منتهى المقال في أحوال الرّجال - ج ١

الشيخ محمّد بن إسماعيل المازندراني

منتهى المقال في أحوال الرّجال - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد بن إسماعيل المازندراني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-89-2
ISBN الدورة:
964-5503-88-4

الصفحات: ٣٩٣

يظهر من الخارج ، على أنّه ربما يكون ظاهر الشيخية حسن العقيدة الى أن يثبت الخلاف ، فتأمّل.

وقال جماعة : إنّ مشايخ الإجازة لا يضر مجهوليتهم ، لأنّ أحاديثهم مأخوذة من الأصول المعلومة ، وذكرهم لمجرد اتصال السند أو للتيمن (١).

وفيه : انّ ذلك غير ظاهر ، مضافا الى عدم انحصار ذلك في تلك الجماعة ، فكم من معروف منهم بالجلالة لم يصححوا حديثه ، فضلا عن المجهول ، على أنّه لا وجه لتضعيف أحاديث سهل بن زياد وأمثاله ، ممن حاله حال تلك الجماعة في الوساطة للكتب ، مشايخ الإجازة كانوا أم لا (٢).

وبالجملة لا وجه للتخصيص بمشايخ الإجازة ، ولا من بينهم بجماعة خاصة.

ودعوى : أنّ غيرهم ربما يروي من غير تلك الأصول دون الجماعة ، وأنّ ذلك كان ظاهرا على العلامة ، بل ومن تأخر عنه ، جزاف ، على أنّ النقل عنها غير معلوم إغناؤه عن التعديل ، لعدم معلومية كل واحد من أحاديثها‌

__________________

(١) كما ذهب إلى هذا المجلسي الأول في أكثر من موضع ، قال في ترجمة محمّد بن علي الكوفي : ١٤ / ٢٨ : والظاهر أنّ مساهلتهم في النقل عن أمثاله لكونه من مشايخ الإجازة ، والأمر فيه سهل ، لأن الكتاب إذا كان مشتهرا متواترا عن صاحبه يكفي في النقل عنه ، وكان ذكر السند لمجرد التيمن والتبرك.

(٢) قال السيد الصدر في نهاية الدراية : ١٥٨ : أقول : مجرد كونه من مشايخ الإجازة لا يفيد شيئا ، إذ ربما أخذوا من الضعيف لعلو إسناده ، أو لمجرد إخراج الحديث من الإرسال واتصال المستجيز بالسند ليدخل في المسانيد وإن كان المجيز فاسد المذهب ، ولو كان لمجرد كونه من مشايخ الإجازة ظهور في الوثاقة لصحّحوا أخبار سهل بن زياد ، فإنه من مشايخ الإجازة ، كما حكى المجلسيان رحمهما الله ، ولما قالوا انّ الجهل بمشايخ الإجازة غير قادح لأنّ المستجاز فيه من الأصول المعلومة ، وأجمل محامل من قال بدلالة ذلك على المدح والعدالة عندي أنّه لا يريد كلية الكبرى ، بل يريد هؤلاء الاعلام المشهورين بالتعظيم والجلالة عند الطائفة.

١٠١

بالخصوص ، وكذا الكيفية المودعة ، والقدماء كانوا لا يروونها إلاّ بالإجازة أو القراءة وأمثالهما ، ويلاحظون الواسطة غالبا حتى في كتب الحسين بن سعيد الذي جلّ رواية تلك الجماعة عنه ، وسيجي‌ء في أخيه الحسن ما يدل عليه ، وكذا في كتب كثير ممن ماثله من الأجلّة ، مع أنّ هذه الكتب أشهر وأظهر من غيرها.

وربما يقال في وجه الحكم بالصحة أنّ الاتفاق على الحكم بها دليل على الوثاقة.

وفيه : أنّ الظاهر أنّ منشأ الاتفاق أحد الأمور المذكورة (١).

ومنها : أن ينقل حديث غير صحيح في مدحه ، فان المظنون تحققه فيه عند المتأخرين ، ويقوى إذا تأيّد باعتداد المشايخ ، ونقلهم إياه في بيان حال الرجل (٢).

__________________

(١) قال الشيخ حسن في منتقى الجمان : ١ / ٣٩ : الفائدة التاسعة : يروي المتقدّمون من علمائنا رضي الله عنهم عن جماعة من مشايخهم ، الّذين يظهر من حالهم الاعتناء بشأنهم ، وليس لهم ذكر في كتب الرجال ، والبناء على الظاهر يقتضي إدخالهم في قسم المجهولين ، ويشكل بأنّ قرائن الأحوال شاهدة ببعد اتخاذ أولئك الأجلاء الرجل الضعيف أو المجهول شيخا يكثرون الرواية عنه ويظهرون الاعتناء به ، ورأيت لوالدي رحمه‌الله كلاما في شأن بعض مشايخ الصدوق رحمه‌الله قريبا مما قلناه ، وربما يتوهم أنّ في ترك التعرّض لذكرهم في كتب الرجال إشعارا بعدم الاعتماد عليهم ، وليس بشي‌ء ، فإن الأسباب في مثله كثيرة ، وأظهرها أنه لا تصنيف لهم ، وأكثر الكتب المصنفة في الرجال لمتقدمي الأصحاب اقتصروا فيها على ذكر المصنفين ، وبيان الطرق إلى رواية كتبهم. الى آخر كلامه وفيه فوائد جمة.

(٢) قال المقدس الكاظمي في عدته : ٢٦ : وهذا كما حكم الشهيد الثاني رحمه‌الله بوثاقة عمر ابن حنظلة لقول الصادق عليه‌السلام في حديث الوقت : إذن لا يكذب علينا ، مع ما في سنده من الضعف لمكان يزيد بن خليفة ، وما ذلك إلا لرواية الأجلاء كالكليني له ، وعمل كثيرين به ، فضعف اعتراض ولده المحقق صاحب المعالم واستغرابه للتوثيق بمجرد هذا الخبر الضعيف لا وجه له.

١٠٢

وأضعف من ذلك ما لو روى الراوي بنفسه ذلك ، ويحصل الظن بملاحظة اعتداد المشايخ ونقلهم إياه ، كما في كثير من التراجم.

ومنها : كونه من آل أبي الجهم ، لما في منذر بن محمّد (١) ، وسعيد بن أبي الجهم (٢).

ومنها : كونه من آل نعيم الأزدي ، لما في بكر بن محمّد (٣) ، وجعفر بن المثنى (٤) ، والمثنى بن عبد السلام.

ومنها : كونه من آل أبي شعبة ، ويأتي في : عمر بن أبي شعبة (٥).

ومنها : قول العدل : حدثني بعض أصحابنا ، قال المحقق : يقبل وإن لم يصفه بالعدالة ، إذا لم يصفه بالفسوق (٦) ، لأن إخباره بمذهبه شهادة بأنّه من أهل الأمانة ، ولم يعلم منه الفسق المانع من القبول.

وإن قال : بعض أصحابه ، لم يقبل ، لإمكان أن يعني نسبته إلى الرواة‌

__________________

(١) لما في رجال النجاشي : ٤١٨ / ١١١٨ حيث قال في ترجمته : من أصحابنا من بيت جليل.

(٢) لما في رجال النجاشي : ١٧٩ / ٤٧٢ حيث قال : كان ثقة في حديثه ، وجها بالكوفة ، وآل أبي الجهم بيت كبير بالكوفة.

راجع رجال السيد بحر العلوم : ١ / ٢٧٢ ـ ٢٧٥ ترجمة آل أبي جهم القابوسي.

(٣) لما في رجال النجاشي : ١٠٨ / ٢٧٣ : وجه في هذه الطائفة ، من بيت جليل بالكوفة ، من آل نعيم الغامديين.

(٤) لما في رجال النجاشي : ١٢١ / ٣٠٩ : ثقة ، من وجوه أصحابنا الكوفيين ، ومن بيت آل نعيم.

