الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-011-0
الصفحات: ٤٧٧
عليه وآله وسلّم في تخصيص الله تعالى بإعلامه أحوال الامم السالفة ، وإفهامه ما في الكتب المتقدمة من غير أن يقرأ كتابا أو يلقى أحدا من أهله.
هذا وقد ثبت في العقول أنّ الأعلم الأفضل أولى بالإمامة من المفضول ، وقد بيّن الله سبحانه ذلك بقوله : ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى ) (١).
وقوله : ( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) (٢).
ودلّ بقوله سبحانه في قصّة طالوت : ( وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ) (٣) أنّ التقدم في العلم والشجاعة موجب للتقدّم في الرئاسة. فإذا كان أئمّتنا عليهمالسلام أعلم الامّة بما ذكرناه ، فقد ثبت أنّهم أئمّة الإسلام الذين استحقّوا الرئاسة على الأنام على ما قلناه.
دلالة أخرى : وممّا يدلّ على إمامتهم عليهمالسلام أيضا : إجماع الامّة على طهارتهم ، وظاهر عدالتهم ، وعدم التعلّق عليهم أو على أحد منهم بشيء يشينه في ديانته ، مع اجتهاد أعدائهم وملوك أزمنتهم في الغضّ منهم ، والوضع من أقدارهم ، والتطلّب لعثراتهم ، حتّى أنّهم كانوا يقرّبون من يظهر عداوتهم ، ويقصون بل يجفون وينفون ويقتلون من يتحقّق بولايتهم ، وهذا أمر ظاهر عند من سمع أخبار الناس ، فلولا أنّهم عليهمالسلام كانوا على صفات الكمال من العصمة والتأييد من الله تعالى بمكان ، وأنّه سبحانه منع بلطفه كلّ أحد من أن يتخرّص عليهم باطلا ، أو يتقوّل فيهم زورا ، لما سلموا عليهمالسلام من ذلك على الحدّ الذي شرحناه ، لا سيّما وقد ثبت أنّهم لم
__________________
(١) يونس ١٠ : ٣٥.
(٢) الزمر ٣٩ : ٩.
(٣) البقرة ٢ : ٢٤٧.
يكونوا ممّن لا يؤبه بهم ، وممّن لا يدعو الداعي إلى البحث عن أخبارهم لخمولهم وانقطاع آثارهم ، بل كانوا على أعلى مرتبة من تعظيم الخلق إيّاهم ، وفي الدرجة (١) الرفيعة التي يحسدهم عليها الملوك ، ويتمنّونها لأنفسهم ، لأنّ شيعتهم مع كثرتها في الخلق ، وغلبتها على أكثر البلاد ، اعتقدت فيهم الإمامة التي تشارك النبوّة ، وادّعت عليهم الآيات المعجزات ، والعصمة عن الزلات ، حتّى أنّ الغلاة قد اعتقدت فيهم النبوّة والالهيّة ، وكان أحد أسباب اعتقادهم ذلك فيهم حسن آثارهم ، وعلوّ أحوالهم ، وكمالهم في صفاتهم ، وقد جرت العادة فيمن حصل له جزء من هذه النباهة أن لا يسلم من ألسنة أعدائه ، ونسبتهم إيّاه إلى بعض العيوب القادحة في الديانة أو الأخلاق.
فإذا ثبت أنّ أئمّتنا عليهمالسلام نزّههم الله عن ذلك ، ثبت أنّه سبحانه هو المتولّي لجميع الخلائق على ذلك بلطفه وجميل صنعه ، ليدلّ على أنّهم حججه على عباده ، والسفراء بينه وبين خلقه ، والأركان لدينه ، والحفظة لشرعه. وهذا واضح لمن تأمّله.
دلالة أخرى : وممّا يدلّ أيضا على إمامتهم عليهمالسلام ما حصل من الاتّفاق على برّهم وعدالتهم ، وعلوّ قدرهم وطهارتهم ، وقد ثبت بلا شكّ معرفتهم عليهمالسلام بكثير ممّن يعتقد إمامتهم في أيّامهم ، ويدين الله تعالى بعصمتهم والنصّ عليهم ، ويشهد بالمعجز لهم.
