بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٢٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

ابن عباس : معناه هادي من فيهما ، فهم بنوره يهتدون ، وإضافته إليهما للدلالة على سعة إشراقه ، ولاشتمالهم على الانوار الحسية والعقلية ، وقصور الادراكات البشرية عليهما وعلى المتعلق بهما والمدلول لهما.

«مثل نوره» صفة نوره العجيبة الشأن ، وإضافته إلى ضميره سبحانه دليل على أن إطلاقه عليه لم يكن على ظاهر «كمشكوة» كصفة مشكاة ، وهي الكوة الغير النافذة «فيها مصباح» سراج ضخم ثاقب. وقيل : المشكاة «الانبوبة في وسط القنديل ، والمصباح : الفتيلة المشتعلة» المصباح في زجاجة «في قنديل من الزجاج» الزجاجة كأنها كوكب دري» مضيئ متلالئ كالزهرة في صفائه وزهرته منسوب إلى الدر ، أو فعيل كبريق من الدرء ، فإنه يدفع الظلام بضوئه ، أو بعض ضوئه بعضا من لمعانه ، إلا أنه قلب همزته ياءا ، ويدل عليه قراءة حمزة وأبي بكر على الاصل ، وقراءة أبي عمرو والكسائي درئ كشريب ، وقد قرئ به مقلوبا «يوقد من شجرة مباركة زيتونة» أي ابتداء توقد المصباح من شجرة الزيتون المتكاثر نفعه بأن رويت زبالتها بزيتها ، وفي إبهام الشجرة ووصفه بالبركة ثم إبدال الزيتونة عنها تفخيم لشأنها. وقرأ نافع وابن عامر وحفص بالياء والبناء للمفعول من أوقد ، وحمزة والكسائي وأبوبكر بالتاء كذلك على إسناده إلى الزجاجة بحذف المضاف. وقرئ توقد بمعنى تتوقد وتوقد بحذف التاء لاجتماع الزيادتين وهو غريب «لا شرقية ولا غربية» يقع الشمس عليها حينا بعد حين بل بحيث يقع عليها طول النهار كالتي تكون على قلة أو صحراء واسعة فإن ثمرتها تكون أنضج ، وزيتها أصفى ، أولاثابتة في شرق المعمورة وغربها بل في وسطها وهو الشام ، فإن زيتونه أجود الزيتون ، أولا في مضحى(١) تشرق الشمس عليها دائما فتحرقها ومقناة(٢) تغيب عنها دائما فيتركها نيا. وفي الحديث : لاخير في شجرة ولا في نبات في مقناة ، ولاخير فيها في مضحى «يكاد زيتها يضيئ ولو تمسسه نار» أي يكاد يضيئ بنفسه من غير نار لتلالوئه وفرط بيضه «نور على نور» متضاعف فإن نور المصباح زاد في إنارته صفاء الزيت وزهرة القنديل ، وضبط المشكاة لاشعته.

___________________

(١) أرض مضحاة : معرضة للشمس أولا يكاد تغيب عنها الشمس.

(٢) المقناة والمقنوة : الموضع الذى لاتطلع عليه الشمس.

٢١

وقد ذكر في معنى التمثيل وجوه :

الاول : أنه تمثيل للهدى الذي دل عليه الآيات البينات في جلاء مضمونها و ظهور ما تضمنته من الهدى بالمشكاة المنعوتة. أو تشبيه للهدى من حيث إنه محفوظ من ظلمات أوهام الناس وخيالاتهم بالمصباح ، وإنما ولى الكاف المشكاة لاشتمالها عليها ، وتشبيهه به أوفق من تشبيهه بالشمس. أو تمثيل لما نور الله به قلب المؤمن من المعارف والعلوم بنور المشكاة المثبت فيها من مصباحها ، ويؤيده قراءة ابي مثل نور المؤمن. أو تمثيل لما منح الله عباده من القوي الدراكة الخمس المترتبة التي بها المعاش والمعاد ، وهي الحاسة التي تدرك المحسوسات بالحواس الخمس ، والخيالية التي تحفظ صورة تلك المحسوسات لتعرضها على القوة العقلية متى شاءت ، والعلمية التي تدرك الحقائق الكلية ، والمفكرة وهي التي تؤلف المعقولات لتستنتج منها علم مالم تعلم ، والقوة القدسية التي يتجلى فيها لوائح الغيب وأسرار الملكوت المختصة بالانبياء والاولياء المعنية بقوله تعالى : «ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا» بالاشياء الخمسة المذكورة في الآية ، وهي المشكاة ، والزجاجة ، والمصباح ، والشجرة ، والزيت ، فإن الحاسة كالمشكاة لان محلها كالكوة ، ووجهها إلى الظاهر لا يدرك ماوراءها وإضاءتها بالمعقولات لابالذات ، والخيالية كالزجاجة في قبول صور المدركات من الجوانب وضبطها للانوار العقلية ، وإنارتها بما يشتمل عليها من المعقولات ، والعاقلة كالمصباح لاضاءتها بالادراكات الكلية ، والمعارف الالهية ، والمفكرة كالشجرة المباركة لتأديتها إلى ثمرات لانهاية لها ، والزيتونة المثمرة بالزيت الذي هو مادة المصابيح التي لاتكون شرقية ولاغربية ، لتجردها عن اللواحق الجسمية ، أو لوقوعها بين الصور والمعاني متصرفة في القبيلتين ، منتفعة من الجانبين ، والقوة القدسية كالزيت فإنها لصفائها وشدة ذكائها تكاد زيتها تضيئ بالمعارف من غير تفكر ولا تعليم.

