بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

وإلا شدد الله عليه عند موته حتى يأتي الله ولا ذنب له ، ثم يدخله الجنة. « ص ١٧٢ »

٢٧ ـ سن : ابن محبوب ، عن محمد بن القاسم ، عن داود بن فرقد ، عن يعقوب بن شعيب قال : لابي عبدالله عليه‌السلام : رجل يعمل بكذا وكذا ـ فلم أدع شيئا إلا قلته ـ وهو يعرف هذا الامر ، فقال : هذا يرجى له والناصب لا يرجى له ، وإن كان كما تقول لا يخرج من الدنيا حتى يسلط الله عليه شيئا يكفر الله عنه به ، إما فقرا وإما مرضا. « ص ١٧٢ »

٢٨ ـ جع : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : فوالذي نفس محمد بيده لو يرون مكانه و يسمعون كلامه لذهلوا عن ميتهم ولبكوا على نفوسهم ، حتى إذا حمل الميت على نعشه رفرف روحه فوق النعش ، وهو ينادي : يا أهلي وياولدي لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي فجمعت المال من حله وغير حله ، ثم خلفته لغيري فالمهنأ له والتبعة علي ، فاحذروا مثل ما حل بي. وقيل : ما من ميت يموت حتى يتراءى له ملكان الكاتبان عمله فإن كان مطيعا قالا له : جزاك الله عنا خيرا ، فرب مجلس صدق أجلستنا ، وعمل صالح قد أحضرتنا ، وإن كان فاجرا قالا : لا جزاك الله عنا خيرا فرب مجلس سوء قد أجلستنا ، وعمل غير صالح قد أحضرتنا ، وكلام قبيح قد أسمعتنا.

٢٩ ـ وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا رضي الله عن عبد قال : ياملك الموت اذهب إلى فلان فأتني بروحه ، حسبي من عمله ، قد بلوته فوجدته حيث احب ، فينزل ملك الموت و معه خمسمائة من الملائكة معهم قضبان الرياحين واصول الزعفران ، كل واحد منهم يبشره ببشارة سوى بشارة صاحبه ، ويقوم الملائكة صفين لخروج روحه ، معهم الريحان فإذا نظر إليهم إبليس وضع يده على رأسه ثم صرخ ، فيقول له جنوده : مالك ياسيدنا؟ فيقول : أما ترون ما اعطي هذا العبد من الكرامة؟ أين كنتم عن هذا؟ قالوا : جهدنا به فلم يطعنا.

٣٠ ـ كنز : أبوطاهر المقلد بن غالب ، عن رجاله بإسناده المتصل إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام : وهوساجد يبكي علا نحيبه وارتفع صوته بالبكاء ، فقلنا : يا أمير

١٦١

المؤمنين لقد أمرضنا بكاؤك وأمضنا وشجانا ، (١) وما رأيناك قد فعلت مثل هذا الفعل قط ، فقال : كنت ساجدا أدعوا ربي بدعاء الخيرات في سجدتي فغلبني عيني فرأيت رؤيا هالتني وأقلقتني ، رأيت رسول الله (ص) قائما وهو يقول : يا أبا الحسن طالت غيبتك فقد اشتقت إلى رؤياك ، وقد أنجز لي ربي ما وعدني فيك. فقلت يارسول الله وما الذي أنجز لك في؟ قال : أنجز لي فيك وفي زوجتك وابنيك وذريتك في الدرجات العلى في عليين ، قلت : بأبي أنت وامي يا رسول الله فشيعتنا؟ قال : شيعتنا معنا ، وقصورهم بحذاء قصورنا ، ومنازلهم مقابل منازلنا ، قلت : يارسول الله فما لشيعتنا في الدنيا؟ قال : الامن والعافية ، قلت : فما لهم عند الموت؟ قال : يحكم الرجل في نفسه ويؤمر ملك الموت بطاعته ، قلت : فما لذلك حد يعرف؟ قال : بلى ، إن أشد شيعتنا لنا حبا يكون خروج نفسه كشرب أحدكم في يوم الصيف الماء البارد الذي ينتقع به القلوب وإن سائرهم ليموت كما يغبط أحدكم على فراشه كأقر ما كانت عينه بموته.

٣١ ـ فر : أبوالقاسم العلوي معنعنا عن أبي بصير قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام جعلت فداك يستكره المؤمن على خروج نفسه؟ قال : فقال : لا والله ، قال : قلت : وكيف ذاك ، قال : إن المؤمن إذا حضرته الوفاة حضر رسول الله (ص) وأهل بيته : أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين وجميع الائمة عليهم الصلاة والسلام ، ـ ولكن أكنوا عن اسم فاطمة ـ ويحضره جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل (٢) عليهم‌السلام ، قال : فيقول أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام : يارسول الله إنه كان ممن يحبينا ويتولانا فأحبه ، قال فيقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ياجبرئيل إنه ممن كان يحب عليا وذريته فأحبه ، وقال جبرئيل لميكائيل وإسرافيل عليهم‌السلام مثل ذلك ، ثم يقولون جميعا لملك الموت : إنه ممن كان يحب محمدا وآله ويتولى عليا وذريته فارفق به قال فيقول ملك الموت : والذي اختاركم وكرمكم واصطفى محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله بالنبوة ، وخصه بالرسالة لانا أرفق به من والد رفيق ، وأشفق عليه من أخ شفيق ، ثم قام إليه

__________________

(١) أمضه الامر : أحرقه وشق عليه. أمضه الجرح ونحوه : أوجعه. وشجا الرجل : أحزنه.

(٢) في المصدر : وعزرائيل وملك الموت. م

١٦٢

ملك الموت فيقول : يا عبدالله أخذت فكاك رقبتك؟ أخذت رهان أمانك؟ فيقول : نعم ، فيقول الملك : فبماذا؟ فيقول : بحبي محمدا وآله ، وبولايتي علي بن أبي طالب وذريته ، فيقول : أما ما كنت تحذر فقد آمنك الله منه ، وأما ما كنت ترحو فقد أتاك الله به ، افتح عينيك فانظر إلى ما عندك ، قال : فيفتح عينيه فينظر إليهم واحدا واحدا ، ويفتح له باب إلى الجنة فينظر إليها ، فيقول له : هذا ما أعد الله لك ، وهؤلاء رفقاؤك ، أفتحب اللحاق بهم أو الرجوع إلى الدنيا؟ قال : فقال أبوعبدالله عليه‌السلام : أما رأيت شخوصه (١) ورفع حاجبيه إلى فوق من قوله : لا حاجة لي إلى الدنيا ولا الرجوع إليها؟ ويناديه مناد من بطنان العرش يسمعه ويسمع من بحضرته : يا أيتها النفس المطمئنة إلى محمد ووصية والائمة من بعده ارجعي إلى ربك راضية بالولاية ، مرضية بالثواب ، فادخلي في عبادي مع محمد وأهل بيته وادخلي جنتى غير مشوبة. « ص ٢١٠ »

بيان : قوله عليه‌السلام : ولكن أكنوا عن اسم فاطمة أي لا تصرحوا باسمها عليها‌السلام لئلا يصير سببا لانكار الضعفاء من الناس.