ووضح أيضا اختصاص هؤلاء بهم ، وملازمتهم إيّاهم ، ونقلهم الأحكام والعلوم عنهم ، وحملهم الزكوات والأخماس إليهم ، ومن أنكر هذا أو دفع كان مكابرا دافعا للعيان ، بعيدا عن معرفة أخبارهم.
__________________
(١) في نسخة « ط » : الرتبة.
فقد علم كلّ محصّل نظر في الأخبار أنّ هشام بن الحكم ، وأبا بصير ، وزرارة بن أعين ، وحمران وبكير ابني أعين ، ومحمّد بن النعمان الذي يلقّبه العامّة شيطان الطاق ، وبريد بن معاوية العجليّ ، وأبان بن تغلب ، ومحمد ابن مسلم الثقفيّ ، ومعاوية بن عمّار الدهنيّ ، وغير هؤلاء ممّن بلغوا الجمع الكثير ، والجمّ الغفير ، من أهل العراق والحجاز وخراسان وفارس ، كانوا في وقت الإمام جعفر بن محمد عليهماالسلام رؤساء الشيعة في الفقه ورواية الحديث والكلام ، وقد صنّفوا الكتب ، وجمعوا المسائل والروايات ، وأضافوا أكثر ما اعتمدوه من الرواية إليه ، والباقي إليه وإلى أبيه محمد عليهماالسلام ، وكان لكلّ إنسان منهم أتباع وتلامذة في المعنى الذي يتفرّد به ، وإنّهم كانوا يرحلون من العراق إلى الحجاز في كلّ عام أو أكثر أو أقلّ ، ثمّ يرجعون ويحكون عنه الأقوال ، ويسندون إليه الدلالات ، وكانت حالهم في وقت الكاظم والرضا عليهماالسلام على هذه الصفة ، وكذلك إلى وفاة أبي محمد العسكري عليهالسلام ، وحصل العلم باختصاص هؤلاء بأئمّتنا عليهمالسلام ، كما نعلم اختصاص أبي يوسف ومحمّد بن الحسن بأبي حنيفة ، وكما نعلم اختصاص المزني والربيع بالشافعي ، واختصاص النظّام بأبي الهذيل ، والجاحظ والأسواريّ بالنظّام.
ولا فرق بين من دفع الإماميّة عمّن ذكرناه ، ومن دفع من سمّيناه عمّن وصفناه في الجهل بالأخبار ، والعناد والإنكار.
وإذا كان الأمر على ما ذكرناه لم تخل الإماميّة في شهادتها بإمامة هؤلاء عليهمالسلام من أحد أمرين : إمّا أن تكون محقّة في ذلك صادقة ، أو مبطلة في شهادتها كاذبة. فإن كانت محقّة صادقة في نقل النصّ عنهم على خلفائهم عليهمالسلام ، مصيبة فيما اعتقدته فيهم من العصمة والكمال ، فقد ثبتت إمامتهم على ما قلناه ، وإن كانت كاذبة في شهادتها ، مبطلة في
عقيدتها ، فلن يكون كذلك إلاّ ومن سمّيناهم من أئمّة الهدى عليهمالسلام ضالّون برضاهم بذلك ، فاسقون بترك النكير عليهم ، مستحقّون البراءة من حيث تولّوا الكذابين ، مضلّون للامّة لتقريبهم إيّاهم ، واختصاصهم بهم من بين الفرق كلها ، ظالمون في أخذ الزكوات والأخماس عنهم ، وهذا ما لا يطلقه مسلم فيمن نقول بإمامته ، وإذا كان الإجماع المقدّم ذكره حاصلا على طهارتهم وعدالتهم ، ووجوب ولايتهم ، ثبتت إمامتهم بتصديقهم لمن أثبت ذلك ، وبما ذكرناه من اختصاصهم بهم ، وهذا واضح ، والمنّة لله.
دلالة أخرى : وممّا يدلّ أيضا على إمامتهم عليهمالسلام وأنّهم أفضل الخلق بعد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ما نجده من تسخير الله تعالى الوليّ لهم في التعظيم لمنزلتهم ، والعدوّ لهم في الإجلال لمرتبتهم ، وإلهامه سبحانه جميع القلوب إعلاء شأنهم ، ورفع مكانهم ، على تباين مذاهبهم وآرائهم ، واختلاف نحلهم وأهوائهم.
