الأمان من أخطار الأسفار والأزمان

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]

الأمان من أخطار الأسفار والأزمان

المؤلف:

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٦٦

الباب السابع :

فيما نذكره إذا شبع الانسان في خروجه من الدار للأسفار ، وما يعمله عند الباب وعند ركوب الدواب ، وفيه فصول :

الفصل الأول : فيما نذكره من تعيين الساعة التي يخرج فيها في ذلك النهار إلى الأسفار.

إعلم : أننا قد ذكرنا فيما قدمناه ، الأيام التي تصلح لابتداء السفر بحسب مارويناه ، وبقي وقت الساعة التي يختارها من نهاره للتوجه في أسفاره ، فإنه لاريب أن الساعات تختلف حالها في السعود والنحوس بحسب ما اقتضته الرحمة والحكمة الإلهية في تدبير الأفلاك والنفوس ، وكنا روينا في كتاب (فرج المهموم في معرفة الحلال والحرام من علم النجوم) قول مولانا علي صلوات الله عليه في سعود النجوم ونحوسها ، وأوردنا أحاديث الأئمة ـ صلوات الله عليهم ـ في أن النجوم دلالات على الحادثات وأوقات السعادات والمحذورات ، فاقتضى ذلك تعيين وقت الساعة التي يتوجه الإنسان فيها من داره ، ليكون فاتحة لأبواب مساره ، ومصونة عن أكداره وأخطاره.

فأقول : إن كان الذي يريد هذا السفر ممن أقبل الله ـ جل جلاله ـ عليه ، وارتضاه لكشف الساعة السعيدة التي يتوجه فيها به ـ جل جلاله ـ إليه ، ويجد ذلك في سريرته ، فياسعادة هذا العبد الذي قد بلغ حاله إلى مكاشفة الله ـ جل جلاله ـ بأوقات سعادته.

أقول : وإن لم يكن بلغ إنعام الله ـ جل جلاله ـ عليه إلى هذه الحال ، فقد ذكرنا في كتاب (الأسرار المودعة في ساعات الليل والنهار) أن كل ساعة من النهار ، يختص بها واحد من الأئمة الأطهار ، ولها دعاءان : أحدهما نقلناه من خط جدي أبي جعفر الطوسي ـ رضوان الله عليه ـ والاخر من خط ابن مقلة المنسوب إليه ، وكل واحد منهم ـ عليهم أفضل الصلوات ـ كالخفير والحامي لساعته بمقتضى الروايات.

فالساعة الاولى لمولانا علي صلوات الله عليه ، والساعة الثانية لمولانا الحسن عليه‌السلام ، والساعة الثالثة لمولانا الحسين عليه‌السلام ، والساعة الرابعة لمولانا علي بن

١٠١

الحسين عليه‌السلام ، والساعة الخامسة لمولانا محمد بن علي الباقر عليه‌السلام ، والساعة السادسة لمولانا جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام ، والساعة السابعة لمولانا موسى بن جعفر الكاظم عليه‌السلام ، والساعة الثامنة لمولانا علي بن موسى الرضا عليه‌السلام ، والساعة التاسعة لمولانا محمد بن علي الجواد عليه‌السلام ، والساعة العاشرة لمولانا علي بن محمد الهادي عليه‌السلام ، والساعة الحادية عشرة لمولانا الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام ، والساعة الثانية عشرة لمولانا المهدي صلوات الله عليهم.

أقول : وهذه الساعات يدعو الإنسان في كل ساعة منها بما يخصها من الدعوات ، سواء كان نهارالصيف الكامل الساعات ، أو نهار الشتاء القصير الأوقات ، لأن الدعوات تنقسم اثني عشر قسما ، كيف كان مقدار ذلك النهار ، بمقتضى الأخبار.

أقول : فإذا اتفق خروجك للسفر في ساعة يختص بها أحد الأئمة الحماة ، الذين جعلهم الله ـ جل جلاله ـ سببا للنجاة ، فقل مامعناه ، اللهم بلغ مولانا ـ فلانا صلوات الله عليه ـ أنني اسلم عليه ، وأنني أتوجه إليه بإقبالك عليه ، في أن يكون خفارتي وحمايتي وسلامتي وكمال سعادتي ضمانها بك عليه ، حيث قد توجهت في الساعة التي جعلته كالخفير فيها وحديثها في ذلك إليه.

أقول : وتقول إذا نزلت منزلاً في ساعة تختص بواحد منهم أو رحلت منه ، فتسلم على ذلك الإمام بما يقربك منه ، وتخاطبه في ضمان مايتجدد في ساعته ، فلولا أن الله ـ جل جلاله ـ أراد ذلك منك ما دلك عليه ، وإذا عملت بهذا هداك الله ـ جل جلاله ـ إليه صارت حركاتك وسكناتك في أسفارك ، عبادة وسعادة لدار قرارك.

الفصل الثاني : فيما نذكره من التحنك للعمامة عند تحقيق عزمك على السفر ، لتسلم من الخطر

روينا ذلك من كتاب (الآداب الدينية) عن الطبرسي ـ رضوان الله عليه ـ فيما رواه عن مولانا موسى بن جعفر صلوات الله عليه أنه قال : «أنا ضامن ثلاثاً لمن خرج يريد سفراً معتماً تحت حنكه : أن لا يصيبه السرق ولا الغرق ولا الحرق» (١). ورويناه

__________________

(١) الآداب الدينية : ٤٩.

١٠٢

ـ أيضا ـ عن البرقي من كتاب (المحاسن) بإسناده إلى أبي الحسن عليه‌السلام (١).

أقول : وقد روينا في العمامة عند التوجه للمهمات ، روايات عن أبي العباس أحمد بن عقدة في كتابه الذي سماه (كتاب الولاية) وروى فيه حديث نص مولانا وسيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على مولانا علي بن أبي طالب صلوات الله عليه في يوم الغدير بالخلافة ودلالته عليه ، فذكر بإسناده المذكور في ذلك المكان ، وهو من ذخائر أهل الايمان ، في ترجمة عبدالله بن بسر (٢) المازني ، ورواه من طريقين ، فقال بعد إسناده المتصل المشار إليه : عن عبدالله بن بسر ـ صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم غدير خم إلى علي فعمّمه وأسدل العمامة بين كتفيه ، وقال : «هكذا أيدني ربي يوم حنين بالملائكة معممين قد أسدلوا العمائم ، وذلك حجر (٣) بين المسلمين وبين المشركين» ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله معتمد على قوس له عربية ، فبصر برجل في آخر القوم وبيده قوس فارسية ، فقال : «ملعون حاملها ، عليكم بالقسي العربية ورماح القنا (٤) ، فإنها بها أيد ألله لكم دينكم ، ويمكن لكم في البلاد».

