بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار « المدخل »

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار « المدخل »

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٦٤
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

والعيوب اُورده ، ولعلَّ فيما يورده كثير من المتعارضات أو فيما تركه وطرحه إلحاقُّ الحقيق بالمذهب (١) .

وأمّا ما نجد في بياناته قدّس سرّه من توجيه الروايات المتعارضة ، وتأويلها ورفع التخالف عمّا بينها ، فليس ذلك حكماً منه بصحّة الحديث وقبوله ، فانَّ هذا شأن كلّ جامع من الجوامع الحديثيّة ، سيرة متّبعة بين الفريقين السلف منهم والخلف (٢) وذلك لأنَّ شأن الجامع المحدّث الاستقصاء والتتبّع وتأييد الأحاديث مهما أمكن بالجمع والتأويل ، وأما قبول الرواية والاعتقاد بها ، فكلُّ محقّق ونظره الثاقب ، فلعلّه يرضى بهذا الجمع والتأويل ، أو يوجّهه ويؤوِّله بوجه آخر ، أو يطرحه ، فيكون بيان الحديث وتوجيهه من باب هداية الطريق والنصح ليس إلّا .

وهكذا الكلام فيما ينقد على الكتاب من اشتماله على أخبار ضعاف لا يوجب علماً ولا عملاً فانَّ هذا شأن كلّ جامع من الجوامع الحديثيّة ، ترى فيها الضعاف والحسان والصحاح . فهذه الكتب الأربعة مع اشتهارها وتواترها ، يوجد فيها آلاف من الأحاديث لا يحتجُّ بها : إمّا لضعفها أو مخالفتها للاصول والمباني ، أو إعراض

________________________

(١) وبذلك ينقد على أصحاب الصحاح من جوامع الحديث ، حيث أوردوا في كتبهم ما كان صحيحاً موافقاً للمذهب بزعمهم وأسقطوا ما كان سقيماً مخالفاً لرأيهم تحكماً منهم ، فأوجب هذا أن يكون سائر العلماء والمحققين تبعاً لهم في معرفة المباني والاصول ، و خصوصاً عند ما يصير صحاحهم ! رائجة عند الناس يتلقى بالقبول تصير سائر المصادر والروايات مطعوناً فيها من دون وجه ، حتى أن الحاكم ابن البيع ينادى من وراء الشيخين ويستدرك عليهما أحاديث كثيرة على شرطهما ، فلا يصغى اليه .

(٢) ولذلك ترى الشيخ الطوسي يقول في مقدمة كتابه التهذيب ( الذي ألفه لايراد الاخبار المخالفة للمذهب ثم البحث عنها ) : « ومهما تمكنت من تأويل بعض الاحاديث من غير أن أطعن في اسنادها فانى لا أتعداه » .

٢١
 &

الأصحاب عنها مع صحّتها وقوَّتها (١) فلا ينكر بذلك لا على تلك الكتب ، ولا على مؤلّفيها ، مع أنّهم لم يكونوا بصدد الاستيعاب والاستقصاء ، بل على وتيرة أصحاب الصحاح : يوردون من الأحاديث المخالفة للمذهب اُنموذجاً منها ، ليصحَّ البحث عنها بالجمع أو الطرح ، فلا يوردون الباقي منها وإن كانت صحيحة ، ويقتصرون فيما يوافق المذهب على المعتبر منها ، لعدم مسيس الحاجة إلى غيرها ، اللّهمَّ إلّا للتأييد .

فكما ذكرنا في المسئلة السابقة ، وظيفة المحدِّث الجامع النقل والاستيفاء وتكثير الاسناد والروايات ، وأمّا البحث عن صحّة الحديث وسقمه وضعفه وقوَّته : بالفحص عن رجال سنده ، فهو شأن آخر يتكفّل بها علم الرجال والدراية ، وليس يخفى هذا الشأن إلّا على كلِّ جاهل مغفَّل : إمّا مفرِّط يحكم على المؤلّف بسقوطه وعدم تورُّعه حيث أورد الأحاديث الضعاف فيردُّ الكتاب رأساً ، وإمّا مفرط يظنُّ أنَّ اعتبار الحديث يعرف من اعتبار مؤلّفه وجامعه ، فيقبل أحاديثه كملاً ، ويغفل عن أنَّ لكلِّ مؤلّف طريقاً إلى المعصوم قد بيّن شطر منها في كتب المشيخة و الاجازات ، والشطر الاٰخر مذكور في صدر الأحاديث ، ولابدَّ من اعتبار هذين الطريقين معاً .

ومؤلّفنا العلّامة قد أتقن عمله في ذلك وأوضح طريقه إلى المعصوم في كلّ من الوجهين :

أمّا القسم الاول : فقد صنّف فيه كتاب الاجازات ، ليتّضح طريقه إلى المصادر المذكورة في متن الاجازات ، ومالم يذكر ـ وهو القليل منها (٢) ـ قد أبان

________________________

(١) راجع في ذلك شرح المؤلف العلامة على الكافي مرآت العقول ، وهكذا بياناته في كتاب الطهارة والصلاة وغيرهما .

(٢) قال العلامة الافندي فيما ذكره من خطبة كتاب الاجازات ج ١٠٥ ص ٩٢ : « وبالجملة فقد صار هذا المجلد هو الكافل لصحة أكثر كتب أصحابنا » .

٢٢
 &

في مقدّمة البحار كيفيّة تحصيلها والظفر بالنسخ المعتبرة منها ، معترفاً بأنّها غير متواترة :

قال قدِّس سرُّه في مقدَّمة كتابه البحار ( ج ١ ص ٣ من هذه الطبعة ) :

« ثمَّ بعد الاحاطة بالكتب المتداولة المشهورة ، تتبّعت الاُصول المعتبرة المهجورة التي تُرِكتْ في الأعصار المتطاولة والأزمان المتمادية . . . . فطفقت أسأل عنها في شرق البلاد وغربها حيناً ، واُلحُّ في الطلب لدى كلِّ من أظنُّ عنده شيئاً من ذلك وإن كان به ضنيناً .

