بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٢٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

شى : عن أبي الربيع الشامي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثله.

بيان : في أكثر نسخ الكتابين «يغيض» بالغين المعجمة ، والياء المثناة من تحت ، من الغيض بمعنى النقص ، كما قال تعالى : «وما تغيض الارحام» وقال الفيروز آبادي : الغيض : السقط الذي لم يتم خلقه. فيحتمل أن يكون المراد بالسقط ما يسقط قبل حلول الروح أو قبل تمام خلق البدن أيضا ، وبا حبة ما يكون في علم الله أنه تحل فيه الروح وهو ينقسم إلى قسمين : فإما أن ينزل في أوانه ويعيش خارج الرحم فهو الرطب ، و إما أن ينزل قبل كماله فيموت إما في الرحم أو في خارجها وهو اليابس. وفي بعض نسخ مع والكافي «يقيض» بالقاف فيحتمل أن لا يكون ذلك تفصيلا لاحوال السقط ، بل يكون المراد أنه يعلم الحي من الناس والميت منهم.

ثم اعلم أن هذا التفسير وما سيأتي من بطون الآية الكريمة لاينافي كون ظاهرها أيضا مرادا ، قال الطبرسي : قوله تعالى : «وما تسقط من ورقة إلا يعلمها» قال الزجاج : المعنى أنه يعلمها ساقطة وثابتة ، وقيل : يعلم ماسقط من ورق الاشجار وما بقي ، و يعلم كم انقلبت ظهر البطن عند سقوطها ، «ولا حبة في ظلمات الارض» معناه وما تسقط من حبة في باطن الارض إلا يعلمها ، وكنى بالظلمة عن باطن الارض لانه لا يدرك كما لايدرك ما حصل في الظلمة ، وقال ابن عباس : يعني تحت الصخرة وأسفل الارضين السبع أو تحت حجر أوشئ ، «ولا رطب ولا يابس» قد جمع الاشياء كلها لان الاجسام لا تخلو من أحد هذين ، وقيل : أراد ما ينبت ومالا ينبت عن ابن عباس ، وعنه أيضا أن الرطب : الماء ، واليابس : البادية ، وقيل : الرطب : الحي ، واليابس : الميت انتهى. (١)

٧ ـ فس : قوله تعالى : «الله يعلم ما تحمل كل انثى وما تغيض الارحام وما تزداد وكل شئ عنده بمقدار» (٢) ما تغيض أي ما تسقط قبل التمام ، وما تزداد ___________________

(١) أقول : ثم روى الحديث مرسلا عن أبى عبدالله عليه‌السلام.

(٢) قال السيد الرضى : هذه استعارة عجيبة لان حقيقة الغيض إنما يوصف بها الماء دون غيره ، يقال : غاض الماء وغضته ، ولكن النطفة لما كانت تسمى ماءا جاز أن توصف الارحام بأنها تغيض*

٨١

يعني على تسعة أشهر ، كل ما رأت المرأة من حيض في أيام حملها زاد ذلك على حملها.

٨ ـ وفي رواية أبي الجارود ، عن أبى جعفر عليه‌السلام في قوله : «سواء منكم من أسر القول ومن جهربه» السر والعلانية عنده سواء ، وقوله : «ومن هو مستخف بالليل» أي مستخف في جوف بيته.

وقال علي بن إبراهيم في قوله : «وسارب بالنهار» يعني تحت الارض فذلك كله عند الله عزوجل واحد يعلمه.

بيان : قال الطبرسي : أي من هو مستتر متوار بالليل ، ومن هو سالك في سربه. أي في مذهبه ، ماض في حوائجه بالنهار. وقال الحسن : معناه ومن هو مستتر في الليل ومن هو مستتر في النهار. وصحح الزجاج هذا القول لان العرب تقول : انسرب الوحش إذا دخل في كناسته. (١)

٩ ـ فس : قوله : «إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الارحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير» قال الصادق عليه‌السلام : هذه الخمسة أشياء لم يطلع عليها ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، وهي من صفات الله عزوجل.

بيان : أي بدون تعليم الله تعالى ووحيه.

١٠ ـ يد : الدقاق ، عن الاسدي ، عن البرمكي ، عن الحسين بن الحسن بن برده عن الفقيمي ، عن إبراهيم بن محمد العلوي ، عن فتح بن يزيد الجرجاني ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : قلت له : يعلم القديم الشئ الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون؟ قال ويحك إن مسألتك لصعبة ، أما سمعت الله يقول : «لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا» وقوله : «ولعلا بعضهم على بعض» وقال ـ يحكي قول أهل النار ـ : «ارجعنا نعمل صالحا

___________________

* في قرارها وتشتمل على بقاعاتها ، فيكون ما غاضته من ذلك الماء سببا لزيادته بأن يصير علقة ثم مضغة ثم خلقه مصورة ، فذلك معنى قوله : وما تزداد ، وقيل أيضا : معنى ما تغيض الارحام أى ما تنقص باسقاط العلق وإخراج الخلق ، ومعنى ما تزداد أى ماتلده لتمام وتؤدى خلقه على كمال فيكون الغيض ههنا عبارة عن النقصان والازياد عبارة عن التمام.

(١) بكسر الكاف : بيت الظبى والوحش.

٨٢

غير الذي كنا نعمل» وقال : «ولوردوا لعادوا لما نهوا عنه» فقد علم الشئ الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون. الخبر.

١١ ـ يد : الدقاق ، عن الاسدي ، عن النخعي ، عن عمه النوفلي ، عن سليمان ابن سفيان ، عن أبي علي القصاب قال : كنت عند أبي عبدالله عليه‌السلام فقلت : الحمد الله منتهى علمه فقال : لا تقل ذلك فإنه ليس لعلمه منتهى.

نوادر علي بن أسباط ، عن القصاب مثله.

١٢ ـ يد : أبي وابن الوليد ، عن محمد العطار ، وأحمد بن إدريس معا ، عن الاشعري ، عن علي بن إسماعيل ، عن صفوان ، عن الكاهلي قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام في دعاء : الحمد الله منتهى علمه ، فكتب إلي : لاتقولن : منتهى علمه ، ولكن قل : منتهى رضاه.