وقال في الحديث الاخر : عمم رسول الله علياً يوم غدير خم عمامة سدلها بين كتفيه ، وقال : «هكذا أيدني ربي بالملائكة» ثم أخذ بيده فقال : «أيها الناس ، من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، والى الله من والاه ، وعاد الله من عاداه».

أقول : هذا لفظ ما رويناه ، أردنا أن نذكره ليعلم وصف العمائم ، في السفر الذي يخشاه.

الفصل الثالث : في التحنك بالعمامة البيضاء عند السفر يوم السبت.

ورأيت بخط جدي لامي ورام بن أبي فرأس ـ قدس الله روحه ـ على آخر

__________________

(١) المحاسن : ٣٧٣ / ١٣٧.

(٢) في «د» و «ط» : بشر ، وفي «ش» : بشير ، والظاهر أن الصواب ما أثبتناه ، ترجم له ابن الأثير الجزري وضبطه قائلا : وبسر بالباء الموحدة المضمومة والسين المهملة ، وهو آخر من مات بالشام من الصحابة ، انظر «اسد الغابة ٣ : ١٢٣ ، ميزان الإعتدال ٢ : ٣٩٦ ، تهذيب التهذيب ٥ : ١٥٨».

(٣) الحجر : الحاجز. انظر «الصحاح ـ حجر ـ ٢ : ٦٢٣».

(٤) القنامن الرماح ما كان أجوف القصبة. «لسان العرب ـ قنا ـ ١٥ : ٢٠٤».

١٠٣

كتاب (المنبئ عن زهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ـ وليس من الكتاب ـ ما هذا لفظه : عن صفوان بن يحيى وأحمد بن محمد البزنطي ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لوأن رجلا خرج من منزله يوم السبت معتماً بعمامة بيضاء قد حنكها تحت حنكه ، ثم أتى إلى جبل ليزيله عن مكانه لأزاله عن مكانه».

الفصل الرابع : فيما نذكره مما يدعى به عند ساعة التوجه ، وعند الوقوف على الباب ، لفتح أبواب المحاب.

ينبغي أن تستحضر ما ذكرناه في الفصل الثالث من الباب الأول ، من كيفية النية ، لتكون ذاكرا لما حررناه من معاملتك بالسفر للمراضي الالهية ، وتخرج بسكينة ووقار ، كما تمشي لو كنت تمشي بين يدي سلطان عظيم المقدار ، وقلبك ملآن من جلاله ، ويدك متمسكة بمقدس حباله ، وعينك ناظرة إلى عوائد إطلاق نواله وإفضاله ، وعقلك محافظ على إقباله. وقل ما معناه أو ما رويناه ثلاث مرات : بالله أخرج ، وبالله أدخل ، وعلى الله أتوكل ، اللهم افتح لي في وجهي هذا بخير ، واختم لي بخير ، وقني شر كل دابة أنت اخذ بناصيتها ، إن ربي على صراط مستقيم. فإنه من قاله بالاخلاص ، يوشك أن يكون من أهل الإختصاص ، وهو داخل في ضمان السلامة من الندامة.

فإذا وصلت إلى باب دارك ، فقل ما رويناه بإسنادنا إلى صباح الحذاء قال : سمعت موسى بن جعفر عليه‌السلام يقول : «لو كان الرجل منكم إذا أراد سفراً ، قام على باب داره تلقاء الوجه الذي يتوجه إليه ، فقرأ فاتحة الكتاب أمامه وعن يمينه وعن شماله ، وآية الكرسي أمامه وعن يمينه وعن شماله ، ثم قال : اللهم احفظني واحفظ مامعي ، وسلمني وسلم ما معي ، وبلغني وبلغ مامعي ، ببلاغك الحسن ، لحفظه الله وحفظ مامعه ، وسلمه وسلم مامعه ، وبلغه الله وبلغ ما معه» ثم قال : «يا صباح ، أما رأيت الرجل يحفظ ولا يحفظ مامعه ، ويسلم ولا يسلم ما معه ، ويبلغ ولا يبلغ ما معه؟«قلت : بلى ، جعلت فداك (١).

__________________

(١) الكافي ٢ : ٣٩٥ / ١١ و ٤ : ٢٨٣ / ١ ، الفقيه ٢ : ١٧٧ / ٧٩٠ ، التهذيب ٥ : ٤٩ / ١٥٣ ، المحاسن : ٣٥٠ / ٣١.

١٠٤

أقول : وروينا بإسنادنا إلى علي بن أسباط ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال ، قال : «إذا خرجت من منزلك في سفر أو حضر فقل : بسم الله ، امنت بالله ، توكلت على الله ، ما شاء الله ، لا حول ولا قوة إلا بالله (١). فتلقاه الشياطين (فتضرب الملائكة وجوهها) (٢) وتقول : ما سبيلكم عليه؟ وقد سمى الله ، وآمن به ، وتوكل عليه ، وقال : ما شاء الله لاقوة إلا بالله» (٣).

أقول : وروينا بإسنادنا عن عبدالرحمن بن أبي هاشم ، عن أبي خديجة قال : كان أبو عبدالله عليه‌السلام إذا خرج يقول : «اللهم خرجت إليك ، ولك أسلمت ، وبك آمنت ، وعليك توكلت ، اللهم بارك لي في يومي هذا ، وارزقني قوّته ونصره وفتحه وطهوره وهداه وبركته ، واصرف عني شره وشر ما فيه ، بسم الله ، والله أكبر ، والحمد لله رب العالمين ، اللهم إني خرجت فبارك لي في خروجي ، وانفعني به» وإذا دخل منزله قال مثل ذلك (٤).

