إعلام الورى بأعلام الهدى - ج ٢

الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي

إعلام الورى بأعلام الهدى - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-011-0
الصفحات: ٤٧٧
الجزء ١ الجزء ٢

( الفصل الثاني )

في ذكر بعض ما روي من دلالاته وبيّناته عليه‌السلام

محمد بن يعقوب ، عن عليّ بن محمد ، عن محمد بن حمويه ، عن محمد بن إبراهيم بن مهزيار قال : شككت عند مضيّ أبي محمد عليه‌السلام واجتمع عند أبي مال جليل ، فحمله وركب السفينة ، وخرجت معه مشيّعا ، فوعك وعكا شديدا فقال : يا بنيّ ، ردّني فهو الموت ، وقال لي : اتّق الله في هذا المال ، وأوصى إليّ ومات.

فقلت في نفسي : لم يكن أبي ليوصي بشيء غير صحيح ، أحمل هذا المال إلى العراق وأكتري دارا على الشطّ ولا أخبر أحدا بشيء ، فإن وضح لي شيء كوضوحه في أيّام أبي محمد عليه‌السلام أنفذته ، وإلاّ قصفت (١) به.

فقدمت العراق ، واكتريت دارا على الشطّ ، وبقيت أيّاما فإذا أنا برقعة مع رسول فيها : « يا محمد ، معك كذا وكذا » حتّى قصّ عليّ جميع ما معي ممّا لم أحطّ به علما ، فسلّمته إلى الرسول وبقيت أيّاما لا يرفع لي رأس ، واغتممت فخرج إليّ : « قد أقمناك مقام أبيك ، فاحمد الله » (٢).

وعنه ، عن محمد بن أبي عبد الله ، عن أبي عبد الله الشيباني قال : أوصلت أشياء للمرزباني الحارثيّ ، وكان فيها سوار ذهب ، فقبلت وردّ عليّ

__________________

(١) القصوف : الاقامة في الأكل والشرب ، أي أنّه ينفقه على أكله وشربه.

« انظر : القاموس المحيط ٣ : ١٨٥ ».

(٢) الكافي ١ : ٤٣٤ / ٥ ، وكذا في : ارشاد المفيد ٢ : ٣٥٦ ، غيبة الطوسي : ٢٨١ / ٢٣٩ ، الخرائج والجرائح ١ : ٤٦٢ / ٧.

٢٦١

السوار وأمرت بكسره ، فكسرته فإذا في وسطه مثاقيل حديد ونحاس أو صفر ، فأخرجت ذلك منه وأنفذت الذهب فقبل (١).

وعنه ، عن عليّ بن محمد قال : أوصل رجل من أهل السواد مالا فردّ عليه وقيل له : « أخرج حقّ بني عمّك منه ، وهو أربعمائة درهم » وكان الرجل في يده ضيعة لبني عمّه فيها شركة قد حبسها عليهم ، فنظر فإذا لولد عمّه في ذلك أربعمائة درهم ، فأخرجها وأنفذ الباقي فقبل (٢).

وعنه ، عن عليّ بن محمد ، عن عليّ بن الحسين اليماني قال : كنت ببغداد فاتّفقت قافلة لليمانيّين ، فأردت الخروج معها ، فكتبت ألتمس الإذن في ذلك ، فخرج : « لا تخرج معهم ، فليس لك في الخروج معهم خيرة ، وأقم بالكوفة ».

قال : فأقمت وخرجت القافلة فخرجت (٣) عليهم بنو حنظلة فاجتاحتهم.

قال : وكتبت أستأذن في ركوب الماء فلم يؤذن لي ، فسألت عن المراكب التي خرجت تلك السنة في البحر فما سلم منها مركب ، خرج عليها قوم ( من الهند ) (٤) يقال لهم : البوارج ، فقطعوا عليها (٥).

__________________

(١) الكافي ١ : ٤٣٥ / ٦ ، وكذا في : ارشاد المفيد ٢ : ٣٥٦.

(٢) الكافي ١ : ٤٣٥ / ٨ ، وكذا في : ارشاد المفيد ٢ : ٣٥٦ ، وباختلاف يسير في : كمال الدين : ٤٨٦ / ٦ ، ودلائل الامامة : ٢٨٦ ، وثاقب المناقب : ٥٩٧ / ٥٤٠.

(٣) في نسختي « ط » و « ق » : فخرج.

(٤) ما بين القوسين لم يرد في نسختي « ط » و « ق ».

