منتهى المقال في أحوال الرّجال - ج ١

الشيخ محمّد بن إسماعيل المازندراني

منتهى المقال في أحوال الرّجال - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد بن إسماعيل المازندراني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-89-2
ISBN الدورة:
964-5503-88-4

الصفحات: ٣٩٣

الأحاديث ظنية ، وانعدام الأمارات المقتضية للعمل بها.

ومثل الحسن ، والموثقية ، وإجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه ، وغير ذلك ، وإن صار ضابطة عند البعض مطلقا ، أو في بعض رأيه ، إلاّ أنّ ذلك البعض لم يصطلح إطلاق الصحيح عليه ، وإن كان يطلق عليه في بعض الأوقات ، بل لعل الجميع يطلقون أيضا كذلك ، كما سنشير إليه في أبان بن عثمان حذرا من الاختلاط ، لشدة اعتمادهم في مضبوطيّة قواعدهم ولئلا يقع تلبيس وتدليس.

وبالجملة لا وجه للاعتراض عليهم بتغيير الاصطلاح وتخصيصه ، بعد ملاحظة ما ذكرنا (١).

__________________

(١) قال الشيخ البهائي في مشرق الشمسين : ٢٧٠ : تبيين : الذي بعث المتأخرين نور الله مراقدهم على العدول عن متعارف القدماء ووضع ذلك الاصطلاح الجديد ، هو أنّه لمّا طالت المدة بينهم وبين الصدر السالف ، وآل الحال إلى اندراس بعض كتب الأصول المعتمدة ، لتسلط حكام الجور والضلال ، والخوف من إظهارها وانتساخها ، وانضم الى ذلك اجتماع ما وصل إليهم من كتب الأصول في الأصول المشهورة في هذا الزمان ، فالتبست الأحاديث المأخوذة من الأصول المعتمدة بالمأخوذة من غير المعتمدة ، واشتبهت المتكررة في كتب الأصول بغير المتكررة ، وخفي عليهم قدس الله أرواحهم كثير من تلك الأمور التي كانت سبب وثوق القدماء بكثير من الأحاديث ، ولم يمكنهم الجري على أثرهم في تمييز ما يعتمد عليه مما لا يركن إليه ، فاحتاجوا إلى قانون تتميّز به الأحاديث المعتبرة عن غيرها ، والموثوق بها عمّا سواها.

فقرروا لنا شكر الله سعيهم ذلك الاصطلاح الجديد ، وقربوا إلينا البعيد ، ووصفوا الأحاديث الموردة في كتبهم الاستدلالية بما اقتضاه ذلك الاصطلاح من الصحّة والحسن والتوثيق.

وأوّل من سلك هذا الطريق من علمائنا المتأخرين شيخنا العلامة جمال الحق والدين الحسن بن المطهر الحلي قدس الله روحه.

ثم إنّهم أعلى الله مقامهم ربما يسلكون طريقة القدماء في بعض الأحيان فيصفون مراسيل بعض المشاهير كابن أبي عمير وصفوان بن يحيى بالصحة ، لما شاع من أنّهم لا

٦١

وأيضا عدهم الحديث حسنا وموثقا منشأه القدماء ، ولا خفاء فيه ، مع أنّ حديث الممدوح عند القدماء ليس كحديث الثقة ، والمهمل والضعيف البتة ، وكذا الموثق ، نعم لم يعهد منهم أنّه حسن أو موثق مثلا ، وما فعله المتأخرون لو لم يكن حسنا لا مشاحة فيه البتة ، مع أن حسنه غير خفي.

ومما ذكرنا ظهر فساد ما توهم بعض من أنّ قول مشايخ الرجال : صحيح الحديث ، تعديل ، ويأتي في الحسن بن علي بن نعمان (١) أيضا ، نعم هو مدح ، فتدبر (٢).

فائدة :

قولهم : لا بأس به ، أي : بمذهبه ، أو رواياته‌. والأول أظهر إن ذكر مطلقا ، وسيجي‌ء في إبراهيم بن محمّد بن فارس : لا بأس به في نفسه ولكن ببعض من روى عنه (٣).

وربما يوهم هذا كون المطلق قابلا للمعنيين ، وفيه تأمل.

__________________

يرسلون إلا عمّن يثقون بصدقه ، بل يصفون بعض الأحاديث التي في سندها من يعتقدون أنّه فطحي أو ناووسي بالصحة نظرا إلى اندراجه فيمن أجمعوا على تصحيح ما يصحّ عنهم.

وعلى هذا جرى العلامة قدس الله روحه في المختلف ، حيث قال في مسألة ظهور فسق إمام الجماعة : إنّ حديث عبد الله بن بكير صحيح. وفي الخلاصة حيث قال : إن طريق الصدوق إلى أبي مريم الأنصاري صحيح وإن كان في طريقه أبان بن عثمان مستندا في الكتابين إلى إجماع العصابة على تصحيح ما يصح عنهما.

وقد جرى شيخنا الشهيد الثاني طاب ثراه على هذا المنوال أيضا ، كما وصف في بحث الردّة من شرح الشرائع حديث الحسن بن محبوب عن غير واحد بالصحة ، وأمثال ذلك في كلامهم كثير ، فلا تغفل.

(١) قول النجاشي في رجاله في ترجمته : ٤٠ / ٨١ : له كتاب نوادر صحيح الحديث.

(٢) تعليقة الوحيد البهبهاني : ٦.

(٣) قال الكشي في رجاله : ٥٣٠ / ١٠١٤ : وأمّا إبراهيم بن محمّد بن فارس ، فهو في نفسه لا بأس به ، ولكن بعض من يروي هو عنه.

٦٢

والأظهر الأوفق بالعبارة : أنّه لا بأس به بوجه من الوجوه ، ولعله لذا قيل بإفادته التوثيق (١) ، واستقر به المصنف في الوسيط (٢) ، ويومئ إليه ما في تلك الترجمة ، وترجمة بشار بن يسار (٣) ، ويؤيده قولهم : ثقة لا بأس به.

والمشهور إفادته المدح (٤) ، وقيل : بعدم إفادته ذلك أيضا (٥) ، وفي الخلاصة عدّه من القسم الأول (٦) ، فهو عنده يفيد مدحا معتدا به.

