بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

ابن العباس ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعلي عليه‌السلام : ألا ابشرك يا علي؟ قال : بلى بأبي وامي يا رسول الله ، قال : أنا وأنت و فاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام خلقنا من طينة واحدة ، وفضلت منها فضلة فجعل منها شيعتنا ومحبينا ، فإذا كان يوم القيامة دعي الناس بأسمائهم وأسماء امهاتهم ماخلا نحن وشيعتنا ومحبينا فإنهم يدعون بأسمائهم وأسماء آبائهم.

٩ ـ بشا : محمد بن علي بن عبدالصمد ، عن أبيه ، عن جده ، عن محمد بن عبدالله الواعظ ، عن الحسن بن عبدالله بن شاذان ، عن محمد بن فرساد العباد ، عن الهيثم بن أحمد عن عباد بن صهيب ، عن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن زرين حبيش ، (١) عن علي عليه‌السلام قال : إذا كان يوم القيامة يدعى الناس بأسمائهم إلا شيعتي ومحبي فإنهم يدعون بأسماء آبائهم لطيب مواليدهم.

١٠ ـ فر : فرات بن إبراهيم الكوفي معنعنا ، عن الاصبغ بن نباتة ، عن علي ابن أبي طالب عليه‌السلام في قوله تعالى : « وهم من فزع يومئذ آمنون » قال : فقال : يا أصبغ ما سألني أحد عن هذه الآية ، ولقد سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عنها كما سألتني ، فقال لي : سألت جبرئيل عنها ، فقال : يا محمد إذا كان يوم القيامة حشرك الله أنت وأهل بيتك ومن يتولاك وشيعتك حتى يقفوا بين يدي الله ، فيستر الله عوراتهم ويؤمنهم من الفزع الاكبر بحبهم لك ولاهل بيتك ولعلي بن أبي طالب ، فقال : جبرئيل عليه‌السلام أخبرني فقال : يامحمد من اصطنع إلى أحد من أهل بيتك معروفا كافيته يوم القيامة ، ياعلي شيعتك والله آمنون يرجون فيشفعون ويشفعون ، ثم قرأ : فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتسائلون. « ص ١١٥ »

١١ ـ ن : جعفر بن نعيم الشاذاني ، عن أحمد بن إدريس ، عن إبراهيم بن هاشم عن إبراهيم بن محمد الهمداني قال : سمعت الرضا عليه‌السلام يقول : من أحب عاصيا فهو عاص ومن أحب مطيعا فهو مطيع ، ومن أعان ظالما فهو ظالم ، ومن خذل عادلا فهو خاذل ، إنه ليس بين الله وبين أحد قرابة ، ولا ينال أحد ولاية الله إلا بالطاعة ، ولقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لبني عبدالمطلب : ائتوني بأعمالكم لا بأنسابكم وأحسابكم ، قال الله

____________________

(١) بكسر الزاى وتشديد الراء وتصغير حبيش.

٢٤١

تعالى : فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتسائلون فمن ثقلت موازينه فاولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فاولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون.

١٢ ـ فر : بإسناده عن أبي هريرة ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال في هذه الآية : « يوم يفر المرء من أخيه وامه وأبيه وصاحبته وبنيه » : إلا من تولى بولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام فإنه لايفر من والاه ، ولا يعادي من أحبه ، ولا يحب من أبغضه ، ولا يود من عاداه ، الحديث. « ص ٢٠٣ »

( باب ١٠)

( الميزان (١) )

الايات ، الاعراف « ٧ » والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فاولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فاولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون ٨ ـ ٩.

____________________

(١) قال المحقق القاسانى رضي‌الله‌عنه في تفسيره الصافى : ان لكل معنى من المعانى حقيقة وروحا وله صورة وقالب ، وقد تتعدد الصور والقوالب بحقيقة واحدة ، وانما وضعت الالفاظ للحقائق والارواح ، ولوجودهما في القوالب تستعمل الالفاظ فيهما على الحقيقة لاتحاد ما بينهما مثلا لفظ القلم انما وضع لالة نقش الصور في الالواح من دون أن يعتبر فيها كونها من قصب أو حديد او غير ذلك ، بل ولا ان يكون جسما ، ولا كون النقش محسوسا او معقولا ، ولا كون اللوح من قرطاس او خشب ، بل مجرد كونه منقوشا فيه ، وهذا حقيقة اللوح وحده وروحه ، فان كان في الوجود شئ يتسطر بواسطته نقش العلوم في ألواح القلوب فأحق به أن يكون هو القلم ، فان الله تعالى قال : « علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم » بل هو القلم الحقيقى حيث وجد فيه روح القلم وحقيقته وحده من دون أن يكون معه ما هو خارج عنه ، وكذلك الميزان مثلا فانه موضوع لمعيار يعرف به المقادير ، وهذا معنى واحد هو حققيته وروحه ، وله قوالب مختلفة وصور شتى بعضها جسمانى وبعضها روحانى ، فما يوزن به الاجرام والاثقال مثل ذى الكفتين والقبان وما يجرى مجراهما ، وما يوزن به المواقيت والارتفاعات كالاسطرلاب ، وما يوزن به الدوائر والقسى *

٢٤٢

الكهف « ١٨ » اولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيمة وزنا ١٠٥.

الانبياء « ٢١ » ونضع الموازين القسط ليوم القيمة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ٤٧.

المؤمنين « ٢٣ » فمن ثقلت موازينه فاولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فاولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون ١٠٢ ـ ١٠٣.

القارعة « ١٠١ » فأما من ثقلت موازينه * فهو في عيشة راضية * وأما من خفت موازينه * فامه هاوية * وما أدراك ماهيه * نار حامية ١ ـ ٦.