١٣ ـ يد : الدقاق ، عن الاسدي ، عن النخعي ، عن النوفلي ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : العلم هو من كماله. (١)

يد : أبي ، عن سعد ، عن ابن هاشم ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي الحسن الصيرفي عن بكار الواسطي ، عن الثمالي ، عن حمران ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في العلم قال : هو كيدك. قال الصدوق رحمه‌الله : يعني أن العلم ليس هو غيره وأنه من صفات ذاته لان الله عزوجل ذات علامة سميعة بصيرة ، وإنما نريد بوصفنا إياه بالعلم نفي الجهل عنه ، ولا نقول : إن العلم غيره لانامتى قلنا ذلك ثم قلنا : إن الله لم يزل عالما أثبتنا معه شيئا قديما لم يزل ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

أقول : في بعض نسخ التوحيد زيادة في هذا المقام ، وهي هذه : فيه إلحاق بخط بعض المشائخ رحمه‌الله ، يقول : هذا غلط من الراوي ، والصحيح الخبر الاول ، والامام أجل من أن يبعض الله سبحانه بعلمه منه ككون يد الانسان منه ، وألحق فيه أحمد بن محمد الموصلي أن قال : إن الامام عليه‌السلام يخاطب الناس علي قدر فهمهم وكنه عقولهم ، و ليس في هذه الرواية ما ينافي الرواية التي قبلها لان قوله عليه‌السلام في العلم : «هو كيدك

___________________

(١) في نسخة من التوحيد هكذا : العلم هو من كماله كيدك.

٨٣

منك» أراد : كما أن يد الانسان من كماله كذلك الله سبحانه كونه عالما من كماله ، ولولم يكن عالما لم يكن كاملا كما أن الانسان لو لم يكن له يد لم يكن كاملا ، وعلى هذا لا تنافي بينهما.

بيان : أقول : يحتمل أن يكون التشبيه لبيان غاية ظهور معلوماته تعالى عنده فإن اليد أظهر أعضاء الانسان ، أي يعلم جميع الاشياء كما تعلم يدك ، وهذا مثل معروف بين العرب فلاحاجة إلى هذه التكلفات.

١٤ ـ يد : أبي ، عن سعد ، عن ابن هاشم ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن حازم ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قلت له : أرأيت ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة أليس كان في علم الله تعالى؟ قال : فقال : بلى قبل أن يخلق السماوات والارض.

سن : أبي ، عن ابن أبي عمير مثله.

١٥ ـ يد : ابن إدريس ، عن أبيه ، عن الاشعري ، عن علي بن إسماعيل ، وابن إبراهيم معا ، عن صفوان ، عن ابن حازم قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام هل يكون اليوم شئ لم يكن في علم الله عزوجل؟ قالا : لا بل كان في علمه قبل أن ينشئ السماوات والارض.

١٦ ـ يد : أبي ، عن سعد ، عن ابن هاشم ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم عن الصيقل ، (١) عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن الله علم لاجهل فيه ، حيأة لاموت فيه ، نور لاظلمة فيه.

١٧ ـ يد : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن اليقطيني ، عن يونس قال : قلت لابي الحسن الرضا عليه‌السلام : روينا أن الله علم لاجهل فيه ، حياة لاموت فيه ، نور لاظلمة فيه قال : كذلك هو.

١٨ ـ يد : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن اليقطيني ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام ابن الحكم ، عن عيسى بن أبي منصور ، عن جابر الجعفي ، (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال :

___________________

(١) هو منصور الصيقل ، ولم نجد في التراجم ما يدل على توثيقه ومدحه.

(٢) بضم الجيم المعجمة وسكون العين المهملة ثم الفاء والياء ، على وزن كرسي.

٨٤

سمعته يقول : إن الله نور لاظلمة فيه ، وعلم لاجهل فيه ، وحياة لاموت فيه.

١٩ ـ يد : ابن المتوكل ، عن الحميري ، عن ابن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن ابن سنان ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهما‌السلام قال : إن لله علما خاصا ، وعلما عاما فأما العلم الخاص فالعلم الذي لم يطلع عليه ملائكته المقر بين وأنبياءه المرسلين ، وأما علمه العام فإنه علمه الذي أطلع عليه ملائكته المقربين وأنبياءه المرسلين ، وقد وقع إلينا من رسول الله عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢٠ ـ يد : عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب ، عن أحمد بن الفضل ، عن منصور بن عبدالله الاصفهاني ، عن صفوان ، عن ابن مسكان قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن الله تبارك وتعالى أكان يعلم المكان قبل أن يخلق المكان أم علمه عند ما خلقه وبعد ما خلقه؟ فقال : تعالى الله بل لم يزل عالما بالمكان قبل تكوينه كعلمه به بعد ما كونه ، وكذلك علمه بجميع الاشياء كعلمه بالمكان.

قال الصدوق رحمه‌الله : من الدليل على أن الله تعالى عالم أن الافعال المختلفة التقدير المتضادة التدبير المتفاوتة الصنعة لا يقع على ما ينبغي أن تكون عليه من الحكمة ممن لا يعلمها ، ولا يستمر على منهاج منتظم ممن يجهلها.

ألا ترى أنه لا يصوغ قرطا (١) يحكم صنعته ويضع كلا من دقيقة وجليله موضعه من لايعرف الصياغة ، ولا أن ينظم كتابة يتبع كل حرف منها ما قبله من لا يعلم الكتابة ، والعالم ألطف صنعة وأبدع تقديرا مما وصفناه فوقوعه من غير عالم بكيفيته قبل وجوده أبعد وأشد استحالة ، وتصديق ذلك ما حدثنا به ابن عبدوس ، عن ابن قتيبة ، عن الفضل قال : سمعت الرضا علي بن موسى عليهما‌السلام يقول في دعائه : سبحان من خلق الخلق بقدرته ، أتقن ما خلق بحكمته ، ووضع كل شئ منه موضعه بعلمه ، سبحان من يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور ، وليس كمثله شئ ، وهو السميع البصير. ٢١ ـ يد : الدقاق ، عن الاسدي ، عن النخعي ، عن النوفلي ، عن زيد بن المعدل

___________________

(١) بضم القاف وسكون الراء : ما يعلق في شحمة الاذن من درة ونحوها ، ويقال بالفارسية : كوشواره.

٨٥

النميري(١) وعبدالله بن سنان ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إن لله لعلما لا يعلمه غيره ، وعلما يعلمه ملائكته المقربون وأنبياؤه المرسلون ونحن نعلمه.

٢٢ ـ يد : بهذا الاسناد ، عن النوفلي ، عن يحيى بن أبي يحيى ، عن عبد الله بن الصامت ، عن عبد الاعلي ، عن العبد الصالح موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : علم الله لا وصف الله منه بأين ، ولا يوصف العلم من الله بكيف ، ولا يفرد العلم من الله ، ولا يبان الله منه ، وليس بين الله وبين علمه حد. (٢)

بيان : قوله : لا يوصف الله منه بأين أي ليس علمه تعالى شيئا مباينا منه بحسب المكان بأن يكون هو تعالى في مكان وعلمه في مكان آخر ، أولا يوصف بسبب العلم بمكان بأن يقال : علم ذلك الشئ في هذا المكان ، أي لايحتاج في العلم بالاشياء إلى الدنو منها والاحاطة الجسمية بها ، ويحتمل أن يكون المراد أنه تعالى ليس مكانا للمعلوم بأن يحل ويحصل فيه صورته ، لكنه بعيد وقوله عليه‌السلام : ولايوصف العلم من الله بكيف أي ليس علمه تعالى كيفية كما في المخلوقين ، أولا يعلم كنه علمه تعالى وكيفية تعلقه بالمعلومات قوله : وليس بين الله وبين علمه حد إما إشارة إلى عدم مغايرة العلم للذات ، أو إلى عدم حدوث علمه تعالى أي لم ينفك علمه تعالى عنه حتى يكون بين وجوده تعالى وعلمه حد وأمد حتى يقال : كان ثم حدث علمه في وقت معين وحد معلوم.

