فتح الأبواب

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]

فتح الأبواب

المؤلف:

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]


المحقق: حامد الخفّاف
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٨

لِنَفْسِكَ وَأَعْطِ الْحَقَّ وَخُذْهُ وَلَا تَخَفْ وَلَا تَخُنْ (١) فَإِنَّ التَّاجِرَ الصَّدُوقَ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاجْتَنِبِ الْحَلْفَ فَإِنَّ الْيَمِينَ الْفَاجِرَةَ تُورِثُ صَاحِبَهَا النَّارَ وَالتَّاجِرُ فَاجِرٌ إِلاَّ مَنْ أَعْطَى الْحَقَّ وَأَخَذَهُ.

وَإِذَا عَزَمْتَ عَلَى السَّفَرِ أَوْ حَاجَةٍ مُهِمَّةٍ فَأَكْثِرِ الدُّعَاءَ وَالِاسْتِخَارَةَ فَإِنَّ أَبِي حَدَّثَنِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله كَانَ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ الِاسْتِخَارَةَ كَمَا يُعَلِّمُهُمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ وَإِنَّا لَنَعْمَلُ ذَلِكَ مَتَى هَمَمْنَا بِأَمْرٍ وَنَتَّخِذُ رِقَاعاً لِلِاسْتِخَارَةِ فَمَا خَرَجَ لَنَا عَمِلْنَا عَلَيْهِ أَحْبَبْنَا ذَلِكَ أَمْ كَرِهْنَا فَقَالَ الرَّجُلُ يَا مَوْلَايَ فَعَلِّمْنِي كَيْفَ أَعْمَلُ فَقَالَ إِذَا أَرَدْتَ ذَلِكَ فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ وَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ تَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ الْحَمْدَ وَقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ مِائَةَ مَرَّةٍ فَإِذَا سَلَّمْتَ فَارْفَعْ يَدَيْكَ بِالدُّعَاءِ وَقُلْ فِي دُعَائِكَ :

يَا كَاشِفَ الْكَرْبِ وَمُفَرِّجَ الْهَمِّ وَمُذْهِبَ الْغَمِّ وَمُبْتَدِئاً بِالنِّعَمِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهَا يَا مَنْ يَفْزَعُ الْخَلْقُ إِلَيْهِ فِي حَوَائِجِهِمْ وَمُهِمَّاتِهِمْ وَأُمُورِهِمْ وَيَتَوَكَّلُونَ عَلَيْهِ أَمَرْتَ بِالدُّعَاءِ وَضَمِنْتَ الْإِجَابَةَ اللهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَابْدَأْ بِهِمْ فِي كُلِّ أَمْرِي (٢) وَافْرِجْ هَمِّي وَنَفِّسْ كَرْبِي وَأَذْهِبْ غَمِّي وَاكْشِفْ لِي عَنِ الْأَمْرِ الَّذِي قَدِ الْتَبَسَ عَلَيَّ وَخِرْ لِي فِي جَمِيعِ أُمُورِي خِيَرَةً فِي عَافِيَةٍ فَإِنِّي أَسْتَخِيرُكَ اللهُمَّ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ وَأَلْجَأُ إِلَيْكَ فِي كُلِّ أُمُورِي وَأَبْرَأُ مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ إِلاَّ بِكَ وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْكَ وَأَنْتَ حَسْبِي ( وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ).

اللهُمَّ فَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رِزْقِكَ وَسَهِّلْهَا لِي وَيَسِّرْ لِي جَمِيعَ أُمُورِي فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ وَ ( أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ) اللهُمَّ إِنْ كُنْتَ

__________________

(١) فِي « د » وَ « ش » وَمُسْتَدْرَكِ الْوَسَائِلِ : وَلَا تَجُرُّ ، وَفِي نُسْخَةٍ مِنْ الْبِحَارِ : وَلَا تَحْزَنْ ، وَلَعَلَّ صَوَابٍ الْعِبَارَةِ : « وَلَا تَخُنْ وَلَا تَجُرُّ ».

(٢) فِي « د » وَ « ش » وَمُسْتَدْرَكِ الْوَسَائِلِ : خَيْرٌ.

١٦١

تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا (١) الْأَمْرَ وَتُسَمِّي مَا عَزَمْتَ عَلَيْهِ وَأَرَدْتَهُ هُوَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَمَعَاشِي وَمَعَادِي وَعَاقِبَةِ أُمُورِي فَقَدِّرْهُ لِي وَعَجِّلْهُ عَلَيَّ وَسَهِّلْهُ وَيَسِّرْهُ وَبَارِكْ لِي فِيهِ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ نَافِعٍ لِي فِي الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ بَلْ هُوَ شَرٌّ عَلَيَّ فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ كَيْفَ شِئْتَ وَأَنَّى شِئْتَ وَقَدِّرْ لِيَ الْخَيْرَ حَيْثُ (٢) كَانَ وَأَيْنَ كَانَ وَرَضِّنِي يَا رَبِّ بِقَضَائِكَ وَبَارِكْ لِي فِي قَدَرِكَ حَتَّى لَا أُحِبَّ تَعْجِيلَ مَا أَخَّرْتَ وَلَا تَأْخِيرَ مَا عَجَّلْتَ ـ ( إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) وَهُوَ عَلَيْكَ يَسِيرٌ.

ثُمَّ أَكْثِرِ الصَّلَاةَ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَآلِهِ صَلَوَاتُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.