ولقد ساعدني على ذلك جماعة من الإخوان ضربوا في البلاد لتحصيلها ، وطلبوها في الأصقاع والأقطار طلباً حثيثاً ، حتّى اجتمع عندي بفضل ربّي كثير من الاُصول المعتبرة الّتي كان عليها معوَّل العلماء في الأعصار الماضية (١) ، فألفيتها مشتملة على فوائد جمّة خلت

________________________

(١) ومن هنا يعرف أن أكثر مصادر البحار التي يوجد نسخها مصححة منسقة منقحة بالكثرة والوفور من بركات وجوده الشريف ومن راجع تذييلنا على البحار يجد التصريح في موارد منه أن الشيخ الحرّ العاملي كان يعتمد على نسخ البحار بدلا من مراجعة المصادر المعوزة عنده .

فكثيراً ما كنت أراجع أبواب كتاب الوسائل المطبوعة جديداً ، لاستخرج الحديث بمعاونة ذيله ( وذلك لان مصادر الوسائل ـ غير الكتب الاربعة ـ متحدة مع مصادر البحار وقد أخرجها الفاضل المكرم الرباني في ذيل الوسائل ) فعند ذلك عرفت أن صاحب الوسائل كان ينقل من نسخ البحار معتمداً عليها ، من دون مراجعة المصدر ، حيث انه كلما كانت نسخة البحار في بعض النسخ ـ وقد طبعت عليها نسخة الكمباني ـ مصحفة أو ساقطاً منها بعض الجملات أو ذات املاءِ غير صحيحة ، قد انتقل كلها في الوسائل بما عليها بصورتها .

ففي بعض هذه الموارد اُشرنا في ذيل الكتاب بماينبه القاریءِ الكريم على ذلك وربما صرحت بذلك كما في ج ٨٤ ص ٦٨ وغير ذلك من الموارد لا يحضرني الان .

٢٣
 &

عنها الكتب المشهورة المتداولة ، واطّلعت فيها على مدارك كثير من الأحكام ، اعترف الأكثرون بخلوّ كلّ منها عمّا يصلح أن يكون مأخذاً له ، فبذلت غاية جهدي في ترويجها وتصحيحها وتنسيقها وتنقيحها .

ولمّا رأيت الزَّمان في غاية الفساد ، ووجدت أكثر أهلها حائدين عمّا يؤدّي إلى الرشاد ، خشيت أن ترجع عمّا قليل إلى ما كانت عليه من النسيان والهجران ، وخفت أن يتطرَّق إليها التشتّت لعدم مساعدة الدهر الخوّان ، ومع ذلك كانت الأخبار المتعلّقة بكلّ مقصد منها متفرّقاً في الأبواب ، متبدِّداً في الفصول ، قلّما يتيسّر لأحد العثور على جميع الأخبار المتعلّقة بمقصد من المقاصد منها ، ولعلَّ هذا أيضاً كان أحد أسباب تركها وقلّة رغبة الناس في ضبطها .

فعزمت بعد الاستخارة من ربّي . . . . على تأليفها ونظمها وترتيبها وجمعها في كتاب متّسقة الفصول والأبواب مضبوطة المقاصد والمطالب ، على نظام غريب ، وتأليف عجيب ، لم يعهد مثله . . . فجاء بحمد الله كما أردت . . . » .

فترى المؤلّف العلّامة يصرِّح في مقاله هذا أنَّ مصادر البحار كانت أكثرها مهجورة متروكة قد خرجت بذلك عن حدِّ التواتر ، وانقطع نسبتها إلى مؤلّفيها من طريق المناولة والسماع والاجازة ، وهذا اعتراف منه قدِّس سرّه بأنّها سقطت بذلك عن حدّ الصحّة المصطلحة إلى حدّ الوجادة (١) .

________________________

(١) الوجادة في الحديث : أن يجد المؤلف رواية بخط بعض العلماءِ من دون اجازة ، وهذا كالاحاديث التي وجدها المؤلف بخط الوزير العلقمي والشيخ البهائي والشيخ الشهيد وغيرهم ، راجع كتاب الاجازات ج ١١٠ ص ١٧٣ .

وأما الوجادة للكتب فهو أن يجد المؤلف كتاباً أو رسالة فيها أحاديث ، وقد ذكر في صدرها أو ذيلها أو على ظهر النسخة أنها تأليف فلان الفلاني ـ من مشاهير العلماء و المحدثين مثلا ـ من دون أن يكون الكتاب أو الرسالة متناولا من مؤلفه بالاجازة أو

٢٤
 &

ولذلك نراه عند ما يبحث في البحار عن مسئلة فقهيّة أو كلاميّة يتذكّر أنَّ هذا الخبر ضعيف ( لعدم تواتر مصدره ) لكنّه بعين متنه وأحياناً مع سنده مرويٌّ في إحدى الكتب المتواترة بطريق صحيح أو حسن أو موثّق (١) . فنعلم بذلك أنّه لم يكن ليقابل كتابه هذا مع كثرة فوائده بالكتب الأربعة ، ولا ليعامل مع ما أخرجه في البحار معاملة الصحيح مطلقا ، إلا إذا كانت الوجادة لمصادرها محفوفة بالقرائن الموثّقة ، ولذلك عقد الفصل الثاني من مقدّمة البحار ، إيضاحاً لهذه القرائن واختلافها (٢) .

ولذلك نفسه ، نراه يتحرَّج عن إيراد الكتب الأربعة في البحار ـ على الرغم من إلحاح بعض الفضلاء من أصحابه (٣) لئلا يكون سبباً لنسخها وتركها فيصير بعد

________________________

السماع ، وذلك في مصادر البحار كثير ، مثل قرب الاسناد ، كتاب المسائل ، علل الشرايع ، تفسير القمي ، الاختصاص ، جامع الاخبار ، مصباح الشريعة ، فقه الرضا . . . . مع ما ظهر من بعد المؤلف أن بعض هذه الكتب لغير من انتسب اليه ، كما في مصباح الشريعة فقه الرضا ، تفسير القمي ، الاختصاص ، جامع الاخبار و . . . .

