الأمان من أخطار الأسفار والأزمان

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]

الأمان من أخطار الأسفار والأزمان

المؤلف:

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٦٦

الفصل السابع : فيما نذكره عن مولانا عليـ صلوات الله عليه ـ عند خوف الغرق ، فيسلم ممّا يخاف عليه.

يقرأ : ( الله الذي نزّل الكتاب وهو يتولّى آلصّالحين ) (١) ( وما قدروا الله حقّ قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطوبات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ) (٢) (٣).

أقول : وقد ذكر الله ـ جل جلاله ـ في حال الخائفين من الغرق في البحار ، وأن الإخلاص في الدعاء كان سبب نجاتهم من الماء والهواء ، فقال جل جلاله : ( فاذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم الى البر اذا هم يشركون ) (٤) فالمهم الإخلاص في الدعاء لمن يقول للشيء كن فيكون (٥).

الفصل الثامن : فيما نذكره عند الضلال في الطرقات بمقتضى الروايات.

روينا عن أحمد بن محمد البرقي من (كتاب المحاسن) في باب دعاء الضال عن الطريق ، بإسناده عن [علي بن] (٦) أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : «إذا ضللت في الطريق فناد : يا صالح ـ أو يا أبا صالح ـ أرشدونا إلى الطريق رحمكم الله».

قال عبيد بن الحسين الزرندي : فأصابنا ذلك ، فأمرنا بعض من معنا أن يتنحى وينادي ، قال : فتنحى ونادى ثم أتانا فأخبرنا أنه سمع صوتا دقيقاً يقول : الطريق يمنة

__________________

(١) الأعراف ٧ : ١٩٦.

(٢) الزمر ٣٩ : ٦٧.

(٣) الكافي ٢ : ٤٥٧ / ٢١.

(٤) العنكبوت ٢٩ : ٦٥.

(٥) في «ش» زيادة : ويكتب لكل هم ومحنة هذه الرقعة ، وترسل في الماء الجاري ، وإن كان في يوم الجمعة بعد ألصلاة فهو أبلغ وأنجح ، وهي هذه : بسم الله الرحمن الرحيم ، من العبد الضعيف الذليل ، إلى المولى القوي الجليل ، ربي مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ، واكشف عني ضر ما أنا فيه واكشف عني همي. وفرج غمي ، بحق محمد وآل محمد ، الطيبين الطاهرين.

(٦) أثبتناه من المصدر

١٢١

ـ أو قال يسرة ـ فوجدناه كما قال (١).

كذا وجدنا الحديث (يا صالح أويا أبا صالح) ويكون السهو من الراوي ، وكذا قوله (الطريق يمنة أو يسرة) ويكون الشك ممن رواه.

ومن الكتاب قال : حدثني أبي : أنهم حادوا عن الطريق بالبادية ، ففعلنا ذلك فأرشدونا وقال صاحبنا : سمعت صوتاً دقيقا يقول : الطريق إلى يمنة ، فأخبرني ولم يخبر الجماعة ، فقلت : خذوا يمنة ، فأخذنا يمنة فما سرنا إلا قليلا حتى عارضنا الطريق (٢) (٣).

ومن ذلك بإسناده إلى أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «من نفرت به دابة فقال هذه الكلمات : يا عباد الله (٤) الصالحين أمسكوا علي رحمكم الله ، يا نارفي ع ح ويا ه ا ه ح».

قال : ثم قال أبو جعفر عليه‌السلام : «إن البر موكل به ارع ح والبحر موكل به ه و م ح».

قال : قال عمر بن عبدالعزيزـ أحد رواة الحديث ـ فقلت : أنا فعلت ذلك في بغال ضلت فجمعها لي (٥).

ومن ذلك بإسناده عن أبي عبيدة الحذاء قال : كنت مع أبي جعفر عليه‌السلام فضل بعيري ، فقال : «صل ركعتين ، وقل كما أقول : اللهم راد الضالة ، هادياً من الضلالة ، رد علي ضالتي ، فإنها من فضل الله وعطائه» ثم إن أبا جعفر عليه‌السلام أمر غلامه فشد على بعير من إبله محمله ثم قال : «يا أبا عبيدة ، تعال اركب» فركبت مع أبي جعفر فلما سرنا فإذا سواد على الطريق فقال : «يا أبا عبيدة هذا بعيرك» فإذا هو

__________________

(١) المحاسن : ٣٦٢ / ٩٨.

(٢) المحاسن : ٣٦٣.

(٣) في «ش» زيادة : وينبغي أن يقول هذه الكلمات المتحير في الطرقات والمبتلى ببلاء ولا قبل له به : يا فارس الحجاز أدركني أدركني ، يا أبا صالح المهدي أدركني أدركني ، يا أبا الحسن أدركني أدركني ، فيأمر عليه‌السلام بخلاصك من ذلك البلاء ، ويهديك الى سواء السبيل.

(٤) في «ش» زيادة : المخلصين.

(٥) المحاسن : ٣٦٣ / ٩٩.

١٢٢

بعيري (١).

أقول : وروي عن الصادق عليه‌السلام : «إن البر موكل به صالح ، والبحر موكل به حمزة» (٢).

وروى البرقي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : «إذا أخطأتم الطريق فتيامنوا» (٣).

أقول : وإن احتاج إلى القرعة أو الاست خارة في معرفة الطريق ، فإنه من التوفيق.

الفصل التاسع : فيما نذكره من تصديق صاحب الرسالة ، أن في الأرض من الجن من يدل على الطريق عند الضلالة.

روينا ذلك من (كتاب المحاسن) بإسناده عن عمر بن يزيد قال : ضللنا سنة من السنين ـ ونحن في طريق مكة ـ فأقمنا ثلاثة أيام نطلب الطريق فلم نجده ، فلما أن كان في اليوم الثالث وقد نفد ما كان معنا ، فتحنطنا وتكفنا بازرنا ـ ازر إحرامنا ـ فقام رجل منا فنادى : يا صالح يا أبا الحسن ، فأجابه مجيب من بعد ، فقلنا : من أنت يرحمك الله؟ فقال : أنا من النفر الذين قال الله تعالى في كتابه : ( واذ صرفنا اليك نفراً من الجن يستمعون القرآن ) (٤) إلى آخر الآيات ، ولم يبق منهم غيري ، وأنا مرشد الضلال من الطريق ، قال : فلم نزل نتبع الصوت حتى خرجنا إلى الطريق (٥).

