منتهى المقال في أحوال الرّجال - المقدمة

منتهى المقال في أحوال الرّجال - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : رجال الحديث
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٣

١
٢

٣
٤

بمناسبة مرور قرنين على وفاة العلامة الكبير

والمحقق النحرير والرجالي الشهير

أبى علي الحائري

( ١١٥٩ ـ ١٢١٦ هـ )

٥
٦

المقدمة‌

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلقه وأفضل بريّته محمّد المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الذي أرسله بالهدي ودين الحقّ ، ليستنقذ النّاس من تيه الضّلالة وحيرة الجهالة.

والصّلاة والسّلام على الأئمّة المعصومين الطّاهرين ، والهداة المهديّين ، الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ، حملة علوم النبوّة ، وهداة هذه الأمّة ما دجا ليل وأضاء نهار ، سيّما ناموس الدّهر ، وبقيّة آل الله ، إمام العصر والزّمان ، الحجّة ابن الحسن ، عجّل الله تعالى فرجه الشّريف ، وجعلنا من كلّ مكروه فداه.

وبعد :

فإنّ من البديهي بمكان القول بأنّ المدرسة الإسلاميّة وعبر قرونها الماضية ، قد توسّعت آثارها ومعالمها ، وانتشرت طرقها وأبعادها للوصول إلى أقصى معالم المعرفة ، وأعلى درجات السمو ، نظرا لتوسع حاجة البشريّة إليها‌

٧

مع مرور الأيّام والدّهور.

كما انّه ونتيجة للتطوّر الحاصل في كلّ فنّ وعلم ، كعلم الفقه ، والأصول ، والتفسير ، والكلام ، والعربيّة ، والدراية ، والرجال. فقد أصبح لكلّ علم من هذه العلوم مباحثه ، ومبانيه ، وأبعاده ومدرسته الخاصّة به.

ومن هنا وكنتيجة منطقية لوجود الترابط الموضوعي ـ المتفاوت بين التلازم البيّن والواضح ، وبين التشابك الفرعي الدقيق ـ بين الكثير من هذه العلوم ، فإنّا نجد أنّ الكثير من علمائنا الأبرار ـ قدّس الله أرواحهم ـ ومنذ العصور الاولى لانتشار المعرفة الإسلاميّة وإلى يومنا هذا ، قد اغترفوا من كلّ علم قدرا ، وقضوا فيه وطرا ، مرتشفين من معينة العذب المتمثل بمدرسة أهل البيت سلام الله عليهم أجمعين ، ممتثلين لقوله تبارك وتعالى : ( فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) (١).

وكذا لقول الناطق الأمين ، الذي لا ينطق عن الهوى الرّسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنّة ، فإنّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا به » (٢).

ولقول وصيّ الأولياء ، ووارث علم الأنبياء ، أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه أفضل الصّلاة والسّلام : « الشاخص في طلب العلم كالمجاهد في سبيل الله » (٣).

إلى غير ذلك من النّصوص المختلفة سواء من الآيات الكريمة أو‌

__________________

(١) التوبة : ١٢٣.

(٢) أمالي الصدوق : ٥٨ / ٩.

(٣) بحار الأنوار ١ : ١٧٩ / ٦٢.

٨

الروايات المستفيضة عن الصّادقين سلام الله عليهم أجمعين ، ممّا لا تعدّ ولا تحصى ، تشيد بفضل العلم والعلماء وتحثّ على طلبه والتأكيد عليه ، حتّى جعل طلبه فريضة ـ كباقي الفرائض ـ كما في قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة » (١).

ثمّ إنّه ليس يخاف على أحد أنّ أشرف هذه العلوم وأفضلها علم الفقه ، إذ بواسطته تشخّص وتحفظ أوامر السماء ونواهيها ، وذلك بالرجوع إلى المصادر الاولى لهذه الأحكام ، وهي الأدلّة الأربعة التي منها السنّة المطهّرة ، والتي تعدّ المصدر الثاني في التشريع بعد كتاب الله تبارك وتعالى.

ولما كانت السنّة بما فيها قول المعصوم أو فعله أو تقريره على هذه الأهمية العظيمة والخطيرة ، فكان لا بدّ من إحراز صدورها عنهم عليهم‌السلام ـ بطريق علمي أو وجداني ـ من خلال الاطمئنان الكامل بصحّة سند الروايات التي بطبعها تكون حاكية عنها.

