بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٢٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

٢٩ ـ ف : عن الحسين بن علي صلوات الله عليهما : أيها الناس اتقوا هؤلاء المارقة (١) الذين يشبهون الله بأنفسهم ، يضاهؤون قول الذين كفروا من أهل الكتاب ، بل هو الله ليس كمثله شئ ، وهو السميع البصير ، لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار ، وهو اللطيف الخبير ، استخلص الوحدانية والجبروت ، وأمضى المشية والارادة والقدرة والعلم بما هو كائن ، لامنازع له في شئ من أمره ، ولا كفوله يعادله ، ولاضد له ينازعه ، ولا سمي له يشابهه ، ولا مثل له يشاكله ، لاتتداوله الامور ، ولاتجري عليه الاحوال ، ولا تنزل عليه الاحداث ، ولا يقدر الواصفون كنه عظمته ، ولا يخطر على القلوب مبلغ جبروته لانه ليس له في الاشياء عديل ، ولا تدركه العلماء بألبابها ، ولا أهل التفكير بتفكيرهم ، إلا بالتحقيق إيقانا بالغيب لانه لا يوصف بشئ من صفات المخلوقين ، وهو الواحد الصمد ، ما تصور في الاوهام فهو خلافه ، ليس برب من طرح تحت البلاغ ، (٢) ومعبود من وجد في هواء أو غير هواء ، هو في الاشياء كائن لا كينونة محظور بها عليه ، ومن الاشياء بائن لا بينونة غائب عنها ، ليس بقادر من قارنه ضد ، أو ساواه ند ، ليس عن الدهر قدمه ، ولا بالناحية أممه ، احتجب عن العقول كما احتجب عن الابصار ، وعمن في السماء احتجابه عمن في الارض ، قربه كرامته ، وبعده اهانته ، لايحله في ، ولاتوقته إذ ، ولاتؤامره إن ، علوه من غير نوقل ، (٣) ومجيئه من غير تنقل ، يوجد المفقود ، ويفقد الموجود ، ولاتجتمع لغيره الصفتان في وقت ، يصيب الفكر منه الايمان به موجودا ووجود الايمان لاوجود صفة ، به نوصف الصفات لانها يوصف ، وبه تعرف المعارف لابها يعرف ، فذلك الله لاسمي له سبحانه ، ليس كمثله شئ وهو السميع البصير.

بيان : استخلص الوحدانية أي جعلها خالصة لنفسه لايشاركه فيها غيره ،

___________________

(١) مرق من الدين : خرج منه بضلالة او بدعة ، والمارقة مؤنث المارق وهو من مرق من الدين ويطلق المارقة على الخوارج ايضا لمروقهم من الدين.

(٢) البلاغ بفتح الباء : ما يبلغ. الوصول إلى الشئ ، ولعل المعنى : ليس برب من طرح تحت بلوغ الافكار ، ورمى تحت وصول الاوهام.

(٣) في التحف المطبوع : علوه من غير توقل. وهو الصحيح ، من قولهم : توقل في الجبل : صعدفيه.

٣٠١

ولتحقيق : التصديق ، والاستثناء منقطع أي ولكن يدرك بالتصديق بما أخبر عنه الانبياء والحجج إيمانا بالغيب. قوله عليه‌السلام : تحت البلاغ لعل المعنى أنه يكون محتاجا إلى أن يبلغ إليه الامور ، أو يكون تحت ثوب يكون قدر كفايته محيطا به ، ويحتمل أن يكون تصحيف التلاع جمع التلعة فإن الاصنام تنحت من الاحجار المطروحة تحتها ، أو اليراع وهو شئ كالبعوض يغشي الوجه ، أو النقاع جمع النقع بالكسر وهو الغبار أو السماء أو البلاء أو البناء بقرينة قرينتها وهي الهواء.

قوله عليه‌السلام محظور بها عليه أي بأن يكون داخلا فيها فتحيط الاشياء به كالحظيرة وهي ما تحيط بالشئ خشبا أو قصبا. قوله عليه‌السلام : ليس عن الدهر قدمه أي ليس قدمه قدما زمانيا يقارنه الزمان دائما. (١) والامم بالتحريك : القصد أي ليس قصده بأن يتوجه إلى ناحية مخصوصة فيوجد فيه ، بل أينما تولوا فثم وجه الله.

قوله عليه‌السلام : ولا تؤامره إن أي ليست كلمة إن التي يستعملها المخلوقون عند ترددهم بقولهم : إن كان كذا فأي شئ يكون سببا لمشاورته ومؤامرته في الامور ، ونوقل فوعل من النقل ، ولم أجده فيما حضر عندي من كتب اللغة. (٢) قوله عليه‌السلام : في وقت أي في وقت من الاوقات والتقييد بالاجتماع لعله وقع تنزلا لما يتوهم من أن الاعدام يتأتى من غيره تعالى.

قوله عليه‌السلام : يصيب الفكر أي لايصيب منه تعالى التفكر فيه إلا أن يؤمن بأنه موجود ، وأن يجد صفة الايمان ويتصف به لا أن ينال منه وجود صفة أي كنه صفة أو صفة موجودة زائدة. فقوله : ووجود معطوف على الايمان. وقوله : لا وجود أي لا يصيب وجود ، والاصوب أن العاطف في قوله : ووجود زائد فيستقيم الكلام. قوله : به توصف

___________________

(١) الجملة من جوامع الكلم بها يفسر موارد كثيرة من الخطب والروايات الدالة على تقدمه تعالى على الكل وتأخره عن الكل واحاطته بالكل وان ليس معه في أزلية ذاته قديم آخر والاكان الهامثله ـ تعالى عن ذلك ـ وانه أزلى أبدى كل ذلك من غير تطبيق على امتداد غير متناه زمان الا لكان زمانيا فهو محيط بالجميع بعين احاطته بكل جزء منه فلو فرض قديم زمانى كنفس الزمان كان تعالى قبله ومتقدما عليه بعين تقدمه على أجزائه فتأمل وتبصر في موارد كثيرة تكر عليك. ط

(٢) قد عرفت صحيحة وهو التوقل.

٣٠٢

الصفات أي هو موجد للصفات وجاعل الاشياء متصفة بها ، فكيف يوصف نفسه بها ، وبإفاضته تعرف المعارف فلا يعرف هو بها ، إذ لايعرف الله بمخلوقه كما مر.

٣٠ ـ ف : عن أبي الحسن الثالث عليه‌السلام قال : إن الله لا يوصف إلا بما وصف به نفسه ، وأنى يوصف الذي تعجز الحواس أن تدركه ، والاوهام أن تناله ، والخطرات أن تحده ، والابصار عن الاحاطة به ، نأى في قربه ، وقرب في نأيه ، كيف الكيف بغير أن يقال : كيف؟ وأين الاين بلا أن يقال : أين؟ هو منقطع الكيفية والاينية ، الواحد الاحد ، جل جلاله ، وتقدست أسماؤه.

