الأمان من أخطار الأسفار والأزمان

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]

الأمان من أخطار الأسفار والأزمان

المؤلف:

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٦٦

وحضورهم عندنا ، وأوجب في حفظ ما يقربهم إليه.

ثم نصلي ركعتي توديعهم : الاولى بالحمد ـ مرة ـ وقل هو الله أحد ـ مرّة ـ والثانية الحمد ـ مرة ـ وإنا أنزلناه في ليلة القدر ـ مرة ـ وربما قرأنا سورة الفتح ـ أو بعضها ـ مع ما نقرأه في الأولة ، وسورة النصرمع ما نقرأه في الثانية ، ونقنت بما يفتحه الله علينا من الدعاء المتعلق بالسلامة والعناية التامة.

فإذا فرغنا من الركعتين وتسبيح الزهراء عليها‌السلام نقول ما نختاره من المنقول ، وما يفتح علينا (المقول) (١) ، ونبدأ بذكر ما ورد في الروايات من الدعوات ، عند توديع العيال ، فمن ذلك أن نقول : اللهم إني أستودعك اليوم نفسي وأهلي ومالي وولدي ومن كان مني بسبيل ، الشاهد منهم والغائب ، اللهم احفظنا بحفظ الإيمان ، واحفظ علينا ، اللهم اجمعنا في رحمتك ، ولا تسلبنا فضلك ، إنا إليك راغبون ، اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر ، وكابة المنقلب ، وسوء المنظرفي الأهل والمال والولد ، في الدنيا والآخرة ، اللهم إني أتوجه إليك هذا التوجه طلبا لمرضاتك ، وتقربا إليك ، اللهم فبلغني ما أؤمله وأرجوه فيك وفي أوليائك ، يا أرحم الراحمين.

وإن شئت فقل أيضا : اللهم (٢)خرجت في وجهي هذا ، بلا ثقة مني لغيرك ، ولا رجاء يأوي بي إلا إليك ، ولا قوة أتكل عليها ، ولا حيلة ألجأ إليها ، إلا طلب رضاك ، وابتغاء رحمتك ، وتعرضاً لثوابك ، وسكونا إلى حسن عائدتك ، وأنت أعلم بما سبق لي في علمك ، في وجهي مما أحب وأكره.

اللهم فاصرف عني مقادير كل بلاء ، ومقضي كل لأواء ، وابسط علي كنفا من رحمتك ، ولطفاً من عفوك ، وحرزاً من عفوك (٣) ، وسعة من رزقك ، وتماما من نعمتك ، وجماعا من معافاتك ، ووفق لي فيه ـ يا رب ـ جميع قضائك ، على موافقة هواي وحقيقة أملي ، وادفع عني ما أحذر وما لا أحذرعلى نفسي ، مما أنت أعلم به مني ، اجعل ذلك خيرا لي لاخرتي ودنياي ، مع ما أسألك أن تخلفني فيمن خلفت ورائي ، من

__________________

(١) في «ش» و «د» : بالمعقول ، وما أثبتناه من «ط».

(٢) في «ش» زيادة : إني.

(٣) في «ش» : غفرانك.

٤١

ولدي وأهلي ومالي وإخواني وجميع حزانتي (١) ، بأفضل ماتخلف فيه غائباً من المؤمنين ، في تحصين كل عورة ، وحفظ كل مضيعة ، وتمام كل نعمة ، ودفاع (٢) كل سيئة ، وكفاية كل محذور ، وصرف كل مكروه ، وكمال ما يجمع لي به الرضا والسرور في الدنيا والآخرة ، ثم ارزقني ذكرك وشكرك وطاعتك وعبادتك (٣) حتى ترضى وبعد الرضا ، أللهم إني أستودعك اليوم ديني ونفسي ومالي وأهلي وذريتي وجميع إخواني ، اللهم احفظ الشاهد منا والغائب ، اللهم احفظنا وأحفظ علينا ، اللهم اجعلنا في جوارك ، ولا تسلبنا نعمتك ، ولا تغير ما بنا من نعمة وعافية وفضل.

وروي أنك إذا أردت التوجه في وقت يكره فيه السفر ، فقدم أمام توجهك قراءة الحمد والمعوذتين واية الكرسي وسورة القدر وآخر آل عمران من قوله تعالى : ( ان في خلق السماوات والارض ) (٤) إلى آخر السورة ، ثم قل : اللهم بك يصول الصائل ، وبك يطول الطائل ، ولا حول لكل ذي حول إلا بك ، ولا قوة يمتارها ذو القوة إلا منك ، أسألك بصفوتك من خلقك ، وخيرتك من بريتك محمد نبيك وعترته وسلالته ـ عليه وعليهم السلام ـ صل عليه وعليهم ، واكفني شرهذا اليوم وضره ، وارزقني خيره ويمنه ، واقض لي في متصرفاتي بحسن العاقبة ، وبلوغ المحبة ، والظفر بالامنية ، وكفاية الطاغية الغوية ، وكل ذي قدرة لي على أذية ، حتى أكون في جنة وعصمة ، من كل بلاء ونقمة ، وأبدلني فيه من المخاوف أمناً ، ومن العوائق فيه يسرا ، حتى لا يصدني صاد عن المراد ، ولا يحل بي طارق من أذى العباد ، إنك على كل شيء قدير ، والامور إليك تصير ، يامن ليس كمثله شيء ، وهو السميع البصير (٥).

أقول : وإن كان لك عذر عن الدعاء في توديع العيال بما ذكرناه ، فقل من الدعاء المختصر ما رويناه من كتاب (المحاسن) ، قال ماهذا لفظه : النوفلي بإسناده

__________________

(١) الحزانة : عيال الرجل الذين يهتم بأمرهم انظر «الصحاح ـ حزن ـ ٥ : ٢٠٩٨».

(٢) في «ش» : ودفع.

(٣) في «ش» : وحسن عبادتك.

(٤) آل عمران ٣ : ١٩٠.

(٥) أخرجه المجلسي في بحار الأنوار ٧٦ : ٢٣٦ / ٢٠ ، من «ثم نصلي ركعتي توديعهم ...» وذكره السيد المصنف في مصباح الزائر : ٨ ، من بداية الدعاء ، وكلاهما باختلاف يسير.