٢٣ ـ يد : أبي ، عن محمد العطار ، عن ابن أبي الخطاب ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن محمد بن مسلم ، عن أبى جعفر عليه‌السلام قال : سمعته يقول : كان الله ولا شئ غيره. ولم يزل الله عالما بما كون ، (٣) فعلمه به قبل كونه كعلمه به بعد ما كونه.

٢٤ ـ يد : العطار ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمد(٣)

___________________

(١) وزان الزبيرى.

(٢) من الروايات الدالة على عينية العلم للذات صراحة. ط

(٣) في الكافى : ولم يزل عالما بما يكون.

(٤) الجوهرى الكوفى ، سكن بغداد روى عن موسى بن جعفر عليه‌السلام وله كتاب ، وروى الكشى عن نصر بن الصباح أنه لم يلق أبا عبدالله عليه‌السلام وأنه كان واقفيا.

٨٦

عن عبدالصمد بن بشير ، (١) عن فضيل بن سكرة (٢) قال : قلت لابي جعفر عليه‌السلام : جعلت فداك إن رأيت أن تعلمني ، هل كان الله جل ذكره يعلم قبل أن يخلق الخلق أنه وحده؟ فقد اختلف مواليك ، فقال بعضهم : قد كان يعلم تبارك وتعالى أنه وحده قبل أن يخلق شيئا من خلقه ، وقال بعضهم : إنما معنى يعلم يفعل ، فهو اليوم يعلم أنه لاغيره قبل فعل الاشياء ، وقالوا : إن أثبتنا أنه لم يزل عالما بأنه لاغيره فقد أثبتنا معه غيره في أزليته ، فإن رأيت يا سيدي أن تعلمني مالا أعدوه إلى غيره ، فكتب عليه‌السلام : ما زال الله عالما تبارك وتعالى ذكره.

بيان : قوله عليه‌السلام : إنما معنى يعلم يفعل أي أن تعلق علمه تعالى بشئ يوجب وجود ذلك الشئ وتحققه ، فلو كان لم يزل عالما كان لم يزل فاعلا فكان معه شئ في الازل ، أو أن تعلق العلم بشئ يستدعي انكشاف ذلك الشئ ، وانكشاف الشئ يستدعي نحو حصول له ، وكل حصول ووجود لغيره سبحانه مستند إليه فيكون من فعله فيكون معه في الازل شئ من فعله. فأجاب عليه‌السلام بأنه لم يزل عالما ، ولم يلتفت إلى بيان فساد متمسك نافيه إما لظهوره أو لتعليم أنه لاينبغي الخوض في تلك المسائل المتعلقة بذاته وصفاته تعالى فإنها مما تقصر عنه الافهام وتزل فيه الاقدام.

ثم اعلم أن من ضروريات المذهب كونه تعالى عالما أزلا وأبدا بجميع الاشياء كلياتها وجزئياتها من غير تغير في علمه تعالى ، وخالف في ذلك جمهور الحكماء فنفوا العلم بالجزئيات عنه تعالى ، (٣) ولقدماء الفلاسفة في العلم مذاهب غريبة :

منها أنه تعالى لا يعلم شيئا أصلا ، ومنها أنه لايعلم ما سواه ويعلم ذاته ، وذهب بعضهم إلى العكس ، ومنها أنه لا يعلم جميع ما سواه وإن علم بعضه ، ومنها أنه لا يعلم الاشياء إلا بعد وقوعها ، ونسب الاخير إلى أبي الحسين البصري وهشام بن الحكم كما

___________________

(١) العرامى العبدى ، مولاهم كوفى ، ثقة ثقة ، روى عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، له كتاب ، قاله النجاشى.

(٢) بضم السين المهملة ، وفتح الكاف المشددة ، والراء المهملة والهاء ، الاسدى الامامى ، يظهر من بعض الروايات حسن حاله.

(٣) وهذا الذى سيطعن فيه في ذيل كلامه بانه كفر صريح هو بعينه ما أورده في بيان الخبر «١٨» من باب نفى التركيب وارتضاه ، وعلى الجملة كل من صور علمه تعالى بنحو العلم الحصولى كالمتكلمين وبعض الحكماء لامناص له من الالتزام بالعلم الكلى.

٨٧

ورد في الاخبار أيضاً ، ولعله كان مذهبه قبل اختيار الحق ، أو اشتبه على الناقلين بعض كلماته ، وجميع هذه المذاهب الباطلة كفر صريح مخالف لضرورة العقل والدين ، وقد دلت البراهين القاطعة على نفيها ، ولهم في ذلك شبه ليس هذا موضع ذكرها وبيان سخافتها.

٢٥ ـ يد : العطار ، عن سعد ، (١) عن أيوب بن نوح أنه كتب إلى أبي الحسن عليه‌السلام يسأله عن الله عزوجل أكان يعلم الاشياء قبل أن يخلق الاشياء وكونها؟ أولم يعلم ذلك حتى خلقها وأراد خلقها وتكوينها فعلم ما خلق عند ما خلق وما كون عند ما كون؟ فوقع عليه‌السلام بخطه : لم يزل الله عالما بالاشياء قبل أن يخلق الاشياء كعلمه بالاشياء بعد ما خلق الاشياء.

٢٦ ـ يد ، مع ، ن : أبي ، عن أحمد بن إدريس ، عن الحسين بن عبيد الله ، (٢) عن محمد ابن عبدالله وموسى بن عمرو ، (٣) والحسن بن علي بن أبي عثمان ، (٣) عن محمد بن سنان قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام هل كان الله عارفا بنفسه قبل أن يخلق الخلق؟ قال : نعم ، قلت : يراها ويسمعها؟ قال : ما كان محتاجا إلى ذلك لانه لم يكن يسألها ولا يطلب منها هو نفسه ونفسه هو ، قدرته نافذة فليس يحتاج إلى أن يسمي نفسه ، ولكنه اختار لنفسه أسماء لغيره يدعوه بها لانه إذا لم يدع باسمه لم يعرف. فأول ما اختار لنفسه : العلي العظيم لانه أعلى الاسماء كلها فمعناه الله واسمه العلي العظيم موأول أسمائه لانه علي علا كل شئ.