تفسير : قال الطبرسي رحمه‌الله : في قوله تعالى : « والوزن يومئذ الحق » : ذكر فيه أقول : أحدها أن الوزن عبارة عن العدل في الآخرة وأنه لا ظلم فيها على أحد. وثانيها أن الله ينصب ميزانا له لسان وكفتان يوم القيامة فتوزن به أعمال العباد : الحسنات والسيئات عن ابن عباس والحسن ، وبه قال الجبائي ، واختلفوا في كيفية الوزن لان الاعمال أعراض لا تجوز عليها الاعادة ، ولا يكون لها وزن ، ولا تقوم بأنفسها ، فقيل : توزن صحائف الاعمال ، عن ابن عمر وجماعة ، وقيل : تظهر علامات

____________________

* كالفرجار ، وما يوزن به الاعمدة كالشاغول ، وما يوزن به الخطوط كالمسطر ، وما يوزن به الشعر كالعروض ، وما يوزن به الفلسفة كالمنطق ، وما يوزن به بعض المدركات كالحس والخيال ، وما يوزن به الكل كالعقل الكامل ، وبالجملة فميزان كل شئ هو المعيار الذى به يعرف قدر ذلك الشئ ، فميزان الناس يوم القيامة ما يوزن به قدر كل إنسان وقيمته على حسب عقيدته وخلقه وعمله لتجزى كل نفس بما كسبت ، وليس ذلك إلا الانبيا والاوصياء ، إذ بهم وباتباع شرائعهم واقتفاء آثارهم وترك ذلك وبالقرب من سيرتهم والبعد عنها يعرف مقدار الناس وقدر حسناتهم وسيئاتهم ، فميزان كل امة هو نبي تلك الامة ووصى نبيها والشريعة التى اتى بها ، فمن ثقلت حسناته وكثرت فاولئك هم الفلحون ، ومن خفت وقلت فاولئك الذين خسروا انفسهم بظلمهم عليها من جهة تكذيبهم للانبياء والاوصياء أو عدم اتباعهم ، ففى الكافى والمعانى عن الصادق أنه سئل عن قول الله عزوجل : « ونضع الموازين القسط ليوم القيمة » قال : هم الانبياء والاوصياء ، وفى رواية اخرى : نحن الموازين القسط.

٢٤٣

للحسنات وعلامات للسيئات في الكفتين فتراها الناس ، عن الجبائي ، وقيل : تظهر للحسنات صورة حسنة ، وللسيئات صورة سيئة ، عن ابن عباس ، وقيل : توزن نفس المؤمن والكافر ، عن عبيد بن عمير ، قال : يؤتى بالرجل العظيم الجثة فلا يزن جناح بعوضة. وثالثها : أن المراد بالوزن ظهور مقدار المؤمن في العظم ومقدار الكافر في الذلة كما قال سبحانه : « فلا نقيم لهم يوم القيمة وزنا » فمن أتى بالعمل الصالح الذي يثقل وزنه أي يعظم قدره فقد أفلح ، ومن أتى بالعمل السيئ الذي لا وزن له ولا قيمة فقد خسر فمن ثقلت موزاينه إنما جمع الموازين لانه يجوز أن يكون لكل نوع من أنواع الطاعات يوم القيامة ميزان ، ويجوز أن يكون كل ميزان صنفا من أصناف أعماله ، و يؤيد هذا ما جاء في الخبر ، إن الصلاة ميزان فمن وفى استوفى.

وقال الرازي في تفسيره : في وزن الافعال قولان : الاول في الخبر : أنه تعالى ينصب ميزانا له لسان وكفتان يوم القيامة يوزن به أعمال العباد خيرها وشرها ، قال ابن عباس : أما المؤمن فيؤتى بعمله في أحسن صورة فيوضع في كفة الميزان فتثقل حسناته على سيئاته ، فذلك قوله : « فمن ثقلت موازينه فاولئك هم المفلحون » الناجون قال : وهذا كما قال في سورة الانبياء : « ونضع الموازين القسط ليوم القيمة فلا تظلم نفس شيئا ».

وأما كيفية وزن الاعمال على هذا القول ففيه وجهان : الاول : أن أعمال المؤمن تتصور بصورة حسنة ، وأعمال الكافر تتصور بصورة قبيحة فتوزن تلك الصورة كما ذكره ابن عباس. والثاني أن الوزن يعود إلى الصحف التي تكون فيها أعمال العباد مكتوبة.

وسئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عما يوزن يوم القيامة فقال : الصحف ، وهذا القول مذهب المفسرين في هذه الآية ، وعن عبدالله بن سلام أن ميزان رب العالمين ينصب بين الجن والانس يستقبل به العرش ، إحدى كفتي الميزان على الجنة ، والاخرى على جهنم ، ولو وضعت السماوات والارض في إحديهما لوسعتهن ، وجبرئيل آخذ بعموده و ينظر إلى لسانه.

٢٤٤

وعن عبدالله بن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يؤتى برجل يوم القيامة إلى الميزان ويؤتى له تسعة وتسعون سجل ، كل سجل منها مد البصر ، فيها خطاياه و ذنوبه فتوضع في كفة الميزان ، ثم يخرج له قرطاس كالانملة فيها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فيوضع في الآخر فيرجح.

وعن الحسن : بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم واضع رأسه في حجر عائشة قد اغفي إذ سالت الدموع من عينها فقال : ما أصابك؟ ما أبكاك؟ قالت : ذكرت حشر الناس و هل يذكر أحد أحدا؟ فقال لها : يحشرون حفاة عراة ، وقرأ : « لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه » لا يذكر فيها أحدا عند الصحف وعند وزن الحسنات والسيئات.

وعن عبيد بن عمير : يؤتى بالرجل العظيم الاكول الشروب فلا يكون له وزن بعوضة.

والقول الثاني وهو قول مجاهد والضحاك والاعمش أن المراد من الميزان العدل والقضاء ، وكثير من المتأخرين ذهبوا إلى هذا القول ومالوا إليه. أما بيان أن حمل لفظ الوزن على هذا المعنى جائز في اللغة فلان العدل في الاخذ والاعطاء لا يظهر إلا بالكيل والوزن في الدنيا ، فلم يبعد جعل الوزن كناية عن العدل ، ومما يقوي ذلك أن الرجل إذا لم يكن له قدر ولا قيمة عند غيره يقال : إن فلان لا يقيم لفلان وزنا قال تعالى : « فلا نقيم لهم يوم القيمة وزنا » ويقال أيضا : فلان يستخف بفلان ، ويقال : هذا الكلام في وزن هذا وفي وزانه أي يعادله ويساويه ، مع أنه ليس هناك وزن في الحقيقة ، وقال الشاعر :

قد كنت قبل لقائكم ذا قوة

عندي لكل مخاصم ميزانه

أراد : عندي لكل مخاصم كلام يعادل كلامه ، فجعل الوزن مثلا للعدل ، إذا ثبت هذا وجب أن يكون المراد من الآية هذا المعنى فقط ، والدليل عليه أن الميزان إنما يراد ليتوصل به إلى معرفة مقدار الشئ ، ومقادير الثواب والعقاب لا يمكن إظهارها بالميزان ، لان أعمال العباد أعراض وهي قد فنيت وعدمت ، ووزن المعدوم محال ، وأيضا فبتقدير بقائها كان وزنها محالا ، وأما قوله : الموزون صحائف الاعمال أو صور مخلوقة على حسب مقادير الاعمال فنقول : إن المكلف يوم القيامة إما

٢٤٥

أن يكون مقرا بأن الله تعالى عادل حكيم ، أو لا يكون مقرا بذلك ، فإن كان مقرا بذلك فحينئذ كفاه حكم الله تعالى بمقادير الثواب والعقاب في علمه بأنه عدل و صواب ، وإن لم يكن مقرا بذلك لم يعرف من رجحان كفة الحسنات على كفة السيئات أو بالعكس حصول الرجحان ، لاحتمال أنه تعالى أظهر ذلك الرجحان لا على سبيل العدل والانصاف ، فثبت أن هذا الوزن لا فائدة فيه البتة.

