إعلام الورى بأعلام الهدى - ج ٢

الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي

إعلام الورى بأعلام الهدى - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-011-0
الصفحات: ٤٧٧
الجزء ١ الجزء ٢

ولو ذكرنا جميع أسماء من رآه عليه‌السلام لطال الكتاب واتسع الخطاب ، وسيأتي ذكر بعضهم فيما يأتي من الكتاب ، وفيما أوردناه هنا كفاية في الغرض الذي نحوناه.

* * *

٢٢١
٢٢٢

( الباب الثاني )

في ذكر النصوص الدالة على إمامته عليه‌السلام

من آبائه عليهم‌السلام ، سوى ما تقدّم من ذكره

في جملة الاثني عشر

فيه ثلاثة فصول :

٢٢٣
٢٢٤

( الفصل الأول )

في ذكر إثبات النص على إمامته عليه‌السلام

من طريق الاعتبار

إذا ثبت بالدليل العقليّ وجوب الإمامة ، واستحالة أن يخلّي الحكيم سبحانه عباده المكلّفين وقتا من الأوقات من وجود إمام معصوم من القبائح ، كامل غني عن رعاياه في العلوم ، ليكونوا بوجوده أقرب إلى الصلاح وأبعد من الفساد ، وثبت وجوب النصّ على من هذه صفته من الأنام ، أو ظهور المعجز الدال عليه المميّز له عمّن سواه ، وعدم هذه الصفات من كلّ أحد بعد وفاة أبي محمد الحسن بن عليّ العسكريّ ممّن ادّعيت الإمامة له في تلك الحال ، سوى من أثبت إمامته أصحابه عليه‌السلام من ولده ، القائم مقامه ، ثبتت إمامته عليه‌السلام ، وإلاّ أدّى إلى خروج الحقّ عن أقوال الامّة.

وهذا أصل لا يحتاج معه في الإمامة إلى رواية النصوص ، وتعداد ما جاء فيها من الروايات والأخبار ، لقيامه بنفسه في قضيّة العقل ، وثبوته بصحيح الاعتبار ، على أنّه قد سبق النص عليه من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ من أمير المؤمنين عليه‌السلام ثمّ من الأئمة عليهم‌السلام واحدا بعد واحد إلى أبيه عليه‌السلام ، وإخبارهم عليهم‌السلام بغيبته قبل وجوده ، وبدولته بعد غيبته.

ونحن نذكر ذلك في الفصل الذي يلي هذا الفصل ثمّ نذكر بعد ذلك الأخبار الواردة في أنه نصّ عليه أبوه عليه‌السلام عند خواصّه وثقاته وشيعته ، وأشار إليه بالامامة من بعده استظهارا في الحجّة ، وتثبيتا على المحجّة.

٢٢٥

( الفصل الثاني )

في ذكر الأخبار الواردة عن آبائه عليهم‌السلام في ذلك ، سوى ما ذكرناه فيما تقدّم من الكتاب ، حذفنا أسانيدها تحرّيا للاختصار ، فمن أرادها فليطلبها في كتاب كمال الدين للشيخ أبي جعفر بن بابويه قدس الله روحه.

فممّا جاء عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك :

ما رواه جابر بن يزيد الجعفيّ ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « المهديّ من ولدي ، اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، أشبه الناس بي خلقا وخلقا ، تكون له غيبة وحيرة تضلّ فيها الامم ، ثمّ يقبل كالشهاب الثاقب يملأها عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا » (١).

وروى أبو بصير ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « المهديّ من ولديّ اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، أشبه الناس بي خلقا وخلقا ، تكون له غيبة وحيرة حتّى يضلّ الخلق عن أديانهم ، فعند ذلك يقبل كالشهاب الثاقب فيملأها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما » (٢).

وروى محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن صالح بن عقبة ، عن أبيه ، عن أبي جعفر الباقر ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : المهديّ من ولدي ، تكون له غيبة وحيرة تضلّ فيها الامم ، يأتي بذخيرة الأنبياء ، فيملأها عدلا وقسطا كما ملئت ظلما

__________________

(١) كمال الدين : ٢٨٦ / ١.