فقد علم كلّ من سمع الأخبار ، وتتبّع الآثار ، أنّ جميع المتغلّبين عليهم ، المظهرين لاستحق اق الأمر دونهم ، لم يعدلوا قطّ عن تبجيلهم ، وإجلال قدرهم ، ولا أنكروا فضلهم ، وإن كان بعض أعدائهم قد بارز بعضهم بالعداوة لدواع دعتهم إلى ذلك.
ألا ترى أنّ المتقدّمين على أمير المؤمنين عليهالسلام قد أظهروا من تقديمه وتعظيم ولديه الحسن والحسين عليهماالسلام في زمان إمامتهم على الامّة ، وكذلك الناكثون لبيعته لم يتمكّنوا مع ذلك من إنكار فضله ، ولا امتنعوا من الشهادة له بفضله ، ولا فسّقوه في فعله.
وكذلك معاوية ـ وإن كان قد أظهر عداوته ، وبنى أكثر أموره على العناد ـ لم ينكر جميع حقوقه ، ولا دفع عظيم منزلته في الدين ، بل قفا أثر طلحة والزبير في التعلّل بطلب دم عثمان ، وكان يظهر القناعة منه بأن يقرّه
على ولايته التي ولاّه إيّاها من كان قبله ، فيكفّ عن خلافه ، ويصير إلى طاعته ، ولم يمكنه الدفع لكونه عليهالسلام الأفضل في الإسلام والشرف والوصلة بالنبيّ عليهالسلام والعلم والزهد ، ولا الإنكار لشيء من ذلك ، ولا الادّعاء لنفسه مساواته فيه ، أو مقارنته ومداناته ، وقد كان يحضره الجماعة كالحسن بن عليّ وابن عبّاس وسعد بن مالك فيحتجّون عليه بفضل أمير المؤمنين عليهالسلام على جميع الصحابة ، فلا يقدم على الإنكار عليهم ، مع إظهاره في الظاهر البراءة منه ، والخلاف عليه. وكان تقدم عليه وفود أهل العراق من شيعة أمير المؤمنين عليهالسلام فيجرعونه السمّ الذعاف من مدح إمام الهدى صلوات الله عليه ، وذمّه هو في أثناء ذلك ، فلا يكذّبهم ولا يناقض احتجاجاتهم ، وكان من أمر الوافدات عليه في هذا المعنى ما هو مشهور ، مدوّن في كتب الآثار مسطور.
ثمّ قد كان من أمر ابنه يزيد لعنه الله مع الحسين عليهالسلام ما كان من القتل والسبي والتنكيل ، ومع ذلك فلم يحفظ عنه ذمّه بما يوجب إخراجه عن موجب التعظيم ، بل قد اظهر الندم (١) على ذلك ، ولم يزل يعظّم سيّد العابدين عليهالسلام بعده ، ويوصي به ، حتّى أنّه آمنه من بين أهل المدينة كلّهم في وقعة الحرّة ، وأمر مسلم بن عقبة بإكرامه ، ورفع محلّه ، وأمانه مع أهل بيته ومواليه. ومثل ذلك كانت حال من بعده من بني مروان أيضا مع عليّ ابن الحسين عليهماالسلام ، حتّى أنّه كان أجلّ أهل الزمان عندهم.
وكذلك كانت حال الباقر عليهالسلام مع بقيّة بني مروان ، ومع أبي العبّاس السفّاح ، وحال الصادق عليهالسلام مع أبي جعفر المنصور ، وحال أبي الحسن موسى عليهالسلام مع الهادي والرشيد ، حتّى أنّ هارون الرشيد
__________________
(١) في نسختي « ط » و « ق » : الحزن.
لما قتله تبرّأ من قتله ، وأحضر الشهود ليشهدوا بوفاته على السلامة وإن كان الأمر على خلافه.
وكان من المأمون مع الرضا عليهالسلام ما هو مشهور ، وكذلك حال ابنه أبي جعفر عليهالسلام على صغر سنّه ، وحلوكة لونه من التعظيم والمبالغة في رفع القدر ، حتّى أنّه زوّجه ابنته أمّ الفضل ، ورفعه في المجلس على سائر بني العبّاس والقضاة.
وكذلك كان المتوكّل يعظّم عليّ بن محمد عليهالسلام مع ظهور عداوته لأمير المؤمنين عليهالسلام ، ومقته له ، وطعنه على آل أبي طالب. وكذلك حال المعتمد مع أبي محمد عليهالسلام في إكرامه والمبالغة فيه.