أقول : ورأيت بخط جدي المسعود ورام بن أبي فراس ـ قدس الله جل جلاله روحه ونور ضريحه ـ في المعنى الذي ذكرناه ، ما هذا لفظ ما وجدناه : وروي عن محمد بن علي الباقر عليهما‌السلام أن قوما خرجوا في سفر ، فتوسطوا مفازة في يوم قائظ ، فهجر (٦)

__________________

(١) المحاسن : ٣٦٣ / ١٠١.

(٢) الفقيه ٢ : ١٩٥ / ٨٨٦.

(٣) المحاسن : ٣٦٢ / ٩٧.

(٤) الأحقاف ٤٦ : ٢٩.

(٥) المحاسن : ٣٧٩ / ١٥٨.

(٦) الهجير والهاجرة : شدة الحر وسط النهار. «الصحاح هجر ٣ : ٨٥١».

١٢٣

عليهم النهار وقد نفد الماء والزاد ، فأشرفوا على الهلكة عطشاً ، فتلقوا (١) اصول الشجر ، فإذا رجل عليه (بياض الثياب وقف) (٢)عليهم فقال : سلام ، فقالوا : سلام ، قال : ما حالكم؟ قالوا : ما ترى ، قال : أبشروا بالسلامة ، فإني رجل من الجن ، أسلمت على يدأبي القاسم محمد ـ صلوات الله عليه وآله ـ فسمعته يقول : المؤمن أخو المؤمن ، عينه ودليله ، فما كنتم لتهلكوا بحضرتي اتلوني ، قال : فتلوناه (٣) فأوردنا على ماء وكلاً ، فأخذنا حاجتنا ومضينا.

أقول أنا : وهذا من معجزاته عليه‌السلام وكراماته (٤).

الفصل العاشر : فيما نذكره إذا خاف في طريقه من الأعداء واللصوص ، وهومن أدعية السر المنصوص.

يا آخذاً بنواصي خلقه ، والسافع (٥) بها إلى قدرته ، والمنفذ فيها حكمه ، وخالقها وجاعل قضائه لها غالبا ، إني مكيد لضعفي ، ولقوتك على من كادني ، تعرضت [ لك ] (٦) فإن حلت بيني وبينهم فذلك ما أرجو ، وإن أسلمتني إليهم غيروا ما بي من نعمتك ، يا خير المنعمين لا تجعل أحدا مغيرا نعمك التي أنعمت بها علي سواك ، ولا تغيرها ، أنت ربي ، وقد ترى الذي نزل بيني ، فحل بيني وبين شرهم ، بحق ما به تستجيب الدعاء ، يا الله رب العالمين» (٧).

__________________

(١) كذا في «د» ، وفوقها بخط أدق «فاقوا» ، والمعنى واحد ، فإن في اصول الشجر نداوة وظلاً يهون عليهم حر العطش شيئاً ما.

تلقى اصول الشجر : واجهها بوجهه.

أم اصول الشجر : قصدها. وقد وردت في «ش» و «ط» : فبلغوا.

(٢) في «ش» : ثياب بيض فوقف.

(٣) كذا في «ش» ، وفي «د» فتليناه.

(٤) البحار ٧٦ : ٢٥٧ / ٥١.

(٥) في «د» و «ش» و «ط» : السائق ، وما أثبتناه من البحار ، وسفع بناصبته : جره بها. «الصحاح ـ سفع ـ ٣ : ١٢٣٠».

(٦) أثبتناه من المصدر.

(٧) أدعية السر للراوندي : ٢٢ ، الجواهر السنية : ١٧٧ ، البحار ٧٦ : ٢٥٧ / ٥٢.

١٢٤

ويقول أيضا : «بسم الله وبالله ، ومن الله ، وإلى الله ، وفي سبيل الله ، اللهم إليك أسلمت نفسي ، وإليك وجهت وجهي ، (وإليك الجأت ظهري) (١) ، وإليك فوضت أمري ، فاحفظني بحفظ الايمان ، من بين يدي ، ومن خلفي ، وعن يميني ، وعن شمالي ، ومن فوقي ، ومن تحتي ، وادفع عني بحولك وقوتك ، فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم».

فقد روي عن زين العابدين عليه‌السلام أنه قال : «ما ابالي إذا قلت هذه الكلمات لو اجتمع علي الجن والانس» (٢).

ذكر آيات يحتجب الإنسان بها من أهل العداوات.

تومئ بيدك اليمنى إلى من تخاف شره ، وتقول : ( وجعلنا من بين ايديهم سدّاً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون ) (٣) ( انّا جعلنا على قلوبهم أكنّة ان يفقهوه وفي اذانهم وقرا وان تدعهم الى الهدى فلن يهتدوا اذاً ابداً ) (٤) ( اولئك الذين طبع آلله على قلوبهم وسمعهم وابصارهم وأولئك هم الغافلون ) (٥) (افرايت من آتخذ الهه هواه واضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله افلا تذكرون ) (٦) (واذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً * وجعلنا على قلوبهم اكنة ان يفقهوه وفي اذانهم وقراً واذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على ادبارهم نفورا ) (٧) (٨).

__________________

(١) ليس في «د» و «ش».

(٢) الكافي ٢ : ٤٠٦ / ١٠ و ٤١٠ / ٢٣.

(٣) يس ٣٦ : ٩.

(٤) الكهف ١٨ : ٥٧.

(٥) النحل ١٦ : ١٠٨.

(٦) الجاثية ٤٥ : ٢٣.

(٧) الاسراء ١٧ : ٤٥ ـ ٤٦.

(٨) البحار ٧٦ : ٢٥٨.

١٢٥

الفصل الحادي عشر : فيما نذكره مما يكون أماناً من (اللص إذا ظفر) (١) به ، ويتخلص من عطبه.

رأيت في (كتاب المستغيثين) بإسناده إلى رجل من الأنصار ـ وهو أبو مغلق ـ لقيه لص فأراد أخذه ، فسأله أن يصلي أربع ركعات ، فتركه فصلاها وسجد وقال في سجوده : يا ودود ياذا العرش المجيد ، يا فعالاً لما يريد ، اسألك بعزتك التي لا ترام ، وملكك الذي لا يضام ، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك ، أن تكفيني شر هذا اللص ، يا مغيث أغثني. وكرر هذا الدعاء ثلاث مرات ، فإذا بفارس قد أقبل بيده حربة ، فقتل اللص وقال له : أنا ملك من السماء الرابعة ، وإن من صنع كما صنعت أستجيب له مكروباً كان أو غير مكروب.