وذكر السيد بحر العلوم في رجاله : ١ / ٢٨٣ ـ ٢٨٩ ترجمة آل نعيم الأزدي الغامدي.

(٥) حيث قال النجاشي : ٢٣٠ / ٦١٢ في ترجمة عبيد الله بن علي بن أبي شعبة الحلبي : وآل أبي شعبة بالكوفة بيت مذكور من أصحابنا.

وترجمهم السيد بحر العلوم في رجاله : ١ / ٢١٤ ـ ٢٢٢.

(٦) في نسخة « م » : بالفسق.

١٠٣

وأهل العلم ، فيكون البحث فيه كالمجهول ، انتهى (١). وفيه نظر (٢).

ومنها : رواية الجليل عن غير واحد ، أو عن رهط مطلقا أو مقيدا بقول من أصحابنا ، وعندي أنّ هذه الرواية في غاية القوة ، بل أقوى من كثير من الصحاح ، وربما تعد من الصحاح لبعد أن لا يكون فيهم ثقة (٣).

ومنها : رواية الجليل عن أشياخه ، فإن علم أنّ فيهم ثقة فالظاهر صحة الرواية ، وكذا إن علم أنّ فيهم من مشايخ الإجازة أو من أشباههم ، وإلاّ فهي في غاية القوة مع احتمال الصحة ، لبعد الخلو عن الثقة. ورواية حمدويه عن أشياخه من الأول (٤) ، لأن فيهم العبيدي (٥) ، وهو ثقة كما يأتي (٦).

__________________

(١) معارج الأصول : ١٥١ وعبارته هكذا : إذا قال أخبرني بعض أصحابنا ، وعنى الإمامية ، يقبل وإن لم يصفه بالعدالة ـ إذا لم يصفه بالفسوق ـ لأنّ إخباره بمذهبه شهادة بأنّه من أهل الأمانة ، ولم يعلم منه الفسوق المانع من القبول.

فان قال : عن بعض أصحابه ( خ. ل أصحابنا ) لم يقبل ، لا مكان أن يعني نسبته إلى الرواة ، أو أهل العلم ، فيكون البحث فيه كالمجهول.

(٢) وتنظّر فيه أيضا المامقاني في المقباس : ٢ / ٢٨٧ حيث قال : وأنت خبير بأنّ ما ذكره غير مستقيم ، لأنّ السكوت عن تفسيقه أعمّ من التوثيق ، مضافا إلى عدم صراحة بعض أصحابنا في كون المقول فيه إماميا كما مرّ ، فتأمّل.

(٣) عقّبها البهبهاني في التعليقة : ١١ بقوله : وفيه تأمل ، وقال المحقق الشيخ محمّد : إذا قال ابن أبي عمير عن غير واحد ، عدّ روايته من الصحيح ، حتى عند من لم يعمل بمراسيله.

وقال في المدارك : لا يضر إرسالها لأن في قوله : غير واحد ، إشعار بثبوت مدلولها عنده ، وفي تعليله تأمّل فتأمّل.

(٤) وردت رواية حمدويه عن أشياخه في رجال الكشي : ٣١٣ / ٥٦٦ ، ٣٨٥ / ٧٢٠ ، ٤١٤ / ٧٨٠ و ٧٨٣ ، ٥٦٤ / ١٠٦٥ ، ٦١٢ / ١١٤١.

(٥) وهو محمّد بن عيسى بن عبيد بن يقطين.

(٦) قال الجزائري في حاوي الأقوال في ترجمة جعفر بن عثمان بن زياد الرواسي : روى الكشي رحمه‌الله عن حمدويه عن أشياخه أنّه ثقة فاضل خير. ، ثم قال : قلت : لا يتوهم أنّ ما نقله الكشي مرسل ولا يفيد التوثيق لأنّ بعض مشايخ حمدويه ثقة والإضافة تفيد العموم ،

١٠٤

ومنها : قولهم : فقيه من فقهائنا ، بل يشير إلى الوثاقة.

وقريب منه قولهم : فقيه (١).

ومنها : قولهم : فاضل (٢) ، أو ديّن (٣). ويأتي في الحسن بن علي بن فضال (٤).

__________________

قيل : وفيه نظر.

(١) قال الوحيد البهبهاني في التعليقة : ١٠ : ومنها قولهم : فقيه من فقهائنا وهو يفيد الجلالة بلا شبهة ويشير إلى الوثاقة ، والبعض بل لعلّ الأكثر لا يعدّه من أماراتها ، إمّا لعدم الدلالة عنده ، أو لعدم نفع مثل تلك الدلالة ، وكلاهما ليس بشي‌ء ، بل ربما يكون أنفع من بعض توثيقاتهم ، فتأمل ولاحظ ما ذكرناه في الفائدتين وهذه الفائدة وعبارة النجاشي في إسماعيل ابن عبد الخالق تشير إلى ما ذكرناه ، فلاحظ وتأمل ، وقريب مما ذكر قولهم : فيه. انتهى.

وقد عدّ جمع هذه العبارة في ضمن أمارات الوثاقة والمدح كما في الرواشح : ٦٠ ، عدة الكاظمي : ١٩ ، مقباس الهداية : ٢ / ٢٤٨ ، ونهاية الدراية : ١٤٨.

(٢) وقد عدّ الشهيد الثاني في الرعاية : ٢٠٥ : فاضل من أمارات المدح الملحق لحديث المقول فيه بالحسن ، وعدم إفادتها التعديل ، ثم قال : وأمّا الفاضل ، فظاهر عمومه ، لأنّ مرجع الفضل إلى العلم ، وهو يجامع الضعف بكثرة.

وقد عدّ جمع الكلمة من ألفاظ المدح كما في الرعاية : ٢٠٥ ، والرواشح : ٦٠ ، ومقباس الهداية : ٢ / ٢٤٧ ، نهاية الدراية : ١٤٨ ، وقد عدّها السيد في العدّة : ١٩ ، من الألفاظ التي تفيد التوثيق.

(٣) قال المامقاني في المقباس : ٢ / ٢٤٧ : ولا شبهة في دلالته على المدح المعتد به المقارب للتوثيق ، بل يحتمل دلالته على ذلك ، لأن الدّين لا يطلق إلا على من كان ملتزما بجميع أحكام الدين ، ومن كان كذلك فهو عدل.

وقد عدها السيد في العدّة : ١٩ من الألفاظ التي تفيد التوثيق أيضا.

وذكرها السيد الصدر في نهاية الدراية : ١٤٨ ضمن ألفاظ المدح.

وقال الأصفهاني في الفصول الغروية : ٣٠٣ : ومنها قولهم : ورع أو تقي أو دين ، والأولان نص في التعديل ، والأخير ظاهر فيه ، بل لا يبعد اختصاصه عرفا به.

(٤) يأتي في ترجمته نقلا عن الكشي والنجاشي قول الفضل بن شاذان لأبيه فيه : هذا ذاك العابد الفاضل ، قال : هو ذاك.

راجع رجال الكشي : ٥١٥ / ٩٩٣ ، رجال النجاشي : ٣٤ / ٧٢.

١٠٥

ومنها : قولهم : أوجه من فلان ، أو أصدق ، أو أوثق ، وما أشبه ذلك ، مع كون فلان وجها ، أو صدوقا ، أو ثقة ، بل يشير الأخير إلى الوثاقة (١).

ومنها : توثيق علي بن الحسن بن فضّال (٢) ، أو ابن عقدة ، ومن‌

__________________

(١) قال الأصفهاني في الفصول : ٣٠٣ : وأمّا قولهم : أوجه من فلان ، حيث يكون المفضّل عليه ثقة ، فأقوى في المدح ، ويحتمل قويّا عدّه توثيقا.

ومنها قولهم : أصدق لهجة من فلان ، حيث يكون المفضّل عليه ثقة ، والظاهر أنّه يفيد مدحا يعتد به في العمل بروايته ، وكذا لو كان المفضّل عليه هنا وفيما مرّ ممدوحا بما يصحّ الاعتماد على روايته.