وَيَكُونُ مَعَكَ ثَلَاثُ رِقَاعٍ قَدِ اتَّخَذْتَهَا فِي قَدْرٍ وَاحِدٍ وَهَيْئَةٍ وَاحِدَةٍ وَاكْتُبْ فِي رُقْعَتَيْنِ مِنْهَا ـ ( اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) اللهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ وَتَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ وَتَقْضِي وَلَا أَقْضِي (٣) وَ ( أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ) صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَخْرِجْ لِي أَحَبَّ السَّهْمَيْنِ إِلَيْكَ وَخَيْرَهُمَا لِي فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَعَاقِبَةِ أَمْرِي ـ ( إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) وَهُوَ عَلَيْكَ (٤) يَسِيرٌ وَتَكْتُبُ فِي ظَهْرِ إِحْدَى الرُّقْعَتَيْنِ افْعَلْ وَعَلَى ظَهْرِ الْأُخْرَى لَا تَفْعَلْ وَتَكْتُبُ عَلَى الرُّقْعَةِ الثَّالِثَةِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ اسْتَعَنْتُ بِاللهِ وَتَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ (٥) وَهُوَ حَسْبِي ( وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) تَوَكَّلْتُ فِي جَمِيعِ أُمُورِي عَلَى اللهِ ( الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ ) وَاعْتَصَمْتُ بِذِي الْعِزَّةِ وَالْجَبَرُوتِ وَتَحَصَّنْتُ بِذِي الْحَوْلِ وَالطَّوْلِ وَالْمَلَكُوتِ ـ ( وَسَلامٌ عَلَى

__________________

(١) أثبتناه من البحار.

(٢) في « ش » : كيف.

(٣) في « ش » والبحار : « وتمضي ولا أمضي » بدل « وتقضي ولا أقضي ».

(٤) في البحار زيادة : سهل.

(٥) في « د » والبحار : عليه.

١٦٢

الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ.

ثُمَّ تَتْرُكُ ظَهْرَ هَذِهِ الرُّقْعَةِ أَبْيَضَ وَلَا تَكْتُبُ عَلَيْهِ شَيْئاً.

ثُمَّ تَطْوِي الثَّلَاثَ رِقَاعٍ طَيّاً شَدِيداً عَلَى صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَتَجْعَلُ فِي ثَلَاثِ بَنَادِقِ (١) شَمْعٍ أَوْ طِينٍ عَلَى هَيْئَةٍ وَاحِدَةٍ وَوَزْنٍ وَاحِدٍ وَادْفَعْهَا إِلَى مَنْ تَثِقُ بِهِ وَتَأْمُرُهُ أَنْ يَذْكُرَ اللهَ وَيُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَيَطْرَحَهَا إِلَى كُمِّهِ وَيُدْخِلَ يَدَهُ الْيُمْنَى فَيُجِيلَهَا (٢) فِي كُمِّهِ وَيَأْخُذَ مِنْهَا وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى شَيْءٍ مِنَ الْبَنَادِقِ وَلَا يَتَعَمَّدَ وَاحِدَةً بِعَيْنِهَا وَلَكِنْ أَيُّ وَاحِدَةٍ وَقَعَتْ عَلَيْهَا يَدُهُ مِنَ الثَّلَاثِ أَخْرَجَهَا فَإِذَا أَخْرَجَهَا أَخَذْتَهَا مِنْهُ وَأَنْتَ تَذْكُرُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَتَسْأَلُهُ (٣) الْخِيَرَةَ فِيمَا خَرَجَ لَكَ ثُمَّ فُضَّهَا وَاقْرَأْهَا وَاعْمَلْ بِمَا يَخْرُجُ عَلَى ظَهْرِهَا وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْكَ مَنْ تَثِقُ بِهِ طَرَحْتَهَا أَنْتَ إِلَى كُمِّكَ وَأَجَلْتَهَا بِيَدِكَ وَفَعَلْتَ كَمَا وَصَفْتُ لَكَ فَإِنْ كَانَ عَلَى ظَهْرِهَا افْعَلْ فَافْعَلْ وَامْضِ لِمَا أَرَدْتَ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَكَ فِيهِ إِذَا فَعَلْتَهُ الْخِيَرَةُ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ عَلَى ظَهْرِهَا لَا تَفْعَلْ فَإِيَّاكَ أَنْ تَفْعَلَهُ أَوْ تُخَالِفَ فَإِنَّكَ إِنْ خَالَفْتَ لَقِيتَ عَنَتاً وَإِنْ تَمَّ لَمْ يَكُنْ لَكَ فِيهِ الْخِيَرَةُ وَإِنْ خَرَجَتِ الرُّقْعَةُ الَّتِي لَمْ تَكْتُبْ عَلَى ظَهْرِهَا شَيْئاً فَتَوَقَّفْ إِلَى أَنْ تَحْضُرَ صَلَاةٌ مَفْرُوضَةٌ ثُمَّ قُمْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ كَمَا وَصَفْتُ لَكَ ثُمَّ صَلِّ الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ أَوْ صَلِّهِمَا بَعْدَ الْفَرْضِ مَا لَمْ تَكُنِ الْفَجْرَ أَوِ الْعَصْرَ فَأَمَّا الْفَجْرُ فَعَلَيْكَ بَعْدَهَا بِالدُّعَاءِ إِلَى أَنْ تَنْبَسِطَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلِّهِمَا وَأَمَّا الْعَصْرُ فَصَلِّهِمَا قَبْلَهَا ثُمَّ ادْعُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بِالْخِيَرَةِ كَمَا ذَكَرْتُ لَكَ وَأَعِدِ الرِّقَاعَ وَاعْمَلْ بِحَسَبِ مَا يَخْرُجُ لَكَ وَكُلَّمَا

__________________

(١) الْبُنْدُقَةِ : هِيَ طِينَةِ مُدَوَّرَةً مجففة « مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ ـ بندق ـ ٥ : ١٤١ ».

(٢) الاجالة : الإدارة. يُقَالُ فِي الْمَيْسِرُ : أَجَلٍ السِّهَامَ « الصِّحَاحِ ـ جول ـ ٤ : ١٦٦٣ ».

(٣) فِي « ش » وَالْبِحَارِ وَالمستدرك : وَلِلَّهِ.