وهذا بالطبع لا يتيسّر لكلّ مستنبط إلاّ إذا كانت له إحاطة تامّة برجال السند ، وهل أنّهم أهل للاعتماد على نقلهم والاطمئنان بصحة منقولاتهم أم لا.

إنّ الاستقراء العلمي في المدونات الرجالية التي تزدان بها المكتبة الإسلامية يظهر بوضوح أنّ هناك في طرق الأخبار المدوّنة في المجاميع الحديثيّة رجالا موثوقا بهم ، يعتمد عليهم في مقام النقل.

وهناك من طعن فيهم ، بحيث لا يعتمد على نقلهم.

وآخرين لم يعلم حالهم من حيث الاعتماد وعدمه ، وهم المشار إليهم بالمجاهيل الذين ينظر في أمرهم ، وأنّهم هل يدخلون في الطائفة الأولى أو‌

__________________

(١) عوالي اللآلي ٤ : ٧٠ / ٣٦.

٩

الثانية. وهذا أمر نسبيّ ينقاد إلى سعي المستنبط واجتهاده ، فلربما تتوافر لديه جملة من القرائن والشواهد التي تعزز الثقة ببعض الرواة فيعتمد نتيجة ذلك على مروياته أو يكون العكس من ذلك فتطرح ، وإلى غير ذلك ممّا هو مذكور في محلّه.

ولا غرابة من ذلك ، فالكثير من الشواهد والأدلة القاطعة قد أظهرت جملة من الكذّابين والوضّاعين الذين تلاعبوا في الحديث حسب ما تقتضيه مصالح ساستهم وأولياء أمورهم خصوصا بعد الانحراف التاريخي الذي حصل بعد وفاة الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل وقد حذّر القرآن وأعلن ذلك بصراحة ووضوح حيث قال الله تبارك وتعالى :

( وَما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشّاكِرِينَ ) (١).

ولعلّ أوّل من نبّه على هذا الأمر وعلى خطورته ، وعلى الحاجة الماسة إلى هذا العلم ـ أعني علم الرّجال ـ هو الرّسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث قال : « ستكثر بعدي القالة عليّ » (٢).

وقد فصّل الكلام والبحث مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام حين سأله سليم بن قيس الهلاليّ الكوفيّ قائلا : إنّي سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذرّ شيئا من تفسير القرآن وأحاديث عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير ما في أيدي النّاس ، ثمّ سمعت منك تصديق ما سمعت منهم.

ورأيت في أيدي النّاس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث‌

__________________

(١) آل عمران : ١٤٤.

(٢) المعتبر ـ المقدّمة ـ : ١ / ٢٩.

١٠

عن نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنتم تخالفونهم فيها ، وتزعمون أنّ ذلك كلّه باطل. أفترى النّاس يكذبون على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متعمّدين؟! ويفسّرون القرآن بآرائهم؟! قال : فأقبل عليّ فقال : « قد سألت ، فافهم الجواب :

إنّ في أيدي النّاس حقّا وباطلا ، وصدقا وكذبا ، وناسخا ومنسوخا ، وعامّا وخاصّا ، ومحكما ومتشابها ، وحفظا ووهما ، وقد كذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على عهده حتّى قام خطيبا فقال :

أيّها النّاس ، قد كثرت عليّ الكذّابة ، فمن كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار.

ثمّ كذب عليه من بعده.

وإنّما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس :

رجل منافق يظهر الايمان ، متصنّع بالإسلام ، لا يتأثّم ولا يتحرّج أن يكذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متعمّدا. فلو علم النّاس أنّه منافق كذّاب لم يقبلوا منه ، ولم يصدّقوه ، ولكنّهم قالوا : هذا قد صحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورآه وسمع منه ، وأخذوا عنه وهم لا يعرفون حاله.

وقد أخبره الله عن المنافقين بما أخبره ، ووصفهم بما وصفهم ، فقال عزّ وجلّ :

( وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ) (١).

ثمّ بقوا بعده فتقرّبوا إلى أئمّة الضّلالة ، والدعاة إلى النّار ، بالزّور والكذب والبهتان ، فولّوهم الأعمال ، وحملوهم على رقاب النّاس ، وأكلوا‌

__________________

(١) المنافقون : ٤.