وقد فصّل الكلام الكاظمي في العدّة : ٢٠ حيث قال : والتفضيل على الموثق والممدوح أدلّ على الوثاقة والمدح من الأصل ، فان لم يثبت في المفضّل عليه كما في مثل : أوثق إخوته ، أو من أبيه مع عدم العلم بوثاقة الأب والإخوة كان الأصل أدل ، فإنا نجد أنّ قولنا هو ثقة أدلّ على الوثاقة من ذلك ، وكذلك صدوق ، وأصدق إخوته ، ووجه وأوجههم. وربما يتعلّق في التوثيق بالتفضيل عليه لمكان المشاركة.

وهذا كما يجعل للحسين بن علوان حظا في الوثاقة ، بقول ابن عقدة في أخيه الحسن : إنّه كان أوثق من أخيه. وكذلك قول النجاشي بعد حكمه على الحسين بأنّه عامي ثقة ، والحسن أخص بنا وأولى.

والحقّ أنّه لا دلالة في ذلك على التوثيق ، لشيوع استعمال أفعل مجردا.

وقد وقع في كلامهم التفضيل بالوثاقة على من لا حظّ له فيها من الضعفاء المتّهمين ، وهذا كما قال النجاشي في الحسن بن محمّد بن جمهور العمّي أبو محمّد البصري : ثقة في نفسه ، ينسب إلى بني العم ، يروي عن الضعفاء ، ويعتمد المراسيل ، ذكره أصحابنا بذلك وقالوا : كان أوثق من أبيه. مع قولهم في أبيه على ما في النجاشي : انّه ضعيف في الحديث ، فاسد المذهب ، وأن فيه أشياء الله أعلم بها من عظمها ، روى عن ابنه الحسن.

وكان ما رمي به من الرّواية عن الضّعفاء لروايته عن أبيه ونحوه.

(٢) وقد ناقش المامقاني في المقباس : ٢ / ٢٦٦ في ذلك حيث قال : قلت : الموجود في ترجمته : أنّه قلّ ما روى عن ضعيف وكان فطحيا ، ولم يرو عن أبيه شيئا.

ودلالته على ما رام إثباته كما ترى ، لأنّ قلّة روايته عن الضعيف تجتمع مع كون من نريد استعلام حاله ضعيفا ، لأنهم لم يشهدوا بعدم روايته عن ضعيف ، بل بقلّة روايته عن ضعيف ، فلا تذهل. ثم قال :

١٠٦

ماثلهما (١).

وأمّا ابن نمير ، فلا يبعد حصول قوة من قوله بعد ملاحظة اعتداد المشايخ به ، سيّما إذا ظهر تشيّع من وثّقوه ، خصوصا إذا اعترف الموثّق بتشيعه (٢).

ومنها : قولهم : شيخ الطائفة ، وأمثال ذلك ، بل يشير إلى الوثاقة ، وهو‌

__________________

وتوهم إمكان الاستدلال للمطلوب بما ورد من الأمر بالأخذ بما رووا بنو فضال وترك ما رأوا ، مدفوع بأنّ الأخذ بما يرويه ، عبارة عن تصديقه في روايته ، وأين ذلك وكيف هو من الدلالة على عدالة من رووا عنه شيئا أو صدقه؟ فهم مصدّقون في الأخبار بأنّ فلانا روى عن الصادق عليه‌السلام كذا ، وذلك لا يستلزم بوجهه صدق فلان أيضا ، هذا مضافا إلى أنّه إن تمّ لاقتضى كون رواية كل من بني فضال كذلك لا خصوص عليه ، ولم يلتزم بذلك أحد كما لا يخفى.

(١) قال السيد الأعرجي في العدّة : ٢٥ : وأمّا توقفهم في توثيق ابن فضّال وابن عقدة وأضرابهما من الثقات المنحرفين ، من أئمة هذا الشأن ، وأهل القدم الراسخ فيه ، والباع الطويل ، فالذي يستفاد من تتبع سيرة قدماء الأصحاب هو الاعتماد على أمثال هؤلاء ، كما يعرب عنه تصفح كتب الرجال ، وناهيك في علي بن الحسن بن فضّال اعتماد الثقة الجليل محمّد بن مسعود العياشي عليه ، حتى أنّه ليكتفي بمجرد أن يقول من دون أن يسأله عن الوجه في ذلك ، كما وقع له غير مرّة ، فلا وجه للتوقف فيه وفي اضرابه.

نعم توثيق مثله إنما يفيد الوثاقة بالمعنى الأعم ، فإن ثبت كون من وثقوه مستقيما على الطريقة أفاد الوثاقة بالمعنى الأخص.

فأمّا نصر بن الصّباح ، فإنّه وإن رمي بالغلو وارتفاع القول ، لكن الثقات الأجلاء كابن مسعود والكشي تناولوا منه ورووا عنه. وعدّ قوم توثيقهم مدحا قريبا من التوثيق.

(٢) قال السيد الأعرجي في العدّة : ٢٥ : وأمّا ثقات العامة كابن نمير ، فقال الأستاذ : إنّه لا يبعد عن مكانة ابن فضال.

وقال الوحيد في التعليقة : ١٠ : وأمّا توثيق ابن نمير ومن ماثله ، فلا يبعد حصول قوة منه ، بعد ملاحظة اعتداد المشايخ به واعتمادهم عليه ، كما سيجي‌ء في إسماعيل بن عبد الرحمن ، وحميد بن حماد ، وجميل بن عبد الله ، وعلي بن حسان ، والحكم بن عبد الرحمن ، وغيرهم ، سيّما إذا ظهر تشيع من وثقوه ، كما هو في كثير من التراجم ، وخصوصا إذا اعترف الموثق بتشيعه ، وقس على توثيقهم مدحهم وتعظيمهم.

١٠٧

أولى من الوكالة ، وشيخية الإجازة ، وغيرهما ، مما حكموا بشهادته على الوثاقة (١).

ومنها : توثيق العلاّمة وابن طاوس ونظائرهما ، وهو من أمارات الوثاقة (٢) ، وتوقف الشهيد (٣) ، وصاحب المعالم فيه ، وولده في العلامة ولا‌

__________________

(١) قال العاملي في وصول الأخيار : ١٩٢ : أما نحو شيخ هذه الطائفة وعمدتها ووجهها ورئيسها ونحو ذلك فقد استعملها أصحابنا فيمن يستغنى عن التوثيق لشهرته ، إيماء إلى أنّ التوثيق دون مرتبته.

وقال الأعرجي في العدّة : ١٩ : وأمّا نحو شيخ الطائفة وفقيهها فظاهر في التوثيق ، وما كانت الطائفة لترجع إلاّ لمن تثق بدينه وأمانته.

وعلق المامقاني في المقباس : ٢ / ٢٢٤ بقوله : فإذا قيل : فلان شيخ الطائفة ، كان التعرض لاماميته ووثاقته مستنكرا حشوا ، لكون مفاد العبارة عرفا أعظم من الوثاقة ، ألا ترى أنك لو سألت أحدا عن عدالة شيخ من شيوخ الطائفة استنكر أهل العرف ذلك.

(٢) وقد ناقش في ذلك السيد الخويي في المعجم : ١ / ٤٣ فقال : ومما تثبت به الوثاقة أو الحسن أن ينص على ذلك أحد الأعلام المتأخرين ، بشرط أن يكون من أخبر عن وثاقته معاصرا للمخبر ، أو قريب العصر منه ، كما يتفق ذلك في توثيقات الشيخ منتجب الدين ، أو ابن شهرآشوب.