٣١ ـ م : عن أبي محمد ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا تتجاوزوا بنا العبودية ثم قولوا ما شئتم ولا تغلوا ، وإياكم والغلو كغلو النصارى فإني برئ من الغالين. قال : فقام إليه رجل فقال له : يابن رسول الله صف لنا ربك ، فإن من قبلنا قد اختلفوا علينا. فقال الرضا عليه‌السلام : إنه من يصف ربه بالقياس لا يزال الدهر في الالتباس ، مائلا عن المنهاج ، ظاعنا في الاعوجاج ، (١) ضالا عن السبيل ، قائلا غير الجميل ، ثم قال : أعرفه بما عرف به نفسه ، أعرفه من غير رؤية ، وأصفه بما وصف به نفسه من غير صورة ، لا يدرك بالحواس ، ولا يقاس بالناس ، معروف بالآيات ، بعيد بغير تشبيه ، و متدان في بعده لا بنظير ، لايتوهم ديمومته ، ولا يمثل بخلقه ، ولايجوز في قضيته ، الخلق لما علم منه منقادون ، وعلى ما سطر في المكنون من كتابه ماضون ، لا يعلمون بخلاف ما علم منهم ولا غيره يريدون ، فهو قريب غير ملتزق ، وبعيد غير متقص ، يحقق ولا يمثل ، (٢) ويوحد ولايبعض ، يعرف بالآيات ، ويثبت بالعلامات ، فلا إله غيره الكبير المتعال. ثم قال الامام عليه‌السلام : حدثني أبي ، عن جدي ، عن رسول الله أنه قال : ما عرف الله من شبهه بخلقه ، ولاعد له من نسب إليه ذنوب عباده.

٣٢ ـ جع : سئل أمير المؤمنين عليه‌السلام بم عرفت ربك؟ قال : بما عرفني نفسه ، لا يشبهه صورة ، ولايقاس بالناس ، قريب في بعده ، بعيد في قربه ، فوق كل شئ ولا يقال

___________________

(١) أى سائر اوراحلا.

(٢) اى يحقق ويثبت وجوده ولكن لا يشبه بمخلوقاته ، أولا يعتمل مثاله في الحاسة ، ولا يتصور له مثالا وهميا في الواهمة.

٣٠٣

شئ تحته ، وتحت كل شئ ولايقال شئ فوقه ، أمام كل شئ ولا يقال شئ خلفه ، وخلف كل ولا يقال شئ أمامه ، داخل في الاشياء لاكشئ في شئ ، سبحان من هو هكذا لاهكذا غيره.

٣٣ ـ جع : دخل علي بن الحسين عليهما‌السلام مسجد المدينة فرأي قوما يختصمون ، فقال لهم : فيما تختصمون؟ قالوا : في التوحيد ، قال : أعرضوا علي مقالتكم ، قال بعض القوم : إن الله يعرف بخلقه سماواته وأرضه ، وهو في كل مكان. قال علي بن الحسين عليهما‌السلام : قولوا : نور لاظلام فيه ، وحياة لاموت فيه ، وصمد لامدخل فيه. ثم قال : من كان ليس كمثله شئ وهو السميع البصير كان نعته لايشبه نعت شئ فهو ذاك.

٣٤ ـ يد : الدقاق ، عن الاسدي ، عن البرمكي ، عن الحسين بن الحسن ، عن عبدالله بن داهر ، عن الحسين بن يحيى الكوفي ، عن قثم بن قتادة ، عن عبدالله بن يونس ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : بينا أمير المؤمنين عليه‌السلام يخطب على منبر الكوفة ، إذ قام إليه رجل يقال له : ذعلب ، (١) ذرب اللسان ، بليغ في الخطاب ، شجاع القلب ، فقال : يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك؟ فقال : ويلك يا ذعلب ما كنت أعبد ربا لم أره؟ قال : يا أمير المؤمنين كيف رأيته؟ قال : يا ذعلب لم تره العيون بمشاهدة الابصار ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان ، ويلك يا ذعلب إن ربي لطيف اللطافة فلا يوصف باللطف ، عظيم العظمة لا يوصف بالعظم ، كبير الكبرياء لايوصف بالكبر ، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ ، قبل كل شئ لا يقال شئ قبله ، وبعد كل شئ لا يقال له بعد ، (٢) شاء الاشياء لا بهمة ، دراك لا بخديعة (٣) هو في الاشياء كلها غير متمازج بها ولا بائن عنها ، ظاهر لا بتأويل المباشرة ، متجل لاباستهلال رؤية ، بائن لا بمسافة ، (٣) قريب لا بمداناة ، لطيف لا بتجسم ، موجود لابعد عدم ، فاعل لا باضطرار ، مقدر لا بحركة ، مريد لا بهمامة ،

___________________

(١) بكسر الذال المعجمة وسكون العين المهملة واللام المفتوحة او المكسورة على ما حكى عن قواعد الشهيد ، بعدهاباء.

(٢) في التوحيد المطبوع : فلا يقال شئ بعده.

(٣) لا بمكر وحيلة يتوسل بهما إلى مدركاته كما هو شأن بعض الناس ، بل يعلم وإحاطة على عالم الوجود والنفوس.

(٤) في الكافى : ناء لابمسافة وهو أظهر.

٣٠٤

سميع لا بآلة ، بصير لابأداة ، لاتحويه الاماكن ، ولا تصحبه الاوقات ، (١) ولاتحده الصفات ، ولا تأخذه السنات ، (٢) سبق الاوقات كونه ، والعدم وجوده ، والابتداء أزله ، بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له ، وبتجهيره الجواهر عرف أن لا جوهر له ، وبمضاد ته بين الاشياء عرف أن لا ضد له ، وبمقارنته بين الاشياء عرف أن لاقرين له ، ضاد النور بالظلمة ، والجسوء بالبلل ، (٣) والصرد بالحرور ، مؤلف بين معتادياتها ، مفرق بين متدانياتها ، دالة بتفريقها على مفرقها ، وبتأليفها على مؤلفها ، وذلك قوله عزوجل : «ومن كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون» ففرق بها بين قبل وبعد ليعلم أن لاقبل له ولابعد ، شاهدة بغرائزها أن لا غريزة لمغرزها ، مخبرة بتوقيتها أن لاوقت لموقتها ، حجب بعضها عن بعض ليعلم أن لاحجاب بينه وبين خلقه غير خلقه ، كان ربا ولامربوب ، وإلها ولامألوه ، وعالما إذ لامعلوم ، وسميعا إذلامسموع. ثم أنشأ يقول : (٤)

ولم يزل سيدي بالحمد معروفا

ولم يزل سيدي بالجود موصوفا

وكان إذ ليس نور يستضاء به

ولا ظلام على الآفاق معكوفا

فربنا بخلاف الخلق كلهم

وكل ما كان في الاوهام موصوفا

ومن يرده على التشبيه ممتثلا

يرجع أخا حصر بالعجز مكتوفا

وفي المعارج يلقى موج قدرته

موجا يعارض طرف الروح مكفوفا

فاترك أخا جدل في الدين منعمقا

قد باشر الشك فيه الرأي مأووفا

واصحب أخاثقة حبا لسيده

وبالكرامات من مولاه محفوفا

أمسى دليل الهدى في الارض مبتسما (٥)

وفي السماء جميل الحال معروفا

___________________

(١) أى لا يلازمه الاوقات ولا تكون معه سبحانه. وفى الكافي : لا تضمنه الاوقات أى لا تشتمل عليه.

(٢) جمع السنة بكسر السين : فتور يتقدم النوم.

(٣) في الكافي يس : واليبس بالبلل والخشن باللين والصرد بالحرور. والجسوء والجسء : الماء الجامد.