(٥) الكافي ١ : ٤٣٦ / صدر حديث ١٢ ، وكذا في : الهداية الكبرى : ٣٧٢ ، ارشاد المفيد ٢ : ٣٥٨ ، وباختلاف يسير في : كمال الدين : ٤٩١ / صدر حديث ١٤.

٢٦٢

وعنه ، عن القاسم بن العلاء قال : ولد لي عدّة بنين ، فكنت أكتب وأسأل الدعاء لهم فلا يكتب إليّ لهم بشيء ، فماتوا كلّهم ، فلمّا ولد لي الحسن ابني كتبت أسأل الدعاء فأجبت : « يبقى ، والحمد لله » (١).

وعنه ، عن الحسن بن الفضل بن يزيد اليماني قال : كتب أبي بخطّه كتابا فورد جوابه ، ثمّ كتب بخطّي فورد جوابه ، ثمّ كتب بخطّ رجل جليل من فقهاء أصحابنا فلم يرد جوابه ، فنظرنا فإذا العلّة في ذلك أنّ الرجل تحوّل قرمطيّا (٢).

قال الحسن بن الفضل : وردت العراق ، وزرت طوس ، وعزمت أن لا أخرج إلاّ عن بيّنة من أمري ، ونجاح من حوائجي ، ولو احتجت أن اقيم بها حتّى أتصدّق (٣). قال : وفي خلال ذلك يضيق صدري بالمقام ، وأخاف أن يفوتني الحجّ.

قال : فجئت يوما إلى محمد بن أحمد ـ وكان السفير يومئذ ـ أتقاضاه فقال لي : صر إلى مسجد كذا وكذا فإنّه يلقاك رجل.

قال : فصرت إليه ، فدخل عليّ رجل فلمّا نظر إليّ ضحك وقال : لا

__________________

(١) الكافي ١ : ٤٣٥ / ٩ ، وكذا في ارشاد المفيد ٢ : ٣٥٦.

(٢) ذكر النوبختي في فرق الشيعة : أنّ هذه التسمية تعود إلى رئيس لهذه الفرقة يسمى بقرمطويه ، وانهم يزعمون بأن رسالة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد انقطعت يوم غدير خم وانتقلت إلى الإمام علي عليه‌السلام.

كما انهم يذهبون ـ على ما نسب إليهم ـ إلى ان الفرائض رموز واشارات ، وإلى اباحة جميع الملذات والمنكرات ، واستحلال استعراض الناس بالسيف وغير ذلك.

انظر : فرق الشيعة : ٧٢ ، الملل والنحل ١ : ١٦٧ و ١٩١ ، تلبيس ابليس : ١١٠.

(٣) أي أسأل الناس الصدقة.

٢٦٣

تغتم ، فإنّك ستحجّ في هذه السنة وتنصرف إلى أهلك وولدك سالما. قال : فاطمأننت وسكن قلبي وقلت : أرى مصداق ذلك إن شاء الله.

قال : ثمّ وردت العسكر ، فخرجت إليّ صرّة فيها دنانير وثوب ، فاغتممت وقلت في نفسي : جدّي (١) عند القوم هذا ، واستعملت الجهل فرددتها وكتبت رقعة ، ثمّ ندمت بعد ذلك ندامة شديدة ، وقلت في نفسي : كفرت بردّي على مولاي ، وكتبت رقعة أعتذر فيها من فعلي ، وأبوء بالاثم ، وأستغفر من ذلك ، وأنفذتها وقمت أتطهر للصلاة ، فأنا في ذلك أفكّر في نفسي وأقول : إن ردّت عليّ الدنانير لم أحلل صرارها ولم أحدث فيها حدثا حتّى أحملها إلى أبي فإنّه أعلم منّي ليعمل فيها بما شاء.

فخرج إلى الرسول الذي حمل إليّ الصرّة : « أسأت إذ لم تعلم الرّجل إنا ربّما فعلنا ذلك بموالينا من غير مسألة ليتبرّكوا به ».

وخرج إليّ : « أخطأت في ردّك برّنا ، فإذا استغفرت الله فالله يغفر لك ، فأمّا إذا كانت عزيمتك وعقيدتك أن لا تحدث فيها حدثا ، ولا تنفقها في طريقك ، فقد صرفناها عنك ، وأمّا الثوب فلا بدّ منه لتحرم فيه ».

قال : وكتبت في معنيين وأردت أن أكتب في ثالث فامتنعت عنه مخافة أن يكره ذلك ، فورد جواب المعنيين والثالث الذي طويت مفسّرا ، والحمد لله (٢).