٤٢

قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما استخلف رجل على أهله خليفة (١) ، أفضل من ركعتين يركعهما إذا أراد الخروج إلى سفره (٢) ، ويقول : (أستودع الله) (٣) نفسي وأهلي ومالي وذريتي وإخوتي (٤) ، وأمانتي وخاتمة عملي ، إلا أعطاه الله ما سأل» (٥).

أقول : وممّا نذ كره من الدعوات ، زيادة على ما ذكرناه في الروايات ، إننا نقول : اللهم إننا نتوجه إليك بك ، وبمن يعز عليك ، وبجميع الوسائل إليك ، أن تصلي على محمد وال محمد ، وعلى كل من ترضيك الصلاة عليه ، وأن تبلغ أرواح الملائكة والانبياء والأوصياء والأولياء عليهم‌السلام ، أننا سألناك الصلاة عليهم (٦) ، وأننا نتوجه إليهم بإقبالك عليهم وإحسانك إليهم ، في أن يكونوا من وسائلنا إليك ، وذرائعنا بين يديك ، في بلوغنا في سفرنا هذا ، كلما دعوناه وأملناه ورجوناه ، وما لم تبلغه آمالنا ولا ابتهالنا ولا سؤالنا ، مما أنت قادر عليه ، ونحن محتاجون إليه ، وأن تبلغ من نقصده من أوليائك ، أننا نتوجه إليه بك ، (ونتوجه إليك به) (٧) ، في قضاء حاجاتنا ، وإجابة دعواتنا ، وأن نكون من أخص وفوده ، وأعز جنوده ، وأكرم عبيده ، وأبلغهم ظفراً بجوده وإنجاز وعوده ، وأن يدخلنا في حمايته ورعايته وخفارته ، كأفضل ما عمل مع أحد قصد لزيارته ، وتشرف بمقدس حضرته ، برحمتك يا أرحم الراحمين

الفصل الثالث عشر : في رواية أخرى بالصلاة عند توديع العيال بأربع ركعات وابتهال.

قد ذكرنا هذه الرواية في الجزء الثاني من كتاب (التراجم) فيما نذكره عن الحاكم بإسناده قال : جاء رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : إني اريد سفراً ،

__________________

(١) في المصدر : بخلافة.

(٢) في المصدر : سفر.

(٣) في المصدر : اللهم إني أستودعك.

(٤) في المصدر : ودنياي وآخرتي.

(٥) المحاسن : ٣٤٩ / ٢٩.

(٦) في «د» : إليهم.

(٧) ليس في «ش».

٤٣

وقد كتبت وصيتي ، فإلى أي الثلاث تأمرني أن أدفع ، إلى أبي أو ابني أو أخي؟ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما استخلف العبد في أهله من خليفة ـ إذا هوشد ثياب سفره ـ خير من أربع ركعات يضعهن في بيته ، يقرأ في كل ركعة منهن بفاتحة (١) الكتاب و (قل هوالله أحد) ويقول : اللهم إني أتقرب بهن إليك ، فاجعلهن خليفتي في أهلي ومالي ، قال : فهن خليفته في أهله وماله وداره (٢) ، حتى يرجع إلى أهله».

الفصل الرابع عشر : فيما نذكره من توديع الروحانيين الذين يخلفهم المسافرفي منزله مع عياله ، وماذا يخاطبهم من مقاله.

إعلم : أننا روينا أن لكل منزل أهلا من الروحانيين ، وخاصة المنازل المسكونة بالآدميين ، فإنه لابد أن لله ـ جل جلاله ـ عليهم من حافظين ، فإذا فرغ الانسان من توديع عياله (٣) وإيداعهم ، فليخاطب الروحانيين معتقداً لاستماعهم ، وراجياً لإسماعهم ، فيقول : السلام على من بهذا المنزل من الروحانيين والملائكة الحافظين ، والمسبحين والعابدين ، نستودعكم الله ، ونقرأ عليكم أفضل السلام ، ونتوجه إليكم بالله ـ جل جلاله ـ وبما خصكم به من إلإنعام والاكرام ، أن تستودعونا الله ـ جل جلاله ـ أكمل الوداع والإيدع ، وأن تسألوه لنا كل مانحتاج إليه من الحفظ والانتفاع ، وأن يردنا سالمين إلى سالمين ، وغانمين إلى غانمين ، وأن تكونوا لعيالنا على أحسن الخلافة ، والأمن من كل آفة ومخافة ، وأتمها في المساعدة على كل رحمة ورأفة ، وأن تقيموا على الصفاء والوفاء ، مدة أيام البقاء.

الفصل الخامس عشر : فيما نذكره من الترغيب والترهيب للعيال ، قبل التوجه والانفصال.

إعلم : أن العيال في غالب الأحوال ، لايخلو بعضهم أو أكثرهم من حسد بعضهم لبعض ، وعداوة بعضهم لبعض ، وأنهم مع حضور صاحب المنزل ومشاهدتهم له

__________________

(١) في «ش» : فاتحة.

(٢) في «د» زيادة : وبعد دخول داره.

(٣) في «ش» : العيال.

٤٤

يحتاج إلى تقويمهم وسياستهم ، فكيف إذا بعد (١) عنهم ، وخلا منظره منهم ، فيحتاج أن يكون اخر ما يلقاهم به ، أن يعد أهل القبول لوصاياه ، والحافظين له في غيبته بما يرضاه ، أن يحسن إليهم بعد الوصول ، ويعمل معهم ما يستحقونه على القبول ، ويتوعد من يعرفه منهم بالفتن والمنافرة ، والمحاسدة والمناقرة ، أنه متى تجدد منهم في غيبته ، ما يحتاج إلى مؤاخذته ، فإنه يضاعف عليهم من العقاب والآداب ، وينقصهم من عوائد المحاب والطلاب ، ما يكون سبباً لاستقامتهم عند الأسفار ، ومدة الأعمار.

* * *

_________________

(١) في «ش» : أبعد.

٤٥

الباب الثاني :

فيما يصحبه الانسان معه في أسفاره ، للسلامة من أخطاره وأكداره ، وفيه فصول :

الفصل الأول : فيما نذكره من صحبة العصا اللوزالمر في الأسفار ، والسلامة بها من الأخطار.