١٦٣

خَرَجَتِ الرُّقْعَةُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مَكْتُوبٌ عَلَى ظَهْرِهَا فَتَوَقَّفْ إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ كَمَا أَمَرْتُكَ إِلَى أَنْ يَخْرُجَ لَكَ مَا تَعْمَلُ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللهُ (١).

يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاوس أيده الله تعالى أفلا ترى هذا الاهتمام بالاستخارة من الطريقين ثم قول رواة الفريقين إن المعصوم كان يعلمهم الاستخارة كما يعلمهم (٢) السورة من القرآن وهذا من أبلغ الاهتمام عند أهل الإسلام والإيمان ثم اعتبر في الحديث الأول قَوْلَ الصَّادِقِ عليه‌السلام لَا أُبَالِي إِذَا اسْتَخَرْتُ اللهَ عَلَى أَيِّ طَرَفَيَّ وَقَعْتُ (٣) ، وهذا عظيم في جلالة الاستخارة عند من عرف ما تضمنه من شريف المعنى والعبارة.

وأما أمر مولانا الصادق عليه‌السلام بالاستخارة وقسمه بالله عز وجل إن الله جل جلاله يخير لمن استخاره ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا أَخْبَرَنِي بِهِ شَيْخِيَ الْفَقِيهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَمَا وَالشَّيْخُ الْعَالِمُ أَسْعَدُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ الْأَصْفَهَانِيُّ مَعاً عَنِ الشَّيْخِ أَبِي الْفَرَجِ عَلِيِّ بْنِ السَّعِيدِ أَبِي الْحُسَيْنِ الرَّاوَنْدِيِّ عَنْ وَالِدِهِ عَنِ الشَّيْخِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْمُحْسِنِ الْحَلَبِيِّ عَنِ السَّعِيدِ أَبِي جَعْفَرٍ الطُّوسِيِّ عَنِ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ عَنِ الشَّيْخِ أَبِي الْقَاسِمِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ عَنِ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عليه‌السلام صَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَاسْتَخِرِ اللهَ فَوَ اللهِ مَا اسْتَخَارَ اللهَ مُسْلِمٌ إِلاَّ

__________________

(١) نَقَلَهُ الْمَجْلِسِيُّ فِي بِحَارُ الْأَنْوَارِ ٩١ : ٢٣٥ / ١ ، عَنْهُ وَعَنْ مَجْمُوعِ الدَّعَوَاتِ ، وَالنُّورِيِّ فِي مُسْتَدْرَكِ الْوَسَائِلِ ١ : ٤٥٠ / ٤ عَنْ مَجْمُوعِ الدَّعَوَاتِ لِلتَّلَّعُكْبَرِيِّ ، وَأَوْرَدَ قِطَعاً مِنْهُ الشَّيْخُ الْحُرِّ فِي وَسَائِلِ الشِّيعَةِ ٥ : ٢٠٩ / ٣ ، وَكَذَا الْمَجْلِسِيُّ فِي الْبِحَارِ ١٠٣ : ١٠١ / ٤٣.

(٢) فِي « مَ » وَ « ش » : يَعْلَمُ.

(٣) تَقَدَّمَ فِي ص ١٤٨ ، وَفِيهِ : مَا أُبَالِي.

١٦٤

خَارَ اللهُ لَهُ الْبَتَّةَ (١).

أقول : ورويت هذا الحديث بألفاظه بإسنادي المتقدم إلى جدي أبي جعفر الطوسي فيما رواه في كتاب تهذيب الأحكام (٢) بإسناده في أول باب صلاة الاستخارة.

ورويت هذا الحديث أيضا عن جدي أبي جعفر الطوسي بألفاظه فيما رواه في كتاب المصباح الكبير (٣).

فهل تقدم أيها العادل عن استخارة الله جل جلاله على أن تحلف أنت أو تجد من يحلف معك من المعصومين أن استخارة ومشاورة غير الله جل جلاله نجاة لمن استشار فيها البتة على اليقين فكيف تعدل بنفسك عن ضمان الصادق عليه‌السلام بالقسم الذي أشار إليه (٤) إلى مشورة نفسك أو مشاورة من لا يدري عاقبة ما يشير إليه.

__________________

(١) رواه الكليني في الكافي ٣ : ٤٧٠ / ١ ، والطبرسيّ في مكارم الأخلاق : ٣٢٤ ، والمحقق في المعتبر : ٢٢٧ ، والكفعمي في هامش المصباح : ٣٩٥ ، ونقله الشيخ الحرّ في وسائل الشيعة ٥ : ٢٠٤ / ١ ، والعلاّمة المجلسي في البحار ٩١ : ٢٦٦.

(٢) التهذيب ٣ : ١٧٩ / ١.

(٣) مصباح المتهجد : ٤٧٩.

(٤) ليس في « د ».

١٦٥
١٦٦

الباب السابع

في بعض ما رويته في أن حجة الله جل جلاله

المعصوم عليه أفضل الصلوات لم يقتصر في

الاستخارة على ما يسميه الناس مباحات وأنه

استخار في المندوبات والطاعات والفتوى بذلك

عن بعض أصحابنا الثقات

يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاوس أيده الله تعالى اعلم أنني اعتبرت ما وقفت عليه مما ذكره شيوخ المعتزلة من المتكلمين وقول من تابعهم على قولهم من المتقدمين والمتأخرين في أنهم ادعوا أن للمكلف مباحا ليس له صفة زائدة على حسنه ولا أدب من الله ورسوله عليه‌السلام زائد على إباحته فما وجدت هذا القول صحيحا مع كثرة القائلين به والمعتقدين لصحته وإنما قلت ذلك لأمور منها ما أذكره على سبيل الجملة ومنها ما أذكره على سبيل بعض التفصيل.

