كان الإمام غائبا بحيث لا يصل إليه أحد من الخلق ولا ينتفع به ، فما الفرق بين وجوده وعدمه؟ وإلاّ جاز أن يميته الله تعالى أو يعدمه حتّى إذا علم أنّ الرعيّة تمكّنه وتسلّم له وجده أو أحياه كما جاز أن يبيحه الاستتار حتّى يعلم منهم التمكين له فيظهره.

الجواب : أوّل ما نقوله : إنّا لا نقطع على أنّ الإمام لا يصل إليه أحد ، فهذا أمر غير معلوم ، ولا سبيل إلى القطع به. ثمّ إن الفرق بين وجوده غائبا عن أعدائه للتقيّة ـ وهو في أثناء تلك الغيبة منتظر ان يمكّنوه فيظهر ويتصرّف ـ وبين عدمه واضح ، وهو أنّ الحجّة هناك فيما فات من مصالح العباد لازمة لله تعالى ، وهاهنا الحجة لازمة للبشر ، لأنّه إذا خيف فغيّب شخصه عنهم كان ما يفوتهم من المصلحة ـ عقيب فعل كانوا هم السبب فيه ـ منسوبا إليهم ، فيلزمهم في ذلك الذم ، وهم المؤاخذون به ، الملومون عليه.

وإذا أعدمه الله تعالى ، كان ما يفوت العباد من مصالحهم ، ويحرمونه من لطفهم وانتفاعهم به ، منسوبا إلى الله تعالى ، ولا حجّة فيه على العباد ، ولا لوم يلزمهم ، لأنهم لا يجوز أن ينسبوا فعلا لله تعالى.

مسألة ثالثة : فإن قالوا : الحدود التي تجب على الجناة في حال الغيبة ما حكمها؟

فإن قلتم : تسقط من أهلها [ فقد ] صرّحتم بنسخ الشريعة ، وإن كانت

٣٠٠