روينا بإسنادنا إلى ابن بابويه ، رضوان الله ـ جل جلاله ـ عليه ، فيما رواه في كتاب (من لايحضره الفقيه) في باب حمل العصا في السفر ، فقال :

قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من خرج في سفر ومعه عصا لوزمر ، وتلا هذه الآية ( ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي ان يهديني سواء السبيل ) إلى قوله ( وآلله على ما نقول وكيل ) (١) امنه الله عز وجل من كل سبع ضار ، ومن كل لص عاد ، ومن كل ذات حمة ، حتى يرجع إلى منزله وأهله ، وكان معه سبعة وسبعون من المعقبات ، يستغفرون له ، حتى يرجع ويضعها».

وقال عليه‌السلام : (٢) : «تنفي الفقر ، ولا يجاوره الشيطان» (٣).

وقال عليه‌السلام : «من أراد أن تطوى له الأرض ، فليتخذ النقد من العصا» والنقد : عصا لوزمر (٤).

ومن غير كتاب ابن بابويه ، وقال عليه‌السلام : «مرض آدم عليه‌السلام مرضاً شديداً أصابته فيه وحشة ، فشكا ذلك إلى جبرئيل عليه‌السلام فقال له : اقطع ، منها واحدة ، وضمها إلى صدرك ، ففعل ذلك ، فأذهب الله عنه الوحشة» (٥).

أقول : وروي عن الأئمة عليهم‌السلام أنهم قالوا : إذا أراد أحدكم أن يسافر ،

__________________

(١) القصص ٢٨ : ٢٢ ـ ٢٨.

(٢) في «ط» والفقيه زيادة : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : حمل العصا.

(٣) الفقيه ٢ : ١٧٦ / ٧٨٦ ، ثواب الأعمال : ٢٢٢ / ١.

(٤) الفقيه ٢ : ١٧٦ / ٧٨٧ ، ثواب الأعمال : ٢٢٢ / ١.

(٥) ثواب الأعمال : ٢٢٢ / ١ ، وذكره المصنف في مصباح الزائر : ١٠.

٤٦

فليصحب معه في سفره عصا من شجر اللوز المر ، وليكتب هذه الاحرف في رقّ (١) :

الفصل الثاني : فيما نذكره من أن أخذ التربة الشريفة في الحضر والسفر ، أمان من الخطر.

قد كنا ذكرنا في كتاب (مصباح الزائر وجناح المسافر) أنه لما ورد الصادق عليه‌السلام إلى العراق ، اجتمع الناس إليه فقالوا : يا مولانا ، تربة قبر الحسين عليه‌السلام شفاء من كل داء ، فهل هي أمان من كل خوف؟ فقال : «نعم ، إذا أراد أحدكم أن يكون آمنا من كل خوف ، فليأخذ السبحة من تربته عليه‌السلام ، ويدعو بدعاء ليلة المبيت على الفراش ثلاث مرات ، ثم يقبلها ويضعها على عينه ، ويقول : اللهم إني أسألك بحق هذه التربة ، وبحق صاحبها ، وبحق جده ، وبحق أبيه ، وبحق أمه ، وبحق أخيه ، وبحق ولده الطاهرين ، اجعلها شفاء من كل داء ، وأماناً من كل خوف ، وحفظاً من كل سوء ، ثم يضعها في جيبه ، فإن فعل ذلك في الغداة فلا يزال في أمان الله حتى العشاء ، وإن فعل ذلك في العشاء فلا يزال في أمان الله حتى الغداة» (٣).

أقول : وفي رواية اخرى قال : «وقل إذا أخذتها : اللهم هذه طينة قبر الحسين عليه‌السلام ، وليك وابن وليك ، اتخذتها حرزاً لما أخاف وما لا أخاف» (٤).

أقول : وروي من طريق أخرى : «اللهم اني أخذته من قبر وليك وابن وليك ، فاجعله لي أمنا وحرزا مما أخاف ومما لا أخاف».

وروي أن من خاف سلطاناً ـ أو غيره ـ وخرج من منزله ، واستعمل ذلك كان حرزاً له (٥).

__________________

(١) الرق : جلد يكتب عليه. «الصحاح ـ رقق ـ ٤ : ١٤٨٣».

(٢) ذكره المصنف في مصباح الزائر : ١٠. والبحار ٧٦ : ٢٣٠ / ٢.

(٣) فلاح السائل : ٢٢٤.

(٤) التهذيب ٦ : ٧٥ / ١٤٦.

(٥) أخرجه في مصباح الزائر : ١٠.

٤٧

الفصل الثالث : فيما نذكره من أخذ خواتيم في السفر ، للأمان من الضرر.

عن أبي محمد القاسم بن العلاء المدائني قال : حدثني خادم لعلي بن محمد عليهما‌السلام قال : استأذنته في الزيارة إلى طوس فقال لي : «يكون معك خاتم فصه عقيق أصفر ، عليه : ما شاء الله ، لا قوة إلا بالله ، أستغفرالله ، وعلى الجانب الآخر : محمد وعلي ، فإنه أمان من القطع ، وأتم للسلامة ، وأصون لدينك» قال : فخرجت وأخذت خاتما على الصفة التي أمرني بها ، ثم رجعت إليه لوداعه ، فودعته وانصرفت ، فلما بعدت عنه أمر بردي ، فرجعت إليه فقال : «ياصافي» قلت : لبيك يا سيدي ، قال : «ليكن معك خاتم آخر فيروزج ، فإنه يلقاك في طريقك أسد بين طوس ونيشابور ، فيمنع القافلة من المسير ، فتقدم إليه وأره الخاتم ، وقل له : مولاي يقول لك : تنح عن الطريق ، ثم قال : ليكن نقشه : الله الملك ، وعلى الجانب ألآخر : الملك لله الواحد القهار ، فإنه خاتم أمير المؤمنين علي عليه‌السلام كان عليه : الله الملك (١) ، فلما ولي الخلافة نقش على خاتمه : الملك لله الواحد القهار ، وكان فصه فيروزج ، وهوأمان من السباع ـ خاصة ـ وظفر في الحروب».