أقول : وروينا بإسنادنا عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «من قال حين يخرج من باب داره : أعوذ بما عاذت به ملائكة الله ، من شر هذا اليوم الجديد ، الذي إذا غابت شمسه لم يعد ، من شرنفسي ، ومن شر غيري ، ومن شر الشياطين ، ومن شرمن نصب لأولياء الله ، ومن شرالجن والانس ، وشر السباع والهوام ، ومن شر ركوب المحارم كلها ، أجير نفسي بالله من كل سوء ، إلا غفر الله له ، وتاب عليه ، وكفاه المهم ، وحجزه عن السوء ، أو عصمه من الشر)) (٥).

أقول : وروينا بإسنادنا إلى معاوية بن عمار قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إذا خرجت من منزلك فقل : بسم الله ، توكلت على الله ، لاحول ، ولا قوة إلابالله (٦) اللهم إني أسألك خيرماخرجت له ، وأعوذ بك من شرماخرجت له ، اللهم أوسع علي

__________________

(١) في «ش» زيادة : العلي العظيم.

(٢) في «ش» : فيضرب الملائكة وجوههم.

(٣) الفقيه ٢ : ١٧٧ / ٧٩٢ ، المحاسن : ٣٥٠ / ٣٣.

(٤) الكافي ٢ : ٣٩٤ / ٦ ، المحاسن : ٣٥١ / ٣٥.

(٥) الكافي ٢ : ٣٩٣ / ٤ ، الفقيه ٢ : ١٧٨ / ٧٩٣ ، المحاسن : ٣٥١ / ٣٧.

(٦) في «ش» زيادة : العظيم.

١٠٥

من فضلك ، واتمم علي نعمتك ، واستعملني في طاعتك ، واجعل رغبتي فيما عندك ، وتوفني على ملتك وملة رسولك صلى‌الله‌عليه‌وآله » (١).

أقول : وفي حديث آخر عن الثمالي ، عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام : «من قال حين يخرج من منزله : بسم الله ، حسبي الله ، توكلت على الله ، اللهم إني أسألك خير اموري كلها ، وأعوذ بك من خزي الدنيا وعذاب الاخرة. كفاه الله ما أهمه ، من أمر دنياه وآخرته» (٢).

أقول : وروي أنه إذا وقف على باب داره سبح تسبيح الزهراء عليها‌السلام ، وقرأ الحمد ، واية الكرسي ـ كما قدمناه ـ وقال : اللهم إليك وجهت وجهي ، وعليك خلفت أهلي ومالي وما خولتني ، قد وثقت بك فلا تخيبني ، يا من لا يخيب من أراده ، ولا يضيع من حفظه. اللهم صل على محمد واله ، واحفظني فيما غبت عنه ، ولا تكلني إلى نفسي ، يا أرحم الراحمين. اللهم بلغني ماتوجهت له ، وسبب لي المراد ، وسخر لي عبادك وبلادك وارزقني زيارة نبيك ووليك ـ أميرالمؤمنين ـ والأئمة من ولده ، وجميع أهل بيته عليه وعليهم السلام ، ومدني منك بالمعونة في جميع أحوالي ، ولا تكلني إلى نفسي ولا إلى غيري فأكل وأعطب ، وزودني التقوى ، واغفر لي في الآخرة والأولى. اللهم اجعلني أوجه من توجه إليك.

وتقول أيضا : بسم الله وبالله ، وتوكلت على الله ، واستعنت بالله ، والجأت ظهري إلى الله ، وفوضت أمري إلى الله ، رب امنت بكتابك الذي أنزلت ، ونبيك الذي أرسلت ، لأنه لا يأتي بالخير ـ إلهي ـ إلا أنت ، ولا يصرف السوء إلا أنت ، عز جارك ، وجل ثناؤك ، وتقدست أسماؤك ، وعظمت آلاؤك ، ولا إله غيرك.

فقد روي أن من خرج من منزله مصبحاً ودعا بهذا الدعاء ، لم يطرقه بلاء حتى يمسي ويؤوب إلى منزله ، وكذلك من خرج في المساء ودعا به ، لم يطرقه بلاء حتى يصبح أو يؤوب إلى منزله.

أقول : وقد أقتصرنا على بعض ما رويناه في هذه الحال ، فقل منه ما يحتمله

__________________

(١) الكافي ٢ : ٣٩٤ / ٥ ، المحاسن : ٣٥١ / ٨.

(٢) الكافي ٢ : ٣٩٣ / ٣ ، المحاسن : ٣٥١ / ٣٧.

١٠٦

حالك ووقتك ، فالناس يختلف حالهم في الاهتمام والإهمال.

الفصل الخامس : في ذكر ما نختاره من الاداب ، والدعاء عند ركوب الدواب.

إعلم أنني رأيت أن إنعام الله ـ جل جلاله ـ بالدواب ، وتسخيرها لذوي الألباب ، قد وقع الغفول عنه ، حتى كأنها ليست منه ، ووجدت السائس للدابة يعرف له حق سياسته ، ويكون له في القلب موضع بمقدار شفقته والركيبدار يعرف له حق معرفته ، وحرمة إسراج الدابة وتحميلها وتقديمها لركوب صاحبها في حاجته ، وليس في القلب ولا في شكراللسان مكان لمعرفة حق منشئها وجالبها وواهبها ومسخرها وميسرها ، وهذه العفلة من الإنسان مخاطرة هائلة بغضب الله ـ جل جلاله ـ وبكل ما وهبه للعبد من الاحسان.

أقول : وينبغي للعبد إذا أكرمه مولاه ، أن يراعي حق إكرامه وحق ما أولاه ، ومتى غفل وأهمل شكر ما أنعم به عليه ، كان العبد مستحقاً لاستعادة كل ما وصل إليه.

أقول : ويكشف هذا بمثال نذكره ومقال نسطره ، فنقول : لو أن الله ـ جل جلاله ـ ما أعطى أحداً من الخلائق ، في المغارب والمشارق ، دابة إلا أنت ، وكان الناس كلهم عزيزهم وذليلهم وغنيهم وفقيرهم ، إذا سافروا مشوا في أسفارهم على أقدامهم ، وحملوا قماشهم على ظهورهم وظهور غلمانهم ، وأنت معك دابة تركب عليها ، وتحمل قماشك للسفر عليها ، كيف كنت تكون في سرورك بها ، وتعظيم الواهب لها!