١١

بهم الدّنيا.

وإنّما النّاس مع الملوك والدّنيا ، إلاّ من عصم الله ، فهذا أحد الأربعة.

ورجل سمع من رسول الله شيئا لم يحمله على وجهه ، ووهم فيه ، ولم يتعمّد كذبا ، فهو في يده يقول به ويعمل به ويرويه ، فيقول : أنا سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فلو علم المسلمون أنّه وهم لم يقبلوه ، ولو علم هو أنّه وهم لرفضه.

ورجل ثالث سمع من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيئا أمر به ، ثمّ نهى عنه وهو لا يعلم. أو سمعه ينهى عن شي‌ء ثمّ أمر به ، وهو لا يعلم.

فحفظ منسوخه ولم يحفظ النّاسخ ، ولو علم أنّه منسوخ لرفضه ، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنّه منسوخ لرفضوه.

وآخر رابع لم يكذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مبغض للكذب خوفا من الله ، وتعظيما لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لم ينسه (١) بل حفظ ما سمع على وجهه ، فجاء به كما سمع ، لم يزد فيه ولم ينقص منه ، وعلم النّاسخ من المنسوخ ، فعمل بالنّاسخ ورفض المنسوخ. » (٢).

إلى آخر كلامه سلام الله عليه. نقلناه إلى هنا لما فيه من فوائد وأبعاد ومعاني للمجتمع الذي كان في زمن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعد زمانه.

ولا يسعنا هنا التعرّض بالتفصيل لإيراد القرائن والدلائل المثبتة لظهور‌

__________________

(١) لم يسه ، خ. ل.

(٢) أصول الكافي ١ : ٥٠ / ١ ، باب اختلاف الحديث.

١٢

حالة الكذب ووضع الأحاديث على الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو آله الأطهار ، وبإشكال وكيفيّات مختلفة ، تعرّض لها علماؤنا الأبرار رحمهم‌الله تعالى برحمته الواسعة ، واستنادا إلى التصريحات الواضحة الصادرة عن أهل بيت العصمة عليهم‌السلام ، والمحذرة من الوقوع في هذه المزالق الخطرة والمتشابكة.

بيد أنّ وضوح هذا الأمر لم يثن البعض ـ وذلك ممّا يؤسف له ـ عن التحرز في الأخذ من جميع الصحابة أو التابعين ، دون تمحيص وتدقيق ، متذرعا بحجة عدالة جميع الصحابة الباطلة ، والمتفتقة عنها أذهان المتزلفين والمتحلّقين حول موائد السلطة الأموية في محاولة لتبرير فساد معاوية ومن لفّ لفه وطرحه قبالة الخط النبوي السليم المتمثل بأهل بيته عليهم‌السلام ، فاكتظت الكثير من مصادر أولئك بالجم الوفير من تلك الأحاديث الموضوعة والمكذوبة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، اعتمادا على تلك الاطروحة السقيمة ، والدعوى الباطلة.

والاستقراء السريع لآراء علماء العامة يظهر جليا التبني الغريب لهذا الأمر الواضح السقوط من قبل رجال الحديث ، ورواة الأخبار ، وسريانه على معتقدات الفرقة وعقائدها.

فهذا ابن حجر العسقلاني يقول في الإصابة : اتّفق أهل السنّة على أنّ الجميع عدول ، ولم يخالف في ذلك إلاّ شذوذ من المبتدعة (١).

بل ذهب الخطيب البغدادي في الكفاية في علم الدراية إلى أنّهم أرفع بكثير من هذه المنزلة ، حيث قال : إنّ عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل‌

__________________

(١) الإصابة : ١ / ٩ ، في بيان حال الصحابة من العدالة.

١٣

الله لهم ، وإخباره عن طهارتهم ، واختياره لهم في نصّ القرآن (١).

وقال ابن الصلاح في مقدّمته : للصحابة بأسرهم خصّيصة ، وهي أنّه لا يسأل عن عدالة أحد منهم ، بل ذلك أمر مفروغ منه ، لكونهم على الإطلاق معدّلين بنصوص الكتاب والسنّة وإجماع من يعتدّ به في الإجماع من الأمّة (٢).