قال الخادم : فخرجت في سفري ذلك ، فلقيني ـ والله ـ السبع ، ففعلت (٢) ما أمرت ، ورجعت حدثته ، فقال عليه‌السلام لي : «بقيت عليك خصلة لم تحدثني بها ، إن شئت حدثتك بها» فقلت : يا سيدي ، علي نسيتها ، فقال : «نعم بت ليلة بطوس عند القبر ، فصار إلى القبر قوم من الجن لزيارته ، فنظروا إلى الفص في يدك وقرؤا نقشه فأخذوه من يدك وصاروا به إلى عليل لهم ، وغسلوا الخاتم بالماء وسقوه ذلك الماء فبرأ ، وردوا الخاتم إليك ، وكان في يدك اليمنى فصيروه في يدك اليسرى ، فكثر (تعجبك من ذلك) (٣) ، ولم تعرف السبب فيه ، ووجدت عند رأسك حجرا ياقوتا فأخذته ، وهو معك فاحمله إلى السوق ، فإنك ستبيعه بثمانين ديناراً ، وهي هدية القوم إليك» فحملته إلى السوق فبعته بثمانين ديناراً ، كما قال سيدي عليه‌السلام.

__________________

(١) في «ش» : لله الملك.

(٢) في «ش» : فقلت.

(٣) في «ش» : من ذلك تعجبك.

٤٨

أقول : ورأيت في حديثين عن مولانا الباقر محمد بن علي ـ صلوات الله عليهما ـ في الفص الحديد الصيني ، ما نذكرالمراد منه : أن من أخذه معه ، وعليه نقشة معينة ، تنقش في وقت معين من الشهر ، كان حرزاً لحامله من كل مكروه ، من الجن والإنس ، والشيطان والسلطان ، وهوام الأرض ، ومن كل مكروه.

وروي في الحديث أن نقش الخاتم الصيني الذي كان لمولانا علي ـ صلوات الله عليه ـ كانت نقشته وأسراره كما أشرنا إليه.

أقول : وروي في الدعاء عند لبس كل خاتم : «اللهم سومني بسيماء الإيمان ، وتوجني تاج الكرامة ، وقلدني حبل الإيمان ، ولا تنزع ربقة الإيمان من عنقي».

الفصل الرابع : فيما نذكره من تمام ما يمكن أن يحتاج إليه في هذه الثلاثة فصول.

فمن ذلك ما ذكرناه في أخذ العصا اللوز المر ، أنه يقرأ قوله ـ جل جلاله ـ ( ولما توجه تلقاء مدين ) ولم نذكر تمام الآيات ، وربما يقف على كتابنا هذا من لا يحفظها ، ولا معه من يحفظها ، فيحسن أن نذكرها له ، لئلا يفوته الانتفاع بتلك الروايات ، فنقول : إنه يقرأ ( ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي ان يهدني سواء السبيل * ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدرالرعاء وابونا شيخ كبير * فسقى لهما ثم تولى الى الظل فقال رب اني لما انزلت الي من خير فقير * فجاءته احداهما تمشي على استحياء قالت ان ابي يدعوك ليجزيك اجر ما سقيت لنا فلما جآءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين * قالت احداهما يا ابت آستاجره ان خير من استاجرت القوي الامين * قال اني اريد ان أنكحك احدى ابنتي هاتين على ان تاجرني ثماني حجج فان اتممت عشرا فمن عندك وما اريد ان اشق عليك ستجدني ان شاء الله من الصالحين * قال ذلك بيني وبينك ايما الاجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل ) (١).

ومن ذلك ما ذكرناه في حديث التربة الشريفة ، أنه يدعو بدعاء الفراش ، وهو دعاء مولانا علي عليه‌السلام حين بات على فراش النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لما هاجر

__________________

(١) القصص ٢٨ : ٢٢ ـ ٢٨.

٤٩

من مكة إلى المدينة ، وهذا لفظ الدعاء الذي ذكرناه كما رويناه : «أمسيت اللهم معتصما بذمامك وجوارك المنيع ، الذي لا يطاول ولا يحاول ، من شر كل طارق وغاشم ، من سائرمن خلقت وما خلقت من خلقك الصامت والناطق ، في جنة من كل مخوف بلباس سابغة حصينة ، وهي ولاء أهل بيت نبيك ، محتجزا (١) من كان قاصد لي الى أذية (٢) بجدارحصين الإخلاص في الاعتراف بحقهم ، والتمسك بحبلهم جميعاً ، موقنا أن الحق لهم ومعهم ومنهم وفيهم وبهم ، اوالي من والوا واعادي من عادوا ، وأجانب من جانبوا (٣) ، فأعذني اللهم بهم من شركل ما أتقيه (٤) ، إنا جعلنا من بين أيديهم سدا ، ومن خلفهم سدا ، فأغشيناهم فهم لايبصرون» (٥).

ومن ذلك أننا ذكرنا الفص الصيني ولم نذكرنقشته ، ولا الوقت الذي ينقش فيه ، ونحن نذكر النقشة ففيها بعض المراد ، (إلى أن يتهيأ ذكر) (٦) الوقت الذي ينقش فيه ، وهذه صورة النقشة :

ذكرحديث اخرفي نقش الفص الحديد الصيني ، وهو :

أتى رجل إلى سيدنا أبي عبدالله جعفر بن محمد عليه‌السلام فقال : ياسيدي ، إني خائف من والي بلد الجزيرة ، وأخاف أن يعرفه بي أعدائي ، ولست آمن على نفسي ، فقال عليه‌السلام : «استعمل خاتماً فصه حديد صيني منقوشاً عليه من ظاهره ،

__________________

(١) في «ش» و «ط» وفلاح السائل : محتجبا.

(٢) في «ش» : بأذية.

(٣) في فلاح السائل زيادة : فصل على محمد وال محمد.

(٤) في فلاح السائل زيادة : ياعظيم حجزت الأعادي عني ببديع السموات والأرض.

(٥) أورده المصنف في فلاح السائل : ٢٢٤

(٦) في «ش» : ونحن ذكرنا.