وعنه ، عن عليّ بن محمد ، عن الحسن بن عبد الحميد قال : شككت في أمر حاجز بن يزيد (٣) ، فجمعت شيئا وصرت إلى العسكر ، فخرج : « ليس

__________________

(١) جدّي : حظّي.

(٢) الكافي ١ : ٤٣٦ / ١٣ ، وكذا في ارشاد المفيد ٢ : ٣٦٠ ، وباختلاف يسير في : كمال الدين : ٤٩٠ / ١٣.

(٣) ذكر الشيخ الصدوق رحمه‌الله في كمال الدين ( ٤٤٢ / ١٦ ) : إنّ حاجزا ممّن وقف على

٢٦٤

فينا شكّ ، ولا في من يقوم مقامنا بأمرنا ، فاردد ما معك إلى حاجز بن يزيد » (١).

وعنه ، عن عليّ بن محمد ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن الحسن ، والعلاء بن رزق الله ، عن بدر ـ غلام أحمد بن الحسن ـ قال : وردت الجبل وأنا لا أقول بالإمامة ، أحبّهم حملة ، إلى أن مات يزيد بن عبد الله ، فأوصى في علّته أن يدفع الشهري السمند (٢) وسيفه ومنطقته إلى مولاه فخفت إن أنا لم أدفع الشهري إلى أذكوتكين (٣) نالني منه استخفاف ، فقوّمت الدابّة والسيف والمنطقة بسبعمائة دينار في نفسي ولم اطلع عليه أحدا ، ودفعت الشهري إلى أذكوتكين ، فإذا الكتاب قد ورد عليّ من العراق : « أن وجّه السبعمائة دينار التي لنا قبلك من ثمن الشهري والسيف والمنطقة » (٤).

وعنه ، عن عليّ بن محمد ، عن محمد بن شاذان النيسابوري قال : اجتمع عندي خمسمائة درهم تنقص عشرون درهما ، فأنفت أن أبعث بها. ناقصة ، فوزنت من عندي عشرين درهما وبعثت بها إلى الأسدي ولم أكتب مالي فيها ، فورد : « وصلت خمسمائة درهم ، لك منها عشرون درهما » (٥).

__________________

معجزات صاحب الزمان عليه‌السلام ورآه من الوكلاء في بغداد.

(١) الكافي ١ : ٤٣٧ / ١٤ ، وكذا في : ارشاد المفيد ٢ : ٣٦١.

(٢) الشهري السمند : اسم فرس. مجمع البحرين ٣ : ٣٥٧.

(٣) اذكوتكين : كان من أمراء الترك وواليا على الري من قبل العباسيين. راجع مقدمة المحاسن للمحدث الأرموي ( صفحة : لا ، وما بعدها ) فقد أورد شرحا وافيا حول هذا الرجل وحول هذه الرواية أيضا.

(٤) الكافي ١ : ٤٣٨ / ١٦ ، وكذا في : ارشاد المفيد ٢ : ٣٦٣ ، غيبة الطوسي : ٢٨٢ / ٢٤١ ، الخرائج والجرائح ١ : ٤٦٤ / ٩ ، وباختلاف يسير في : الهداية الكبرى : ٣٦٩ ، دلائل الامامة : ٢٨٥.

(٥) الكافي ١ : ٤٣٩ / ٢٣ ، وكذا في : ارشاد المفيد ٢ : ٣٦٥ ، وباختلاف يسير في : كمال الدين : ٤٨٥ / ٥ و ٥٠٩ / ٣٨ ، وغيبة الطوسي : ٤١٦ / ٣٩٤ ، ودلائل الامامة : ٢٨٦ ، ونحوه

٢٦٥

وعنه ، عن الحسين بن محمد الأشعريّ قال : كان يرد كتاب أبي محمد عليه‌السلام في الإجراء على الجنيد ـ قاتل فارس ـ وأبي الحسن وآخر ، فلمّا مضى أبو محمد عليه‌السلام ورد استئناف من الصاحب لإجراء أبي الحسن وصاحبه ، ولم يرد في أمر الجنيد شيء فاغتممت لذلك ، فورد نعي الجنيد بعد ذلك (١). وإذا قطع جرايته إنّما كان لوفاته.

وعنه ، عن عليّ بن محمد ، عن أبي عقيل عيسى بن نصر قال : كتب عليّ بن زياد الصيمري يسأل كفنا ، فكتب إليه : « إنّك تحتاج إليه في سنة ثمانين » فمات في سنة ثمانين ، وبعث إليه بالكفن قبل موته (٢).