وأجاب الاولون وقالوا : إن جميع المكلفين يعلمون يوم القيامة أنه تعالى منزه عن الظلم والجور ، والفائدة في وضع ذلك الميزان أن يظهر ذلك الرجحان لاهل القيامة ، فإن كان ظهور الرجحان في طرف الحسنات ازداد فرحه وسروره بسبب ظهور فضله وكمال درجته لاهل القيامة ، وإن كان بالضد فيزداد غمه وحزنه وحرقته وفضيحته في يوم القيامة.

ثم اختلفوا في كيفيتة ذلك الرجحان فبعضهم قال : يظهر هناك نور في رجحان الحسنات وظلمة في رجحان السيئات ، وآخرون قالوا : بل يظهر رجحان في الكفة. ثم الاظهر إثبات موازين في يوم القيامة لا ميزان واحد ، والدليل عليه قوله تعالى : « ونضع الموازين القسط ليوم القيمة ».

وقال في هذه الآية : « فمن ثقلت موازينه » : وعلى هذا فلا يبعد أن يكون لافعال القلوب ميزان ، ولافعال الجوارح ميزان ، ولما يتعلق بالقول ميزان آخر.

قال الزجاج : إنما جمع الله الموازين ههنا لوجهين : الاول أن العرب قد يوقع لفظ الجمع على الواحد فيقولون : خرج فلان إلى مكة بالبغال ، والثاني أن المراد بالموازين ههنا جمع موزون ، والمراد الاعمال الموزونة ، ولقائل أن يقول : هذان الوجهان يوجبان العدول عن ظاهر اللفظ ، وذلك إنما يصار إليه عند تعذر حمل الكلام على ظاهره ، ولا مانع ههنا منه فوجب إجراء اللفظ على حقيقته ، فكما لم يمتنع إثبات ميزان له لسان وكفتان فكذلك لا يمتنع إثبات موازين بهذه الصفة ، فما الموجب لتركه والمصير إلى التاويل؟.

وقال في قوله عزوجل : « فلا نقيم لهم يوم القيمة وزنا » : فيه وجوه : الاول

٢٤٦

إنا نزدري بهم وليس لهم عندنا وزن ومقدار. الثاني : لا نقيم لهم ميزانا لان الميزان إنما يوضع لاهل الحسنات والسيئات من الموحدين ليميز مقدار الطاعات ومقدار السيئات. الثالث قال القاضي : إن من غلب معاصيه صار ما فعله من الطاعة كأن لم يكن ، فلا يدخل في الوزن شئ من طاعته ، وهذا التفسير بناءا على قوله : بالاحباط والتفكير. وقال في قوله سبحانه : « ونضع الموازين القسط » : وصفها الله بذلك لان الميزان قد يكون مستقيما ، وقد يكون بخلافه ، فبين أن تلك الموازين تجري على حد العدل والقسط ، وأكد بقوله : « فلا تظلم نفس شيئا » قال الفراء : القسط من صفة الموازين كقولك للقوم : أنتم عدل ، وقال الزجاج : ونضع الموازين ذوات القسط ، وقوله : « ليوم القيمة » قال الفراء : في يوم القيامة ، وقيل : لاهل يوم القيامة ، ثم قال : قال أئمة السلف ، إنه سبحانه يضع الموازين الحقيقية ويزن بها الاعمال ، عن الحسن : وهو ميزان لها كفتان ولسان وهو بيد جبرئيل عليه‌السلام.

وروي أن داود عليه‌السلام سأل ربه أن يريه الميزان ، فلما رأى غشي عليه ثم أفاق فقال : يا إلهي من الذي يقدر أن يزن بملء كفته حسنات؟ فقال : يا داود إني إذا رضيت عن عبد ملاتها بتمرة.

ثم قال : على هذا القول في كيفية وزن الاعمال طريقان : أحدهما أن توزن صحائف الاعمال : والثاني أن يجعل في كفة الحسنات جواهر بيض مشرقة ، وفي كفة السيئات جواهر سود مظلمة ، ثم قال : والدليل على وجود الموازين الحقيقية أن العدول عن الحقيقة إلى المجاز من غير ضرورة غير جائز ، لا سيما وقد جاءت الاحاديث الكثيرة بالاسانيد الصحيحة ، وإنما جمع الموازين لكثرة من يوزن أعمالهم وهذا تفخيم ويجوز أن يرجع إلى الوزنات ، وأما قوله تعالى : « وإن كان مثقال حبة » فالمعنى أنه لا ننقص من إحسان محسن ، ولا نزداد في إساءة مسئ.

وقال الطبرسي رحمه‌الله في قوله عزوجل : « فأما من ثقلت موازينه » أي رجحت حسناته وكثرت خيراته « فهو في عيشة راضية » أي معيشة ذات رضى يرضاها صاحبها « وأما من خفت موازينه » أي خفت حسناته وقلت طاعاته « فامه هاوية » أي فمأواه

٢٤٧

جهنم ومسكنه النار ، وإنما سماها امه لانه يأوي اليها كما يأوي الولد إلى امه ، وقيل : إنما قال : فامه لان العاصي يهوي على ام رأسه في النار « وما أدريك ماهيه » هذا تفخيم وتعظيم لامرها ، والهاء للوقف ، ثم فسرها فقال : « نار حامية » أي هي نار حارة شديدة الحرارة.

١ ـ م : عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إن الله يبعث يوم القيامة أقواما يمتلئ من جهة السيئات موازينهم فيقال لهم : هذه السيئات فأين الحسنات؟ وإلا فقد عصيتم! فيقولون : يا ربنا ما نعرف لنا حسنات ، فإذا النداء من قبل الله عزوجل : لئن لم تعرفوا لانفسكم عبادي حسنات فإني أعرفها لكم واوفرها عليكم ، ثم يأتي بصحيفة صغيرة يطرحها في كفة حسناتهم فترجح بسيئاتهم بأكثر مما بين السماء والارض : فيقال لاحدهم : خذ بيد أبيك وامك وإخوانك وأخواتك وخاصتك وقراباتك وأخدامك ومعارفك فأدخلهم الجنة ، فيقول أهل المحشر : يا رب أما الذنوب فقد عرفناها ، فماذا كانت حسناتهم؟ فيقول الله عزوجل : يا عبادي مشى أحدهم ببقية دين لاخيه إلى أخيه فقال : خذها فإني احبك بحبك علي بن أبي طالب ، فقال له الآخر : قد تركتها لك بحبك عليا ولك من مالي ما شئت ، فشكر الله تعالى ذلك لهما فحط به خطاياهما وجعل ذلك في حشو صحيفتهما وموازينهما ، وأوجب لهما ولوالديهما الجنة. ثم قال : يا بريدة يدخل النار ببغض علي أكثر من حصى الخذف(١) الذي يرمى عند الجمرات ، فإياك أن تكون منهم.