(٤) الاشعار من أحسن الدليل على ان الخلقة غير منقطعة من حيث أولها كما أنها كذلك من حيث آخرها. ط

(٥) في نسخة من الكتاب والتوحيد المطبوع : في الارض منتشرا.

٣٠٥

قال : فخر ذعلب مغشيا عليه ثم أفاق وقال : ما سمعت بهذا الكلام ، ولا أعود إلى شئ من ذلك.

قال الصدوق رحمه‌الله : في هذا الخبر ألفاظ قد ذكرها الرضا عليه‌السلام في خطبته ، و هذا تصديق قولنا في الائمة عليهم‌السلام : أن علم كل واحد منهم مأخوذ عن أبيه حتى يتصل ذلك بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

بيان : ذرب اللسان : حدته. قوله عليه‌السلام : معكوفا أي محبوسا. أخا حصر أي مصاحبا للعي والعجز. وكتفت الرجل أي شددت يديه إلى خلفه بالكتاف وهو حبل. والطرف : العين ، ومكفوفا حال منه أي يجعل عين الروح عمياء. قوله عليه‌السلام : مأووفا حال عن الرأي ، ويمكن أن يقرأ على الاصل بالواوين لضرورة الشعر ، أو بإشباع فتحة الميم.

قوله عليه‌السلام : حبا لسيده الحب بالكسر : المحبوب ، ويمكن أن يقرأ بالضم أيضا بأن يكون مصدرا مؤولا بمعنى المفعول ، ويمكن أن يكون مفعولا لاجله لكن عطف قوله : وبالكرامات يحتاج إلى تكلف أي ولكونه محفوفا وقوله : دليل الهدى بالرفع ، ويحتمل النصب بالخبرية ، فيكون الاسم ضميرا راجعا إلى الاخ ، ولعله نظرا إلى المصرع الثاني أظهر.

٣٥ ـ نهج : ومن خطبة له عليه‌السلام. الحمد لله خالق العباد ، وساطح المهاد ، ومسيل الوهاد ، ومخصب النجاد ، ليس لاوليته ابتداء ، ولالازليته انقضاء ، هو الاول لم يزل ، والباقي بلا أجل ، خرت له الجباه ، ووحدته الشفاه ، حد الاشياء عند خلقه لها إبانة له من شبهها ، (١) لا تقدره الاوهام بالحدود والحركات ، ولا بالجوارح والادوات ، لا يقال له : متى ، ولايضرب له أمد بحتى ، الظاهر لا يقال : مما ، والباطن لا يقال : فيما ، لاشبح فيتقضى ، (٢) ولا محجوب فيحوى ، لم يقرب من الاشياء بالتصاق ، ولم يبعد عنها بافتراق ، لا يخفى عليه من عباده شخوص لحظة ولاكرور لفظة ولا ازدلاف ربوة و ___________________

(١) أى حد الاشياء تنزيها لذاته عن مماثلتها ، وتمييزاله عن مشابهتها.

(٢) أى ليس بجسم فيفنى بالانحلال.

٣٠٦

لا انبساط خطوة في ليل داج ولا غسق ساج ، يتفيأ عليه القمر المنير ، وتعقبه الشمس ذات النور في الافول والكرور ، (١) وتقليب الازمنة والدهور ، من إقبال ليل مقبل ، و إدبارنهار مدبر ، قبل كل غاية ومدة ، وكل إحصاء وعدة ، تعالى عما ينحله المحددون من صفات الاقدار ، ونهايات الاقطار ، وتأثل المساكن ، وتمكن الاماكن ، فالحد لخلقه مضروب ، وإلى غيره منسوب ، لم يخلق الاشياء من اصول أزلية ، ولامن أوائل أبدية ، بل خلق ما خلق فأقام حده ، وصور ما صور فأحسن صورته ، ليس لشئ منه امتناع ، ولاله بطاعة شئ انتفاع ، علمه بالاموات الماضين كعلمه بالاحياء الباقين ، وعلمه بما في السموات العلى كعلمه بما في الارضين السفلى.

ايضاح : ساطح المهاد أي باسط الارض التي هي بمنزلة الفراش للخلق ، و الوهد : المكان المنخفض ، والنجاد : ما ارتفع من الارض أي مجري السيول في الوهاد ، ومنبت العشب والنبات والاشجار في النجاد. قوله : انقضاء أي في طرف الابد ، ويحتمل أن يكون المراد بالاولية العلية أي ليست له علة ، وليس لوجوده في الازل انقضاء ، والاول أوفق بالفقرتين الآتيتين لفا ونشرا ، وشخوص اللحظة : مد البصر بلا حركة جفن ، وكرور اللفظة : رجوعها ، وقيل : ازدلاف الربوة صعنود إنسان أو حيوان ربوة من الارض ، وهي الموضع المرتفع ، وقيل : ازدلاف الربوة تقدمها في النظر ، فإن الربوة أول ما يقع في العين من الارض عند مد البصر من الزلف بمعنى القرب.

قوله عليه‌السلام : داج اي مظلم ، والغسق محركة : ظلمة أول الليل ، وقوله : ساج أي ساكن ، كما قال تعالى : «واليل إذاسجى» (٢) أي سكن أهله ، أو ركد ظلامه من سجى البحر سجوا إذا سكنت أمواجه. قوله عليه‌السلام : يتفيأ هذا من صفات الغسق ومن تتمة نعته ، ومعنى يتفيأ عليه : يتقلب ذاهبا وجائيا في حالتي أخذه في الضوء إلى التبدر ، وأخذه في النقص إلى المحاق ، والضمير في عليه للغسق.

وقوله : وتعقبه أي تتعقبه فخذف إحدى التائين ، والضمير فيه للقمر. وقوله :

___________________

(١) الافول : المغيب ، والكرور : الرجوع بالشروق.

(٢) الضحى : ٣.

٣٠٧

من إقبال ليل متعلق بتقليب ، والمعنى أن الشمس تعاقب القمر فتطلع عند افوله ، ويطلع عند افولها. قول عليه‌السلام : قبل كل غاية أي هو سبحانه قبل كل غاية ، قوله : عما ينحله أي ينسبه إليه.

قوله عليه‌السلام : وتأثل المساكن يقال : مجد مؤثل أي أصيل ، وبيت مؤثل أي معمور ، وأثل : ملكه : عظمه ، وتأثل : عظم. وتمكن الاماكن : ثبوتها واستقرارها. أقول : يحتمل أن يكون المعنى التأثل في المساكن والتمكن في الاماكن. قوله عليه‌السلام : ولا من أوائل أبدية. أقول : على هذه النسخة الاصول الازلية هي الاوائل الابدية ، إذا ما ثبت قدمه امتنع عدمه. قوله عليه‌السلام : فأقام حده أي أتقن حدود الاشياء على وفق الحكمة الالهية من المقادر والاشكال والنهايات والآجال.

٣٦ ـ نهج : من خطبة له عليه‌السلام : الحمد لله الذي بطن خفيات الامور ، ودلت عليه أعلام الظهور ، (١) وامتنع على عين البصير ، فلا عين من لم يره تنكره ، ولا قلب من أثبته يبصره ، سبق في العلو فلا شئ أعلامنه ، وقرب في الدنو فلا شئ أقرب منه ، فلا استعلاؤه باعده عن شئ من خلقه ، ولا قربه ساواهم في المكان به ، لم يطلع العقول على تحديد صفته ، ولم يحجبها عن واجب معرفته ، فهو الذي تشهد له أعلام الوجود على إقرار قلب ذي الجحود ، تعالى الله عما يقول المشبهون به والجاحدون له علوا كبيرا.