___________________

(١) في الكافي : سعد بن عبدالله ، عن محمد بن عيسى ، عن أيوب بن نوح.

(٢) وفى نسخة : عن الحسين بن عبدالله.

(٣) قال المولى صالح المازندرانى : هو عمرو بن بزيع الكوفى وابنه موسى ثقة.

(٤) الملقب بسجادة المكنى بابى محمد ، كوفى. قال النجاشي : ضعفه أصحابنا. وقال الكشى : السجادة لعنه الله ولعنه اللاعنون والملائكة والناس أجمعون فلقد كان من العليائية الذين يقعون في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وليس لهم في الاسلام نصيب انتهى. وحكى عن نصر بن الصباح تفضيل السجادة محمدبن أبى زينب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

٨٨

بيان : قوله : ويسمعها أي يسمي نفسه ويسمعها ، ويمكن أن يقرأ من باب الافعال. قوله : فمعناه الله أي مدلول هذا اللفظ ، ويدل ظاهرا على أن الله اسم للذات غير صفة.

٢٧ ـ يد : أبي ، عن سعد ، عن الاصفهاني ، عن المنقري ، عن حفص قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : «وسع كرسيه السموات والارض» قال : علمه. ٢٨ ـ يد : أبي ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبى عمير ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : «وسع كرسيه السموات والارض» فقال : السماوات والارض وما بينهما في الكرسي والعرش هو العلم الذي لا يقدر أحد قدره.

بيان : هذا الخبر والذي تقدمه يدلان على أن العرش والكرسي قد يطلق كل منهما على علمه تعالى ، وسيأتي تحقيقه في كتاب السماء والعالم.

٢٩ ـ يد : الدقاق ، عن الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن اليقطيني ، عن يونس ، عن ابن حازم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام هل يكون اليوم شئ لم يكن في علم الله بالامس؟

قال : لا ، من قال هذا فأخزاه الله. قلت : أرأيت ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة أليس في علم الله؟ قال : بلى قبل أن يخلق الخلق.

٣٠ ـ ير : عبدالله بن عامر ، عن الربيع بن أبي الخطاب ، عن جعفر بن بشير ، عن ضريس ، (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إن لله علمين : علما مبذولا ، وعلما مكفوفا ، فأما

المبذول فإنه ليس من شئ يعلمه الملائكة والرسل إلا نحن نعلمه ، وأما المكفوف فهو الذي عند الله في ام الكتاب.

٣١ ـ ير : عبدالله بن جعفر ، عن محمد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن ربعي ، عن الفضيل ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن لله علما يعلمه ملائكته وأنبياؤه ورسله ألا ونحن نعلمه ، ولله علم لا يعلمه ملائكته وأنبياؤه ورسله.

٣٢ ـ ير : ابن هاشم ، عن البرقي رفعه قال : قال أبو عبدالله عليه‌السلام : إن لله علمين : علم تعلمه ملائكته ورسله ، وعلم لا يعلمه غيره ، فما كان مما يعلمه ملائكته ورسله فنحن

___________________

(١) وزان زبير.

٨٩

نعلمه ، وما خرج من العلم الذي لا يعلم غيره فإلينا يخرج.

٣٣ ـ يج : قال أبوهاشم الجعفري : سأل محمد بن صالح الارمني أبا محمد عليه‌السلام عن قوله تعالى : «يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب» فقال : هل يمحو إلا ما كان؟ و هل يثبت إلا مالم يكن. فقلت في نفسي : هذا خلاف قول هشام بن الحكم إنه لا يعلم بالشئ حتى يكون ، (١) فنظر إلي فقال : تعالى الجبار الحاكم العالم بالاشياء قبل كونها. قلت : أشهد أنك حجة الله.

٣٤ ـ كشف : من دلائل الحميري ، عن الجعفري مثله ، وفي آخره : تعالى الجبار العالم بالاشياء قبل كونها ، الخالق إذلا مخلوق ، والرب إذ لا مربوب ، والقادر قبل المقدور عليه (٢) فقلت : أشهد أنك ولي الله وحجته والقائم بقسطه وأنك على منهاج أمير المؤمنين وعلمه.

٣٥ ـ شى : عن داود الرقي قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن قول الله : «أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم» قال : إن الله هو أعلم بما هو مكونه قبل أن يكونه وهم ذر ، وعلم من يجاهد ممن لا يجاهد كما علم أنه يميت خلقه قبل أن يميتهم ولم يرهم موتى وهم أحياء. (٣)

بيان : فالعلم كناية عن الوقوع ، أو المراد العلم بعد الوقوع.

٣٦ ـ شى : عن الحسين بن خالد قال : سألت أبا عبدالله (٣) عليه‌السلام عن قول الله : «ما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين» فقال : الورق : السقط يسقط من بطن امه من قبل أن يهل الولد. (٥) قال فقلت : وقوله ولا حبة قال : يعني الولد في بطن امة إذا أهل ويسقط من قبل الولادة. قال :

___________________

(١) وفى نسخة : انه لا يعلم الشئ حتى يكون.

(٢) وفى نسخة القادر اذ لا مقدور.

(٣) يوجد الحديث في تفسير البرهان والصافى ، وفيه : ولم يرهم موتهم وهم أحياء.

(٤) في نسخة : سألت أبا الحسن عليه‌السلام : فعلى هذا يكون المراد من الحسين بن خالد الصيرفى ، و على ما في المتن يكون هو ابن طهمان.

(٥) أهل الصبى : رفع صوته بالبكاء حين الولادة.

٩٠

قلت : قوله : ولا رطب قال : يعنى المضغة إذا استكنت في الرحم قبل أن يتم خلقها قبل أن ينتقل. قال : قوله : ولا يابس قال : الولد التام. قال : قلت : في كتاب مبين قال : في إمام مبين.

٣٧ ـ شى : عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام «نسوا الله» قال : تركواطاعة الله «فنسيهم» قال : فتركهم.

٣٨ ـ شى : عن أبي معمر السعدي قال : قال علي عليه‌السلام في قول الله «نسوا الله فنسيهم» فإنما يعني أنهم نسوا الله في دار الدنيا فلم يعملوا له بالطاعة ولم يؤمنوا به و برسوله فنسيهم في الآخرة أي لم يجعل لهم في ثوابه نصيبا فصاروا منسيين من الخير.

٣٩ ـ شى : عن حريز رفعه إلى أحدهما عليهما‌السلام في قول الله : «الله يعلم ما تحمل كل انثى وما تغيض الارحام وما تزداد» قال : الغيض : كل حمل دون تسعة أشهر ، وما تزداد : كل شئ يزداد على تسعة أشهر ، وكلما رأت الدم في حملها من الحيض يزداد بعدد الايام التي رأت في حملها من الدم.