وغير ذلك من المقولات الباهتة والواضحة السقوط ، وكان ذلك ممّا سبب ـ وكما ذكرنا سابقا ـ تسرّب الكثير من الموضوعات التي لا تخفى على أحد ، فأوقعت رواد العديد من تلك المدرسة بالحرج الشديد قبالة هذا الخلط الواضح ، والتنافر البيّن بين العقائد الإسلاميّة التي نادى بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما يزال ينادي بها القرآن الكريم بين ظهراني هذه الأمّة ، وبين ما تطالعنا به هذه الصحاح من أخبار وروايات لصحابة وتابعين لا تخفى أسماؤهم على ذوي الخبرة والتمحيص كأبي هريرة الذي روي أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قال عنه :

« ألا إنّ أكذب الناس ـ أو قال : أكذب الإحياء ـ على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبو هريرة الدوسي » (٣).

وكسمرة بن جندب ، ومحمّد بن عكاشة الكرماني ، وأحمد بن عبد الله الجويباري ، وعبد الكريم بن أبي العوجاء الذي لمّا أمر محمّد بن سليمان أمير البصرة بقتله ، وأيقن بالموت ، قال : والله لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث ، أحرّم فيها الحلال ، وأحلّ فيها الحرام ، ولقد فطّرتكم في يوم‌

__________________

(١) الكفاية في علم الدراية : ٤٦ ، باب ما جاء في تعديل الله ورسوله للصحابة.

(٢) مقدّمة ابن الصلاح : ١٧٤.

(٣) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي : ٤ / ٦٨.

١٤

صومكم ، وصوّمتكم في يوم فطركم (١).

ومن هنا لم يجد بعض رواد هذه المدرسة بدا من التصدي لتشذيب كتب العامة ـ وبالأخص ما يعرف منها بالصحاح ـ ممّا يستطيعون التعرض له من تلك الأحاديث الموضوعة والساقطة ، فكان أن وضعوا ما يقارب من الأربعين كتابا في هذا الموضوع ، منها :

ـ كتاب الأباطيل ، للحسين بن إبراهيم الجوزقاني.

ـ تذكرة الموضوعات ، لأبي الفضل المقدسي.

ـ اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة ، لجلال الدين السّيوطي.

ـ المقاصد الحسنة في كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة ، للسخاوي.

ـ تمييز الطيّب من الخبيث ، لابن الربيع.

ـ الفوائد المجموعة في بيان الأحاديث الموضوعة ، لمحمّد بن يوسف ابن عليّ الشاميّ.

وغيرها من الكتب التي ألّفت في هذا الحقل.

كما أنّ هناك طائفة أخرى من الكتب التي ألّفها علماء العامّة ، وهي في الضعفاء والمجاهيل والمتروكين ، لكثرة وجودهم في طرقهم. نذكر قسما منها :

ـ الكامل في ضعفاء الرجال ، لابن عدي.

ـ كتاب المجروحين من المحدّثين والضعفاء والمتروكين ، لمحمّد بن حيّان البستي.

__________________

(١) راجع : مباحث في تدوين السنة المطهرة : ٣١.

١٥

ـ الضعفاء الكبير ، للعقيلي.

ـ الضعفاء والمتروكين ، لابن الجوزي.

ـ الجرح والتعديل ، للرازي.

وغيرها من مصنّفات القوم.

والحقّ يقال إنّ هذه التوجهات ـ رغم تأخّرها وخضوع العديد منها للمؤثرات الجانبية التي تمليها الظروف المحيطة بها ـ كانت خطوة جادة وإيجابية في تجاوز الهالة الوهمية التي اصطنعها قدماؤهم حول الصحابة عامة دون تمييز وتمحيص ، وإزالة التصور الخاطئ بصواب ما جاء في بعض كتبهم التي اسموها جزافا بالصحاح.

إلاّ أنّ الشيعة الإمامية كانوا أبصر من أن يقعوا في الشراك التي وقع فيها علماء المذاهب الإسلامية الأخرى ، إذ كانوا يهتدون بنور هدى أئمتهم المعصومين عليهم‌السلام الذين حذّروا شيعتهم من هذه المزالق الخطرة.