وأمّا في غير ذلك كما في توثيقات ابن طاوس والعلامة وابن داود ، ومن تأخر عنهم كالمجلسي لمن كان بعيدا عن عصرهم فلا عبرة بها ، فإنها مبنية على الحدس والاجتهاد جزما ، وذلك فإن السلسلة قد انقطعت بعد الشيخ ، فأصبح عامة الناس ـ إلاّ قليلا منهم ـ مقلّدين يعملون بفتاوى الشيخ ويستدلون بها كما يستدل بالرواية ، على ما صرح به الحلي في السرائر ، وغيره في غيره.

(٣) قال الشهيد الثاني في الرعاية : ١٨٠ : فلا ينبغي لمن قدر على البحث تقليدهم في ذلك ، بل ينفق مما آتاه الله ، فلكل مجتهد نصيب.

فان طريق الجمع بينهما يلتبس على كثير ، حسب اختلاف طرقه وأصوله في العمل بالأخبار الصحيحة والحسنة والموثقة ، وطرحها أو بعضها.

فربما لم يكن في أحد الجانبين حديث صحيح ، فلا يحتاج إلى البحث عن الجمع بينهما ، بل يعمل بالصحيح خاصة ، حيث يكون ذلك من أصول الباحث.

وربما يكون بعضها صحيحا ، ونقيضه حسنا أو موثقا ويكون من أصله العمل بالجميع ،

١٠٨

يبعد موافقة غيرهم لهم (١) ، ولعلّه ليس في موضعه لحصول الظن (٢).

وقال جدّي : العادل أخبر أو شهد فلا بدّ من القبول (٣).

وهو حسن ، نعم لو ظهر ما يشير الى توهم منهم فالتوقف فيه كما في غيره ، وقصرهم رحمهم‌الله التوثيق في القدماء غير معلوم ، بل ربما يكون الظاهر خلافه مع أن ضرره غير ظاهر (٤).

__________________

فيجمع بينهما بما لا يوافق أصل الباحث الآخر. ونحو ذلك.

وكثيرا ما يتفق لهم التعديل بما لا يصلح تعديلا ، كما يعرفه من يطالع كتبهم ، سيّما « خلاصة الأقوال » التي هي الخلاصة في علم الرجال. (١) قال العاملي في وصول الأخيار : ١٦٢ : لكن ينبغي للماهر تدبر ما ذكروه ، فلعلّه يظفر بكثير ممّا أهملوه ، أو يطلع على توجيه قد أغفلوه ، خصوصا مع تعارض الجرح والمدح ، فلا ينبغي لمن قدر على التمييز التقليد ، بل ينفق مما آتاه الله ، فلكل مجتهد نصيب.

(٢) التعليقة : ١٠ والعبارة فيها هكذا : ومنها : توثيق العلامة وابن طاوس ونظائرهما ، وتوقف المحقق الشيخ محمّد في توثيقات العلامة ، وصاحب المعالم في توثيقاته وتوثيقات ابن طاوس ، وكذا الشهيد بل ولا يبعد أنّ غيرهم أيضا توقف ، بل توقف في نظائرهما أيضا ، ولعلّه ليس في موضعه ، لحصول الظن منها والاكتفاء به. إلى آخره.

وقال الداماد في الرواشح : ٥٩ الراشحة الحادية عشر : هل حكم العالم المزكي كالعلامة والمحقق وشيخنا الشهيد في كتبهم الاستدلالية بصحة حديث مثلا في قوة التزكية والتعديل لكل من رواته على التنصيص والتعيين ، وفي حكم الشهادة الصحيح التعويل عليها في باب أي منهم بخصوصه أم لا؟ وجهان وأولى بالعدم على الأقوى.

وكذلك في التحسين والتوثيق والتقوية والتضعيف ، إذ يمكن أن يكون ذلك بناء على ما ترجح عندهم في أمر كل من الرواة من سبيل الاجتهاد ، فلا يكون حكمهم حجة على مجتهد آخر ، نعم إذا كان بعض الرواة غير مذكور في كتب الرجال ، أو مذكورا غير معلوم حاله ، ولا هو بمختلف في أمره ، لم يكن على البعد من الحق أن يعتبر ذلك الحكم من تلقائهم شهادة معتبرة في حقه.

(٣) راجع روضة المتقين : ١٤ / ١٧ ـ ١٨.

(٤) قال المامقاني في المقباس : ٢ / ٢٩١ : ودعوى قصرهم توثيقهم في توثيقات القدماء ، مدفوعة بأنه غير ظاهر ، بل ظاهر جملة من التراجم خلافه ، مع أنّ ضرر القصر غير ظاهر ، بل لا شبهة في إرادتهم بالثقة : العدل.

١٠٩

ومنها : توثيقات إرشاد المفيد رحمه‌الله (١) ، وإن كان ما في محمّد بن سنان يأباه ، لكن يمكن العلاج كما سيجي‌ء (٢).

فائدة :

في أسباب الذم وضعف الرواية :

منها : قولهم : ضعيف ، ونرى الأكثر يفهمون منه القدح في نفس الرجل ، ويحكمون به بسببه (٣).

__________________

نعم لو قالوا في حق شخص انّه صحيح لم يفد في إثبات الاصطلاح المتأخر ، لأنّ الصحة عندهم أعمّ من الصحة عند المتأخرين ، نعم لو قامت أمارة على توهم منهم في موضع في أصل التوثيق لزم التوقف ، وأمّا حيث لم يظهر التوهم فالأقوى الاعتبار.

(١) قال الوحيد في التعليقة : ١١ بعد هذا الكلام : وعندي أنّ استفادة العدالة منها لا يخلو عن تأمّل ، كما لا يخفى على المتأمّل في الإرشاد في مقامات التوثيق ، نعم يستفاد منها القوة والاعتماد. ثم قال : والمحقق الشيخ محمّد أيضا تأمّل فيها ، لكن قال في وجهه لتحققها بالنسبة إلى جماعة اختص بهم من دون كتب الرجال ، بل وقع التصريح بضعفهم من غيره ، على وجه يقرب الاتفاق ، ولعلّ مراده من التوثيق أمر آخر انتهى. وفي العلة نظر ، فتأمل.

وقد أجاب المامقاني في المقباس : ٢ / ٢٩١ على هذا بقوله : وهو كما ترى ، فانّ توثيقه من ضعّفوه ، أو توقفوا في حاله لا يوجب وهن توثيقاته ، غايته عدم الأخذ بتوثيقه عند تحقق اشتباهه ، فإن الخطأ من غير المعصوم عليه‌السلام غير عزيز.

(٢) لأنّه عدّه في الإرشاد : ٢ / ٢٤٨ في من روى النصّ على الرضا عليه‌السلام بالإمامة من أبيه ، من خاصته وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته.

وقال في الكتاب التاسع من مصنفات الشيخ المفيد في كتاب الرد على أهل العدد والرؤية : ٢٠ : وهذا الحديث شاذ ، نادر ، غير معتمد عليه ، طريقه محمّد بن سنان ، وهو مطعون فيه ، لا تختلف العصابة في تهمته وضعفه ، وما كان هذا سبيله لم يعمل عليه في الدين.

(٣) فقد عدّ الضعيف من أسباب الجرح جمع ، منهم : ثاني الشهيدين في الرعاية : ٢٠٩ ، والشيخ البهائي في الوجيزة : ٥.

وعدّها الداماد في الرواشح : ٦٠ من ألفاظ الجرح والذم.

وقال التقي المجلسي في الروضة : ١٤ / ٣٩٦ : بل الحكم بالضعف ليس بجرح ، فان

١١٠

ولا يخلو من ضعف (١) لما سنذكر في سهل بن زياد (٢) ، وأحمد بن‌

__________________

العادل الذي لا يكون ضابطا يقال له : إنّه ضعيف ، أي ليس قوة حديثه كقوة الثقة ، بل تراهم يطلقون الضعيف على من يروي عن الضعفاء ويرسل الأخبار.

(١) قال السيد الأعرجي في العدّة : ٢٨ عند تعداده لألفاظ القدح والجرح : نعم يقع الكلام في اصطلاحات أخر منها قولهم : ضعيف ، والمعروف أنّه قدح مناف للعدالة ، ومن تتبع طريق القدماء ودأبهم كيف يضعفون بكثرة الإرسال ، والرواية عن الضعفاء والمجاهيل.