هذا ، وهؤلاء الأئمّة عليهمالسلام في قبضة من عدّدناه من الملوك على الظاهر ، وتحت طاعتهم ، وقد اجتهدوا كلّ الاجتهاد في أن يعثروا على عيب يتعلّقون به في الحطّ من منازلهم ، وامعنوا في البحث عن أسرارهم وأحوالهم في خلواتهم لذلك فعجزوا عنه ، فعلمنا أنّ تعظيمهم إيّاهم مع ظاهر عداوتهم لهم وشدّة محبّتهم للغضّ منهم وإجماعهم على ضدّ مرادهم فيهم من التبجيل والإكرام تسخير من الله سبحانه لهم ، ليدلّ بذلك على اختصاصهم منه ـ جلّت قدرته ـ بالمعنى الذي يوجب طاعتهم على جميع الأنام ، وما هذا إلاّ كالأمور غير المألوفة والأشياء الخارقة للعادة.
ويؤيد ما ذكرناه من تسخير الله سبحانه الخلق لتعظيمهم ما شاهدنا الطوائف المختلفة والفرق المتباينة في المذاهب والآراء أجمعوا على تعظيم قبورهم وفضل مشاهدهم ، حتّى أنّهم يقصدونها من البلاد الشاسعة ، ويلمّون بها ، ويتقرّبون إلى الله سبحانه بزيارتها ، ويستنزلون عندها من الله الأرزاق ، ويستفتحون الأغلاق ، ويطلبون ببركتها الحاجات ، ويستدفعون الملمات ، وهذا هو المعجز الخارق للعادة ، وإلاّ فما الحامل للفرقة المنحازة عن هذه
الجهة المخالفة لهذه الجنبة على ذلك ، ولم لم يفعلوا بعض ما ذكرناه بمن يعتقدون إمامته وفرض طاعته وهو في الدين موافق لهم ، مساعد غير مخالف معاند.
ألا ترى أنّ ملوك بني أميّة وخلفاء بني العبّاس ـ مع كثرة شيعتهم وكونهم أضعاف اضعاف شيعة أئمّتنا ، وكون الدنيا أو أكثرها لهم وفي أيديهم ، وما حصل لهم من تعظيم الجمهور في حياتهم ، والسلطنة على العالمين ، والخطبة فوق المنابر في شرق الأرض وغربها لهم بإمرة المؤمنين ـ لم يلمّ أحد من شيعتهم وأوليائهم ـ فضلا عن أعدائهم ـ بقبورهم بعد وفاتهم ، ولا قصد أحد تربة لهم متقرّبا بذلك إلى ربّه ، ولا نشط لزيارتهم ، وهذا لطف من الله سبحانه لخلقه في الإيضاح عن حقوق أئمّتنا عليهمالسلام ، ودلالة منه على علو منزلتهم منه جلّ اسمه ، لا سيّما ودواعي الدنيا ورغباتها معدومة عند هذه الطائفة مفقودة ، وعند أولئك موجودة ، فمن المحال أن يكونوا فعلوا ذلك لداع من دواع الدنيا ، ولا يمكن أيضا أن يكونوا فعلوه لتقيّة ، فإنّ التقيّة هي فيهم لا منهم ، ولا خوف من جهتهم بل هو عليهم ، فلم يبق إلاّ داعي الذين.
وهذا هو الأمر العجيب الذي لا تنفذ فيه إلاّ قدرة القادر ، وقهر (١) القاهر الذي يذلّل الصعاب ، ويسبّب الأسباب ، ليوقظ به الغافلين ، ويقطع عذر المتجاهلين.
وأيضا فقد شارك أئمّتنا عليهمالسلام غيرهم من أولاد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في حسبهم ونسبهم وقرابتهم ، وكان لكثير منهم عبادات ظاهرة ، وزهد وعلم ، ولم يحصل من الاجماع على تعظيمهم وزيارة قبورهم ما وجدناه قد حصل فيهم عليهمالسلام ، فإنّ من عداهم من صلحاء العترة
__________________
(١) لم ترد في نسختي « ط » و « ق » ، واثبتناها من نسخة « م ».