أو تمثيل للقوة العقلية في مراتبها بذلك فإنها في بدء أمرها خالية عن العلوم ، مستعدة لقبولها كالمشكاة ، ثم ينتقش بالعلوم الضرورية بتوسط إحساس الجزئيات ، بحيث يتمكن من تحصيل النظريات فتصير كالزجاجة متلالئة في نفسها قابلة للانوار ،

٢٢

وذلك التمكن إن كان بفكر واجتهاد فكا الشجرة الزيتونة ، وإن كان بالحدس فكالزيت ، وإن كان بقوة قدسية فكا الذي يكاد زيتها يضيئ لانها تكاد تعلم وإن لم تتصل بملك الوحي والالهام الذي مثله النار من حيث إن العقول تشتعل عنها ، ثم إذا حصلت لها العلوم بحيث يتمكن من استحضارها متى شاءت كان كالمصباح ، فإذا استحضرها كان نورا على نور يهدي الله لنوره الثاقب من يشاء ، فإن الاسباب دون مشيئته لاغية ، إذبها تمامها «ويضرب الله الامثال للناس» إدناءا للمعقول من المحسوس توضيحا وبيانا «والله بكل شئ عليم» معقولا كان أو محسوسا ، ظاهرا أو خفيا ، وفيه وعدو وعيد لمن تدبرها ولمن لم يكترث بها. انتهى.

وقال الطبرسي رحمه‌الله : اختلف في هذا التشبيه والمشبه به على أقوال : أحدها أنه مثل ضربه الله لنبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فالمشكاة صدره ، والزجاجة قلبه ، والمصباح فيه النبوة ، لا شرقية ولا غربية أي لا يهودية ولا نصرانية ، يوقد من شجرة مباركة يعني شجرة النبوة وهي إبراهيم ، يكاد نور محمد يتبين ولو لم يتكلم به كما أن ذلك الزيت يكاد يضيئ ولو لم تمسسه نار أي تصيبه النار. وقيل : إن المشكاة إبراهيم ، والزجاجة إسماعيل ، والمصباح محمد ، كما سمي سراجا في موضع آخر ، من شجرة مباركة يعني إبراهيم لان أكثر الانبياء من صلبه ، لا شرقية ولا غربية : لا نصرانية ولا يهودية ، لان النصارى تصلي إلى المشرق ، واليهود تصلي إلى المغرب ، يكاد زيتها يضيئ أي يكاد محاسن محمد تظهر قبل أن يوحى إليه ، نور على نور أي نبي من نسل نبي. وقيل : إن المشكاة عبدالمطلب ، والزجاجة عبدالله ، والمصباح هو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا شرقية ولا غربية بل مكية لان مكة وسط الدنيا. وروي عن الرضا عليه‌السلام أنه قال : نحن المشكاة ، والمصباح محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله يهدي الله لولايتنا من أحب.

وثانيها : أنها مثل ضربه الله للمؤمن ، المشكاة نفسه ، والزجاجة صدره ، والمصباح الايمان ، والقرآن في قلبه ، توقد من شجرة مباركة هي الاخلاص لله وحده لاشريك له ، فهي خضراء ناعمة كشجرة التفت بها الشجر فلا يصيبها الشمس على أي حال كانت لا إذا طلعت ولا إذا غربت ، وكذلك المؤمن قد احترز من أن يصيبه شئ من الفتن ، فهو بين أربع

٢٣

خلال : إن اعطي شكر ، وان ابتلى صبر ، وإن حكم عدل ، وإن قال صدق ، فهو في سائر الناس كالرجل الحي يمشي بين قبور الاموات ، نور علي نور كلامه نور وعمله نور ومدخله نور ومخرجه نور ومصيره إلى نور يوم القيامة. عن ابي بن كعب.

