بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

ومنها أنه ليس من وقت يجئ إلا تجب عليها فيه صلاة جديدة في يومها وليلتها وليس الصوم كذلك ، لانه ليس كلما حدث يوم وجب عليها الصوم ، وكلما حدث وقت الصلاة وجب عليها الصلاة.

فإن قال : فلم إذا مرض الرجل أو سافر في شهر رمضان فلم يخرج من سفره أو لم يفق من مرضه حتى يدخل عليه شهر رمضان آخر وجب عليه الفداء للاول وسقط القضاء ، فإذا أفاق بينهما أو أقام ولم يقضه وجب عليه القضاء والفداء؟ قيل : لان ذلك الصوم إنما وجب عليه في تلك السنة في ذلك الشهر ، فأما الذي لم يفق فإنه لما أن مر (١) عليه السنة كلها وقد غلب الله عليه فلم يجعل له السبيل إلى أدائه سقط عنه ، و كذلك كلما غلب الله تعالى عليه مثل المغمى الذي يغمى عليه يوما وليلة فلا يجب عليه قضاء الصلاة كما قال الصادق عليه‌السلام : كلما غلب الله على العبد فهو أعذر له ، لانه دخل الشهر وهو مريض فلم يجب عليه الصوم في شهره ولا سنته للمرض الذي كان فيه ، ووجب عليه الفداء لانه بمنزلة من وجب عليه صوم فلم يستطع أداءه فوجب عليه الفداء ، كما قال الله عزوجل : « فصيام شهرين متتابعين فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا » وكما قال الله عزوجل : « ففدية من صيام أو صدقة أو نسك » فأقام الصدقة مقام الصيام إذا عسر عليه.

فإن قال : فإن لم يستطيع إذ ذاك فهو الآن يستطيع. قيل له : لانه لما أن دخل عليه شهر رمضان آخر وجب عليه الفداء للماضي ، لانه كان بمنزلة من وجب عليه صوم في كفارة فلم يستطعه فوجب عليه الفداء ، وإذا وجب الفداء سقط الصوم ، والصوم ساقط والفداء لازم ، فإن أفاق فيما بينهما ولم يصمه وجب عليه الفداء لتضييعه والصوم لاستطاعته.

فإن قال : فلم جعل صوم السنة؟ قيل : ليكمل به صوم الفرض.

فإن قال : فلم جعل في كل شهر ثلاثة أيام ، وفي كل عشرة أيام يوما؟ قيل : لان الله تبارك وتعالى يقول : « من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها » فمن صام في كل

__________________

(١) في العيون : مرت. م

٨١

عشرة أيام يوما فكأنما صام الدهر كله كما قال سلمان الفارسي رحمة الله عليه : « صوم ثلاثة أيام في الشهر صوم الدهر كله فمن وجد شيئا غير الدهر فليصمه ».

فإن قال : فلم جعل أول خميس من العشر الاول ، وآخر خميس من العشر الآخر ، وأربعاء في العشر الاوسط؟ قيل : أما الخميس فإنه قال الصادق عليه‌السلام : « يعرض كل خميس أعمال العباد إلى الله (١) » فأحب أن يعرض عمل العبد على الله تعالى وهو صائم.

فإن قال : فلم جعل آخر خميس؟ قيل : لانه إذا عرض عمل ثمانية أيام والعبد صائم كان أشرف وأفضل من أن يعرض عمل يومين وهو صائم ، وإنما جعل أربعاء في العشر الاوسط لان الصادق عليه‌السلام أخبر أن الله عزوجل خلق النار في ذلك اليوم وفيه أهلك الله القرون الاولى ، وهو يوم نحس مستمر ، فأحب أن يدفع العبد عن نفسه نحس ذلك اليوم بصومه.

فإن قال : فلم وجب في الكفارة على من لم يجد تحرير رقبة الصيام دون الحج والصلاة وغيرهما؟ قيل : لان الصلاة والحج وسائر الفرائض مانعة للانسان من التقلب في أمر دنياه ومصلحة معيشته ، مع تلك العلل التي ذكرناها في الحائض التي تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة.

فإن قال : فلم وجب عليه صوم شهرين متتابعين ، دون أن يجب عليه شهر واحد أو ثلاثة أشهر؟ قيل : لان الفرض الذي فرضه الله عزوجل على الخلق هو شهر واحد فضوعف هذا الشهر في الكفارة (٢) توكيدا وتغليظا عليه.

فإن قال : فلم جعلت متتابعين؟ قيل : لئلا يهون عليه الاداء فيستخف به ، لانه إذا قضاه متفرقا عليه القضاء.

فإن قال : فلم امر بالحج؟ قيل : لعلة الوفادة إلى الله عزوجل ، وطلب الزيادة ، والخروج من كل ما اقترف العبد تائبا مما مضى ، مستأنفا لما يستقبل ، مع

__________________

(١) في نسخة : على الله.

(٢) في العيون : في كفارته. م

٨٢

ما فيه من إخراج الاموال وتعب الابدان ، والاشتغال عن الاهل والولد ، وحظر الانفس عن اللذات ، شاخصا في الحر والبرد ، ثابتا ذلك عليه ، دائما مع الخضوع والاستكانة والتذلل ، مع ما في ذلك لجميع الخلق من المنافع.

أقول : في العلل : كل ذلك لطلب الرغبة إلى الله والرهبة منه ، وترك قساوة القلب وخسارة الانفس ، ونسيان الذكر ، وانقطاع الرجاء والامل ، وتجديد الحقوق ، وحظر الانفس عن الفساد ، مع ما في ذلك من المنافع لجميع من « المشترك » في شرق الارض و غربها ومن في البر والبحر ممن يحج وممن لا يحج : من بين تاجر ، وجالب ، وبائع ومشترى ، وكاسب ، ومسكين ، ومكاري ، وفقير ، وقضاء حوائج أهل الاطراف في المواضع الممكن لهم الاجتماع فيها ، مع ما فيه من التفقه ونقل أخبار الائمة عليهم‌السلام إلى كل صقع وناحية ، كما قال الله عزوجل : « فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون ، وليشهدوا منافع لهم ».

فإن قال : فلم امروا بحجة واحدة لا أكثر من ذلك؟ قيل : لان الله عزوجل وضع الفرائض على أدنى القوم قوة ، (١) كما قال عزوجل : « فما استيسر من الهدي » يعني شاة ليسع له القوي والضعيف ، وكذلك سائر الفرائض إنما وضعت على أدنى القوم قوة ، وكان من تلك الفرائض الحج المفروض واحدا ، ثم رغب بعد أهل القوة بقدر طاقتهم.