بيان : بطن خفيات الامور أي علم بواطنها ، وقيل : أي دخل بواطن الامور الخفية أي هو؟ أي عند العقول منها. قول عليه‌السلام : فلا عين من لم يره أي لا تنكر وجوده عين من لم يره لشهادة فطرته على ظهوروجوده ، أو أنه لا سبيل من جهة عدم إبصاره إلى إنكاره ، إذ كان حظ العين إدراك ما صح إدراكه بها لامطلقا.

قوله عليه‌السلام : يبصره أي يحيط بكنهه. قوله عليه‌السلام على إقرار أي تشهد أعلام وجوده لغاية ظهورها ووضوحها على أن الجاحد إنما يجحد بلسانه لا بقلبه كما مر مرارا.

٣٧ ـ نهج : من خطبة له عليه‌السلام : الحمد لله الذي لم تسبق له حال حالا فيكون

___________________

(١) الاعلام جمع علم بالتحريك وهو ما يهتدى به وكل ما يدل على شئ ، وأعلام الظهور : الادلة الظاهرة التى بها تهتدى اليه.

٣٠٨

أو لاقبل أن يكون آخرا ، ويكون ظاهرا قبل أن يكون باطنا ، كل مسمى بالوحدة غيره قليل ، وكل عزيز غيره ذليل ، وكل قوي غيره ضعيف ، وكل مالك غيره مملوك ، وكل عالم غيره متعلم ، وكل قادر غيره يقدر ويعجز ، وكل سميع غيره يصم عن لطيف الاصوات ويصمه كبيرها ، ويذهب عنه ما بعد منها ، وكل بصير غيره يعمى عن خفي الالوان ولطيف الاجسام ، وكل ظاهر غيره غير باطن ، وكل باطن غيره غير ظاهر ، لم يخلق ما خلقه لتشديد سلطان ، ولا تخوف من عواقب زمان ، ولا استعانة على ند مثاور ، ولا شريك مكاثر ، ولاضد منافر ، ولكن خلائق مربوبون ، وعباد داخرون ، لم يحلل في الاشياء فيقال : هو فيها كائن ، ولم ينأعنها فيقال : هو منها بائن ، لم يؤده خلق ما ابتدأ ، ولا تدبير ماذرأ ، ولا وقف به عجز عما خلق ، ولا ولجت عليه شبهة فيما قضى وقدر ، بل قضاء متقن ، وعلم محكم ، وأمر مبرم ، المأمول مع النقم ، المرهوب مع النعم.

بيان : قوله عليه‌السلام : لم تسبق له حال حالا إما مبني على مامر من عدم كونه تعالى زمانيا ، فإن السبق والتقدم والتأخر إنما تلحق الزمانيات المتغيرات ، وهو تعالى خارج عن الزمان : أو المعنى أنه ليس فيه تبدل حال وتغير صفة بل كل ما يستحقه من الصفات الذاتية الكمالية يستحقها أزلا وأبدا فلا يمكن أن يقال : كان استحقاقه للاولية قبل استحقاقه للآخرية ، أو كان ظاهرا ثم صار باطنا بل ، كان أزلا متصفا بجميع ما يستحقه من الكمالات ، وليس محلا للحوادث والتغيرات ، أو أنه لايتوقف اتصافه بصفة على اتصافه باخرى بل كلها ثابتة لذاته بذاته من غير ترتيب بينها ولعل الاوسط أظهر.

قوله عليه‌السلام : كل مسمى بالوحدة غيره قليل قيل : المعنى أنه تعالى لا يوصف يالقلة وإن كان واحدا إذ المشهور من معنى الواحد كون الشئ مبدءا لكثرة يكون عادا لها ومكيالا ، وهو الذي تلحقه القلة والكثرة الاضافيتان ، فإن كل واحد بهذا المعنى هو قليل بالنسبة إلى الكثرة التي تصلح أن تكون مبدءا لها ، ولما كان تعالى منزها عن الوصف بالقلة والكثرة لما يستلزمانه من الحاجة والنقصان اللازمين لطبيعة الامكان أثبت القلة لكل ما سواه فاستلزم إثباتها لغيره في معرض المدح له نفيها عنه ، وقيل :

٣٠٩

إن المراد بالقليل الحقير لان أهل العرف يحقرون القليل ويستعظمون الكثير.

اقول : الاظهر أن المراد أن الوحدة الحقيقية مخصوصة به تعالى ، وإنما يطلق على غيره بمعنى مجازي مؤول بقلة معاني الكثرة فإن للكثرة معاني مختلفة : الكثرة بحسب الاجناس أو الانواع أو الاصناف أو الافراد والاشخاص أو الاعضاء أو الاجزاء الخارجية أو العقلية أو الصفات العارضة ، فيقال للجنس : جنس واحد مع اشتماله على جميع أنواع التكثرات لكون كثرته أقل مما اشتمل على التكثر الجنسي أيضا وهكذا ، فظهر أن معنى الواحد في غيره تعالى يرجع إلى القليل ، ولذا قال عليه‌السلام : كل مسمى بالوحدة إشارة إلى أن غيره تعالى ليس بواحد حقيقة ، هذا ما خطر بالبال والله يعلم. وقدمر تفسير سائر الفقرات ونظائرها مرارا.

٣٨ ـ نهج : من خطبة له عليه‌السلام : المعروف من غيررؤية ، (١) والخالق من غير رؤية ، الذي لم يزل قائما دائما ، إذ لاسماء ذات أبراج ، ولاحجب ذات ارتاج ، ولادليل داج ، ولابحر ساج ، ولا جبل ذو فجاج ، ولافج ذواعوجاج ، ولا أرض ذات مهاد ، ولاخلق ذواعتماد ، ذلك مبتدع الخلق ووارثه ، وإله الخلق ورازقه ، والشمس والقمر دائبان في مرضاته ، يبليان كل جديد ، ويقربان كل بعيد ، قسم أرزاقهم وأحصى آثارهم وأعمالهم ، وعدد أنفاسهم وخائنة أعينهم وما تخفي صدورهم من الضمير ، ومستقرهم ومستودعهم من الارحام والظهور ، إلى أن تتناهي بهم الغايات ، هو الذي اشتدت نقمته على أعدائه في سعة رحمته ، واتسعت رحمته لاوليائه في شدة نقمته ، قاهر من عازه ، (٢) ومدمر من شاقه ، ومذل من ناواه ، وغالب من عاداه ، من توكل عليه كفاه ، ومن سأله أعطاه ، ومن أقرضه قضاه ، ومن شكره جزاه. عباد الله زنوا أنفسكم من قبل أن توزنوا ، وحاسبوها من قبل أن تحاسبوا ، وتنفسوا قبل ضيق الخناق ، وانقادوا قبل عنف السياق ، واعلموا أنه من لم يعن على نفسه حتى يكون له منها واعظ وزاجر لم يكن له من غيرها زاجر ولاواعظ.

___________________

(١) في نسخ من النهج : الحمد لله المعروف من غير رؤية.

(٢) عازه : عارضه في العزة.