أما الذي أذكره على سبيل الجملة فإنني وجدت العبد المكلف حاضرا بين يدي الله جل جلاله في سائر الحركات والسكنات وفي سائر

١٦٧

الأوقات والله جل جلاله مطلع عليه بإحاطة العلم به وبالإحسان إليه ولله جل جلاله حرمة باهرة وهيبة قاهرة وجلالة ظاهرة ونعم متواترة يستحق من عبده أن يعرفها ويعبده بالقيام بحقها لكونه جل جلاله أهلا للعبادة بذلك فلا ينفك العبد من تكليفه بأدب العبودية في سائر المواقف والمسالك (١) فأي حركة أو سكون يخلو فيها العبد من اطلاع الله عز وجل عليه ومن إحسانه إليه ومن لزوم علم العبد أنه بين يدي مولاه وأنه يراه حتى يكون متصرفا فيها بإباحة مطلقة تصرف الدواب وتكون خالية من التكليف بشيء من الآداب هذا (٢) لا يقبله من نظر بعين الصواب واعتمد على الله عز وجل في صدق الألباب فإن الإنسان يعلم من نفسه أن على العبد أدبا في العبودية متى كان سيده يراه لا يجوز أن ينفك العبد منه إما أدبا قليلا أو كثيرا بخلاف حال العبد إذا كان سيده لا يراه وهذا واضح لا يخفى على من عرف معناه.

جواب آخر على سبيل الجملة اعلم أنني عرفت أن كل ما في الوجود مما يسميه الناس مباحات لم يزل ملكا لله تعالى جل جلاله فلما أطلقه للمكلفين وأجراه عليهم على جهة الإحسان إليهم وكان إطلاقه وإجراؤه مستمرا مع بقائهم وجب عليهم استمرار أدب الاعتراف (٣) بحق هذه النعمة والقيام بشكرها فإذا لم يكن للمكلف انفكاك من استمرار هذه النعم فكيف صح أن يكون نعمة منها مستمرة في وقت من الأوقات خالية من استمرار أدب الاعتراف بها وشكرها حتى تصير تلك النعمة كما يقولون خالية من صفة زائدة على حسنها مثل إباحتها لغير المكلفين وللدواب أن القول بذلك بعيد من الصواب وهذا واضح لأولي الألباب ولقد وجدت في

__________________

(١) في « د » : والمسائل.

(٢) في « م » زيادة : من.

(٣) في « م » : استمرار الأدب ، والاعتراف.

١٦٨

أخبار مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام وأخبار الصادقين وأخبار مولانا زين العابدين عليه‌السلام ما ينبه المكلفين على ما ذكرناه.

فَمِمَّا أَرْوِيهِ عَنْ مَوْلَانَا عَلِيٍّ عليه‌السلام بِإِسْنَادِي إِلَى جَدِّي أَبِي جَعْفَرٍ الطُّوسِيِّ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمِصْبَاحِ فِي خُطْبَةِ يَوْمِ الْأَضْحَى عَنْ مَوْلَانَا عَلِيٍّ عليه‌السلام فَقَالَ مَا هَذَا لَفْظُهُ :

فَوَ اللهِ لَوْ حَنَنْتُمْ حَنِينَ الْوَالِهِ الْمِعْجَالِ (١) وَدَعَوْتُمْ دُعَاءَ الْحَمَامِ وَجَأَرْتُمْ (٢) جُؤَارَ مُتَبَتِّلِي الرُّهْبَانِ وَخَرَجْتُمْ إِلَى اللهِ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ الْتِمَاسَ الْقُرْبَةِ إِلَيْهِ فِي ارْتِفَاعِ دَرَجَةٍ وَغُفْرَانِ سَيِّئَةٍ أَحْصَتْهَا كَتَبَتُهُ وَحَفِظَتْهَا رُسُلُهُ لَكَانَ قَلِيلاً فِيمَا تَرْجُونَ مِنْ ثَوَابِهِ وَتَخْشَوْنَ مِنْ عِقَابِهِ وَتَاللهِ لَوِ انْمَاثَتْ (٣) قُلُوبُكُمُ انْمِيَاثاً وَسَالَتْ مِنْ رَهْبَةِ اللهِ عُيُونُكُمْ دَماً ثُمَّ عُمِّرْتُمْ عُمُرَ الدُّنْيَا عَلَى أَفْضَلِ اجْتِهَادٍ وَعَمَلٍ مَا جَزَتْ أَعْمَالُكُمْ حَقَّ نِعْمَةِ اللهِ عَلَيْكُمْ وَلَا اسْتَحْقَقْتُمُ الْجَنَّةَ بِسِوَى رَحْمَتِهِ (٤) وَمَنِّهِ عَلَيْكُمْ (٥).

وأما روايات الصادقين ومولانا زين العابدين عليه‌السلام فهي كثيرة لا نطول بنشرها لكنا نذكر رواية منها لما نرجوه من فوائد ذكرها.

حَدَّثَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْخُزَاعِيُّ قَالَ : وَقَرَأْتُهُ عَلَيْهِ مِنْ أَصْلِهِ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ يَعْقُوبَ

__________________

(١) العجول مِنْ النِّسَاءِ وَالْإِبِلِ : الْوَالِهِ الَّتِي فَقَدَتِ وَلَدَهَا الثَّكْلَى لعجلتها فِي جيئتها وَذَهَابَهَا جَزَعاً ، وَالْجَمْعِ عَجَّلَ وَعجائل وَمعاجيل. « لِسَانِ الْعَرَبِ ـ عَجَّلَ ـ ١١ : ٤٢٧ ».

(٢) الجؤار : رَفَعَ الصَّوْتِ وَالِاسْتِغَاثَةِ. « النِّهَايَةِ ـ جَأَرَ ـ ١ : ٢٣٢ ».

(٣) يُقَالُ مثت الشَّيْءَ فِي الْمَاءِ مِنْ بَابُ قَالَ أموثه موثا وَموثانا : إِذَا أذبته ، فانماث هُوَ فِيهِ انْمِيَاثاً « مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ ـ موث ـ ٢ : ٢٦٥ ».

(٤) فِي الْمَصْدَرُ : رَحْمَةُ اللهِ.