فإن قال : فلم امروا بالتمتع إلى الحج؟ (٢) قيل : ذلك تخفيف من ربكم و رحمة لان يسلم الناس من إحرامهم ولا يطول ذلك عليهم فيدخل (٣) عليهم الفساد وأن يكون الحج والعمرة واجبين جميعا فلا تعطل العمرة ولا تبطل ، ولا يكون الحج مفردا من العمرة ويكون بينهما فصل وتمييز ، وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « دخلت العمرة في الحج

__________________

(١) في العيون : مرة. م

(٢) في العيون : بالتمتع بالعمرة إلى الحج ، وفى العلل بالتمتع في الحج.

(٣) في العيون : فيتداخل. م

٨٣

إلى يوم القيامة » ولولا أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان ساق الهدي ولم يكن له أن يحل حتى يبلغ الهدي محله لفعل كما أمر الناس ، ولذلك قال : « لو استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كما أمرتكم ، ولكني سقت الهدي ، وليس لسائق الهدي أن يحل حتى يبلغ الهدي محله » فقام إليه رجل فقال : يا رسول الله نخرج حجاجا ورؤوسنا تقطر من ماء الجنابة ، فقال : إنك لن تؤمن بهذا أبدا.

أقول : ليس في العلل قوله : وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى قوله : لن تؤمن بهذا ، وهو موجود في العيون ، وفي العلل مكانه زيادة ليست فيه وهي هذه : ويكون بينهما فصل و تمييز ، وأن لا يكون الطواف بالبيت محظورا لان المحرم إذا طاف بالبيت قد أحل إلا لعلة ، فلولا التمتع لم يكن للحاج أن يطوف لانه إن طاف أحل وفسد إحرامه ويخرج منه قبل أداء الحج ، ولان يجب على الناس الهدي والكفارة فيذبحون وينحرون و يتقربون إلى الله جل جلاله فلا تبطل هراقة الدماء والصدقة على المسلمين. ولنرجع إلى المشترك بين الكتابين :

فإن قال : فلم جعل وقتها عشر ذي الحجة؟ قيل : لان الله تعالى أحب أن يعبد بهذه العبادة في أيام التشريق فكان أول ما حجت إليه الملائكة وطافت به في هذا الوقت فجعله سنة ووقتا إلى يوم القيامة ، فإما النبيون آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم وغيرهم من الانبياء إنما حجوا في هذا الوقت فجعلت سنة في أولادهم إلى يوم القيامة.

فإن قال : فلم امروا بالاحرام؟ قيل : لان يخشعوا قبل دخول حرم الله عزوجل وأمنه ، ولئلا يلهوا ويشتغلوا بشئ من أمر الدنيا وزينتها ولذاتها ، ويكونوا جادين فيما فيه ، قاصدين نحوه ، مقبلين عليه بكليتهم ، مع ما فيه من التعظيم لله عزوجل ولنبيه (١) والتذلل لانفسهم عند قصدهم إلى الله عزوجل ووفادتهم إليه ، راجين ثوابه

__________________

(١) في العيون ولبيته واعلم أنه كان بين المصدرين وبينهما مع نسخ الكتاب اختلافات جزئية عدا ما ذكرنا ، وزوائد ونواقص لا يعبأ بها ، أعرضنا عن التعرض لذكرها لعدم اختلال المعنى وتغيره بتركها. م

٨٤

راهبين من عقابه ، ماضين نحوه ، مقبلين إليه بالذل والاستكانة والخضوع ، والله الموفق وصلى الله على محمد وآله وسلم. « ٢٤٨ ـ ٢٦٤ ـ ص ٩٤ ـ ١٠١ »

ع ، ن : حدثنا عبدالواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطار رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري ، قال : قلت للفضل بن شاذان ـ لما سمعت منه هذه العلل ـ : أخبرني عن هذه العلل ، أذكرتها عن الاستنباط والاستخراج وهي من نتائج العقل ، أو هي مما سمعته ورويته؟ فقال لي : ما كنت لاعلم مراد الله عزوجل بما فرض ، ولا مراد رسول الله (ص) بما شرع وسن ، ولا علل (١) ذلك من ذات نفسي ، بل سمعتها من مولاي أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه‌السلام المرة بعد المرة والشئ بعد الشئ فجمعتها. فقلت : فاحدث بها عنك عن الرضا (ع)؟ قال : نعم « ص ١٠١ ، ص ٢٦٤ »

ن : وحدثنا الحاكم أبومحمد جعفر بن نعيم بن شاذان النيسابوري رضي‌الله‌عنه ، عن عمه أبي عبدالله محمد بن شاذان ، عن الفضل بن شاذان أنه قال : سمعت هذه العلل من مولاي أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه‌السلام متفرقة فجمعتها وألفتها. « ٢٦٤ »

بيان : قوله : منها أن من لم يقر أقول : لعل الفرق بين الوجه الاول والثاني هو أن المحذور في الوجه الاول عدم تحقق الافعال الحسنة ، وعدم ترك الافعال القبيحة وفي ذلك فساد الخلق وعدم بقائهم واختلال نظامهم ، وفي الثاني المحذور عدم تحقق الامر والنهي اللذين هما مقتضى حكمة الحكيم ، فلو فرض الاتيان بالافعال الحسنة والانتهاء عن الاعمال الفاحشة بدون أمر الله تعالى ونهيه أيضا لتم الوجه الثاني بدون الاول ، و الفرق بين الاول والثالث هو أن الاول جار في الامور الظاهرة بخلاف الثالث ، فإنه مختص بالامور الباطنة ، فلو فرض أن يكون للناس حياء يردعهم عن إظهار الفواحش والظلم والفساد لتم الوجه الثالث أيضا بخلاف الاول.

قوله : فلو لم يجب عليهم معرفته أي الرسول. قوله ثم اختلف همهما ، أقول : لعل المقصود نفي امامة من كان في عصر الائمة عليهم‌السلام من أئمة الضلال إذ كانت آراؤهم مخالفة لآراء أئمتنا ، وأفعالهم مناقضة لافعالهم. ويحتمل أن يكون إلزاما على المخالفين

__________________

(١) في المصدرين : ولا اعلل.