وعنه ، عن محمد بن هارون بن عمران الهمدانيّ قال : كان للناحية (٣) عليّ خمسمائة دينار ، وضقت بها ذرعا ، ثمّ قلت في نفسي : لي حوانيت اشتريتها بخمسمائة دينار وثلاثين دينارا قد جعلتها للناحية بخمسمائة دينار ، ولا والله ما نطقت بذلك ، فكتب إلى محمد بن جعفر : « اقبض الحوانيت من محمد بن هارون بالخمسمائة دينار التي لنا عليه » (٤).

وعنه ، عن الحسين بن الحسن العلويّ قال : انهي إلى عبيد الله بن سليمان الوزير أنّ له وكلاء ، وأنّه تجبى إليهم الأموال ، وسمّوا الوكلاء في النواحي. فهمّ بالقبض عليهم ، فقيل له : لا ، ولكن دسّوا لهم قوما لا يعرفون

__________________

في : رجال الكشي : ٥٣٣ / ١٠١٧.

(١) الكافي ١ : ٤٣٩ / ٢٤ ، وكذا في : ارشاد المفيد ٢ : ٣٦٦ ، وفيه أخي بدل آخر.

(٢) الكافي ١ : ٤٤٠ / ٢٧ ، وكذا في : ارشاد المفيد ٢ : ٣٦٦ ، غيبة الطوسي : ٢٨٣ / ٢٤٣ ، الخرائج والجرائح ١ : ٤٦٣ ، ثاقب المناقب : ٥٩٠ / ٥٣٥ ، دلائل الامامة : ٢٨٥.

(٣) كناية عن الامام المهدي عليه‌السلام.

(٤) الكافي ١ : ٤٤٠ / ٢٨ ، وكذا في : ارشاد المفيد ٢ : ٣٦٦ ـ ٣٦٧ ، الخرائج والجرائح ١ : ٤٧٢ / ١٦ ، ونحوه في : كمال الدين : ٤٩٢ / ١٧.

٢٦٦

بالأموال ، فمن قبض منهم شيئا قبض عليه.

فلم يشعر الوكلاء بشيء حتّى خرج الأمر أن لا يأخذوا من أحد شيئا ، وأن يتجاهلوا بالأمر ، وهم لا يعلمون ما السبب في ذلك. فاندسّ لمحمد بن أحمد رجل لا يعرفه وقال : معي مال اريد أن أوصله ، فقال له محمد : غلطت ، أنا لا أعرف من هذا شيئا ، فلم يزل يتلطّف به ومحمد يتجاهل ، وبثّوا الجواسيس ، وامتنع الوكلاء كلّهم لما كان تقدّم إليهم ، فلم يظفر بأحد منهم ، ولم تتمّ الحيلة فيهم (١).

وعنه ، عن عليّ بن محمد قال : خرج النهي عن زيارة مقابر قريش (٢) والحائر ـ على ساكنيهما السلام ـ ولم نعرف السبب ، فلمّا كان بعد شهر دعا الوزير الباقطائي (٣) فقال له : ألق بني الفرات والبرسيّين وقل لهم : لا تزوروا مقابر قريش ، فقد أمر الخليفة أن يتفقّد كلّ من زار فيقبض عليه (٤).

الشيخ أبو جعفر بن بابويه قال : حدّثنا محمد بن إبراهيم الطالقانيّ ، عن أبي القاسم عليّ بن أحمد الخديجي الكوفيّ قال : حدّثنا الأودي قال : بينا أنا في الطواف ـ وقد طفت ستّا واريد السابع ـ فإذا بحلقة عن يمين الكعبة ، وشابّ حسن الوجه ، طيّب الرائحة ، هيوب مع هيبته ، متقرّب إلى الناس يتكلّم ، فلم أر أحسن من كلامه ، ولا أعذب من منطقه (٥) ، فذهبت اكلّمه فزبرني الناس ، فسألت بعضهم : من هذا؟ فقالوا

__________________

(١) الكافي ١ : ٤٤٠ / ٣٠.

(٢) يعني بذلك قبري الامامين الكاظم والجواد عليهما‌السلام.

(٣) باقطايا ـ ويقال : باقطيا ـ : قرية من قرى بغداد على ثلاثة فراسخ من ناحية قطربل. « معجم البلدان ١ : ٣٢٧ ».