٤٠ ـ شى : عن زرارة ، عن أبي جعفر أو أبي عبدالله عليهما‌السلام (١) في قوله تعالى : «ما تحمل كل انثى» يعني الذكر والانثى «وما تغيض الارحام» قال : الغيض ما كان أقل من الحمل» وما تزداد» ما زاد على الحمل فهو مكان ما رأت من الدم في حملها.

٤١ ـ شى : محمد بن مسلم وحمران وزرارة عنهما قال : «ما تحمل كل انثى» انثى أو ذكر» وما تغيض الارحام» التي لا تحمل «وما تزداد» من انثي أو ذكر.

٤٢ ـ شى : عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن قول الله : «ما تحمل كل انثى وما تغيض الارحام» قال : مالم يكن حملا «وما تزداد» قال : الذكر والانثى جميعا.

٤٣ ـ شى : عن زرارة ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في قول الله : «الله يعلم ما تحمل كل انثى» قال : الذكر والاثنى «وما تغيض الارحام» قال : ما كان دون التسعة وهو غيض «وما تزداد» قال : ما رأت الدم في حال حملها ازداد به على التسعة الاشهر ، إن كان رأت الدم خمسة أيام أو أقل أو أكثر زاد ذلك على التسعة الاشهر.

___________________

(١) في نسخة : عن أبى جعفر وأبى عبدالله عليهما‌السلام.

٩١

بيان : قال الطبرسي رحمه‌الله : الله يعلم ما تحمل كل انثى أي يعلم ما في بطن كل حامل من ذكر أو انثى تام أو غير تام ، ويعلم لونه وصفاته ، ما تغيض الارحام أي يعلم الوقت الذي تنقصه الارحام من المدة التي هي تسعة أشهر وما تزداد على ذلك عن أكثر المفسرين. وقال الضحاك : الغيض النقصان من الاجل والزيادة ما يزداد على الاجل ، وذلك أن النساء لا يلدون لاجل واحد. وقيل : يعني بقوله : ما تغيض الارحام الولد الذي تأتي به المرأة لاقل من ستة أشهر ، وما تزداد الولد الذي تأتي به لاقصى مدة الحمل. وقيل : معناه : ما تنقص الارحام من دم الحيض وهو انقطاع الحيض ، وما تزداد بدم النفاس بعد الوضع ، عن ابن عباس بخلاف وابن زيد.

٤٤ ـ نهج : من خطبة له عليه‌السلام : يعلم عجيج الوحوش في الفلوات ، ومعاصي العباد في الخلوات ، واختلاف النينان في البحار الغامرات ، (١) وتلاطم الماء بالرياح العاصفات. أقول : سيأتي بعض الاخبار في باب معاني الاسماء وباب جوامع التوحيد ، و باب البداء وأبواب علوم الائمة وقد سبق بعضها في الباب السابق.

*( باب ٣ )*

*( البداء والنسخ )* (٢)

الايات : البقرة «٢» ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير ١٠٦

المائدة «٥» وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ٦٤

___________________

(١) النون : الحوت ، والجمع نينان وأنوان.

(٢) البداء بالفتح والمدفى اللغة ظهور الشئ بعد الخفاء وحصول العلم به بعد الجهل واتفقت الامة على امتناع ذلك على الله سبحانه إلا من لا يعتد به ، ومن افترى ذلك على الامامية فقد افترى كذبا عظيما ، والامامية منه براء. وفى العرف ـ على ما يستفاد من كلام العلماء وأئمة الحديث ـ يطلق على معان كلها صحيحة في حقه تعالى :

منها : إبداء شئ وإحداثه والحكم بوجوده بتقدير حادث وتعلق ارادة حادثة بحسب الشروط*

٩٢

الانعام «٦» هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون ٢

الرعد «١٣» لكل أجل كتاب * يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب ٣٨ ـ ٣٩

___________________

* والمصالح ، ومن هذا القبيل ايجاد الحوادث اليومية ، ويقرب منه قول ابن أثير في حديث الاقرع و الابرص والاعمى : بدالله عزوجل أن يبتهليم ، أى قضى بذلك ، وهو معنى البداء ههنا ، لان القضاء سابق و البداء استصواب شئ علم بعد أن لم يعلم ، وذلك على الله عزوجل محال غير جائز. انتهى. ولعله أراد بالقضاء الحكم بالوجود ، وأراد بكونه سابقا أن العلم به سابق كما يرشد إليه ظاهر التعليل المذكور بعده.

ومنها ترجيح أحد المتقابلين والحكم بوجوده بعد تعلق الارادة بهما تعلقا غير حتمى ، لرجحان مصلحته وشروطه على مصلحة الاخر وشروطه ، ومن هذا القبيل اجابة الداعى ، وتحقيق مطالبه ، و تطويل العمر بصلة الرحم ، وارادة ابقاء قوم بعد ارادة اهلاكهم.

ومنها : محو ما ثبت وجوده في وقت محدود بشروط معلومة ومصلحة مخصوصة ، وقطع استمراره بعدانقضاء ذلك الوقت والشروط والمصالح ، سواء اثبت بدله لتحقق الشروط والمصالح في إثباته أولا ، ومن هذا القبيل الاحياء والاماتة والقبض والبسط في الامر التكوينى ، ونسخ الاحكام بلا بدل أو معه في الامر التكليفى. والنسخ أيضا داخل في البداء كما صرح به الصدوق في كتابى التوحيد و الاعتقادات. ومن أصحابنا من خص البداء بالامر التكوينى وأخرج النسخ عنه ، ولي هذا التخصيص وجه يعتدبه ، وإنما سميت هذه المعانى بداءا لانها مستلزمة لظهور شئ على الخلق بعد ما كان مخفيا عنهم ، ومن ثم عرف البداء بعض القوم بأنه أثرلم يعلم أحد من خلقه قبل صدوره عنه أنه يصدر عنه. واليهود أنكروا البداء وقالوا : يدالله مغلولة ـ غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا ـ وهم يعنون بذلك أنه تعالى فرغ من الامر فليس يحدث شيئا ، ونقل عنهم أيضا أنه تعالى لا يقضى يوم السبت شيئا ، ويقرب منه قول النظام من المعتزلة : إن الله تعالى خلق الموجودات دفعة واحدة على ما هى عليه الان : معادن ونباتات ، وحيوانات وإنسانا ، ولم يتقدم خلق آدم ٧ على خلق أولاده والتقدم والتاخر إنما يقع في ظهورها من مكانها دون حدوثها ووجودها ، وكأنه أخذ ذلك من الكمون والظهور من مذهب الفلاسفة ، ونقل صاحب الكشاف عن الحسين بن الفضل ما عود إلى هذا المذهب ، وهو أن عبدالله بن طاهر دعا الحسين بن الفضل وذكر أن من آيات اشكلت عليه قوله عز من قائل : «كل يوم هو في شأن» وقد صح» أن القلم جف بما هو كان إلى يوم القيامة» قال الحسين : أما قوله : «كل يوم هو في شأن» فانها شؤون يبديها لاشؤون يبتديها. وهذه المذاهب عندنا باطلة لانه تعالى يحدث بعد ما يشاء في أى وقت يشاء على وفق الحكمة والمصلحة ، كما دلت عليه روايات هذا الباب ، ودلت عليه أيضا قول أمير المؤمنين ٧ : «الحمدلله الذى لا يموت ولا ينقضى عجائبه ، لانه كل يوم في شأن من إحداث بديع لم يكن» فانه صريح في أنه تعالى يحدث في كل وقت ما أراد إحداثه من الاشخاص والاحوال ، ولعل الحسين كالسائل فهم أن ابتداءها واحداثها ينافى ما صح من جفاف القلم ، وأنت تعلم أنه لا منافاة بينهما ، لان جفاف القلم دل على أن كل ما هو كائن*