٢ ـ أقول : روي الصدوق في كتاب فضائل الشيعة بإسناده عن أبي جعفر الباقر ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : حبي وحب أهل بيتي نافع في سبعة مواطن أهوالهن عظيمة : عند الوفاة ، وفي القبر ، وعند النشور ، وعند الكتاب ، وعند الحساب ، وعند الميزان ، وعند الصراط.

٣ ـ ج : روى هشام بن الحكم أنه سأل الزنديق أبا عبدالله عليه‌السلام فقال : أو ليس توزن الاعمال؟ قال : لا أن الاعمال ليست بأجسام ، وإنما هي صفة ما عملوا ، و إنما يحتاج إلى وزن الشئ من جهل عدد الاشياء ولا يعرف ثقلها وخفتها ، وإن الله

____________________

(١) الخذف بالحصى هو الرمى بها. وحصى الخذف هو الحصى الذي يرمى به.

٢٤٨

لا يخفى عليه شئ ، قال : فما معنى الميزان؟ قال : العدل ، قال : فما معناه في كتابه : « فمن ثقت موازينه »؟ قال : فمن رجح عمله ، (١) الخبر. « ص ١٩٢ »

٤ ـ فس : « ونضع الموازين القسط ليوم القيمة » قال : المجازاة « وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها » أي جازينا بها وهي ممدودة « آتينا بها ». « ص ٤٢٩ »

بيان : قال البيضاوي : أتينا بها أي أحضرناها ، وقرئ « آتينا بها » بمعنى جازينا بها من الايتاء ، فإنه قريب من أعطينا ، أو من المواتاة فإنهم آتوه بالاعمال ، وآتاهم بالجزاء.

وقال الطبرسي رحمه‌الله : وقرأ « آتينا بها » بالمد ابن عباس وجعفر بن محمد ومجاهد وسعيد بن جبير والعلاء بن سيابة ، والباقون « أتينا » بالقصر. وروي عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : معناه : جازينا بها.

٥ ـ ن : فيما كتب الرضا عليه‌السلام للمأمون : وتؤمن بعذاب القبر ومنكر ونكير والبعث بعد الموت والميزان والصراط ، الخبر. « ص ٢٦٨ »

٦ ـ مع : القطان ، عن عبدالرحمن بن محمد الحسني ، عن أحمد بن عيسى العجلي عن محمد بن أحمد بن عبدالله العرزمي ، (٢) عن علي بن حاتم المنقري ، عن هشام بن سالم قال : سألت أباعبدالله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : « ونضع الموازين القسط ليوم القيمة فلا تظلم نفس شيئا » قال : هم الانبياء والاوصياء عليهم‌السلام. « ص ١٣ » كا : العدة ، عن أحمد بن محمد ، عن أبراهيم الهمداني رفعه إلى أبي عبدالله عليه‌السلام مثله.

٧ ـ كا : الحسين بن محمد ، عن المعلى ، عن الوشاء ، عن عبدالله بن سنان ، عن رجل من أهل المدينة ، عن علي بن الحسين عليهما‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما يوضع في ميزان امرئ يوم القيامة أفضل من حسن الخلق « ص ٩٩ »

____________________

(١) هى من الروايات التى تعطى اصولا كلية في فهم ما ورد عنهم من التفاصيل في أبواب مختلفة من المبدء والمعاد.

(٢) بالعين المفتوحة ، ثم الراء المهملة الساكنة ، ثم الزاى المعجمة المفتوحة نسبة إلى جبانة عرزم بالكوفة ، أو إلى عرزم علم رجل من قبيلة فزارة.

٢٤٩

٨ ـ كا : محمد بن يحيى ، عن ابن عيسى ، وعلي ، عن أبيه جميعا ، عن ابن محبوب عن عبدالله بن غالب الاسدي ، عن أبيه ، عن سعيد بن المسيب ، عن علي بن الحسين عليهما‌السلام فيما كان يعظ به قال : ثم رجع القول من الله في الكتاب على أهل المعاصي والذنوب فقال عزوجل : « ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين » فإن قلتم أيها الناس : إن الله عزوجل إنما عنى بهذا أهل الشرك فكيف ذلك وهو يقول : « ونضع الموازين القسط ليوم القيمة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين »؟ اعملوا عباد الله أن أهل الشرك لا تنصب لهم الموازين ولا تنشر لهم الدواوين ، وإنما يحشرون إلى جهنم زمرا ، وإنما نصب الموازين ونشر الدواوين لاهل الاسلام ، الخبر.

٩ ـ يد : بإسناده عن أبي معمر السعداني ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في حديث من سأل عن الآيات التي زعم أنها متناقضة قال عليه‌السلام : وأما قوله تبارك وتعالى : « ونضع الموازين القسط ليوم القيمة فلا تظلم نفس شيئا » فهو ميزان العدل يؤخذ به الخلائق يوم القيامة ، يدين الله تبارك وتعالى الخلق بعضهم من بعض بالموازين ، وفي غير هذا الحديث : الموازين هم الانبياء والاوصياء عليهم‌السلام ، وقوله عزوجل : « فلا نقيم لهم يوم القيمة وزنا » فإن ذلك خاصة ، وأما قوله : « فاولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب » فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : قال الله عزوجل : لقد حقت كرامتي ، ـ أو قال : مودتي ـ لمن يراقبني ، ويتحاب بحلالي ، إن وجوههم يوم القيامة من نور ، على منابر من نور ، عليهم ثياب خضر ، قيل : من هم يا رسول الله؟ قال : قوم ليسوا بأنبياء ولا شهداء ، ولكنهم تحابوا بحلال الله ، ويدخلون الجنة بغير حساب ، نسأل الله أن يجعلنا منهم برحمته ، وأما قوله : « فمن ثقلت موازينه ، وخفت موازينه » فإنما يعني الحساب توزن الحسنات والسيئات ، فالحسنات ثقل الميزان ، والسيئات خفة الميزان.(١) « ص ٢٧٥ »

____________________

(١) الرواية غريبة في بابها ، وهذه الجملة ربما استلزمت معانى اخرى تظهر لمن تدبر ، غير أنها من الاحاد الغريبة.