وثالثها : أنه مثل القرآن في قلب المؤمن فكما أن هذا المصباح يستضاء به وهو كما هو لا ينقص فكذلك القرآن يهتدى به ويعمل به ، فالمصباح هو القرآن ، والزجاجة قلب المؤمن ، والمشكاة لسانه وفمه ، والشجرة المباركة شجرة الوحي ، يكاد زيتها يضيئ تكاد حجج القرآن تتضح وإن لم يقرأ. وقيل : تكاد حجج الله على خلقه تضيئ لمن تفكر فيها وتدبرها ولو لم ينزل القرآن ، نور على نور يعني أن القرآن نور مع سائر الادلة قبله ، فازدادوا به نورا على نور. انتهى كلامه رحمه‌الله.

*( باب ٤ )*

*( معنى حجزة الله عزوجل )*

١ ـ يد : ما جيلويه ، عن عمه ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن محمد بن سنان ، عن أبي الجاورد ، (١) عن محمد بن بشر الهمداني (٢) قال : سمعت محمد بن الحنفية يقول : حدثني أمير المؤمنين عليه‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم القيامة آخذ بحجزة الله ، ونحن آخذون بحجزة نبينا وشيعتنا آخذون بحجزتنا.

قلت : يا أمير المؤمنين وما الحجزة؟ قال : الله أعظم من أن يوصف بحجزة أو غير ذلك ، ولكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله آخذ بأمر الله ، ونحن آل محمد آخذون بأمر نبينا ، وشيعتنا آخذون بأمرنا.

٢ ـ يد ، ن : أبي ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن الحسن بن علي الخزاز ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم القيامة آخذ بحجزة الله ، نحن

___________________

(١) هو زياد بن المنذر الهمدانى الخارقى الاعمى ، زيدي المذهب ، وإليه ينسب الجارودية ، ضعفه الشيخ والعلامة وغيرهما ، وأورد الكشى في رجاله روايات تدل على ذمه.

(٢) مجهول.

٢٤

آخذون بحجزة نبينا ، وشيعتنا آخذون بحجزتنا. ثم قال : الحجزة : النور. (١)

٣ ـ ن ، يد : الدقاق ، عن الاسدي ، عن البرمكي ، عن علي بن العباس ، (٢) عن الحسن بن يوسف ، (٣) عن عبد السلام ، عن عمار عن أبي اليقظان ، (٣) عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : يجيئ رسول اله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم القيامة آخذا بحجزة ربه ، ونحن آخذون بحجزة نبينا ، وشيعتنا آخذون بحجزتنا فنحن وشيعتنا حزب الله وحزب الله هم الغالبون والله ما نزعم أنها حجزة الازار ولكنها أعظم من ذلك ، يجيئ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله آخذا بدين الله ، ونجيئ نحن آخذين بدين نبينا ، ويجيئ شيعتنا آخذين بديننا.

٤ ـ وقد روي عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : الصلاة حجزة الله ، وذلك أنها تحجز المصلي عن المعاصي مادام في صلاته. قال الله عزوجل : «إن الصلوة تنهى عن الفحشاء والمنكر».

بيان : الاخذ بالحجزة كناية عن التمسك بالسبب الذي جعلوه في الدنيا بينهم و بين ربهم ونبيهم وحججهم أي الاخذ بدينهم وطاعتهم ومتابعة أمرهم ، وتلك الاسباب الحسنة تتمثل في الآخرة بالانوار ، فإذا عرفت ذلك فاعلم أن مضامين تلك الاخبار ترجع إلى أمر واحد ، فقوله عليه‌السلام : في الخبر الاول : ولكن رسول الله «ص» آخذ بأمر الله أي بما عمل به من أوامر الله فيحتج في ذلك اليوم ويتمسك بأنه عمل بما أمره الله به ، وكذا النور الذي ورد في الخبر الثاني يرجع إلى ذلك ، إذ الاديان والاخلاق والاعمال الحسنة أنوار معنوية تظهر للناس في القيامة ، والثالث ظاهر قال الجزري : فيه : إن الرحم أخذت بحجزة الرحمن أي اعتصمت به والتجأت إليه مستجيرة. وأصل الحجزة موضع شد الازار ، ثم قيل للازار : حجزة للمجاورة ، واحتجز الرجل بالازار : إذا شده على وسطه ، فاستعاره لللاعتصام والالتجاء والتمسك بالشئ والتعلق به ، ومنه الحديث الآخر : ياليتني آخذ بحجزة الله أي بسبب منه.

___________________

(١) قال الصدوق ـ رحمه‌الله ـ في كتاب العيون : وفى حديث آخر : الحجزة : الدين.

(٢) لعله هو على بن العباس الخزاذينى الرازى الضعيف المرمى بالغلو ، حكى عن جامع الرواء رواية البرمكى عنه.