(٥) مِصْبَاحُ الْمُتَهَجِّدِ : ٦٠٨.

١٦٩

الْهَمْدَانِيُ (١) قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَسَنِيُ (٢) رضي‌الله‌عنه قَالَ حَدَّثَنَا الْآمِدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ قَرِيبٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ دَخَلْتُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما‌السلام عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ قَالَ فَاسْتَعْظَمَ عَبْدُ الْمَلِكِ مَا رَأَى مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ بَيْنَ عَيْنَيْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ لَقَدْ بُيِّنَ عَلَيْكَ الِاجْتِهَادُ وَلَقَدْ سَبَقَ لَكَ مِنَ اللهِ الْحُسْنَى وَأَنْتَ بَضْعَةٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم قَرِيبُ (٣) النَّسَبِ وَكِيدُ السَّبَبِ وَإِنَّكَ لَذُو فَضْلٍ (٤) عَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ وَذَوِي عَصْرِكَ وَلَقَدْ أُوتِيتَ مِنَ الْفَضْلِ وَالْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالْوَرَعِ مَا لَمْ يُؤْتَهُ أَحَدٌ مِثْلُكَ وَلَا قَبْلَكَ إِلاَّ مَنْ مَضَى مِنْ سَلَفِكَ وَأَقْبَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ يُثْنِي عَلَيْهِ وَيُقَرِّظُهُ (٥).

قَالَ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ كُلُّ مَا ذَكَرْتَهُ وَوَصَفْتَهُ مِنْ فَضْلِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَأْيِيدِهِ وَتَوْفِيقِهِ فَأَيْنَ شُكْرُهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله يَقِفُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى يَرِمَ (٦) قَدَمَاهُ وَيَظْمَأُ فِي الصِّيَامِ حَتَّى يُعْصَبَ فُوهُ (٧) فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللهِ أَلَمْ يَغْفِرْ ( لَكَ اللهُ ما )

__________________

(١) في « ش » : أبو الحسين محمّد بن عليّ بن الحسن المقري ، وفي « د » : أبو الحسين محمّد بن علي بن الحسن المقرئ قال حدّثنا عليّ بن الحسين بن يعقوب الهمداني ، وفي البحار : عن أبيه ومحمّد بن عليّ بن حسن المقرئ عن عليّ بن الحسين بن أبي يعقوب الهمداني.

(٢) في البحار : الحسيني.

(٣) في « د » : صريح.

(٤) في البحار زيادة : عظيم.

(٥) في البحار والمستدرك : ويطريه.

(٦) قال ابن الأثير في النهاية ٥ : ١٧٧ ـ مادة ورم ـ : فيه « أنه قام حتّى ورمت قدماه » أي انتفخت من طول قيامه في صلاة الليل. يقال : ورم يرم ، والقياس : يورم ، وهو أحد ما جاء على هذا البناء.

(٧) عصب الريق بفيه ، إذا يبس عليه ، والمراد هنا شده الظمأ والعطش ، انظر « الصحاح ـ عصب ـ ١ : ٨٣ ».

١٧٠

( تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ ) (١) فَيَقُولُ صلى‌الله‌عليه‌وآله أَفَلَا أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً.

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا أَوْلَى وَأَبْلَى وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى وَاللهِ لَوْ تَقَطَّعَتْ أَعْضَائِي وَسَالَتْ مُقْلَتَايَ عَلَى صَدْرِي لَنْ أَقُومَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِشُكْرِ عُشْرِ الْعَشِيرِ مِنْ نِعْمَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ جَمِيعِ نِعَمِهِ الَّتِي لَا يُحْصِيهَا الْعَادُّونَ وَلَا يَبْلُغُ حَدَّ نِعْمَةٍ مِنْهَا عَلَيَ (٢) جَمِيعُ حَمْدِ الْحَامِدِينَ لَا وَاللهِ أَوْ يَرَانِيَ اللهُ لَا يَشْغَلُنِي شَيْءٌ عَنْ شُكْرِهِ وَذِكْرِهِ فِي لَيْلٍ وَلَا نَهَارٍ وَلَا سِرٍّ وَلَا عَلَانِيَةٍ وَلَوْ لَا أَنَّ لِأَهْلِي عَلَيَّ حَقّاً وَلِسَائِرِ النَّاسِ مِنْ خَاصِّهِمْ وَعَامِّهِمْ عَلَيَّ حُقُوقاً لَا يَسَعُنِي إِلاَّ الْقِيَامُ بِهَا حَسَبَ الْوُسْعِ وَالطَّاقَةِ حَتَّى أُؤَدِّيَهَا إِلَيْهِمْ لَرَمَيْتُ بِطَرْفِي إِلَى السَّمَاءِ وَبِقَلْبِي إِلَى اللهِ ثُمَّ لَمْ أَرُدَّهُمَا حَتَّى يَقْضِيَ اللهُ عَلَى نَفْسِي ( وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ ).

وَبَكَى عليه‌السلام وَبَكَى عَبْدُ الْمَلِكِ وَقَالَ شَتَّانَ بَيْنَ عَبْدٍ طَلَبَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَبَيْنَ مَنْ (٣) طَلَبَ الدُّنْيَا مِنْ أَيْنَ أَجَابَتْهُ (٤) ـ ( ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ) ثُمَّ أَقْبَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ حَاجَاتِهِ وَعَمَّا قَصَدَ لَهُ فَشَفَّعَهُ فِيمَنْ شَفَعَ وَوَصَلَهُ بِمَالٍ (٥).

يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاوس أيده الله تعالى أما ترى حديث مولانا أمير المؤمنين وحديث مولانا زين العابدين

__________________

(١) قال الله عزّ وجلّ : لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً. « الفتح ٤٨ : ٢ ».

(٢) ليس في « د » و « ش ».

(٣) في « م » : عبد.