٢٥٠

٩ ـ عد : اعتقادنا في الحساب والميزان أنهما حق ، (١) منه ما يتولاه الله عزوجل ، ومنه ما يتولاه حججه ، فحساب الانبياء والائمة صلوات الله عليهم يتولاه الله عزوجل ، ويتولى كل نبي حساب أوصيائه ، ويتولى الاوصياء حساب الامم ، والله تبارك وتعالى هو الشهيد على الانبياء والرسل ، وهم الشهداء على الاوصياء ، والائمة شهداء على الناس ، وذلك قول الله عزوجل : « ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس » وقوله عزوجل : « فكيف إذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا » وقال عزوجل : « أفمن كان على بينه من ربه ويتلوه شاهد منه » والشاهد أميرالمؤمنين عليه‌السلام وقوله تعالى : « إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم ».

وسئل الصادق عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : « ونضع الموازين القسط ليوم القيمة فلا تظلم نفس شيئا » قال : الموازين الانبياء والاوصياء. ومن الخلق من يدخل الجنة بغير حساب ، فأما السؤال فهو واقع على جميع الخلق لقول الله تعالى : « فلنسئلن الذين ارسل إليهم ولنسئلن المرسلين » يعني عن الدين وأما غير الدين فلا يسأل إلا من يحاسب ، قال الله عزوجل : « فيومئذ لا يسئل عن ذنبه إنس ولا جان » يعني من شيعة النبي والائمة عليهم‌السلام دون غيرهم كما ورد في التفسير ، وكل محاسب معذب ولو بطول الوقوف ، ولاينجو من النار ولا يدخل الجنة أحد(٢) إلا برحمة الله تعالى والله يخاطب عباده من الاولين والآخرين بحساب عملهم(٣) مخاطبة واحدة يسمع منها كل واحد قضيته دون غيرها ، ويظن أنه مخاطب دون غيره ، لا يشغله عزوجل مخاطبة عن مخاطبة ، ويفرغ من حساب الاولين والآخرين في مقدار ساعة (٤) من ساعات الدنيا ، ويخرج الله عزوجل لكل إنسان كتابا يلقاه منشورا ، ينطق عليه بجميع أعماله ، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، فيجعله الله حاسب نفسه والحاكم عليها بأن يقال له : اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ، ويختم الله تبارك وتعالى على قوم أفواههم وتشهد أيديهم وأرجلهم وجميع جوارحهم بما

____________________

(١) في المصدر : اعتقادنا في الحساب انه حق. م

(٢) في المصدر : ولايدخل الجنة احد بعمله الا اه. م

(٣) في المصدر : بمجمل حساب عملهم اه.

(٤) في المصدر : مقدار نصف ساعة اه. م

٢٥١

كانوا يكتمون « يكسبون ظ » وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون ، وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظنتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون. « ص ٨٨ – ٨٩ »

أقول : قال الشيخ المفيد رحمه‌الله : الحساب هو المقابلة بين الاعمال والجزاء عليها ، والمواقفة للعبد على ما فرط منه ، والتوبيخ على سيئاته ، والحمد على حسناته ، ومعاملته في ذلك باستحقاقه ، وليس هو كما ذهبت العامة إليه من مقابلة الحسنات بالسيئات ، والموازنة بينهما على حسب استحقاق الثواب والعقاب عليهما ، إذ كان التحابط بين الاعمال غير صحيح ، ومذهب المعتزلة فيه باطل غير ثابت ، وما يعتمد الحشوية في معناه غير معقول ، والموازين هي التعديل بين الاعمال والجزاء عليها ، ووضع كل جزاء في موضعه ، وإيصال كل ذي حق إلى حقه ، فليس الامر في معنى ذلك على ما ذهب إليه أهل الحشو من أن في القيامة موازين كموازين الدنيا لكل ميزان كفتان توضع الاعمال فيها ، إذ الاعمال أعراض ، والاعراض لا يصح وزنها ، وإنما توصف بالثقل والخفة على وجه المجاز ، والمراد بذلك أن ما ثقل منها هو ماكثر واستحق عليه عظيم الثواب ، وما خف منها ما قل قدره ولم يستحق عليه جزيل الثواب ، والخبر الوراد أن أمير المؤمنين والائمة من ذريته عليهم‌السلام هم الموازين فالمراد أنهم المعدلون بين الاعمال فيما يستحق عليها ، و الحاكمون فيها بالواجب والعدل ، ويقال : فلان عندي في ميزان فلان ، ويراد به نظيره ، ويقال : كلام فلان عندي أوزن من كلام فلان ، والمراد به أن كلامه أعظم وأفضل قدرا ، والذي ذكره الله تعالى في الحساب والخوف منه إنما هو المواقفة على الاعمال ، لان من وقف على أعماله لم يتخلص من تبعاتها ، ومن عفى الله تعالى عنه في ذلك فاز بالنجاة ، ومن ثقلت موازينه بكثرة استحقاقه الثواب فاولئك هم المفلحون ، ومن خفت موازينه بقلة أعمال الطاعات فاولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون ، والقرآن إنما انزل بلغة العرب وحقيقة كلامها ومجازه ، ولم ينزل على ألفاظ العامة وما سبق إلى قلوبها من الاباطيل ، انتهى كلامه قدس‌سره.

أقول : قد سبق الكلام منا في الاحباط ، وأما إنكار الميزان بهذه الوجوه فليس

٢٥٢

بمرضي لما عرفت من وجوه التوجيه فيه ، نعم قد سبق بعض الاخبار الدالة على أن ليس المراد الميزان الحقيقي ، فبتلك العلة يمكن القول بذلك ، وإن أمكن تأويل بعض الاخبار بأن الانبياء والاوصياء عليهم‌السلام هم الحاضرون عند الميزان الحاكمون عليها ، لكن بعض الاخبار لا يمكن تأويلها إلا بتكلف تام ، فنحن نؤمن بالميزان ، ونرد علمه إلى حملة القرآن ، ولا نتكلف علم ما لم يوضح لنا بصريح البيان. والله الموفق وعليه التكلان.

( باب ١١ )

( محاسبة العباد وحكمه تعالى في مظالمهم وما يسألهم عنه )

( وفيه حشر الوحوش )

الايات ، البقرة « ٢ » اولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب ٢٠٢ « و قال سبحانه » : واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ٢٨١ « وقال تعالى » : وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شئ قدير ٢٨٤.