٣١٠

بيان : الروية : التفكر ، والقائم في صفاته تعالى بمعنى الدائم الثابت الذي لا يزول ، أو العالم بالخلق الضابط لاحوالهم أينما كانوا ، أو قيامه توكيله الحفظة عليهم ، أو حفظه للخلق وتدبيره لامورهم ، أو مجازاته بالاعمال ، أو قهره لعباده واقتداره عليهم. والابراج قيل : هو جمع البرج بالضم بمعنى الركن ، وأركانها أجزاؤها وتداويرها وخوارجها ومتمماتها ، أو البرج بالمعنى المصطلح أي البروج الاثنى عشر ، والاظهر عندي أنه جمع البرج بالتحريك أي الكواكب ، قال الفيروز آبادي : البرج الجميل : الحسن الوجه ، أو المضئ البين المعلوم ، والجمع أبراج.

قوله عليه‌السلام : ذات ارتاج إما بالكسر مصدرأرتج أي أغلق ، أو بالفتح جمع الرتاج وهو الباب المغلق ، (١) وفيه : أنه قلما يجمع فعال على أفعال. وروي ذات رتاج على المفرد ، والداجي : المظلم. والساجي : الساكن ، والفجاج بالكسر جمع فج بالفتح وهو الطريق الواسع بين الجبلين. والمهاد : الفراش أي أرض مبسوطة ممكنة للتعيش عليها كالمهاد.

قوله عليه‌السلام : ذواعتماد أي ذوقوة وبطش ، أو يسعى برجلين فيعتمد عليهما. ودأب في عمله أي جد وتعب ، والشمس والقمر دائبان لتعاقبهما على حالة واحدة لا يفتران ولايسكنان ، وروي دائبين بالنصب على الحال ، ويكون خبر المبتداء يبليان.

قوله عليه‌السلام : وأحصى آثارهم أي آثار أقدامهم ووطئهم في الارض ، أو حركاتهم وتصرفاتهم ، أو مايبقي بعدهم من سنة حسنة أو سيئة ، كما فسر به قوله تعالى : «ونكتب ما قدموا وآثارهم» (٢) وروي عدد أنفاسها على الاضافة. وخائنة الاعين : ما يسارق من النظر إلى ما لايحل ، أو أن ينظر نظرة بريبة.

قوله عليه‌السلام : من الارحام متعلقة بمستقرهم ومستودعهم بيانا لهما على اللف والنشر ، ولما كان تحقق الغرض وكمال الذات وحلول الروح في الرحم عبر عنه بالمستقر وعن الظهر بالمستودع ، ويكون الظرف أعني قوله : إلى أن تتناهى متعلقا بالافعال

___________________

(١) والباب العظيم.

(٢) يس : ١٢.

٣١١

السابقة أي قسم وأحصى وعدد ، وتكون تناهي الغاية بهم كناية عن موتهم ، ويحتمل أن يكون المراد : مستقرهم ومأواهم على ظهر الارض ومستودعهم في بطنها بعد الموت ويكون «من» بمعنى «مذ» أي مذ زمان كونهم في الارحام والظهور إلى أن تناهي الغاية أي إلى أن يحشروا في القيامة وصاروا إلى النعيم أو إلى الجحيم ، ويحتمل أن يكون المراد بالمستقر والمستودع من استقر فيه الايمان ومن استودع الايمان ثم يسلب كما دلت عليه الاخبار الكثيرة ، وتوجيه الظرفين بعد مامر غير خفي.

قوله عليه‌السلام : في سعة رحمته أي في حال سعة رحمته على أوليائه ، واتسعت رحمته لاوليائه في حال شدة نقمته على أعدائه ، فالمراد تنزيهه تعالى عن صفة المخلوقين فإن رحمتهم لاتكون في حال غضبهم وبالعكس ، أو اشتدت نقمته على أعدائه في حال سعة رحمته عليهم فإن رحمته تعالى شاملة لهم في دنياهم ، وهم فيها يستعدون للنقمة الشديدة ، و لايخفى بعده. والمعازة : المغالبة والمدمر : المهلك. والمشاقة : المعاداة والمنازعة.

قوله عليه‌السلام : وتنفسوا قبل ضيق الخناق استعار لفظ التنفس لتحصيل الراحة والبهجة في الجنة بالاعمال الصالحة في الدنيا ، واستعار لفظ الخناق من الحبل المخصوص للموت أي انتهزوا لفرصة للعمل قبل تعذره بزوال وقته. قوله عليه‌السلام : قبل عنف السياق أي السوق العنيف عند قبض الروح ، أو في القيامة إلى الحساب.

قوله عليه‌السلام : من لم يعن على بناء المجهول أي لم يعنه الله على نفسه حتى يجعل له منها واعظا وزاجرا لم يمنعه المنع والزجر من غيرها ، أو على بناء المعلوم كما روي أيضا أي من لم يعن الواعظين له والمنذرين على نفسه لم ينتفع بالوعظ والزجر لان هوى نفسه يغلب وعظ كل واعظ.

٣٩ ـ نهج : ومن خطبة له عليه‌السلام : لايشغله شأن ، ولايغيره زمان ، ولا يحويه مكان ، ولا يصفه لسان ، ولا يعزب عنه قطر الماء ، ولا نجوم السماء ولاسوا في الريح في الهواء ، (١) ولادبيب النمل على الصفا ، ولا مقيل الذر في الليلة الظلماء ، يعلم مساقط الاوراق وخفي طرف الاحداق.

___________________

(١) السوافى جمع سافية ، يقال سفت الريح التراب والورق أى حملته.

٣١٢

بيان : مقيل الذر أي نومها أو محل نومها.

٤٠ ـ نهج : روي عن نوف البكالي (١) قال : خطبنا بهذه الخطبه أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ وهو قائم علي حجارة نصبها له جعدة بن هبيرة المخزومي (٢) وعليه مدرعة من صوف (٣) وحمائل سيفه ليف ، وفي رجليه نعلان من ليف ، وكأن جبينه ثفنة بعير ـ فقال عليه‌السلام : الحمد لله الذي إليه مصائر الخلق وعواقب الامر ، نحمده على عظيم إحسانه ونير برهانه ، ونوامي (٣) فضله وامتنانه ، حمدا يكون لحقه قضاءا ولشكره أداءا ، وإلى ثوابه مقربا ، ___________________

(١) بفتح النون والمعروف ضمها وسكون الواو بعده فاء ، هكذا في تنقيح المقال ، وهو نوف ابن فضالة البكالى ، كان من أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام وخواصه ، ترجم له ابن حجر في ص ٥٢٧ من تقريبه قال : نوف ـ بفتح النون وسكون الواو ـ ابن فضالة : بفتح الفاء والمعجمة ـ البكالى ـ بكسر الموحدة وتخفيف الكاف ـ ابن امرأة كعب ، شامى مستور ، وإنما كذب ابن عباس مارواه عن أهل الكتاب ، من الثالثة ، مات بعد التسعين.