كما قال غض في جعفر بن محمّد بن مالك بعد أن رماه بالرواية عن الضعفاء والمجاهيل وغير ذلك ، وكل عيوب الضعفاء مجتمعة فيه ، فعدّ ذلك من موجبات الضعف.

حتى أنهم لينفون من اتهموه بذلك ، كما وقع لأحمد بن محمّد بن عيسى مع أحمد بن أبي عبد الله البرقي وسهل بن زياد الآدمي وغيرهما ، عرف أنّ مطلق التضعيف غير قادح ، بل ربما ضعفوا برواية الضعفاء ومن غمز عليه.

وهذا كما قال النجاشي في محمد بن الحسن بن عبد الله الجعفري : ذكره بعض أصحابنا وغمز عليه ، روى عنه البلوى ، والبلوى رجل ضعيف مطعون عليه ، إلى أن قال : وهذا أيضا ممّا يضعفه.

وقال في جابر بن يزيد الجعفي ، وهو يغض من جانبه : وروى عنه جماعة غمز فيهم ، إلى أن قال : وكان في نفسه مختلطا.

بل قال الأستاذ : لعلّ من أسباب الضعف عندهم قلة الحافظة ، وسوء الضبط ، والرواية من غير إجازة ، والرواية عمن لم يلقه ، واضطراب ألفاظ الرواية ، وإيراد الرواية التي ظاهرها الغلو والتفويض ، أو الجبر والتشبيه ، كما هو المسطور في كتبنا المعتبرة ، قال : بل ربما كانت مثل الرواية بالمعنى عندهم من الأسباب.

فقد بان أن التضعيف في الاصطلاح القديم أعم منه في الحديث ، فاما قولهم ضعيف في الحديث فربما ظهر من تخصيص الضعف بالحديث عدم القدح بالمحدث. إلى آخر كلامه ، ونقلناه بطوله لما فيه من فوائد وتوضيح.

(٢) في التعليقة : ١٧٦ قال : قوله : سهل بن زياد ، اشتهر الان ضعفه ، ولا يخلو من نظر ، لتوثيق الشيخ ، وكونه كثير الرواية جدا ، ولأنّ روايته سديدة مقبولة مفتي بها ، ولرواية جماعة من الأصحاب عنه ، كما هو المشاهد وصرّح به هنا النجاشي ، بل ورواية أجلائهم عنه ، بل وإكثارهم من الرواية عنه ، منهم عدّة من أصحاب الكليني ، مع نهاية احتياطه في أخذ الرواية ، واحترازه عن المتّهمين ، كما هو مشهود ، وينبه عليه ما سيجي‌ء في ترجمته إكثاره من الرواية عنه بمكان ، سيّما في كافيه الذي قال في صدره ما قال ، فتأمل.

١١١

محمّد بن خالد (١) ، وغيرهما (٢).

ومنها : قولهم : ضعيف في الحديث ، وهو غير : ضعيف.

والحكم بالقدح به أضعف منه (٣) ، كما يأتي في سهل بن‌

__________________

وبالجملة أمارات الوثاقة والاعتماد والقوة التي مرت الإشارة إليها مجتمعة فيه كثيرة ، مع أنّا لم نجد من أحد من المشايخ القدماء تأمل في حديث بسببه ، حتى أنّ الشيخ رحمه‌الله مع أنّه كثيرا ما تأمّل في أحاديث جماعة بسببهم ، لم يتفق في كتبه مرة بالنسبة إليه ، بل وفي خصوص الحديث الذي هو واقع في سنده ربما يطعن ، بل ويتكلف في الطعن من غير جهته ، ولا يتأمل فيه أصلا فتأمل. إلى آخر كلامه.

(١) راجع التعليقة : ٤٣.

(٢) كما ذكر ذلك في ترجمة داود بن كثير الرقي.

وقد اعترض المولى الكني في توضيح المقال : ٤٣ على الوحيد ، فقال : ومنها : ضعيف ، ولا ريب في إفادته سقوط الرواية وضعفها ، وإن لم يكن في الشدّة مثل أكثر ما سبق ، فيتميز عند التعارض. وأمّا إفادته القدح في نفس الرجل فلعله كذلك حيث أطلق ، ولم يكن قرينة كتصريح أو غيره على الخلاف ، والظاهر أنّه إليه نظر الأكثر في استفادة قدح الرجل منه.

فما في الفوائد بعد حكاية ذلك عنهم : ولا يخلو من ضعف لما سنذكر في داود بن كثير وسهل بن زياد وأحمد بن محمّد بن خالد وغيرهم لا يخلو من بحث ، إذ غاية الأمر وجود قرينة وتصريح بالخلاف ، حتى من المضعّف ، وهذا لا ينافي إفادته عند الإطلاق لما ذكرنا ، مع أنّا لاحظنا ما أشار إليه من التراجم فلم نقف فيها على ما ينافي مفاد الإطلاق المزبور ، فلاحظ وتأمّل.

ثمّ إن الذي يظهر منهم أو ينبغي إرادتهم مطلق القدح في نفس الرجل لا خصوص الفسق ، فيشمل ما لو كان التضعيف لسوء الضبط ، وقلة الحافظة ، أو عدم المبالاة في الرواية في أخذها ونقلها ، فلا بأس بما في الفوائد أيضا من قوله ، كما أن تصحيحهم غير مقصور على العدالة ، فكذا تضعيفهم غير مقصور على الفسق ، وهذا غير خفي على من تتبع وتأمل.

إلى آخر كلامه.

(٣) قال في نهاية الدراية : ١٦٧ : من ألفاظ الجرح قولهم : ضعيف ، ولا ريب في أنّه قدح مناف للعدالة إذا قيل على الإطلاق دون التخصيص بالحديث ، لأن المراد في الأول أنّه ضعيف في نفسه ، وفي الثاني أنّ الضعف في روايته ، فلا تدل على القدح في الراوي مع الإضافة الى الحديث.

١١٢

زياد (١).

وقال جدي : الغالب في إطلاقاتهم ذلك أنّه يروي عن كل أحد (٢).

ومنها : الرواية عن الضعفاء وروايتهم عنه ، كما سبق ، وسبق منشأ التأمّل فيه (٣).

قال جدي : تراهم يطلقون الضعيف على من يروي عن الضعفاء ، ويرسل الأخبار (٤) ، انتهى. فتأمل.

ولعل من أسباب الضعف عندهم : قلّة الحافظة ، وسوء الضبط ، والرواية من غير إجازة ، وعمن لم يلقه ، واضطراب ألفاظ الرواية ، ورواية ما ظاهره الغلو أو التفويض ، أو نحوهما ، كما هو في كتبنا المعتبرة ، بل هي مشحونة منها (٥).

__________________

وقال الغروي في الفصول : ٣٠٤ : ومنها قولهم : ضعيف ، أو ضعيف في الحديث ، وهو غير صريح في التفسيق ، لجواز أن يكون التضعيف من حيث الاعتماد على المراسيل ، كما هو الظاهر من الأخير ، ولو صرح بذلك لم يقدح قطعا ، وإن عدّه بعضهم قادحا ، كما عن كثير من القميين.

(١) راجع ترجمة سهل بن زياد في التعليقة : ١٧٦.

(٢) روضة المتقين : ١٤ / ٥٥.

(٣) قال المامقاني في المقباس : ٢ / ٣٠٧ عند ذكره لأسباب الذم وما تخيل كونه من ذلك : فمنها : كثرة الرواية عن الضعفاء والمجاهيل ، جعله القميون وابن الغضائري من أسباب الذم ، لكشف ذلك عن مسامحة في أمر الرواية.

ثم قال : وأنت خبير بأنّه كما يمكن أن يكون لذلك ، يمكن أن يكون لكونه سريع التصديق ، أو لأنّ الرواية غير العمل ، فتأمل.