آل عمران « ٣ » ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب ١٩.

الانعام « ٦ » وما من دابة في الارض ولا طائر يطير بجناحيه إلا امم أمثالكم ما فرظنا في الكتاب من شئ ثم إلى ربهم يحشرون ٣٨ « وقال عزوجل » : وهو أسرع الحاسبين ٦٢.

الرعد « ١٣ » : اولئك لهم سوء السحاب ١٨ « وقال تعالى » : ويخافون سوء الحساب ٢١.

الانبياء « ٢١ » اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ٢.

النور « ٢٤ » والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمئان ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفيه حسابه والله سريع الحساب ٣٩.

التنزيل « ٣٢ » إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ٢٥.

الطلاق « ٦٥ » وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا

٢٥٣

شديدا وعذبناها عذابا نكرا * فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا * أعد الله لهم عذابا شديدا ٨ ـ ١٠.

كورت « ٨١ » وإذا الوحوش حشرت ٥.

الانشقاق « ٨٤ » فأما من اوتي كتابه بيمينه * فسوف يحاسب حسابا يسيرا ٧ ـ ٨.

الغاشية « ٨٨ » إن إلينا إيابهم * ثم إن علينا حسابهم ٢٥ – ٢٦.

التكاثر « ١٠٢ » ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم ٨.

تفسير : قال الطبرسي رحمه‌الله : « اولئك لهم نصيب مما كسبوا » أي حظ من كسبهم باستحقاقهم الثواب عليه « والله سريع الحساب » ذكر فيه وجوه :

أحدها : أن معناه : سريع المجازاة للعباد على أعمالهم أن وقت الجزاء قريب ، يجري مجرى قوله سبحانه : « وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب » وعبر عن الجزاء بالحساب لان الجزاء كفاء العمل وبمقداره فهو حساب له ، يقال : أحسبني الشئ : كفاني.

وثانيها : أن يكون المراد به أنه يحاسب أهل الموقف في أوقات يسيرة ، لا يشغله حساب أحد عن حساب غيره ، كما لا يشغله شأن عن شأن ، وورد في الخبر أن الله سبحانه يحاسب الخلائق كلهم في مقدار لمح البصر ، وروي بقدر حلب شاة. وروي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال : معناه أنه يحاسب الخلق دفعة كما يرزقهم دفعة.

وثالثها : أن معناه أنه سبحانه سريع القبول لدعاء هؤلاء والاجابة لهم من غير احتباس فيه وبحث عن المقدار الذي يستحقه كل داع ، ويقرب منه ما روي عن ابن عباس أنه قال : يريد أنه لا حساب على هؤلاء ، إنما يعطون كتبهم بأيمانهم فيقال لهم : هذه سيئاتكم قد تجاوزت بها عنكم ، وهذه حسناتكم قد ضاعفتها لكم. وفي قوله تعالى : « وإن تبدوا » أي تظهروا ما في أنفسكم وتعلنوه من الطاعة والمعصية « أو تخفوه » أي تكتموه « يحاسبكم به الله » أي يعلم الله ذلك فيجازيكم عليه ، وقيل : معناه : إن تظهروا الشهادة أو تكتموها فإن الله يعلم ذلك ويجازيكم به ، عن ابن عباس وجماعة ، وقيل : إنها عامة في الاحكام التي تقدم ذكرها في السورة ، خوفهم

٢٥٤

الله تعالى من العمل بخلافها ، وقال قوم : إن هذه الآية منسوخة بقوله : « لا يكلف الله نفسا إلا وسعها » ورووا في ذلك خبرا ضعيفا ، وهذا لا يصح لان تكليف ما ليس في الوسع غير جائز فكيف ينسخ؟ وإنما المراد بالآية ما يتناوله الامر والنهي من الاعتقادات والارادات وغير ذلك مما هو مستور عنا ، وأما مالايدخل في التكليف من الوساوس والهواجس مما لا يمكن التحفظ عنه من الخواطر فهو خارج عنه لدلالة العقل ، ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : وتجوز لهذه الامة عن نسيانها وما حدثت به أنفسها ، فعلى هذا يجوز أن تكون الآية الثانية بينت الاولى وأزالت توهم من صرف ذلك إلى غير وجهه وظن أن ما يخطر بالبال وتتحدث به النفس مما لا يتعلق به التكليف فإن الله يؤاخذه به ، والامر بخلاف ذلك ، وقوله : « فيغفر لمن يشاء » منهم رحمة وتفضلا « ويعذب من يشاء » منهم ممن استحق العقاب عدلا (١) « والله على كل شئ قدير » من المغفرة و الغذاب عن ابن عباس ولفظ الآية عام في جميع الاشياء ، والقول فيما يخطر بالبال من المعاصي أن الله سبحانه لا يؤاخذ به وإنما يؤاخذ بما يعزم الانسان ويعقد قلبه عليه مع إمكان التحفظ عنه ، فيصير من أفعال القلب فيجازيه كما يجازيه على أفعال الجوارح ، وإنما يجازيه جزاء العزم لا جزاء عين تلك المعصية ، (٢) لانه لم يباشرها ، وهذا بخلاف العزم على الطاعة فإنه يجازي على عزمه ذلك جزاء تلك الطاعة ، كما جاء في الاخبار : إن المنتظر للصلاة في الصلاة ما دام ينتظرها ، وهذا من لطائف نعم الله على عباده.

وفي قوله عزوجل : « وما من دابة في الارض » أي ما من حيوان يمشي على وجه الارض « ولا طائر يطير بجناحيه » جمع بهذين اللفظين جميع الحيوانات ، وإنما قال : يطير بجناحيه للتأكيد ورفع اللبس لان القائل قد يقول : طر في حاجتي أي اسرع فيها ، « إلا امم » أي أصناف مصنفة تعرف بأسمائها يشتمل كل صنف على العدد الكثير « أمثالكم » قيل : إنه يريد : أشباهكم في إبداع الله إياها وخلقه لها ودلالتها على أن لها صانعا ، وقيل : إنما مثلت الامم من غير الناس بالناس في الحاجة إلى مدبر يدبرهم في أغذيتهم

____________________

(١) في التفسير المطبوع : ممن يستحق العقاب عقلا.

(٢) فيه نظر وتأمل وقد فصل الكلام في ذلك في محله.