(٤) الكافي ١ : ٤٤١ / ٣١ ، وكذا في : ارشاد المفيد ٢ : ٣٦٧ ، غيبة الطوسي : ٢٨٤ / ٢٤٤ ، الخرائج والجرائح ١ : ٤٦٥ / ١٠.

(٥) في نسخة « م » زيادة : في حسن جلوسه.

٢٦٧

هذا ابن رسول الله يظهر للناس في كلّ سنة يوما لخواصّه يحدّثهم. فقلت : سيّدي ، مسترشدا اتيتك فأرشدني ، فناولني عليه‌السلام حصاة وكشفت عنها فإذا بسبيكة ذهب ، فذهبت فإذا أنا به عليه‌السلام قد لحقني فقال لي : « ثبتت عليك الحجّة ، وظهر لك الحقّ ، وذهب عنك العمى ، أتعرفني؟ » فقلت : لا ، فقال عليه‌السلام : « أنا المهديّ ، وأنا قائم الزمان ، أنا الذي أملأها عدلا كما ملئت جورا ، إنّ الأرض لا تخلو من حجّة ، ولا يبقى الناس في فترة ، وهذه أمانة فحدّث بها إخوانك من أهل الحقّ » (١).

قال : وحدّثنا أبي ، عن سعد بن عبد الله ، عن عليّ بن محمد الرازي قال : حدثني جماعة من أصحابنا : أنه بعث إلى عبد الله بن الجنيد ـ وهو بواسط ـ غلاما وأمر ببيعه ، فباعه وقبض ثمنه ، فلمّا عيّر الدنانير نقصت في التعيير ثمانية عشرة قيراطا وحبّة ، فوزن من عنده ثمانية عشر قيراطا وحبّة وأنفذها ، فردّ عليه دينارا وزنه ثمانية عشر قيراطا وحبّة (٢).

قال : وحدّثنا أبو جعفر محمد بن عليّ الأسود : أنّ أبا جعفر العمريّ حفر لنفسه قبرا وسوّاه بالساج ، فسألته عن ذلك فقال : قد امرت أن أجمع أمري. فمات بعد ذلك بشهرين (٣).

قال : وحدّثنا محمد بن عليّ الأسود قال : سألني عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه رحمه‌الله بعد موت محمد بن عثمان العمريّ أن أسأل أبا القاسم الروحي أن يسأل مولانا صاحب الزمان عليه‌السلام أن يدعو الله أن يرزقه ولدا ، قال : فسألته فأنهى ذلك ، ثمّ أخبرني بعد ذلك بثلاثة أيّام أنّه قد دعا

__________________

(١) كمال الدين : ٤٤٤ / ١ ، وكذا في : غيبة الطوسي : ٢٥٣ / ٢٢٣ ، الخرائج والجرائح ٢ : ٧٨٤ / ١١٠.

(٢) كمال الدين : ٤٨٦ / ٧.

(٣) كمال الدين : ٥٠٢ / ٢٩.

٢٦٨

لعليّ بن الحسين وأنّه سيولد له ولد مبارك ينفع الله به ، وبعده أولاد.

قال أبو جعفر محمد بن عليّ الأسود : وسألته في أمر نفسي أن يدعو لي أن ارزق ولدا ، فلم يجبني إليه وقال لي : ليس إلى هذا سبيل. قال : فولد لعليّ بن الحسين تلك السنة ابنه محمد بن عليّ وبعده أولاد ، ولم يولد لي.

قال الشيخ : كان أبو جعفر محمد بن عليّ الأسود رضي‌الله‌عنه كثيرا ما يقول لي إذا رآني أختلف إلى مجلس شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد ابن الوليد رحمه‌الله وأرغب في كتب العلم وحفظه : ليس بعجب أن تكون لك هذه الرغبة في العلم وأنت ولدت بدعاء الإمام عليه‌السلام (١).

قال : حدّثنا صالح بن شعيب الطالقاني ، عن أحمد بن إبراهيم بن مخلد قال : حضرت بغداد عند المشايخ فقال الشيخ عليّ بن محمد السمري ـ قدس الله روحه ـ ابتداء منه : رحم الله عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي.

قال : فكتب المشايخ تاريخ ذلك اليوم فورد الخبر أنّه توفّي في ذلك اليوم (٢).

فهذا طرف يسير ممّا جاء في هذا المعنى ، وإيراد سائره يخرج عن الغرض في الاختصار ، وفيما أوردناه كفاية في بابه إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) كمال الدين : ٥٠٢ / ٣١ ، وكذا في : غيبة الطوسي : ٣٢٠ / ٢٦٦ ، ودون ذيله في : الخرائج والجرائح ٣ : ١١٢٤ / ٤٢.