(٢) كمال الدين : ٢٨٧ / ٤.

٢٢٦

وجورا » (١).

وروى ثابت بن دينار ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّ عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام إمام أمّتي ، وخليفتي عليها بعدي ، ومن ولده القائم المنتظر الذي يملأ الله به الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما ، والذي بعثني بالحقّ بشيرا ، إنّ الثابتين على القول في زمان غيبته لأعزّ من الكبريت الأحمر ».

فقام إليه جابر بن عبد الله الأنصاريّ فقال : يا رسول الله ، وللقائم من ولدك غيبة؟

قال : « إي وربّي ، ليمحص الذين آمنوا ويمحق الكافرين ، يا جابر إنّ هذا الأمر من أمر الله عزّ وجل ، وسرّ من سرّ الله ، علّته مطويّة عن عباد الله ، فإيّاك والشك ، فإنّ الشك في أمر الله عزّ وجل كفر » (٢).

وروى هشام بن سالم ، عن الصادق ، عن أبيه ، عن جدّه عليهم‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : القائم من ولدي ، اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، وشمائله شمائلى ، وسنّته سنّتي ، يقيم الناس على ملّتي وشريعتي ، ويدعوهم إلى كتاب ربّي ، من أطاعه أطاعني ، ومن عصاه عصاني ، ومن أنكر غيبته فقد أنكرني ، ومن كذّبه فقد كذّبني ، ومن صدّقه فقد صدّقني ، إلى الله أشكو المكذّبين لي في أمره ، والجاحدين لقولي في شأنه ، والمضلّين لامّتي عن طريقته ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) (٣) » (٤).

__________________

(١) كمال الدين : ٢٨٧ / ٥.

(٢) كمال الدين : ٢٨٧ / ٧.

(٣) الشعراء ٢٦ : ٢٢٧.

(٤) كمال الدين : ٤١١ / ٦.

٢٢٧

وممّا جاء عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في ذلك :

ما رواه الحارث بن المغيرة النصري ، عن الأصبغ بن نباتة قال : أتيت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام فوجدته متفكّرا ينكت في الأرض ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، ما لي أراك متفكّرا تنكت في الأرض ، أرغبة فيها؟

فقال : « لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوما قطّ ، ولكنّي فكّرت في مولود يكون من ظهري ، الحادي عشر من ولدي ، هو المهديّ يملأها عدلا كما ملئت جورا وظلما ، تكون له حيرة وغيبة ، يضلّ فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون ».

فقلت : يا أمير المؤمنين ، وإنّ هذا لكائن؟

قال : « نعم كما أنّه مخلوق ، وأنّى لك العلم بهذا الأمر يا أصبغ؟

أولئك خيار هذه الامّة مع أبرار هذه العترة ».

قلت : وما يكون بعد ذلك؟

قال : « ثمّ يفعل الله ما يشاء ، وإنّ له إرادات وغايات ونهايات » (١).

ومن كلامه المشهور لكميل بن زياد : « اللهمّ إنّك لا تخلي الأرض من قائم بحجّة ، إمّا ظاهر مشهور ، أو خائف مغمور ، لئلاّ تبطل حججك وبيّناتك » (٢).

وروى سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : أنّه ذكر القائم فقال : « أما ليغيبنّ حتّى يقول الجاهل : ما لله في آل محمد حاجة » (٣).

__________________

(١) كمال الدين : ٢٨٨ / ١.

(٢) كمال الدين : ٢٩١ / ١٠.

(٣) كمال الدين : ٣٠٢ / ٩.

٢٢٨

وروى عبد العظيم بن عبد الله الحسنيّ ، عن أبي جعفر الثاني ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام قال : « للقائم منّا غيبة أمدها طويل ، كأنّي بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته ، يطلبون المرعى فلا يجدونه ، ألا فمن ثبت منهم على دينه ولم يقس قلبه لطول مدّة غيبة إمامه فهو معي في درجتي يوم القيامة » (١).