(١) راجع ج ٨٠ ص ٦٢ ، ٢٧٨ ، ٣٠٩ ، ٣٦٧ ج ٨١ ص ٧ ج ٨٣ ص ١٥ ، ٣٤ ١٩٨ ، ٢١٣ ، ٢١٤ ٢٦١ ، ٣١٥ ج ٤٣ ص ٢١٥ .

(٢) راجع ج ١ ص ٢٦ ـ ٤٥ .

(٣) هو العلامة المرزا عبد الله الافندي قال في مكتوب له الى استاذه : ( ج ١١٠ ص ١٧٨ ) ما هذا نصه :

وأيضاً من نعم الله العظيمة على طلبة العلوم الدينية أن يجدوا جميع الاخبار الواردة في مطلب من المطالب العلمية أو العملية مجتمعاً محصوراً مبيناً في الباب الذي وضع لها ، لانه بذلك يعلم واحدية الخبر وتواتره الى غير ذلك من الفوائد التي لا تعد ولا تحصى .

ومن هنا قال بعض تلامذتكم : كان الاصوب أن تدخل الكتب الاربعة أيضاً في البحار أو في شرحه ـ انشاء الله ـ فانها ليست على ما ينبغي فان

٢٥
 &

برهة من الزمن متروكة مهجورة لا يمكن الاحتجاج بها (١) فتبتلى فيما بعد بما ابتليت به سائر الاصول المعتبرة اليوم ، حيث كانت في الزمن الأوَّل متواترة أو معروفة تتناول بالسماع والاجازة ، وصارت بعد ذلك مهجورة متروكة بلاتواتر ولاسماع ولا إجازة .

وأما القسم الثاني من طريق المؤلّف ، أعني ذكر رجال الاسناد ، فقد احتاط قدّس سرّه في ذلك أشدّ الاحتياط ، ومع ما كان بصدده من الاقتصار والحذر من التطويل على ما سيجيء شرحه ، قد ذكر رجال المصدر ، بحيث خرج عن الابهام والارسال .

قال قدس سرّه في المقدمة ج ١ ص ٤٨ :

« الفصل الرابع في بيان ما اصطلحنا عليه للاختصار في الاسناد ، مع التحرُّز عن الارسال المفضي إلى قلّة الاعتماد ، فانّ أكثر المؤلّفين دأبهم التطويل . . . وبعضهم يسقطون الأسانيد فتنحطُّ الأخبار بذلك عن

________________________

كتاب التهذيب يحتاج الى تهذيب آخر لاشتمالها على أبواب الزيادات كثيراً ولذا أخطأت جماعة منهم الشهيد في الذكرى وغيره في غيره ، فحكموا بعدم النص الموجود في غير بابه .

ولا ينفع كثيراً جمع من جمعها من المعروفين كصاحب الوافي وصاحب تفصيل وسائل الشيعة الى مسائل الشريعة وغيرهما لما ذكر ، ولعدم الاعتماد على ما فهموه من مراد المعصوم عليه السلام » .

(١) راجع ج ١ ص ٤٨ من مقدمة البحار .

٢٦
 &

درجة المسانيد (١) ، فيفوت التمييز بين الأخبار في القوَّة والضعف والكمال والنص اذ بالمخبر يعرف شأن الخبر ، وبالوثوق على الرواة يستدل على علو الرواية والاثر فاخترنا ذكر السند بأجمعه مع رعاية غاية الاختصار ، لئلّا يترك في كتابنا شيء من فوائد [ قواعد ] ظ الاُصول ، فيسقط بذلك عن درجة كمال القبول » .

ويدلُّ على احتياطه أيضاً أنّه لمّابلغ إلى الفروع الفقهيّة ، عدل عن اختصار الكلام في رجال الاسناد ، ورفع في نسبهم ولقبهم إلى حيث لا يشتبه أحد بسميّه ، كما أنّه عدل عن إيراد الرُّموز إلى تسمية المصادر نفسها ، لئلا تُصحَّف فتشتبه بغيرها (٢) .

________________________

(١) يريد امثال تفسير العياشي الموجود نسخته ، حيث قال مؤلفه :

« اني لما نظرت في التفسير الذي صنفه أبو النضر العياشي باسناده و رغبت الى هذا وطلبت من عنده سماعاً من المصنف أو غيره فلم أجد في ديارنا من كان عنده سماع أو اجازة منه ، حذفت منه الاسناد وكتبت الباقي على وجهه ليكون أسهل . . . . فان وجدت بعد ذلك من عنده سماعاً أو اجازة أتبعت الاسانيد وكتبتها على ما ذكره المصنف » انتهى .

ولعله نظر الى أن مناولة الكتاب من دون اجازة ولاسماع هي الوجادة التي لا يحكم عليها الا بحكم المراسيل فلايفيد ذكر اسناده شيئاً ، وهذا وان كان حقاً ، لكنه لو كان ذكر الاسانيد كان أحسن ، حيث ان أصل الكتاب مفقود اليوم ، وانما وصلت الينا نسخته وحدها وهي ساقطة الاسناد ولذلك قال المؤلف العلامة المجلسي عند ذكر هذا التفسير (ج ١ ص ٢٨ ) « لكن بعض الناسخين حذف أسانيده للاختصار ، وذكر في أوله عذراً هو أشنع من جرمه » .

(٢) قال قدس سره في مقدمة البحار ج ١ ص ٤٨ : « وعند وصولنا الى الفروع ، نترك الرموز ونورد الاسماءِ مصرحة ـ إنشاءالله ـ لفوائد تختص بها لا تخفى على اولى النهى ، وكذا نترك هناك الاختصارات التي اصطلحناها في الاسانيد . . . لكثرة الاحتياج الى السند فيها » .

٢٧
 &

وذلك لأنَّ الفروع الفقهيّة لا يجوز التمسّك فيها إلّا بالصحيح أو الحسن من الروايات الّتي تستخرج من المصادر الموثوقة نسبتها إلى مؤلّفيها : فلابدَّ إذاً من معرفة المصدر حتّى يعلم أنّه من الكتب المعتمد عليها أولا ، ولو ذكرت المصادر بالرموز ، فقد تصحّف الرموز وتشتبه بعضها ببعض في القراءة أو الكتابة (١) فيختلُّ معرفة المصدر ويسقط الاحتجاج بحديثه ، كما أنّه لا بدَّ من معرفة رجال السند حتّىى يعلم انّهم ثقات أولا ؟ ولو اقتصر في أسامي الرجال بذكر والدهم أو الوصف والكنية واللقب فقد يوجب الاشتباه والتعمية ويتوهّم الصحيح سقيماً أو بالعكس .