ومن الكتاب المذكور بإسناده عن زيد بن حارثة ، أنه ظفر به لص وأراد قتله ، فقال له : دعني اصلي ركعتين فخلاه ، فلما فرغ منهما قال : يا أرحم الراحمين ، فسمع اللص قائلا يقول له : لا تقتله ، فعاد فقال : يا أرحم الراحمين ، فسمع اللص قائلاً يقول له : لا تقتله ، فقال مرة ثالثة : يا أرحم الراحمين ، فاذا بفارس في يده حربة في رأسها شعلة من نار فقتل بها اللص ، ثم قال للمأخوذ : لما قلت : يا أرحم الراحمين ، كنت في السماء السابعة ، فلما قلت ثانية كنت في السماء الدنيا ، فلما قلت مرة ثالثة : يا أرحم الراحمين ، أتيتك (٢).

الفصل الثاني عشر : فيما نذكره من دعاء قاله مولانا علي عليه‌السلام عند كيد الأعداء ، فظفر بدفع ذلك الابتلاء.

رأيت في الجزء الرابع من كتاب (دفع الهموم والأحزان) تأليف أحمد بن داود النعماني ، قال ابن عباس : قلت لأمير المؤمنين عليه‌السلام ليلة صفين : أما ترى الأعداء قد أحدقوا بنا؟ فقال : «وقد راعك هذا؟» قلت : نعم ، فقال : «اللهم إني أعوذ بك أن اضام في سلطانك ، اللهم إني أعوذ بك أن أضل في هداك ، اللهم إني أعوذ بك

__________________

(١) في «ش» : اللصوص إذا ظفروا.

(٢) البحار ٧٦ : ٢٥٨.

١٢٦

أن افتقر في غناك ، اللهم إني أعوذ بك أن اضيع في سلامتك ، اللهم إني أعوذ بك أن اغلب (١) والأمر لك».

أقول أنا : فكفاه الله ـ جل جلاله ـ أمرهم (٢).

الفصل الثالث عشر : فيما نذكره من أن المؤمن إذا كان مخلصاً ، أخاف الله منه كل شيء.

روينا ذلك بإسنادنا إلى البرقي من كتابه «كتاب المحاسن» عن صفوان الجمال قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إن المؤمن يخشع له كل شيء ، ويهابه كل شيء ، ثم قال : إذا كان مخلصا لله ، أخاف الله منه كل شيء ، حتى هوام الأرض وسباعها ، وطير السماء ، وحيتان البحر».

فمن ذلك ما رويناه من (كتاب الرجال) للكشي ، وقد ذكرناه في كتاب (الكرامات) ولم يحضرنا لفظه ، فنذكرالآن معناه : ان بعض خواص مولانا علي عليه‌السلام من شيعته ، كان قد سجد فتطوق أفعى على حلقه ، فلم يتغيرعن حال سجوده ومراقبة معبوده ، حتى انفصل الأفعى من رقبته بغير حيلة منه ، بل بفضل الله جل جلاله ورحمته.

ومن ذلك ما رأيناه مرويا عن علي الزاهد بن الحسن بن الحسن بن الحسن السبط عليهم‌السلام ، انه كان قائما في الصلاة فانحدر أفعى من رأس جبل ، فصعد على ثيابه ودخل من زيقه (٣) وخرج من تحت ثيابه ، فلم يتغير عن حال صلاته ومراقبته لمالك حياته (٤).

ومن ذلك ما رأيناه في (كتاب السفراء) وقد نقلناه بلفظه في (كتاب الكرامات) ونذكر ها هنا بعض معناه ، أن علياً بن عاصم الزاهد كان يزور الحسين عليه‌السلام قبل عمارة مشهده بالناس ، فدخل سبع إليه فلم يهرب منه ، ورأى كف

__________________

(١) في «ش» ، زيادة : في ملكك.

(٢) البحار ٧٦ : ٢٥٩.

(٣) زيق القميص : ما أحاط بالعنق منه. «القاموس المحيط ـ زيق ـ ٣ : ٢٤٣».

(٤) مقاتل الطالبيين : ١٩١ باختلاف في الفاظه.

١٢٧

السبع منتفخة بقصبة قد دخلت فيها ، فأخرج القصبة منه وعصر كف السبع وشده ببعض عمامته ، ولم يقف من الزوار لذلك سواه.

ومن ذلك ما عرفناه نحن ، وهوأن بعض الجوار والعيال جاؤني ليلة وهم منزعجون ـ وكنت إذ ذاك مجاورا بعيالي لمولانا علي عليه‌السلام ـ فقالوا : قد رأينا مسلخ الحمام تطوى الحصر الذي فيه وتنشر ، وما نبصر من يفعل ذلك. فحضرت عند باب المسلخ وقلت : سلام عليكم ، قد بلغني عنكم ما قد فعلتم ، ونحن جيران مولانا علي عليه‌السلام وأولاده وضيفانه وما أسأنا مجاورتكم ، فلا تكدروا علينا مجاورته ، ومتى فعلتم شيئا من ذلك شكوناكم إليه. فلم نعرف منهم تعرضا لمسلخ الحمام بعد ذلك أبداً. ومن ذلك أن ابنتي الحافظة الكاتبة (شرف الأشراف) كمل الله تعالى لها تحف الألطاف ، عرفتني أنها تسمع سلاما عليها ممن لا تراه ، فوقفت في الموضع فقلت : سلام عليكم أيها الروحانيون ، فقد عرفتني ابنتي (شرف الأشراف) بالتعرض لها بالسلام ، وهذا الإنعام مكدرعلينا ، ونحن نخاف منه ، أن ينفر بعض العيال منه ، ونسأل أن لا تتعرضوا لنا بشيء من المكدرات ، وتكونوا معنا على جميل العادات. فلم يتعرض لها أحد بعد ذلك بكلام.

ومن ذلك أنني كنت اصلي المغرب بداري ـ بالحلة ـ فجاءت حية فدخلت تحت خرقة كانت عند موضع سجودي ، فتممت الصلاة ولم تتعرض لي بسوء وقتلتها بعد فراغي من الصلاة ، وهذا أمر معلوم يعرفه من رآه أو رواه.