وقال عليه‌السلام : « إنّ القائم منّا إذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة ، فلذلك تخفى ولادته ويغيب شخصه » (٢).

وروى عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عليّ بن معبد ، عن الحسين ابن خالد ، عن الرضا عليه‌السلام ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام أنّه قال : « التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحقّ ، والمظهر للدين ، والباسط للعدل.

قال الحسين عليه‌السلام : فقلت له : وإنّ ذلك لكائن؟

فقال : إي والذي بعث محمدا بالنبوّة ، واصطفاه على جميع البريّة ، ولكن بعد غيبة وحيرة لا يثبت فيهما على دينه إلاّ المخلصون ، المباشرون لروح اليقين ، الذين أخذ الله ميثاقهم بولايتنا ، وكتب في قلوبهم الإيمان ، وأيّدهم بروح منه » (٣).

وممّا جاء فيه عن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهما‌السلام :

ما رواه حنان بن سدير ، عن أبيه سدير بن حكيم بن صهيب الصيرفيّ ، عن أبيه ، عن أبي سعيد عقيصا قال : لمّا صالح الحسن بن عليّ عليهما

__________________

(١) كمال الدين : ٣٠٣ / ذيل حديث ١٤.

(٢) كمال الدين : ٣٠٣ / ذيل حديث ١٤.

(٣) كمال الدين : ٣٠٤ / ١٦.

٢٢٩

السلام معاوية دخل عليه الناس ، فلامه بعضهم على بيعته ، فقال عليه‌السلام : « ويحكم ، ما تدرون ما عملت ، والله للّذي عملت خير لشيعتي ممّا طلعت عليه الشمس أو غربت ، ألا تعلمون أنّي إمامكم ، ومفترض الطاعة عليكم ، وأحد سيّدي شباب أهل الجنّة بنصّ من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّ؟ ».

قالوا : بلى.

قال : « أما علمتم أنّ الخضر لمّا خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار كان ذلك سخطا لموسى عليه‌السلام ، إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك ، وكان ذلك عند الله تعالى ذكره حكمة وصوابا؟ أما علمتم أنّه ما منّا أحد إلاّ وتقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلاّ القائم الذي يصلّي روح الله عيسى بن مريم خلفه ، فإنّ الله عزّ وجل يخفي ولادته ، ويغيّب شخصه ، لئلاّ يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج ، ذلك التاسع من ولد أخي الحسين ، ابن سيّدة الإماء ، يطيل الله عمره في غيبته ، ثمّ يظهره بقدرته في صورة شابّ دون أربعين سنة ، ذلك ليعلم أنّ الله على كلّ شيء قدير » (١).

وممّا جاء عن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهما‌السلام :

ما رواه محمد بن أبي عمير ، عن عبد الرحمن بن الحجّاج ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جدّه عليهم‌السلام قال : « قال الحسين عليه‌السلام : في التاسع من ولدي سنّة من يوسف ، وسنّة من موسى ابن عمران ، وهو قائمنا أهل البيت ، يصلح الله تعالى أمره في ليلة واحدة » (٢).

وروى جعيد الهمداني (٣) عنه عليه‌السلام قال : « قائم هذه الامّة هو

__________________

(١) كمال الدين : ٣١٥ / ٢.

(٢) كمال الدين : ٣١٦ / ١.

(٣) في كمال الدين : رجل من همدان.

٢٣٠

التاسع من ولدي ، وهو صاحب الغيبة ، وهو الذي يقسّم ميراثه وهو حيّ » (١).

وروى يحيى بن وثاب ، عن عبد الله بن عمر قال : سمعت الحسين ابن عليّ بن أبي طالب عليهما‌السلام يقول : « لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يخرج رجل من ولدي ، فيملأها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما ، كذلك سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول » (٢).