ثم قال : ومنها : كثرة رواية المذمومين عنه ، أو ادعاؤهم كونه منهم. وهذا كسابقه في عدم الدلالة على الذم ، بل أضعف من سابقه ، لأنّ الرواية عن الضعيف تحت طوعه ، دون رواية المذموم عنه ، فتأمل.

(٤) روضة المتقين : ١٤ / ٣٩٦.

(٥) قال المولى الكني في توضيح المقال : ٤٤ بعد تعداده لهذه الأسباب : وبالجملة أسباب

١١٣

مع أنّ عادة المصنّفين إيرادهم جميع ما رووه كما يظهر من طريقتهم ، مضافا الى ما في أول الفقيه (١).

ومنها : قولهم : كان من الطيّارة ، ومن أهل الارتفاع (٢).

__________________

قدح القدماء كثيرة. لا يخلو من نظر ، لأنّا لا ننكر كثرة أسباب القدح عندهم ، إنا نمنع التعبير عن أمثال ذلك بمطلق ضعف الرجل.

(١) حيث قال الشيخ الصدوق في ديباجة الفقيه : ١ / ٣ : ولم أقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه ، بل قصدت إلى إيراد ما افتي به وأحكم بصحته.

(٢) قال السيد الأعرجي في العدة : ٢٨ : ومنها قولهم : كان من الطيّارة ، ومرتفع القول ، وفي مذهبه ارتفاع ، يريدون بذلك كلّه الغلو والتجاوز بأهل العصمة إلى ما لا يسوغ ـ وهو الذي أراد من قال في محمّد بن سنان : أراد أن يطير فقصصناه ـ والمعروف في مثل هذا عدّه في القوادح ، كما في معناه.

لكن قال الأستاذ : الظاهر أنّ كثيرا من القدماء سيّما القميين وابن الغضائري كانوا يعتقدون للأئمة عليهم‌السلام منزلة خاصة من الرفعة والجلالة ، ومرتبة معينة من العصمة والكمال بحسب اجتهادهم ، لا يجوّزون التعدي عنها ، فكانوا يعدون التجاوز عنها ارتفاعا وغلوا ، حتى جعلوا مثل نفي السهو عنهم غلوا ، بل ربما جعلوا نسبة مطلق التفويض إليهم ، أو التفويض المختلف فيه ، أو الإغراق في إعظامهم ، وحكاية المعجزات وخوارق العادات عنهم ، أو المبالغة في تنزيههم عن النقائص ، وإظهار سعة القدرة ، وإحاطة العلم بمكنونات الغيوب في السماء والأرض ارتفاعا ، وموجبا للتهمة خصوصا ، والغلاة كانوا مخلوطين بهم يتدلسون فيهم.

قال : وبالجملة فالظاهر أنّ القدماء كانوا مختلفين في المسائل الأصولية كالفرعية ، فربما كان بعض الاعتقادات عند بعضهم كفرا أو غلوا أو تفويضا أو جبرا أو تشبيها أو نحو ذلك ، وعند آخرين ممّا يجب اعتقاده.

وربما كان منشأ جرحهم للرجل ورميهم إياه بالأمور المذكورة روايته لما يتضمن ذلك ، أو نقل الرواية المتضمنة لذلك ، أو لشي‌ء من المناكير عنه ، أو دعوى بعض المنحرفين أنّه منهم ، فينبغي التأمّل في جرحهم بأمثال هذه الأمور ، ومن لحظ موقع قدحهم في كثير من المشاهير : كيونس بن عبد الرحمن ، ومحمّد بن سنان ، والمفضّل بن عمر ، ومعلى بن خنيس ، وسهل بن زياد ، ونصر بن الصباح ، في كثير من أمثالهم ، عرف الوجه في ذلك ، وكفاك شاهدا إخراج محمّد بن أحمد بن عيسى لأحمد بن محمّد بن خالد.

قال المحقق محمّد بن الحسن : إن أهل قم كانوا يخرجون الراوي بمجرد توهم الريب.

١١٤

ومنها : قولهم : ليس بذاك ـ عند خالي رحمه‌الله ـ ولا يخلو من تأمّل ، لاحتمال أن يراد ليس بحيث يوثق به وثوقا تاما ، وإن كان فيه نوع وثوق ، كقولهم : ليس بذاك الثقة ، ولعلّ هذا هو الظاهر ، فيشعر الى نوع مدح (١).

أقول : يأتي في أحمد بن علي أبو العباس الرازي ، ما يشعر بكون المراد من قولهم ليس بذاك : ليس بذاك الثقة (٢).

ومنها : قولهم : مضطرب الحديث (٣) ، ومختلط الحديث ، وليس بنقيّ‌

__________________

وقال التقي المجلسي : إن ابن عيسى أخرج جماعة من قم باعتبار روايتهم عن الضعفاء وإيرادهم المراسيل ، وكان ذلك اجتهاد منه ، والظاهر خطأه ، لكن كان رئيس قم.

وذكر الأستاذ أيضا : إنّ ابن عيسى وابن الغضائري ربما نسبا الراوي إلى الكذب ووضع الحديث بعد نسبته إلى الغلو ، وكأنّه لرواية ما يدل عليه. انتهى كلام السيد في العدّة.

(١) قال الغروي في الفصول : ٣٠٤ : ومنها ـ أي من ألفاظ الجرح ـ قولهم : ليس بذاك ، وعدّه بعضهم ذما وبعضهم مدحا ، والأول مبني على أنّ المراد ليس بثقة ، والثاني يبتني على أن المراد ليس بحيث يوثق به وثوقا تاما ، والكل محتمل ، ولعلّ الثاني أقرب.

وقال السيد الأعرجي في العدة : ٣١ : وكذلك قولهم : ليس بذاك ، فإنّه ربما عدّ قدحا ، وأنت تعلم أنّه أكثر ما يستعمل في نفي المرتبة العليا ، كما يقال : ليس بذلك الثقة ، وليس بذلك الوجه ، وليس بذلك البعيد ، فكان فيه نوع من المدح.

وقد ناقش المولى الكني في توضيح المقال : ٤٤ بعد إيراده لكلام الوحيد البهبهاني بقوله : قلت : هذا منه قدس‌سره كما سبق ، فأي منافاة لاحتمال خلاف الظاهر في الظهور ، ثم ترجى ظهور الخلاف ، فان كان مجرد الترجي فلا كلام ، وإلاّ فالظاهر خلافه ، لظهور النفي المزبور في نفي المعتبر من الوثوق والاعتماد ، نعم لو قيّده بالثقة بقوله : ليس بذاك الثقة ، كان كما ذكره ، وهو واضح.

وقد عدّ الداماد في الرواشح : ٦٠ : ليس بذلك ، من ألفاظ الجرح والذم.

وقال المامقاني في المقباس : ٢ / ٣٠٢ : وإنّ الأظهر كون ليس بذلك ظاهرا في الذم ، غير دال على الجرح ، ومجرد الاحتمال الذي ذكره لا ينافي ظهور اللفظ في الذم.

(٢) راجع منهج المقال ، وتعليقة الوحيد عليه : ٣٨.

(٣) وقد عدها ثاني الشهيدين في الرعاية : ٢٠٩ من ألفاظ الجرح ، وكذا الداماد في الرواشح :

١١٥

الحديث (١) ، ويعرف حديثه وينكر (٢) ، وغمز عليه في حديثه ، أو في بعض‌

__________________

٦٠ حيث جعلها من ألفاظ الجرح والذم.

وقد ذكر البهائي في وجيزته : ٥ : مضطرب في ألفاظ الجرح.

والظاهر أنّها إذا جاءت من دون إضافة إلى الحديث فالمراد منها أنّ الراوي يستقيم تارة وينحرف اخرى. كما أفاده السيد الصدر في نهاية الدراية : ١٦٨ ، ثم قال : وأمّا قولهم مضطرب الحديث فيراد أنّ حديثه تارة يصلح ، وتارة يفسد.