فقد كان نظره قدِّس سرُّه هذا ، لكنّه لم يوفّق لمراده إلّا في كتاب الطهارة والصلاة ، وهكذا كتاب السماء والعالم (٢) ، فرحل إلى جوار الله ورحمته قبل أن يوفّق لهذا الهدف المقدّس في ساير كتب الفروع ، وذلك لأنَّ المؤلّف العلّامة لم يكن من أوَّل التدوين على هذا الأمر ، وإنما بدا له هذا الرأي بعد تدوين الروايات باستخراجها من المصادر ، ولذلك وجدنا المؤلّف العلّامة في الاُصول المبيضّة الّتي وصلت إلينا بخطّه قدّس سرّه ، يتدارك فيما بين السطور هدفه في ذلك بالتصريح بأسماء الكتب وتعريف الرواة بما لا يشتبه معه بغيره .

هذا دأبه وديدنه في الفروع الفقهيّة ، وأمّا ساير الأبواب من التاريخ والفضائل والمعجزات ، فقد كان المتقدّمون من الفقهاء كلّهم يعملون على قاعدة التسامح في الاٰداب والسنن والفضائل ، لا ينكرون على الأحاديث الواردة في ذلك

________________________

(١) راجع ج ١٠٤ ففيه كثير من هذه التصحيفات ، ميزنا مواضعها بعلامة صورة النجم .

(٢) كتاب السماء والعالم وان كان في عداد غير الفروع ، لكنه لما كان آخر هذا الكتاب أبواب الاطعمة والاشربة ومايحل وما لا يحل ، جعله في عداد الفروع وعامل معه معاملتها ، وقد يمكن أن يكون هدفه من ذلك رفع الاتهام ، حيث كان عنوان الكتاب : « السماءِ والعالم » بديعاً يأخذ بالاسماع والعيون ، ولعل في المخالفين من يناقش في وجود تلك الاحاديث المتكثرة الباحثة عن شئون السماء والعالم بهذا الاستيعاب ، فيراجع

٢٨
 &

نكيرهم في أبواب الفروع (١) ، فهكذا فعل المؤلّف العلّامة ، ومعذلك لم يسقط الاسناد رأساً ـ وله الشكر والثناء ـ ليكون الناظر في تلك الأحاديث على بصيرة تامة من التحقيق والتدقيق .

*       *      *

وأما كيفية تدوين الكتاب ، فقد أوضحنا ذلك في مقدَّمة الجزء ١٠٦ : فهرس مصنفات الأصحاب (٢) في كلام مستوفى ، وذكرنا أنّه ـ قدِّس سرُّه ـ كان بصدد أن يكتب لهذه الكتب غير المتداولة غير المتواترة فهرسّاً عامّاً ، فعمل أوَّلاً عناوين الكتب والأبواب ، عامّاً شاملاً بأحسن سليقة وأتمّ استيعاب ، ثمَّ شرع في مطالعة الكتب وترتيب فهرسّها ، وبعد ما فرغ من فهرسّ عشرة منها ، بداله أنَّ هذا الفهرسَّ لا ينتفع به إلّا الخواصُّ ، فرجع عن ذلك وكتب هذا الكتاب الجامع

________________________

الرموز المصحفة أو المشتبهة فلا يجد الحديث في المصدر ، فيتهم المؤلف بوضع الحديث .

وهكذا بالنسبة الى أسامي الرواة ، عامل معهم معاملة الفروع ليكون الناظر في الحديث على بصيرةٍ من ضعف الحديث وقوته ، وهذا مفيد جداً كما لا يخفى .

(١) ولنا في نفوذ هذه القاعدة والمراد من أحاديث من بلغ كلام لطيف راجع ج ٨٧ ص ١٠٢ .

(٢) قد كان قدس سره أول من تنبه الى ان الباحث المحقق بحاجة ماسة من فهرس جامع للاخبار ، لكونها غير منتظمة تنظيماً يسهل للطالب العثور عليها ، فأراد أن يعمل لها فهرساً عاما شاملا لكنه لما أخرج فهرس عشرة من المصادر ، وهو الذي جعلناه في جزء عليحدة ( ١٠٦ ) أعرض عن ذلك ، لكون الكتب غير مطبوعة لا ينتفع بالفهرس الا الخاص من الخواص .

فكما أنه قدس سره أول من بوب آيات الله البينات بصورة تفصيلية ( تفصيل آيات القرآن الحكيم ) هو أول من فهرس كتب الاحاديث بصورة عامة شاملة ( الجامع المفهرس ) فرضوان الله عليه من رجل ما أعظم بركة وجوده الشريف .

٢٩
 &

بحار الانوار على منواله وترتيب أبوابه وكتبه .

وقال قدِّس سرُّه في مقدَّمة البحار ج ١ ص ٤٦ ، عند مقال له آخر في إيراد الرموز :

« ونوردها في صدر كلّ خبر ، ليعلم أنّه مأخوذ من أيّ أصل وهل هو في أصل واحد أو متكرّر في الأصول (١) ، ولو كان في السند اختلاف نذكر الخبر من أحد الكتابين ونشير إلى الكتاب الاٰخر بعده و نسوقه إلى محلّ الوفاق ، ولو كان في المتن اختلاف مغيِّر للمعنى نبيّنه ومع اتّحاد المضمون واختلاف الألفاظ ومناسبة الخبر لبابين نورد بأحد اللفظين في أحد البابين وباللفظ الاٰخر في الباب الاٰخر » (٢) .