__________________

(١) قال الشهيد الثاني في الرعاية : ٢٠٥ ، في تعداده لألفاظ التعديل الغير الصريحة : لا بأس به ، بمعنى أنّه ليس بظاهر الضعف.

وقال في صفحة : ٢٠٧ : وأمّا نفي البأس عنه ، فقريب من الخيّر ، لكن لا يدلّ على الثقة ، بل من المشهور : أنّ نفي البأس يوهم البأس.

ونقل المحقق في حاشية الرعاية عن ابن معين : إذا قلت ليس به بأس ، فهو ثقة.

وعن ابن أبي حاتم : إذا قيل صدوق ، أو محلّه الصدق ، أو لا بأس به ، فهو ممّن يكتب حديثه وينظر فيه.

وعدّ الداماد في الرواشح السماوية : ٦٠ : لا بأس به. في ضمن ألفاظ التوثيق والمدح.

وقال الكاظمي في العدّة : ٢٠ : قولهم : لا بأس به ، فإنّه في العرف ممّا يفيد المدح ، بل ربما عدّ في التوثيق وقال الأصفهاني في الفصول الغروية : ٣٠٣ : ومنها قولهم : لا بأس به ، فعدّه بعضهم توثيقا ، لظهور النكرة المنفية بالعموم.

(٢) في نسختنا من الوسيط ـ في ترجمة إبراهيم بن محمّد بن فارس : ٨ : وعن أحمد بن طاوس ، عن الكشي ، عن محمّد بن مسعود : ثقة في نفسه ولكن بعض من يروي عنه ـ ثم قال ـ : وكأنّه بناء على أنّ نفي البأس يقتضي التوثيق ، وهو غريب. انتهى.

واحتمال التصحيف بين كلمة قريب وغريب غير بعيد. ولقول الوحيد في التعليقة : ٢٧ ، في تلك الترجمة : لعلّ ما ذكره من أنّ لا بأس ، نفي لجميع أفراد البأس ، ويؤكده قوله : ولكن ببعض من يروي عنه ، وفي ذلك إشارة إلى الوثاقة ، وقد مرّ في الفائدة الثانية.

(٣) في رجال الكشي : ٤١١ / ٧٧٣ ، قال : سألت علي بن الحسن ، عن بشار بن بشار ـ الذي يروي عنه أبان بن عثمان ـ؟ قال : هو خير من أبان وليس به بأس.

(٤) كما في عبارة الشهيد الثاني في الرعاية : ٢٠٧ ، وقد مرّت.

(٥) أرسل هذا القول في الفصول الغروية : ٣٠٣ ، وهو مختار السيد الصدر في نهاية الدراية : ١٤٩.

(٦) الخلاصة : ٧ / ٢٥.

٦٣

فائدة :

قولهم : عين ، ووجه ، قيل : يفيد التعديل‌ (١). ويظهر من المصنف في الحسن بن علي بن زياد (٢).

وسنذكر عن جدي فيه معناهما ، واستدلاله على كونه توثيقا (٣).

وربما يظهر ذلك من المحقق الداماد أيضا في الحسين بن أبي العلاء (٤).

وعندي أنهما يفيدان مدحا معتدا به.

وأقوى منهما قولهم : وجه من وجوه أصحابنا (٥).

__________________

(١) قال في الرواشح : ٦٠ : ألفاظ التوثيق : ثقة. عين ، وجه.

وقال في الفصول الغروية : ٣٠٣ : ومنها قولهم عين ، أو وجه.

فقد عدّه بعض الأفاضل تعديلا ، وهو غير بعيد. وقال البهائي في الوجيزة : ٥ : وألفاظ التعديل : ثقة ، حجة ، عين ، وما أدى مؤدّاها.

(٢) قال في منهج المقال : ١٠٣ : وربما استفيد توثيقه من استجازة أحمد بن محمّد بن عيسى ، ولا ريب أنّ كونه عينا من عيون هذه الطائفة ، ووجها من وجوهها ، أولى من ذلك.

(٣) روضة المتقين : ١٤ / ٤٥ ، قال : وكان هذا الشيخ عينا من عيون هذه الطائفة ، وهذا توثيق. إلى أن قال : بل الظاهر أنّ قوله : وجه ، توثيق.

وقال الميرزا القمي في القوانين : ٤٨٥ : فمن أسباب الوثاقة. قولهم : عين ، ووجه ، فقيل أنّهما يفيدان التوثيق.

(٤) وقال المحقق الداماد في تعليقته على رجال الكشي : ١ / ٢٤٣ : والحسين بن أبي العلاء الخفاف الأزدي ، وأخواه علي وعبد الحميد : وجوه ، ثقات ، أذكياء.

(٥) التعليقة : ٧ ، وقال في الفصول الغروية : ٣٠٣ : ومنها قولهم : عين ، أو وجه ، أو وجه من وجوه أصحابنا ، إلى أن قال : والأظهر أنّه يفيد مدحا يصح الاعتماد معه على روايته لا سيّما الأخير.

وقال الميرزا القمي في القوانين : ٤٨٥ : قولهم عين ووجه ، فقيل إنّهما يفيدان التوثيق ، وأقوى منهما وجه من وجوه أصحابنا.

٦٤

فائدة :

عند خالي (١) ، بل وجدي (٢) ـ على ما هو ببالي ـ كون الرجل ذا أصل ، من أسباب الحسن‌. وعندي فيه تأمل ، لأنّ كثيرا من أصحاب الأصول كانوا ينتحلون المذاهب الفاسدة (٣) ، وإن كانت كتبهم معتمدة ، على ما صرح به في أول الفهرست (٤).

وأيضا الحسن بن صالح بن حي ، متروك العمل بما يختص بروايته على ما صرّح به في التهذيب (٥) ، مع أنّه ذا أصل.

__________________

(١) قال المجلسي في مرآة العقول : ١ / ١٠٨ : الحديث التاسع مجهول على المشهور بسعدان بن مسلم ، وربما يعد حسنا لأنّ الشيخ قال : له أصل.

وقال أيضا في ١٠ / ١٢٤ ، عند ذكر الحسن بن أيوب : وقال النجاشي : له كتاب أصل ، وكون كتابه أصلا عندي مدح عظيم.