وممّا جاء فيه عن عليّ بن الحسين عليهما‌السلام :

ما رواه حمزة بن حمران ، عن أبيه حمران بن أعين ، عن سعيد بن جبير قال : سمعته يقول : « في القائم منّا سنن من ستّة من الأنبياء عليهم‌السلام : سنّة من نوح ، وسنّة من إبراهيم ، وسنّة من موسى ، وسنّة من عيسى ، وسنّة من أيّوب ، وسنّة من محمد.

فأمّا من نوح عليه‌السلام فطول العمر ، وأمّا من إبراهيم عليه‌السلام فخفاء الولادة واعتزال الناس ، وأمّا من موسى عليه‌السلام فالخوف والغيبة ، وأمّا من عيسى عليه‌السلام فاختلاف الناس فيه ، وأمّا من أيّوب عليه‌السلام فالفرج بعد البلوى ، وأمّا من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فالخروج بالسيف » (٣).

قال : وسمعته عليه‌السلام يقول : « القائم منا تخفى على الناس ولادته حتّى يقولوا : لم يولد بعد ، ليخرج حين يخرج وليس لأحد في عنقه بيعة » (٤).

وروى عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن بسطام بن مرّة ، عن عمرو بن ثابت قال : قال عليّ بن الحسين سيّد العابدين عليه‌السلام :

__________________

(١) كمال الدين : ٣١٧ / ٢.

(٢) كمال الدين : ٣١٧ / ٤.

(٣) كمال الدين : ٣٢١ / ٣.

(٤) كمال الدين : ٣٢٢ / ٦.

٢٣١

« من ثبت على موالاتنا في غيبة قائمنا أعطاه الله أجر ألف شهيد مثل شهداء بدر » (١).

وممّا جاء عن محمد بن عليّ الباقر عليه‌السلام.

ما رواه عبد الله بن عطاء قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : إنّ شيعتك بالعراق كثيرون ، وو الله ما في أهل بيتك مثلك.

فقال : « يا عبد الله ، قد أمكنت الحشو من أذنيك ، والله ما أنا بصاحبكم ».

قلت : فمن صاحبنا؟ قال : « انظر من تخفى على الناس ولادته فهو صاحبكم » (٢).

وروى أبو الجارود زياد بن المنذر عنه قال : قال لي : « يا أبا الجارود ، إذا دار الفلك ، وقال الناس : مات القائم أو هلك ، بأيّ واد سلك ، وقال الطالب : أنّى يكون ذلك ، وقد بليت عظامه. فعند ذلك فارجوه ، فإذا سمعتم به فأتوه ولو حبوا على الثلج » (٣).

أبو بصير ، عنه قال : « في صاحب هذا الأمر أربع سنن من أربعة أنبياء : سنّة من موسى ، وسنّة من عيسى ، وسنّة من يوسف ، وسنّة من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليهم.

فأمّا من موسى فخائف يترقّب ، وأمّا من يوسف فالسجن ، وأمّا من عيسى فيقال : إنّه مات ولم يمت ، وأمّا من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليهم فالسيف » (٤).

__________________

(١) كمال الدين : ٣٢٣ / ٧.

(٢) كمال الدين : ٣٢٥ / ٢.

(٣) كمال الدين : ٣٢٦ / ٥.

(٤) كمال الدين : ٣٢٦ / ٦ ، وكذا في : الامامة والتبصرة : ٢٣٤ / ٨٤ ، وغيبة الطوسي :

٢٣٢

محمد بن مسلم الثقفيّ قال : دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام وأنا أريد أن أسأله عن القائم من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال لي مبتدئا : « يا محمد بن مسلم ، إنّ في القائم من آل محمد شبها بخمسة من الرسل : يونس بن متّى ، ويوسف بن يعقوب ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد صلوات الله عليه وآله وعليهم.

فأمّا شبهه الذي من يونس عليه‌السلام فرجوعه من غيبته وهو شابّ مع كبر السنّ.