(٣) يحتمل كونه الحسن بن على بن يوسف بن بقاح الازدى الثقة ، كما يحتمل كون عبدالسلام الاتى بعده هو ابن سالم البجلى الثقة ، نقل النجاشى رواية الحسن بن على بن يوسف بن بقاح عنه.

(٤) كذا في النسخ والظاهر ان كلمة «عن» زائدة وهو عمار بن موسى الساباطي أبواليقظان.

٢٥

*( باب ٥ )*

*( ففي الرؤية وتاويل الايات فيها )*

الايات : النساء «٤» : يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ١٥٢

الانعام «٦» : لاتدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير ١٠٣

١ ـ لى : أحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن علي بن معبد ، عن واصل ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبيه قال : حضرت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليه‌السلام ودخل عليه رجل من الخوارج فقال : يا أبا جعفر أي شئ تعبد؟ قال الله ، قال : رأيته؟ قال : لم تره العيون بمشاهدة العيان ، ورأته القلوب بحقائق الايمان ، لايعرف بالقياس ، ولا يدرك بالحواس ، ولايشبه بالناس ، موصوف بالآيات ، معروف بالعلامات ، لا يجوز في حكمه ذلك الله لا إله إلا هو. قال : فخرج الرجل وهو يقول : الله أعلم حيث يجعل رسالته. (١) يد : أبي ، عن علي ، عن أبيه ، عن علي بن معبد ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبيه مثله.

ج : مرسلا عن عبدالله بن سنان ، عن أبيه مثله.

بيان : قوله عليه‌السلام : بحقائق الايمان أي بالعقائد التي هي حقائق أي عقائد عقلية ثابتة يقينية لا يتطرق إليها الزوال والتغير ، هي أركان الايمان ، أو بالانوار والآثار التي حصلت في القلب من الايمان ، أو بالتصديقات والاذعانات التي تحق أن تسمى إيمانا ، أو المراد بحقائق الايمان ما ينتمي إليه تلك العقائد من البراهين العقلية فإن الحقيقة ما يصير إليه حق الامر ووجوبه ذكره المطرزي في الغريبين. لايعرف بالقياس أي بالمقايسة بغيره. وقوله عليه‌السلام : ولا يشبه بالناس كالتعليل لقوله : لا يدرك بالحواس. موصوف بالآيات أي إذا اريد أن يذكر ويوصف يوصف بأن له الآيات الصادرة عنه المنتمية إليه ، أو أنما يوصف بالصفات الكمالية بما يشاهد من آيات قدرته وعظمته ، وينزه

___________________

(١) في نسخة : حيث يجعل رسالاته.

٢٦

عن مشابهتها لما يرى من العجز والنقص فيها. معروف بالعلامات أي يعرف وجوده و صفاته العينية الكمالية بالعلامات الدالة عليه لا بالكنه.

٢ ـ يد ، لى : القطان والدقاق والسناني ، عن ابن زكريا القطان ، عن محمد ابن العباس ، عن محمد بن أبي السري ، عن أحمد بن عبدالله بن يونس ، عن ابن طريف ، عن الاصبغ ـ في حديث ـ قال : قام إليه رجل يقال له : ذعلب ، فقال : يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك؟ فقال : ويلك يا ذعلب لم أكن بالذي أعبد ربا لم أره.

قال : فكيف رأيته؟ صفه لنا. قال : ويلك لم تره العيون بمشاهدة الابصار ، ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان. ويلك يا ذعلب إن ربي لايوصف بالبعد ولا بالحركة ولا بالسكون ولا بالقيام قيام انتصاب ولا بجيئة ولا بذهاب ، لطيف اللطافة لا يوصف باللطف ، عظيم العظمة لا يوصف بالعظم ، كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر ، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ ، رؤوف الرحمة لا يوصف بالرقة ، مؤمن لا بعبادة ، مدرك لا بمجسة ، قائل لا بلفظ ، هو في الاشياء على غير ممازجة ، خارج منها على غير مباينة ، فوق كل شئ ولا يقال شئ فوقه ، أمام كل شئ ولا يقال له أمام ، داخل في الاشياء لاكشئ في شئ داخل ، وخارج منها لاكشئ من شئ خارج. فخر ذعلب مغشيا عليه. الخبر.