أقول : وقد كان قدس سرّه يعمل على هذه الوتيرة ، وهي في غاية الدقّة والمتانة ، حيث تتضمّن وتشمل على جميع فوائد الحديث مع غاية الاختصار واجتناب التطويل ، فحيث ما كان تكرار الحديث نافعاً كرَّره ، وحيثما كان تكثير السند والطريق موجباً لتقوية الحديث واستفاضته ، كثّره ونقله من سائر المصادر ، وحيثما كان اختلاف الألفاظ مغيّراً للمعنى تعرَّض له ، وحينما كان الاختلاف يسيراً تافهاً لم يتعرَّض له (٣) .

________________________

(١) وقد وجدناه اذا كانت الرموز متعددة ، ولفظ الحديث مختلف أحياناً في المصادر كان اللفظ للرمز الاخير دون الاول منها أبداً ، ولذلك لم نتعرض لاختلاف الالفاظ في الذيل فيما أشرفت أنا على تحقيقه ، كما كان يتعرض الفاضل المكرم الرباني المحترم فيما أشرف على تحقيقه لذكر الاختلافات اليسيرة فيمابين المصادر ، ولان هذه الاختلافات كانت غير مغيرة للمعاني ، ولذلك أضرب المؤلف العلامة عن التعرض لها في المتن فأضربنا عنه تبعاً له ومضياً على أهدافه .

(٢) ولعل من أكثر على المؤلف العلامة بالاستدراك ، لم ينظر الى سيرة المؤلف هذه ، فأخرج في كتابه المستدرك على البحار كل هذه الاحاديث ، وليس على ما ينبغي .

(٣) وهذا أيضاً من حسن سليقته وسلامة فطرته رضوان الله عليه .

٣٠
 &

وأمّا من حيث فهم معاني الحديث ومغزاه (١) ونقله في الباب الفلاني دون الاٰخر ، فلا أحسب أنَّ أحداً يردُّ عليه سلامة فهمه وحسن رأيه وفطنته الثاقبة السليمة ، وهكذا في اختلاف الألفاظ وأنَّ هذا الاختلاف مغيّر للمعنى أولا ، ومن أراد حسن ثناء العلماء عليه فليراجع الفيض القدسي الرسالة التي كتبها شيخنا النوري في ترجمة العلّامة المجلسيّ ، وقد طبع في صدر الجزء ١٠٥ من طبعتنا هذه .

*       *      *

وأمّا تعرُّضه للمسائل الحكميّة والتكلّم فيها والردُّ والنكير عليها أحياناً فقد كان قدّس سرُّه مع اطّلاعه على مباني القوم (٢) ، يظنُّ بهم ظنّة ويتّهمهم في سلامة براهينهم وأدلّتهم سيما إذا ما خالف النصوص المأثورة وذلك لاختلاف مسلكي الاشراق والمشّاء وتناقض آراء كلّ فريق ثمَّ تهافت آراء المتقدّمين منهم مع آراء المتأخرين ، مع أنَّ كلّ واحد منهم يدَّعى البرهان على رأيه ويقيمه ، فيجىء الاٰخر وينسبه إلى السفسطة ويقيم البرهان بوجه آخر على خلافه .

وقد كان ظنّه قدّس سره صائباً صادقاً حيث أسفر ضياء العلم عن وجه هذه

________________________

(١) راجع كلام العلامة الافندي في بعض ما سبق ، ونصه في آخر كتاب الاجازات ( ١١٠ ص ١٧٨ ) .

(٢) قال قدس سره في مقدمة البحار ج ١ ص ٢ :

« اني كنت في عنفوان شبابى حريصاً على طلب العلوم بأنواعها ، مولعاً باجتناب فنون المعالي من أفنانها ، فبفضل الله سبحانه وردت حياضها وأتيت رياضها ، وعثرت على صحاحها ومراضها ، حتى ملات كمى من ألوان ثمارها ، واحتوى جيبي على أصناف خيارها ، وشربت من كل منهل جرعة روية ، وأخذت من كل بيد رحفنة مغنية » .

ومعلوم أنه قدس سره قد كان تتلمذ في المعقول والنجوم والحساب ، فان هذه العلوم قد كانت متداولة في عصره متعارفاً بينهم ، مع ما نجد في كتابه هذا بحار الأنوار خصوصاً فى كتابه السماء والعالم شيئا كثيراً من ذلك .

٣١
 &

الظنّة ، فضرب على أكثر مباحثها ومبانيها خطَّ الترقين والبطلان ، فهذا نجومهم وقد كانوا مشغوفين بها مقرَّبين بذلك عند الملوك وهذا هيئتهم البطلميوسيّة وأفلاكهم التسعة الّتي كانت شقيقاً للعقول العشرة (١) ، وهذا فلسفتهم في الطبيعيّات ومن شعبها طب الابدان والنفوس قد صارت هباء منثوراً (٢) كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلداً لا يقدرون على شيء ممّاكسبوا . . . .

________________________

(١) وقد كانوا يزعمون أن الواحد لا يصدر منه الا الواحد ، فالصادر الاول هو العقل الاول وهذا الصادر الاول صدر منه العقل الثاني والفلك الاول ، وصدر من العقل الثاني العقل الثالث والفلك الثاني . . . . وانما أنهوا عدد العقول الى العشرة ليتم لهم القول بوجود الافلاك التسعة ، ولو كانوا قائلين بمائة فلك ، لاحتاجوا أن يقولوا بوجود مائة و واحد من العقول ، ولو اكتفوا بوجود أربعة أفلاك لقالوا بوجود خمس عقول .

وأما قولهم بالافلاك التسعة فقد أحوجهم الى القول بها تعليل حركات الكواكب من حيث مسيرها ولذلك أيضاً احتاجوا أن يقولوا بالافلاك التدويرية الكثيرة ، تعليلا لحركات بعض الاجرام الشاذة من حيث المسير ، واذا كان فلك القمر وهو بزعمهم لا يقبل الخرق والالتيام قد خرقوا جوها ونزلوا عليها وهكذا فلك المشترى وزهرة أنزلوا عليهما سفائنهم ، فما بالهم يعرجون على أهوائهم وتصوراتهم الكاسدة ؟! نعوذ بالله من العمى .