فالأمر الان على هذه الحال ، لأنك تعلم أن خلقا كثيرا ما لهم دابة في الأسفار ويمشون على أقدامهم ، ويحملون قماش سفرهم على ظهورهم ، وأما من حصل له منهم شيء من الدواب كما حصل لك ، فلا يجوز في عقل ولا نقل يليق بالصواب ، أن يكون إنعام الله ـ جل جلاله ـعلى غيرك بدابة مثل دابتك ، أن يسقط عنك حق الدابة التي وهبك إياها وجعلها من جملة نعمتك ، فكيف ساغ في المعقول والمنقول أن يكون لسائسك ، والذي يسرج دابتك ، موضع من خاطرك ، وذكرفي سرائرك أو ظواهرك ، والله ـ جل جلاله ـ المنشئ لها والمنعم بها والمسخر لها ، قلبك خال منه ، ومن هديتها لك ومسيرها بك. هذا لا يليق بالتوفيق ، وأنت مخاطر في ركوبها في الطريق.

أقول : ولقد كنت قد خرجت في بعض الأسفار ، ومعنا جماعة من ذوي

١٠٧

الألباب ، قد تبادروا إلى ركوب الدواب ، ولسان حالهم يشهد عليهم أنهم غافلون عن رب الأرباب. فقلت لهم : لو أن هذه الدواب تكلمت وقالت لكم : إنما سخرت لكم لأجل ما وهبكم الله تعالى من العقول ، وشرفكم به من التكليف المقبول ، فإذا كنتم قد اطرحتم في ركوبي حكم العقل وأدب النقل ، وركبتم بالطبع والغفلات ، فقد صرتم مثلي في سلوك الطرقات ، فينبغي في العدل والانصاف ، أن تجروا أنفسكم مجرى الدواب ، وتركبوني تارة وأركب عليكم تارة ، وإلا فأنا ماسخرت لأمثالكم ممن قد عزل الله ـ جل جلاله ـ عن ربوبيته ، وأسقط حق نعمته. وعرفتهم ما حضرني من كيفية السفر الذي يكون طاعة للمراضي الالهية.

فصل : وحيث قد ذكرنا حديث الدواب ، فلنذكر بعض ما روي في ابتداء وجودها :

فذكر محمد بن صالح ـ مولى جعفر بن سليمان ـ في كتاب (نسب الخيل) في حديث عن ابن عباس : أن إسماعيل عليه‌السلام لما بلغ أخرج الله له من البحر مائة فرس ، فأقامت ترعى بمكة ماشاء الله ، ثم أصبحت على بابه (فرسنها وانتتجها) (١) وركبها.

وروي في حديث اخرعن مسلم بن جندب : أن أول من ركب الخيل اسماعيل عليه‌السلام (٢).

وأما الدعاء عند ركوب الدواب ، فإنه كثير في كتب الآداب ، لكنا نذكر منه ما يسهل حفظه أو ما لا يحسن الغفول عنه ، فنقول : روينا من كتاب (المحاسن) المشار إليه ، بإسناده عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة رحمه‌الله قال : أمسكت لأمير المؤمنين عليه‌السلام بالركاب ، وهو يريد أن يركب ، فرفع رأسه ثم تبسم ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، رأيتك قد رفعت رأسك وتبسمت (٣). فقال : «نعم يا أصبغ ، أمسكت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كما أمسكت لي ، فرفع رأسه وتبسم ، ثم سألته كما

__________________

(١) في «ش» : وسرجها والجمها.

(٢) أخرجه في البحار ٦٤ : ١٥٣ / ٣ و ٤ ، من «فذكر محمد بن صالح ...».

(٣) في «ش» زيادة : ففيم ذلك.

١٠٨

سألتني ، وسأخبرك كما أخبرني ، فقلت : يا رسول الله (١) ، رفعت رأسك ثم تبسمت. فقال : يا علي ، إنه ليس من أحد يركب فيذكر ما أنعم الله به عليه ، ثم يقرأ آية السخرة ، تم يقول : أستغفرالله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ، اللهم اغفر لي ذنوبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. إلا قال الله السيد الكريم (٢) : ملائكتي عبدي يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري ، اشهدوا أني قد غفرت له ذنوبه».

أقول أنا : أفلا نراه عليه‌السلام قد قال عند ركوب الدابة فذكر ما أنعم الله به عليه ، وأما آية السخرة فإنها مذكرة للعبد بما سخر الله ـ جل جلاله ـ له ، وأحسن به إليه ، وهي ( انّ ربّكم الله آلّذي خلق السموات والآرض في ستة ايام ثّم استوى على العرش يغشي آلليل النّهار يطلبه حثيثاً والشّمس والقمر والنجوم مسخّرات با مره الا له الخلق والآمر تبارك الله رب العالمين * ادعوا ربّكم تضرّعا وخفية انه لايحب المعتدين * ولاتفسدوا في الارض بعد اصلاحها وادعوه خوفاً وطمعاً ان رحمة الله قريب من المحسنين ) (٣).

أقول : وروي أن الصادق عليه‌السلام كان يقول إذا وضع رجله في الركاب. سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين. ويسبح الله سبعاً ، ويحمد الله سبعاً ، ويهلل الله سبعاً.

وفي رواية صفوان بن مهران الجمال : أنه عليه‌السلام لما ركب الجمل قال : «بسم الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله. سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا الى ربنا لمنقلبون (٤)» (٥).

أقول : فإذا استويت على الدابة فقل : الحمد لله الذي هدانا للإسلام ، ومن علينا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى

__________________

(١) في «ش» زيادة : أراك.

(٢) في «ش» زيادة : اللطيف.

(٣) الأعراف ٧ : ٥٤ ـ ٥٦.

(٤) في «ش» زيادة : والحمد لله رب العالمين.

(٥) البحار ٧٦ : ٢٩٨ / ٣٤.

١٠٩

ربنا لمنقلبون والحمد لله رب العالمين ، اللهم أنت الحامل على الظهر ، والمستعان (١)على الأمر ، اللهم بلغنا بلاغا نبلغ به إلى خير ، بلاغا يبلغ إلى رحمتك ورضوانك ومغفرتك ، اللهم لا ضير إلا ضيرك ، ولا خير إلا خيرك ، ولا حافظ غيرك.

ذكرما نقوله نحن زيادة على هذه العبارة ، عند ركوب الدابة.