(٢) قال المجلسي الأول في روضة المتقين : ١ / ٨٦ : فإنّك إذا تتبعت كتب الرجال ، وجدت أكثر أصحاب الأصول الأربعمائة غير مذكور في شأنهم تعديل ولا جرح ، إمّا لأنّه يكفي في مدحهم وتوثيقهم أنّهم أصحاب الأصول. إلى آخره.

(٣) الظاهر من أنّهم يعدونه حسنا إذا ذكر مجردا من دون مدح أو قدح ، ولذا قال المجلسي الثاني في آخر وجيزته : ٤٠٩ ، بعد ذكر طرق الصدوق : واعلم ان ما نقلنا من العلامة هو بيان حال السند دون صاحب الكتاب ، وإنّما حكمنا بحسن صاحب الكتاب إذا كان على المشهور مجهولا ، لحكم الصدوق رحمه‌الله بأنّه إنّما أخذ أخبار الفقيه من الأصول المعتبرة ، التي عليها المعول وإليها المرجع ، وهذا إن لم يكن موجبا لصحة الحديث ـ كما ذهب إليه المحدثون ـ فهو لا محالة مدح لصاحب الكتاب.

ويؤيده قول المجلسي الأول الآنف الذكر.

(٤) الفهرست : ٢.

(٥) التهذيب ١ : ٤٠٨ / ١٢٨٢.

٦٥

وكذلك علي بن أبي حمزة البطائني ، مع أنّه ذكر فيه ما ذكر (١).

وأضعف من ذلك كون الرجل ذا كتاب.

وفي المعراج : كون الرجل ذا كتاب لا يخرجه عن الجهالة إلاّ عند بعض من لا يعتد به (٢).

هذا ، والظاهر أنّ كون الرجل ذا أصل يفيد حسنا ، لا الحسن الاصطلاحي. وكذا كونه كثير التصنيف ، أو جيد التصنيف ، وأمثال ذلك ، بل كونه ذا كتاب أيضا يشير الى حسن ما.

ولعل مرادهم ذلك مما ذكروا ـ وسيجي‌ء عن البلغة في الحسن بن أيوب ـ : أنّ كون الرجل ذا أصل يستفاد منه الحسن (٣) ، فلاحظ.

أقول : لا يكاد يفهم حسن من قولهم : له كتاب ، أو أصل ، أصلا ، وإفادة الحسن لا بالمعنى المصطلح لا تجدي في المقام نفعا ، لكن تأمله سلمه الله تعالى في ذلك ـ لانتحال كثير من أصحاب الأصول المذاهب الفاسدة ـ لعله ليس بمكانه ، لأنّ ذلك لا ينافي الحسن بالمعنى الأعم ، كما سيعترف به دام فضله عند ذكر وجه الحكم بصحة حديث ابن الوليد ، وأحمد ابن محمّد بن يحيى ، وسائر مشايخ الإجازة.

والأولى أن يقال : لأنّ كثيرا منهم فيهم مطاعن وذموم. إلاّ أن يكون مراد خاله العلامة الحسن بالمعنى الأخص ، فتأمل.

__________________

(١) ذكر الشيخ في ترجمته في الفهرست : ٩٦ / ٤١٨ : واقفي المذهب ، له أصل. مع كثرة ما ورد فيه من ذموم.

(٢) معراج أهل الكمال : ١٢٩ / ٦١ ، في ترجمة : أحمد بن عبيد ، ومراده من البعض هو : المولى مراد التفرشي رحمه‌الله في التعليقة السجادية ، كما صرح بذلك في الهامش.

(٣) راجع البلغة : ٣٤٤ هامش رقم : ٣.

٦٦

فائدة :

الكتاب مستعمل عندهم رضي الله عنهم في معناه المعروف‌ ، وهو أعمّ مطلقا من الأصل والنوادر.

فإنّه يطلق على الأصل كثيرا ، منه ما يأتي في ترجمة : أحمد بن محمّد ابن عمار (١) ، وأحمد بن ميثم (٢) ، وإسحاق بن جرير (٣) ، والحسين بن أبي العلاء (٤) ، وبشّار بن يسار (٥) ، وبشر بن مسلمة (٦) ، والحسن بن رباط (٧) ، وغيرهم.

وربما يطلق في مقابل الأصل ، كما في ترجمة : هشام بن الحكم (٨) ، ومعاوية بن حكيم (٩) ، وغيرهما.

__________________

(١) قال الشيخ الطوسي في فهرسته : ٢٩ / ٨٨ : كثير الحديث والأصول ، وصنف كتبا.

(٢) قال الشيخ في رجاله : ٤٤٠ / ٢١ : روى عنه حميد بن زياد كتاب الملاحم ، وكتاب الدلالة ، وغير ذلك من الأصول.

(٣) قال الشيخ في فهرسته : ١٥ / ٥٣ : له أصل.

وقال النجاشي في رجاله : ٧١ / ١٧٠ : له كتاب.

(٤) قال الشيخ في الفهرست : ٥٤ / ٢٠٤ : له كتاب يعدّ في الأصول.

(٥) قال الشيخ في الفهرست : ٤٠ / ١٣٠ : له أصل. عن ابن أبي عمير عنه.

وقال النجاشي في رجاله : ١١٣ / ٢٩٠ : له كتاب ، رواه عنه محمّد بن أبي عمير.

(٦) في الفهرست : ٤٠ / ١٢٩ : له أصل ، عنه ابن أبي عمير.

وفي رجال النجاشي : ١١١ / ٢٨٥ : له كتاب ، رواه ابن أبي عمير.

(٧) في الفهرست : ٤٩ / ١٧٤ : له أصل. رواه ابن محبوب ، وفي رجال النجاشي : ٤٦ / ٩٤ : له كتاب ، رواية الحسن بن محبوب.

(٨) قال الشيخ في الفهرست : ١٧٤ / ٧٨١ : له أصل. وله من المصنفات كتب كثيرة.

(٩) قال النجاشي في رجاله : ٤١٢ / ١٠٩٨ : روى معاوية بن حكيم أربعة وعشرين أصلا ، لم يرو غيرها. وله كتب.

٦٧

وربما يطلق على النوادر ، وهو أيضا كثير ، منه قولهم : له كتاب النوادر ، وفي أحمد بن الحسين بن عمر ما يدل عليه (١).

وكذا يطلق النوادر في مقابل الكتاب ، كما في ترجمة ابن أبي عمير (٢).