(٤) في البحار : جاءته.

(٥) نقله المجلسي في بحار الأنوار ٤٦ : ٥٦ / ١٠ ، وأورده الشيخ النوريّ في مستدرك الوسائل ١ : ١٤ إلى قوله : وبكى عبد الملك.

١٧١

عليهما‌السلام وعلى سلفهما وذريتهما الطاهرين يقتضيان أنه ليس مع العبد المكلف وقت يخلو فيه من أدب الاعتراف بنعم الله جل جلاله وحق شكرها فإنه لا يسع عمره كله القيام بحق عظيم برها فهل مع هذا يبقى للمكلف وقت تكون فيه نعم الله مباحة له (١) ليس لها صفة زائدة على حسنها مثل إباحتها للدواب وهي خالية من شيء من الآداب هذا لا ينبغي أن يعتقده ذوو الألباب.

وأما الجواب الآخر على سبيل بعض التفصيل فاعلم أنني اعتبرت الذي ربما ذكروا بأنه مباحات كالأكل والشرب ولبس الثياب والنوم ودخول بيوت الطهارات والمشي والركوب والجلوس والتجارة والأسفار والقدوم والنكاح وغير ذلك من تصرفات المكلفين بالمعقولات والمنقولات فما وجدت شيئا من هذه التي يسمونها مباحات إلا وعليها آداب من الألباب (٢) أو من المنقول في الكتاب أو السنة على تفصيل يطول بشرحه مضمون هذا الكتاب إما آداب في هيئات تلك الحركات والسكنات أو فيما يراد منها من الصفات أو في النيات أو بدعوات وما وجدت شيئا عاريا للمكلفين وخاليا من أن يكون عليه أدب أو ندب أو تحريم أو تحليل أو كراهية من سلطان العالمين بالعقل أو النقل وهذا لا يخفى على العارفين وإنما وجدت المباحات الخالية من الآداب مختصة بغير المكلفين من العباد بالحيوانات (٣) والدواب أما بلغك قَوْلُ مَوْلَانَا عَلِيٍّ عليه‌السلام عَنِ الْمُكَلَّفِينَ وَفِي حَلَالِهَا حِسَابٌ (٤) فلا تقلدني

__________________

(١) ليس في « د ».

(٢) في « ش » : الآداب.

(٣) في « ش » : والحيوانات.

(٤) روي في تحف العقول : ٢٠١ ، نهج البلاغة : ١٠٦ / ط ٨٢ ، كنز الفوائد : ١٦٠ ، مشكاة الأنوار : ٢٧٠ ، غرر الحكم : ٢٦٠ / ٢٩٥.

١٧٢

وانظر فيما ذكرت فإنه حق بغير ارتياب ولا تنظر إلى كثرة القائلين بخلاف ما قلت فأنت مكلف بما يبلغه عقلك ولست مكلفا في مثل هذا بتقليد القائلين ولو كانوا بعدد التراب.

أقول : وإذا كان الأمر كما (١) شرحناه وأوضحناه فما يبقى للمكلف مباح مطلقا يستخير فيه حتى تتعلق الاستخارة بالمباحات وصارت الاستخارات كلها في المندوبات والآداب والطاعات.

وأما تأكيد ما ذكرناه من طريق الروايات فاعلم أن الرواية وردت عن مولانا زين العابدين عليه‌السلام بما أرويه وأشير إليه وإن كان في بعضها زيادات وفي بعضها نقصان ونحن نروي من ذلك ثلاث روايات فهي أبلغ في البيان.

الرواية الأولى :

أَخْبَرَنِي بِهَا شَيْخِيَ الْعَالِمُ الْفَقِيهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَمَا وَالشَّيْخُ أَسْعَدُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ الْأَصْفَهَانِيُّ مَعاً عَنِ الشَّيْخِ أَبِي الْفَرَجِ عَلِيِّ بْنِ السَّعِيدِ أَبِي الْحُسَيْنِ الرَّاوَنْدِيِّ عَنْ وَالِدِهِ عَنِ الشَّيْخِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْمُحْسِنِ الْحَلَبِيِّ عَنِ السَّعِيدِ أَبِي جَعْفَرٍ الطُّوسِيِّ عَنِ الشَّيْخِ الْمُفِيدِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ عَنِ الشَّيْخِ أَبِي الْقَاسِمِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ عَنِ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه‌السلام قَالَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ صلوات الله عليه إِذَا هَمَّ بِأَمْرِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ عِتْقٍ تَطَهَّرَ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيِ الِاسْتِخَارَةِ يَقْرَأُ (٢) فِيهِمَا بِسُورَةِ الْحَشْرِ وَسُورَةِ الرَّحْمَنِ ثُمَّ يَقْرَأُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ وَقُلْ هُوَ اللهُ

__________________

(١) فِي « ش » : عَلَى مَا.

(٢) فِي « د » وَالْكَافِي : فَقَرَأَ.

١٧٣

أَحَدٌ إِذَا فَرَغَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي دُبُرِ الرَّكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَقُولُ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ فِي دُبُرِ الرَّكْعَتَيْنِ اللهُمَّ إِنْ كَانَ كَذَا وَكَذَا خَيْراً لِي فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَعَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَيَسِّرْهُ لِي عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ وَأَجْمَلِهَا (١) اللهُمَّ وَإِنْ كَانَ كَذَا وَكَذَا شَرّاً لِي فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَآخِرَتِي وَعَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَاصْرِفْهُ عَنِّي رَبِّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَاعْزِمْ لِي عَلَى رُشْدِي وَإِنْ كَرِهَتْ ذَلِكَ أَوْ أَبَتْهُ نَفْسِي (٢).