إعلم أن النبي والأئمة عليهم‌السلام سلكوا الناس إلى السعادات والدعوات ، على قدر ما تحتمله حالهم في ضيق الأوقات ، والتخفيف في العبادات ، ونحن نقول بحسب ما يحتاج إليه ، للإذن منهم عليهم‌السلام للانسان في الدعاء بمهما أفاض الله تعالى عليه ، فنقول وبعضه من المنقول : الحمد لله الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ، والحمد لله رب العالمين ، اللهم احفظ علينا دوابنا ، ووطئ لنا ركابنا ، وسهل لنا محابنا ، وأنجح لنا طلابنا ، وسيرنا في بلادك وبين عبادك ، بإسعادك وإنجادك ، واتباع مرادك. اللهم اطو لنا البعيد ، وسهل لنا كل صعب شديد ، واكفنا شر كل قريب وبعيد ، وضعيف ومريد ، وكمل لنا تحف المزيد ، والعمر المديد ، والعيش الرغيد ، واجعلنا من خيار العبيد ، المسعودين في الدنيا ويوم الوعيد.

ثم أقول : اللهم إنك ابتدأتنا بخلق ما نحتاج إليه من منافع الأرض والسماء ، وابتدأتنا بالإنشاء والنعماء ، وسيرتنا (٢) من لدن ادم عليه‌السلام وإلى هذه الغايات ، في ظهور الآباء وبطون الامهات ، وأقمت لهم بالأقوات والكسوات والمهمات ، ووقيتهم ووقيتنا من الافات والعاهات ، ولم أكن ممن شرفتني بمعرفتك ، ولا ارتضيتني لعبادتك ، اللهم وحيث قد شرفتني لمعرفتك ، وارتضيتني لخدمتك ، فلا يكن تسييري دون ذلك التسيير ، ولا تدبيري دون ذلك التدبير ، وسيرني في سفري هذا وما بعده بالسلامة والكرامة ، والعناية التامة ، والرعاية العامة ، والأمن من الندامة ، في الدنيا ويوم القيامة. واجعل اللهم حركاتنا وسكناتنا صادرة عن المعاملة بالاخلاص لك ، والاختصاص بك ، واجعل قلوبنا وعقولنا وقفا على طاعتك ، وملهمة بمراقبتك واتباع إرادتك ، والهمنا كل قول أو فعل يكون فيه رضاك ، والدخول في حماك ، والأمان في الدنيا ويوم

__________________

(١) في «ش» : والمعين.

(٢) في «ش» : وسترتنا.

١١٠

نلقاك ، برحمتك يا أرحم الراحمين (١).

* * *

__________________

(١) ورد في هامش «د» وبخط مغاير لخط النسخة ما نصه : وإذا ركبتم الفلك فقولوا ما أمر به : الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين ، رب أنزلني منزلا مباركاً وأنت خير المنزلين ؛ فانه يقول جل جلاله ان في ذلك لآية.

١١١

الباب الثامن :

فيما نذكره عند المسير والطريق ، ومهمات حسن التوفيق ، والأمان من الخطر والتعويق ، وفيه فصول :

الفصل الاول : (فيما نذكره) (١) عند المسير ، من القول وحسن التدبير.

روينا من كتاب (المحاسن) قال : كان أبو عبد الله عليه‌السلام إذا أراد سفرا قال : «اللهم خل سبيلنا ، وأحسن تسييرنا ـ أو قال : مسيرنا ـ وأعظم عافيتنا (٢)» (٣).

وروينا من كتاب (من لايحضره الفقيه) عن العلاء ، عن أبي عبيدة ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : قال : «إذا كنت في سفر فقل : اللهم اجعل مسيري عبراً ، وصمتي تفكراً ، وكلامي ذكراً» (٤).

أقول : وينبغي للمسافرإذا هبط أن يسبح ، وإذا صعد أن يكبر ، فقد روى بن بابويه ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في سفره إذا هبط سبح ، وإذا صعد كبر» (٥).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «والذي نفس أبي القاسم بيده ، ما هلل مهلل ولا كبر مكبر على شرف (٦) من الأشراف ، إلا هلل ما خلفه وكبر ما بين يديه بتهليله وتكبيره ، حتى يبلغ مقطع التراب» (٧).

وروي في لفظ التكبير : إذا علوت تلعة (٨) أو أكمة (٩) أو قنطرة فقل : الله أكبر ،

__________________

(١) ليس في «د» و «ش».

(٢) في «ش» : عاقبتنا.

(٣) المحاسن : ٣٥٠ / ٣٢.

(٤) الفقيه٢ : ١٧٩ / ٧٩٧.

(٥) الفقيه ٢ : ١٧٩ / ٧٩٦.

(٦) الشرف : المكان العالي. «الصحاح ـ شرف ـ ٤ : ١٣٧٩».

(٧) الفقيه٢ : ١٧٩ / ٧٩٨.

(٨) التلعة : ما ارتفع من الأرض. «الصحاح ـ تلع ـ٣ : ١١٩٢».

(٩) الأكمة : التل أو الموضع الذي يكون أشد ارتفاعاً مما حول. «القاموس المحيط ـ أكم ـ ٤ : ٧٥».

١١٢

الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر ، والحمدلله رب العالمين ، اللهم لك الشرف على كل شرف ، ثم تقول : خرجت بحول الله وقوته ، بغير حول مني ولا قوة ، لكن بحول الله وقوته ، برئت اليك يا رب من الحول والقوة ، اللهم إني أسألك بركة سفري هذا وبركة أهله ، اللهم إني أسألك من فضلك الواسع ، رزقاً حلالاً طيباً تسوقه إلي وأنا خافض في عافية بقوتك وقدرتك ، اللهم سرت في سفري هذا بلا ثقة مني لغيرك ، ولا رجاء لسواك ، فارزقني في ذلك شكرك وعافيتك ، ووفقني لطاعتك وعبادتك ، حتى ترضى وبعد الرضا (١).

الفصل الثاني : فيما نذكره من العبور على القناطر والجسور ، وما في ذلك من الامور.