٢٥٥

وأكلهم ولباسهم ونومهم ويقظتهم وهدايتهم إلى مراشدهم إلى مالا يحصى كثرة من أحوالهم ومصالحهم ، وأنهم يموتون ويحشرون ، وبين بهذا أنه لا يجوز للعباد أن يتعدوا في ظلم شئ منها ، فإن الله خالقها والمنتصف لها « ما فرطنا في الكتاب من شئ » أي ما تركنا ، وقيل : ما قصرنا ، والكتاب ، القرآن لان فيه جميع ما يحتاج إليه من امور الدين والدنيا إما مجملا وإما مفصلا ، والمجمل قد بينه على لسان نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمر باتباعه في قوله : « ما آتيكم الرسول فخذوه » الآية ، وقيل : المراد به اللوح ، وقيل : المراد به الاجل أي ما تركنا شيئا إلا وقد أوجبنا له أجلا ثم يحشرون جميعا « ثم إلى ربهم يحشرون » أي يحشرون إلى الله بعد موتهم يوم القيامة كما يحشر العباد ، فيعوض الله تعالى ما يستحق العوض منها وينتصف لبعضها من بعض ، وفيما رووه عن أبي هريرة أنه قال : يحشر الله الخلق يوم القيامة البهائم والدواب والطير وكل شئ فيبلغ من عدل الله يومئذ أن يأخذ للجماء من القرناء ، ثم يقول : كوني ترابا ، فلذلك يقول الكافر : يا ليتني كنت ترابا.

وعن أبي ذر قال : بينا أنا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ انتطحت عنزان فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أتدرون فيما انتطحا؟ فقالوا : لا ندري ، قال : لكن الله يدري و سيقضي بينهما ، وعلى هذا فإنما جعلت أمثالنا في الحشر والقصاص ، ويؤيده قوله تعالى : « وإذا الوحوش حشرت » واستدلت جماعة من أهل التناسخ بهذه الآية على أن البهائم والطيور مكلفة لقوله : « امم أمثالكم » وهذا باطل لانا قد بينا أنها من أي جهة تكون أمثالنا ، ولو وجب حمل ذلك على العموم لوجب أن تكون أمثالنا في كونها على مثل صورنا وهيئاتنا وخلقنا وأخلاقنا ، فكيف يصح تكليف البهائم وهي غير عاقلة؟ و التكليف لا يصح إلا مع كمال العقل.

أقول : قد أورد الرازي في ذلك فصلا مشبعا لا يهم إيراده ، وقد مر تفسير سوء الحساب في باب أحوال المجرمين وسيأتي في الاخبار ، وقال الطبرسي رحمه‌الله في قوله عزوجل : « اقترب للناس حسابهم » : اقترب افتعل من القرب ، والمعنى : اقترب للناس وقت حسابهم ـ يعني القيامة ـ أي وقت محاسبة الله إياهم ومساءلتهم عن نعمه هل قابلوها

٢٥٦

بالشكر؟ وعن أوامره هل امتثلوها؟ وعن نواهيه هل اجتنبوها؟ وإنما وصف بالقرب لان كل ما هو آت قريب « وهم في غفلة » من دنوها وكونها « معرضون » عن التفكر فيها والتأهب لها ، وقيل : عن الايمان بها.

وقال البيضاوي في قوله تعالى : « أعمالهم كسراب بقيعة » : أي أعمالهم التي يحسبونها صالحة نافعة عند الله يجدونها لاغية مخيبة في العاقبة كسراب ، وهو ما يرى في الفلاة من لمعان الشمس عليها وقت الظهيرة فيظن أنه ماء يسرب أي يجري ، والقيعة بمعنى القاع وهو الارض المستوية ، وقيل : جمعه كجار وجيرة « يحسبه الظمئان ماء » أي العطشان ، وتخصيصه لتشبيه الكافر به في شدة الخيبة عند مسيس الحاجة « حتى إذا جاءه » جاء ما توهمه ماءا ، أو جاء موضعه « لم يجده شيئا » مما ظنه « ووجد الله عنده » عقابه أو زبانيته أو وجده محاسبا إياه « فوفيه حسابه » استعواضا أو مجازاة « والله سريع الحساب » لا يشغله حساب عن حساب.

وفي قوله تعالى : « وكأين من قرية » : أهل قرية « عتت من أمر ربها ورسله » أعرضت عنه إعراض العاتي المعاند « فحاسبناها حسابا شديدا » بالاستقصاء والمناقشة ، « وعذبناها عذابا نكرا » منكرا ، والمراد حساب الآخرة وعذابها ، والتعبير بلفظ الماضي للتحقيق « فذاقت وبال أمرها » عقوبة كفرها ومعاصيها « وكان عاقبة أمرها خسرا » لا ربح فيه أصلا. وفي قوله تعالى : « إن إلينا إيابهم » : أي رجوعهم.

وقال الطبرسي في قوله تعالى : « ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم » : قال مقاتل : يعني كفار مكة كانوا في الدنيا في الخير والنعمة فيسألون يوم القيامة عن شكر ما كانوافيه إذا لم يشكروا رب النعيم حيث عبدوا غيره وأشركوا به ، ثم يعذبون على ترك الشكر وهذا قول الحسن قال : لا يسأل عن النعيم إلا أهل النار ، وقال الاكثرون : إن المعنى : ثم لتسألن يا معاشر المكلفين عن النعيم ، قال قتادة : إن الله سائل كل ذي نعمة عما أنعم عليه ، وقيل : عن النعيم في المأكل والمشرب وغيرهما من الملاذ ، عن سعيد بن جبير ، وقيل : النعيم : الصحة والفراغ ، عن عكرمة ، وقيل : هو الامن والصحة ، عن ابن مسعود ومجاهد ، وروي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما‌السلام ، وقيل : يسأل عن كل نعيم

٢٥٧

إلا ما خصه الحديث ، وهو قوله عليه‌السلام : ثلاثة لا يسأل عنها العبد : خرقة يواري بها عورته ، أو كسرة يسد بها جوعته ، أو بيت يكنه من الحر والبرد.

وروي أن بعض الصحابة أضاف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مع جماعة من أصحابه فوجدوا عنده تمرا وماءا باردا فأكلوا فلما خرجوا قال : هذا من النعيم الذي تسألون عنه. وروى العياشي بإسناده في حديث طويل قال : سأل أبوحنيفة أباعبدالله عليه‌السلام عن هذه الآية ، فقال له : ما النعيم عندك يا نعمان؟ قال : القوت من الطعام والماء البارد فقال : لئن أوقفك الله بين يديه يوم القيامة حتى يسألك عن كل أكلة أكلتها أو شربة شربتها ليطولن وقوفك بين يديه ، قال : فما النعيم جعلت فداك؟ قال : نحن أهل البيت النعيم الذي أنعم الله بنا على العباد ، وبنا ائتلفوا بعد ما كانوا مختلفين ، وبنا ألف الله بين قلوبهم فجعلهم إخوانا بعد أن كانوا أعداءا ، وبنا هداهم الله للاسلام ، وهو النعمة التي لا تنقطع ، والله سائلهم عن حق النعيم الذي أنعم به عليهم وهو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله و عترته عليهم‌السلام.