٥٠

ثلاثة أسطر : الأول : أعوذ بجلال الله ، الثاني : أعوذ بكلمات الله ، الثالث : أعوذ برسول الله ، وتحت الفص سطران : الأول : آمنت بالله وكتبه ، الثاني : وإني (١) واثق بالله ورسله ، وانقش حول الفص على جوانبه : أشهد أن لا إله إلا الله مخلصاً ـ وهذه صورة الفص ـ :

والبسه في سائر ما يصعب عليك من حوائجك ، وإذا خفت أذى (أحد من) (٢) الناس فالبسه ، فإن حوائجك تنجح ، ومخاوفك تزول ، وكذلك علقه على المرأة التي يتعسر عليها الولد ، فإنها تضع بمشيئة الله تعالى ، وكذلك من تصيبه العين فإنها تزول ، واحذر عليه من النجاسة والزهومة (٣) ودخول الحمام والخلاء واحفظه ، فإنه من أسرار الله ـ عز وجل ـ وحراسته» ثم التفت الحسن (٤) عليه‌السلام إلينا (٥) وقال : «وأنتم ، فمن خاف منكم على نفسه ، فليستعمل ذلك واكتموه عن أعدائكم لئلا ينتفعوا به ، ولا تبيحوه إلإ لمن تثقون به».

قال الراوي لهذا الحديث : قد جربت هذا الخاتم ، فوجدته صحيحاً والحمد لله (٦).

الفصل الخامس : فيما نذكره من فوائد التختم بالعقيق في الأسفار ، وعند الخوف من الأخطار ، وأنها دافعة للمضار.

روينا من كتاب (فضل العقيق والتختم به) تأليف السيد السعيد قريش بن السبيع بن مهنا العلوي المدني رضي‌الله‌عنه ، بإسناده المتصل فيه عن الصادق

__________________

(١) في «ش» : إني.

(٢) في «ش» : من أحد.

(٣) الزهومة : الدسم ورائحته في اليد «الصحاح ـ زهم ـ ٥ : ١٩٤٦».

(٤) كذا وردت وإن الرواية في البداية عن أبي عبدالله عليه‌السلام.

(٥) في «د» و «ط» : علينا.

(٦) في «ش» زيادة : رب العالمين.

٥١

عليه‌السلام ، أنّه قال : «الخاتم العقيق أمان في السفر» (١).

ومن الكتاب المذكور ، في حديث اخر قال : قال أبوعبدالله «ع» : «الخاتم العقيق حرز(٢) في السفر» (٣).

ومن الكتاب المذكور قال : وأخبرنا الغيداق ، ثم ذكر الإسناد إلى أبي هاشم داود الجعفري رحمه‌الله قال : لي إسماعيل بن جعفر ، قال : قال لي أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليهما‌السلام : «يا بني (٤) ، من أصبح وعليه خاتم فصه عقيق ، متختماً به في يده اليمنى ، فأصبح من قبل أن يرى أحداً ، فقلب فصه إلى باطن كفه ، وقرأ (إنّا أنزلناه في ليلة القدر) إلى آخرها ، ثم قال : آمنت بالله وحده لا شريك له ، وكفرت بالجبت والطاغوت ، وآمنت (٥) بسر ال محمد وعلانيتهم ، وظاهرهم وباطنهم ، وأولهم وآخرهم. وقاه الله في ذلك اليوم ، شرما ينزل من السماء ، ومايعرج فيها ، والأرض (٦) وما يخرج منها ، وكان في حرز الله وحرز وليه حتى يمسي».

ومن الكتاب المذكور ، بإسناده في حديث اخر ، عن الباقر عليه‌السلام ، وذكر العقيق وأجناسه ، ثم قال بعد كلام (٧) طويل : «فمن تختم بشيء منها ، وهو من شيعة ال محمد عليهم‌السلام ، لم ير إلا الخير ، ثم الحسنى والسعة في رزقه ، والغنى عن الناس ، والسلامة من جميع أنواع البلايا ، وهو أمان من السلطان الجائر ، ومن كل ما يخافه الإنسان ويحذره» (٨).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٧٠ / ٥.

(٢) في «ش» : أمان.

(٣) ثواب الاعمال : ٢٠٨ / ٤.

(٤) ليس في «ش».

(٥) في «ش» زيادة : بالله وحده ولا شريك له وامنت.

(٦) في «ش» : وما يلج في الأرض.

(٧) في «ش» : حديث.

(٨) في «ش» زيادة : عن سلمان الفارسي ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال لعلي عليه‌السلام : «يا علي ، تختم باليمين تكن من المقربين ، قال : يا رسول الله ، وما المقربون؟ قال : جبرائيل وميكائيل ، قال عليه‌السلام :

٥٢

الباب الثالث :

فيما نذكره مما يصحبه الإنسان في السفر من الرفقاء والمهام والطعام ، وفيه فصول :

الفصل الأول : في النهي عن الانفراد في الأسفار ، واستعداد الرفقاء لدفع الأخطار.

ذكر أحمد بن محمد البرقي في كتاب (المحاسن) بإسناده عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال : «لعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثة : أحدهم راكب الفلاة وحده» (١).

ومن كتاب (المحاسن) بإسناده إلى السري (٢) بن خالد ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا انبئكم بشرّ الناس؟ قالوا : بلى ، يا رسول الله ، قال : من سافر وحده ، ومنع رفده (٣) ، وضرب عبده» (٤).

وفي كتاب الشهاب : «الرفيق قبل الطريق» (٥).

ومن الكتاب المذكور بإسناده قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الرفيق ثم السفر».

أقول أنا : إعلم أن الذي يريد السفر ، يحتاج إلى استعداد الرفقاء والخفراء ، على قدر ما يكون بين يديه من الأخطار والأكدار ، وطول الأسفار ، وعلى قدر حاله في كثرة الحساد والأعداء ، وكل قدر ما يصحبه مما يعز عليه من سائر الأشياء ، وقد كنت إذا

__________________

فبم أتختم يا رسول الله؟ قال : بالعقيق الأحمر ، فإنه أول جبل آمن لله بالوحدانية ، ولي بالنبوة ، ولك بالوصية ، ولولدك بالامامة ، ولمحبك بالجنة ، ولشيعة ولدك بالفردوس».