(٢) ابن اخت أمير المؤمنين عليه‌السلام ، امه ام هانى بنت أبيطالب ، اورد ترجمته الشيخ في رجاله في أصحاب النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله وفى اصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام وقال : ويقال : إنه ولد على عهد النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وليست له صحبة نزل الكوفة. انتهى. وأورده ابن عبدالبر في الاستيعاب وقال : ولاه خاله على بن أبيطالب عليه‌السلام على خراسان ، قالوا : كان فقيها. وترجم له أيضا ابن حجر في الاصابة ، وأثبت ولادته على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ونقل رؤيته النبى صلى الله عليه وآله وسلم عن الحاكم وقال : قال ابن مندة : مختلف في صحبته. وقال البخارى : له صحبة ، ذكره الازدى وغيره فيمن لم يرو عنه غير واحد من الصحابة. وقال ابن حبان : لا اعلم بصحبته شيئا صحيحا أعتمد عليه. وقال البغوى : ولد على عهد النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله وليست له صحبة ، وقال ابن السكن نحوه أه. وفى التقريب : صحابى صغير ، له رؤية. وقال العجلى : تابعى ثقة. أقول : وكان في حرب صفين مع خاله عليه‌السلام ، وضبط هبيرة بالهاء المضمومة والباء الموحدة المفتوحة والياء المثناة من تحت والراء المهملة والهاء.

(٣) المدرعة بالكسر فالسكون : ثوب يعرف عند بعض العامة بالدراعية : قميص ضيق الاكمام ، قال في القاموس : ولا يكون الا من صوف ، وفى المنجد : جبة مشقوق المقدم.

(٤) نوامى جمع نام بمعنى الزائد.

٣١٣

ولحسن مزيده موجبا ، ونستعين به استعانة راج لفضله ، مؤمل لنفعه ، واثق بدفعه ، معترف له بالطول ، (١) مذعن له بالعمل والقول ، ونؤمن به إيمان من رجاه موقتا؟ ، وأناب إليه مؤمنا ، وخنع له مذعنا وأخلص له موحدا ، وعظمه ممجدا ، ولاذبه راغبا مجتهدا ، لم يولد سبحانه فيكون في العز مشاركا ، ولم يلد فيكون موروثا هالكا ، ولم يتقدمه وقت ولازمان ، ولم يتعاوره زيادة ولانقصان ، بل ظهر للعقول بما أرانا من علامات التدبير المتقن والقضاء المبرم ، فمن شواهد خلقه خلق السموات موطدات بلاعمد ، قائمات بلاسند ، دعاهن فأجبن طائعات مذعنات ، غير متلكئات ولامبطئات ، (٢) ولولا إقرار هن له بالربوبية وإذعانهن بالطواعية لما جعلهن موضعا لعرشه ، ولامسكنا لملائكته ، ولامصعدا للكلم الطيب والعمل الصالح من خلقه ، جعل نجومها أعلاما يستدل بها الحيران في مختلف فجاج الاقطار لم يمنع ضوء نورها إدلهمام سجف الليل المظلم ، ولا استطاعت جلابيب (٣) سواد الحنادس أن ترد ما شاع في السموات من تلالؤ نور القمر ، فسجان من لايخفى عليه سواد غسق داج ، ولاليل ساج في بقاع الارضين المتطاطئات ، ولافي يفاع السفع المتجاورات ، وما يتجلجل به الرعد في افق السماء ، وما تلاشت عنه بروق الغمام ، وما تسقط من ورقة تزيلها عن مسقطها عواصف الانواء وانهطال السماء ، ويعلم مسقط القطرة ومقرها ، و مسحب الذرة ومجرها ، وما يكفي البعوضة من قوتها ، وما تحمل الانثى في بطنها. والحمد لله الكائن قبل أن يكون كرسي أو عرش او سماء أو أرض أو جان أو إنس ، لايدرك بوهم ، ولايقدر بفهم ، ولا يشغله سائل ، ولا ينقصه نائل ، ولا ينظر بعين ، ولايحد بأين ، و لا يوصف بالازواج ، ولا يخلق بعلاج ، ولا يدرك بالحواس ، ولا يقاس بالناس ، الذي كلم موسى تكليما ، وأراه من آياته عظيما ، بلا جوارح ولا أدوات ، ولانطق ولالهوات بل إن كنت صادقا أيها المتكلف لوصف ربك فصف جبرئيل وميكائيل وجنود الملائكة المقربين في حجرات القدس مرجحنين ، متولهة عقولهم أن يحدوا حسن الخالقين ، و

___________________

(١) الطول بفتح الطاء : الفضل.

(٢) التلكؤ الاعتلال. وعن الامر : التباطوء والتوقف.

(٣) الجلابيب : القميص او الثواب الواسع. وفى المغرب : ثوب أوسع من الخمار ودون الرداء.

٣١٤

إنما يدرك بالصفات ذووا الهيئات والادوات ، ومن ينقضي إذا بلغ أمد حده بالفناء فلا إله إلاهو ، أضاء بنوره كل ظلام ، وأظلم بظلمته كل نور.

بيان : البكالي بفتح الباء وتخفيف الكاف منسوب إلى بكال قبيلة ، كذا ذكره الجوهري. وقال الراوندي رحمه‌الله : منسوب إلى بكالة ، وهو اسم حي من همدان. وقال ابن أبي الحديد : إنما هو بكال بكسر الباء اسم حي من حمير (١) والثفنة ـ بكسر الفاء ـ من البعير : الركبة المصائر جمع المصير وهو مصدر صار إلى كذا ومعناه المرجع ، قال تعالى : «وإلى الله المصير». (٢)

قوله عليه‌السلام : مذعن له من أذعن له أي خضع وذل ، والخنوع أيضا : الخضوع والذل. قوله عليه‌السلام : ولازمان تأكيد للوقت ، وقيل : الوقت جزء الزمان ، ويمكن حمل أحدهما على الموجود والآخر على الموهوم ، والتعاور : التناوب ، ويقال : أبرم الامر أي أحكمه. قوله عليه‌السلام : موطلات أي مثبتات. (٣)

قوله عليه‌السلام : ولولا إقرارهن قيل : إقرارهن له بالربوبية راجع إلى شهادة حالهن بالامكان والحاجة إلى الرب والانقياد لحكم قدرته ، وظاهر أنه لولا إمكانها وانفعالها عن قدرته وتدبيره لم يكن فيها عرش ولم يكن أهلا لسكنى الملائكة ، وصعود الكلم الطيب والاعمال الصالحة ، ولفظ الدعاء والاقرار والاذعان مستعارة. وربما يقال : إنها محمولة على الحقيقة نظرا إلى أن لها أرواحا ، والادلهمام : شدة ظلمة الليل ، والسجف : الستر ، والحندس من الليل : الشديد الظلمة ، والمتطاطي : المنخفض ، واليفاع : ما ارتفع من الارض ، والسفع : الجبال ، وسماها سفعا لان السفعة سواد مشرب حمرة ، وكذلك لونها في الاكثر ، والتجلجل : صوت الرعد

قوله عليه‌السلام : وما تلاشت عنه قال ابن أبي الحديد قال : ابن الاعرابي : لشأ الرجل : إذا اتضع وخس بعد رفعه ، وإذا صح أصلها صح استعمال الناس «تلاشي» بمعنى اضمحل. وقال القطب الراوندي تلاشي مركب من لاشئ ، ولم يقف على أصل الكلمة

___________________

(١) وفى القاموس بنى بكال ككتاب : بطن من حمير منهم نوف بن فضالة التابعى.

(٢) آل عمران : ٢٨ ، نور : ٤٢ ، فاطر : ١٨.

(٣) في مداراتها على ثقل أجرامها.