وأمّا المصنّف ، فالظاهر أنّه أيضا أعمّ منهما ، فإنه يطلق عليهما ، كما يظهر من ترجمة أحمد بن ميثم (٣).

ويطلق بإزاء الأصل ، كما في هشام بن الحكم (٤) ، وديباجة الفهرست (٥).

وأمّا النسبة بين الأصل والنوادر ، فالأصل أنّ النوادر غير الأصل ، وربما يعدّ من الأصول كما يظهر من ترجمة حريز بن عبد الله (٦) ، وغيره.

بقي الكلام في معرفة الأصل والنوادر ، نقل ابن شهرآشوب عن المفيد : أنّ الإمامية صنّفت من عهد أمير المؤمنين عليه‌السلام الى زمان العسكري عليه‌السلام أربعمائة كتاب تسمى الأصول ، انتهى (٧).

__________________

(١) قال النجاشي في ترجمته : ٨٣ / ٢٠٠ : له كتب لا يعرف منها إلاّ النوادر.

(٢) قال النجاشي في ترجمته : ٣٢٦ / ٨٨٧ : وقد صنف كتبا كثيرة. حدثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير بجميع كتبه. فأمّا نوادره فهي كثيرة ، لأن الرواة لها كثيرة.

(٣) قال الشيخ في الفهرست : ٢٥ / ٧٧ : له مصنفات ، منها كتاب الدلائل ، كتاب المتعة.

(٤) قال الشيخ في الفهرست : ١٧٤ / ٧٨١ : وكان له أصل. ، ثم قال : وله من المصنفات كتب كثيرة.

(٥) قال الشيخ في ديباجة الفهرست : ٢ : عمدت إلى كتاب يشتمل على ذكر المصنفات والأصول ، ولم أفرد أحدهما عن الآخر لئلا يطول الكتابان ، لأنّ في المصنفين من له أصل فيحتاج إلى أن يعاد ذكره في كل واحد من الكتابين فيطول.

(٦) قال الشيخ في الفهرست : ٦٢ / ٢٤٩ : له كتب. وعدّ منها : كتاب النوادر ، ثم قال : تعدّ كلّها في الأصول.

(٧) معالم العلماء : ٣.

٦٨

أقول : لا يخفى أنّ مصنفاتهم أزيد من الأصول (١) ، فلا بد من وجه لتسمية بعضها أصولا دون بعض.

فقيل : إنّ الأصل ما كان مجرد كلام المعصوم عليه‌السلام ، والكتاب ما فيه كلام مصنفه أيضا (٢) ، وأيّد ذلك بقول الشيخ رحمه‌الله في زكريا بن يحيى الواسطي : له كتاب الفضائل ، وله أصل (٣).

وفي التأييد نظر ، إلاّ أنّ ما ذكره لا يخلو عن قرب وظهور.

واعترض : بأنّ الكتاب أعمّ ، وفيه أنّ الغرض بيان الفرق بين الكتاب الذي ليس بأصل ومذكور في مقابله ، والكتاب الذي هو أصل ، وبيان سبب قصر تسميتهم الأصل في الأربعمائة.

ويظهر من كلام الشيخ في أحمد بن محمّد بن نوح أنّ للأصول ترتيبا خاصا (٤).

وقيل ـ في وجه الفرق ـ : أنّ الكتاب ما كان مبوبا (٥) ومفصلا ، والأصل‌

__________________

(١) قال الحر العاملي في الفائدة الرابعة من خاتمة الوسائل : ٣٠ / ١٦٥ ـ عند تعداده للكتب التي نقل عنها ـ : وأمّا ما نقلوا منه ولم يصرحوا باسمه فكثير جدا ، مذكور في كتب الرجال ، يزيد على ستة آلاف وستمائة كتاب ، على ما ضبطناه.

بينما ذكر أنّ الأصول أربعمائة.

(٢) ذكر ذلك المحقق البحراني في المعراج : ١٧ ، نقلا عن الفاضل الأمين الأسترآبادي قدس‌سره من بعض معلقاته.

وقال المحقق محمّد أمين الكاظمي في هداية المحدثين : ٣٠٧ : الفرق بين المصنف والكتاب والأصل : أن الأولين كتبا بعد انقضاء زمن الأئمة عليهم‌السلام ، بخلاف الثالث فإنه كتب في زمنهم عليهم‌السلام.

(٣) الفهرست : ٧٥ / ٣١٤ ، في ترجمة زكار بن يحيى الواسطي.

(٤) الفهرست : ٣٧ / ١١٧ ، قال : وله كتب في الفقه على ترتيب الأصول.

(٥) ولكنّ يبدو أنّ كثيرا من الكتب غير مبوبة ، كما ورد في قول النجاشي في ترجمة علي بن جعفر : ٢٥١ / ٦٦٢ : له كتاب في الحلال والحرام يروي تارة غير مبوب ، وتارة مبوّبا.

٦٩

مجمع أخبار وآثار (١).

وردّ : بأنّ كثيرا من الأصول مبوّبة (٢).

ويقرب في نظري : أنّ الأصل هو الكتاب الذي جمع فيه مصنفه الأحاديث التي رواها عن المعصوم عليه‌السلام ، أو عن الراوي ، والكتاب والمصنّف لو كان فيهما حديث معتمد معتبر لكان مأخوذا من الأصول غالبا.

وقيّدنا بالغالب ، لأنّه ربما كان بعض الروايات يصل معنعنا ، ولا يؤخذ من أصل ، وبوجود مثل هذا فيه لا يصير أصلا ، فتدبر.

وأمّا النوادر : فالظاهر أنّه ما اجتمع فيه أحاديث لا تنضبط في باب لقلته أو وحدته ، ومن هذا قولهم في الكتب المتداولة : نوادر الصلاة ، نوادر الزكاة وغير ذلك (٣).

وربما يطلق النادر على الشاذ (٤) ، ومن هذا قول المفيد رحمه‌الله : إنّ النوادر هي التي لا عمل عليها (٥).

وقال الشيخ في التهذيب : لا يصلح العمل بحديث حذيفة لأنّ متنه لا‌

__________________

وفي ترجمة سعد بن سعد : ١٧٩ / ٤٧٠ : له كتاب مبوب وكتاب غير مبوب.