إعلم أن الإنسان على نفسه بصيرة ، ونفسه لله ـ جل جلاله ـ وهي في يد العبد أمانة يجب حفظها لمالكها من الأخطار الكثيرة واليسيرة ، فإذا وصل إلى قنطرة أو جسر مخوف ، فينزل إن كان راكباً عن دابته ، ويستظهر في سلامته ، ولا يمتنع من النزول إما للكسل أو للرياء والسمعة ، حتى لا يراه أحد قد نزل ، أو لئلا يقال : إنه ذليل أو ضعيف أو جبان ، فإن الاحتياط للسلامة والأمان اليق بالعاقل الكامل ، من أن يرضى بركوب الخطر من النقصان والتفريط بنفسه ، التي هي أمانة لمولاه ، وإنه ـ جل جلاله ـ مسائله عن حفظها يوم يلقاه.

وأما ما يقول المسافر من الأذكار ، فقد روي أن على كل قنطرة شيطاناً للعبث بالإنسان ، فيقول : بسم الله ، اللهم ادحر عني الشيطان.

هذا لفظ ما رويناه ، وإن شاء أن يقول زيادة على ماذكرناه : اللهم إن الشياطين والأشرارمن الجن الروحانيين ، يروني وأنا لا أراهم ، وأنت تراهم ولا يصح أن يروك ، وقد جعلت ـ يا الله ـ في مقابلة رؤيتهم لي وأنا لا أراهم ، رؤيتك لهم ولا يرونك ، فامنعهم بعلمك بهم ورؤيتك لهم عن أذيتنا ، وبقدرتك عن تغيير ما وهبتنا من نعمتك ، برحمتك وعنايتك ، وخفف عنا (٢) بذلك عقاب معصيتك ، وأن يشغلونا عن

____________

(١) البحار ٧٦ : ٢٥٤ / ٤٩.

(٢) في «د» و «ط» : عنهم.

١١٣

طاعتك ، وتول عبورنا على هذه القناطر بأمرك ونصرك الباهرالقاهر ، وعفوك الشامل (١) الغامر ، وإحسانك في الباطن والظاهر ، إنك أرحم الراحمين وأكرم الاكرمين.

الفصل الثالث : فيما نذكره مما يتفاءل به المسافر ، ويخاف الخطر منه ، وما يدفع ذلك عنه.

روينا من كتاب (من لايحضره الفقيه) بإسناده إلى أبي الحسن مولانا موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : «الشؤم للمسافر في طريقه في خمسة : الغراب الناعق عن يمينه الناشر لذنبه ، والمذئب العاوي الذي يعوي في وجه الرجل ، وهومقع (٢) على ذنبه يعوي ثم يرتفع ثم ينخفض ـ ثلاثا ـ والظبي السانح من يمين إلى شمال ، والبومة الصارخة ، والمرأة الشمطاء تلقى (٣) فرجها ، والأتان العضباء ـ يعني الجدعاء ، وفي رواية (كتاب المحاسن) : والأتان الجدعاء يعني العضباء ـ فن أوجس في نفسه منهن شيئا فليقل : اعتصمت بك ـ يا رب ـ من شر ما أحذر (٤) في نفسي فاعصمني من ذلك. قال : فيعصمه (٥) من ذلك» وزاد في كتاب المحاسن إن شاء الله.

وكذا وجدنا في الروايتين (خمسة) وهي ستة ، فلعله من غلط الناسخ أو الرواة (٦).

* * *

__________________

(١) في «ش» زيادة : الكامل.

(٢) أقعى الكلب وغيره : إذا جلس على استه مفترشا رجليه وناصباً يديه. «الصحاح ـ قعا ـ ٦ : ٢٤٦٥».

(٣) لعل صحته (تلقاء) كما في المحاسن ، والمعنى ما فسره به المجلسي الأول رحمه‌الله في روضة المتقين ٤ : ١٩٩ ، أي تجئ إليك أو تذهب إليها. يعني تقابلك عينا بعين.

(٤) في «ش» : ما أجد.

(٥) في «ش» زيادة : الله.

(٦) الفقيه ٢ : ١٧٥ / ٧٨٠ ، المحاسن : ٣٤٨ / ٢١.

١١٤

الباب التاسع :

فيما نذكره إذا كان سفره في سفينة أو عبوره فيها ، وما يفتح علينا من مهماتها ، وفيه فصول :

الفصل الأول : فيها نذكره عند نزوله في السفينة.

روينا أنه إذا ركب في سفينة فيكبر الله ـ جل جلاله ـ مائة تكبيرة ، ويصلي على محمد وآل محمدـ صلوات الله عليه وعليهم ـ مائة مرة ، ويلعن ظالمي آل محمد عليهم‌السلام مائة مرة ، ويقول : بسم الله وبالله ، والصلاة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى الصادقين ، اللهم أحسن مسيرنا ، وعظم أجورنا ، اللهم بك انتشرنا ، وإليك توجهنا ، وبك امنا ، وبحبلك (١) اعتصمنا ، وعليك توكلنا. اللهم أنت ثقتنا ورجاؤنا وناصرنا ، لا تحل بنا ما لا نحب ، اللهم بك نحل وبك نسير ، اللهم خل سبيلنا ، وأعظم عافيتنا ، أنت الخليفة في الأهل والمال ، وأنت الحامل في (٢) الماء وعلى الظهر ، وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم ، وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ، اللهم أنت خير من وفد إليه الرجال ، وشدت إليه الرحال ، فأنت سيدي أكرم مزور ، وأكرم مقصود ، وقد جعلت لكل زائر كرامة ، ولكل وافد تحفة ، فأسألك أن تجعل تحفتك إياي فكاك رقبتي من النار ، واشكرسعيي ، وارحم مسيري من أهلي ، بغير من مني عليك ، بل لك المنة علي ، إذ جعلت لي سبيلا إلى زيارة وليك ، وعرفتني فضله ، وحفظتني في ليلي ونهاري حتى بلغتني هذا المكان ، وقد رجوتك فلا تقطع رجائي ، وأملتك فلا تخيب أملي ، واجعل مسيري هذا كفارة لذنوبي ، يا أرحم الراحمين (٣).

أقول : وإن كان قصده بركوب السفينة غير الزيارة ، فيغير اللفظ بما يليق بسفره من العبارة.

__________________

(١) في «ش» : وبحلمك.

(٢) في «ش» : على.

(٣) البحار ٧٦ : ٢٥٥ / ٥٠

١١٥

الفصل الثاني : فيما نذكره من الانشاء ، عند ركوب السفينة والسفر في الماء.