(١) المحاسن : ٣٦٥ / ٥٧.

(٢) في المحاسن والفقيه : السندي ، والظاهر هو الصواب راجع «معجم رجال الحديث ٨ : ٣١٤».

(٣) الرفد : العطاء والصلة «الصحاح ـ رفد ـ٢ : ٤٠٧٥».

(٤) المحاسن : ٣٥٦ / ٦٠ ، الفقيه ٢ : ١٨١ / ٨٠٨.

(٥) شهاب الأخبار : ٣١٩ / ٥١.

٥٣

توجهت في الزيارات ، أستظهر في صحبة الأجناد والعدد (١) والرجالة بحسب تلك الأوقات ، فيقول لي بعض أهل الغفلات : إن التوكل على الله ـ جل جلاله ـ يغني عن الاستعداد ، وعن المعدة والأجناد ، فأقول : إن سيد المتوكلين محمد سيد الأولين والآخرين ، قال الله ـ جل جلاله ـ له ، في خاص عباداته ، وأوقات صلوات : ( واذا كنت فيهم فاقامت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك ولياخذوا اسلحتهم فاذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتات طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك ولياخذوا حذرهم واسلحتهم ود آلذين كفروا لو تغفلون عن اسلحتكم وامتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ) (٢) وقال الله جل جلاله : ( واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخبل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) (٣).

وقلت لبعض من سأل عن الاستظهار في الأسفار : إن ذلك يسعد على تأدية الفرائض في أوائل الأوقات ، أين كان الإنسان في مخافات الطرقات ، ويقوي على الشيطان الذي يخوف الإنسان من حوادث الأزمان

الفصل الثاني : فيما يستصحبه في سفره من الآلات بمقتضى الروايات ، وما نذكره من الزيادات.

روينا من كتاب (المحاسن) لأحمد بن محمد بن خالد البرقي بإسناده عن حماد بن عيسى ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، قال : «في وصية لقمان رضي‌الله‌عنهلابنه : يا بني ، سافر بسيفك وخفك وعمامتك ، وحبلك وسقائك ، وابرتك وخيوطك ومخرزك ، ثم تزود معك الأدوية التي تنتفع بها ـ أنت ومن معك ـ وكن لأصحابك موافقا (٤) إلا في معصية الله» وزاد فيه بعضهم : «وقوسك» (٥).

أقول : وذكر صاحب كتاب (عوارف المعارف) حديثاً أسنده : أن النبي صلى

__________________

(١) في «ش» : والعدة.

(٢) النساء ٤ : ١٠٢.

(٣) الأنفال ٨ : ٦٠.

(٤) في المصدر زيادة : مرافقاً.

(٥) المحاسن : ٣٦٠ / ٨٥.

٥٤

الله عليه وآله كان إذا سافر حمل معه خمسة أشياء : المرآة ، والمكحلة ، والمدرى(١) ، والمسواك والمشط ـ وفي رواية أخرى ـ والمقراض (٢).

أقول : واعلم أن اتخاذ الآلات في الأسفار إنما هي بحسب حال ذلك السفر ، وبحسب حال الإنسان ، وبحسب الأزمان ، فإن سفر الصيف ما هو مثل سفر الشتاء ، وسفر الضعفاء ما هو كسفر الأقوياء ، ولا سفر الفقراء كسفر الأغنياء ، ولكل إنسان حال في أسفاره ، يكون بحسب مصلحته ومساره ويساره.

والمهم في حمل الآلات ، واتخاذ الرفقاء في الطرقات ، أن يكون قصد المسافر بهذه الأسباب ، امتثال أوامر سلطان الحساب ، والعمل بمراسم الآداب ، وحفظ النفس على مولاها ، الذي خلقها له في دنياها واخراها.

أقول : وإياه أن يتعلق قلبه عند الاستعداد بالعدة والأجناد ، مع ترك التوكل على سلطان الدنيا والمعاد ، فيكون كما قال الله جل جلاله : ( ويوم حنين اذ اعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الارض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ) (٣) ولا يعتمد على ألآلات ، اعتماد فارغ القلب من الخالق لها والمنعم بها ، والقادر على أن يغني عن كثير منها ، بل يكون القلب متعلقاً على الله ـ جل جلاله ـ ومشغولاً به ـ جل جلاله ـ عنها ، ليكون كما قال جل جلاله : ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه ان الله بالغ امره ) (٤) فيقوي الله ـ جل جلاله ـ قلبه ، ويشد أزره ، ويكمل نصره.

الفصل الثالث : فيما نذكره من إعداد الطعام للأسفار ، وما يتصل به من الآداب والأذكار.

روينا بإسنادنا إلى أحمد بن محمد بن خالد البرقي من كتاب (المحاسن) بإسناده إلى أبي عبدالله عليه‌السلام (عن آبائه عليهم‌السلام ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام) (٥)

____________

(١) المدرى : المشط. «القاموس المحيط ـ درى ـ ٤ : ٣٢٧».

(٢) أخرجه المجلسي في البحار ٧٦ : ٢٣٩ / ٢١.

(٣) التوبة ٩ : ٢٥.

(٤) الطلاق ٦٥ : ٣.

(٥) ليس في المصدر.

٥٥

قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من شرف الرجل أن يطيب زاده إذا خرج في سفره» (١).

ومن ذلك بإسنادنا من الكتاب المذكور قال : قال أبو عبدالله عليه‌السلام : «إذا سافرتم فاتخذوا سفرة ، وتنوقوا (٢) فيها» (٣).

أقول : إن اتخاذ السفرة والطعام في الأسفار ، يختلف بحسب حال المسافرين ومن يصحبهم ، وبحسب اليسار والإعسار ، وبحسب سفر الاختيار وسفر الاضطرار ، فعسى أن يكون المراد بهذه الأخبار ، سفرأهل اليسار والاختيار.

وقد روينا كراهية السفرة والتنوق في الطعام إلى زيارة الحسين عليه‌السلام.