قوله عليه‌السلام : من قوله : لا حاجة أي رفع حاجبيه إشارة إلى الاباء والامتناع عن الرجوع إلى الدنيا. قوله عليه‌السلام : غير مشوبة أي حال كون الجنة غير مشوبة بالمحن والآلام.

٣٢ ـ فر : محمد بن عيسى بن زكريا الدهقان ، معنعنا عن محمد بن سليمان الديلمي ، عن أبيه قال : سمع الافريقي يقول : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن المؤمن : أيستكره على قبض روحه؟ قال : لا والله ، قلت : وكيف ذاك؟ قال : لانه إذا حضره ملك الموت جزع ، فيقول له ملك الموت : لا تجزع فوالله لانا أبر بك وأشفق (٢) من والد رحيم لو حضرك ، افتح عينيك وانظر ، قال : ويتهلل له رسول الله وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب والحسن و الحسين والائمة من بعدهم والزهراء عليهم الصلاة والسلام ، قال : فينظر إليهم فيستبشر بهم ،

__________________

(١) شخص الشئ : ارتفع. شخص بصره : فتح عينيه فلم يطرف ، شخص الميت بصره وببصره : رفعه. وفى المصدر : شخصه.

(٢) في المصدر : واشفق عليك. م

١٦٣

فما رأيت شخوصه؟ (١) قلت : بلى ، قال : فإنما ينظر إليهم قال : قلت : جعلت فداك قد يشخص المؤمن والكافر ، قال : ويحك إن الكافر يشخص منقلبا إلى خلفه لان ملك الموت إنما يأتيه ليحمله من خلفه ، والمؤمن أمامه ، وينادي روحه مناد من قبل رب العزة من بطنان العرش فوق الافق الاعلى ويقول : يا أيتها النفس المطمئنة إلى محمد وآله ـ صلوات الله عليهم ـ ارجعي إلى ربك راضية مرضية ، فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ، فيقول ملك الموت : إني قد امرت أن اخيرك الرجوع إلى الدنيا والمضي ، فليس شئ أحب إليه من إسلال روحه. (٢) « ص ٢١٠ »

٣٣ ـ نهج : لا ينزجر من الله بزاجر ، ولا يتعظ منه بواعظ ، وهو يرى المأخوذين على الغرة (٣) حيث لا إقالة ولا رجعة كيف نزل بهم ما كانوا يجهلون ، وجاءهم من فراق الدنيا ما كانوا يأمنون ، (٤) وقدموا من الآخرة على ما كانوا يوعدون ، فغير موصوف ما نزل بهم ، (٥) اجتمعت عليهم سكرة الموت وحسرة الفوت ، ففترت لها أطرافهم ، و تغيرت لها ألوانهم ، ثم ازداد الموت فيهم ولوجا فحيل بين أحدهم وبين منطقه ، وإنه لبين أهله ينظر ببصره ويسمع باذنه على صحة من عقله وبقاء من لبه ، ويفكر فيم أفنى عمره؟ وفيم أذهب دهره؟ ويتذكر أموالا جمعها أغمض في مطالبها ، (٦) وأخذها من مصرحاتها (٧) ومشتبهاتها ، قد لزمته تبعات جمعها ، (٨) وأشرف على فراقها ، تبقى

__________________

(١) في المصدر : شخصه. م

(٢) من سل الشئ من الشئ : إذا انتزعه وأخرجه برفق.

(٣) بكسر الغين المعجمة أى بغتة وعلى غفلة.

(٤) من الموت وما بعده ، لان الغافل حال انهماكه في لذات الدنيا واشتغاله باللهو واللعب فيها لا يعرض له خوف الموت ، بل يكون آمنا منه وغافلا عنه.

(٥) أى لا يمكن توصيف ما نزل بهم من الاهوال والحسرات حقيقة ، بل كل ما يقال في ذلك تمثيل يقرب ذلك إلى ذهن الفاهم.

(٦) أى تساهل في وجوه اكتسابها ، لم يفرق بين حلالها وحرامها ، فكأنه أغمض عينيه وأطبق جفنيها فلم ينظر إلى حرامها ومشتبهها.

(٧) الصرح : الخالص من كل شئ.

(٨) تبعات بفتح فكسر : ما يطالبه به الناس من حقوقهم فيها أو ما يحاسبه به الله من منع حقه منها وتخطى حدود شرعه في جمعها.

١٦٤

لمن وراءه ينعمون بها (١) فيكون المهنأ لغيره ، (٢) والعبء على ظهره ، والمرء قد غلقت رهونه بها ، يعض يده ندامة على ما اصحر له عند الموت من أمره ، ويزهد فيما كان يرغب فيه أيام عمره ، ويتمنى أن الذي كان يغبطه بها ويحسده عليها قد حازها دونه ، فلم يزل الموت يبالغ في جسده حتى خالط سمعه ، (٣) فصار بين أهله لا ينطق بلسانه ولا يسمع بسمعه ، يردد طرفه بالنظر في وجوههم ، يرى حركات ألسنتهم ولا يسمع رجع كلامهم ، ثم ازداد الموت التياطا فقبض بصره كما قبض سمعه ، وخرجت الروح من جسده فصار جيفة بين أهله ، قد أوحشوا من جانبه ، وتباعدوا من قربه ، لا يسعد باكيا ولا يجيب داعيا ، ثم حملوه إلى مخط من الارض ، (٤) وأسلموه فيه إلى عمله ، وانقطعوا عن زورته حتى إذا بلغ الكتاب أجله. إلى آخر ما سيأتي في باب صفة المحشر.

بيان : ما كانوا يجهلون أي من تفصيل أهواله وسكراته أو لعدم استعدادهم له كأنهم جاهلون ، والولوج : الدخول : والمصرحات : يحتمل الحلال الصريح والحرام الصريح ، والعبء بالكسر : الحمل ، (٥) ويقال : غلق الرهن يغلق غلوقا : إذا بقي في يد المرتهن لا يقدر راهنه على فكه ، على ما اصحر له أي انكشف ، وأصله الخروج إلى الصحراء ، والضمير في أمره راجع إلى الموت أو المرء ، ولا يسمع رجع كلامهم أي ما يتراجعونه بينهم من الكلام ، والالتياط : الالتصاق ، قد أوحشوا من جانبه أي وجعلوا مستوحشين ، والمستوحش : المهموم الفزع.

٣٤ ـ كا : العدة ، عن سهل ، (٦) عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة قال : سمعت

__________________

(١) الموجود في النهج : ينعمون فيها ويتمتعون بها.

(٢) المهنأ : ما أتاك بلا مشقة.

(٣) في النهج : حتى خالط لسانه سمعه. أى شارك السمع اللسان عن أداء وظيفته ، وفيه إشارة إلى أن ما تبطل أولا من الاعضاء اللسان ، ثم السمع ، ثم البصر.