٨٥

إذ هم قائلون باجتهاد النبي والامام في الاحكام ، والاجتهاد مظنة الاختلاف كما يقولون في أمير المؤمنين عليه‌السلام ومعاوية. ثم اعلم أن المراد بالامامين الاميران على طائفة واحدة أو اللذان تكون لهما الرئاسة العامة وإلا فينتقض باجتماع الانبياء الكثيرين في عصر واحد في زمن بني إسرائيل. قوله : منها أن يكونوا قاصدين أقول : لعل المنظور في الوجه الاول عدم تعيين شئ للعبادة ، لانه يحتمل أن يكون كل شئ ربهم حتى الاشياء التي لم يعبدها أحد ، وفي الثاني إضلال الناس بعبادة الاصنام وأشباهها باحتمال أن تكون هي ربهم ، ويحتمل أن يكون المراد بالوجه الاول هو أنه لابد لهم من معرفة ربهم لتصح العبادة له ولا يمكنهم المعرفة بالكنه ، وأقرب الوجوه التي تصل إليها عقول الخلق هو معرفته تعالى بأنه لا يشبه شيئا من الاشياء في ذاته وصفاته ، ويحتمل إن يكون غرض السائل من الاقرار بأنه ليس كمثله شئ الاقرار بجميع الصفات الثبوتية والسلبية فإن جميعها راجعة إليه ، داخلة فيه إجمالا ، ولعل هذا أظهر.

قوله : لان في الصلاة الاقرار بالربوبية أقول : إما لانها مشتملة على الاقرار بالربوبية في رب العالمين ، وعلى التوحيد في التشهد ، وعلى الاخلاص في إياك نعبد و إياك نستعين ، وإما لان أصل عبادته تعالى دون غيره خلع للانداد وإقرار بالربوبية ، وأما الزجر عن الفساد فلان من خواص الصلاة أنها تصلح صاحبها وتزجره عن الفساد ، كما قال تعالى : « إن الصلوة تنهى عن الفحشاء والمنكر » (١) ولا أقل إنه في حال الصلاة ينزجر عن المعاصي وبعدها يستحيي عن ارتكاب كثير منها. واسم كان الضمير الراجع إلى المصلي ، وخبره الظرف ، وزاجرا وحاجزا منصوبان بالحالية. (٢)

قوله عليه‌السلام : ليسا هما في كل وقت باديين أي لا يحصل فيهما الكثافة والقذارة مثل ما يحصل في الوجه واليدين. قوله : وذلك لان الاستنجاء به ليس بفرض أقول : لم يقد الفضل الاستنجاء بالماء حتى يرد عليه إيراد الصدوق ، مع أنه يمكن تخصيصه

__________________

(١) العنكبوت ، ٤٥.

(٢) ويحتمل زيادة كلمة « في » اشتباها من النساخ ، أو كان في الاصل « زاجرا وحاجزا ومانعا » مرفوعات.

٨٦

بالمتعدي ، أو يقال : إن مراده الاعم من الوجوب التخييري ، ويمكن توجيه كلامه بأن الفرض في عرف الحديث ما ثبت وجوبه بالقرآن ، والاستنجاء لم يثبت وجوبه بنص القرآن حتى يكون فرضا ، ويرد عليه : أن استعمال الفرض في الوجوب بالمعنى الاعم أيضا شائع ، غاية الامر أن يكون مجازا في عرفهم وارتكابه لتوجيه الكلام جوز.

قوله : وتعريفا لمن جهل الوقت يمكن تخصيصه بمن لا يمكنه العلم بدخول الوقت ويحتمل أن يكون المراد أنه يتنبه لاحتمال دخول الوقت فيحصل العلم به ، مع أنه سيأتي كثير من الاخبار الدالة على جواز الاعتماد على المؤذنين في دخول الوقت.

قوله : مجاهرا بالايمان أي الصلاة كما قال الله تعالى : « وما كان الله ليضيع إيمانكم » (١) أو للتكلم بالكلمتين. (٢) قوله : فجعل الاولين ، يفهم منه أن التكبيرتين الاوليين ليستامن الاذان ، وإنما هما من المقدمات الخارجة عنه ، وبه يمكن الجمع بين الاخبار المختلفة في ذلك. قوله : ليكون لعل الاظهر : وليكون.

قوله : إنما هو أداء أي علمهم طريق الشكر أو حمد نفسه بدلا عن خلقه. وقوله : وشكر تخصيص بعد التعميم. قوله : وإقرار بأنه هو الخالق لان المراد بالعالم ما يعلم به الصانع وهو كل ما سوى الله ، وجمع ليدل على جميع أنواعه فإذا كان تعالى خالق الجميع ومدبرهم فيكون هو الواجب تعالى وغيره آثاره.

قوله عليه‌السلام : استعطاف لان ذكره تعالى بالرحمانية والرحيمية نوع من طلب الرحمة بل أكمل أفراده.

قوله : لان التكبير في الركعة الاولى في العلل : في الصلوات الاول وهو الصواب أي التكبيرات الافتتاحية ، إذ الاولى افتتاح للقراءة ، والثانية افتتاح للركوع ، والثالثة للسجود الاول ، والرابعة للسجود الثاني ، وهكذا إلى تمام الركعتين ، وليست التكبيرات التي للرفع من الركوع والسجود بافتتاحية.

__________________

(١) البقرة : ١٤٣.

(٢) أى الشهادتين. ويحتمل أن يكون المراد بالايمان مجموع الشهادتين والدعوة إلى الصلاة وإلى خير العمل.

٨٧

قوله : غلط الفضل أقول : بل اشتبه على الصدوق رحمه الله إذ الظاهر أن تكبيرة الافتتاح فريضة لقوله تعالى : « وربك فكبر » (١) ولذا تبطل الصلاة بتركها عمدا وسهوا ، على أنه يحتمل أن يكون مراده بالفرض الواجب كما مر ، والعجب من الصدوق أنه مع ذكره في آخر الخبر أن هذا العلل كلها مأخوذة عن الرضا عليه‌السلام وتصريحه في سائر كتبه بأنها مروية عنه عليه‌السلام كيف يجترئ على الاعتراض عليها؟ ولعله ظن أن الفضل أدخل بينها بعض كلامه ، فما لا يوافق مذهبه يحمله على أنه من كلام الفضل ويعترض عليه ، وفيه أيضا ما لا يخفى.

قوله : إلى أن يصير في كل شئ أربعة أضعافه أقول : هذه العبارة غير موجودة في العيون ، وفيه أنه لا يوافق شيئا من الاخبار المختلفة الواردة في آخر وقت العصر ، فإنه لم يرد في شئ من الاخبار أكثر من المثلين ، ولعل فيه تصحيفا ، ولذا أسقطه في العيون.

قوله : ولان في وقت رفع اليدين أقول : لعل المعنى أن في وقت ذكر الله تعالى يناسب التضرع والابتهال ، خصوصا في وقت هذا الذكر المخصوص لانه وقت إحضار النية وإقبال القلب فيكون التضرع والابتهال أنسب ، ولما كان هذا الوجه إنما يناسب تكبيرة الاستفتاح ذكر لاطراده في سائر التكبيرات وجها آخر على ما في العلل ، ولعل التضرع والابتهال في رفع اليدين إنما هو لدلالته على اختصاص الكبرياء بالله ونفيه عما سواه وأنه تعالى لا يدرك بالاخماس والحواس الظاهرة والباطنة ، كما سيأتي في علل الصلاة.