يقول : اللهم إنك قلت : ( هو الّذي يسيّركم في البر والبحر ) (١) وحيث كنت ـ يا أرحم الراحمين ، وأكرم الأكرمين ـ المتولي لتسييرنا ، فكن اللهم المتولي لحسن تدبيرنا ، وكمال سرورنا ، ودفع محذورنا ، والرحمة لنا ، والعناية بنا في جميع أمورنا ، ومدنا في تسييرك في (٢) البحر ، في السر والجهر ، بالنصر وجبر الكسر وشد الأزر ، وصلاح الأمر ، والبر واليسر ، برحمتك يا أرحم الراحمين.

أقول : ورأيت في (أخبار الأخيارعند ركوب البحار) أن الريح عصفت بهم حتى أشرفوا على الهلاك ، وعجزوا عن الاستدراك ، فقالوا لواحد منهم يثقون بدينه ويعرفون قوة يقينه : ادع لنا بالسلامة ، فقال : أنا لا اعارض الله تعالى في ملكه وفلكه. فقالوا : إن لم تتداركنا بأدعيتك وشفاعتك ، وإلا ذهبت أدياننا وأبداننا. فنظر إلى البحر وقال : اللهم قد أريتنا قدرتك فأرنا عفوك. فسكن البحر.

فقال له بعض أصحابه : كيف وصلتم إلى هذا الحال من تعجيل إجابة السؤال؟ قال : إنا تركنا لله ـ جل جلاله ـ ما نريد نحن ، لأجل ما يريد هوـ جل جلاله ـ فصار إذا عرضت إليه حاجة ـ جل جلاله ـ ترك ما يريد هو لأجل ما نريد نحن.

أقول : وحدثني أبوالفخر بن قرة رحمه‌الله وكان رجلا صالحاً ، أنه ركب في بعض مراكب البحار ، فأشرف أهل المركب على الأخطار لقوة الرياح ، وكان معهم رجل معروف بالصلاح ، فاستغاثوا به ، فكتب في رقعة لطيفة شيئا ورماه في الجحر ، فسكن الهواء وزال الابتلاء ، فاجتهدنا أن يعرفنا ما كتب فامتنع من ذلك ، وخرجنا من المركب ، وتبعته من بلد إلى بلد ليعرفني ما كتب ، فلما الححت عليه قال : والله ما كتبت غيرسورة ( قل هو الله احد ).

أقول أنا : ولا ريب أنه كتبها بالاخلاص فكانت سبب الخلاص ، ولو كتب اسم الله الأعظم الأرحم الاكرم ، لكفى في النجاة والظفر بالعز والجاه.

__________________

(١) يونس ١٠ : ٢٢.

(٢) في «ش» زيا دة : البرو.

١١٦

الفصل الثالث : في النجاة في السفينة بآيات من القران ، نذكرها ليقتدي بها أهل الإيمان.

ورأيت في المجلد السابع من (معجم البلدان) للحموي ، في ترجمة محمد بن السائب الكلبي ، ما هذا لفظه : وحدث هشام عن أبيه محمد بن السائب قال : كنت يوماً بالحيرة ، فوثب الي رجل فقال : أنت الكلبي؟ قلت : نعم ، قال : مفسر القرآن؟ قلت : نعم ، قال : فأخبرني عن قول الله عز وجل ( واذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستورا ) (١) ما ذلك القران الذي كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا قرأه حجب عن عدوه من الجن والإنس؟

قال ، قلت : لا أدري ، قال : فتفسر القران وأنت لا تعلمه.

قلت : أخبرني ، قال : اية من الكهف ، وآية من الجاثية ، وآية في النحل. قلت : الآيات في هذه السور كثيرة ، فقال : قوله تعالى ( افرايت من آتخّذ الهه هواه واضلّه آلله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله افلا تذكّرون ) (٢) وقوله عزوجل : ( ومن اظلم ممن ذكر بآيات ربه فاعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم اكنة أن يفقهوه وفى آذانهم وقراً وان تدعهم الى الهدى فلن يهتدوا اذا أبدا ) (٣) وقوله تعالى : ( أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وابصارهم وأولئك هم الغافلون ) (٤).

ثم التفت فلم أره ، فكأنما ابتلعته الأرض ، فصرت إلى مجلس من مجالسي فتحدثت بهذا الحديث.

فلما كان بعد مدة صار إلي رجل ممن حضر مجلسي ، فقال لي : خرجت من الكوفة أريد بغداد وخرجت معي سفائن ست ، وكانت سفينتي السابعة ، فقرأت هذه

__________________

(١) الإسراء ١٧ : ٤٥.

(٢) الجاثية ٤٥ : ٢٣.

(٣) الكهف ٥٧ : ١٨.

(٤) النحل ١٦ : ١٠٨.

١١٧

الآيات في سفينتي فنجوت وقطع الست.

قال وضرب ألدهرضربانه (١) ، وأتاني رجل بعد سنين كثيرة فسلم علي وقال : أنا عتيقك ومولاك ، قال ، قلت : كيف يكون ذلك وأنت رجل من العرب؟ قال : غزوت الديلم فاسرت فكنت فيهم عشر سنين ، فذكرت الآيات فقرأتها ، فخرجت أرسف في قيودي ، ومررت على الموكلة بنا من السجانين وغيرهم ، فما عرض لي أحد منهم حتى صرت إلى بلاد الإسلام ، فأنا عتيقك ومولاك (٢).

الفصل الرابع : فيما نذكره مما يمكن أن يكون سبباً لما قدمناه ، من الصلاة على محمد واله ـ صلوات الله عليهم ـ عند ركوب السفينة للسلامة ، واللعن لأعدائهم من أهل الندامة.