وأمّا شبهه من يوسف عليه‌السلام فالغيبة من خاصّته وعامّته ، واختفاؤه من إخوته ، وإشكال أمره على أبيه يعقوب النبي مع قرب من المسافة بينه وبين أبيه وأهله وشيعته.

وأمّا شبهه من موسى عليه‌السلام فدوام خوفه ، وطول غيبته ، وخفاء ولادته ، وتعب شيعته من بعده ممّا لقوا من الأذى والهوان إلى أن أذن الله في ظهوره ، وأيّده على عدوّه.

وأمّا شبهه من عيسى عليه‌السلام فاختلاف من اختلف فيه حتّى قالت طائفة : ما ولد ، وطائفة قالت : مات ، وطائفة قالت : قتل وصلب.

وأمّا شبهه من جدّه المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتجريده السيف ، وقتله أعداء الله وأعداء رسوله والجبّارين والطواغيت ، وأنّه ينصر بالسيف وبالرّعب ، وأنّه لا تردّ له راية ، وإنّ من علامات خروجه : خروج السفياني من الشام ، وخروج اليماني ، وصيحة من السماء في شهر رمضان ، ومناد ينادي باسمه واسم أبيه » (١).

__________________

٤٢٤ / ٤٠٨ ، واثبات الوصية للمسعودي : ٢٢٦.

(١) كمال الدين : ٣٢٧ / ٧.

٢٣٣

وممّا جاء عن الصادق عليه‌السلام في ذلك :

ما رواه محمد بن سنان ، عن صفوان بن مهران ، عنه عليه‌السلام قال : « من أقرّ بجميع الأئمّة وجحد المهديّ كان كمن أقرّ بجميع الأنبياء وجحد محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبوّته ».

فقيل له : يا ابن رسول الله ، فمن المهديّ من ولدك؟

قال : « الخامس من ولد السابع ، يغيب عنكم شخصه ولا يحلّ لكم تسميته » (١).

وروى الحسن بن محبوب ، عن عبد العزيز العبديّ ، عن عبد الله بن أبي يعفور عنه عليه‌السلام مثل ذلك (٢).

وروى أحمد بن هلال ، عن أميّة بن عليّ ، عن أبي الهيثم بن أبي حيّة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا اجتمعت ثلاثة أسامي متوالية : محمّد ، وعليّ ، والحسن ، فالرابع القائم » (٣).

وروى المفضّل بن عمر قال : دخلت على سيّدي جعفر بن محمد الصادق عليهما‌السلام فقلت : يا سيّدي ، لو عهدت إلينا من الخلف من بعدك؟

فقال : « يا مفضّل ، الإمام من بعدي موسى ، والخلف المنتظر ( م ح م د ) بن الحسن بن عليّ بن محمد بن عليّ بن موسى عليهم‌السلام » (٤).

وروى محمد بن خالد البرقيّ ، عن محمد بن سنان ؛ وأبي عليّ الزرّاد

__________________

(١) كمال الدين : ٣٣٣ / ١.

(٢) كمال الدين : ٣٣٨ / ١٢.

(٣) كمال الدين : ٣٣٣ / ٢ ، وباختلاف يسير في غيبة النعماني : ١٧٩ / ٢٦.

(٤) كمال الدين : ٣٣٤ / ٤.

٢٣٤

جميعا ، عن إبراهيم الكرخيّ قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فإنّي لجالس عنده إذ دخل أبو الحسن موسى ـ وهو غلام ـ فقمت إليه فقبّلته وجلست ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « يا إبراهيم ، أما إنّه صاحبك من بعدي ، أما لتهلكنّ فيه أقوام ويسعد آخرون ، فلعن الله قاتله وضاعف على روحه العذاب ، أما ليخرجنّ الله من صلبه خير أهل الأرض في زمانه ، سميّ جدّه ، ووارث علمه وأحكامه وقضاياه ، معدن الإمامة وأحكامها ، ورأس الحكمة ، يقتله جبّار بني فلان بعد عجائب طريفة ، حسدا له ، ولكنّ الله تعالى بالغ أمره ولو كره المشركون.