فإنّ أئمّتنا الأطهار سلام الله عليهم ومن أوّل يوم انتشر فيه الحديث وإلى منتصف العصر الثالث الهجري ، قد تصدّوا لهذه الظاهرة ، وأعطوا كلّ ذي حقّ حقّه ، لأنّهم ابتلوا بقوم وضّاعين من الزنادقة ، بذلوا غاية ما يسعهم في تحريف الشريعة والدسّ فيها. وكذا الوضع عليهم ، ونسبة ما لا يرونه لهم. ولذا أعلنوا التبرّي منهم ، والتنوية بأسمائهم ، لكي تمحّص وتغربل الأحاديث من الدسائس والمنكرات.

فهذا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول : « إذا حدّثتم بحديث فأسندوه إلى الذي حدّثكم ، فإن كان حقّا فلكم ، وإن كان كذبا فعليه » (١).

وقال الإمام أبو عبد الله الصادق عليه‌السلام : « إنّا أهل بيت صدّيقون‌

__________________

(١) الكافي ١ : ٤٢ / ٧ ، باب رواية الكتب والحديث.

١٦

لا نخلو من كذّاب يكذب علينا ، ويسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس. » (١).

وعن الإمام أبي الحسن موسى عليه‌السلام أنّه قال : « لعن الله محمّد ابن بشير وأذاقه حرّ الحديد ، إنّه يكذب عليّ ، برئ الله منه ، وبرئت إلى الله منه ، اللهمّ إنّي أبرأ إليك ممّا يدّعي في ابن بشير ، اللهمّ أرحني منه ».

ثمّ قال : « يا عليّ ، ما أحد اجترأ أن يتعمّد الكذب علينا إلاّ أذاقه الله حرّ الحديد.

وإنّ بيانا كذب على عليّ بن الحسين عليه‌السلام ، فأذاقه الله حرّ الحديد.

وإنّ المغيرة بن سعيد كذب على أبي جعفر عليه‌السلام ، فأذاقه الله حرّ الحديد.

وإنّ أبا الخطّاب كذب على أبي ، فأذاقه الله حرّ الحديد.

وإنّ محمّد بن بشير لعنه الله يكذب عليّ ، برئت إلى الله منه. » (٢)

إلى آخره.

حتّى أنّ أصحابهم وأتباعهم الذين تأدّبوا بآدابهم واقتفوا أثرهم ونهجهم قد انتحلوا هذا الخطّ وساروا على سيرة أئمّتهم صلوات الله عليهم.

فهذا يونس بن عبد الرحمن قد سأله بعض الأصحاب ـ على ما نقل محمّد بن عيسى بن عبيد ، حيث حضر المسألة ـ فقال له :

يا أبا محمّد ، ما أشدّك في الحديث وأكثر إنكارك لما يرويه أصحابنا ، فما الذي يحملك على ردّ الأحاديث؟!

__________________

(١) رجال الكشّي : ١٠٨ / ١٧٤.

(٢) رجال الكشّي : ٤٨٢ / ٩٠٩.

١٧

فقال : حدّثني هشام بن الحكم أنّه سمع أبا عبد الله عليه‌السلام يقول :

« لا تقبلوا علينا حديثا إلاّ ما وافق القرآن والسنّة ، أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدّمة ، فإنّ المغيرة بن سعيد لعنه الله دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدّث بها أبي.

فاتّقوا الله ، ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربّنا تعالى وسنّة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّا إذا حدّثنا قلنا : قال الله عزّ وجلّ ، و: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قال يونس : وافيت العراق ، فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر عليه‌السلام. ووجدت أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام متوافرين ، فسمعت منهم ، وأخذت كتبهم ، فعرضتها من بعد على أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، فأنكر منها أحاديث كثيرة أن تكون من أحاديث أبي عبد الله عليه‌السلام ، وقال لي :

إنّ أبا الخطّاب كذب على أبي عبد الله عليه‌السلام ، لعن الله أبا الخطّاب ، وكذلك أصحاب أبي الخطّاب ، يدسّون هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام ، فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن ، فإنّا إن تحدّثنا حدّثنا بموافقة القرآن ، وموافقة السنّة.

إنّا عن الله وعن رسوله نحدّث ، ولا نقول : قال فلان وفلان ، فيتناقض كلامنا.