(٤) المخط : موضع الخط : كناية عن القبر ، يخط أولا ثم يحفر. ويروى بالحاء ، ومحط القوم : منزلهم ، قاله ابن ميثم.

(٥) والثقل.

(٦) الصحيح كما في الكافى والمرآت : سهل بن زياد ، عن محمد بن على ، عن محمد بن الفضيل.

١٦٥

أبا جعفر عليه‌السلام يقول : إن آية المؤمن إذا حضره الموت يبيض وجهه أشد من بياض لونه ، ويرشح جبينه ، ويسيل من عينيه كهيئة الدموع فيكون ذلك خروج نفسه ، وإن الكافر تخرج نفسه سيلا من شدقه ، (١) كزبد البعير ، أو كما تخرج نفس البعير. « ف ج ١ ص ٣٨ »

٣٥ ـ كا : علي ، عن أبيه ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن إدريس القمي قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : إن الله عزوجل يأمر ملك الموت فيرد نفس المؤمن ليهون عليه ويخرجها من أحسن وجهها فيقول الناس : لقد شدد على فلان الموت ، وذلك تهوين من الله عزوجل عليه. وقال : يصرف عنه إذا كان ممن سخط الله عليه ، أو ممن أبغض الله أمره أن يجذب الجذبة التي بلغتكم بمثل السفود من الصوف المبلول ، فيقول الناس : لقد هون على فلان الموت. « ف ج ١ ص ٣٨ »

بيان : قوله عليه‌السلام : فيرد نفس المؤمن أي يرد الروح إلى بدنه بعد قرب النزع مرة بعد اخرى لئلا يشق عليه مفارقة الدنيا دفعة ، والكافر يصرف عنه ذلك ، وقيل : يراه منزله في الجنة ثم يرد إليه الروح كاملا ليرضى بالموت ويهون عليه ، أو يرد عليه روحه مرة بعد اخرى ليخفف بذلك سيئاته ويهون عليه أمر الآخرة ، والاول أظهر. والسفود بالتشديد : الحديدة التي يشوى بها اللحم.

٣٦ ـ فس : في قوله تعالى : « إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا » أي على ولاية أمير المؤمينين عليه‌السلام « نتنزل عليهم الملائكة » قال : عند الموت « ألا تخافوا ولا تحزنوا و أبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا » قال : كنا نحرسكم من الشياطين « وفي الآخرة » أي عند الموت « ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون » يعني في الجنة « نزلا من غفور رحيم ». « ص ٥٩٢ ـ ٥٩٣ »

٣٧ ـ كا : علي ، عن عبدالله بن المغيرة ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن الميت إذا حضره الموت أوثقه ملك الموت ولولا ذلك ما استقر. (٢) « ف ج ١ ص ٦٨ ـ ٦٩ »

__________________

(١) الشدق : جانب الفم.

(٢) قال المصنف قدس الله روحه في كتابه مرآت العقول ـ بعد تضعيفه الحديث ـ : الايثاق إما *

١٦٦

٣٨ ـ يه : سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : كيف يتوفى ملك الموت المؤمن؟ فقال : إن ملك الموت ليقف من المؤمن عند موته موقف العبد الذليل من المولى فيقوم هو وأصحابه لا يدنو منه حتى يبدأ (١) بالتسليم ويبشره بالجنة. « ص ٣٣ »

٣٩ ـ لى : بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من صام من رجب أربعة وعشرين يوما فإذا نزل به ملك الموت تراءى له في صورة شاب ، عليه حلة من ديباج أخضر ، على فرس من أفراس الجنان ، وبيده حرير أخضر ممسك بالمسك الاذفر ، وبيده قدح من ذهب مملوء من شراب الجنان ، فسقاه إياه عند خروج نفسه يهون عليه سكرات الموت ، ثم يأخذ روحه في تلك الحرير فيفوح منها رائحة يستنشقها أهل سبع سماوات فيظل في قبره ريان حتى يرد حوض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله . « ص ٣٢١ »

أقول : سيأتي الحديث بإسناده في كتاب الصوم.

٤٠ ـ ما : المفيد ، عن الجعابي ، عن ابن عقدة ، عن أحمد بن سلمة ، عن إبراهيم بن محمد ، عن الحسن بن حذيفة ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : مرض رجل من أصحاب سلمان رحمه الله فافتقده فقال : أين صاحبكم؟ قالوا : مريض ، قال : امشوا بنا نعوده ، فقاموا معه فلما دخلوا على الرجل إذا هو يجود بنفسه ، فقال سلمان : يا ملك الموت ارفق بولى الله ، فقال ملك الموت بكلام سمعه من حضر : يا أبا عبدالله إني أرفق بالمؤمنين ، ولو ظهرت لاحد لظهرت لك. « ص ٨٠ »

عد : الاعتقاد في الموت قيل لامير المؤمنين عليه‌السلام : صف لنا الموت ، فقال : على الخبير سقطتم ، وساق الحديث إلى آخر ما رويناه من كتاب معاني الاخبار عن كل إمام في ذلك. (٢) وقال الشيخ المفيد قدس الله روحه في شرحه : ترجم الباب بالموت وذكر غيره وقد كان ينبغي أن يذكر حقيقة الموت ، أو يترجم الباب بمآل الموت وعاقبة الاموات

__________________

* على الحقيقة وإن لم ترا الوثاق ، أو هو كناية عن أن بعد رؤيته لا تبقى له قوة تقدر على الحركة ، وقال الوالد رحمه الله : يوثقه بالبشارة بما أعد الله له ، أو باراءة الجنة ومراتبها المعدة له : أو بمشاهدته ، كما ترى أنه إذا رأى الشخص أسدا كأنه يتوثق ولا يمكنه الحركة ، أو بأنياب المنية ، أو بغير ذلك مما لا يعلمه إلا الله تعالى وحججه عليهم‌السلام.

(١) في المصدر : حتى يبدأه. م

(٢) تقدم الحديث تحت رقم ٩.