ويخرج الله من صلبه تكملة اثني عشر إماما مهديّا ، اختصّهم الله بكرامته ، وأحلّهم دار قدسه ، المنتظر للثاني عشر منهم كالشاهر سيفه بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يذبّ عنه ».

قال : فدخل رجل من موالي بني أميّة ، فانقطع الكلام ، فعدت إلى أبي عبد الله عليه‌السلام احدى عشرة مرّة أريد منه أن يتمّ الكلام فما قدرت على ذلك ، فلمّا كان من قابل ـ السنة الثانية ـ دخلت عليه وهو جالس (١) فقال : « يا إبراهيم ، هو المفرّج للكرب عن شيعته بعد ضنك شديد ، وبلاء طويل وجزع وخوف ، فطوبى لمن أدرك ذلك الزمان ، حسبك يا إبراهيم ».

قال إبراهيم : فما رجعت بشيء هو أسرّ من هذا لقلبي ، ولا أقرّ لعيني (٢).

وروى محمّد بن خالد البرقيّ ، عن محمد بن سنان ، عن المفضّل ابن عمر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « أقرب ما يكون العباد من الله

__________________

(١) في نسخة « م » زيادة : فسلّمت ورد سلامي.

(٢) كمال الدين : ٣٣٤ / ٥ ، وكذا في غيبة النعماني : ٩٠ / ٢١.

٢٣٥

عزّ وجل ، وأرضى ما يكون عنهم ، إذا فقدوا حجّة الله ، فلم يظهر لهم ، ولم يعلموا مكانه ، وهم في ذلك يعلمون أنّه لن تبطل حجّة الله ولا ميثاقه ، فعندها فتوقّعوا الفرج صباحا ومساء ، وإنّ أشدّ ما يكون غضب الله على أعداء الله تعالى إذا افتقدوا حجّته فلم يظهر لهم ، وقد علم أنّ أولياءه لا يرتابون ، ولو علم أنّهم يرتابون ما غيّب عنهم حجّته طرفة عين ، ولا يكون ذلك إلاّ على رأس شرار الناس » (١).

وروى الحسن بن محبوب ، عن محمد بن النعمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثله (٢).

وروى عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن فضالة بن أيّوب ، عن سدير الصيرفيّ قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « إنّ في القائم سنّة من يوسف ».

قلت : كأنّك تذكر خبره أو غيبته؟

فقال لي : « وما تنكر من ذلك هذه الامّة أشباه الخنازير ، إنّ إخوة يوسف كانوا أسباطا أولاد أنبياء تاجروا يوسف وبايعوه وهم إخوته وهو أخوهم ، فلم يعرفوه حتّى قال لهم : أنا يوسف. فما تنكر هذه الامّة أن يكون الله تعالى في وقت من الأوقات يريد أن يستر حجّته! لقد كان يوسف إليه ملك مصر ، وكان بينه وبين والده مسيرة ثمانية عشر يوما ، فلو أراد الله عزّ وجل أن يعرّفه مكانه لقدر على ذلك ، والله لقد سار يعقوب وولده عند البشارة تسعة أيّام من بلدهم إلى مصر ، فما تنكر هذه الامّة أن ( يكون الله تعالى يفعل بحجته ما فعل بيوسف أن ) (٣) يكون يسير في أسواقهم ، ويطأ بسطهم وهم لا

__________________

(١) كمال الدين : ٣٣٩ / ١٦ ، وكذا في : الكافي ١ : ٢٦٨ / ١.

(٢) كمال الدين : ٣٣٩ / ١٧.

(٣) ما بين القوسين لم يرد في نسختي « ق » و « ط ».

٢٣٦

يعرفونه ، حتّى يأذن الله تبارك وتعالى له أن يعرّفهم نفسه كما أذن ليوسف حتّى قال لهم : ( هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ * قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي ) (١) » (٢).