(٢) وقد كنت أنا في أوائل تحصيلي في المشهد الرضوي أقرء شرح الاشارات على شيخي المعروف بالشيخ هادي الكدكني أعزه الله ، فيقرء عليّ وعلى نفرين آخرين من أصدقائي بحث اتصال الجسم الطبيعي ويقيم برهان الشيخ على ذلك بالطفرة وأمثالها ، و كنت أنا في نفسي أضحك على ذلك ، لما كنت أعرف من الفلسفة الجديدة التجربية أن الجسم الطبيعي متألف من الجواهر وكل جوهر متألف من أجزاءِ صغار جداً وبين كل جزء من هذه الاجزاء فاصلة تناسب الفاصلة بين الارض والشمس بعد التحفظ على رعاية صغر الاجسام وكبرها .

٣٢
 &

*       *      *

فعلى مؤلّفنا العلامة رضوان الله وسلامه ، حيث لم يأل جهداً في النصيحة وجاهد في الله وفي سبيل الدين حقّ جهاده ، أسكنه الله بحبوحة جنانه وسقاه من الرحيق المختوم .

محمد الباقر البهبودى

٣٣
 &

بسم الله الرحمن الرحيم

بحار الانوار :

موسوعةٌ حافلةٌ في العلم والدين ، والكتاب والسنّة ، والفقه والحديث ، والحكمة والعرفان والفلسفة ، والأخلاق والتاريخ والأدب ، إلى الذكر والدعاء ، والعوذة والرقية والأحراز والأوراد .

البحار : دائرة معارف تجمع فنون العلوم الإسلاميّة ، وتحوي اُصولها إلى فروعها . ومدخلٌ واسعٌ إلى الحقائق الراهنة ودروسها العالية ، إلى ينابيع الحِكم و الآداب ، وجوامع الدقائق والرقائق .

البحار : أكبر جامع دينيّ يطفح بالفضيلة ويمتاز عمّا سواه من التآليف القيّمة بغزارة العلم ، وجودة السرد ، وحسن التبويب ، ورصانة البيان ، وطول باع مؤلّفه الجليل في التحقيق والتدقيق والتثبّت وسعة الاطّلاع .

البحار : آيةٌ محكمةٌ تدلُّ على تضلّع مؤلّفه من فنون العلم ، وهو لعمر الحقّ عبءٌ فادحٌ تنوءُ به العصبة من الفطاحل اُولومُنّة ، ويبهظ حمله الجمّ الغفير من عباقرة العلم والأدب والتاريخ ، ويفتقر مثله من التأليف الحافل بالعلوم والفنون المتنوّعة إلى جماعات وزرافات من أساتذة كلّ فنّ يبحث عنه المؤلّف في طيّ كتابه .

أخرج فيه شيخنا الحجّة المجلسيّ العظيم قدّس سرّه من الأحاديث المرويّة عن النبيّ الأعظم وآله الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام جملةً وافيةً وعدّةً جمّةً ممّا أوقفه البحث والسبر عليه من اُصول السلف الصالح القيّمة ، والكتب القديمة الثمينة ممّا قصرت عن نيله أيدي الكثيرين ، وإنّما أنهته إليه وأبلغته إيّاه همّته القعساء ومثابرته على البحث عن ضالّته المنشودة .

٣٤
 &

حفّل تلكم الدروس الراقية بما أفادت يمناه من الغرر والدرر في تحقيق المعاني وتوضيح مغازٍ ودلالات ، وحلّ مشكل الحديث ، والإعراب عمّا هو المراد منه ، وبما جادت غريزته السليمة عند بيان نوادر الألفاظ ، وغرائب اللّغات ، وتعارض الآثار ، و تشاكس المعاني .

أتى قدِّس سرّه في غضون مجلّدات هذا السِّفر القيّم الضخمة أبواباً واسعة النطاق كنطاق الجوزاء في شتّى فنون الإسلام وعلومه ، ولم يدع رحمه الله بحراً إلّا خاضه ، ولا غمرةً إلّا اقتحمها ، ولا وادياً إلّا سلكه ، ولا حديثاً إلّا أفاض فيه ، ولافنّاً إلّا ولجه ، ولا علماً إلّا بحث عنه وأبلجه ، حتّى جاء كلّ مجلّد في بابه من العلم كتاباً حافلاً في موضوعه ، جامعاً شتاته ، حاوياً نوادره وشوارده ، جمّع الفرائد وألّف الفوائد ، كلُّ ذلك بنسق بديع ، وسلك منضّد ، وترتيب يسهل للباحث بذلك الوقوف على فصوله .

والباحث مهما سبح في أجواء هذا البحر الطامي ، وغامس في غمراته ، واغتمس في أمواجه يرى أمراً إمراً ، ويحوله سيبه الفيّاض ، غير آسن مائه ، أصفى من المزن ، و أطيب من المسك .

برز هذا الكتاب الكريم إلى الملأ العلميّ بحلّة زاهية ، وروعة وجمال ، ساطعةً أنواره ، زاهرةً أنواره (١) ، ناصعةً حقائقه ، رقراقةً دقائقه ، يجمع كلٌّ من أجزائه بين دفّتيه من العلم الناجع ما لا غنى عنه لأيّ باحث متضلّع ، ففيه ضالّة الفقيه ، وطلبة المفسّر ، وبُلغة المحدِّث ، وبُغية العارف المتألّه ، ومقصد المؤرّخ ، ومنية المفيد و المستفيد ، وغاية الأديب الأريب ، وغرض النطاسيّ المحنّك ، ونهاية القول إنّه مأرب المجتمع العلميّ من اُمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فالكتاب تقصر عن استكناه وصفه جمل الثناء و الإطراء ، وينحصر دون إدراك عظمته البيان ، ومافاه به الأشدق الذِلق الطِلق فهو دون حقّه وحقيقته .

قد استصغر شيخ الإسلام المجلسيّ ما كابده وعاناه وقاساه في تنسيق كتابه هذا ، واستسهل ما تحمّل من المشاقّ في السعي وراء غايته المتوخّاة وتأليفه الباهظ ، كلُّ

________________________

(١) النور بالفتح : الزهر . ج : انوار .