قوله عليه‌السلام : فجعلت السنة مثلي الفريضة قال الوالد العلامة رحمه الله : لان الغالب في أحوال الناس أنهم لا يمكنهم لتشبثهم بعلائقهم إحضار القلب في أكثر من ثلث الصلاة ، فلما صارت النافلة مثلي الفريضة أمكن تحصيل ثلث المجموع وهو يساوي عدد الفريضة.

قوله عليه‌السلام : ولم تقصر لمكان الخطبتين الاظهر أنه لا يختص بالوجه الاخير ، بل الغرض دفع توهم أنها صلاة مقصورة كصلاة السفر ، وذلك لان الخطبتين فيها بمنزلة الركعتين فليست بمقصورة ، أو الغرض بيان عدم جواز إيقاعها في السفر بتوهم

__________________

(١) المدثر : ٣.

٨٨

أنها صلاة مقصورة ، إذ الخطبة من شرائطها فلا يتحقق بدونها ، ومعها ليست بمقصورة لانها بمنزلة الركعتين ، ويمكن أن يقرأ (لم » بكسر اللام استفهاما أي إنما تقصر العيد لمكان خطبيه.

قوله عليه‌السلام : والمنفعة أقول : كأنها معطوفة على الاهوال ، ولا يبعد أن يكون الاهوال تصحيف الاحوال ، وبعد ذلك في نسخ العلل زيادة ليست في العيون ، وهي هذه : ولا يكون الصائر في الصلاة منفصلا وليس بفاعل غيره ممن يؤم الناس في غير يوم الجمعة. ولعله لاغلاقه وعدم وضوح معناه أسقطه عن العيون ، ويمكن توجيهه بوجوه.

الاول : أن يكون المراد بيان كون حالة الخطبة حالة متوسطة بين حالة الصلاة وغيرها فيكون تقدير الكلام : أنه لا يكون الصائر في الصلاة أي المتلبس بها منفصلا عنها في غير يوم الجمعة ، وفي يوم الجمعة في حال الخطبة كذلك لانه كالداخل في الصلاة لاشتراط كثير من أحكام الصلاة فيها وكونها عوضا عن الركعتين ، وليس بداخل حقيقة فيها ، وليس فاعل غير الصلاة يؤم الناس في غير يوم الجمعة ويوم الجمعة كذلك ، لان الامام في الخطبة يؤم الناس من حيث يلزمهم الاجتماع إليه والاستماع لكلامه كالاستماع لقراءته حال الصلاة وليست الخطبة بصلاة ححقيقة ، فالباء في قوله : بفاعل زائدة والضمير في غيره راجع إلى الصلاة بتأويل الفعل.

الثاني : أن يرجع المعنى إلى الاول ويوجه العبارة بوجه آخر بأن يكون « وليس بفاعل » عطف تفسير لقوله : منفصلا ، ويكون قوله : « وغيره » حالا للصائر ، وقوله : « ممن يؤم » صفة لغيره ، أو حالا اخرى للصائر ، وحاصل المعنى : أن الصائر في الصلاة الذي يكون غير إمام الجمعة ويؤم الناس في غير يوم الجمعة لا يكون منفصلا عن الصلاة ، غير فاعل لها بخلاف يوم الجمعة ، فإنه كذلك في حال الخطبة ، وليس في هذا الوجه شئ من التكلفين السابقين.

الثالث : أن يكون ممن يؤم خبر كان وقوله : « منفصلا » وقوله : « ليس بفاعل غيره » حالين للصائر ، فيكون لبيان علة اخرى للخطبة ، والحاصل أنه إنما جعلت الخطبة لئلا يكون الصائر في صلاة الجمعة حال كونه منفصلا ممتازا عن سائر الائمة ، ولا يفعلها

٨٩

غيره ممن يؤم الناس في غير الجمعة ، إذ يشترط في الخطبة العلم بما يعظ الناس ويأمرهم به والعمل بها ، ولا يشترك ذلك في سائر الائمة ، وهذا وجه قريب ، وإن كان فيه بعدما لفظا ، بل الاظهر عندي أنه كان في الاصل : « ليكون » أي إنما جعلت الخطبة ليكون الامام في تلك الصلاة منفصلا ممتازا ولا يفعل تلك الصلاة غيره من أئمة الصلوات في سائر الايام. وفي هذا الوجه وفي قوله : فأراد أن يكون للامير إشعار بأن هذه الصلاة إنما يفعلها الامراء أو المنصوبون من قبل الامام عليه‌السلام.

الرابع : أن يكون قوله : ممن يؤم متعلقا بقوله : منفصلا ، ويكون قوله : وليس بفاعل غيره تفسيرا لقوله : منفصلا ، ويكون حاصل الكلام : أنه إنما جعلت الخطبة لئلا يكون المصلي في يوم الجمعة منفصلا عن المصلي في غيره بأن يكون صلاته ركعتين ، فإنها مع الخطبتين بمنزلة أربع ركعات.

قوله : والخطبتان في الجمعة والعيدين بعد الصلاة أقول : لم يذهب إلى هذا القول فيما علمنا أحد من علمائنا غيره في هذين الكتابين ، وسيأتي القول في ذلك في بابه. قوله : فوجبت الجمعة على من هو على نصف البريد في مناسبة هذا الاصل الحكم خفاء ، ولعله مبني على ما لا يصل إليه علمنا من المناسبات الواقعية ، ويمكن أن يقال : لما كان الغالب في المسافرين الركبان ، والقوافل المحملة المثقلة إنما تقطع في بياض الايام القصار ثمانية فراسخ والتكليف بحضور صلاة الجمعة يتعلق بالركبان والمشاة ، والغالب فيهم المشاة ، والماشي يسير غالبا نصف الراكب فلذا جعل هنا نصف ما جعل للمسافر ، أو أن ليوم الجمعة أعمالا اخرى غير الصلاة فجعل نصفه للصلاة ونصفه لسائر الاعمال ، فلو وجب عليهم المسير أكثر من فرسخين لم يتيسر له سائر الاعمال والله يعلم.

قوله : ليلقى ربه طاهر الجسد أي لا يصير جسده كثيفا من تراب القبر وغيره والمراد بملاقات الرب ملاقات ملائكته ورحمته. قوله : لان هذه الاشياء كلها ملبسة ، لعل المعنى أنه لما كان غالب المماسة فيها هكذا فلذا رفع الغسل من رأس ، فلا يتوهم منه وجوب الغسل بمس ما تحله الحياة منها. قوله عليه‌السلام : يرى الكسوف أي آثاره من ضوء الشمس والقمر.