وروى أحمد بن محمد بن عيسى ، عن عثمان بن عيسى الكلابي ، عن خالد بن نجيح ، عن زرارة بن أعين قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « إنّ للقائم غيبة قبل أن يقوم ».

قلت : ولم؟

قال : « يخاف » وأومأ بيده إلى بطنه ، ثمّ قال : « يا زرارة ، وهو المنتظر ، وهو الذي يشكّ الناس في ولادته ، منهم من يقول : هو حمل ، ومنهم من يقول : هو غائب ، ومنهم من يقول : ما ولد ، ومنهم من يقول : قد ولد قبل وفاة أبيه بسنتين ، وهو المنتظر ، غير أنّ الله تعالى يحبّ أن يمتحن الشيعة ، فعند ذلك يرتاب المبطلون ».

قال زرارة : فقلت : جعلت فداك ، فإن أدركت ذلك الزمان فأيّ شيء أعمل؟

قال : « يا زرارة ، إن أدركت ذلك الزمان فأدم هذا الدعاء : اللهمّ عرّفني نفسك ، فإنّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيّك ، اللهمّ عرّفني رسولك ، فإنّك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجّتك ، اللهمّ عرّفني حجّتك فإنّك إن لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني » ثم قال : « يا زرارة ، لا بدّ من قتل غلام بالمدينة ».

__________________

(١) سورة يوسف ١٢ : ٨٩ ـ ٩٠.

(٢) كمال الدين : ٣٤١ / ٢١ ، وكذا في : الكافي ١ : ٢٧١ / ٤ ، وعلل الشرائع : ٢٤٤ / ٣ ، وغيبة الطوسي : ١٦٣ / ٤.

٢٣٧

قلت : جعلت فداك ، أليس يقتله جيش السفيانيّ؟

قال : « لا ، ولكن يقتله جيش بني فلان ، يدخل المدينة فلا يدري الناس في أيّ شيء دخل ، فيأخذ الغلام فيقتله ، فإذا قتله بغيا وعدوانا وظلما لم يمهلهم الله عزّ وجلّ ، فعند ذلك فتوقّعوا الفرج » (١).

وروى هذا الحديث من طرق عن زرارة (٢).

وروى يونس بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن سنان قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يرى ولا إمام هدى ، لا ينجو منها إلاّ من دعا بدعاء الغريق ».

قلت : كيف دعاء الغريق؟

قال : « يقول : يا الله يا رحمن يا رحيم ، يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك ».

فقلت : يا مقلّب القلوب والأبصار ثبّت قلبي على دينك.

فقال : « إنّ الله عزّ وجلّ مقلّب القلوب والأبصار ، ولكن قل كما أقول : يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك » (٣).

وروى سدير الصيرفيّ ، عن أبي عبد الله ـ في حديث طويل ـ قال : قال : « أما العبد الصّالح ـ أعني الخضر ـ فإنّ الله عز وجلّ ما طوّل عمره لنبوّة قدّرها له ، ولا لكتاب ينزله عليه ، ولا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبله من الأنبياء ، ولا لإمامة يلزم عباده الاقتداء بها ، ولا لطاعة يفرضها له ، بل إنّ الله تعالى لمّا كان في سابق علمه أن يقدّر من عمر القائم عليه‌السلام في

__________________

(١) كمال الدين : ٣٤٢ / ٢٤ ، وكذا في : الكافي ١ : ٢٧٢ / ٥ ، وغيبة النعماني : ١٦٦ / ٦.

(٢) كمال الدين : ٣٤٣ / ذيل حديث ٢٤

(٣) كمال الدين : ٣٥١ / ٥٠.

٢٣٨

أيّام غيبته ما يقدّر ، وعلم ما يكون من إنكار عباده بمقدار ذلك العمر في الطول ، طوّل عمر العبد الصالح من غير سبب أوجب ذلك إلاّ لعلة الاستدلال به على عمر القائم ، وليقطع بذلك حجّة المعاندين ، لئلاّ يكون للناس على الله حجّة » (١).