٩٣

١ ـ لى : علي بن عيسى ، عن ماجيلويه ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن محمد بن سنان المجاور ، عن أحمد بن نصر الطحان ، عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبدالله الصادق جعفر ابن محمد عليهما‌السلام أن عيسى روح الله مر بقوم مجلبين فقال : ما لهؤلاء؟ قيل : يا روح الله إن فلانة بنت فلان تهدى إلى فلان بن فلان في ليلتها هذه.

قال : يجلبون اليوم ويبكون غد ، فقال قائل منهم : ولم يا رسول الله؟ قال : لان صاحبتهم ميتة في ليلتها هذه! فقال القائلون بمقالته : صدق الله وصدق رسوله ، وقال أهل النفاق : ما أقرب غدا ، فلما أصبحوا جاؤوا فوجدوها على حالها لم يحدث بها شئ. فقالوا : يا روح الله إن التي أخبرتنا أمس أنها ميتة لم تمت! فقال عيسى على نبينا وآله وعليه السلام : يفعل الله ما يشاء فاذهبوا بنا إليها فذهبوا يتسابقون حتى قرعوا الباب فخرج زوجها فقال له عيسى عليه‌السلام : استأذن لي على صاحبتك ، قال : فدخل عليها فأخبرها أن روح الله وكلمته بالباب مع عدة قال : فتخدرت فدخل عليها فقال لها : ما صنعت ليلتك هذه؟ قالت : لم أصنع شيئا إلا وقد كنت أصنعه فيما مضى ، إنه كان يعترينا سائل في كل ليلة جمعة فننيله ما يقوته إلى مثلها ، وإنه جاءني في ليلتي هذه و أنا مشغولة بأمري وأهلي في مشاغل فهتف فلم يجبه أحد ثم هتف فلم يجب حتى هتف مرارا فلما سمعت مقالته قمت متنكرة حتى نلته كما كنا ننيله فقال لها : تنحي عن مجلسك فإذا تحت ثيابها أفعي مثل جذعة عاض على ذنبه. فقال عليه‌السلام : بما صنعت صرف عنك هذا. بيان : قال الفيروز آبادي : جلبه يجلبه ويجلبه واجتلبه : ساقه من موضع إلى موضع آخر ، والجلب : اختلاط الصوت كالجلبة ، جلبوا يجلبون ويجلبون وأجلبوا وجلبوا ، وجلب وأجلب جمع الجمع. انتهى.

وتخدرت : دخلت في الخدر وهو ستر يمد للجارية في ناحية البيت. ويقال :

___________________

*إلى يوم القيامة فهو مكتوب في اللوح المحفوظ أو في التقدير ، ومعلوم له بحيث لا يتغير ولا يتبدل ، ومن المكتوب والمعلوم له تعالى أن يقدر كذا في وقت كذا ويبتدئ بايجاده واحداثه على وفق الحكمة والمصلحة ، فالابتداء والاحداث الذى هو البداء المراد هنا أيضا من المكتوبات فليتامل. قاله بعض الافاضل في شرحه على الكافى. أقول : سيأتى تحقيقات اخر حول البداء من المصنف وغيره.

٩٤

عره واعتره واعتربه وعراه واعتراه : إذا أتاه يطلب معروفه ، وقولها : متنكرة أي بحيث لا يعرفني أحد. والجذع بالكسر : ساق النخلة.

٢ ـ ن : جعفر بن علي بن أحمد الفقيه ، عن حسن بن محمد بن علي بن صدقة ، عن محمد بن عمر بن عبدالعزيز ، عمن سمع الحسن بن محمد النوفلي يقول : قال الرضا عليه‌السلام لسليمان المروزي (١) ما أنكرت من البداء يا سليمان والله عزوجل يقول : «أولم ير الانسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا» ويقول عزوجل : «وهو الذي يبدء الخلق ثم يعيده» ويقول : «بديع السموات والارض» ويقول عزوجل : «يزيد في الخلق ما يشاء» ويقول : وبدء خلق الانسان من طين «ويقول عزوجل : «وآخرون مرجون لامر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم» ويقول عزوجل : «وما يعمر من معمر ولاينقص من عمره إلا في كتاب.»

قال سليمان : هل رويت فيه عن آبائك شيئا؟ قال : نعم رويت عن أبي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام أنه قال : إن لله عزوجل علمين : علما مخزونا مكنونا لا يعلمه إلا هو ، من ذلك يكون البدا ، وعلما علمه ملائكته ورسله فالعلماء من أهل بيت نبيك يعلمونه قال سليمان : احب أن تنزعه لي من كتاب الله عزوجل. قال : قول الله عزوجل لنبيه : «فتول عنهم فما أنت بملوم» أراد إهلاكهم ثم بدافقال : «وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين» قال سليمان : زدني جعلت فداك.

قال الرضا عليه‌السلام : لقد أخبرني أبي ، عن آبائه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إن الله عزوجل أوحى إلى نبي من أنبيائه أن أخبر فلان الملك أني متوفيه إلى كذا وكذا ، فأتاه ذلك النبي فأخبره فدعا الله الملك وهو على سريره حتى سقط من السرير ، وقال : يا رب أجلني حتى يشب طفلي وأقضي أمري ، فأوحى الله عزوجل إلى ذلك النبي أن ائت فلان الملك فأعلمه أني قد أنسيت أجله وزدت في عمره خمس عشرة سنة ، فقال ذلك النبي :

___________________

(١) بفتح الميم وسكون الراء المهلة وفتح الواو بعده زاي معجمة ثم ياء نسبة إلى مرو مدينة من مدن خراسان ، وزادوا في النسبة اليها «الزاى» على خلاف القياس كما فعلوا في الرازي وغيره.