٩٠

قوله عليه‌السلام : فلما تغيرت العلة أي المناسب لهذه العلة الدالة على نزول العذاب زيادة تضرع واستكانة ليست في سائر الصلوات فلذا زيد في ركوعاتها. قوله : لان أول شهور السنة علة للتقييد بسنة الاكل. قوله : لانه يكون في ركعتين اثنا عشر تكبيرة أي مع تكبيرة القنوت.

قوله : فلذلك جعل فيها أي في القيام فقط ، وإلا فالمجموع أزيد بعدد ما زيد فيها ويقال : راض الفرس رياضا ورياضة : ذلله فهو رائض. قوله : وفيه فرق أي في شهر رمضان بسبب نزول القرآن ، ويحتمل إرجاع الضمير إلى القرآن.

قوله (ع) : وفيه نبئ محمد (ص) لعل النبوة والوحي كان في شهر رمضان ، والرسالة والامر بالتبليغ كان في شهر رجب.

قوله عليه‌السلام : لانه كان بمنزلة من وجب عليه صوم أقول : لعل التعليل مبني على أن وقت القضاء هو ما بين الرمضانين ، إذ لا يجوز له التأخير اختيارا عنه ، فلما كان فيما بين ذلك معذورا سهل الله عليه ، وقبل منه الفداء ، ولم يكن الله ليجمع عليه العوض والمعوض ، فلذا أسقط القضاء عنه بعد القدرة لانتقال فرضه إلى شئ آخر. قوله : لانه إذا عرض عمل ثمانية أيام كذا في العيون ، وفي العلل : ثلاثة أيام ، وعلى التقديرين يشكل فهمه ، أما على الاول فيمكن توجيهه بوجهين : الاول أن يقال : العرض غير مختص بعمل الاسبوع بل يعرض عمل ما مر من الشهر في كل خميس ، وإذا لم يكن في العشر الآخر خميسان فليس مورد هذه العلة ، وإذا كان فيه خميسان ففيه ثلاثة احتمالات : الاول : أن يكون الخميس الاول الحادي والعشرين ، والخميس الثاني الثامن و العشرين ، الثاني أن يكون الخميس الثاني التاسع والعشرين ، الثالث أن يكون الخميس الثاني الثلاثين ، وهذا الاخير أيضا ليس بداخل في المفروض ، لان المفروض هو ما علم دخول خميسين فيه أولا وههنا غير معلوم لاحتمال أن لا يكون للشهر سلخ فبقي الاحتمالان الاولان ، وفي الثاني منهما يكون استيعاب الخميس الاول لاعمال الشهر أكثر كالثاني فلذا خصه بالذكر ، فنقول : دخول أعمال الشهر إلى العشرين معلوم فيهما ، فأما بعده فما يدخل في عرض الخميس الاول منه يومان أي يوم وبعض يوم ، ويدخل في

٩١

الثاني زائدا على هذا ثمانية أيام أي سبعة أيام وبعض يوم ، فبعض الخميس الاول حسب من اليومين وبعضه من الثمانية ، فالمراد بقوله : إذا عرض عمل ثمانية أيام أي زائدا على ما سيأتي من اليومين ، وعلى ما هو المعلوم دخوله فيهما من العشرين ، على أنه يحتمل أن يكون المعروض في الخميس عمل العشر فلا يحتاج إلى إضافة العشرين ، ويمكن أن يقال : اخذ في الخميس الاول أكثر محتملاته وفي الخميس الثاني أقل محتملاته استظهارا وتأكيدا إذ على ما قررنا أكثر محتملات الخميس الاول أن يدخل فيه عرض عمل يومين من العشر بأن يكون في الثاني والعشرين ، وأقل محتملات الثاني أن يدخل فيه ثمانية بأن يكون الاول في الحادي والعشرين وعلى هذا يندفع ويرتفع أكثر التكلفات.

الثاني أن يكون المعروض في الخميس عمل الاسبوع فقط ، لكن لما خص كل عشر بصوم يوم كان الانسب أن يكون ما يعرض في خميس العشر الآخر أكثر استيعابا لايامه ، فإذا عرض في الخميس الاول فما هو من احتماليه أكثر استيعابا هو أن يشمل يومين منه كما مر بيانه ، وإذا عرض في الخميس الثاني يستوعب ثمانية أيام من ذلك العشر على كل احتمال من الاحتمالات فيكون أولى بالصوم ، وأما على الثاني فيمكن توجيهه أيضا بوجهين : الاول أنه إذا لزمه صوم الخميس الثاني ففي بعض الشهور أي ما يكون سلخه الخميس يلزمه احتياطا صوم خميسين ، كما ورد في أخبار اخر فيعرض عمله في ثلاثة أيام وهو صائم في بعض الاحيان (١) بخلاف ما إذا كان المستحب صوم الخميس الاول من العشر الآخر فإنه يكون دائما عرض العمل في الشهر في يومين وهو صائم.

الثاني أن يكون المقصود من السؤال بيان علة جعل الخميس الثاني بعد الاربعاء سواء كان في العشر الوسط أو في العشر الاخير ، وسواء كان الخميس الاول من العشر الاخير أو الثاني منه ، فالمراد بالجواب أنه إنما جعل هذا الخميس بعد الاربعاء لان يعرض فيه صوم ثلاثة أيام في هذا الشهر ، مع أنه يكون في يوم العرض صائما أيضا ، وعلى التقادير لا يخلو من تكلف.

قوله عليه‌السلام : واستخف بالايمان أي بأعماله ، والمراد هنا الصوم وسائر ما تلزم فيه

__________________

(١) في نسخة : الايام.

٩٢

الكفارة ، ويحتمل أن يكون بفتح الهمزة بناءا على إطلاق اليمين على النذر وأن كفارته كذلك.

قوله عليه‌السلام : لعلة الوفادة الوفد : القوم يجتمعون ويردون البلاد ، الواحد وافد وكذا من يقصد الامراء بالزيادة ، والاسترفاد والانتجاع ، يقال : وفد يفد وفادة.

قوله : ثابتا ذلك عليه دائما أي في مدة مديدة زائدا على أزمنة سائر الطاعات. قوله عليه‌السلام : ولان يجب على الناس الهدي لعله مبني على أن هدي التمتع جبران لا نسك ، فيكون قوله : والكفارة عطف تفسير.