١٦٧

فالموت هو مضاد الحياة ، يبطل معه النمو ، ويستحيل معه الاحساس ، وهو من فعل الله تعالى ، ليس لاحد فيه صنع ، ولا يقدر عليه أحد إلا الله تعالى ، قال الله سبحانه : « وهو الذي يحيى ويميت » (١) فأضاف الاحياء والاماتة إلى نفسه ، وقال : « الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا » (٢) فالحياة ما كان بها النمو والاحساس ، ويصح معها القدرة والعلم ، والموت ما استحال معه النمو والاحساس ، ولم يصح معه القدرة والعلم ، وفعل الله تعالى الموت بالاحياء لنقلهم من دار العمل والامتحان إلى دار الجزاء والمكافاة ، وليس يميت الله عبدا إلا وإماتته أصلح له من بقائه ، ولا يحييه إلا وحياته أصلح له من موته ، وكل ما يفعله الله تعالى بخلقه فهو أصلح لهم وأصوب في التدبير ، وقد يمتحن الله تعالى كثيرا من خلقه بالالآم الشديدة قبل الموت ويعفي آخرين من ذلك ، وقد يكون الالم المتقدم للموت ضربا من العقوبة لمن حل به ، ويكون استصلاحا له ولغيره ، ويعقبه نفعا عظيما وعوضا كثيرا ، وليس كل من صعب عليه خروج نفسه كان بذلك معاقبا ، ولا كل من سهل عليه الامر في ذلك كان به مكرما مثابا ، وقد ورد الخبر (٣) بأن الآلام التي تتقدم الموت تكون كفارات لذنوب المؤمنين ، وتكون عقابا للكافرين ، وتكون الراحة قبل الموت استدراجا للكافرين ، وضربا من ثواب المؤمنين ، وهذا أمر مغيب عن الخلق ، لم يظهر الله تعالى أحدا من خلقه على إرادته فيه ، تنبيها له حتى يميز له حال الامتحان من حال العقاب ، وحال الثواب من حال الاستدراج ، تغليظا للمحنة ليتم التدبير الحكمي في الخلق.

فأما ما ذكره أبوجعفر من أحوال الموتى بعد وفاتهم فقد جاءت الآثار به على التفصيل ، وقد أورد بعض ما جاء في ذلك إلا أنه ليس مما ترجم به الباب في شئ ، و الموت على كل حال أحد بشارات المؤمن ، إذ كان أول طرقه إلى محل النعيم ، وبه يصل إلى ثواب الاعمال الجميلة في الدنيا ، وهو أول شدة تلحق الكافر من شدائد العقاب

__________________

(١) المؤمن : ٦٨.

(٢) الملك : ٢.

(٣) تقدم في الباب أخبار عديدة تدل على ذلك.

١٦٨

وأول طرقه إلى حلول العقاب إذ كان الله تعالى جعل الجزاء على الاعمال بعده ، وصيره سببا لنقله من دار التكليف إلى دار الجزاء ، وحال المؤمن بعد موته أحسن من حاله قبله ، وحال الكافر بعد موته أسوء من حاله قبله ، إذ المؤمن صائر إلى جزائه بعد مماته ، والكافر صائر إلى جزائه بعد مماته.

٤١ ـ وقد جاء الحديث من آل محمد عليهم‌السلام أنهم قالوا : الدنيا سجن المؤمن ، والقبر بيته ، والجنة مأواه ، والدنيا جنة الكافر ، والقبر سجنه ، والنار مأواه.

٤٢ ـ وروي عنهم عليهم‌السلام أنهم قالوا : الخير كله بعد الموت ، والشر كله بعد الموت. ولا حاجة بنا مع نص القرآن بالعواقب إلى الاخبار ، وقد ذكر الله جزاء الصالحين فبينه ، وذكر عقاب الفاسقين ففصله ، وفي بيان الله وتفصيله غنى عما سواه انتهى.

أقول : سيأتي خبر طويل يشتمل على تكلم سلمان مع الاموات في باب أحواله رضي‌الله‌عنه.

٤٣ ـ كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن سليمان بن داود ، عن أبي بصير قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام قوله عزوجل : « فلولا إذا بلغت الحلقوم » إلى قوله : « إن كنتم صادقين » فقال إنها إذا بلغت الحلقوم اري (١) منزله في الجنة فيقول : ردوني إلى الدنيا حتى اخبر أهلي بما أرى ، فيقال له : ليس إلى ذلك سبيل. « ف ج ١ ص ٣٨ »

٤٤ ـ كا : علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن الهيثم بن واقد ، عن رجل ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : دخل رسول الله (ص) على رجل من أصحابه وهو يجود بنفسه فقال : ياملك الموت ارفق بصاحبي فإنه مؤمن ، فقال : أبشر يا محمد فإني بكل مؤمن رفيق ، واعلم يا محمد إني أقبض روح ابن آدم فيجزع أهله فأقوم في ناحية من دارهم فأقول : ما هذا الجزع فوالله ما تعجلناه قبل أجله ، وماكان لنا في قبضه من ذنب ، فإن تحتسبوه وتصبروا تؤجروا ، وإن تجزعوا تأثموا وتوزروا ، واعلموا أن لنا فيكم عودة ثم عودة ، فالحذر الحذر! إنه ليس في شرقها ولا في غربها (٢) أهل بيت

__________________

(١) في المصدر : ثم ارى. م.

(٢) الضمير في الكلمتين يرجع إلى الارض ، ولم يذكرها اعتمادا على القرينة.

١٦٩

مدر ولا وبر (١) إلا وأنا أتصفحهم في كل يوم خمس مرات ، ولانا أعلم بصغيرهم و كبيرهم منهم بأنفسهم ، ولو أردت قبض روح بعوضة ما قدرت عليها حتى يأمرني ربي بها. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنما يتصفحهم في مواقيت الصلاة ، فإن كان ممن يواظب عليها عند مواقيتها لقنه شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، ونحى عنه ملك الموت إبليس. « ف ج ١ ص ٣٨ »

٤٥ ـ كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن المفضل بن صالح ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام مثله بأدني تغيير. « ف ج ١ ص ٣٨ »

بيان : استدل بهذا الخبر على أن القابض لارواح غير الانسان من الحيوانات أيضا هو ملك الموت عليه‌السلام ، وفيه نظر.

٤٦ ـ كا : علي ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال ، إن أمير المؤمنين صلوات الله عليه اشتكى عينه فعاده النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فإذا هو يصيح ، فقال له النبي (٢) أجزعا أم وجعا؟ فقال : يا رسول الله ما وجعت وجعا قط أشد منه! فقال : يا علي إن ملك الموت إذا نزل لقبض روح الكافر نزل معه سفود من نار فنزع روحه به فتصيح جهنم ، فاستوى علي عليه‌السلام جالسا فقال : يارسول الله أعد علي حديثك فقد أنساني وجعي ما قلت ، ثم قال : هل يصيب ذلك أحدا من امتك؟ قال : نعم حاكم جائر ، وآكل مال اليتيم ظلما ، وشاهد زور. « ف ج ١ ص ٧٠ »

٤٧ ـ كا : على بن محمد ، عن بعض أصحابنا ، عن علي بن الحكم ، عن ربيع بن محمد ، عن عبدالله بن سليم العامري ، عن ابي عبدالله (ع) قال : إن عيسى بن مريم عليه‌السلام جاء إلى قبر يحيى بن زكريا عليهما‌السلام وكان سأل ربه أن يحييه له ، فدعاه فأجابه وخرج إليه من القبر ، فقال له : ما تريد مني؟ فقال له : اريد أن تؤنسني كما كنت في الدنيا ، فقال له : يا عيسى ما سكنت عني حرارة الموت (٣) وأنت تريد أن تعيدني إلى

__________________

(١) أراد من أهل بيت المدر أهل القرى ، ومن أهل بيت الوبر أهل البوادي وأهل الفساطيط والخيم.