الفصل الرابع عشر : فيما نذكره إذا خاف من المطر في سفره ، وكيف يسلم من ضرره ، وإذا عطش كيف يغاث ويأمن من خطره.

وروينا بإسنادنا إلى عبدالله بن جعفر الحميري ، في كتاب (دلائل الرضا) عليه‌السلام بإسناد الحميري إلى سليمان الجعفري ، إلى أبي الحسن الرضا صلوات الله عليه قال : كنت معه وهو يريد بعض أمواله ، فأمر غلاماً له يحمل له قباء ، فعجبت من ذلك وقلت : ما يصنع به! فلما صرنا في بعض الطريق ، نزلنا إلى الصلاة وأقبلت السماء ، فألقوا القباء علي وعليه ، وخرساجداً فسجدت معه ، ثم رفعت رأسي وبقي ساجداً ، فسمعته يقول : «يا رسول الله ، يارسول الله» فكف المطر.

١٢٨

قلت أنا : وكنت مرة قد توجهت من بغداد إلى الحلة على طريق المدائن ، فلما حصلنا في موضع بعيد من القرايا جاءت الغيوم والرعود ، واستوى الغمام للمطر ، وعجزنا عن احتماله ، فألهمني الله ـ جل جلاله ـ أنني أقول : يا من يمسك السماوات والأرض أن تزولا ، أمسك عنا مطره وخطره وكدره وضرره ، بقدرتك القاهرة ، وقوتك الباهرة. وكررت ذلك وأمثاله كثيراً ، وهو متماسك بالله ـ جل جلاله ـ حتى وصلنا إلى قرية فيها مسجد فدخلته ، وجاء الغيث شيئاً عظيماً في اللحظة التي دخلت فيها المسجد وسلمنا منه ، وكان ذلك قبل أن أقف على هذا الحديث (١).

أقول : وتوجهت مرة في الشتاء بعيالي من مشهد الحسين ـ صلوات الله عليه ـ إلى بغداد في السفن ، فتغيمت الدنيا وأرعدت وبدأ المطر ، فألهمت أنني قلت ما معناه : اللهم إن هذا المطر تنزله لمصلحة العباد ، وما يحتاجون إليه من عمارة البلاد ، فهو كالعبد في خدمتنا ومصلحتنا ، ونحن الآن قد سافرنا بأمرك ، راجين لإحسانك وبرك ، فلا تسلط علينا ما هو كالعبد لنا أن يضربنا ، وأجرنا على عوائد العناية الإلهية ، والرعاية الربانية ، وأجر المطر على عوائد العبودية ، واصرفه عنا إلى المواضع النافعة لعبادك وعمارة بلادك ، برحمتك يا أرحم الراحمين. فسكن في الحال (٢).

أقول : وهذا من تصديق الآيات المعظمات ، في إجابة الدعوات ، ولمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله من جملة المعجزات ، ولذريته من جملة العنايات ، فإنه ـ جل جلاله ـ استجاب من المحسنين ومن المسيئين.

الفصل الخامس عشر : فيما نذكره إذا تعذر على المسافر الماء.

وجدت في حديث ، حذفت إسناده لأن المراد العمل بمقتضاه : أن الحاج تعذر عليهم وجود الماء ، حتى أشرفوا على الموت والفناء ، فغشي على أحدهم فسقط إلى الارض مغشيا عليه ، فرأى في حال غشيته مولانا علياً ـ صلوات الله عليه ـ يقول : «ما أغفلك عن كلمة النجاة!» فقال له : وما كلمة النجاة؟ فقال عليه‌السلام : «تقول : (٣) أدم ملكك

__________________

(١) البحار ٧٦ : ٢٥٩ / ٥٣.

(٢) البحار ٧٦ : ٢٦٠ / ٥٣.

(٣) في «ش» : اللهم.

١٢٩

على ملكك بلطفك الخفي ، وأنا علي بن أبي طالب» فجلس من غشيته ودعا بها ، فأنشأ الله ـ جل جلاله ـ غماماً في غير زمانه (١) ، ورمى غيثا عاش به الحاج على عوائد عفوه وجوده وإحسانه (٢).

الفصل السادس عشر : فيما نذكره إذا خاف شيطاناً أو ساحراً.

روينا من كتاب (منية الداعي وغنية الواعي) تأليف علي بن محمد بن عبد الصمد التميمي باسناده قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا علي ، من خاف شيطاناً أو ساحراً فليقرأ» ( انّ ربكم الله الذي خلق السّماوات والآرض في ستّة ايّام ثمّ استوى على العرش يغشي الليل النّهار يطلبه حثيثاً والشّمس والقمر والنّجوم مسخّرات بامره الا له الخلق والآمر تبارك الله رب العالمين ) (٣)» وكان في الأصل بعض الاية ، وقال : يقرأ الآية ، فأتممناها ليحتاج إليها من لا يحفظها (٤).

الفصل السابع عشر : فيما نذكره لدفع ضرر السباع.

قد قدمنا طرفا مما يحتاج إليه من خاف في سفره من السباع ، ونذكر حديثاً آخر من كتاب (غنية الداعي) زيادة في الإنتفاع ، بإسناده إلى مولانا جعفر بن محمد ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : من تخوف سبعاً على نفسه أو على غنمه فليقل : اللهم رب دانيال ، ورب الجب ، ورب كل أسد مستأسد ، احفظني واحفظ علي غنمي».

الفصل الثامن عشر : في حديث اخر للسلامة من السباع.

رويناه من (كتاب المحاسن) بإسناده عن ابن أبي فاخته ، عن أبيه قال : بعثني جعدة بن هبيرة إلى سوراء ، فذكرت ذلك لعلي عليه‌السلام فقال : «سأعلمك ما إذا قلته لم يضرك الأسد ، قل : أعوذ برب دانيال والجب من شر الأسد ـ ثلاث مرات ـ» قال : فخرجت فإذا هو باسط ذراعية عند الجسر ، فقلتها فلم يتعرض لي ، ومرت بقرات

__________________

(١) في «ش» : وقته.

(٢) البحار ٧٦ : ٢٦٠ / ٥٣.

(٣) الأعراف ٧ : ٥٤.

(٤) البحار ٩٥ : ١٣٢ / ١١.

١٣٠

فتعرض لهن وضرب منهن بقرة (١).