(الفصل الثانى)

*(ما ورد من ذلك برواية ابن سنان)*

١ ـ ع : علي بن أحمد ، عن محمد بن أبي عبدالله ، عن محمد بن إسماعيل ، عن علي بن العباس ، عن القاسم بن الربيع الصحاف ، عن محمد بن سنان أن أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه‌السلام كتب إليه بما في هذا الكتاب جواب كتابه إليه يسأله عنه : جاءني كتابك تذكر أن بعض أهل القبلة يزعم أن الله تبارك وتعالى لم يحل شيئا ولم يحرمه لعلة أكثر من التعبد لعباده بذلك ، قد ضل من قال ذلك ضلالا بعيدا وخسر خسرانا مبينا لانه لو كان كذلك لكان جائزا أن يستعبدهم بتحليل ما حرم وتحريم ما أحل حتى يستعبدهم بترك الصلاة والصيام وأعمال البر كلها ، والانكار له ولرسله وكتبه والجحود بالزنا والسرقة وتحريم ذوات المحارم وما أشبه ذلك من الامور التي فيها فساد التدبير وفناء الخلق ، إذ العلة في التحليل والتحريم التعبد لا غيره ، فكان كما أبطل الله عزوجل به قول من قال ذلك إنا وجدنا كل ما أحل الله تبارك وتعالى ففيه صلاح العباد وبقاؤهم ولهم إليه الحاجة التي لا يستغنون عنها ، ووجدنا المحرم من الاشياء لا حاجة للعباد إليه ووجدناه مفسدا داعيا إلى الفناء والهلاك ، ثم رأيناه تبارك وتعالى قد أحل بعض ما حرم في وقت الحاجة لما فيه من الصلاح في ذلك الوقت ، نظير ما أحل من الميتة والدم ولحم الخنزير

٩٣

إذا اضطر إليه المضطر ، لما في ذلك الوقت من الصلاح والعصمة ودفع الموت ، فكيف دل الدليل على أنه لم يحل إلا لما فيه من المصلحة للابدان ، وحرم ما حرم لما فيه من الفساد ، وكذلك وصف في كتابه وأدت عنه رسله وحججه كما قال أبوعبدالله عليه‌السلام : لو يعلم العباد كيف كان بدؤ الخلق ما اختلف اثنان. وقوله عليه‌السلام : ليس بين الحلال والحرام إلا شئ يسير ، يحوله من شئ إلى شئ فيصير حلالا وحرام. « ص ١٩٧ »

بيان : قوله : بما في هذا الكتاب جواب كتابه إليه هذا كلام الصدوق ولما فرق في كتاب العلل هذه العلل الواردة في هذا الخبر على الابواب المناسبة لها ذكر صدر الخبر وأشار إلى أن ما فرقه كلها من تتمة هذا الخبر ، ولعله أسقط هذا مما رواه في العيون اختصارا أو لم يكن هذا في بعض ما أورده هناك من الاسانيد. قوله عليه‌السلام : فكان كما أبطل الله يحتمل أن يكون إنا وجدنا اسم كان ، وكما أبطل الله خبره ، أي يبطل ذلك وجداننا كما يبطله صريح الآيات الدالة على أن الاحكام الشرعية معللة بالحكم الكاملة ، ويحتمل أن يكون إنا وجدنا استينافا.

قوله عليه‌السلام : كيف كان بدؤ الخلق أي لاي علة خلقهم ولاي حكمة كلفهم لم يختلفوا في أمثال تلك المسائل المتعلقة بذلك. قوله عليه‌السلام : يحوله من شئ إلى شئ أي اختلاف الاحوال والاوقات والازمان يوجب تغير الحكم لتبدل الحكمة كحرمة الميتة في حال الاختيار وحليتها في حال اضطرار ، وكحرمة الاجنبية بدون الصيغة وحليتها معها فظهر أن دقائق الحكم مرعية في كل حكم من الاحكام.

٢ ـ ن : ما جيلويه ، عن عمه ، عن محمد بن علي الكوفي ، عن محمد بن سنان ، و حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق ، ومحمد بن أحمد السناني ، وعلي بن عبدالله الوراق ، والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب رضي الله عنهم ، قالوا : حدثنا محمد بن أبي عبدالله الكوفي ، عن محمد بن إسماعيل ، عن علي بن العباس قال : حدثنا القاسم بن الربيع الصحاف ، عن محمد بن سنان ، وحدثنا علي بن أحمد بن أبي عبدالله البرقي ، وعلي بن عيسى المجاور في مسجد الكوفة ، وأبوجعفر محمد بن موسى البرقي

٩٤

بالري رضي الله عنهم ، قالوا حدثنا محمد بن علي ما جيلويه ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن محمد بن سنان أن أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه‌السلام كتب إليه في جواب مسائله : علة غسل الجنابة النظافة وتطهير الانسان نفسه مما أصابه من أذاه ، وتطهير سائر جسده لان الجنابة خارجة من كل جسده فلذلك وجب عليه تطهير جسده كله ، وعلة التخفيف في البول والغائط لانه أكثر وأدوم من الجنابة فرضي فيه بالوضوء لكثرته ومشقته ومجيئه بغير إرادة منه ولا شهوة ، والجنابة لا تكون إلا بالاستلذاذ منهم و الاكراه لانفسهم ، وعلة غسل العيد والجمعة وغير ذلك من الاغسال لما فيه من تعظيم العبد ربه ، واستقباله الكريم الجليل وطلب المغفرة لذنوبه ، وليكون لهم يوم عيد معروف يجتمعون فيه على ذكر الله عزوجل ، فجعل فيه الغسل تعظيما لذلك اليوم ، وتفضيلا له على سائر الايام ، وزيادة في النوافل والعبادة ، وليكون تلك طهارة له من الجمعة إلى الجمعة ، وعلة غسل الميت أنه يغسل لانه يطهر وينظف من أدناس أمراضه ، وما أصابه من صنوف علله لانه يلقى الملائكة ويباشر أهل الآخرة ، فيستحب إذا ورد على الله ولقى أهل الطهارة ويماسونه ويماسهم أن يكون طاهرا ، نظيفا ، موجها به إلى الله عزوجل ليطلب به ويشفع له ، وعلة اخرى أنه يخرج من الاذى (١) الذي منه خلق فيجنب فيكون غسله له ، وعلة اغتسال من غسله أو مسه فظاهرة لما أصابه من نضح الميت لان الميت إذا خرجت الروح منه بقي أكثر آفة فلذلك يتطهر منه ويطهر.

وعلة الوضوء التي من أجلها صار غسل الوجه والذراعين ومسح الرأس والرجلين فلقيامه بين يدي الله عزوجل ، واستقباله إياه بجوارحه الظاهرة ، وملاقاته بها الكرام الكاتبين.