٣٥
 &

ذلك أداءاً لواجب الشريعة ، وقياماً بفروض الخدمة للحنيفيّة البيضاء ، وإحياءاً لما قد درس من معالم الدين وطمس تحت أطباق البلى ، وإعلاءاً لكلمة الحقّ ، كلمة العدل و والصّدق ، ونشراً لألوية معارف الإسلام المقدَّس ، وذبّاً عن المذهب الإماميّ الصحيح .

وكان في هواجس ضميره أن يستدرك ما فاته من مصادر استجدّها أو ممّا لم يك يأخذ منه لدى تأليفه لغاية له هنالك (١) ، غير أنّ القضاء الحاتم والأجل المسمّى المحتوم حالا بينه وبين ما تحتّم على نفسه ، فأدركه أجله قبل بلوغ أمله ، عطّر الله مضجعه .

والكتاب في النهاية صورةٌ ناطقةٌ عن عبقريّة مؤلّفه العلّامة الأوحد ، وتقدّمه في النفسيّات الكريمة والملكات الفاضلة ، وسبقه إلى الفضائل وتضلّعه من العلوم ، تعرب صفحاته عن تاريخ حياته ، ولا تدع القاریء مفتقراً إلى أيّ ترجمة له توجد في طيّات المعاجم (٢) ، غير أنّا نورد هنا جملاً منها إعجاباً به وتقديماً لمقامه وإيفاءاً لحقّه ، و نذكرها في مقدّمة ونردفها باُخرى تتضمّن لتراجم مؤلّفي مصادر كتابه ، ونرجو من الله التوفيق والتسديد .

________________________

(١) قال في آخر الفصل الثاني من المجلد الاول : اعلم أنا سنذكر بعض أخبار الكتب المتقدمة التي لم نأخذ منها لبعض الجهات ، مع ما سيتجدد من الكتب في كتاب مفرد سمّيناه بمستدرك البحار إن شاء الله الكريم الغفار ، إذ الالحاق في هذا الكتاب يصير سبباً لتغيير كثير من النسخ المتفرقة في البلاد ، والله الموفق للخير والرشد والسداد . أقول : قد فصل أحد تلامذته في كتاب كتبه إليه شرح الكتب التي لم يخرج منها ، وأورده العلامة المجلسي لكثرة فائدته في آخر مجلد الاجازات .

(٢) وقد فصلت ترجمته في كتب التراجم ، وصنّف العلامة النوري كتابه الفيض القدسي في ترجمته وبيان أحواله ، ونحن نذكر في المقدمة الاولى مختصراً من ذلك .

٣٦
 &

( المقدمة الاولى في ترجمة المؤلف )

هو الإمام العلّامة شيخ الإسلام المولى محمّد باقر بن المولى محمّد تقيّ المجلسيّ نوّر الله ضريحه وقدّس روحه .

الثناء عليه : قد أجمع العلماء على جلالة قدره وتبرّزه في العلوم العقليّة والنقليّة والحديث والرجال والأدب . والسابر لكتب التراجم جدُّ عليم بأنّه من أكابر الرجال في علوم الدين والشريعة ، والنظر في كتبه العلميّة يهدينا إلى أنّه واقع في الطليعة من الفقهاء الأعلام وأنّه عظيم من عظماء الشيعة ، وأنّ كلّ ما في التراجم والمعاجم من جمل الإكبار والتبجيل دون ما هو فيه ، فلنذكر هنا نبذةً ممّا هتف به العلماء من ألفاظ المدح والإطراء في حقّه .

قال المولى الأردبيليّ (١) : محمّد باقر بن محمّد تقيّ بن المقصود عليّ الملقّب بالمجلسيّ مدّ ظلّه العالي اُستادنا وشيخنا وشيخ الإسلام والمسلمين ، خاتم المجتهدين ، الإمام العلّامة ، المحقّق المدقّق ، جليل القدر ، عظيم الشأن ، رفيع المنزلة ، وحيد عصره ، فريد دهره ، ثقة ، ثبت ، عين ، كثير العلم ، جيّد التصانيف ، وأمره في علوّ قدره و عظم شأنه وسموّ رتبته وتبحّره في العلوم العقليّة والنقليّة ودقّة نظره وإصابة رأيه و ثقتة وأمانته وعدالته أشهر من أن يذكر ، وفوق ما يحوم حوله العبارة ، وبلغ فيضه و فيض والده رحمهما الله ديناً ودنياً بأكثر الناس من العوام والخواص ، جزاه الله تعالى أفضل جزاء المحسنين ، له كتب نفيسةٌ جيّدةٌ ، قد أجازني دام بقاه وتأييده أن أروي عنه جميعها .

وقال محمّد بن الحسن الحرّ العامليّ (٢) : مولانا الجليل محمّد باقر ابن مولانا محمّد تقيّ

________________________

(١) جامع الرواة ج ٢ ص ٧٨ .

(٢) امل الامل ص ٦٠ .

٣٧
 &

المجلسيّ عالم ، فاضل ، ماهر ، محقّق ، مدقّق ، علّامة ، فهّامة ، فقيه ، متكلّم ، محدّث ثقة ثقة ، جامع للمحاسن والفضائل ، جليل القدر ، عظيم الشأن ، أطال الله بقاه ، له مؤلّفات كثيرة مفيدة .

وقال البحراني (١) : العلّامة الفهّامة ، غوّاص بحار الأنوار ، ومستخرج لآلي الأخبار وكنوز الآثار ، الّذي لم يوجد له في عصره ولاقبله ولا بعده قرين في ترويج الدين ، وإحياء شريعة سيّد المرسلين ، بالتصنيف والتأليف ، والأمر والنهي ، وقمع المعتدين والمخالفين من أهل الأهواء والبدع والمعاندين سيّما الصوفيّة المبدعين ، « محمّد باقر بن محمّد تقيّ بن مقصود عليّ الشهير بالمجلسيّ » وهذا الشيخ كان إماماً في وقته في علم الحديث وسائر العلوم ، وشيخ الإسلام بدار السلطنة إصفهان ، رئيساً فيها بالرئاسة الدينيّة والدنيويّة ، إماماً في الجمعة والجماعة ، وهو الّذي روّج الحديث ونشره لا سيّما في الديار العجميّة ، وترجم لهم الأحاديث العربيّة بأنواعها بالفارسيّة ، مضافاً إلى تصلّبه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وبسط يد الجود والكرم لكلّ من قصد وأمّ ، وقدكانت مملكة الشاه سلطان حسين لمزيد خموله وقلّة تدبيره للملك محروسة بوجود شيخنا المذكور ، فلمّا مات انتقصت أطرافها ، وبدا اعتسافها ، واُخذت في تلك السنة من يده قندهار ، لم يزل الخراب يستولي عليها حتّى ذهبت من يده .