الرواية الثانية :

وَأَخْبَرَنِي بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ أَيْضاً شَيْخِيَ الْفَقِيهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَمَا وَالشَّيْخُ أَسْعَدُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ الْأَصْفَهَانِيُّ بِإِسْنَادِهِمَا الْمَذْكُورِ إِلَى جَدِّي أَبِي جَعْفَرٍ الطُّوسِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي جِيدٍ الْقُمِّيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ (٣) بْنِ أَبَانٍ ـ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ ـ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه‌السلام وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِيهِ إِنَّهُ يَقْرَأُ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ.

وقد ذكرها في كتاب تهذيب الأحكام (٤).

الرواية الثالثة :

أَخْبَرَنِي شَيْخِيَ الْفَقِيهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَمَا وَالشَّيْخُ أَسْعَدُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ الْأَصْفَهَانِيُّ بِإِسْنَادِهِمَا الَّذِي قَدَّمْنَاهُ إِلَى جَدِّي أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ

__________________

(١) فِي « ش » : وَأَجَلُهَا.

(٢) رَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ فِي الْكَافِي ٣ : ٤٧٠ / ٢ ، وَالْبَرْقِيُّ فِي الْمَحَاسِنِ : ٦٠٠ / ١١ ، وَالْكَفْعَمِيُّ فِي الْبَلَدِ الْأَمِينِ : ١٦٠ وَنَقَلَهُ الْمَجْلِسِيُّ فِي بِحَارُ الْأَنْوَارِ ٩١ : ٢٦٣ / ذَيْلِ ح ١٥.

(٣) أَثْبَتْنَاهُ مِنْ بِحَارُ الْأَنْوَارِ وَكَتَبَ الرِّجَالِ ، انْظُرْ « معجم رِجَالٍ الْحَدِيثَ ٥ : ٢١٢ ».

(٤) تَهْذِيبِ الْأَحْكَامِ ٣ : ١٨٠ / ٢.

١٧٤

الطُّوسِيِ فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ فِي أَصْلِهِ قَالَ فِي إِسْنَادِهِ إِلَى مَا يَرْوِيهِ عَنْ جَابِرٍ أَخْبَرَنَا بِهِ ابْنُ أَبِي جِيدٍ عَنِ ابْنِ الْوَلِيدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ وَرَوَاهُ حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ جَابِرٍ (١).

عَنِ الْإِمَامِ الْبَاقِرِ عليه‌السلام أَنَّهُ قَالَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ زَيْنُ الْعَابِدِينَ عيهما السلام إِذَا هَمَّ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ تَطَهَّرَ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لِلِاسْتِخَارَةِ يَقْرَأُ فِيهِمَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ بِسُورَتَيِ الْحَشْرِ وَالرَّحْمَنِ ثُمَّ يَقْرَأُ بَعْدَهُمَا الْمُعَوِّذَتَيْنِ وَقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ يَفْعَلُ هَذَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا قَالَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ وَهُوَ جَالِسٌ اللهُمَّ إِنْ كَانَ كَذَا وَكَذَا خَيْراً لِي فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَعَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَيَسِّرْهُ لِي عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ وَأَكْمَلِهَا (٢) اللهُمَّ وَإِنْ كَانَ شَرّاً لِي فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَعَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاصْرِفْهُ عَنِّي رَبِّ اعْزِمْ لِي عَلَى رُشْدِي وَإِنْ كَرِهَتْهُ نَفْسِي (٣).

أقول وربما قال قائل إن هذه الاستخارة المذكورة ما فيها ذكر عدد ألفاظ الاستخارات ولا فيها ذكر الرقاع التي يأتي فيها شرح الروايات.

والجواب عن هذا وأمثاله من كل رواية لا تتضمن ذكر الرقاع في الاستخارة سيأتي مشروحا في الباب المتضمن لترجيح العمل بالرقاع (٤) بواضح المعاني وبيان العبارة فلا تعجل حتى تقف عليه فإنه شاف كما

__________________

(١) انظر فهرست الشيخ : ٧٣ / ١٣٩.

(٢) في « ش » : كلّها.

(٣) رواه الشيخ الطوسيّ في مصباح المتهجد : ٤٧٩ ، ونقله الشيخ المجلسي في بحار الأنوار ٩١ : ٢٦٦ / ٢٠ ، والشيخ النوريّ في مستدرك الوسائل ١ : ٤٤٩ / ٩.

(٤) يأتي في الباب التاسع.

١٧٥

نشير إليه إن شاء الله تعالى.

وقد ذكر شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان في الرسالة الغرية ما هذا لفظه باب صلاة الاستخارة وإذا عرض للعبد المؤمن أمران فيما يخطر بباله من مصالحه في أمر دنياه كسفره وإقامته ومعيشته في صنوف يعرض له الفكر فيها أو عند نكاح وتركه وابتياع أمة أو عبد ونحو ذلك فمن السنة أن لا يهجم (١) على أحد الأمرين وليتوق حتى يستخير الله عز وجل فإذا استخاره عزم على ما خطر (٢) بباله على الأقوى في نفسه فإن تساوت ظنونه فيه توكل على الله تعالى وفعل ما يتفق له منه فإن الله عز وجل يقضي له بالخير إن شاء الله تعالى.

ولا ينبغي للإنسان أن يستخير الله تعالى في فعل شيء نهاه عنه ولا حاجة به في استخارة لأداء فرض وإنما الاستخارة في المباح وترك نفل إلى نفل (٣) لا يمكنه الجمع بينهما كالجهاد والحج تطوعا أو السفر لزيارة مشهد دون مشهد أو صلة أخ مؤمن وصلة غيره بمثل ما يريد صلة الآخر به ونحو ذلك.

وللاستخارة صلاة موظفة مسنونة وهي ركعتان يقرأ الإنسان في إحداهما فاتحة الكتاب وسورة معها ويقرأ في الثانية الفاتحة وسورة معها ويقنت في الثانية قبل الركوع فإذا تشهد وسلم حمد الله وأثنى عليه وصلى على محمد وآل محمد وقال (٤) :

اللهم إني أستخيرك بعلمك وقدرتك وأستخيرك بعزتك وأسألك

__________________

(١) في « د » : لا يهمّ.