رويت عن شيخي محمد بن النجار ، متقدم أهل الحديث بالمدرسة المستنصرية ، وكان محافظاً على مقتضى عقيدته ، فيما رواه لنا من الأخبار النبوية ، من كتابه الذي جعله تذييلا على (تاريخ الخطيب) فقال في ترجمة الحسن بن أحمد المحمدي ـ أبي محمد العلوي ـ ماهذا لفظه : حدث عن القاضي أبي محمد الحسن بن عبدالرحمن بن خلاد الرامهرمزي ، وأبي عبدالله الغالبي ، وبكر بن أحمد بن مخلد. روى عنه أبوعبدالله الحسين بن الحسن بن زيد الحسيني القصبي ، أنبأنا القاضي أبو الفتح محمد بن أحمد بن بختيار الواسطي قال : كتب إلي أبو جعفر محمد بن الحسن بن محمد الهمداني قال : أخبرنا السيد أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن زيد الحسيني القصبي ـ بقراءتي عليه بجرجان ـ قال : حدثنا الشريف أبو محمد الحسن بن أحمد العلوي المحمدي ـ ببغداد في شهر رمضان من سنة خمس وعشرين وأربعمائة ـ قال : حدثنا القاضي أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد ، وبكر بن أحمد بن مخلد ، وأبو عبدالله الغالبي قالوا : حدثنا محمد بن هارون المنصوري العباسي ، حدثنا أحمد بن شاكر ، حدثنا يحيى بن أكثم القاضي ، حدثنا المأمون ، عن عطية العوفي ، عن ثابت البناني ، عن أنس بن مالك ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : «لما أراد الله ـ عز وجل ـ أن يهلك قوم نوح عليه‌السلام أوحى الله

__________________

(١) ضرب الدهر ضربانه : مضى «القاموس المحيط ـ ضرب ـ ١ : ٩٥».

(٢) البحار ٧٦ : ٢٥٥.

١١٨

إليه ، أن شق ألواح الساج ، فلما شقها لم يدر ما يصنع بها ، فهبط جبرئيل عليه‌السلام فأراه هيئة السفينة ، ومعه تابوت فيه مائة الف مسمار وتسعة وعشرون ألف مسمار ، فسمر بالمسامير كلها السفينة إلى أن بقيت خمسة مسامير ، فضرب بيده إلى مسمار منها فأشرق في يده وأضاء ، كما يضيء الكوكب الدري في افق السماء ، فتحير من ذلك نوح ، فأنطق الله ذلك المسمار بلسان طلق ذلق فقال : على اسم خير الأنبياء محمد بن عبدالله ، فهبط عليه جبرئيل فقال له : يا جبرئيل ما هذا المسمارالذي ما رأيت مثله؟ قال : هذا باسم خير الأولين والاخرين محمد بن عبدالله ، أسمره في أولها على جانب السفينة اليمين. ثم ضرب بيده على مسمار ثان ، فأشرق وأنار ، فقال نوح : وما هذا المسمار؟ قال : مسمار آخيه وابن عمه علي بن أبي طالب فأسمره على جانب السفينة اليسار في أولها.

ثم ضرب بيده إلى مسمار ثالث ، فزهر وأشرق وأنار ، فقال : (هذا مسمار) (١) فاطمة ، فأسمره إلى جانب مسمار أبيها.

ثم ضرب بيده إلى مسمار رابع ، فزهر وأنار فقال : (هذا مسمار) (٢) الحسن ، فأسمره إلى جانب مسمار أبيه.

ثم ضرب بيده إلى مسمار خامس ، فأشرق وأنار وبكى ، فقال : يا جبرئيل ما هذه النداوة؟ فقال : هذا مسمار الحسين بن علي سيد الشهداء ، فأسمره إلى جانب مسمار أخيه.

ثم قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( وحملناه على ذات الواح ودسر ) (٣) قال النيي صلى‌الله‌عليه‌وآله : الألواح خشب السفينة ، ونحن الدسر ، لولانا ما سارت السفينة بأهلها» (٤).

يقول أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاووس ، مصنّف

__________________

(١) في «ش» : ما هذا المسمار ، فقال جبرئيل : هذا مسمار باسم.

(٢) في «ش» : ما هذا المسمار ، قال : هذا باسم.

(٣) القمر ٥٤ : ١٣.

(٤) البحار ٢٦ : ٣٣٢ / ١٤.

١١٩

هذا الكتاب : وإنّما ذكرت هذا الحديث ، لأنّه برواية محمد بن النجار ، الذي هو من أعيان أهل الحديث من الأربعة المذاهب وثقاتهم ، وممن لايتهم فيما يرويه من فضائل أهل البيت عليهم‌السلام وعلو مقاماتهم ، وما رأيته ولا رويته من طريق شيعتهم إلى الآن.

وإذا كان نجاة سفينة نوح بأهلها ، وهم أصل كل من بقى من ولد آدم ـ صلوات الله عليه ـ فلا عجب إذا صلى الإنسان عليهم عند ركوب كل سفينة ، شكرا لعلو مقاماتهم ، وما ظفرنا به من النجاة ببركاتهم ، وإن اختار كل من ركب في سفينة وخاف من أخطارها ومعاطبها ، أن يكتب على جوانبها ، في المواضع التي كانت أسماؤهم في سفينة نوح ـ سلام الله عليه ـ توسلاً وتوصلاً في الظفر بما انتهت في النجاة سفينة نوح إليه ، أو يكتبه في رقاع ويلصقها في جوانب سفينة ركوبه ، فلا يبعد من فضل الله ـ جل جلاله ـ أن يظفره بمطلوبه ، وإدراك محبوبه ، إن شاء الله تعالى.

الفصل الخامس : فيما نذكره من دعاء دعا به من سقط من مركب في البحار ، فنجاه الله تعالى من تلك الأخطار.

وجدت في كتاب (المستغيثين) بإسناده أن رجلاً كان في مركب فسقط في البحر ، فقال ثلاث مرات : يا حي لا إله إلا أنت. فسمع أهل المركب مناديا ينادي : لبيك لبيك ، نعم الرب ناديت. ثم اختطف من البحر.

فصل : وقد عرفت أن يونس بن متى عليه‌السلام لما قال في البحر ( لا اله الاّ انت سبحانك اني كنت من الظّالمين ) (١) نجاه الله برحمته إنه أرحم الراحمين ، فقل كما قال فإنه ـ جل جلاله ـ قال ( وكذلك ننجي المؤمنين ) (٣).

الفصل السادس : فيما نذكره من دعاء ذكر في تاريخ ، أن المسلمين دعوا به ، فجازوا على بحر وظفروا بالمحاربين.

وهو : يا أرحم الراحمين ، يا كريم يا حليم ، يا أحد يا صمد ، يا حي يا محيي الموتى ، يا حي يا قيوم ، لا إله إلا أنت ، يا ربنا.

__________________

(١) الأنبياء ٢١ : ٨٧.

(٢) الأنبياء ٢١ : ٨٨.

١٢٠