(١) قال السيد الأعرجي في العدة : ٣١ عند تعداده لهذه : فربما عدّ هذا ونحوه في القدح ، والحق أنّه كما قال الأستاذ : ليس بظاهر فيه ، إذ لا منافاة بينه وبين العدالة.

وقال الغروي في الفصول : ٣٠٤ : ومنها قولهم : مضطرب الحديث ، ومختلط الحديث ، وليس بنقي الحديث ، وفيه دلالة على الطعن فيه ، أو في رواياته ، وربما أمكن أن يجامع ذلك مع التوثيق.

وقال السيد الصدر في نهاية الدراية : ١٧٠ : قولهم : ليس بنقي الحديث ، المراد الغض عن حديثه.

وقال الشيخ البهائي في وجيزته : ٥ : وأما نحو يعرف حديثه وينكر ، ليس بنقي الحديث ، وأمثال ذلك ففي كونه جرحا تأمل.

وقال المولى الكني في توضيح المقال : ٤٤ : ومنها : ضعيف في الحديث ، ومضطرب الحديث ، ومختلط الحديث ، وليس بنقي الحديث ، ويعرف حديثه وينكر ، وغمز عليه في حديثه ، ومنكر الحديث ، وأمثال ذلك ، ولا دلالة فيها على القدح في العدالة ، بل الظاهر من التقييد عدمه ، ولعلّه لذا أو غيره لم يذهب ذاهب هنا إلى إفادتها القدح في العدالة ،

وإن كان مقتضى مصيرهم إلى استفادة وثاقة الرجل من قولهم : ثقة في الحديث ، القدح فيها بما ذكرنا ، فكما أنّه يبعد الوثوق بأحاديث رجل ما لم يكن ثقة في نفسه ، فكذا يبعد الحكم بأمثال ما ذكر ما لم يكن ضعيفا في نفسه ، لكن الظاهر وضوح الفرق لظهور كون الوثاقة منشأ الوثوق بالرواية ، ولا ملازمة في الغالب بين ما ذكر وفسق الرجل ، أو ضعفه في نفسه.

وقال ابن الغضائري في ترجمة إسماعيل بن مهران : ليس حديثه بالنقي ، يضطرب تارة ويصلح اخرى. مجمع الرجال : ١ / ٢٢٥.

(٢) قال السيد الصدر في نهاية الدراية : ١٧٠ : وأمّا نحو يعرف حديثه وينكر ، يعني : يؤخذ به تارة ويرد أخرى ، أو أنّ بعض الناس يأخذونه وبعضهم يردّه ، إمّا لضعفه أو لضعف حديثه ، فلا ظهور له بالقدح كما لا يخفى ، وربما قالوا في الراوي نفسه : يعرف وينكر ، كما قالوا في صالح بن أبي حمّاد : كان أمره ملتبسا ، يعرف وينكر.

١١٦

__________________

وقال الغروي في الفصول : ٣٠٤ : ومنها قولهم : يعرف حديثه تارة وينكر أخرى ، فإن أريد أن حديثه يقبل عند إسناده إلى ثقة ، وينكر عند إسناده إلى غير ثقة دلّ على مدحه ، بل وثاقته ، وكان الطعن فيمن يروي عنه.

وإن أريد أن حديثه يعرف عند اعتضاده بأمارات الوثوق ، وينكر عند تجرده عنها ، دلّ على الطعن فيه ، والثاني أقرب بدليل تخصيصه بالبعض.

وعدّ الذهبي في ميزان الاعتدال : ١ / ٤ : منكر الحديث ، من أردى عبارات الجرح.

ونقل ابن قطان : أنّ البخاري قال : كل من قلت فيه : منكر الحديث ، فلا تحلّ الرواية عنه. ميزان الاعتدال ١ : ٦ / ٣ ترجمة أبان بن جبلة. وهذا اصطلاح خاص به.

وقد فصل القول فيها المامقاني في مقدمة تنقيح المقال : ١٩٢ ولما فيه من فوائد ارتأينا نقله برمته ، فقال : الفائدة الخامسة : إنّه قد تكرر من أهل الرجال ، سيّما ابن الغضائري رحمه‌الله في حق جماعة من رجالنا قولهم : يعرف حديثه وينكر ، أو يعرف تارة وينكر اخرى ، وإنّا وإن ذكرنا في مقباس الهداية ما ذكروه في المراد بالعبارة ، إلاّ أنّا لكثرة وقوعه في كلمات أصحابنا أهمّنا شرح الكلام فيه هنا أيضا ، فنقول : قد صدر منهم في المراد بالعبارة :

أحدها : انّ بعض أحاديثه معروف وبعضها منكر ، وأنّ المراد بالمنكر : ما لا موافق له في مضمونه من الكتاب والسنة. وبالمعروف : ما يوافق مضمونه بعض الأدلة. وعلى هذا يراد بالمنكر ما تفرّد بروايته ، وينافي ذلك قوله في بعض المواضع : ويجوز أن يخرج شاهدا ، إذا كان له موافق في المضمون.

ثانيها : ان بعض أحاديثه منكر مخالف للأدلة في مضمونه ، وبعضها معروف له موافق فيها ، وهذا يقرب من سابقه.

ويمكن الجواب بأنّ ضمير يجوز يرجع إلى أصل حديثه ، لا إلى خصوص المنكر لترد المنافاة والمدافعة ، فان التخريج يكون بالنسبة إلى بعض أحاديثه ، وهو ما يعرف.

ثالثها : انّ المراد بالمنكر الأعاجيب ، على حدّ ما قاله الشيخ رحمه‌الله في ترجمة جعفر بن محمّد بن مالك ، ويقابله قوله : يعرف.

رابعها : انّ المراد بالعبارة احتمالات : إنّه يقبل تارة ولا يقبل اخرى ، احتمله بعضهم ، ولم أفهم معناه ، لأنّ قبول الرواية يتوقف على كونه ثقة ، فإذا قبلت له رواية لزم قبول جميع رواياته ، إلاّ أن يريد قبول بعض الأصحاب وعدم قبول بعض آخر ، فيرجع إلى بيان أنّه مختلف فيه بين الأصحاب ، ولعلّه يساعد على ذلك قوله : أمره مختلط ، وقوله : يجوز أن يخرج شاهدا ، وقوله : أمره مظلم ، وعلى هذا الاحتمال لا يعارض قول ابن الغضائري :

١١٧

حديثه (١) ، وليس حديثه بذاك النقي (٢).

وهذه وأمثالها ليست ظاهرة في القدح في العدالة.

ويأتي في أحمد بن محمّد بن خالد (٣) ، وأحمد بن عمر (٤) ، وغيرهما.

فليست من أسباب الجرح وضعف الحديث على رؤية المتأخرين ، نعم هي من أسباب المرجوحية ، وبينها أيضا تفاوت ، فالأول أشدّ وهكذا.

__________________

يعرف وينكر ، توثيق النجاشي وغيره.

خامسها : انّ المراد به أنّه يعرف معنى حديثه وينكر ، بمعنى أنّه مضطرب الألفاظ ، على حد ما قيل في ترجمة الحسن بن العباس ، ويساعد على ذلك قوله في ترجمة حميد بن شعيب بعد العبارة : وأكثر تخليطه فيما يرويه عن جابر ، وقد اختار هذا التفسير بعضهم ، حيث قال : إنّ الظاهر من قول ابن الغضائري : يعرف وينكر ، اضطراب الحديث.

سادسها : انّ قوله : يعرف وينكر تفسير لقوله : مختلط ، ومعنى اختلاط الحديث أنّه لا يحفظه على وجهه. ويدل عليه ما في العيون عن الريان بن الصلت : وكنت أخلط الحديث بعضه ببعض لا أحفظه على وجهه.