فغسل الوجه للسجود والخضوع ، وغسل اليدين ليقلبهما ويرغب بهما ويرهب و يتبتل ، ومسح الرأس والقدمين لانهما ظاهران مكشوفان يستقبل بهما في حالاته ، وليس فيهما من الخضوع والتبتل ما في الوجه والذارعين.

__________________

(١) في المصدر : المنى « الاذى خ ل ». م

٩٥

وعلة الزكاة من أجل قوت الفقراء وتحصين أموال الاغنياء لان الله تبارك وتعالى كلف أهل الصحة القيام بشأن أهل الزمانة والبلوى ، كما قال عزوجل : « لتبلون في أموالكم » بإخراج الزكاة (١) « وفي أنفسكم » بتوطين الانفس على الصبر ، مع ما في ذلك من أداء شكر نعم الله عزوجل ، والطمع في الزيادة ، مع ما فيه من الرحمة والرأفة لاهل الضعف ، والعطف على أهل المسكنة ، والحث لهم على المواساة وتقوية الفقراء والمعونة لهم على أمر الدين ، وهم عظة لاهل الغنى ، وعبرة لهم ليستدلوا على فقر الآخرة بهم وما لهم من الحث في ذلك على الشكر لله عزوجل لما خولهم وأعطاهم والدعاء والتضرع و الخوف من أن يصيروا مثلهم في امور كثيرة من أداء الزكاة (٢) والصدقات وصلة الارحام واصطناع المعروف.

وعلة الحج الوفادة إلى الله عزوجل وطلب الزيادة والخروج من كل ما اقترف ، وليكون تائبا مما مضى ، مستأنفا لما يستقبل ، وما فيه من استخراج الاموال وتعب الابدان وحظرها عن الشهوات واللذات ، والتقرب بالعبادة إلى الله عزوجل ، والخضوع والاستكانة والذل ، شاخصا في الحر (٣) والبرد والخوف والامن ، دائبا في ذلك دائما ، وما في ذلك لجميع الخلق من المنافع والرغبة والرهبة إلى الله عزوجل ومنه ترك قساوة القلب وجسارة الانفس ونسيان الذكر وانقطاع الرجاء والامل ، وتجديد الحقوق وحظر النفس عن الف؟؟ اد ، ومنفعة من في شرق الارض وغربها ، ومن في البر والبحر ممن يحج ومن لا يحج ، من تاجر وجالب وبائع ومشترى وكاسب ومسكين ، وقضاء حوائج أهل الاطراف والمواضع الممكن لهم الاجتماع فيها كذلك ليشهدوا منافع لهم.

وعلة فرض الحج مرة واحدة لان الله عزوجل وضع الفرائض على أدنى القوم قوة فمن تلك الفرائض الحج المفروض واحد ، ثم رغب أهل القوة على قدر طاقتهم.

__________________

(١) في المصدر : « لتبلون في اموالكم وانفسكم « في اموالكم باخراج الزكاة اه. م

(٢) في المصدر : في أداء الزكاة. م

(٣) في المصدر : شاخصا اليه في الحر. م

٩٦

وعلة وضع البيت وسط الارض أنه الموضع الذي من تحته دحيت الارض ، و كل ريح تهب في الدنيا فإنها تخرج من تحت الركن الشامي ، وهي أول بقعة وضعت في الارض ، لانها الوسط ليكون الفرض لاهل الشرق والغرب في ذلك سواء ، وسميت مكة مكة لان الناس كانوا يمكون فيها ، وكان يقال لمن قصدها : قد مكا ، وذلك قول الله عزوجل : « وماكان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية » فالمكاء : الصفير ، والتصدية : صفق اليدين.

وعلة الطواف بالبيت أن الله عزوجل قال للملائكة : « إني جاعل في الارض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء » فردوا على الله عزوجل هذا الجواب فندموا فلاذوا بالعرش واستغفروا ، فأحب الله عزوجل أن يتعبد بمثل ذلك العباد فوضع في السماء الرابعة بيتا بحذاء العرش يسمى الضراح ، ثم وضع في السماء الدنيا بيتا يسمى المعمور بحذاء الضراح ، ثم وضع هذا البيت بحذاء البيت المعمور ، ثم أمر آدم عليه‌السلام فطاف به فتاب الله عزوجل عليه فجرى ذلك في ولده إلى يوم القيامة.

وعلة استلام الحجر أن الله تبارك وتعالى لما أخذ ميثاق بني آدم التقمه الحجر فمن ثم كلف الناس تعاهد ذلك الميثاق ، ومن ثم يقال عند الحجر : أمانتي أديتها و ميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة ، ومنه قول سلمان رحمه الله : ليجيئن الحجر يوم القيامة مثل أبي قبيس له لسان وشفتان يشهد لمن وافاه بالموافاة.

والعلة التي من أجلها سميت منى منى أن جبرئيل عليه‌السلام قال هناك لابراهيم عليه‌السلام : تمن على ربك ما شئت ، فتمنى إبراهيم عليه‌السلام في نفسه أن يجعل الله مكان ابنه إسماعيل كبشا يأمره بذبحه فداءا له فاعطي مناه.

وعلة الصوم لعرفان مس الجوع والعطش ليكون العبد ذليلا مستكينا مأجورا محتسبا صابرا ، ويكون ذلك دليلا له على شدائد الآخرة مع ما فيه من الانكسار له عن الشهوات ، واعظا له في العاجل ، دليلا على الآجل ليعلم شدة مبلغ ذلك من أهل الفقر والمسكنة في الدنيا والآخرة.

وحرم قتل النفس لعلة فساد الخلق في تحليله لو أحل وفنائهم وفساد التدبير.

٩٧

وحرم الله عزوجل عقوق الوالدين لما فيه من الخروج عن التوقير (١) لطاعة الله عزوجل ، والتوقير للوالدين ، وتجنب كفر النعمة ، وإبطال الشكر وما يدعو من ذلك إلى قلة النسل وانقطاعه ، لما في العقوق من قلة توقير الوالدين والعرفان بحقهما ، وقطع الارحام ، والزهد من الوالدين في الولد ، وترك التربية لعلة ترك الولد برهما.

وحرم الزنا لما فيه من الفساد من قتل الانفس ، وذهاب الانساب ، وترك التربية للاطفال ، وفساد المواريث ، وما أشبه ذلك من وجوه الفساد.