وقال في ترجمة محمّد بن علي بن بابويه الصدوق : ٣٩٢ / ١٠٤٩ : كتاب العلل غير مبوب.

(١) انظر عدّة الرجال : ١٢.

(٢) كما قال الشيخ في الفهرست : ٣٧ / ١١٧ ، في ترجمة أحمد بن محمّد بن نوح : وله كتب في الفقه على ترتيب الأصول.

(٣) قال العلامة المجلسي في مرآة العقول : ١ / ١٥٤ : النوادر : أي أخبار متفرقة مناسبة للأبواب السابقة ، ولا يمكن إدخالها فيها ، ولا عقد باب لها ، لأنّها لا يجمعها باب ، ولا يمكن عقد باب لكلّ منها.

(٤) راجع نهاية الدراية : ٦٣ ، ومقباس الهداية : ١ / ٢٥٢.

(٥) الرسالة العددية : ٩ / ١٩.

٧٠

يوجد في شي‌ء من الأصول المصنّفة ، بل هو موجود في الشواذّ من الأخبار (١).

والمراد من الشاذ ـ عند أهل الدراية ـ : ما رواه الثقة مخالفا لما رواه الأكثر (٢) ، وهو مقابل المشهور (٣).

والشاذّ مردود مطلقا عند بعض ، مقبول كذلك عند بعض (٤).

ومنهم من فصّل : بأنّ المخالف له إن كان أحفظ وأضبط وأعدل فمردود ، دون العكس فيتعارضان (٥).

وعن بعض أنّ النادر ما قلّ روايته وندر العمل به (٦). وادعى أنّه الظاهر من كلام الأصحاب. ولا يخلو من تأمل (٧).

فائدة :

قولهم : أسند عنه ، قيل : معناه سمع عنه الحديث‌ ، ولعل المراد على سبيل الاستناد والاعتماد (٨) ، وإلاّ فكثير ممن سمع عنه ليس ممن أسند‌

__________________

(١) التهذيب : ٤ / ١٦٩.

(٢) قال ابن الصلاح في المقدمة : ٤٤ : قال الشافعي : ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يروي غيره ، إنّما الشاذ أن يروي الثقة حديثا يخالف ما روى الناس. ونظيره في تدريب الراوي : ١ / ٢٣٢ وغيرهما.

(٣) كما في الرعاية : ١١٥ ، والوجيزة للبهائي : ٥ ، ونهاية الدراية : ٦٣.

(٤) الرعاية : ١١٥.

(٥) الرعاية : ١١٥ ، مقدمة ابن الصلاح : ٤٦ ، تدريب الراوي : ١ / ٢٣٤.

(٦) مقباس الهداية : ٣ / ٣١.

وقال الشيخ الطريحي في مجمع البحرين ـ ندر ـ : ٣ / ٤٩٠ : والنادر من الحديث في الاصطلاح : ما ليس له أخ ، أو يكون لكنّه قليل جدا ، ويسلم من المعارض ولا كلام في صحته ، بخلاف الشاذ فإنه غير صحيح ، أو له معارض.

(٧) تعليقة الوحيد البهبهاني : ٧.

(٨) نقل العلياري في بهجة الآمال : ١ / ١٦١ عن القوانين أنّه قال : ومن أسباب الوثاقة قولهم :

٧١

عنه (١).

وقال جدي : المراد روى عنه الشيوخ ، واعتمدوا عليه ، وهو كالتوثيق ، ولا شك أنّ هذا المدح أحسن من لا بأس به (٢) ، انتهى.

قوله رحمه‌الله : وهو كالتوثيق ، لا يخلو من تأمل ، نعم إن أراد التوثيق بالمعنى الأعم فلعلّه لا بأس به ، لكن لعله توثيق من غير معلوم الوثاقة ، أما أنّه روى عنه الشيوخ كذلك حتى يظهر وثاقته لبعد اتفاقهم على الاعتماد على من ليس بثقة ، أو بعد اتفاق كونهم بأجمعهم غير ثقات ، فليس بظاهر.

نعم ربما يستفاد منه قوة ومدح (٣) ، لكن ليس بمثابة قولهم : لا بأس به ، بل أضعف منه ، لو لم نقل بإفادة ذلك التوثيق.

وربما يقال : بايمائه الى عدم الوثوق ، ولعله ليس كذلك (٤).

أقول : لم أعثر على هذه الكلمة إلاّ في كلام الشيخ رحمه‌الله ، وما ربما يوجد في الخلاصة فإنّما أخذه من رجال الشيخ ، والشيخ رحمه‌الله إنّما ذكرها في رجاله دون فهرسته ، وفي أصحاب الصادق عليه‌السلام دون غيره ، إلاّ في أصحاب الباقر عليه‌السلام ندرة غاية الندرة (٥).

__________________

أسند عنه ، يعني سمع منه الحديث على وجه الاسناد.

(١) ذكر هذا القول أيضا الأسترآبادي في لب اللباب : ٢٢ على ما نقل عنه محقق مقباس الهداية : ٢ / ٢٢٨.

(٢) روضة المتقين : ١٤ / ٦٤ ، ذكر ذلك عند شرحه لحال أيوب بن الحر الجعفي.

(٣) قال الكاظمي في عدته : ٥٠ : وكثيرا ما يقولون : أسند عنه ـ وهو بالمجهول ـ والمراد أنّ الأصحاب رووا عنه ، وتلك خلة مدح ، فإنه لا يسند ولا يروى إلاّ عمّن يعوّل عليه ويعتمد.

(٤) التعليقة : ٧.

(٥) ذكرت لفظة « أسند عنه » في عدّة من أصحاب الأئمة عليهم‌السلام في رجال الشيخ ، ففي أصحاب الإمام الصادق عليه‌السلام جاوزوا الثلاثمائة شخص.

أما في أصحاب الإمام الباقر عليه‌السلام فذكرت العبارة في حق شخص واحد ، وهو :

٧٢

واختلفت الأفهام في قراءتها :

فمنهم من قرأها بالمجهول كما سبق ، ولعلّ عليه الأكثر ، وقالوا بدلالتها على المدح ، لأنّه لا يسند إلاّ عمن يستند إليه ، ويعوّل عليه.

وفي ترجمة محمّد بن عبد الملك الأنصاري : أسند عنه ، ضعيف (١).