والذي تحصل لي بسبر كلماتهم في التراجم واستقصائها أنّ المراد ورود حديث الرجل تارة مقبولا للعقول موافقا لظاهر الكتاب والسنة ، واخرى غير مقبول للعقول وغير موافق لظواهر الكتاب والسنة ، ككون الصلاة تتكلم ، وكون الفحشاء والمنكر أسماء رجال ، وكون ذكر الله الأكبر هم الأئمة عليهم‌السلام ، وقد تتبعت كثيرا من موارد قولهم في رجل : يعرف وينكر ، فوجدتها على هذه الصفة ، ووجدت ما ينكر منها عندهم قد ثبتت صحته بالبراهين الواضحة ، وصار من ضروريات مذهب الإمامية اليوم ، فتتبع.

(١) قال السيد الأعرجي في العدّة : ٥٣ : ويقولون غمز عليه ، وغمز فيه أصحابنا ، وهو ظاهر في أنّ انحرافه ليس بظاهر.

(٢) قال السيد الصدر في نهاية الدراية : ١٧٠ : قولهم : ليس بنقي الحديث ، المراد الغض عن حديثه ، وأمثال ذلك كثير في كلماتهم ، مثل قولهم : ليس بذلك ، ولم يكن بذلك ، وحديثه ليس بذلك النقي ، وليس بكلّ التثبت في الحديث والمراد إما الغض [ عنه ] أو عن حديثه ، وفي كونه جرحا تأمل بل منع ، كما لا يخفى.

(٣) التعليقة : ٤٣.

(٤) التعليقة : ٣٩.

١١٨

أقول : ومنها : كذّاب ، ووضّاع ، وواه (١).

ومنكر الحديث ، ولين الحديث ، على تأمّل فيهما (٢).

ومنها : متروك ، ومتّهم ، وساقط ، ولا شي‌ء ، وليس بشي‌ء ، ونحو ذلك (٣).

__________________

(١) وقد عدّها أو بعضها جمع من أسباب الجرح والذم ، كثاني الشهيدين في الرعاية : ٢٠٩ ، والسيد الداماد في الرواشح : ٦٠ ، والشيخ حسين بن عبد الصمد في وصول الأخيار : ١٩٣ ، والشيخ البهائي في وجيزته : ٥ ، والمامقاني في المقباس : ٢ / ٢٩٣ ، والسيد الأعرجي في العدّة : ٢٨ ، والغروي في الفصول : ٣٠٤ ، والمولى الكني في توضيح المقال : ٤٣.

وقد عدّ ابن الصلاح في المقدمة : ٧٢ : كذاب ، في المنزلة الرابعة وقال : فهو ساقط الحديث ولا يكتب حديثه.

ونقل عن الخطيب أبو بكر أنه قال : أرفع العبارات في أحوال الرواة أن يقال : حجة أو ثقة. وأدونها أن يقال : كذاب ، ساقط.

وقال السيوطي في التدريب : ١ / ٣٤٦ : وإذا قالوا : متروك الحديث ، أو واهية ، أو كذاب ، فهو ساقط لا يكتب حديثه ، ولا يعتبر به ، ولا يستشهد.

(٢) عدّ الشهيد الثاني في الرعاية : ٢٠٩ من ألفاظ الجرح : مضطرب الحديث ، منكره ، لينه ، ثم قال : أي يتساهل في روايته عن غير الثقة.

وقال والد الشيخ البهائي في وصول الأخيار عند ذكره لألفاظ الجرح وعدّ منها لين الحديث : ومثل هذا يكتب حديثه أيضا للنظر والاعتبار ، وربما صلح شاهدا ومقويا. وذهب إليه أيضا السيد الصدر في نهاية الدراية : ١٧٠ وكذا عدّها الداماد في الرواشح : ٦٠ من ألفاظ الجرح والذم.

ونقل ابن قطان عن البخاري أنّه قال : كل من قلت فيه : منكر الحديث ، فلا تحل الرواية عنه. حكاه عنه الذهبي في ميزان الاعتدال ١ : ٦ / ٣.

وذكر الخطيب البغدادي في الكفاية : ٢٣ أنّه سئل الدار قطني ما المراد بفلان لين؟ قال لا يكون ساقطا متروك الحديث ، ولكن مجروحا بشي‌ء لا يسقط عن العدالة.

ثم قال البغدادي : وإذا أجابوا في الرجل بلين الحديث ، فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه اعتبارا.

(٣) وقد عدّها جمع من ألفاظ الجرح والذم وذكروا بينها تفاوت في قوة الجرح وضعفه ، راجع وصول الأخيار : ١٩٣ ، الرواشح السماوية : ٦٠ ، الرعاية في علم الدراية : ٢٠٩

١١٩

وأما قولهم : مختلط ، ومخلط ، فقال بعض أجلاء العصر : إنّه أيضا ظاهر في القدح لظهوره في فساد العقيدة (١) ، وفيه نظر.

بل الظاهر أنّ المراد بأمثال هذين اللفظين من لا يبالي عمّن يروي وممن يأخذ ، يجمع بين الغثّ والسمين ، والعاطل والثمين (٢) ، وهذا ليس طعنا في نفس الرجل كما عرفته وستعرفه (٣).

__________________

، الوجيزة للبهائي : ٥ ، مقباس الهداية : ٢ / ٢٩٤.

وذكرت بعض هذه الألفاظ في كتب العامة ، راجع تدريب الراوي : ١ / ٣٤٥ ـ ٣٤٨ ، مقدمة ابن الصلاح : ٧٢ ـ ٧٣ ، وعدّ ابن حجر في ديباجة التقريب : ١ / ٥ ، متروك وساقط ، من المرتبة العاشرة.

(١) وهو السيد السند ، والمولى المعتمد السيد محسن البغدادي النجفي دام ظله ( منه. قده ) ، راجع عدّة الرجال : ٣١.

وقال أيضا في العدّة : ٥١ : إذا قيل : مخلّط ، على الإطلاق ، أي في نفسه واعتقاده ، كمختلط الأمر ، فإن قيل : فيما يرويه ، كما قال ابن الوليد في محمّد بن جعفر بن بطة : مخلّط فيما يسنده ، فهم منه أنّه ليس بمخلط في اعتقاده.

وقد ذهب إلى هذا المعنى السيد الصدر في نهاية الدراية : ١٦٩ وقال ـ بعد أن ذكر ما ذكره الأعرجي ـ : ثم انيّ عثرت على حديث في التهذيب يدلّ على استعمال الامام لفظ مخلط فيما ذكرنا من فساد المذهب ، رواه الشيخ عن إسماعيل الجعفري قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : رجل يحب أمير المؤمنين عليه‌السلام ولا يتبرأ من أعدائه ، ويقول : هو أحب إلى ، فقال عليه‌السلام : هو مخلّط وهو عدو لا تصلّ خلفه ولا كرامة ، إلاّ أن تتقيه ، الحديث.

(٢) قال المجلسي الأول في روضة المتقين : ١٤ / ٤٠٦ ، في ترجمة عمر بن عبد العزيز : بصري ، مخلّط ، أي يدخل أخبار الغلاة والعامة في حديثه.

(٣) وقد اعترض المولى الكني في التوضيح : ٤٤ على تنظر الحائري من دلالة الكلمة على فساد العقيدة ، حيث قال : ثم استشهد على مختاره بما لا يشهد له ، إذ غايته إطلاق ذلك على غير فاسد العقيدة ، ولا مجال لإنكاره ، وأين هذا من ظهور الإطلاق ، كما أنّ كون المبدأ الخلط الذي هو المزج لا يقتضي ما ذكره ، فان استعمال التخليط في فساد العقيدة أمر عرفي لا ينكر ، ولا ينافيه كون أصل اللغة على خلافه ، مع أنّه لا مخالفة ، إذ فساد العقيدة ربما يكون بتخليط صحيحها بسقيمها ، بل الغالب في المرتدين عن الدين أو المذهب كذلك ،

١٢٠