٣١٥

أي يعلم ما يصوت به الرعد ، ويعلم ما يضمحل عنه البرق. فإن قلت : هو سبحانه عالم بما يضيئه البرق وبما لايضيئه فلم خص عليه‌السلام ما يتلاشي عنه البرق؟ قلت : لان علمه بما ليس يضئ أعجب وأغرب لان ما يضيئه البرق يمكن أن يعلمه اولوا الابصار الصحيحة قوله عليه‌السلام : عواصف الانواء (١) الانواء جمع نوء وهو سقوط نجم من منازل القمر الثمانية والعشرين في المغرب مع الفجر ، وطلوع رقيبه من المشرق مقابلا له من ساعته ، ومدة النوء ثلاثة عشر يوما إلا الجبهة فإن لها أربعة عشر يوما ، وإنما سمي نوءا لانه إذا سقط الساقط منها بالمغرب ناء الطالع بالمشرق أي نهض وطلع ، وقيل : أراد بالنوء الغروب وهو من الاضداد. قال أبوعبيدة : ولم يسمع في النوء أنه السقوط إلا في هذا الموضع. وإنما أضاف العواصف إليها لان العرب تضيف الرياح والامطار والحر والبرد إلى الساقط منها ، أو لان أكثر ما يكون عصفا فيها ، والانهطال : الانصباب ، و سحبه كمنعه : جره على وجه الارض ، وأكل وشرب أكلا وشربا شديدا.

قوله عليه‌السلام : ولا يشغله سائل أي عن سائل آخر ، والنائل : العطاء أي لاينقص خزائنه عطاء. قوله عليه‌السلام : لا يوصف بالازواج أي بالامثال أو الاضداد أو بصفات الازواج ، أو ليس فيه تركب وازدواج أمرين كما مر تحقيقه ، أو بأن له صاحبة.

قوله عليه‌السلام : تكليما مصدر للتأكيد لازالة توهم السامع التجوز في كلامه تعالى ، والمراد بالآيات إما الآيات التسع أو الآيات التي ظهرت عند التكليم من سماع الصوت من الجهات الست وغيره ، ويؤيد الثاني قوله عليه‌السلام : بلا جوارح إلى قوله : ولا لهوات ، إذالظاهر تعلقه بالتكليم ، ويحتمل تعلقه بالجميع على اللف والنشر غير المرتب.

قوله عليه‌السلام مرجحنين (٢) أي مائلين إلى جهة التحت خضوعا لجلال الباري عز سلطانه ، ويحتمل أن يكون كناية عن عظمة شأنهم ورزانة قدرهم أو عن نزولهم وقتا بعد وقت بأمره تعالى ، قال الجزري : ارجحن الشئ : إذامال من ثقله وتحرك. قوله عليه‌السلام : أمد حده الاضافة بيانية ، وحمل الحد على النهايات والاطراف بعيد جدا.

___________________

(١) العواصف : الرياح الشديدة.

(٢) بتقديم الجيم المعجمة على الحاء المهملة كمقشعرين.

٣١٦

قوله عليه‌السلام أضاء بنوره كل ظلام الظلام إما محسوس فإضاءته بأنوار الكواكب والنيرين ، أو معقول وهو ظلام الجهل فإضاءته بأنوار العلم والشرائع قوله : وأظلم بظلمته كل نور إذ جميع الانوار المحسوسة أو المعقوله مضمحلة في نور علمه ، وظلام بالنسبة إلى نور براهينه في جميع مخلوقاته الكاشفة عن وجوده ، وقال ابن أبي الحديد : تحت قوله عليه‌السلام معنى دقيق وسر خفي وهو أن كل رذيلة في الخلق البشري غير مخرجة عن حد الايمان مع معرفته بالادلة البرهانية ، غير مؤثرة نحو أن يكون العارف بخيلا أو جبانا ، وكل فضيلة مع الجهل به سبحانه ليست بفضيلة في الحقيقة ، لان الجهل به يكشف تلك الانوار نحو أن يكون الجاهل به جوادا أو شجاعا. ويمكن أن يكون الظلام والنور كنايتين عن الوجود والعدم ، ويحتمل على بعد أن يكون الضمير في قوله : بظلمته راجعا إلى كل نور لتقدمه رتبة فيرجع حاصل الفقرتين حينئذ إلى أن النور هو ما ينسب إليه تعالى فبتلك الجهة نور ، وأما الجهات الراجعة إلى الممكنات فكلها ظلمة.

٤١ ـ نهج : في وصيته للحسن المجتبى صلوات الله عليهما : واعلم يا بني أنه لو كان لربك شريك لاتتك رسله ، ولرأيت آثار ملكه وسلطانه ، ولعرفت أفعاله وصفاته ، ولكنه إله واحد كما وصف نفسه ، لا يضاده في ملكه أحد ، ولا يزول أبدا ، ولم يزل أو لاقبل الاشياء بلا أولية ، وآخرا بعد الاشياء بلا نهاية ، (١) عظم عن أن تثبت ربوبيته بإحاطة قلب أو بصر.

٤٢ ـ نهج : من خطبة له عليه‌السلام الحمد لله الذي انحسرت الاوصاف عن كنه معرفته ، وردعت عظمته العقول فلم تجد مساغا إلى بلوغ غاية ملكوته ، هو الله الحق المبين ، أحق وأبين مماتراه العيون ، لم تبلغه العقول بتحديد فيكون مشبها ، ولم تقع عليه الاوهام بتقدير فيكون ممثلا ، خلق الخلق على غير تمثيل ولا مشورة مشير ، ولا معونة معين ، فتم خلقه بأمره ، وأذعن لطاعته فأجاب ولم يدافع ، وانقاد ولم ينازع.

٤٣ ـ نهج : من خطبة له عليه‌السلام : كل شئ خاشع له ، وكل شئ قائم به ، غنى

___________________

(١) في نسخة : أول قبل الاشياء بلا أولية ، وآخر بعد الاشياء بلا نهاية.

٣١٧

كل فقير ، وعز كل ذليل ، وقوة كل ضعيف ، ومفزع كل ملهوف ، (١) من تكلم سمع نطقه ، ومن سكت علم سره ، ومن عاش فعليه رزقه ، ومن مات فاليه منقلبه ، لم ترك العيون فتخبر عنك بل كنت قبل الواصفين من خلقك ، لم تخلق الخلق لوحشة ، ولا استعملتهم لمنفعة ، ولايسبقك من طلبت ، ولايفلتك من أخذت ، (٢) ولا ينقص سلطانك من عصاك ، ولايزيد في ملكك من أطاعك ، ولا يرد أمرك من سخط قضاءك ، ولايستغني عنك من تولى عن أمرك ، كل سر عندك علانية ، وكل غيب عندك شهادة ، أنت الابد لا أمد لك ، وأنت المنتهى لامحيص عنك ، (٣) وأنت الموعد لا منجأمنك إلا إليك ، بيدك ناصية كل دابة ، وإليك مصير كل نسمة ، سبحانك ما أعظم ما نرى من خلقك ، وما أصغر عظمه في جنب قدرتك ، وما أهول ما نرى من ملكوتك ، وما أحقر ذلك فيما غاب عنا من سلطانك ، وما أسبغ نعمتك في الدنيا ، وما أصغرها في نعم الآخرة.