بيان : ذعلب بكسر الذال المعجمة وسكون العين المهملة وكسر اللام كما ضبطه الشهيد رحمه‌الله. والابصار بفتح الهمزة ويحتمل كسرها. قوله عليه‌السلام : لطيف اللطافة أي لطافته لطيفة عن أن تدرك بالعقول والافهام ، ولا يوصف باللطف المدرك لعباده في دقائق الاشياء ولطائفها ، وعظمته أعظم من أن يحيط به الاذهان ، وهو لا يوصف بالعظم الذي يدركه مدارك الخلق من عظائم الاشياء وجلائلها ، وكبر ياؤه أكبر من أن يوصف ويعبر عنه بالعبادة والبيان ، وهو لا يوصف بالكبر الذي يتصف به خلقه ، وجلالته أجل من أن يصل إليه أفهام الخلق ، وهو لا يوصف بالغلظ كما يوصف الجلائل من الخلق به والمراد بالغلظ إما الغلظ في الخلق أو الخشونة في الخلق. قوله عليه‌السلام : لا يوصف بالرقة أي رقة القلب لانه من صفات الخلق بل المراد فيه تعالى غايته. قوله عليه‌السلام : مؤمن لا بعبادة أي يؤمن عباده من عذابه ، من غير أن يستحقوا ذلك بعبادة ، أو يطلق عليه المؤمن

٢٧

لاكما يطلق بمعنى الايمان والاذعان والتعبد. قوله عليه‌السلام : لا بلفظ أي من غير تلفظ بلسان أو من غير احتياج إلى إظهار لفظ بل يلقي في قلوب من يشاء من خلقه ما يشاء.

٣ ـ لي : علي بن أحمد بن موسى ، عن الصوفي ، عن الروياني ، عن عبدالعظيم الحسني ، عن إبراهيم بن أبي محمود قال : قال علي بن موسى الرضا عليه‌السلام في قول الله عز وجل : «وجوه يومئذ ناضرة إلي ربها ناظرة» قال : يعني مشرقة تنتظر ثواب ربها.

يد ، ن : الدقاق ، عن الصوفي مثله.

ج : مرسلا مثله.

بيان : اعلم أن للفرقة المحقة في الجواب عن الاستدلال بتلك الآية على جواز الرؤية وجوها :

الاول : ما ذكره عليه‌السلام في هذا الخبر من أن المراد بالناظرة المنتظرة كقوله تعالى : «فناظرة بم يرجع المرسلون» روي ذلك عن مجاهد ، والحسن ، وسعيد بن جبير والضحاك ، وهو المروي عن علي عليه‌السلام. (١) واعترض عليه بأن النظر بمعنى الانتظار لا يتعدى بإلي. واجيب بأن تعديته بهذا المعنى بإلى كثيرة ، كما قال الشاعر :

إني إليك لما وعدت لناظر

نظر الفقير إلى الغني الموسر

وقال آخر :

ويوم بذي قار رأيت وجوههم

إلي الموت من وقع السيوف نواظر

والشواهد عليه كثيرة مذكورة في مظانه ، ويحكى عن الخليل أنه قال : يقال : * نظرت إلي فلان بمعنى انتظرته. وعن ابن عباس أنه قال : العرب تقول : إنما أنظر إلي الله ثم إلي فلان ، وهذا يعم الاعمي والبصير ، فيقولون : عيني شاخصة إلى فلان وطامحة إليك ، ونظري إلي الله وإليك. وقال الرازي : وتحقيق الكلام فيه أن قولهم في الانتظار : «نظرته» بغير صلة فإنما ذلك في الانتظار لمجيئ الانسان بنفسه ، فأما إذا كان منتظرا لرفده ومعونته فقد يقال فيه : نظرت إليه انتهى. واجيب أيضا بأنا لا نسلم أن لفظة إلي صلة للنظر ، بل هو واحد الآلاء ، ومفعول به للنظر بمعنى الانتظار ، ومنه قول الشاعر :

___________________

(١) سيجيئ هذا المعني عن أمير المؤمنين عليه‌السلام تحت رقم ٩.

٢٨

أبيض لا يرهب الهزال ولا

يقطع رحما ولا يخون إلى

أي لا يخون نعمة.

الثانى : أن يكون فيه حذف مضاف أي إلى ثواب ربها أي هي ناظرة إلى نعيم الجنة حالا بعد حال فيزداد بذلك سرورها ، وذكر الوجوه والمراد به أصحاب الوجوه. روي ذلك عن جماعة من علماء المفسرين من الصحابة والتابعين وغيرهم.

الثالث : أن يكون إلى بمعنى عند وهو معنى معروف عند النحاة وله شواهد ، كقول الشاعر :

فهل لكم فيما إلي فإنني

طبيب بما أعيى النطاسي حذيما (١)

أي فيما عندي ، وعلى هذا يحتمل تعلق الظرف بناضرة وبناظرة. والاول أظهر. الرابع : أن يكون النظر إلى الرب كناية عن حصول غاية المعرفة بكشف العلائق الجسمانية فكأنها ناظرة إليه تعالى كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اعبدالله كأنك تراه.