الفصل التاسع عشر : في دفع خطرالأسد ، ويمكن أن يدفع به ضرر كل أحد.

وجدته في كتاب (الدلائل للنعماني) بإسناده عن الصادق عليه‌السلام لدفع الأسد إذا عرض للأنسان : «يقرأ آية الكرسي ويقول : عزمت عليك بعزيمة الله ـ جل جلاله ـ وعزيمة محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعزيمة سليمان بن داود عليهما‌السلام وعزيمة علي بن أبي طالب عليه‌السلام والأئمة من بعده ، إلا تنحيت عن طريقنا ولا تؤذينا. فإنه لا يؤذيك» قال : فجرب ذلك فصح ، والحديث مختصر (٢).

الفصل العشرون : فيما نذكره إذا خاف من السرق.

من كتاب (منية الداعي) بإسناده قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا علي ، أمان لأمتي من السرق ( قل ادعوا الله او ادعوا الرحمن أياماً تدعو فله الاسماء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلاً * وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له لشريك في الملك ولم يكن له ولي من الدل وكبره تكبيرا ) (٣). وكان في الحديث : إلى آخر السورة ، فأتممناها لمن يحتاج إليها (٤).

الفصل الحادي والعشرون : فيما نذكره لاستصعاب الدابة.

من كتاب (منية الداعي) بإسناده قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا علي ، من استصعبت عليه دابته فليقرأ في اذنها الأيسر ( وله اسلم من في السّماوات والارض طوعاً وكرهاً واليه يرجعون ) (٥)».

الفصل الثاني والعشرون : فيما نذكره إذا حصلت الملعونة في عين دابته ، يقرؤها ويمر يده على عينها ووجهها ، أو يكتبها ويمر الكتابة عليها بإخلاص نيته.

بسم الله الرحمن الرحيم ، بسم الله الشافي ، بسم الله الكافي ، بسم الله المعافي ، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ،

__________________

(١) المحاسن : ٣٦٨ / ١١٩.

(٢) البحار٩٥ : ١٤٢ / ٥.

(٣) الإسراء ١٧ : ١١٠ـ١١١.

(٤) البحار ٧٦ : ٢٦٠ / ٥٣ و ٩٥ : ١٢٤ / ٥.

(٥) ال عمران ٣ : ٨٣.

١٣١

وننزل من القران ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ، واردد العين الحابس ، والحجر اليابس ، وماء فارس ، وشهاب ثاقب ، من العين إلى العين ، واردد العين إلى العين فقال جبرئيل وميكائيل عليهما‌السلام : إلى أين تذهب يا عين السوء؟ قالت : أذهب إلى الثور في نيره ، والجمل في قطاره ، والدابة في رباطها ، فقالا لها عليهما‌السلام : عزمنا عليك بتسعة وتسعين اسماً أن تلقي الثور في نيره ، والجمل في قطاره ، والدابة في رباطها ، كذلك يطفئ الله الوجع من العين ، بلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، بسم الله ، سلام سلام من الله الذي لا إله إلا هو ، السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر ، سبحان الله عما يشركون (١).

الفصل الثالث والعشرون : فيما نذكره من الدعاء الفاضل ، إذا أشرف على بلد أو قرية أو بعض المنازل.

روينا من عدة طرق ، ونذكر لفظ ما نقلناه في كتاب (مصباح الزائر وجناح المسافر) فليقل : اللهم رب السماوات السبع وما أظلت ، ورب الأرضين السبع وما أقلت ، ورب الشياطين وما أضلت ، ورب الرياح وما ذرت ، ورب البحار وما جرت ، اني أسألك خير هذه القرية وخير ما فيها ، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها ، اللهم يسر لي ما كان فيها من يسر ، وأعني على قضاء حاجتي ، يا قاضي الحاجات ، ويا مجيب الدعوات ، أدخلني مدخل صدق ، وأخرجني مخرج صدق ، واجعل لي من لدنك سلطانا نصيراً (٢).

وإن شئت فقل ما نقوله من الإنشاء بعد هذا الدعاء : اللهم ارزقني خير هذا المكان وخير أهله ، وخير من دخل إليه أو يدخل إليه ، وخير من قرب منه أو أقام به أو خرج عنه ، واكفني شره وشرأهله وشرمن دخل إليه أو يدخل إليه ، وشر من قرب منه أو أقام به أو خرج عنه ، اللهم وألهمهم حفظ حرمتك ، والعمل بشريعتك ، في ترك الأذى لأنفسهم بظلمهم لنا والغيبة لنا والتعرض بنا ، واختم على جوارحهم أن تقع منها مخالفة لإرادتك أو معارضة لحكمك (٣) ، بشيء يغير علينا عوائد (رحمتك وفوائد

__________________

(١) البحار٩٥ : ٤٢ / ٢.

(٢) مصباح الزائر : ١١ ، البحار ٧٦ : ٢٦٠ / ٥٤ عن الأمان.

(٣) في «ش» : لكلمتك.

١٣٢

نعمتك) (١) وادفع عنا نحوس هذا المكان وضره وبؤسه وأكداره وأخطاره ، وكمل (٢) لنا سعوده وخلوده ومساره ومباره ، وأدخلنا إليه مدخل صدق ، وأقمنا به مقام صدق ، وأخرجنا منه مخرج صدق ، واجعل لنا من لدنك سلطانا نصيرا ، وكن لنا على الدهر ظهيراً ، ومن كل سوء مجيراً ، وهب لنا في الدنيا إنعاماً كثيراً ، وفي الاخرة نعيماً وملكاً كبيراً ، وابدأ في هذا الدعاء وهذا الرجاء ، بمن يرضيك البدأة به من أهل الاصطفاء والاجتباء ، واجعلهم من الوسائل لنا إليك ، في كل ما عرضناه أو نعرضه عليك ، برحمتك يا أرحم الراحمين.

الفصل الرابع والعشرون : فيما نذكره من اختيار مواضع النزول ، وما يفتح علينا من المعقول والمنقول.

إعلم أن اختيار موضع النزول ينبغي أن يكون في موضع قريب من الماء للطهارات ، والشرب والضرورات ، وفيه ما يحتاج إليه الأصحاب والدواب من المهمات ، وأن يكون في وسط القوم الذين صحبتهم لخفارتك وحفظ حرمتك ، وتجعل الليل إن كان الوقت ليلاً مقسماً بينهم يحفظ كل منهم بقدر حصته من ليلته ، وليس ذلك مخالفاً للتوكل على الله ـ جل جلاله ـ وعلى حفظه وحراسته.