بين من يعظّمه فريق من الامّة ويعرض عنه فريق ، ومن عظّمه منهم لا يبلغ بهم في الإجلال والإعظام الغاية التي يبلغها فيمن ذكرناه ، وهذا يدلّ على أنّ الله تعالى خرق في أئمّتنا عليهمالسلام العادات ، وقلب الجبلاّت للإبانة عن علوّ درجتهم ، والتنبيه على شرف مرتبتهم ، والدلالة على إمامتهم صلوات الله عليهم أجمعين.
* * *
( ذكر القسم الثاني من الركن الرابع )
وهو الكلام في إمامة صاحب الزمان
الثاني عشر من الأئمّة ، ابن الحسن بن عليّ بن محمد بن الرضا : ، وتاريخ مولده ، ودلائل إمامته ، وذكر طرف من أخباره ، وغيبته ، وعلامات وقت قيامه ومدّة دولته ، ووصفه ، وسيرته.
ويشتمل على خمسة أبواب :
( الباب الأول منه )
في ذكر اسمه وكنيته ولقبه ، ومولده ووقت ولادته ،
واسم أمّه ، ومن شاهده أو رآه
فيه ثلاثة فصول :
( الفصل الأول )
في ذكر اسمه ، وكنيته ، ولقبه عليهالسلام
وهو المسمّى باسم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، المكنّى بكنيته. وقد جاء في الأخبار : أنّه لا يحلّ لأحد أن يسمّيه باسمه ، ولا أن يكنّيه بكنيته إلى أن يزيّن الله تعالى الأرض ( بظهوره وظهور ) (١) دولته (٢) ويلقّب عليهالسلام : بالحجّة ، والقائم ، والمهديّ ، والخلف الصالح ، وصاحب الزمان ، والصاحب.
وكانت الشيعة في غيبته الاولى تعبر عنه وعن غيبته بالناحية المقدّسة ، وكان ذلك رمزا بين الشيعة يعرفونه به ، وكانوا يقولون أيضا على سبيل الرّمز والتقيّة : الغريم ـ يعنونه عليهالسلام ـ وصاحب الأمر.
__________________
(١) في نسختي « ط » و « ق » : بظهور ، وما اثبتناه فمن نسخة « م ».
(٢) انظر : الكافي ١ : ٢٦٤ / ١٣ و ٢٦٨ / ١ ـ ٤ ، كمال الدين : ٦٤٨ / ١ ـ ٤.
( الفصل الثاني )
في ذكر مولده عليهالسلام واسم أمّه
ولد عليهالسلام بسرّمن رأى ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين من الهجرة ، روى ذلك محمد بن يعقوب الكلينيّ ، عن عليّ بن محمد (١).
وكان سنّه عند وفاة أبيه عليهالسلام خمس سنين ، آتاه الله سبحانه الحكم صبيّا كما آتاه يحيى ، وجعله في حال الطفوليّة إماما كما جعل عيسى عليهالسلام نبيّا في المهد صبيّا.
فمن الأخبار التي جاءت في ميلاده عليهالسلام : ما رواه الشيخ أبو جعفر بن بابويه ، عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن محمد بن يحيى العطّار ، عن الحسين بن رزق الله ، عن موسى بن محمد بن القاسم بن حمزة ابن موسى بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهمالسلام قال : حدّثتني حكيمة بنت محمد بن علي الرضا عليهماالسلام قالت : بعث إليّ أبو محمد الحسن بن عليّ عليهماالسلام فقال : « يا عمّة ، اجعلي إفطارك الليلة عندنا ، فإنّها ليلة النصف من شعبان ، فإنّ الله تعالى سيظهر في هذه الليلة الحجّة وهو حجّته في أرضه ».
قال : فقلت له : ومن أمّه؟
__________________
(١) أورد الكليني رحمهالله تعالى في الكافي ( ١ : ٤٣١ ) بابا أسماه بمولد الصاحب عليهالسلام ، ذكر في صدره : ولد عليهالسلام للنصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين ، ثم أورد جملة مختلفة من الروايات مختلفة التواريخ ، إلاّ انّا لم نعثر على الرواية المذكورة أعلاه ، والمروية عن عليّ بن محمد ، ولعله من سهو القلم ، أو اشتباهات النساخ ، والله تعالى هو العالم.
قال : « نرجس ».
قلت له : جعلني الله فداك ، ما بها أثر! فقال : « هو ما أقول لك ».