٤ ـ لى : المكتب ، عن محمد الاسدي ، عن ابن بزيع ، عن الرضا عليه‌السلام في قول الله عزوجل : «لاتدركه الابصار وهو يدرك الابصار» قال : لاتدركه أوهام القلوب فكيف تدركه أبصار العيون؟.

بيان : هذه الآية إحدى الدلالات التي استدل بها النافون للرؤية وقرروها بوجهين : أحدهما أن إدراك البصر عبارة شائعة في الادراك بالبصر إسنادا للفعل إلى الآلة ، والادراك بالبصر هو الرؤية بمعني اتحاد المفهومين أو تلازمهما ، والجمع المعرف باللام عند عدم قرينة العهدية والبعضية للعموم والاستغراق بإجماع أهل العربية و الاصول وائمة التفسير ، وبشهادة استعمال الفصحاء ، وصحة الاستثناء ، فالله سبحانه قد أخبر بأنه لايراه أحد في المستقبل ، فلورآه المؤمنون في الجنة لزم كذبه تعالى وهو محال.

واعترض عليه بأن اللام في الجمع لو كان للعموم والاستغراق كما ذكرتم كان قوله : تدركه الابصار موجبة كلية ، وقد دخل عليها النفي ، فرفعها هو رفع الايجاب الكلي ،

___________________

(١) النطاسى : الطبيب الحاذق ، العالم. والحذيم بالكسر فالسكون فالفتح من السيوف : القاطع.

٢٩

ورفع الايجاب الكلي سلب جزئي ، ولو لم يكن للعموم كان قوله : لا تدركه الابصار سالبة مهملة في قوة الجزئية ، فكان المعني لاتدركه بعض الابصار ، ونحن نقول بموجبة حيث لا يراه الكافرون ، ولو سلم فلا نسلم عمومه في الاحوال والاوقات فيحمل على نفي الرؤية في الدنيا جمعا بين الادلة.

والجواب أنه قد تقرر في موضعه أن الجمع المحلى باللام عام نفيا وإثباتا في المنفي والمثبت كقوله تعالى : «وما الله يريد ظلما للعباد» و «ما علي المحسنين من سبيل» حتى أنه لم يرد في سياق النفي في شئ من الكتاب الكريم إلا بمعنى عموم النفى ، ولم يرد لنفي العموم أصلا ، نعم قد اختلف في النفي الداخل علي لفظة كل لكنه في القرآن المجيد أيضا بالمعنى الذي ذكرنا كقوله تعالي : «والله لا يحب كل مختال فخور» إلي غير ذلك ، وقد اعترف بما ذكرنا في شرح المقاصد وبالغ فيه ، وأما منع عموم الاحوال والاوقات فلا يخفى فساده فإن النفي المطلق الغير المقيد لاوجه لتخصيصه ببعض الاوقات إذ لاترجيح لبعضها على بعض ، وهو أحد الادلة على العموم عند علماء الاصول ، وأيضا صحة الاستثناء دليل عليه ، وهل يمنع أحد صحة قولنا : ما كلمت زيدا إلا يوم الجمعة ، ولا اكلمه إلا يوم العيد؟ وقال تعالى : «ولا تعضلوهن» إلى قوله : «إلا أن يأتين» وقال : «ولا تخرجوهن» إلي قوله «إلا أن يأتين «وأيضا كل نفي ورد في القرآن بالنسبة إلى ذاته تعالى فهو للتأبيد وعموم الاوقات لاسيما فيما قبل هذه الآية ، وأيضا عدم إدراك الابصار جميعا لشئ لا يختص بشئ من الموجودات خصوصا مع اعتبار شمول الاحوال والاوقات فلا يختص به تعالى فتعين أن يكون التمدح بعدم إدراك شئ من الابصار له في شئ من الاوقات.

وثانيهما : أنه تعالى تمدح بكونه لايرى فإنه ذكره في أثناء المدائح ، وما كان من الصفات عدمه مدحا كان وجوده نقصا يجب تنزيه الله تعالى عنه ، وإنما قلنا من الصفات احترازا عن الافعال كالعفو والانتقام فإن الاول تفضل ، والثاني عدل ، وكلاهما كمال.

٣٠

٥ ـ لي : الطالقاني ، عن ابن عقدة ، عن المنذر بن محمد ، (١) عن علي بن إسماعيل الميثمي ، عن إسماعيل بن الفضل (٢) قال : سألت أبا عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام عن الله تبارك وتعالى هل يري في المعاد؟ فقال : سبحان الله وتعالى عن ذلك علوا كبيرا يا ابن الفضل إن الابصار لاتدرك إلا ماله لون وكيفية ، والله خالق الالوان والكيفية.