فصل : فقد روينا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان له من صحابته من يحفظه في سفره من أهل عداوته ، إلى أن نزل قوله جل جلاله ( وآلله يعصمك من النّاس ) (٣) فترك الاحتراس بالناس.

فمن الرواية في تحفظه عليه‌السلام في سفره ما نذكر معناه ، لأن الغرض من ذلك الاقتداء به صلوات الله عليه واله والتعريف بأفعاله.

رأينا وروينا من بعض تواريخ أسفاره ـ عليه أفضل الصلوات ـ أنه كان قد قصد قوماً من أهل الكتاب قبل دخولهم في الذمة ، فظفر منهم بامرأة قريبة العرس

__________________

(١) في «ش» : نعمتك وفوائد رحمتك.

(٢) في «ش» : وأكمل.

(٣) المائدة ٥ : ٦٧.

١٣٣

بزوجها ، وعاد من سفره فبات في طريقه ، وأشار إلى عمار بن ياسر وعباد بن بشر أن يحرساه ، فاقتسما الليلة فكان لعباد بن بشر النصف الأول ، ولعمار بن ياسر النصف الثاني ، فنام عمار بن ياسر وقام عباد بن بشر يصلي ، وقد تبعهم اليهودي يطلب امرأته ، ويغتنم إهمالاً من التحفظ فيفتك بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فنظراليهودي إلى عباد بن بشريصلي في موضع العبور ، فلم يعلم في ظلام الليل هل هو شجرة أو أكمة أو دابة أو أنسان ، فرماه بسهم فأثبته فيه ، فلم يقطع عباد بن بشرالصلاة ، فرماه بآخر فأثبته فيه ، فلم يقطع الصلاة ، فرماه باخر فخفف الصلاة وأيقظ عمار بن ياسر ، فرأى السهام في جسده فعاتبه وقال : هلا أيقظتني في أول سهم!؟ فقال : كنت قد بدأت بسورة الكهف فكرهت أن أقطعها ، ولولا خوفي أن يأتي العدو على نفسي ويصل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأكون قد ضيعت ثغراً من ثغور المسلمين ، ما خففت من صلاتي ولو أتى على نفسي ، فدفعا العدو عما أراده.

أقول : وذكر أبونعيم الحافظ في الجزء الثاني من كتاب (حلية الأولياء) بإسناده في حديث أبي ريحانة ، أنه كان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في غزوة : فأوينا ذات ليلة إلى شرف (١) ، فأصابنا فيه برد شديد ، حتى رأيت الرجال يحفر أحدهم الحفيرة فيدخل فيها ويكفأ عليه بحجفته (٢) ، فلما رأى ذلك منهم ، قال : «من يحرسنا في هذه الليلة؟ فأدعوله بدعاء يصيب به فضله» فقام رجل فقال : أنا يا رسول الله ، فقال : «من أنت؟» فقال : فلان بن فلان الأنصاري ، فقال : «ادنه» فدنا منه ، فأخذ ببعض ثيابه ، ثم استفتح بدعاء له ، قال أبو ريحانة : فلما سمعت ما يدعو به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للأنصاري فقمت فقلت : أنا رجل ، فسألني كما سأله وقال : «ادنه» كما قال له ، ودعا بدعاء دون ما دعا به للأنصاري ، ثم قال : «حرمت النارعلى عين سهرت في سبيل الله ، وحرمت النار على عين دمعت من خشية الله» وقال الثالثة أنسيتها.

قال أبو شريح بعد ذلك : «وحرمت النارعلى عين غضت عن محارم الله» (٣).

__________________

(١) الشرف : المكان العالي.«الصحاح ـ شرف ـ ٤ : ١٣٧٩».

(٢) الحجفة : الترس إذا كان من جلود. «الصحاح ـ حجف ـ ٤ : ١٣٤١».

(٣) حلية الأولياء ٢ : ٢٨.

١٣٤

الفصل الخامس والعشرون : فيما نذكره من أن اختيارالمنازل ، منها ما يعرفت صوابه بالنظرالظاهر ، ومنها ما يعرفه الله ـ جل جلاله ـ لمن يشاء بنوره الباهر

أقول : اما اختيار المنازل بالنظر الظاهر ، فأن يكون كما ذكرناه في أرض ومكان فيه ما يحتاج الإنسان إليه له ولأصحابه ولدوابه ، ويأمن فيه من ضرر يتوجه عليه. وأما تعريف الله ـ جل جلاله ـ لمن يشاء بنوره الباهر ، كما رويناه من كتاب محمد بن جرير بن رستم الطبري من كتاب «دلائل الإمامة» عند ذكر كرامات علي بن الحسين صلوات الله عليه بإسناده إلى جابر بن يزيد الجعفي ، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما‌السلام قال : «خرج أبو محمد علي بن الحسين عليه‌السلام إلى مكة في جماعة من مواليه وناس من سواهم ، فلما بلغ عسفان ضرب مواليه فسطاطه في موضع منها ، فلما دنا علي بن الحسين عليهما‌السلام من ذلك الموضع قال لمواليه : كيف ضربتم في هذا الموضع ، وهذا موضع قوم من الجن هم لنا أولياء ولنا شيعة ، وذلك يضرّ بهم ويضيق عليهم.

فقلنا : ماعلمنا ذلك ، (وعملوا على) (١) قلع الفساطيط ، وإذا هاتف يسمع صوته ولا يرى شخصه ، وهو يقول : يا ابن رسول الله ، لاتحول فسطاطك من موضعه ، فإنا نحتمل لك ذلك ، وهذا اللطف قد أهديناه إليك ، ونحب أن تنال (٢) منه لنسر (٣) بذلك. فإذا في جانب الفسطاط طبق عظيم ، وأطباق معه فيها عنب ورمان وموز وفاكهة كثيرة ، فدعا أبو محمد عليه‌السلام من كان معه فأكل وأكلوا معه من تلك الفاكهة» (٤).

* * *

__________________

(١) في «ش» : وعمدوا إلى.

(٢) فى «ش» : تنناول.

(٣) فى «ش» : لتسرنا.

(٤) دلائل الأمامة : ٩٣ ، والبحار ٤٦ : ٤٥ / ٤٥ و ٦٣ : ٩٠ / ٤٤.