(٢) في المصدر : فقال النبي. م

(٣) في نسخة من الكافي : مرارة السوق. وفى الوافى : حزازة السوق. وهو وجع في القلب من الغيظ ونحوه. والسوق بالفتح : النزع كأن روح الانسان تساق لتخرج من بدنه.

١٧٠

الدنيا وتعود علي حرارة الموت ، فتركه فعاد إلى قبره. « ف ج ١ ص ٧٢ »

بيان : لعل ذوق حرارة الموت إنما يكون بعد استمرار التعيش في الدنيا و عود التعلقات كما كانت.

٤٨ ـ كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيوب ، عن يزيد الكناسي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إن فتية من أولاد ملوك بني إسرائيل كانوا متعبدين ، وكانت العبادة في أولاد ملوك بني إسرائيل ، وأنهم خرجوا يسيرون في البلاد ليعتبروا فمروا بقبر على ظهر الطريق (١) قد سفى عليه السافي ، ليس يتبين منه إلا رسمه ، (٢) فقالوا : لو دعونا الله الساعة فينشر لنا صاحب هذا القبر فساءلناه كيف وجد طعم الموت؟ فدعوا الله ، وكان دعاؤهم الذي دعوا الله به : أنت إلهنا ياربنا ، ليس لنا إله غيرك ، والبديع الدائم ، غير الغافل ، الحي الذي لا يموت ، لك في كل يوم شأن ، تعلم كل شئ بغير تعليم ، انشر لنا هذا الميت بقدرتك. قال : فخرج من ذلك القبر رجل أبيض الرأس و اللحية ينفض رأسه من التراب فزعا ، شاخصا بصره إلى السماء ، فقال لهم : ما يوقفكم على قبري؟ فقالوا : دعوناك لنسألك كيف وجدت طعم الموت؟ فقال لهم : لقد سكنت (٣) في قبري تسعة وتسعين سنة ، ما ذهب عني ألم الموت وكربه ، ولا خرج مرارة طعم الموت من حلقى ، فقالوا له : مت يوم مت وأنت على ما نرى أبيض الرأس واللحية؟ قال : لا ، ولكن لما سمعت الصيحة : « اخرج » اجتمعت تربة عظامي إلى روحى ، فبقيت فيه فخرجت فزعا ، شاخصا بصري ، مهطعا (٤) إلى صوت الداعي ، فابيض لذلك رأسي ولحيتي. « ف ج ١ ص ٧٢ »

توضيح : قال الجزري : السافي : الريح التي تسفي التراب.

__________________

(١) في المصدر : على ظهر طريق « الطريق خ ل ». م

(٢) في المصدر : ليس منه الا رسمه. م

(٣) في المصدر : سكنت « مكثت خ ل ». م

(٤) هطع كمنع هطعا وهطوعا : أسرع مقبلا خائفا ، وأقبل ببصره على الشئ ولا يقلع عنه ، وأهطع : مد عنقه وصوب رأسه.

١٧١

٤٩ ـ محص : عن منصور ، عن معاوية ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قال الله تعالى : ما من عبد اريد أن ادخله الجنة إلا ابتليته في جسده ، فإن كان ذلك كفارة لذنوبه وإلا سلطت عليه سلطانا ، فإن كان ذلك كفارة لذنوبه وإلا ضيقت عليه في رزقه ، فإن كان ذلك كفارة لذنوبه وإلا شددت عليه عند الموت متى؟ يأتيني ولا ذنب له ثم أدخله الجنة ، وما من عبد اريد أن ادخله النار إلا صححت له جسمه ، فإن كان ذلك تمام طلبته عندي وإلا آمنت خوفه من سلطانه فإن كان ذلك تمام طلبته عندي وإلا وسعت عليه رزقه ، فإن كان ذلك تمام طلبته عندي وإلا يسرت عليه عند الموت حتى يأتيني ولا حسنة له ثم ادخله النار.

أقول : سيأتي مثله بأسانيد في باب شدة ابتلاء المؤمن وباب علة ابتلائه.

٥٠ ـ ما : الغضائري ، عن علي بن محمد العلوي ، عن الحسن بن علي بن صالح الصوفي ، عن أحمد بن الحسن الحسيني ، عن الحسن بن علي ، عن أبيه ، عن محمد بن علي بن موسى ، عن أبيه ، عن جده (ع) قال : قيل للصادق جعفر بن محمد (ع) : صف لنا الموت ، قال : للمؤمن كأطيب طيب يشمه فينعس لطيبه وينقطع التعب والالم عنه ، والكافر (١) كلسع الافاعي ولدغ العقارب وأشد. « ص ٥٥ »

٥١ ـ ما : جماعة ، عن أبي المفضل ، عن عبدالله بن محمد بن قيس ، عن أبي الحسن الثالث ، عن آبائه (ع) قال : قال رسول الله (ص) : الناس اثنان : رجل أراح ، ورجل استراح ، فأما الذي استراح (٢) فالمؤمن استراح من الدنيا ونصبها ، وافضي إلى رحمة الله وكريم ثوابه ، وأما الذي أراح فالفاجر أراح (٣) منه الناس والشجر والدواب و افضي إلى ما قدم « ص ١٠٦ ـ ١٠٧ »

٥٢ ـ دعوات الراوندي : روي بأن المحتضر يحضره صف من الملائكة عن يمينه عليهم ثياب خضر ، وصف عن يساره عليهم ثياب سود ، ينتظر كل واحد من الفريقين في قبض روحه ، والمريض ينظر إلى هؤلاء مرة وإلى هؤلاء اخرى ، ويبعث الله

__________________

(١) كذا في النسخ والظاهر : للكافر.

(٢) ليس في المصدر جملة « فاما الذي استراح ». م

(٣) في المصدر : راح.

١٧٢

ملكا إلى المؤمن يبشره ، ويأمر ملك الموت أن يتراءى له في أحسن صورة ، فإذا أخذ في قبض روحه وارتقى إلى ركبتيه شفع إلى جبرئيل وقد أمره الله أن ينزل إلى عبده أن يرخص له في توديع أهله وولده ، فيقول له : أنت مخير بين أن أمسح عليك جناحي ، أو تنظر إلى ميكائيل ، فيقول : أين ميكائيل؟ فإذا به وقد نزل في جوق من الملائكة فينظر إليه ويسلم عليه ، فإذا بلغت الروح إلى بطنه وسرته شفع إلى ميكائيل أن يمهله فيقول له : أنت مخير بين أن أمسح عليك جناحي ، أو تنطر إلى الجنة ، فيختار النظر إلى الجنة فيتضاحك ، ويأمر الله ملك الموت أن يرفق به ، فإذا فارقته روحه تبعاه الملكان اللذان كانا موكلين به يبكيان ويترحمان عليه ، ويقولان : رحم الله هذا العبد كم أسمعنا الخير ، وكم أشهدنا على الصالحات ، وقالا : يا ربنا إنا كنا موكلين به وقد نقلته إلى جوارك فما تأمرنا؟ فيقول تعالى : تلزمان قبره وتترحمان عليه وتستغفران له إلى يوم القيامة ، فإذا كان يوم القيامة أتياه بمركب فأركباه ومشيا بين يديه إلى الجنة وخدماه في الجنة.