قالت : فجئت فلمّا سلّمت وجلست جاءت تنزع خفيّ وقالت لي : يا سيّدتي كيف أمسيت؟
فقلت : بل أنت سيّدتي وسيّدة أهلي.
قالت : فأنكرت قولي ، وقالت : ما هذا؟! فقلت لها : يا بنيّة ، إنّ الله تبارك وتعالى سيهب لك في ليلتك هذه غلاما سيّدا في الدنيا والآخرة.
قالت : فخجلت واستحيت ، فلمّا أن فرغت من صلاة العشاء الآخرة أفطرت وأخذت مضجعي ، فرقدت ، فلمّا أن كان في جوف الليل قمت إلى الصلاة ، ففرغت من صلاتي وهي نائمة ليس بها حادث ، ثمّ جلست معقّبة ، ثمّ اضطجعت ، ثمّ انتبهت فزعة وهي راقدة ، ثمّ قامت فصلّت ونامت.
قالت حكيمة : وخرجت أتفقّد الفجر ، فإذا أنا بالفجر الأول كذنب السرحان وهي نائمة ، قالت حكيمة : فدخلتني الشكوك فصاح بي أبو محمد من المجلس فقال : « لا تعجلي يا عمّة ، فهاك الأمر قد قرب ».
قالت : فجلست فقرأت « الم السجدة » و « يس » فبينما أنا كذلك إذ انتبهت فزعة فوثبت إليها فقلت : اسم الله عليك ، ثمّ قلت لها : هل تحسّين شيئا؟ قالت : نعم.
فقلت لها : اجمعي نفسك ، واجمعي قلبك ، فهو ما قلت لك.
قالت حكيمة : ثمّ أخذتني فترة وأخذتها فترة ، فانتبهت بحسّ سيّدي ، فكشفت الثوب عنه فإذا به عليهالسلام ساجدا يتلقّى الأرض بمساجده ، فضممته إليّ فإذا أنا به نظيف منظّف ، فصاح بي أبو محمد عليهالسلام :
« هلمّي إليّ ابني يا عمّة ».
فجئت به إليه ، فوضع يديه تحت أليتيه وظهره ، ووضع قدميه على صدره ، ثمّ أدلى لسانه في فيه ، وأمرّ يده على عينيه وسمعه ومفاصله ثمّ قال : « تكلّم يا بنيّ ».
فقال : « أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأشهد أنّ محمّدا رسول الله » ثمّ صلّى على أمير المؤمنين وعلى الأئمّة عليهمالسلام إلى أن وقف على أبيه ثمّ أحجم.
ثمّ قال أبو محمد عليهالسلام : « يا عمّة اذهبي به إلى أمّه ليسلّم عليها ، وائتني به » فذهبت به فسلّم ورددته ووضعته في المجلس ، ثمّ قال عليهالسلام : « يا عمّة إذا كان يوم السابع فائتينا ».
قالت حكيمة : فلمّا أصبحت جئت لاسلّم على أبي محمد عليهالسلام وكشفت الستر لأتفقّد سيّدي فلم أره ، فقلت له : جعلت فداك ما فعل سيّدي؟
قال : « يا عمّة استودعناه الذي استودعت أمّ موسى موسى ».
قالت حكيمة : فلمّا كان يوم السابع جئت وسلّمت وجلست فقال : « هلمّي إليّ ابني » فجئت بسيّدي عليهالسلام وهو في الخرقة ، ففعل به كفعلته الاولى ، ثمّ أدلى لسانه في فيه كأنّما يغذّيه لبنا أو عسلا ثمّ قال : « تكلّم يا بنيّ ».
فقال عليهالسلام : « أشهد أن لا إله إلاّ الله » وثنى بالصلاة على محمد وعلى أمير المؤمنين عليهماالسلام وعلى الأئمة حتى وقف على أبيه عليهمالسلام ، ثمّ تلا هذه الآية ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ
وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ ) (١).
قال موسى : فسألت عقبة الخادم عن هذا فقال : صدقت حكيمة (٢).