(٢) كمال الدين : ٥٠٣ / ٣٢ ، وكذا في : غيبة الطوسي : ٣٩٤ / ٣٦٤ ، الخرائج والجرائح ٣ : ١٢٨ / ٤٥.

٢٦٩

( الفصل الثالث )

في ذكر بعض التوقيعات الواردة منه عليه‌السلام

الشيخ أبو جعفر بن بابويه رحمه‌الله ، عن محمد بن إبراهيم بن إسحاق قال : سمعت أبا عليّ محمد بن همّام قال : سمعت محمد بن عثمان العمريّ يقول : خرج توقيع بخطّ أعرفه : « من سمّاني في مجمع من الناس باسمي فعليه لعنة الله ».

قال أبو عليّ محمد بن همّام : وكتبت أسأله عن ظهور الفرج متى يكون؟ فخرج التوقيع : « كذب الوقّاتون » (١).

محمد بن يعقوب الكليني ، عن إسحاق بن يعقوب قال : سألت محمد ابن عثمان العمريّ رضي‌الله‌عنه أن يوصل لي كتابا سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ فورد التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزمان عليه‌السلام :

« أمّا ما سألت عنه ـ أرشدك الله وثبّتك ـ من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمّنا ، فاعلم أنّه ليس بين الله وبين أحد قرابة ، ومن أنكرني فليس منّي ، وسبيله سبيل ابن نوح عليه‌السلام.

وأمّا سبيل عمّي جعفر وولده فسبيل إخوة يوسف عليه‌السلام.

وأمّا الفقّاع فشربه حرام ، ولا بأس بالشلماب (٢).

__________________

(١) كمال الدين : ٤٨٣ / ٣.

(٢) الشلماب : لفظة فارسية معناها ماء الشيلم ، والشيلم حب صغار مستطيل أحمر قائم كأنّه في خلقه سوس الحنطة ، ولا يسكر ولكنّه يمر الطعام امرارا شديدا. « انظر : لسان العرب ١٢ : ٣٢٥ ».

٢٧٠

وأمّا أموالكم فلا نقبلها إلاّ لتطهروا ، فمن شاء فليصل ومن شاء فليقطع ، فما آتانا الله خير ممّا آتاكم.

وأمّا ظهور الفرج فإنّه إلى الله تعالى ذكره ، وكذب الوقّاتون.

وأمّا قول من زعم أنّ الحسين لم يقتل فكفر ، وتكذيب ، وضلال.

وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله.

وأمّا محمد بن عثمان العمريّ ـ رضي‌الله‌عنه وعن أبيه من قبل ـ فإنّه ثقتي ، وكتابه كتابي.

وأمّا محمد بن عليّ بن مهزيار الأهوازيّ فسيصلح الله قلبه ، ويزيل عنه شكّه.

وأمّا ما وصلتنا به فلا قبول عندنا إلاّ لما طاب وطهر ، وثمن المغنية حرام.

وأمّا محمد بن شاذان بن نعيم فهو رجل من شيعتنا أهل البيت.

وأمّا أبو الخطّاب محمد بن أبي زينب الأجدع فملعون وأصحابه ملعونون ، فلا تجالس أهل مقالتهم ، فإنّي منهم بريء وآبائي عليهم‌السلام منهم براء.

وأمّا المتلبّسون بأموالنا فمن استحلّ منها شيئا فأكله فإنّما يأكل النيران.

وأمّا الخمس فقد ابيح لشيعتنا ، وجعلوا منه في حلّ إلى وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث.

وأمّا ندامة قوم شكّوا في دين الله على ما وصلونا به فقد أقلنا من استقال ، ولا حاجة لنا في صلة الشاكّين.

وأمّا علّة ما وقع من الغيبة فإنّ الله عزّ وجل يقول : ( لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ

٢٧١

إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) (١) إنّه لم يكن أحد من آبائي إلاّ وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وإنّي أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي.

وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأبصار السحاب ، وإنّي لأمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء ، فأغلقوا باب السؤال عمّا لا يعنيكم ، ولا تتكلّفوا علم ما قد كفيتم ، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإنّ ذلك فرجكم.

والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب وعلى من اتّبع الهدى (٢) ».