٩٥

يا رب إنك لتعلم أني لم أكذب قط فأوحي الله عزوجل إليه إنما أنت عبد مأمور فأبلغه ذلك والله لا يسأل عما يفعل. (٢)

ثم التفت إلى سليمان فقال له : أحسبك ضاهيت اليهود في هذا الباب ، قال أعوذ بالله من ذلك ، وما قالت اليهود؟ قال : قالت اليهود : «يد الله مغلولة» يعنون أن الله قد فرغ من الامر فليس يحدث شيئا فقال الله عزوجل : «غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا» ولقد سمعت قوما سألو أبي موسى بن جعفر عليه‌السلام عن البداء فقال : وما ينكر الناس من البداء وأن يقف الله قوما يرجئهم لامره.

قال سليمان : ألا تخبرني عن إنا أنزلناه في ليلة القدر في أي شئ أنزلت؟ قال : يا سليمان ليلة القدر يقدرالله عزوجل فيها ما يكون من السنة إلى السنة من حياة أو موت ، أو خير أو شر ، أو رزق فما قدره في تلك اللية فهو من المحتوم.

قال سليمان : الآن قد فهمت جعلت فداك فزدني. قال : يا سليمان إن من الامور امورا موقوفة عند الله تبارك وتعالى يقدم منها ما يشاء ويؤخر ما يشاء ، يا سليمان إن عليا عليه‌السلام كان يقول : العلم علمان : فعلم علمه الله ملائكته ورسله فما علمه ملائكته ورسله فإنه يكون ولا يكذب نفسه ولا ملائكته ولا رسله ، وعلم عنده مخزون لم يطلع عليه أحدا من خلقه يقدم منه ما يشاء ويوخر ما يشاء ، ويمحو ويثبت ما يشاء. قال سليمان للمأمون : يا أمير المؤمنين لا انكر بعد يومي هذا البداء ولا اكذب به إن شاء الله.

بيان : لعل استدلاله عليه‌السلام أولا بالآيات لرفع الاستبعاد عما هو مبنى البداء من أن الله تعالى أن يحدث شيئا لم يكن ، ويغير ماقد كان ، وليس على ما قالت اليهود ومن يضاهيهم : إن الله فعل ما فعل ، وقدر ما قدر في أول الامر فلا يغير شيئا من خلقه ولا أحكامه ، وإن لله كتابا يمحوفيه ما قد ثبت ، ويثبت فيه ما لم يكن. على ما سيأتي تحقيقه ، وذكر بعض ما يدل على النسخ إما على التنظير والتمثيل لمشابهة البداء النسخ في أن

___________________

(١) سيأتى مثله تحت رقم ٣٣ وفيه : أن النبى هو حزقيل وسيأتى مثله أيضا في قصة شعيا على نبينا وآله وعليهما السلام.

٩٦

أحدهما تغيير في الامر التكليفي ، والآخر تغيير في الامر التكويني ، أو لان المراد هنا ما يعم النسخ أيضا.

٣ ـ ن : الهمداني ، عن علي بن إبراهيم ، عن الريان بن الصلت قال : سمعت الرضا عليه‌السلام يقول : ما بعث الله عزوجل نبيا إلا بتحريم الخمر ، وأن يقر له بأن الله يفعل ما يشاء ، وان يكون في تراثه الكندر.

غط : الاسدي ، عن علي بن إبراهيم مثله.

٤ ـ ج : عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال : لولا آية في كتاب الله لاخبرتكم بما كان وبما يكون وبما هو كائن إلى يوم القيامة ، وهي هذه الآية : يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب.

لى ، يد : القطان والدقاق ، عن ابن زكريا القطان ، عن محمد بن العباس ، عن محمد بن أبي السري ، عن أحمد بن عبدالله بن يونس ، عن سعد ، عن الاصبغ مثله.

٥ ـ ب : أحمد ، عن البزنطي قال : قلت للرضا عليه‌السلام : إن رجلا من أصحابنا سمعني وأنا أقول : إن مروان بن محمد لو سئل عنه صاحب القبر ما كان عنده منه علم. فقال الرجل : إنما عنى بذلك أبوبكر وعمر ، فقال : لقد جعلهما في موضع صدق! قال جعفر بن محمد : إن مروان بن محمد لو سئل عنه محمد رسول الله «ص» ما كان عنده منه علم ، لم يكن من الملوك الذين سمواله ، وإنما كان له أمرطرأ قال أبو عبدالله وأبوجعفر وعلي بن الحسين والحسين بن علي والحسن بن علي وعلي بن أبي طالب عليهم‌السلام : والله لولا آية في كتاب الله لحد ثناكم بما يكون إلى أن تقوم الساعة : يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب. بيان : مروان بن محمد هو الذي من خلقاء بني امية ، وكانت خلافته من الامور الغريبة كما يظهر من السير ، والمقصود أن خلافته كانت من الامور البدائية التي لم تصل إلى النبى «ص» في حياته فلو كان «ص» سئل في حياته عن هذا الامر لم يكن له علم بذلك لان مروان لم يكن من الملوك الذين سموا للنبي «ص» ، فالمراد بصاحب القبر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولما حمله السامع على الشيخين قال عليه‌السلام : قد جعل هذا الرجل هذين في موضع صدق وأكرمهما حيث جعلهما جاهلين بهذا الامر حسب ، ليسا في معرض

٩٧

العلم بالامور المغيبة حتى ينفى خصوص ذلك عنهما ، هكذا حقق هذا الخبر وكن من الشاكرين.

٦ ـ فس : قوله : «وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان» قال : قالوا : قد فرغ الله من الامر لا يحدث الله غير ما قدره في التقدير الاول ، فرد الله عليهم فقال : «بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء» أي يقدم ويؤخر ويزيد وينقص وله البداء والمشيئة. (١)

بيان : ذكر الرازي في الآية وجوها من التأويل :

الاول : أن القوم إنما قالوا ذلك على الالزام فإنهم لما سمعوا قوله تعالى : من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا قالوا : لو احتاج إلى القرض لكان فقيرا عاجزا.

الثانى : أن القوم لما رأوا أصحاب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في غاية الشدة والفقر قالوا على سبيل الاستهزاء : إن إله محمد فقير مغلول اليد.

الثالث : قال المفسرون : إن اليهود كانوا أكثر الناس مالا وثروة فلما بعث الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله وكذبوا به ضيق الله عليهم المعيشة فعند ذلك قالت اليهود : يد الله مغلولة أي مقبوضة عن العطاء.