فهذا طريق ممّا روي عن الصادق عليه‌السلام في هذا المعنى.

وممّا جاء عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام في مثله :

ما رواه سعد بن عبد الله ، عن الحسن بن عيسى بن محمد بن عليّ بن جعفر ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما‌السلام قال : « إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم ، لا يزيلكم أحد عنها. يا أخي ، إنّه لا بدّ لصاحب هذا الأمر من غيبة حتّى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به ، إنّما هي محنة من الله عزّ وجلّ امتحن بها خلقه ، ولو علم آباؤكم وأجدادكم دينا أصحّ من هذا لاتّبعوه ».

فقلت : يا سيّدي ، من الخامس من ولد السابع؟

فقال : « يا أخي ، عقولكم تصغر عن هذا ، وأحلامكم تضيق عن ذلك ، ولكن إن تعيشوا فسوف تدركونه ) (٢).

وروي عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن صالح بن السنديّ ، عن يونس بن عبد الرحمن قال : دخلت على موسى بن جعفر عليهما‌السلام فقلت له : يا ابن رسول الله ، أنت القائم بالحقّ؟

قال : « أنا القائم بالحقّ ، ولكنّ القائم الذي يطهّر الأرض من أعداء

__________________

(١) كمال الدين : ٣٥٧ / ذيل حديث ٥١.

(٢) كمال الدين : ٣٥٩ / ١ ، وكذا في : الكافي ١ : ٢٧١ / ٢ ، علل الشرائع : ٢٤٤ / ٤ ، غيبة النعماني : ١٥٤ / ١١ ، اثبات الوصية : ٢٢٩ ، كفاية الأثر : ٢٦٨.

٢٣٩

الله ، ويملأها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما ، هو الخامس من ولدي ، له غيبة يطول أمدها خوفا على نفسه ، يرتدّ فيها قوم ويثبت فيها آخرون ».

وقال عليه‌السلام : « طوبى لشيعتنا المتمسّكين بحبلنا في غيبة قائمنا ، الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا ، أولئك منّا ونحن منهم ، قد رضوا بنا أئمّة ورضينا بهم شيعة ، فطوبى لهم ثم طوبى لهم ، هم والله معنا في درجتنا يوم القيامة » (١).

وممّا روي عن الرضا عليه‌السلام في ذلك :

ما رواه محمد بن الحسن الصفّار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن أيّوب بن نوح قال : قلت للرضا عليه‌السلام : إنّا نرجو أن تكون صاحب هذا الأمر ، وأن يسديه الله إليك من غير سيف ، فقد بويع لك وضربت الدراهم باسمك.

فقال : « ما منّا أحد اختلفت إليه الكتب ، وسئل عن المسائل ، وأشارت إليه الأصابع ، وحملت إليه الأموال إلاّ اغتيل أو مات على فراشه ، حتّى يبعث الله عزّ وجل بهذا الأمر رجلا خفيّ المولد والمنشأ غير خفيّ في نسبه » (٢).

وروى عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الريان بن الصلت قال : قلت للرضا عليه‌السلام : أنت صاحب هذا الأمر؟

فقال : « أنا صاحب هذا الأمر ، ولكنّي لست بالذي أملأها عدلا كما ملئت جورا ، وكيف أكون ذلك على ما ترى من ضعف بدني! وأنّ القائم هو الذي إذا خرج كان في سنّ الشيوخ ومنظر الشبّان (٣) ، قويّا في بدنه حتّى لو مدّ

__________________

(١) كمال الدين : ٣٦١ / ٥ ، وكذا في : كفاية الأثر : ٢٦٩.

(٢) كمال الدين : ٣٧٠ / ١ ، وكذا في : غيبة النعماني : ١٦٨ / ٩.

(٣) في نسختي « ق » و « ط » : الشباب.

٢٤٠