وقال المولى محمّد شفيع (٢) : منهم السحاب الهابر ، والبحر الزاخر ، فتّاح العلوم والأسرار ، كشّاف الأستار من الأخبار ، مستخرج اللّئالي من الآثار ، مفخر الأوائل والأواخر مولانا محمّد باقر المجلسيّ نوّر الله روحه . (٣)

وقال الأمير محمّد صالح الخواتون آباديّ في حدائق المقرّبين (٤) : مولانا محمّد باقر المجلسيّ نوّر الله ضريحه الشريف وقدّس روحه اللّطيف هو الّذي قد كان أعظم أعاظم

________________________

(١) لؤلؤة البحرين ص ٤٤ .

(٢) الروضة البهية ص ٣٦ .

(٣) ثم وصفه بما تقدم من البحراني بالفاظه مع اختلاف يسير .

(٤) الروضات ص ١٢١ من الطبعة الثانية .

٣٨
 &

الفقهاء والمحدّثين ، وأفخم أفاخم علماء أهل الدين ، وكان في فنون الفقه والتفسير والحديث والرجال واُصول الكلام واُصول الفقه فائقاً على سائر فضلاء الدهر ، مقدَّماً على جملة علماء العلم ، ولم يبلغ أحد من متقدّمي أهل العلم والعرفان ومتأخّريهم منزلته من الجلالة وعظم الشأن ، ولاجامعيّة ذلك المقرّب بباب إلهنا الرحمن . إلى آخر ما قاله رحمه الله .

وفي كتاب مناقب الفضلاء (١) : ملاذ المحدّثين في كلّ الأعصار ، ومعاذ المجتهدين في جميع الأمصار ، غوّاص بحار أنوار الحقائق برأيه الصائب ، ومشكاة أنوار أسرار الدقائق بذهنه الثاقب ، حياة قلوب العارفين ، وجلاء عيون السالكين ، ملاذ الأخيار ، ومرآة عقول اُولي الأبصار ، مستخرج الفوائد الطريفة من اُصول المسائل ، مستنبط الفرائد اللّطيفة من متون الدلائل ، مبيّن غامضات مسائل الحلال والحرام ، وموضح مشكلات القواعد والأحكام ، رئيس الفقهاء والمحدثين ، آية الله في العالمين ، اُسوة المحقّقين والمدقّقين من أعاظم العلماء ، وقدوة المتقدّمين والمتأخّرين من فحول أفاخم المجتهدين والفقهاء ، شيخ الإسلام ، وملاذ المسلمين ، وخادم أخبار أئمّة المعصومين عليهم‌السلام ، المحقّق النحرير العلّامة المولى محمّد باقر المجلسيّ طيّب الله مضجعه .

ووصفه العلّامة الطباطبائي بحر العلوم (٢) في إجازته للسيّد عبد الكريم ابن السيّد جواد بقوله :

خاتم المحدّثين الجلّة ، وناشر علوم الشريعة والملّة ، العالم الربّانيّ ، والنور الشعشعانيّ ، خادم أخبار الأئمّة الأطهار ، وغوّاص بحار الأنوار ، خالنا العلّامة المولى محمّد الباقر لعلوم الدين .

وأطراه السيّد عبد الله في إجازته بقوله : (٣)

الجامع بين المعقول والمنقول ، الأوحد في الفروع والأصول ، مروّج المذهب في المائة الثانية عشر ، أستاد الكلّ في الكلّ ، ناشر أخبار الأئمّة الطاهرين عليهم‌السلام ، ومسهّل

________________________

(١ ، ٢ ، ٣) الفيض القدسي ص ٥ .

٣٩
 &

مسالك العلوم الدينيّة للخاصّ والعامّ . ا هـ .

وقال المحقّق الكاظميُّ (١) بعد ذكر والده المعظّم :

منها (٢) : المجلسيّ لولده وتلميذه الأجلّ الأعظم الأكمل الأعلم ، منبع الفضائل والأسرار والحكم ، غوّاص بحار الأنوار ، مستخرج كنوز الأخبار ورموز الآثار ، الّذي لم تسمح بمثله الأدوار والأعصار ، ولم تنظر إلى نظيره الأنظار والأمصار ، كشّاف أنوار التنزيل وأسرار التأويل ، حلّال معاضل الأحكام ومشاكل الأفهام بأبلج السبيل وأنهج الدليل ، صاحب الفضل الغامر ، والعلم الماهر (٣) ، والتصنيف الباهر ، والتأليف الزاهر ، زين المجالس والمدارس والمساجد والمنابر ، عين أعيان الأوائل والأواخر من الأفاضل والأكابر ، الشيخ الواقر الباقر ، المولى محمّد باقر جزاه الله رضوانه ، وأحلّه من الفردوس مبطانه . اه‍

ومهما تكثّرت الأقوال من العلماء في حقّ شيخنا المترجم فإنّا نرى البيان يقصر عن تحديد نفسيّاته ، وينحسر عن توصيف محامده وما آتاه الله من ملكات فاضلة ، وصفات حميدة ، وماوفّقه من ترويج شريعته وإحياء سنّة نبيّه ، وإماتة الأحداث الهالكة والبدع المهلكة ، وإرشاد الناس إلى الطريق السويّ والصراط المستقيم بكتبه النافعة ، وبثّها في البلدان والقرى ، وفي الحاضر والبادي ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده والله ذو الفضل العظيم .

________________________

(١) مقابس الانوار ص ٢٢

(٢) اي من الالقاب .

(٣) كذا في النسخ .

٤٠