(باب ٧)

*(ما يعاين المؤمن والكافر عند الموت وحضور الائمة عليهم السلام)*

*(عند ذلك وعند الدفن ، وعرض الاعمال عليهم صلوات الله عليهم)*

١ ـ م : إن المؤمن الموالي لمحمد وآله الطيبين ، والمتخذ لعلي بعد محمد إمامه الذي يحتذي مثاله ، وسيده الذي يصدق أقواله ويصوب أفعاله ويطعيه بطاعته من يندبه من أطائب ذريته لامور الدين وسياسته ، إذا حضره من أمر الله تعالى ما لا يرد ونزل به من قضائه ما لا يصد ، وحضره ملك الموت وأعوانه وجد عند رأسه محمدا رسول الله ، ومن جانب آخر عليا سيد الوصيين ، وعند رجليه من جانب الحسن سبط سيد النبيين ، ومن جانب آخر الحسين سيد الشهداء أجمعين ، وحواليه بعدهم خيار خواصهم ومحبيهم ، الذين هم سادة هذه الامة بعد ساداتهم من آل محمد ، ينظر العليل المؤمن إليهم فيخاطبهم ـ بحيث يحجب الله صوته عن آذان حاضريه كما يحجب رؤيتنا أهل البيت

١٧٣

ورؤية خواصنا عن أعينهم ليكون إيمانهم بذلك أعظم ثوابا لشدة المحنة عليهم. ـ

فيقول المؤمن : بأبي أنت وامي يا رسول رب العزة ، بأبي أنت وامي ياوصي رسول رب الرحمة ، بأبي أنتما وامي ياشبلي محمد وضرغاميه ، ياولديه ، وسبطيه ، يا سيدى شباب أهل الجنة المقربين من الرحمة والرضوان ، مرحبا بكم معاشر خيار أصحاب محمد وعلي وولديهما ، ما كان أعظم شوقي إليكم! وما أشد سروري الآن بلقائكم! يا رسول الله هذا ملك الموت قد حضرني ولا أشك في جلالتي في صدره لمكانك ومكان أخيك.

فيقول رسول الله (ص) : كذلك هو ، فأقبل رسول الله (ص) على ملك الموت فيقول : ياملك الموت استوص بوصية الله في الاحسان إلى مولانا وخادمنا ومحبنا ومؤثرنا ، فيقول له ملك الموت : يارسول الله مره أن ينظر إلى ما أعد الله له في الجنان ، فيقول له رسول الله (ص) : لينظر إلى العلو فينظر إلى ما لا يحيط به الالباب ، (١) ولا يأتى عليه العدد والحساب.

فيقول ملك الموت : كيف لا أرفق بمن ذلك ثوابه ، وهذا محمد وأعزته زواره؟ يارسول الله لولا أن الله جعل الموت عقبة (٢) لا يصل إلى تلك الجنان إلا من قطعها لما تناولت روحه ، ولكن لخادمك ومحبك هذا اسوة (٣) بك وبسائر أنبياء الله ورسله و أوليائه الذين اذيقوا الموت لحكم الله تعالى.

ثم يقول محمد : يا ملك الموت هاك أخانا قد سلمناه إليك فاستوص به خيرا ، ثم يرتفع هو ومن معه إلى روض الجنان وقد كشف من الغطاء والحجاب لعين ذلك المؤمن العليل فيراهم المؤمن هناك بعد ما كانوا حول فراشه فيقول : يا ملك الموت الوحى الوحى ، (٤) تناول روحي ولا تلبثني ههنا ، فلا صبر لي عن محمد وأعزته ، وألحقني بهم ،

__________________

(١) الموجود في التفسير المطبوع هكذا : فيقول له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : انظر ، فينظر إلى العلو وينظر إلى ما لا يحيط به الالباب.

(٢) العقبة : المرقى الصعب من الجبال.

(٣) الاسوة بضم الهمزة وكسرها وسكون السين : القدوة.

(٤) كلمة تقال في الاستعجال والمعنى : البدار البدار.

١٧٤

فعند ذلك يتناول ملك الموت روحه فيسلها كما يسل الشعرة من الدقيق ، وإن كنتم ترون أنه في شدة فليس هو في شدة بل هو في رخاء ولذة ، فإذا ادخل قبره وجد جماعتنا هناك.

وإذا جاءه منكر ونكير قال أحدهما للآخر : هذا محمد وعلي والحسن والحسين وخيار صحابتهم بحضرة صاحبنا فلنتضع لهما (١) فيأتيان فيسلمان على محمد سلاما مفردا ، ثم يسلمان على علي سلاما مفردا ، ثم يسلمان على الحسنين سلاما يجمعانهما فيه ، ثم يسلمان على سائر من معنا من أصحابنا ، ثم يقولون : قد علمنا يا رسول الله زيارتك في خاصتك لخادمك ومولاك ، ولولا أن الله يريد إظهار فضله لمن بهذه الحضرة من الملائكه ومن يسمعنا من ملائكته بعدهم لما سألناه ، ولكن أمر الله لابد من امتثاله ، ثم يسألانه فيقولان : من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ ومن إمامك؟ وما قبلتك؟ ومن شيعتك؟ ومن إخوانك؟

فيقول : الله ربى ، ومحمد نبيي ، وعلي وصي محمد إمامي ، والكعبة قبلتي ، و المؤمنون الموالون لمحمد وعلي وآلهما وأوليائهما المعادون لاعدائهما إخواني ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وأن أخاه عليا ولي الله ، وأن من نصبهم للامامة من أطائب عترته وخيار ذريته خلفاء الامة وولاة الحق والقوامون بالصدق ، فيقولان : على هذا حييت ، وعلى هذا مت ، وعلى هذا تبعث إن شاء الله تعالى ، وتكون مع من تتولاه في دار كرامة الله ومستقر رحمته.

قال رسول الله صلى الله وعليه واله : وإن كان لاوليائنا معاديا ولاعدائنا مواليا ولاضدادنا بألقابنا ملقبا فإذا جاءه ملك الموت لنزع روحه مثل الله عزوجل لذلك الفاجر سادته الذين اتخذهم أربابا من دون الله ، عليهم من أنواع العذاب ما يكاد نظره إليهم يهلكه ولا يزال يصل إليه من حر عذابهم ما لا طاقة له به ، فيقول له ملك الموت : يا أيها الفاجر الكافر تركت أولياء الله إلى أعدائه ، فاليوم لا يغنون عنك شيئا ، ولا تجد إلى مناص (٢) سبيلا ، فيرد عليه من العذاب ما لو قسم أدناه على أهل الدنيا لاهلكهم ، ثم إذا دلي في

__________________

(١) اى فلنتذلل ولنتخشع لهما.