فتأمل.

وقيل في وجه اختصاصها ببعض دون بعض : أنّها لا تقال إلاّ فيمن لا يعرف بالتناول منه والأخذ عنه (٢).

وقرأ المحقق الشيخ محمّد : أسند بالمعلوم ، وردّ الضمير الى الامام عليه‌السلام ، وكذا الفاضل الشيخ عبد النبي الجزائري رحمه‌الله في‌

__________________

حماد بن راشد الأزدي : ١١٧ / ٣٩.

وذكرت في أصحاب الإمام الكاظم عليه‌السلام مرتين :

موسى بن إبراهيم المروزي : ٣٥٩ / ٧.

يزيد بن الحسن : ٣٦٤ / ١٩.

وذكرت في أصحاب الإمام الرضا عليه‌السلام سبع مرات :

إسماعيل بن محمّد بن إسحاق بن جعفر : ٣٦٧ / ٤.

أحمد بن عامر بن سليمان الطائي : ٣٦٧ / ٥.

داود بن سليمان بن يوسف : ٣٧٥ / ٢.

علي بن بلال : ٣٨٠ / ٧.

عبد الله بن علي : ٣٨١ / ١٦.

محمّد بن سهل البجلي الرازي : ٣٨٩ / ٣٤.

محمّد بن أسلم الطوسي : ٣٩٠ / ٤٩.

وذكرت في أصحاب الإمام الهادي عليه‌السلام مرة واحدة : محمّد بن أحمد بن عبيد الله ابن المنصور : ٤٢٢ / ١٤.

(١) رجال الشيخ : ٢٩٤ / ٢٢٣.

(٢) قال الكاظمي في عدته : ٥٠ ، بعد كلامه في هامش رقم ٣ المتقدم : غير أنّهم إنّما يقولون ذلك فيمن لا يعرف بالتناول منه ، والأخذ عنه.

٧٣

الحاوي (١) كما يأتي عنهما في يحيى بن سعيد الأنصاري (٢) ، وعن الثاني في عبد النور أيضا (٣).

وينافيه قول الشيخ في جابر بن يزيد : أسند عنه ، روى عنهما (٤).

وقوله في محمّد بن مسلم : أسند عنه قصير وحداج ، روى عنهما (٥).

وقوله في محمّد بن إسحاق بن يسار : أسند عنه ، يكنى أبا بكر ، صاحب المغازي ، من سبي عين التمر ، وهو أول سبي دخل المدينة ، وقيل : كنيته أبو عبد الله ، روى عنهما (٦).

وقال المحقق الداماد في الرواشح ـ ما ملخصه ـ : إنّ الصحابي ـ على مصطلح الشيخ في رجاله ـ على معان :

منها : أصحاب الرواية عن الإمام بالسماع منه.

ومنها : بإسناد عنه ، بمعنى أنّه روى الخبر عن أصحابه عليه‌السلام

__________________

(١) الحاوي : ٣٤٤ / ٢١٣٥.

(٢) قال المحقق الشيخ محمّد قدس‌سره : العجب من العلامة رحمه‌الله أنّه أتى بقوله : أسند عنه ، مع عدم تقدم مرجع الضمير ، فكأنّه نقل كلام الشيخ رحمه‌الله بصورته ، والضمير فيه عائد إلى الصادق عليه‌السلام ، وهذا من جملة العجلة الواقعة من العلامة رحمه‌الله ، انتهى.

وقال الفاضل عبد النبي الجزائري : لا يخفى أن ضمير عنه في عبارة الخلاصة لا مرجع له بحسب الظاهر ، وكان عليه أن يقول من أصحاب الصادق عليه‌السلام ، انتهى.

ثم عقب الحائري بقوله : ولا يخفى أنّ ما ذكراه مبني على قراءة « أسند » ، بصيغة المعلوم ، ولم يظهر ذلك من العلامة رحمه‌الله ، فلعلّه رحمه‌الله قرأها بالمجهول ، فلا اعتراض.

منتهى المقال ، ترجمة يحيى بن سعيد الأنصاري.

(٣) الحاوي : ٣٠٦ / ١٨٥١.

(٤) رجال الشيخ : ١٦٣ / ٣٠.

(٥) رجال الشيخ : ٣٠٠ / ٣١٧.

(٦) رجال الشيخ : ٢٨١ / ٢٢.

٧٤

الموثوق بهم ، وأخذ عن أصولهم المعتمد عليها ، فمعنى أسند عنه : أنّه لم يسمع منه ، بل سمع من أصحابه الموثقين وأخذ عنهم من أصولهم المعتمد (١) عليها.

وبالجملة قد أورد الشيخ في أصحاب الصادق عليه‌السلام جماعة جمّة إنّما روايتهم عنه بالسماع من أصحابه الموثوق بهم والأخذ من أصولهم المعوّل عليها ، ذكر كلا منهم وقال : أسند عنه ، انتهى (٢).

وردّ : بأنّ جماعة ممن قيلت فيه ، رووا عنه مشافهة (٣).

وقرأ ولد الأستاذ العلامة دام علاهما أيضا بالمعلوم ، ولكن لا أدري الى من ردّ الضمير.

وقرأ بعض السادة الأزكياء من أهل العصر (٤) أيضا كذلك ، قال :

__________________

(١) في نسخة : المعمول.

(٢) الرواشح السماوية : ٦٣ ـ ٦٥ ، الراشحة الرابعة عشر.

(٣) كما في ترجمة : جابر بن يزيد الجعفي : ١٦٣ / ٣٠ ، ومحمّد بن إسحاق بن يسار : ٢٨١ / ٢٢ ، ومحمّد بن مسلم بن رباح : ٣٠٠ / ٣١٧ ، فإن الثلاثة من أصحاب الإمام الصادق عليه‌السلام وقال عنهم الشيخ : أسند عنه ، ثم عقبه بقوله : روى عنهما عليهما‌السلام.

وكثير من الذين عدّهم الشيخ في رجاله وقال : أسند عنه ، ذكرهم النجاشي في رجاله وذكر لهم كتاب يرويه عن ذلك الامام ، مثل :

١ ـ محمّد بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

٢ ـ أبان بن عبد الملك الخثعمي.

٣ ـ عبد الله بن علي.

٤ ـ أحمد بن عامر بن سليمان الطائي.