وروى الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ره) قال : أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن الحسن بن شاذان القمّي قال : حدّثني أبو عبد الله الحسن بن يعقوب قال : حدّثنا محمد بن يحيى العطّار قال : حدّثنا الحسين بن عليّ النيسابوريّ. قال : حدّثني إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن موسى بن جعفر [ عن السيّاري ] (٣) قال : حدّثني نسيم خادم الحسن بن عليّ ومارية قالا : لمّا سقط صاحب الزمان عليهالسلام من بطن أمّه سقط جاثيا على ركبتيه رافعا سبّابتيه إلى السماء ، ثمّ عطس فقال : « الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمد وآله ، زعمت الظلمة أنّ حجّة الله داحضة ، ولو أذن لنا في الكلام لزال الشكّ » (٤).
قال إبراهيم بن محمد : وحدّثني نسيم الخادم قال : قال لي صاحب الزمان ـ وقد دخلت عليه بعد مولده بليلة فعطست ـ فقال : « يرحمك الله » ، قال نسيم : ففرحت بذلك.
فقال : « ألا أبشّرك بالعطاس؟ » فقلت : بلى.
فقال : « هو أمان من الموت ثلاثة أيّام » (٥).
__________________
(١) القصص ٢٨ : ٥ ـ ٦.
(٢) كمال الدين : ٤٢٤ / ١.
(٣) أثبتناه من غيبة الشيخ الطوسي.
(٤) غيبة للطوسي : ٢٤٤ / ٢١١ ، وكذا في : كمال الدين : ٤٣٠ / ٥ ، الهداية الكبرى : ٣٥٧ ، اثبات الوصية : ٢٢١ ، الخرائج والجرائح ١ : ٤٥٧ / ٢.
(٥) غيبة الطوسي : ٢٣٢ / ٢٠٠ ، وكذا في : كمال الدين : ٤٣٠ / ذيل حديث ٥ و ٤٤١ / ١١ ، الهداية الكبرى : ٣٥٨ ، اثبات الوصية : ٢٢١ ، الخرائج والجرائح ١ : ٤٦٥ / ١١ و ٢ : ٦٩٣ / ٧.
( الفصل الثالث )
في ذكر من رآه عليهالسلام
محمد بن يعقوب ، عن عليّ بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر ـ وكان أسنّ شيخ من ولد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بالعراق ـ قال : رأيت ابن الحسن بن عليّ بن محمد بين المسجدين وهو غلام (١).
وعنه ، عن محمد بن يحيى ، عن الحسن بن عليّ النيسابوريّ ، عن إبراهيم بن محمد ، عن أبي نصر ظريف الخادم أنّه رآه عليهالسلام (٢).
وعنه ، عن محمد بن عبد الله ، ومحمد بن يحيى جميعا ، عن عبد الله ابن جعفر الحميريّ قال : اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو رضياللهعنه عند أحمد ابن إسحاق ، فغمزني أحمد بن إسحاق أن أسأله عن الخلف ، فقلت له : يا أبا عمرو ، إنّي أريد أن أسألك عن شيء ، وما أنا بشاكّ فيما أريد أن أسألك عنه ، فإنّ اعتقادي وديني أنّ الأرض لا تخلو من حجّة إلاّ إذا كان قبل يوم القيامة بأربعين يوما فإذا كان ذلك رفعت الحجّة ، وأغلق باب التوبة ، فلم ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ، فأولئك شرار خلق الله ، ولكنّي أحببت أن أزداد يقينا ، فإنّ إبراهيم عليهالسلام سأل ربّه أن يريه كيف يحيي الموتى فقال : ( أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) (٣) وقد أخبرني أبو عليّ أحمد بن إسحاق ، عن أبي الحسن عليه
__________________
(١) الكافي ١ : ٢٦٦ / ٢ ، وكذا في : ارشاد المفيد ٢ : ٢٥١ ، غيبة الطوسي : ٢٦٨ / ٢٣٠.
(٢) الكافي ١ : ٢٦٧ / ١٣ ، وكذا في : ارشاد المفيد ٢ : ٣٥٤.
(٣) البقرة ٢ : ٢٦٠.
السلام قال : سألته وقلت : من أعامل ، وعمّن آخذ ، وقول من أقبل؟ فقال له : « العمريّ ثقتي ، فما أدّى إليك فعنّي يؤدّي ، وما قال لك فعنّي يقول ، فاسمع له وأطع ، فإنّه الثقة المأمون ».