الرابع : لعله كان فيهم من كان على مذهب الفلسفة وهو أن الله تعالى موجب لذاته وأن حدوث الحوادث عنه لا يمكن إلا على نهج واحد وسنن واحد ، وأنه تعالى غير قادر على إحداث الحوادث غير الوجوه التي عليها يقع (٢) فعبروا عن عدم الاقتدار على التغيير والتبديل بغل اليد.

الخامس : قال بعضهم : المراد هو قول اليهود : إن الله لا يعذبنا إلا قدر الايام التي عبدنا فيها العجل فعبروا عنه بهذه العبارة.

___________________

(١) قال السيد الرضى في تلخيص البيان : هذه استعارة ومعناها أن اليهود أخرجوا هذا القول مخرج الاستبخال لله سبحانه فكذبهم تعالى بقوله : «بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء» وليس المراد بذكر اليدين ههنا الاثنتين اللتين هما اكثر من الواحدة ، وإنما المراد به المبالغة في وصف النعمة ، كما يقول القائل : ليس لى بهذا الامر يدان. وليس يريد به الجارحتين ، وانما يريد به المبالغة في نفى القوة على ذلك الامر ، وربما قيل : ان المراد بذلك نعمة الدنيا ونعمة الاخرة.

(٢) هذا من النسب التى يتبرء منها أهل الفلسفة وانما هى ناشئة من سوء الفهم في المقاصد البرهانية. ط

٩٨

أقول : الوجه الرابع قريب مما ورد في بعض الاخبار.

٧ ـ فس : قوله : «هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده» فإنه حدثني أبي ، عن النضر بن سويد ، عن الحلبي ، عن عبدالله بن مسكان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : الاجل المقضي هو المحتوم الذي قضاه الله وحتمه ، المسمى هو الذي فيه البداء يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء ، والمحتوم ليس فيه تقديم ولا تأخير. وحدثني ياسر عن الرضا عليه‌السلام قال : ما بعث الله نبيا إلا بتحريم الخمر وأن يقر له بالبداء أن يفعل الله ما يشاء ، وأن يكون في تراثه الكندر.

٨ ـ فس : أبي ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قلت له جعلت فداك بلغنا أن لآل جعفر راية ولآل العباس رايتين فهل انتهى إليك من علم ذلك شئ؟ قال : أما آل جعفر فليس بشئ ولا إلى شئ ، وأما آل العباس فإن لهم ملكا مبطئا يقربون فيه البعيد ، ويباعدون فيه القريب ، وسلطانهم عسر ليس فيه يسر حتى إذا أمنوا مكر الله وأمنوا عقابه صيح فيهم صيحة لا يبقى لهم مال يجمعهم ولا رجال يمنعهم وهو قول الله : «حتى إذا أخذت الارض زخرفها وازينت» الآية. قلت : جعلت فداك فمتى يكون ذلك؟ قال : أما إنه لم يوقت لنافيه وقت ، ولكن إذا حدثنا كم بشئ فكان كما نقول فقولوا : صدق الله ورسوله ، وإن كان بخلاف ذلك فقولوا : صدق الله ورسوله توجروا مرتين ، ولكن إذا اشتدت الحاجة والفاقة وأنكر الناس بعضهم بعضا فعند ذلك توقعوا هذا الامر صباحا ومساءا. قلت : جعلت فداك الحاجة والفاقة قد عرفناهما فما إنكار الناس بعضهم بعضا؟ قال : يأتي الرجل أخاه في حاجة فيلقاه بغير الوجه الذي كان يلقاه فيه ، ويكلمه بغير الكلام الذي كان بكلمه.

٩ ـ فس : قال علي بن إبراهيم في قوله : «لكل أجل كتاب يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب» فإنه حدثني أبي ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن عبدالله ابن مسكان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إذا كان ليلة القدر نزلت الملائكة والروح و والكتبة إلى سماء الدنيا فيكتبون ما يكون من قضاء الله تعالى في تلك السنة فإذا أراد الله أن يقدم شيئا أو يوخره أو ينقص شيئا أمر الملك أن يمحو ما يشاء ثم أثبت الذي أراد

٩٩

قلت : وكل شئ هو عند الله مثبت في كتاب؟ قال : نعم قلت : فأي شئ يكون بعده؟ قال : سبحان الله ثم يحدث الله أيضا ما يشاء تبارك وتعالى.

١٠ ـ فس : «الم غلبت الروم في أدني الارض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين «فإنه حدثني أبي ، عن محمد بن أبي عمير ، عن جميل ، عن أبي عبيدة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن قول الله : «الم غلبت الروم في أدنى الارض» قال : يا أبا عبيدة

إن لهذا تاويلا لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم من الائمة : إن رسول الله «ص» لما هاجر إلى المدينة ـ وقد ظهر الاسلام ـ كتب إلى ملك الروم كتابا وبعث إليه رسولا يدعوه إلى الاسلام ، وكتب إلى ملك فارس كتابا وبعث إليه رسولا يدعوه إلى الاسلام فأما ملك الروم فإنه عظم كتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأكرم رسوله ، وأما ملك فارس فإنه مزق كتابه واستخف برسول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان ملك فارس يومئذ يقاتل ملك الروم وكان المسلمون يهوون أن يغلب ملك الروم ملك فارس ، وكانوا لناحية ملك الروم أرجى منهم لملك فارس ، فلما غلب ملك فارس ملك الروم بكى لذلك المسلمون واغتموا ، (١) فأنزل الله «الم غلبت الروم في أدنى الارض» يعني غلبتها فارس في أدنى الارض وهى الشامات وما حولها ، ثم قال : وفارس من بعد غلبهم الروم سيغلبون في بضع سنين قوله : لله الامر من قبل أن يأمر ومن بعد أن يقضي بما يشاء. قوله : ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء قلت : أليس الله يقول : في بضع سنين؟ وقد مضى للمسلمين سنون كثيرة مع رسول الله «ص» ، وفي إمارة أبي بكر ، وإنما غلب المؤمنون فارس في إمارة عمر فقال : ألم أقل لك : إن لهذا تاويلا وتفسيرا؟ والقرآن يا أبا عبيدة ناسخ ومنسوخ ، أما تسمع قوله : «لله الامر من قبل ومن بعد» يعني إليه المشيئة في القول أن يؤخر ما قدم ويقدم ما أخر إلى يوم يحتم القضاء بنزول النصر فيه على المؤمنين ، وذلك قوله : «ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء.»

بيان : قد قرئ في بعض الشواذ غلبت بالفتح وسيغلبون بالضم. قوله عليه‌السلام : يعني غلبتها فارس الظاهر أن إضافة الغلبة إلى الضمير إضافة إلى المفعول ، أي مغلوبية

___________________

(١) في التفسير المطبوع : كره لذلك المسلمون واغتموا به.

١٠٠