٥ ـ محمّد بن إبراهيم العباسي الإمام.

٦ ـ محمّد بن ميمون التميمي الزعفراني.

٧ ـ إبراهيم بن محمّد بن أبي يحيى وغيرهم كثير.

(٤) هو النحرير الرباني السيد بشير الجيلاني رحمه‌الله ( منه ).

٧٥

والأشبه كون المراد أنّهم أسندوا عنه عليه‌السلام ولم يسندوا عن غيره من الرواة كما تتبعت ، ولم أجد رواية أحد من هؤلاء عن غيره عليه‌السلام إلاّ أحمد بن عائذ ، فإنه صحب أبا خديجة وأخذ عنه ، كما نص عليه النجاشي (١) ، والأمر فيه سهل ، فكأنه مستثنى لظهوره. انتهى.

وفيه أيضا تأمل ، فإن غير واحد ممن قيل فيه : أسند عنه ، سوى أحمد ابن عائذ رووا عن غيره عليه‌السلام أيضا ، منهم : محمّد بن مسلم على ما ذكره ولد الأستاذ العلامة ، والحارث بن المغيرة ، وبسام بن عبد الله الصيرفي.

وربما يقال : انّ الكلمة : أسند بالمعلوم ، والضمير للراوي ، إلاّ أن فاعل أسند ابن عقدة ، لأنّ الشيخ رحمه‌الله ذكر في أول رجاله أنّ ابن عقدة ذكر أصحاب الصادق عليه‌السلام وبلغ في ذلك الغاية. قال رحمه‌الله : وإني ذاكر ما ذكره ، وأورد من بعد ذلك ما لم يذكره (٢) ، فيكون المراد : أخبر عنه ابن عقدة ، وليس بذلك البعيد.

وربما يظهر منه : وجه عدم وجوده إلاّ في كلام الشيخ. وسبب ذكر الشيخ ذلك في رجاله دون الفهرست ، وفي أصحاب الصادق عليه‌السلام دون غيره (٣). بل وثمرة قوله رحمه‌الله : إني ذاكر ما ذكره ابن عقدة ثم أورد ما لم يذكره. فتأمل جدا (٤).

__________________

(١) رجال النجاشي : ٩٨ / ٢٤٦.

(٢) رجال الشيخ : ٢.

(٣) ذكرنا فيما سبق المواضع التي وردت الكلمة في حقهم ، من أصحاب باقي الأئمة عليهم‌السلام.

(٤) وقد فصّل القول في معنى الكلمة ومدلولها ومواردها ومعناها اللغوي السيد الجلالي في مقالته التي نشرت في مجلة تراثنا ، العدد الثالث ، السنة الأولى ، تحت عنوان : المصطلح الرجالي « أسند عنه » ما هو؟ وما هي قيمته الرجالية؟.

٧٦

فائدة :

لا يخفى أنّ كثيرا من القدماء سيّما القميين وابن الغضائري كانت لهم اعتقادات خاصة في الأئمة عليهم‌السلام‌ بحسب اجتهادهم ، لا يجوّزون التعدي عنها ، ويسمون التعدي : غلوا وارتفاعا ، حتى أنّهم جعلوا مثل نفي السهو عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غلوا ، بل ربما جعلوا التفويض ـ المختلف فيه ـ إليهم ، أو نقل خوارق العادات عنهم ، أو الإغراق في جلالتهم ، وذكر علمهم بمكنونات السماء والأرض ارتفاعا ، أو مورثا للتهمة.

وذلك لأنّ الغلاة كانوا مختفين في الشيعة ، ومخلوطين بهم ، مدلّسين أنفسهم عليهم ، فبأدنى شبهة كانوا يتّهمون الرجل بالغلوّ والارتفاع ، وربما كان منشأ رميهم بذلك وجدان رواية ظاهرة فيه منهم ، أو ادعاء أرباب ذلك القول كونه منهم ، أو روايتهم عنه ، وربما كان المنشأ روايتهم المناكير ، الى غير ذلك.

وبالجملة الظاهر أنّ القدماء كانوا مختلفين في المسائل الأصولية ، فربما كان شي‌ء عند بعضهم فاسدا أو كفرا أو غلوّا ، وعند آخرين عدمه ، بل مما يجب الاعتقاد به ، فينبغي التّأمل في جرحهم بأمثال الأمور المذكورة.

ومما ينبه على ما ذكرنا ملاحظة ما سيذكر في تراجم كثيرة ، ويأتي في إبراهيم بن عمر ، وغيره ، ضعف تضعيفات ابن الغضائري وفي إبراهيم بن إسحاق وسهل بن زياد ضعف تضعيف أحمد بن محمّد بن عيسى ، مضافا الى غيرهما من التراجم فتأمل (١).

__________________

(١) التعليقة : ٨.

٧٧

فائدة :

للتفويض معان :

أولا : يأتي في آخر الكتاب (١).

ثانيا : تفويض الخلق والرزق إليهم عليهم‌السلام ، ولعلّه يرجع الى الأول ، وورد فساده عن الصادق (٢) والرضا (٣) عليهما‌السلام.

ثالثا : تفويض تقسيم الأرزاق ، ولعلّه مما يطلق عليه (٤).

رابعا : تفويض الأحكام والأفعال إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بأن يثبت ما رآه حسنا ، ويرد ما رآه قبيحا ، فيجيز الله تعالى ذلك ، كإطعام الجدّ السدس ، وإضافة الركعتين في الرباعيات ، والركعة في المغرب ، والنوافل‌

__________________

(١) تعليقة الوحيد : ٤١٠ عند ذكره للفرق ، وفيه : ومنها المفوّضة ، القائلون بأنّ الله خلق محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفوّض إليه أمر العالم ، فهو الخلاّق للدنيا وما فيها ، وقيل : فوّض ذلك الى علي عليه‌السلام ، وربما يقولون بالتفويض إلى سائر الأئمة.