فمن ذلك ما رويناه بإسنادنا إلى أبي جعفر بن بايويه من كتاب (من لا يحضره الفقيه) فقال ماهذا لفظه : قال الصادق عليه‌السلام لبعض أصحابه : «تأتون قبر أبي عبدالله صلوات الله عليه؟ فقال له : نعم ، قال : تتخذون لذلك سفرة؟ قال : نعم ، قال : أما لو أتيتم قبور ابائكم وامهاتكم لم تفعلوا ذلك ، قال ، قلت : فأي شيء نأكل؟ قال : الخبز واللبن (٤)» (٥).

ومن الكتاب المذكورقال وفي آخر : قال الصادق عليه‌السلام : «بلغني أن قورما إذا زاروا الحسين ـ صلوات الله عليه ـ حملوا معهم السفر ، فيها الجداء (٦) والأخبصة (٧) وأشباهه ، ولو زاروا قبور أحبائهم ماحملوا معهم هذا» (٨).

يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاووس ، مؤلف هذا

__________________

(١) المحاسن : ٣٦٠ / ٨١.

(٢) تنوق في الأمر : تأنق به «الصحاح ـ نوق ـ ٤ : ١٥٦٢».

(٣) المحاسن : ٣٦٠ / ٨٢.

(٤) في المصدر : باللبن.

(٥) الفقيه ٢ : ١٨٤ / ٨٢٨.

(٦) الجداء : جمع جدي ، وهو ولد المعز. «الصحاح ـ جدى ـ ٦ : ٢٢٩٩».

(٧) الأخبصة : جمع خبيص ، وهو طعام من التمر والسمن. «القاموس المحيط ـ خبص ـ ٢ : ٣٠٠».

(٨) الفقيه ٢ : ١٨٤ / ٨٢٩.

٥٦

الكتاب : وحيث قد ذكرنا ما يصحب في سفره من الطعام ، فلنذكر ما يحضرنا ويتهيأ ذكره من الآداب المتعلقة بالأكل ، بحسب مايهدينا إليه واهب الألباب ، فنقول : إن الطعام ما يحضر بين يدي الانسان ، الا بعد أن يولي الله ـ جل جلاله ـ بيد قدرته وحكمته ورحمته وداعيته واختياره وإرادته ، إنشاء السماوات والأرضين والبحار والأنهار والغيوث والغيوم والامطار ، وفصول الصيف وألشتاء والربيع والخريف ، وما فيها من المنافع والأسرار (١) ، ويستخدم في ذلك من يختص بهذه المصالح من الملائكة ، ومن يقوم بتدبير اخلائق من الأنبياء والأوصياء ، والرعايا والولاة ، وأصحاب الصنائع والأكرة (٢) والحدادين والنجارين ، والدواب التي يحتاج إليها لهذه الأسباب ، ومن يقوم بمصالح ذلك ومهماته ، من ابتدائه إلى حين طحنه وخبزه وحمله إلى بين يدي من يأكله أوقات حاجاته ، فالمنة فيه لله ـ جل جلاله ـ أعظم من (المؤنة على مائدة) (٣) بني إسرائيل ، فيجب أن يكون العبد (٤) عارفا وذاكرا وشاكرا لهذا الإنعام الجزيل الجليل ، وجالسا عند أكله بين يدي الله ـ جل جلاله ـ ليأكل من طبق ضيافته ، كما يجلس العبد بين يدي سلطان ، قدعمل له طعاماً ، واستخدم فيه نفسه وخواصه ، ومن يحتاج إليه من أهل دولته ، والسلطان ناظرإلى الذي يأكل ، كيف شكره لنعمته؟ وكيف حفظه لحضور السلطان وحرمته؟ وكيف يتأدب في جلوسه بين يديه؟ وكيف يقصد بأكل الطعام ما يريد به السلطان مما يقر به إليه؟

أقول : ثم يكون العبد ذاكراً وشا كراً أنه إذأ أكل الطعام ، أنه لولا ما وهبه الله ـ جل جلالهـ من الجوارح التي تعينه على حمله واكله ومضغه ، والريق الذي يأتي بقدر حاجته ، من غير زيادة على اللقمة ، فكانت الزيادة تجري من فمه ، ولا نقيصة فكانت اللقمة تكون يابسة أو غير ناعمة.

أقول : وليكن ذاكراً وشاكراً أنه إذا صار الطعام في معدته ، فإنّ الله

__________________

(١) في «ش» : والمضار.

(٢) الأكرة : جمع أكار ، وهو الفلاح. «القاموس المحيط ـ أكر ـ ١ : ٣٦٥».

(٣) كذا في النسخ ، ولعل الأنسب : المنة في مائدة.

(٤) في «ش» : الانسان.

٥٧

ـ جل جلالي ـ يطبخه (١) بحرارة المعدة ، وبقدرته حتى يصير صالحاً لتفريقه في الجوارح والأعضاء ، فيبعث ـ جل جلال ـ لكل جارحة ولكل عضو بقدر حاجته ، من غير زيادة ، فتكون الزيادة ضررا عليه ، أو نقيصة فتكون سقماً وضعفاً وخطراً لا يقوى العبد عليه.

أقول : ولو أن الله تعالى عرف العبد ما يحتاج كل عضو إليه ، ومكنه من قسمة ذلك على أعضائه ، عجزعنه وكره الحياة لأجل المشقة التي تدخل بذلك عليه ، وكيف يحل أو يليق بالتوفيق ، أن يكون ذاهلاً وغافلاً عمن كفاه هذا المهم العظيم؟ وتولاه ـ جل جلاله ـ بنفسه ، وهوـ جل جلاله ـ أعظم من كل عظيم؟.

أقول : وينبغي أن يكون ذاكراً وشا كراً كيف استخلص من الطعام مالا يصلح للأعضاء والجوارح ، وأفرده (٢) ـ جل جلاله ـ وساقه بيدالقدرة ، وأخرجه في طرقه ، والعبد في غفلة عن تدبيرهذه المصالح.

أقول : ولو أن العبد أنصف من نفسه مولاه ، ومالك دنياه وأخراه ، ومن انشأه وربه ، وسترعمله القبيح عن أعين الناضرين وغطاه ، ورأى بعين عقله كيف إمساك الله ـ جل جلاله ـ للسماوات وألأرضين لأجل العبد الضعيف ، وكيف إمساكه لوجوده وحياته وعقله ونفسه وعافيه بتدبيره المقدس الشريف ، ما كان العبد على هذه الحال من الإهمال وسوء الأعمال ، والاشتغال بما يضره أو بما لا ينفعه من جميع منافعه منه ، وكيف استحسن لنفسه الإعراض عنه!