الشيخ أبو جعفر بن بابويه ، عن أبيه ، ومحمد بن الحسن ، عن عبد الله ابن جعفر الحميريّ ، عن محمد بن صالح الهمدانيّ قال : كتبت إلى صاحب الزمان عليه‌السلام : إنّ أهل بيتي يؤذونني ويقرّعونني بالحديث الذي روي عن آبائك عليهم‌السلام أنّهم قالوا : خدّامنا وقوّامنا شرار خلق الله ، فكتب عليه‌السلام : « أمّا يقرءون قول الله عزّ وجلّ : ( وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً ) (٣) نحن والله القرى التي بارك الله فيها وأنتم القرى الظاهرة » (٤).

__________________

(١) المائدة ٥ : ١٠١.

(٢) كمال الدين : ٤٨٣ / ٤ ، وكذا في : غيبة الطوسي : ٢٩٠ / ٢٤٧ ، الخرائج والجرائح ٣ : ١١١٣ / ٣٠ ، الاحتجاج : ٤٦٩.

(٣) سبأ ٣٤ : ١٨.

(٤) كمال الدين : ٤٨٣ / ٢.

٢٧٢

( الفصل الرابع )

في ذكر أسماء الذين شاهدوه أو رأوا دلائله

وخرج إليهم توقيعاته وبعضهم وكلاءه

الشيخ أبو جعفر ـ قدّس الله روحه ـ قال : حدّثنا محمد بن محمد الخزاعيّ ، عن أبي عليّ الأسدي ، عن أبيه محمد بن أبي عبد الله الكوفيّ : أنّه ذكر عدد من انتهى إليه ممّن وقف على معجزات صاحب الزمان عليه‌السلام ورآه من الوكلاء :

ببغداد : العمريّ ، وابنه ، وحاجز ، والبلالي ، والعطّار.

ومن الكوفة : العاصميّ.

ومن أهل الأهواز : محمد بن إبراهيم بن مهزيار.

ومن أهل قمّ : أحمد بن إسحاق.

ومن أهل همدان : محمد بن صالح.

ومن أهل الريّ : الشامى (١) ، والأسدي. يعني نفسه.

ومن أهل آذربيجان : القاسم بن العلاء.

ومن نيسابور : محمد بن شاذان.

ومن غير الوكلاء : من أهل بغداد : أبو القاسم بن أبي حليس ، وأبو عبد الله الكندي ، وأبو عبد الله الجنيدي ، وهارون القزّاز ، والنيلي ، وأبو القاسم ابن رميس ، وأبو عبد الله بن فرّوخ ، ومسرور الطبّاخ مولى أبي الحسن عليه‌السلام ، وأحمد ، ومحمد ابنا أبي الحسن ، وإسحاق الكاتب من بني

__________________

(١) فى نسخة « م » : البسامي.

٢٧٣

نيبخت وصاحب الفداء ، وصاحب الصرّة المختومة.

( ومن همدان : محمد بن كشمرد ، وجعفر بن حمدان ، ومحمد بن هارون بن عمران ) (١).

ومن الدينور : حسن بن هارون ، وأحمد وأخوه ، وأبو الحسن.

ومن اصفهان : ابن بادشايجه.

ومن الصيمرة : زيدان.

ومن قم : الحسن بن النضر ، ومحمد بن محمد ، وعليّ بن محمد بن إسحاق ، وأبوه ، والحسين (٢) بن يعقوب.

ومن أهل الريّ : القاسم بن موسى ، وابنه ، وابن محمد بن هارون ، وصاحب الحصاة ، وعليّ بن محمد ، ومحمد بن محمد الكليني ، وأبو جعفر الرفاء.

ومن قزوين : مرداس ، وعليّ بن أحمد.

ومن قابس : رجلان.

ومن شهر زور : ابن الخال.

ومن فارس : المجروح (٣).

ومن مرو : صاحب الألف دينار ، وصاحب المال والرقعة البيضاء ، وأبو ثابت.

ومن نيسابور : محمد بن شعيب بن صالح.

ومن اليمن : الفضل بن يزيد ، والحسن ابنه ، والجعفري ، وابن

__________________

(١) ما بين القوسين لم يرد في نسختي « ق » و « ط » واثبتناه من نسخة « م ».

(٢) في نسختي « ق » و « م » : الحسن.

(٣) في نسخة « ق » النجروح ، وفي كمال الدين المحروج.

٢٧٤

الأعجمي ، والشمشاطي.

ومن مصر : صاحب المولودين ؛ وصاحب المال بمكّة ، وأبو رجاء.

ومن نصيبين : أبو محمد بن الوجناء.