٦ ـ يد ، ن ، لى : الهمداني ، عن علي ، عن أبيه ، عن الهروي قال : قلت لعلي ابن موسى الرضا عليهما‌السلام : يا ابن رسول الله ما تقول في الحديث الذي يرويه أهل الحديث أن المؤمنين يزورون ربهم من منازلهم في الجنة؟ فقال عليه‌السلام : يا أبا الصلت إن الله تبارك وتعالى فضل نبيه محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله علي جميع خلقه من النبيين والملائكة وجعل طاعته طاعته ومبايعته مبايعته ، وزيارته في الدنيا والآخرة زيارته فقال الله عزوجل : «من يطع الرسول فقد أطاع الله» وقال : «إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم» وقال : النبي «ص» من زارني في حياتي أو بعد موتي فقد زار الله جل جلاله. ودرجة النبي «ص» في الجنة أرفع الدرجات ، فمن زاره إلي درجته في الجنة من منزله فقد زارالله تبارك وتعالى. قال : فقلت له : يا ابن رسول الله فما معنى الخبر الذي رووه أن ثواب لا إله إلا الله النظر إلي وجه الله؟ فقال عليه‌السلام : يا أبا الصلت من وصف الله بوجه كالوجوه فقد كفر ، ولكن وجه الله أنبياؤه ورسله وحججه صلوات الله عليهم هم الذين بهم يتوجه إلي الله وإلى دينه ومعرفته وقال الله عزوجل : «كل من عليها فإن ويبقى وجه ربك» وقال عزوجل : «كل شئ هالك إلا وجهه» فالنظر إلي أنبياء الله ورسله

___________________

(١) هو مندر بن محمد بن المنذر بن سعيد بن أبي الجهم القابوسى أبوالقاسم الثقة ، يوجد ذكره مع بيان وثاقته في رجال النجاشي ص ٢٩٨ وفى القسم الاول من الخلاصة ص ٨٤ وفى الكشى ص ٣٥٠ وفى غيرها من التراجم. وذكر العلامة الطباطبائى قدس الله روحه في فوائده «آل أبي الجهم القابوسى» وأطراهم بالثناء وذكر الجميل ، وذكر منهم منذر بن محمد هذا.

(٢) هو إسماعيل بن الفضل بن يعقوب بن الفضل بن عبدالله بن الحارث نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، من أصحاب أبي جعفر عليه‌السلام. ثقة من أهل البصرة يوجد ذكره في رجال الشيخ في باب رجال الباقر ورجال الصادق عليهما‌السلام ، وفى الكشي ص ١٤٣ وفي القسم الاول من الخلاصة ص ٥ وفى غيرها من التراجم.

٣١

وحججه عليهم‌السلام في درجاتهم ثواب عظيم للمؤمنين يوم القيامة وقد قال النبي (ص) : من أبغض أهل بيتي وعترتي لم يرني ولم أره يوم القيامة. وقال (ص) : إن فيكم من لا يراني بعد أن يفارقني يا أبا الصلت إن الله تبارك وتعالي لا يوصف بمكان ولا يدرك بالابصار والاوهام الخبر(١)

ج : مرسلا مثله

٧ ـ لي : ابن ناتانة ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم الكرخي قال : قلت للصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام : إن رجلا رأى ربه عزوجل في منامه فما يكون ذلك؟ فقال : ذلك رجل لادين له إن الله تبارك وتعالى لايرى في اليقظة ولافي المنام ولافي الدنيا ولافي الآخرة.

بيان : لعل المراد أنه كذب في تلك الرؤيا ، أو أنه لما كان مجسما تخيل له ذلك ، أو أن هذه الرؤيا من الشيطان ، وذكرها يدل على كونه معتقدا للتجسم.

٨ ـ شا ، ج : روى أهل السيرأن رجلا جاء إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : يا أمير المؤمنين أخبرني عن الله أرأيته حين عبدت الله؟ فقال له أمير المؤمنين : لم أك بالذي أعبد من لم أره فقال : كيف رأيته يا أمير المؤمنين؟ فقال له : ويحك لم تره العيون بمشاهدة العيان ، ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان ، معروف بالدلالات ، منعوت بالعلامات ، لايقاس بالناس ، ولايدرك بالحواس. فانصرف الرجل وهو يقول : الله أعلم حيث يجعل رسالاته.

٩ ـ ج : في خبر الزنديق الذي سأل أمير المؤمنين عليه‌السلام عما توهمه من التناقض في القرآن قال عليه‌السلام : وأما قوله تعالي : «وجوه يومئذ ناضرة إلي ربها ناظرة» ذلك في موضع ينتهي فيه أولياؤ الله عزوجل بعد ما يفرغ من الحساب إلي نهر يسمى الحيوان يؤمرون بدخول الجنة فمن هذا المقام ينظرون إلي ربهم كيف يثيبهم ، ومنه يدخلون الجنة فذلك قوله عزوجل في تسليم الملائكة عليهم : «سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين»

___________________

(١) أورد الحديث بتمامه في الباب الاول تحت رقم ٤.