إنّ كلام آخرنا مثل كلام أوّلنا ، وكلام أوّلنا مصادق (١) لكلام آخرنا ، فإذا أتاكم من يحدّثكم بخلاف ذلك فردّوه عليه ، وقولوا : أنت أعلم وما جئت به ،

__________________

(١) مصداق ، خ. ل.

١٨

فإنّ مع كلّ قول منّا حقيقة ، وعليه نورا ، فما لا حقيقة معه ولا نور عليه ، فذلك من قول الشيطان » (١).

إلى غير ذلك من الأحاديث المتضمّنة للتحذيرات الكثيرة التي صدرت عن الأئمّة الأطهار سلام الله عليهم ، والتي تأكّد على التفحّص الكامل والتثبت الشديد والأخذ بحذر ، حتّى لا نبتلى بالأحاديث الموضوعة والمكذوبة عليهم سلام الله عليهم. وحتّى تكون كتبنا الحديثيّة أكثر نزاهة ونقاوة بالقياس إلى كتب غيرنا.

ومن هنا فإنّ المرء لا يعسر عليه إدراك الكم الوفير والغني من الكتب الرجاليّة التي صنّفها علماؤنا الأبرار ، طوال القرون السالفة وحتّى يومنا هذا ، سواء كانت مفصلة أو مختصرة ، يراد منها التحقق من وثاقة رواة الأخبار وناقليها ، وتصنيفهم ضمن المراتب الخاصة بهم ، سعيا لتنزيه السنّة المطهرة عن الكذب والدس والاختلاق.

وإنّا وبهذا الجهد المتواضع لا يسعنا المجال أن نحيط بكلّ من ألّف وما ألّف في هذا الموضوع ، إذ لا نبالغ إن ادعينا أنّ تعداد ما ألّف من الكتب الرجاليّة قد يصل إلى المئات ، حتّى أنّ الشيخ آقا بزرك الطهراني ـ رحمه‌الله تعالى ـ قد ألّف كتابا كاملا في هذا الموضوع سمّاه : مصفى المقال في مصنّفي علم الرّجال.

ولكن وممّا لا بدّ منه ، الإشارة إلى بعض أمّهات المصادر الرجاليّة‌ ، وحيث نقتصر هنا في هذا الموجز على أهمّ المصادر التي اعتمدها المصنّف في كتابه هذا ، توخيا للاختصار ، وتجنبا عن الإطالة والإسهاب.

١ ـ رجال الكشّي :

__________________

(١) رجال الكشّي : ٢٢٤ / ٤٠١.

١٩

لأبي عمرو محمّد بن عمر بن عبد العزيز الكشّي.

ويعتبر أحد الأصول الأربعة الرجاليّة.

ومؤلفه الكشي تلميذ العيّاشي ، وأستاذ جعفر بن قولويه ، وشيخ إجازة هارون بن موسى التلعكبري ، فهو من طبقة ثقة الإسلام الكليني المتوفّى سنة ٣٢٩ ه‍.

ويظهر من معالم العلماء لابن شهرآشوب أنّ اسم الكتاب : معرفة الناقلين عن الأئمّة الصادقين (١).

والموجود منه الآن هو ما اختاره وهذّبه ورتّبه الشيخ الطوسي سنة ٤٥٦ ه‍ ، والمعروف باسم : اختيار معرفة الرّجال ، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي الطوسي قدس‌سره.

وقد أملاه الشيخ على تلامذته في المشهد الغروي. وكان بدء إملائه يوم الثلاثاء السادس والعشرين من صفر سنة ٤٥٦ ه‍ ، على ما حكاه السيّد رضيّ الدين علي بن طاوس في فرج المهموم (٢).

وأمّا أصل رجال الكشّي فلا نعلم بوجوده. ولو أنّ هناك بعض الاحتمالات بوجوده في زمن العلاّمة الحلّي وابن داود ، لاختلاف بعض المنقولات فيهما عمّا هو موجود في الاختيار ، والله العالم.

٢ ـ رجال النجاشي :

أو : فهرست أسماء مصنّفي الشيعة.

لأبي العبّاس أحمد بن عليّ بن أحمد بن العبّاس النجاشي الأسدي الكوفي ( ٣٧٢ ـ ٤٥٠ ه‍ ).

__________________

(١) معالم العلماء : ١٠١ / ٦٧٩.

(٢) فرج المهموم : ١٣٠.

٢٠