(٢) المناص : الملجأ والمفر.

١٧٥

قبره رأى بابا من الجنة مفتوحا إلى قبره يرى منه خيراتها ، فيقول له منكر ونكير : انظر إلى ما حرمت من تلك الخيرات ، ثم يفتح له في قبره باب من النار يدخل عليه منه من عذابها فيقول : رب لا تقم الساعة يارب لا تقم الساعة.

بيان : الضرغام بالكسر الاسد.

٢ ـ م : قوله عزوجل « الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم » (١) الذين يقدرون أنهم يلقون ربهم اللقاء الذي هو أعظم كراماته ، وإنما قال : يظنون لانهم لا يرون بماذا يختم لهم ، والعاقبة مستورة عنهم « وأنهم إليه راجعون » إلى كراماته ، ونعيم جنانه ، لايمانهم وخشوعهم ، لا يعلمون ذلك يقينا لانهم لا يأمنون أن يغيروا ويبدلوا ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يزال المؤمن خائفا من سوء العاقبة ، لا يتيقن الوصول إلى رضوان الله حتى يكون وقت نزع روحه وظهور ملك الموت له.

وذلك أن ملك الموت يرد على المؤمن وهو في شدة علة ، وعظيم ضيق صدره ، بما يخلف من أمواله ، ولما هو عليه من اضطراب أحواله في معامليه وعياله ، وقد بقيت في نفسه مرارتها وحسراتها ، واقتطع دون أمانيه فلم ينلها ، فيقول له ملك الموت : مالك تجرع غصصك؟ قال : لاضطراب أحوالي واقتطاعك لي دون آمالي ، فيقول له ملك الموت : وهل يحزن عاقل من فقد درهم زائف واعتياض ألف ألف ضعف الدنيا؟ فيقول : لا ، فيقول ملك الموت : فانظر فوقك ، فينظر فيرى درجات الجنة وقصورها التي يقصر دونها الاماني ، فيقول ملك الموت : تلك منازلك ونعمك وأموالك و أهلك وعيالك ، ومن كان من أهلك ههنا وذريتك صالحا فهم هناك معك ، أفترضى به بدلا مما هناك؟ فيقول : بلى والله.

ثم يقول : انظر فينظر فيرى محمدا وعليا والطيبين من آلهما في أعلا عليين ، فيقول : أو تراهم؟ هؤلاء ساداتك وأئمتك ، هم هناك جلاسك وآناسك ، (٢) أفما ترضى

__________________

(١) البقرة : ٤٦.

(٢) الجلاس جمع الجليس. الاناس جمع الانس : من تأنس به.

١٧٦

بهم بدلا ممن تفارق ههنا؟ بلى وربي ، فذلك ما قال الله تعالى : « إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا » فما أمامكم من الاهوال كفيتموها ، ولا تحزنوا « على ما تخلفونه من الذراري والعيال ، فهذا الذي شاهدتموه في الجنان بدلا منهم ، وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون هذه منازلكم و هؤلاء ساداتكم آناسكم وجلاسكم.

٣ ـ ين : القاسم ، عن كليب الاسدي (١) قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : جعلني الله فداك ، بلغنا عنك حديث ، قال : وما هو؟ قلت : قولك : إنما يغتبط صاحب هذا الامر إذا كان في هذه ـ وأومأت بيدك إلى حلقك ـ فقال : نعم ، إنما يغتبط أهل هذا الامر إذا بلغت هذه ـ وأومأ بيده إلى حلقه ـ أما ما كان يتخوف من الدنيا فقد ولى عنه وأمامه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي والحسن والحسين ، صلوات الله عليهم. (٢) »

٤ ـ ين : النضر ، عن يحيى الحلبي ، عن أيوب قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : إن أشد ما يكون عدوكم كراهية لهذا الامر حين تبلغ نفسه هذه ـ وأومأ بيده إلى حنجرته ـ ثم قال : إن رجلا من آل عثمان كان سبابة لعلى عليه‌السلام فحدثتني مولاة له كانت تأتينا قالت : لما احتضر قال : مالي ولهم؟ قلت : جعلني الله فداك ماله قال هذا؟ فقال : لما اري من العذاب ، أما سمعت قول الله تبارك وتعالى : « فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما »؟ هيهات هيهات! لا والله حتى يكون ثبات الشئ في القلب وإن صلى وصام.

٥ ـ شى : عن عبدالرحيم قال : قال أبوجعفر عليه‌السلام : إنما أحدكم حين يبلغ نفسه ههنا ينزل عليه ملك الموت فيقول : أما ما كنت ترجو فقد اعطيته ، وأما كنت تخافه فقد أمنت منه ، ويفتح له باب إلى منزله من الجنة ، ويقال له : انظر إلى مسكنك

__________________

(١)كليب وزان « زبير » هو كليب بن معاوية بن جبلة الصيداوى الاسدى ، أبومحمد ، وقيل أبوالحسين ، روى عن أبى جعفر وأبى عبدالله عليهما‌السلام ، له كتاب. أورد ترجمته النجاشى في ص ٢٢٣ من رجاله ، وفى سائر كتب التراجم يوجد ترجمته وبيان حاله فليراجع.

(٢) تأتى صورة اخرى للحديث تحت رقم ١٤.

١٧٧

في الجنة ، وانظر هذا رسول الله وعلي والحسن والحسين عليهما‌السلام رفقاؤك ، وهو قول الله : « الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحيوة الدنيا وفي الآخرة ».

٦ ـ شى : عن أبي حمزة الثمالي قال : قلت لابي جعفر عليه‌السلام : ما يصنع بأحدنا عند الموت؟ قال : أما والله يا أبا حمزة ما بين أحدكم وبين أن يرى مكانه من الله ومكانه منا إلا أن يبلغ نفسه ههنا ـ ثم أهوى بيده إلى نحره ـ ألا ابشرك يا أبا حمزة؟ فقلت : بلى جعلت فداك ، فقال : إذا كان ذلك أتاه رسول الله (ص) وعلي عليه‌السلام معه ، يقعد عند رأسه ، فقال له ـ إذا كان ذلك ـ رسول الله (ص) : أما تعرفني؟ أنا رسول الله هلم إلينا ، فما أمامك خير لك مما خلفت ، أما ما كنت تخاف فقد أمنته ، وأما ما كنت ترجو فقد هجمت عليه ، (١) أيتها الروح اخرجي إلى روح الله ورضوانه ، ويقول له علي عليه‌السلام : مثل قول رسول الله (ص). ثم قال : يا أبا حمزة؟ ألا اخبرك بذلك من كتاب الله؟ قول الله : « الذين آمنوا وكانوا يتقون » الآية.