وأخبرني أبو عليّ : أنّه سأل أبا محمّد عليهالسلام عن مثل ذلك فقال له : « العمريّ وابنه ثقتان ، فما أدّيا إليك فعنّي يؤدّيان ، وما قالا لك فعنّي يقولان ، فاسمع لهما وأطعهما ، فإنّهما الثقتان المأمونان » فهذا قول إمامين عليهماالسلام فيك.
قال : فخرّ أبو عمرو ساجدا وبكى ثمّ قال : سل.
فقلت : رأيت ابن أبي محمد عليهالسلام؟
فقال : إي والله ، ورقبته مثل ذا. وأومأ بيده إلى عنقه.
فقلت له : قد بقيت واحدة.
فقال لي : هات.
قلت : الاسم؟
قال : محرّم عليكم أن تسألوا عن ذلك ، ولا أقول هذا من عندي ، فليس لي أن أحلّل ولا أحرّم ، ولكن عنه عليهالسلام ، وإنّ الأمر عند السلطان في أمر أبي محمد عليهالسلام إنّه مضى ولم يخلّف ولدا ، وقسّم ميراثه ، وأخذه من لا حقّ له فيه ، وصبر على ذلك وهو ذا عيال يجولون ، وليس أحد يجسر أن يتعرف إليهم أو ينيلهم شيئا ، وإذا وقع الاسم وقع الطلب ، فاتّقوا الله وامسكوا عن ذلك (١).
وعنه ، عن عليّ بن محمد ، عن محمد بن شاذان بن نعيم ، عن خادمة لإبراهيم بن عبدة النيسابوريّ ـ وكانت من الصالحات ـ أنّها قالت : كنت
__________________
(١) الكافي ١ : ٢٦٥ / ١.
واقفة مع إبراهيم على الصفا ، فجاء صاحب الأمر حتّى وقف معه ، وقبض على كتاب مناسكه وحدّثه بأشياء (١).
وعنه ، عن عليّ بن محمد ، عن أبي عليّ أحمد بن إبراهيم بن إدريس ، عن أبيه قال : رأيته عليهالسلام بعد مضيّ أبي محمد عليهالسلام حين أيفع ، وقبّلت يده ورأسه (٢).
وعنه ، عن عليّ بن محمد ، عن أبي عبد الله بن صالح ، وأحمد بن النضر ، عن القنبريّ ـ رجل من ولد قنبر الكبير مولى أبي الحسن الرضا عليهالسلام ـ قال : جرى حديث جعفر بن عليّ فذمّه ، فقلت : فليس غيره؟
فذكر الحجّة عليهالسلام ، فقلت : فهل رأيته؟
قال : قد رآه جعفر مرّتين (٣).
وعنه (٤) ، عن عليّ بن الحسين بن الفرج المؤدّب ، عن محمد بن الحسن الكرخيّ قال : سمعت أبا هارون ـ رجلا من أصحابنا ـ يقول : رأيت صاحب الزمان ووجهه كأنّه القمر ليلة البدر ، ورأيت على سرّته شعرا يجري كالخطّة ، وكشفت الثوب عنه فوجدته مختونا ، فسألت مولانا الحسن بن عليّ ، عن ذلك ، فقال : « هكذا ولد وهكذا ولدنا ، ولكنّا سنمرّ الموسى لإصابة السنّة » (٥).
__________________
(١) الكافي ١ : ٢٦٦ / ٦ ، وكذا في : ارشاد المفيد : ٢ / ٣٥٢ ، غيبة الطوسي : ٢٦٨ / ٢٣١.
(٢) الكافي ١ : ٢٦٧ / ٨ ، وكذا في : ارشاد المفيد : ٢ / ٣٥٣ ، غيبة الطوسي : ٢٦٨ / ٢٣٢.
(٣) الكافي ١ : ٢٦٧ / ٩ ، وكذا في : ارشاد المفيد : ٢ / ٣٥٣ ، غيبة الطوسي : ٢٤٨ / ٢١٧.
(٤) كذا وهو غير صواب ، لأن الرواية لا تعود إلى الكافي ، بل هي مروية في كمال الدين ، وبسند الشيخ الصدوق رحمهالله تعالى ، كما أنها لم ترد في متن نسخة « ط » بل في هامشها ، ولعلها اضافة من النسّاخ والله تعالى هو العالم.
(٥) كمال الدين : ٤٣٤ / ١.