وحرم أكل مال اليتيم ظلما لعلل كثيرة من وجوه الفساد ، أول ذلك أنه إذا أكل الانسان مال اليتيم ظلما فقد أعان على قتله إذ اليتيم غير مستغن ، ولا محتمل لنفسه ، ولا عليم بشأنه ، ولا له من يقوم عليه ويكفيه كقيام والديه ، فإذا أكل ماله فكأنه قد قتله وصيره إلى الفقر والفاقة ، مع ما خوف الله تعالى وجعل من العقوبة في قوله عزوجل : « وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله » وكقول أبي جعفر عليه‌السلام : إن الله وعد في أكل مال اليتيم عقوبتين : عقوبة في الدنيا ، وعقوبة في الآخرة ففي تحريم مال اليتيم استغناء اليتيم (٢) واستقلاله بنفسه ، والسلامة للعقب أن يصيبه ما أصابه ، لما وعد الله تعالى فيه من العقوبة ، مع ما في ذلك من طلب اليتيم بثاره إذا أدرك ، ووقوع الشحناء والعداوة والبغضاء حتى يتفانوا.

وحرم الله تعالى الفرار من الزحف لما فيه من الوهن في الدين ، والاستخفاف بالرسل ، والائمة العادلة عليهم‌السلام ، وترك نصرتهم على الاعداء ، والعقوبة لهم على إنكار ما دعوا إليه من الاقرار بالربوبية وإظهار العدل وترك الجور وإماتة الفساد ، لما في ذلك من جرأة العدو على المسلمين وما يكون في ذلك من السبي والقتل ، وإبطال دين الله عزوجل وغيره من الفساد.

وحرم التعرب بعد الهجرة للرجوع عن الدين ، وترك المؤازرة للانبياء والحجج عليهم‌السلام ، وما في ذلك من الفساد ، وإبطال حق كل ذي حق لا لعلة سكنى البدو ،

__________________

(١) في نسخة : التوفيق.

(٢) في المصدر : استبقاء اليتيم. م.

٩٨

وكذلك لو عرف الرجل الدين كاملة لم يجز له مساكنة أهل الجهل ، والخوف عليه لانه لا يؤمن أن يقع منه ترك العلم والدخول مع أهل الجهل والتمادي في ذلك.

وحرم ما اهل به لغير الله عزوجل للذي أوجب الله عزوجل على خلقه من الاقرار به ، وذكر اسمه على الذبائح المحللة ، ولئلا يسوى بين ما تقرب به إليه ، وبين ما جعل عبادة للشياطين والاوثان ، لان في تسمية الله عزوجل الاقرار بربوبيته وتوحيده ، وما في الاهلال لغير الله من الشرك به والتقرب به إلى غيره ، ليكون ذكر الله تعالى وتسميته على الذبيحة فرقا بين ما أحل الله وبين ما حرم الله ، وحرم سباع الطير والوحش كلها لاكلها من الجيف ولحوم الناس والعذرة وما أشبه ذلك فجعل الله عزوجل دلائل ما أحل من الوحش والطير وما حرم كما قال أبي عليه‌السلام : كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير حرام ، وكلما كانت له قانصة من الطير فحلال. وعلة اخرى يفرق بين ما احل من الطير وما حرم قوله عليه‌السلام : كل ما دف ، ولا تأكل ما صف.

وحرم الارنب لانها بمنزلة السنور ولها مخاليب كمخاليب السنور وسباع الوحش فجرت مجراها ، مع قذرها في نفسها ، وما يكون منها من الدم كما يكون من النساء لانها مسخ.

وعلة تحريم الربا إنما نهى الله عنه لما فيه من فساد الاموال لان الانسان إذا اشترى الدرهم بالدرهمين كان ثمن الدرهم درهما ، وثمن الآخر باطلا ، فبيع الربا وشراه وكس على كل حال على المشتري وعلى البائع ، فحظر الله عزوجل الربا لعلة فساد الاموال كما حظر على السفيه أن يدفع إليه ماله ، لما يتخوف عليه من إفساده حتى يؤنس منه رشد ، (١) فلهذه العلة حرم الله الربا وبيع الدرهم بالدرهمين يدا بيد.

وعلة تحريم الربا بعد البينة لما فيه من الاستخفاف بالحرام المحرم وهي كبيرة بعد البيان وتحريم الله لها ، ولم يكن ذلك منه إلا استخفافا بالمحرم للحرام ، والاستخفاف ذلك دخول في الكفر.

__________________

(١) في بعض النسخ : رشده. م

٩٩

وعلة تحريم الربا بالنسية لعلة ذهاب المعروف ، وتلف الاموال ، ورغبة الناس في الربح ، وتركهم القرض ، والقرض من صنائع المعروف ، ولما في ذلك من الفساد والظلم وفناء الاموال.

وحرم الخنزير لانه مشوه ، جعله الله عزوجل عظة للخلق وعبرة وتخويفا ودليلا على ما مسخ على خلقته ، ولان غذاءه أقذر الاقذار مع علل كثيرة ، وكذلك حرم القرد لانه مسخ مثل الخنزير ، وجعل عظة وعبرة للخلق ودليلا على ما مسخ على خلقته وصورته ، وجعل فيه شيئا من الانسان (١) ليدل على أنه من الخلق المغضوب عليه. وحرمت الميتة لما فيها من فساد الابدان والآفة ، ولما أراد الله عزوجل أن يجعل التسمية سببا للتحليل وفرقا بين الحلال والحرام.

وحرم الله عزوجل الدم كتحريم الميتة لما فيه من فساد الابدان ، ولانه يورث الماء الاصفر ، ويبخر الفم ، وينتن الريح ، ويسيئ الخلق ، ويورث القسوة للقلب ، وقلة الرأفة والرحمة حتى لا يؤمن أن يقتل ولده ووالده وصاحبه.

وحرم الطحال لما فيه من الدم ، ولان علته وعلة الدم والميتة واحدة ، لانه يجري مجراها في الفساد.

وعلة المهر ووجوبه على الرجال ولا يجب على النساء أن يعطين أزواجهن لان على الرجال مؤونة المرأة لان المرأة بائعة نفسها ، والرجل مشتر ، ولايكون البيع إلا بثمن ، ولا الشراء بغير إعطاء الثمن ، مع أن النساء محظورات عن التعامل والمجئ (٢) مع علل كثيرة.

وعلة تزويج الرجل أربع نسوة وتحريم أن تتزوج المرأة أكثر من واحد لان الرجل إذا تزوج أربع نسوة كان الولد منسوبا إليه ، والمرأة لو كان لها زوجان أو أكثر من ذلك لم يعرف الولد لمن هو ، إذ هم مشتركون في نكاحها ، وفي ذلك فساد الانساب والمواريث والمعارف.

__________________

(١) في المصدر : شبها من الانسان. م

(٢) في نسخة : المتجر

١٠٠