ومن الأهواز : الحصيني (١).

__________________

(١) كمال الدين : ٤٤٢ / ١٦.

٢٧٥
٢٧٦

(الباب الرابع )

في ذكر علامات قيام القائم عليه‌السلام ،

ومدة أيام ظهوره وطريقة أحكامه ، وسيرته عند قيامه ،

وصفته ، وحليته.

أربعة فصول :

٢٧٧
٢٧٨

( الفصل الأول )

في ذكر علامات خروجه عليه‌السلام

قد جاءت الآثار بذكر علامات لزمان قيامه عليه‌السلام ، فمن ذلك ما رواه صفوان بن يحيى ، عن محمد بن حكيم ، عن ميمون البان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « خمس قبل قيام القائم : اليماني ، والسفياني ، والمنادي ينادي من السماء ، وخسف بالبيداء ، وقتل النفس الزكيّة » (١).

ومنه ما رواه عليّ بن عاصم ، عن عطاء بن السائب ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا تقوم الساعة حتى يخرج المهديّ من ولدي ، ولا يخرج المهديّ حتى يخرج ستّون كذّابا كلّهم يقول : أنا نبيّ » (٢).

وروى الفضل بن شاذان ، عمن رواه ، عن أبي حمزة قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : خروج السفياني من المحتوم؟ قال : « نعم ، والنداء من المحتوم ، وطلوع الشمس من مغربها من المحتوم ، واختلاف بني العباس محتوم ، وقتل النفس الزكيّة محتوم ، وخروج القائم من آل محمد محتوم ».

قلت له : وكيف يكون النداء؟ فقال : « ينادي مناد من السماء أوّل النهار : ألا إنّ الحقّ مع آل عليّ وشيعته ، ثمّ ينادي إبليس في آخر النهار : ألا إنّ الحقّ مع عثمان (٣) وشيعته ، فعند ذلك يرتاب المبطلون » (٤).

__________________

(١) كمال الدين : ٦٤٩ / ١.

(٢) إرشاد المفيد ٢ : ٣٧١ ، كشف الغمة ٢ : ٤٥٩ ، ورواه الطوسي في الغيبة : ٤٣٤ / ٤٢٤ دون ذكر ( حتى يخرج المهدي من ولدي ولا يخرج المهدي ).

(٣) المراد عثمان بن عنبسة ، وهو السفياني.

(٤) ارشاد المفيد ٢ : ٣٧١ ، وباختلاف في كمال الدين : ٦٥٢ / ١٤ ، غيبة الطوسي : ٤٧٤ / ٤٩٧ ، وصدره في : الفصول المهمة : ٣٠٢.

٢٧٩

وروى الحسن بن عليّ الوشّاء ، عن أحمد بن عائذ ، عن أبي خديجة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا يخرج القائم حتّى يخرج قبله اثنا عشر من بني هاشم كلّهم يدعو إلى نفسه » (١).

وروى صالح بن عقبة ، عن عبد الله بن محمد الجعفيّ ، عن جابر قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : « توقّوا آخر دولة بني العبّاس ، فإنّ لهم في شيعتنا لذعات أمضّ من الحريق الملتهب ».

وروى عمّار الساباطيّ ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : « آخر دولة ولد العبّاس ضرام عرفج (٢) ، يلتهب ، فتوقوهم فإنّ المتوقّي لهم فائز ».

وروى الحسن بن محبوب ، عن أبي أيّوب الخزّاز ، والعلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « إنّ قدّام القائم علامات تكون من الله تعالى للمؤمنين ».

قلت : فما هي جعلني الله فداك؟

قال : « ذاك قول الله عزّ وجل : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ ) يعني المؤمنين قبل خروج القائم ( بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) (٣) قال : « يبلوهم بشيء من الخوف من ملوك بني فلان في

__________________

٤٣٥ / ٤٢٥.

(١) ارشاد المفيد ٢ : ٣٧٢ ، غيبة الطوسي : ٤٣٧ / ٤٢٨ ، الخرائج والجرائح ٣ : ١١٦٢ ، كشف الغمة ٢ : ٤٥٩.

(٢) العرفج : شجر معروف صغير سريع الاشتعال بالنار ، ولهبه شديد الحمرة ، يبالغ بحمرته فيقال : كضرام عرفج.

« انظر : النهاية ٣ : ٢١٩ ، لسان العرب ٢ : ٣٢٣ ».

(٣) البقرة ٢ : ١٥٥.

٢٨٠