١٣٥

الباب العاشر

فيما نذكره مما نقوله عند النزول ، من المروي المنقول ، وما يفتح علينا من زيادة في القبول ، وما نتحصن به من المخوفات من الدعوات ، وفيه فصول :

الفصل الأول : فيما نذكره مما يقوله إذا نزل ببعض المنازل.

روينا في كتاب (مصباح الزائر وجناح المسافر) وغيره من النقل الظاهر أن المسافر إذا نزل ببعض المنازل يقول : اللهم أنزلني منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين ، ويصلي ركعتين بالحمد وما يشاء من السورالقصار ، ويقول : اللهم ارزقنا خير هذه البقعة وأعذنا من شرها ، اللهم أطعمنا من جناها ، وأعذنا من وباها ، وحببنا الى أهلها وحبب صالحي أهلها إلينا ، ويقول : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وأن علياً أمير المؤمنين والأئمة من ولده أئمة أتولاهم وأبرأ من أعدائهم ، اللهم إني أسألك خير هذه البقعة وأعوذ بك من شرها ، اللهم اجعل أول دخولنا هذا صلاحاً ، وأوسطه فلاحاً ، واخره نجاحاً (١).

الفصل الثاني : فيما نذكره من زيادة الاستظهار ، للظفر بالمسار ودفع الأخطار

وإن شاء فيقول : السلام على من بهذا المنزل من الروحانيين ، من الملائكة الحافظين ، والجن المؤمنين ، قد نزلنا في هذا المقام واخترناكم لمقام إكرام الضيفان والجيران ، ونحن نتوجه إليكم بالله ـ جل جلاله ـ المنعم علينا وعليكم ، أن تكونوا لنا على قدم الضيافة ، والحماية من كل آفة ومخافة.

ذكرما فتح علينا من دعوات ، تحصن من المخافات :

وإن شئت فقل زيادة على ما أوردناه ورويناه : اللهم صل على محمد وال محمد ، واجعل هذا المنزل لنا من منازل المسعودين المجدودين (٢) ، المحفوظين الملحوظين ، المسرورين المنصورين ، الظافرين بسعادة الدنيا والدين ، المحميين من أذى الظالمين والباغين والمغتابين والحاسدين ، برحمتك يا أرحم الراحمين.

__________________

(١) مصباح الزائر : ١١ ، والبحار ٧٦ : ٢٦١ / ٥٦.

(٢) في «ش» و «ط» : المحمودين. والمجدود : المحظوظ. «الصحاح ـ جدد ـ ٢ : ٤٥٢».

١٣٦

الفصل الثالث : فيما نذكره من الأدعية المنقولات ، لدفع محذورات مسميات.

إذا خفت في منزلك شيئا من هوام الأرض ، فقل في المكان الذي تخاف ذلك فيه ـ وهو من أدعية السر ـ يا ذارئ ما في الأرض كلها لعلمك بما يكون مما ذرأت ، لك السلطان على كل من دونك ، إني أعوذ بقدرتك على كل شيء من الضر في بدني ، من سبع أو هامة أو عارض من سائر الدواب ، يا خالقها (بقدرته وفاطرها) (١) بفطرته ، ادرأها عني واحجزها عني ولا تسلطها علي ، وعافني من شرها وبأسها ، يا الله العلي العظيم (حطني بحياطتك واحمني بحمايتك واكفني بكفايتك و) (٢) احفظني بحفظك ، واجنبني (٣) بسترك الواقي من مخاوفي ، يا رحيم (٤).

الفصل الرابع : فيما نذكره مما يحفظه الله ـ جل جلاله ـ به إذا أراد النوم في منازل أسفاره.

رويناه من (كتاب المحاسن) للبرقي بإسناده إلى أبي عبدالله عليه‌السلام قال : «أتى أخوان إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالا : نريد الشام في تجارة ، فعلمنا ما نقول. فقال : نعم ، إذا أويتما إلى المنزل فصليا العشاء الآخرة ، فإذا وضع أحدكما جنبه على فراشه بعد الصلاة ، فليسبح تسبيح فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، ثم ليقرأ اية الكرسي فإنه محفوظ من كل شيء حتى يصبح ، وان لصوصاً تبعوهما حتى إذا نزلوا بعثوا غلاماً لهم ينظركيف حالتهما ناما (٥) أم مستيقظان. فانتهى الغلام إليهما وقد وضع أحدهما جنبه على فراشه ، وقرأ اية الكرسي وسبح تسبيح فاطمة عليها‌السلام.

قال : فإذا عليهما حائطان مبنيان ، فجاء الغلام فطاف بهما ، فكلما دار لم ير إلا

__________________

(١) ليس في «ش» و «ط» والمصدر والبحار.

(٢) ليس في «ش» و «ط» والمصدر والبحار.

(٣) في «ش» : واسترني.

(٤) أدعية السر للراوندي : ٢٣ ، والبحار ٧٦ : ٢٦١ / ٥٦.

(٥) في «ش» : أنائمان.

١٣٧

حائطين مبنيّين ، (فرجع إلى أصحابه فقال : لا والله ما رأيت إلا حائطين مبنيين) (١) ، فقالوا له : أخزاك الله لقد كذبت بل ضعفت وجبنت ، فقاموا فنظروا (فلم يروا إلا حائطين مبنيين ، فداروا بالحائطين) (٢) فلم يروا إنسانا ، فانصرفوا إلى منزلهم.

فلما كان من الغد جاؤوا إليهم فقالوا : أين كنتم؟ فقالوا : ما كنا إلا هاهنا وما برحنا ، قالوا : والله ، لقد جئنا وما رأينا إلا حائطين مبنيين ، فحدثونا ماقصتكم؟ فقالوا : إنا أتينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسألناه أن يعلمنا ، فعلمنا آية الكرسي وتسبيح فاطمة عليها‌السلام ، فقلنا ذلك. قالوا : انطلقوا ، لا والله لانتبعكم أبداً ، ولا يقدر عليكم لص بعد هذا الكلام» (٣).

الفصل الخامس : فيما نذكره مما يقوله المسافر لزوال وحشته ، والأمان عند نومه من مضرته.

روينا من (كتاب المحاسن) بإسناده عن الجعفري ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : «من خرج وحده في سفر فليقل : ما شاء الله ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، اللهم انس وحشتي ، وأعني على وحدتي ، وأد غربتي.