بيان : قوله : فاليه منقلبه أي انقلابه. قوله عليه‌السلام : بل كنت قبل الواصفين قيل : أي لما كان سبحانه قبل الموجودات قديما أزليا لم يكن جسما ولا جسمانيا فاستحال رؤيته ، وقال بعض الافاضل : يحتمل أن يكون المراد أن العلم بوجودك ليس من جهة أخبار العيون ، بل من جهة أنك قبل الاشياء ومبدأ الممكنات. أقول : يمكن أن يكون المعني أنه لو كان العلم بوجودك من جهة الرؤية لما علم تقدمك على الواصفين ، إذالرؤية إنما تفيد العلم بوجود المرئي حين الرؤية ، فلاتفيد للرائين الواصفين العلم بكونه موجودا قبلهم.

قوله عليه‌السلام : ولايسبقك أي لايفوتك هربا. قوله عليه‌السلام : ولا يفلتك أي لايفلت منك فإن أفلت لازم. قوله عليه‌السلام : أمرك أي قدرك الذي قدرت قوله عليه‌السلام : عن أمرك أي الامر التكليفي. قوله عليه‌السلام : وأنت المنتهي أي في العلية ، أو ينتهي إليك أخبارهم وأعمالهم ، أو ينتهون إليك بعد الحشر. وقال الجزري : كل دابة فيها روح فهي نسمة ، وقد يراد بها الانسان.

___________________

(١) الملهوف : الحزين ذهب له مال أو فجع بحميم. المظلوم يعادي ويستغيث.

(٢) أى لايتخلص منك من أخذته.

(٣) أى لامهرب منك.

٣١٨

٤٤ ـ ما : أحمد بن محمد بن الصلت ، عن ابن عقدة ، عن محمد بن عيسى بن هارون الضرير ، عن محمد بن زكريا المكي ، (١) عن كثير بن طارق ، (٢) عن زيد بن علي بن الحسين عليهما‌السلام ، عن أبيه عليه‌السلام قال : خطب علي بن أبي طالب عليه‌السلام بهذه الخطبة في يوم الجمعة فقال : الحمد لله المتوحد بالقدم والاولية ، الذي ليس له غاية في دوامه ولاله أولية ، أنشأ صنوف البرية لامن اصول كانت بدية ، وارتفع عن مشاركة الانداد ، وتعالى عن اتخاذ صاحبة وأولاد ، هو الباقي بغير مدة ، والمنشئ لابأعوان ولا بآلة ، فطن ولا بجوارح صرف ما خلق ، لايحتاج إلى محاولة التفكير ، ولا مزاولة مثال ولا تقدير ، أحدثهم على صنوف من التخطيط والتصوير ، لابروية ولاضمير ، سبق علمه في كل الامور ، و نفذت مشيته في كل ما يريد من الازمنة والدهور ، انفرد بصنعه الاشياء فأتقنها بلطائف التدبير ، سبحانه من لطيف خبير ، ليس كمثله شئ وهو السميع البصير.

٤٥ ـ نهج : من خطبة له عليه‌السلام : وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ، الاول لاشئ قبله والآخر لاغاية له ، لاتقع الاوهام له على صفة ولاتعقد القلوب منه على كيفية ولاتناله التجزئة والتبعيض ولاتحيط به الابصار والقلوب.

وقال عليه‌السلام : قد علم السرائر وخبر الضمائر ، له الاحاطة بكل شئ ، والغلبة لكل شئ ، والقوة على كل شئ.

وقال عليه‌السلام : الحمد لله العلي عن شبه المخلوقين ، الغالب لمقال الواصفين ، الظاهر بعجائب تدبيره للناظرين ، والباطن بجلال عزته عن فكر المتوهمين ، العالم بلا اكتساب ولا ازدياد ولاعلم مستفاد ، المقدر لجميع الامور بلا روية ولا ضمير ، الذي لاتغشاه الظلم ، ولا يستضئ بالانوار ، ولا يرهقه ليل ، (٣) ولا يجري عليه نهار ، ليس إدراكه بالابصار ، ولاعلمه بالاخبار

___________________

(١) ولعل الصحيح «المالكى» كما يأتى عن النجاشى

(٢) ترجم له النجاشى في ص ٢٢٤ من رجاله قال كثير بن طارق أبوطارق القنبرى من ولد قنبر مولى على بن أبى طالب عليه‌السلام ، روى عن زيد وغيره ، له كتاب ، أخبرنا محمد بن جعفر المؤدب قال : حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد قال : حدثنا أبوبكر محمد بن عيسى بن هارون بن سلام الضرير ، قال : حدثنا محمد بن زكريا المالكى قال : حدثنى كثير بن طارق أبوطارق بكتابه.

(٣) أى لا يلحقه ولا يغشاه ليل.

٣١٩

*( باب ٥ )*

*( ابطال التناسخ (١) )*

١ ـ ن : تميم القرشي ، عن أبيه ، عن أحمد بن علي الانصاري ، عن الحسن بن الجهم قال : قال المأمون للرضا عليه‌السلام : يا أبا الحسن ما تقول في القائلين بالتناسخ؟ فقال الرضا عليه‌السلام : من قال بالتناسخ فهو كافر بالله العظيم ، يكذب بالجنة والنار.

٢ ـ ن : ابن المتوكل ، عن علي ، عن أبيه ، عن علي بن معبد ، عن الحسين بن خالد قال : قال أبوالحسن عليه‌السلام (٢) : من قال : بالتناسخ فهو كافر.

٣ ـ ج : عن هشام بن الحكم أنه سأل الزنديق أبا عبدالله عليه‌السلام فقال : أخبرني عمن قال : بتناسخ الارواح من أي شئ قالوا ذلك؟ وبأي حجة قاموا على مذاهبم؟ قال : إن أصحاب التناسخ قد خلفوا وراءهم منهاج الدين ، وزينوا لانفسهم الضلالات وأمرجوا (٣) أنفسهم في الشهوات ، وزعموا أن السماء خاوية ، (٣) ما فيها شئ مما يوصف وأن مدبر هذا العالم في صورة المخلوقين ، بحجة من روي : أن الله عزوجل خلق آدم على صورته ، وأنه لاجنة ولانار ، ولابعث ولانشور ، والقيامة عندهم خروج الروح من قالبه وولوجه في قالب آخر ، إن كان محسنا في القالب الاول اعيد في قالب أفضل منه حسنا في أعلا درجة الدنيا. وإن كان مسيئا أو غير عارف صار في بعض الدواب المتعبة في الدنيا ، أو هوام مشوهة الخلقة ، (٥) وليس عليهم صوم ولاصلاة ولا شئ من العبادة أكثر من معرفة من تجب عليهم معرفته ، وكل شئ من شهوات الدنيا مباح لهم من فروج النساء وغير ذلك من نكاح الاخوات والبنات والخالات وذوات البعولة ، وكذلك الميتة والخمر

___________________

(١) التناسخ : انتقال النفس الناطقة من بدن إلى بدن آخر ، والذين يعتقدون ذلك يسمون «التناسخية».

(٢) الظاهر أنه الرضا عليه‌السلام.

(٣) من قولهم : أمر جوالدابة أى أرسلوها ترعى في المرج أى الارض الواسعة فيها نبت كثير ، تمرج فيها الدواب.

(٤) خوى البيت : سقط وتهدم. فرغ وخلا. وفى نسخة : خالية.

(٥) أي مقبحة الخلقة.

٣٢٠