٧ ـ جا : علي بن محمد بن الزبير ، عن محمد بن علي بن مهدي ، عن محمد بن علي بن عمرو عن أبيه ، عن جميل بن صالح ، عن أبي خالد الكابلي ، عن الاصبغ بن نباتة قال : دخل الحارث الهمداني على أميرالمؤمنين علي عليه‌السلام في نفر من الشيعة وكنت فيهم ، فجعل الحارث يتئد في مشيته ويخبط الارض بمحجنه وكان مريضا ، فأقبل عليه أميرالمؤمنين عليه‌السلام ـ وكانت له منه منزلة ـ فقال : كيف تجدك يا حارث؟ فقال : نال الدهر يا أمير المؤمنين مني ، وزادني أوبا غليلا اختصام أصحابك ببابك ، قال : وفيم خصومتهم؟ قال : فيك وفي الثلاثة من قبلك ، (٢) فمن مفرط منهم غال ، ومقتصد تال ، ومن متردد مرتاب ، لا يدري أيقدم أم يحجم؟! فقال : حسبك يا أخا همدان ، ألا إن خير شيعتي النمط (٣) الاوسط ، إليهم يرجع الغالي ، وبهم يلحق التالى ، فقال له الحارث : لو كشفت ـ فداك أبى وامي ـ الرين عن قلوبنا وجعلتنا في ذلك على بصيرة من أمرنا ، قال : قدك

__________________

(١) اين انتهيت إليه بقتة على غفلة منك.

(٢) في كشف الغمة ١٢٣ هكذا : قال : في شأنك والبلية من قبلك. وفى ذيل ص ٣ من الامالى للمفيد جعله بدلا عما في المتن.

(٣) النمط : جماعة من الناس أمرهم واحد.

١٧٨

فإنك امرؤ ملبوس عليك ، إن دين الله لا يعرف بالرجال بل بآية الحق ، فاعرف الحق تعرف أهله.

يا حارث إن الحق أحسن الحديث والصادع (١) به مجاهد ، وبالحق اخبرك فارعني سمعك ، ثم خبر به من كانت له حصانة من أصحابك ، ألا إني عبدالله ، وأخو رسوله ، وصديقه الاول قد صدقته وآدم بين الروح والجسد ، ثم إني صديقة الاول في امتكم حقا فنحن الاولون ، ونحن الآخرون ، ونحن خاصته يا حارث وخالصته وأنا صفوه ووصيه ووليه ، وصاحب نجواه وسره ، اوتيت فهم الكتاب ، وفصل الخطاب وعلم القرون والاسباب ، واستودعت ألف مفتاح يفتح كل مفتاح ألف باب ، يفضي كل باب إلى ألف (٢) عهد ، وايدت واتخذت وامددت بليلة القدر نفلا ، وإن ذلك ليجري لي ولمن تحفظ (٣) من ذريتي ما جرى الليل والنهار حتى يرث الله الارض ومن عليها ، وابشرك ياحارث لتعرفني عند الممات ، وعند الصراط ، وعند الحوض ، وعند المقاسمة.

قال الحارث ، وما المقاسمة؟ قال : مقاسمة النار اقاسمها قسمة صحيحة ، أقول : هذا وليي فاتركيه ، وهذا عدوي فخذيه. ثم أخذ أمير المؤمنين عليه‌السلام بيد الحارث فقال : يا حارث أخذت بيدك كما أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيدي ، فقال لي ـ وقد شكوت إليه حسد قريش والمنافقين لي ـ : إنه إذا كان يوم القيامة أخذت بحبل الله وبحجزته ـ يعني عصمته ـ من ذي العرش تعالى ، وأخذت أنت يا علي بحجزتي ، وأخذ ذريتك بحجزتك وأخذ شيعتكم بحجزكم ، فماذا يصنع الله بنبيه؟ وما يصنع نبيه بوصيه؟ خذها إليك ياحارث قصيرة من طويلة ، أنت مع من أحببت ولك ما اكتسبت ـ يقولها ثلاثا ـ فقام الحارث يجر رداءه ويقول : ما ابالي بعدها متى لقيت الموت أو لقيني. قال جميل بن صالح : وأنشدني أبوهاشم السيد الحميري رحمه الله فيما تضمنه هذا الخبر :

قول علي لحارث عجب

كم ثم اعجوبة له حملا

__________________

(١) صدع بالحق. تكلم به جهارا.

(٢) في نسخة : الف الف.

(٣) في نسخة : استحفظ.

١٧٩

ياحار همدان من يمت يرني

من مؤمن أو منافق قبلا

يعرفني طرفه وأعرفه

بنعته (١) واسمه وما عملا

وأنت عند الصراط تعرفني

فلا تخف عثرة ولا زللا

أسقيك من بارد على ظمأ

تخاله في الحلاوة العسلا

أقول للنار حين توقف للعرض

دعيه لا تقتلي الرجلا

دعيه لا تقربيه إن له

حبلا بحبل الوصي متصلا

ما : جماعة ، عن أبي المفضل ، عن محمد بن علي بن مهدي ، وغيره ، عن محمد بن علي ابن عمرو مثله. « ص ٤٠٢ ـ ٤٠٣ » (٢)

بيان : يتئد أي يتثبت ويتأني ، من التؤدة ، وفي « ما » يتأود أي يتعوج. وخبطه : ضربه شديدا. والمحجن كمنبر : العصا المعوجة. وأوب كفرح : غضب ، وفي « ما » اوارا وغليلا ، والاوار بالضم : حرارة الشمس ، وحرارة العطش ، والغليل : الحقد والضغن ، وحرارة الحب والحزن ، وأحجم عنه : كف أو نكص هيبة ، وقد إذا كانت اسمية تكون على وجهين : اسم فعل مرادفة ليكفي ، نحو قولهم : قدني درهم ، واسم مرادف لحسب ، ذكره الفيروزآبادي ، وقال : أرعني سمعك وراعني : استمع لمقالي.

قوله عليه‌السلام : نفلا أي زائدا على ما اعطيت من الفضائل والكرائم. قوله عليه‌السلام : قبلا أي مقابلة وعيانا. وقوله عليه‌السلام : تخاله أي تظنه.

٨ ـ فس : أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن سنان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : ما يموت موال لنا مبغض لاعدائنا إلا ويحضره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين والحسن

__________________

(١) في نسخة : بعينه

(٢) أورده الطبرى أيضا في ص ٤ من بشارة المصطفى باختلاف يسير باسناده عن أبى البقاء إبراهيم بن الحسين البصرى ، عن أبى طالب محمد بن الحسين بن عتبة ، عن محمد بن الحسن بن الحسين بن أحمد الفقيه ، عن حمويه أبى عبدالله بن على بن حمويه ، عن محمد بن عبدالله بن المطلب الشيبانى ، عن محمد بن على بن مهدى. إلا أن فيه : أقول للنار حين توقف للعرض * على حرها دعى الرجلا. وزاد في آخره : هذا لنا شيعة وشيعتنا * أعطانى الله فيهم الاملاء. وأورده أيضا الاربلى في ص ١٢٣ من كشف الغمة وفيه : دعيه لا تقربى « لا تقبل » الرجلا.

١٨٠