١ ـ ل ، لى : محمد بن أحمد الاسدي البردعي (١) عن رقية بنت إسحاق بن موسى بن جعفر ، عن أبيها ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه؟ وشبابه فيما أبلاه؟ وعن ماله من أين كسبه وفيما أنفقه؟ وعن حبنا أهل البيت. « ل ج ١ ص ١٢٠ – ١٢١ »

بيان : العمر لا يستلزم القوة والشباب ، وكل منهما نعمة يسأل عن كل منهما ، ومع الاستلزام أيضا تكفي المغايرة للسؤال عن كل منهما.

٢ ـ لى : في خبر سعيد بن المسيب ، عن علي بن الحسين عليهما‌السلام في حديث طويل قال : ثم رجع القول من الله في الكتاب على أهل المعاصى والذنوب فقال عزوجل : « ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين » فإن قلتم أيها الناس : إن الله عزوجل إنما عنى بهذا أهل الشرك فكيف ذلك وهو يقول : « ونضع الموازين القسط ليوم القيمة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبه من خردل أتينا بها وكفى

____________________

(١) بفتح الباء وسكون الراء وفتح الدال نسبة إلى بردعة : بلدة من أقصى بلاد اذربيجان.

٢٥٨

بنا حاسبين »؟ اعلموا عباد الله أن أهل الشرك لاتنصب لهم الموازين ولا تنشر لهم الدواوين وإنما تنشر الدواوين لاهل الاسلام ، الخبر.

٣ ـ فس : أبي ، عن ابن محبوب ، عن الثمالي ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تزول قدما عبد يوم القيامة من بين يدي الله حتى يسأله عن أربع خصال : عمرك فيما أفنيته؟ وجسدك فيما أبليته؟ ومالك من أين كسبته وأين وضعته؟ وعن حبنا أهل البيت.

ما : المفيد ، عن ابن قولويه ، عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن الثمالي مثله ، وزاد فيه : فقال رجل من القوم : وما علامة حبكم يا رسول الله؟ فقال : محبتة هذا ـ ووضع يده على رأس علي بن أبي طالب عليه‌السلام ـ.

٤ ـ لى : أبي ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن علي بن الحكم ، عن داود بن النعمان ، عن إسحاق ، عن الصادق جعفر بن محمد عليه‌السلام قال : إذا كان يوم الفيامة وقف عبدان مؤمنان للحساب كلاهما من أهل الجنة : فقير في الدنيا ، وغني في الدنيا ، فيقول الفقير : يا رب على ما اوقف؟ فوعزتك إنك لتعلم أنك لم تولني ولاية فأعدل فيها أو أجور ، ولم ترزقني مالا فاءدي منه حقا أو أمنع ، ولا كان رزقي يأتيني منها إلا كفافا على ما علمت وقدرت لي ، فيقول الله جل جلاله : صدق عبدي خلوا عنه يدخل الجنة ، ويبقى الآخر حتى يسيل منه من العرق ما لو شربه أربعون بعيرا لكفاها ، ثم يدخل الجنة ، فيقول له الفقير : ما حبسك؟ فيقول : طول الحساب ، ما زال الشئ يجيئني بعد الشئ يغفر لي ، ثم اسأل عن شئ آخر حتى تغمدني الله عز وجل منه برحمة وألحقني بالتائبين ، فمن أنت؟ فيقول : أنا الفقير الذي كنت معك آنفا ، فيقول : لقد غيرك النعيم بعدي. « ص ٢١٦ ـ ٢١٧ »

٥ ـ ين : محمد بن عيسى ، عن عمر(١) بن إبراهيم بياع السابري ، عن حجر بن زائدة (٢) عن رجل ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قلت له : يا بن رسول الله إن لي حاجة ،

____________________

(١) في نسخة : عمرو بن ابراهيم ، قال الاردبيلى في جامع الروات « ج ٢ ص ١٨٠ » : سهل بن زياد ومحمد بن عيسى عن عمرو بن ابراهيم في باب صلاة الاستخارة ، أى من التهذيب راجعه.

(٢) لعله بضم الحاء وسكون الجيم.

٢٥٩

فقال : تلقاني بمكة ، فقلت : يا بن رسول الله إن لي حاجة ، فقال : تلقاني بمنى ، فقلت : يابن رسول الله ان لي حاجة ، فقال : هات حاجتك ، فقلت : يا بن رسول الله إني أذنبت ذنبا بيني وبين الله لم يطلع عليه أحد ، فعظم علي وأجلك أن أستقبلك به ، فقال : إنه إذا كان يوم القيامة وحاسب الله عبده المؤمن أوقفه على ذنوبه ذنبا ذنبا ، ثم غفرها له لا يطلع على ذلك ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا. قال عمر بن أبراهيم : وأخبرني عن غير واحد أنه قال : ويستر عليه من ذنوبه ما يكره أن يوقفه عليها ، قال : ويقول لسيئاته : كوني حسنات ، قال : وذلك قول الله تبارك وتعالى : « اولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ».

٦ ـ فس : في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : « للذين أحسنوا الحسنى وزيادة » فأما الحسنى فالجنة ، وأما الزيادة فالدنيا ، ما أعطاهم الله في الدنيا لم يحاسبهم به في الآخرة ، ويجمع لهم ثواب الدنيا (١) والآخرة ، ويثيبهم بأحسن أعمالهم في الدنيا والآخرة يقول الله : « ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة اولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ». « ص ٢٨٧ »

٧ ـ ن : بالاسانيد الثلاثة عن الرضا ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله عزوجل يحاسب كل خلق إلا من أشرك بالله عزوجل فإنه لايحاسب ويؤمر(٢) به إلى النار. « ص ٢١ ـ ٢٠٢ »

صح : عنه عليه‌السلام مثله. « ص ٨ »

٨ ـ ن : بإسناد التميمي ، عن الرضا ، عن آبائه ، عن علي عليهم‌السلام قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أول ما يسأل عنه العبد حبنا أهل البيت. « ص ٢٢٢ ـ ٢٢٣ »

٩ ـ ما : في كتاب أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى أهل مصر : من عمل لله أعطاه الله أجره في الدنيا والآخرة ، وكفاه المهم فيهما ، وقد قال الله تعالى : « يا عبادي الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون

____________________

(١) في المصدر : ويجمع ثواب الدنيا. م

(٢) في المصدر : لا يحايسب يوم القيامة ويؤمر اه. م

٢٦٠