(٢) نقل العلامة المجلسي في البحار ٢٥ : ٣٤٣ / ٢٥ ، عن كتاب اعتقاد الصدوق : عن زرارة أنّه قال : قلت للصادق عليه‌السلام : إنّ رجلا من ولد عبد الله بن سبأ يقول بالتفويض ، فقال : وما التفويض؟ قلت : إنّ الله تبارك وتعالى خلق محمّدا وعليّا صلوات الله عليهما ، ففوّض إليهما ، فخلقا ورزقا وأماتا وأحييا ، فقال عليه‌السلام : كذب عدوّ الله ، إذا انصرفت إليه فاتل عليه هذه الآية التي في سورة الرعد : ( « أَمْ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْ‌ءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهّارُ ). الرعد : ١٦.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ١٢٤ / ١٧ بسنده عن الامام الرضا عليه‌السلام أنّه قال : .. ومن زعم أن الله عزّ وجل فوّض أمر الخلق والرزق الى حججه عليهم‌السلام فقد قال بالتفويض ،. والقائل بالتفويض مشرك.

(٤) بصائر الدرجات : ٣٦٣ / ١١ بسنده عن علي بن الحسين عليه‌السلام أنّه قال :. يا أبا حمزة لا تنامنّ قبل طلوع الشمس فإنّي أكرهها لك ، إنّ الله يقسّم في ذلك الوقت أرزاق العباد ، وعلى أيدينا يجريها.

٧٨

أربعا وثلاثين ، وتحريم كل مسكر عند تحريم الخمر ، الى غير ذلك (١).

وهذا محل إشكال عندهم رحمهم‌الله ، لمنافاته لظاهر ( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ) (٢) وأمثاله ، والكليني رحمه‌الله قائل به ، والأخبار الكثيرة واردة فيه (٣).

ووجّه : بأنها تثبت من الوحي إلاّ أن الوحي تابع ومجيز.

خامسا : تفويض الإرادة ، بأن يريد شيئا لحسنه ولا يريد شيئا لقبحه ، كإرادة تغيّر القبلة ، فأوحى الله تعالى إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما أراد (٤).

سادسا : تفويض القول بما هو أصلح له وللخلق ، وإن كان الحكم الأصلي خلافه ، كما في صورة التقية (٥).

سابعا : تفويض أمر الخلق ، بمعنى : أنّه أوجب عليهم طاعته في كل ما يأمر وينهى ، سواء علموا وجه الصحة أم لا ، بل وإن كان بحسب ظاهر نظرهم عدم الصحة ، بل الواجب عليهم القبول على وجه التسليم (٦).

وبعد الإحاطة بما ذكر يظهر أنّ القدح بمجرد رميهم بالتفويض لا يخلو أيضا من إشكال ، وفي محمّد بن سنان ما يشير إليه (٧).

__________________

(١) راجع بحار الأنوار : ٢٥ / ٣٢٨ وما بعدها ، فصل في بيان التفويض ومعانيه ، وتفسير آية ٧ من سورة الحشر قوله تعالى : ( وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ).

(٢) النجم : ٥٣ / ٣.

(٣) الكافي : ١ / ٣٦٣ ، باب في معرفتهم أوليائهم والتفويض إليهم.

(٤) مجمع البيان : ١ / ٢٢٧.

(٥) راجع مقباس الهداية : ٢ / ٣٧٩ ، الرابع.

(٦) راجع تفسير الآية ٦٥ من سورة النساء : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ).

(٧) التعليقة : ٨.

٧٩

فائدة :

أبو العباس الذي يذكره النجاشي على الإطلاق‌ ، قيل : مشترك بين ابن نوح ، وابن عقدة (١) ، وليس كذلك ، بل هو الأول ، ويأتي في إبراهيم بن عمر اليماني (٢).

فائدة :

كلمة « مولى » بحسب اللغة لها معان معروفة‌ (٣) ، وأمّا في المقام :

__________________

(١) اختلفت كلمات الرجاليين في تعيين أبي العباس ، فمنهم من جعله : ابن عقدة ، ومنهم من عيّنه ابن نوح ، والأكثر على أنّه مشترك. فقال الكاظمي في تكملة الرجال : ١ / ٣٥٠ في ترجمة : حفص بن البختري : فنقل النجاشي عن أبي العباس ـ وهو ابن عقدة ـ توثيقه.

وجاء في الهامش منه أيضا : ويحتمل أن يكون ابن نوح على ضعف ، وإن كان ينقل عن كليهما ، لأنّ الظاهر أنّه عند الإطلاق يراد بأبي العباس : ابن عقدة ، وإذا أراد به ابن نوح قيّده ، كما يظهر من تتبعه ، والشيخ محمّد في الشرح ردده بينهما ، والأظهر ذلك وسيجي‌ء في ترجمة حفص بن سوقة ما يؤيده ، ووافقنا على هذا المجلسي فيما سيجي‌ء ـ إنّ شاء الله ـ في ترجمة الحكم بن حكيم.

وقال الشيخ البهائي في مشرق الشمسين : ٣١٣ : لا يقال إنّ النجاشي نقل توثيق حكم ابن حكيم عن أبي العباس ، وهو مشترك بين ابن نوح الإمامي ، وابن عقدة الزيدي ، فكيف عددت حديث حكيم من الصحيح ، والمعدل له مشترك ، قلنا : الاشتراك هنا غير مضر ، وابن عقدة وإن كان زيديا ، إلاّ أنّه ثقة مأمون ، وتعديل غير الإمامي إذا كان ثقة لمن هو إمامي حقيق بالاعتبار والاعتماد ، فان الفضل ما شهدت به الاعداء.

نعم ، جرح غير الإمامي للإمامي لا عبرة به ، وإن كان الجارح ثقة.

(٢) في التعليقة : ٢٤ ، في ترجمته : وما قيل من أنّ أبا العباس مشترك ـ والقائل هو الشهيد الثاني في تعليقه على الخلاصة ـ ففيه أنّ الظاهر أنّه ابن نوح ، لأنّه شيخ النجاشي ، مع أنّ ابن عقدة بينه وبينه وسائط ، مضاف إلى أنّ ابن نوح جليل ، والآخر عليل ، والإطلاق ينصرف الى الكامل ، سيّما عند أهل هذا الفن ، خصوصا النجاشي ، فإنّه يعبرون عن الكامل به ، أمّا الناقص فلا ، بل ربما كان عندهم ذلك تدليسا ، فتأمل.

(٣) راجع القاموس : ٤ / ٤٠١ ، والصحاح : ٦ / ٢٥٢٩ ، وتاج العروس : ١٠ / ٣٩٩ ، ولسان

٨٠