قال : ومن بات في بيت وحده ، أوفي دار أو في قرية وحده ، فليقل : اللهم آنس وحشتي ، وأعني على وحدتي».

قال : وقال له قائل : إني صاحب صيد ، فربما يعرض لي سبع أو أبيت بالليل (في الخرابات والمكان الموحش) (٤) ، فقال : «إذا دخلت فقل : بسم الله ، وأدخل رجلك اليمنى ، وإذا خرجت فأخرج اليسرى ، (وسم الله) (٥) ، فإنك لاترى مكروها ، إن شاء الله تعالى» (٦).

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «د» و «ش» والمصدر.

(٢) ما بين القوسين ليس في «د» و «ش».

(٣) المحاسن : ٣٦٨ / ١٢٠.

(٤) في «ش» : في بعض الأماكن والخرابات الموحشة.

(٥) في «ش» والمصدر : وقل : بسم الله.

(٦) المحاسن : ٣٧٠ / ١٢٢.

١٣٨

الفصل السادس : فيما نذكره من زيادة السعادة والسلامة ، بما يقوله عند النوم في سفره ليظفر بالعناية التامة.

حيث قد ذكرنا نوم المسافر ، وأنه يبقى هو وما (١) معه محتاجاً إلى حافظ لا ينام قادر قاهر ، فلنذكر ما يحضرنا في ذلك إن شاء الله تعالى ، فنذكر بعض ما ذكرناه في كتاب (فلاح السائل ونجاح المسائل) عند النوم ، فنقول : إن النوم موت اليقظة ، ووفاة الجوارح عن حياة الاستقامة ، قال الله جل جلاله : ( وهو الذي يتوفّاكم باللّيل ويعلم ما جرحتم بالنهارثمّ يبعثكم فيه ) (٢) فجعل ـ جل جلاله ـ النوم وفاة ، واليقظة بعثاً وحياة ، وقد عرفت أن النائم يصير كالأعمى والأصم والأخرس والزمن (٣) والمرطوب (٤) ، ويضيع منه الانتفاع بعقله فيما يقربه إلى علام الغيوب ، وكأنه إذا نام قد ضيع عياله وأمواله وحوائجه ومهماته وضروراته ، وما بقي له قدرة على حفظ شيء مما كان يحفظه باليقظة من مطلوباته ومراداته ، ولو أحرزها بالأقفال وما يجري مجراها من الاحتيال ، فإنه إذا نام أمكن فيها وقوع ما لا يريد على كل حال ، فكان الإنسان إذا نام قد اصيب مصائب هائلة ، ووقع تحت أخطار ذاهلة ، وما بقي يقدر على جمع شمله باليقظة على السلامة ، وبجوارحه على الاستقامة ، ويحفظ له مهماته على الإرادة التامة ، إلا الله جل جلاله (٥).

أقول : فينبغي أن يتوب من كل مايقتضي غضبه عليه ، فإن لم توافقه نفسه على التوبة ، وكان مصراً قد غلبت القساوة عليه ، فيسأل الله ـ جل جلاله ـ العفو عنه ، فإن مصانعته لله ـ جل جلاله ـ عند نومه أمر لا بد منه ، فإنه إذا كان الله ـ جل جلاله ـ غضباناً عليه ، وهو مهون بغضبه وغير ملتفت إليه ، فقد أعان على هلاك مهجته ، وكل ما يعز عليه

__________________

(١) في «ش» : ومن.

(٢) الأنعام ٦ : ٦٠.

(٣) الزمن : المريض الدائم المرض. أنظر «الصحاح ـ زمن ـ ٥ : ٢١٣١».

(٤) المرطوب : صاحب الرطوبة. «مجمع البحرين ـ رطب ـ ٢ : ٧٠».

(٥) فلاح السائل : ٢٧١ باختلاف في ألفاظه.

١٣٩

وصار في حال ينبغي أن يبكي منه ويبكى عليه ، وإن لم يصح منه طلب العفو والغفران ، بذل الجناة وأهل العصيان ، فيستسلم لله ـ جل جلاله ـ استسلام من يسترحم لمن يأخذ القود منه ، فعسى من رحمته وسعت كل شيء ـ جل جلاله ـ أن يرحمه ويعفو عنه ، ويحفظه في نومته ، ويعيده إلى فوائد يقظته. ويودع نفسه وكل من يعز عليه وما يعز عليه ، لله ـ جل جلاله ـ الذي أمر بحفظ الودائع والأمانات ، وجعل ذلك من الوصف الكامل ، وهو أجل وأقدر عليه.

أقول : ولقد رأيت في كتاب (الياقوت الأحمر) تأليف أحمد بن الحسن الأهوازي ، ما هذا لفظه ، قال : وسمعت أن بعض وصفاء الاكاسرة قالت : ما نام كسرى قط إلا وقبل نومه يسجد لله ـ عز وجل ـ ويسأله أن يحييه بعد ما يميته. يعني بالموت : النوم ، وبالحياة : الانتباه.

الفصل السابع : فيما نذكره مما كان رسول الله يقوله إذا غزا أو سافر فأدركه الليل.

رويت ذلك بإسنادي من (كتاب التذييل) لمحمد بن النجار في ترجمة حمزة بن علي بن عثمان القرشي المخزومي قال : كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا غزا أو سافرفدركه الليل ، قال : «يا أرض ، لم ربي وربك الله ، أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك ، وشر ما خلق فيك ، وشر مادب عليك ، أعوذ بالله من شر كل أسد وأسود وحية وعقرب ، ومن ساكن البلد ، ومن شر والد وما ولد» (١).

الفصل الثامن : فيما نذكره إذا استيقظ من نومه.

قد ذكرنا في كتاب (فلاح السائل ونجاح المسائل) وكتاب (الأسرار المودعة في ساعات الليل والنهار) ما يحتاج الإنسان إليه ، في مثل هذه الحال التي تتهيأ عليه. ونقول هاهنا : إنه إذا استيقظ ـ ليلاً كان أو نهاراً ـ يسجد عقيب يقظته ، شكرا لله ـ جل جلاله ـ على سلامته ، وتمام عافيته. فقد روينا أن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام كان يسجد لله ـ جل جلاله ـ عقيب اليقظة والمنام.

__________________

(١) البحار ٧٦ : ٢٦١ / ٥٥.

١٤٠