أقول : واعلم أننا روينا من كتاب (مسائل الرجال) لمولانا أبي الحسن علي بن محمد الهادي عليهما‌السلام ، قال محمد بن الحسن : قال محمد بن هارون الجلاب : قلت له : روينا عن آبائك أنه «يأتي على الناس زمان ، لا يكون شيء أعز من أخ أنيس أو كسب درهم من حلال» فقال لي : «يا أبا محمد ، إن العزيز موجود ، ولكنك في زمان ليس شيء أعسر من درهم حلال وأخ (٣) في الله ـ عز وجل ـ» (٤).

__________________

(١) في «ش» : يطحنه.

(٢) في «ش» : وأورده.

(٣) في «ش» : أو أخ.

(٤) البحار ١٠٣ : ١٠ / ٤٣.

٥٨

قلت أنا : وإذا كان الحلال عسراً ومتعذراً (١) في ذلك الزمان ، وهو قريب العهد بابتداء الإسلام والإيمان ، فكيف يكون حال الحلال والطعام مع اختلاف امور الحلال والحرام؟ وإنني لما رأيت الأمر قد بلغ إلى هذه الغايات ، رأيت أن الاستظهار بإخرج الخمس والحقوق الواجبات ، مما اختص به من سائر المهمات ، أقرب إلى النجاة والسلامة في الحياة وبعد الممات.

ثمّ إنني أقول عند المأكولات : اللهم إني أسألك بالرحمة التي سبقت غضبك ، وبالرحمة التي أنشأتني بها ولم أك شيئا مذ كوراً ، وبالرحمة التى نقلتني بها من ظهورالآباء وبطون الامهات ، من لدن آدم إلى هذه الغايات ، وقمت لهم بالكسوات والأقوات وألمهمات ، وبالرحمة التي وقيتني وسلفي مما جرى على الأمم الهالكة من النكبات والآفات ، وبالرحمة التي دللتني بها عليك ، وبالرحمة التي شرفتني بها بالخدمة التي تقربني إليك ، وبالرحمة التي حلمت بها عني عند جرأتي عليك ، وسوء أدبي بين يديك ، وبالمراحم والمكارم التي أحاط بها علمك ، أن تصلي على محمد وآل محمد ، وعلى كل من يعز عليك ، وأن تنظر إلى طعامنا هذا بعين الرحمة والحلم والكرم والجود ، وتطهره من الادناس والأرجاس وحقوق الناس ، والحرامات والشبهات ، وتوصل في هذه الساعة إلى كل ذي حق حقه من الأحياء والأموات ، حتى تجعله طاهراً مطهراً ، شفاء لأدياننا ودواء لأبداننا ، وطهارة لسرائرنا وظواهرنا ، ونوراً لعقولنا ، ونوراً لأرواحنا ، وباعثاً لنا على طاعتك ، ومقوياً لنا على عبادتك ، واجعلنا ممن أغنيته بعلمك عن المقال ، وبكرمك عن السؤال.

الفصل الرابع : فيما نذكره من آداب المأكول والمشروب بالمنقول.

ذكر الشيخ السعيد أبوعلي الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب (الاداب الدينية) في الفصل الثامن قال :

قال الحسن بن علي عليهما‌السلام : «في المائدة اثنتا عشرة خصلة ، يجب على كل مسلم أن يعرفها ، أربع منها فرض ، وأربع منها سنة ، وأربع منها تأديب.

فأما الفرض : فالمعرفة ، والرضا ، والتسمية ، والشكر.

__________________

(١) في «ش» و «ط» : أو متعذراً.

٥٩

وأما السنة : فالوضوء قبل الطعام ، والجلوس على الجانب الأيسر ، والأكل بثلاث أصابع ، ولعق الأصابع.

وأما التأديب : فالأكل مما يليك ، وتصغير اللقمة ، وألمضغ الشديد. وقلة النظر في وجوه الناس» (١).

قال الطبرسي رحمه‌الله : وروي أن من غسل يده قبل الطعام وبعده ، عاش في سعة وعوفي من بلوى في جسده ، قال : وإذا كان على المائدة ألوان مختلفة ، فسم الله تعالى عند كل لون منها ، فإن نسيت فقل : بسم الله على أوله وآخره.

قال : ولا تتك في حال الأكل ، ولا تقطع اللحم بالسكين ، (لأ نه (٢) من فعل الأعاجم ، وانهش (٣) نهشا وإنه أهنأ وأمرأ) (٤) ، ولا تستعن بالخبز ، ولاتستخدمه ، فأنه من فعل ذلك وقع عليه الفقر وسلط (٥) عليه الجذام ، وكل ما وقع تحت مائدتك ، فإنه ينفي عنك الفقر ، وهو مهر الحور العين ، ومن أكله حشي قلبه علماً وحكماً وإيماناً ونوراً ، وإن كنت في الصحراء فدعه.

قال : ولا تأكل على الشبع فإنه مكروه ، وربما بلغ حد الحظر.

قال : ولا تتول الأكل والشرب باليسار إلا عند الضرورة.

قال : وعليك بالخلال ، فإن الصادق عليه‌السلام قال : «نزل جبرئيل عليه‌السلام بالسواك والحجامة والخلال».

قال : ولا تخلل بالقصب ولا بالآس ولا بالرمان. (٦)

وقال الطبرسي رضي‌الله‌عنه : وتقول عند تناول الطعام : الحمدلله الذي يطعم ولا يطعم ، ويجير ولا يجارعليه ، ويستغني ويفتقر إليه ، اللهم لك الحمد على ما رزقتنا من طعام وإدام في يسرمنك وعافية ، بغير كد مني ولا مشقة ، بسم الله خير الأسماء ،

__________________

(١) الآداب الدينية : ٢٠.

(٢) في المصدر : فإنه.

(٣) في المصدر : وانهشه.

(٤) مابين القوسين ليس في «د».

(٥) في «ش» زيادة : الله.

(٦) الاداب الدينية : ٢٠.

٦٠