(٢) في « ش » : ما يخطر.

(٣) في « د » : وترك فعل إلى فعل.

(٤) في « د » و « ش » وبحار الأنوار : وصلّى على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال.

١٧٦

من فضلك فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم و ( أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ) اللهم إن كان هذا الأمر الذي عرض لي خيرا (١) في ديني ودنياي وآخرتي فيسره لي وبارك لي فيه وأعني عليه وإن كان شرا لي فاصرفه عني واقض لي الخير حيث كان ورضني به حتى لا أحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت.

وإن شاء قال اللهم خر لي فيما عرض لي من أمر كذا وكذا واقض لي بالخيرة فيما وفقتني له منه برحمتك يا أرحم الراحمين (٢).

أقول فهذا كلام شيخنا المفيد يصرح أن الاستخارة في المندوبات والحج والجهاد والزيارات والصدقات وسيأتي ذكر كلام جدي أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي في كتاب النهاية والمبسوط وكتاب الاقتصاد وكتاب هداية المسترشد في الاستخارة في أمور الدين والدنيا في باب روايتنا لكلام من ذكر أن الاستخارة مائة مرة (٣) ونكشف ذلك كشفا يغني عن الفكرة إن شاء الله تعالى

__________________

(١) في « د » و « م » زيادة : لي.

(٢) نقله الشيخ المجلسي في بحار الأنوار ٩١ : ٢٢٩ ، في باب الاستخارة بالرقاع ، وقال معقّبا :

« كان هذا بالأبواب المتعلّقة بالاستخارات المطلقة أنسب ، وإنّما أوردته هنا تبعا للسيّد « ره » مع العلم أنّ السيّد ابن طاوس لم يورد النصّ المذكور في باب الاستخارة بالرقاع ، إذ ان عنوان الباب السابع ـ كما تقدم ـ هو « في بعض ما رويته في أن حجة الله جلّ جلاله المعصوم عليه أفضل الصلوات لم يقتصر في الاستخارة على ما يسميه الناس مباحات ، وأنّه استخار في المندوبات والطاعات ، والفتوى بذلك عن بعض أصحابنا الثقات » ، ولعلّ ما ذكره العلاّمة المجلسي مبتنيا على ما ورد في نسخته من الكتاب.

(٣) يأتي في ص ٢٤١.

١٧٧
١٧٨

الباب الثامن

فيما أقوله وبعض ما أرويه من فضل الاستخارة

ومشاورة الله جل جلاله بالست رقاع وبعض ما

أعرفه من فوائد امتثال ذلك الأمر المطاع ،

وروايات بدعوات عند الاستخارات

اعلم أنني اعتبرت المشاورة لله تعالى في الأمور على التفصيل وبروز جوابه المقدس في الحال على التعجيل فرأيت هذه رحمة من الله جل جلاله باهرة كاشفة ونعمة زاهرة متضاعفة ما أعرف أن أحدا من أهل الملل السالفة دله جل جلاله عليها وبلغه إليها حتى لو عرفت (١) يوم ابتداء رحمة الله جل جلاله لهذه الأمة بها وتوفيقهم لها لكان عندي من أيام التعظيم والاحترام الذي يؤثر فيه شكر الله جل جلاله على توفير هذه الأنعام ونحن نضرب مثلا تفهم به جلالة ما أشرنا إليه ودلنا الله جل جلاله عليه.

وهو أنه لو أن (٢) ملكا من ملوك الدنيا محجوب عن أكثر رعيته ولا

__________________

(١) في « د » : عرف.

(٢) في « د » : كان.

١٧٩

يقدر على الحضور في خدمته ولا مشاورته إلا بعض خاصته فبلغت سعة رحمته إلى أن جعل في كل شهر أو أسبوع (١) أو عند صلاة ركعتين بخشوع وخضوع أو في وقت معين يوما معينا يأذن فيه إذنا عاما يدخل فيه إليه من شاء من رعاياه وأهل بلاده يحدثونه بأسرارهم ويشاورونه مثل ما يشاوره خواصه وأعز أولاده ويعرفهم جواب مشاورته في الحال ويكشف لهم عن مصالحهم الحاضرة والمستقبلة بواضح المقال أما كان يوصف ذلك الملك بالرحمة الواسعة والمكارم المتتابعة (٢) ويحسد رعيته غيرهم من رعايا ملوك البلاد ويجعلون ذلك اليوم الذي يشاورونه فيه من أيام الأعياد.

وكذا حال المشاورة لله تعالى في الأسباب ورحمته في تعجيل الجواب فإن هذا كان مقام الأنبياء والمرسلين والخواص من عباده المسعودين يطلبون منه الحاجات فيوحي إلى الذين يوحى إليهم على لسان الملائكة ويلقي في قلوب من يشاء منهم ويسمع آذان من يريد ويرفع الحجاب عنهم وكان هذا المقام لهم خاصة لا يشاركهم فيه من لا يجري مجراهم من العباد فصار الإذن من الله جل جلاله لكل أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله في مشاورته تعالى فيما يحتاجون إلى المشاورة فيه من كل إصدار وإيراد أبلغ من رحمة ذلك الملك في تعيين وقت لدخول كافة رعيته وإذنه لهم في مشاورته فما أدري كيف خفي هذا الإنعام الأعظم والمقام الأكرم على من خفي عنه وكيف أهمل حق الله تعالى وحق رسوله عليه الصلاة والسلام فيما قد بلغت الرحمة منه ولقد صار العبد المؤمن والرسول المهيمن والوصي المستخيرين يقف هو وهما بين يدي الله تعالى على بساط المشاورة لجلاله وينزل إليك الجواب متعجلا كما يبرز إليهما ( صلوات الله عليهما ).

__________________

(١) في « د » أو في كلّ أسبوع.

(٢) في « د » : السابغة.

١٨٠