٣٢

فعند ذلك اثيبوا بدخول الجنة والنظر إلي ما وعدهم الله عزوجل ، فذلك قوله : «إلى ربها ناظرة» والناظرة في بعض اللغة هي المنتظرة ، ألم تسمع إلى قوله تعالى : «فناظرة بم يرجع المرسلون» أي منتظرة بم يرجع المرسلون.

وأما قوله : «ولقد رآه نزلة اخري عند سدرة المنتهى» يعني محمدا «ص» حين كان عند سدرة المنتهى ، حيث لا يجاوزها خلق من خلق الله عزوجل. وقوله في آخر الآية : «ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى» رأي جبرئيل عليه‌السلام في صورته مرتين : هذه المرة ومرة اخري ، وذلك أن خلق جبرئيل عظيم فهو من الروحانيين الذين لايدرك خلقهم وصورتهم (١) إلا رب العالمين. الخبر.

بيان : الوعث والوعثاء : المشقة. قوله صلوات الله عليه : والنظر إلى ما وعدهم الله يحتمل أن يكون المراد بالنظر الانتظار ، فيكون قوله : والناظرة في بعض اللغة تتمة وتأييدا للتوجيه الاول ، والاظهر أنه عليه‌السلام أشار إلي تأويلين : الاول تقدير مصاف في الكلام أي ناظرة إلي ثواب ربها فيكون النظر بمعنى الابصار. والثاني أن يكون النظر بمعنى الانتظار ، ويؤيده ما في التوحيد في تتمة التوجيه الاول : فذلك قوله : «إلى ربها ناظرة» وإنما يعني بالنظر إليه النظر إلى ثوابه تبارك وتعالى ، وأرجع عليه‌السلام الضمير في قوله تعالى : «ولقد رآه نزلة اخرى» إلى جبرئيل عليه‌السلام سيأتي القول فيه.

١٠ ـ ج : يونس بن ظبيان قال : دخل رجل على أبي عبدالله عليه‌السلام قال : أرأيت الله حين عبدته؟ قال له : ما كنت أعبد شيئا لم أره. قال : وكيف رأيته؟ قال : لم تره الابصار بمشاهدة العيان ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان ، لايدرك بالحواس ، ولايقاس بالناس ، معروف بغير تشبيه.

١١ ـ ج : عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في قوله : «لا تدركه الابصار» قال : إحاطة الوهم ، ألا ترى إلى قوله : «قد جائكم بصائر من ربكم» ليس يعني بصر العيون «فمن أبصر فلنفسه» ليس يعني من البصر بعينه «ومن عمي فعليها» ليس يعني عمى العيون ، إنما عني إحاطة الوهم ، كما يقال : فلان بصير بالشعر ، وفلان بصير بالفقه ،

___________________

(١) وفى نسخة : لا يدرك خلقهم وصفتهم.

٣٣

وفلان بصير بالدراهم ، وفلان بصير بالثياب ، الله أعظم من أن يرى بالعين.

يد : أبي ، عن محمد العطار ، عن ابن عيسى ، عن ابن أبي نجران ، عن عبدالله بن سنان مثله.

بيان : قوله عليه‌السلام : الله أعظم من أن يرى بالعين هذا تفريع على ما سبق أي إذا لم يكن مدركا بالاوهام فيكون أعظم من أن يدرك بالعين ، ويحتمل أن يكون المعنى أنه أعظم من أن يشك ، أو يتوهم فيه أنه مدرك بالعين حتى يتعرض لنفيه فيكون دليلا على أن المراد بالابصار الاوهام.

١٢ ـ ج : أحمد بن إسحاق قال : كتبت إلي أبي الحسن علي بن محمد عليهما‌السلام أسأله عن الرؤية وما فيه الخلق فكتب عليه‌السلام : لا تجوز الرؤية ما لم يكن بين الرائي والمرئي هواء ينفذه البصر ، فمتى انقطع الهواء وعدم الضياء لم تصح الرؤية ، وفي وجوب اتصال الضياء بين الرائي والمرئي وجوب الاشتباه ـ وتعالى الله عن الاشتباه ـ فثبت أنه لا تجوز عليه سبحانه الرؤية بالابصار لان الاسباب لابد من اتصالها بالمسببات.

١٣ ـ يد : ابن إدريس ، عن أبيه ، عن أحمد بن إسحاق (١) قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه‌السلام أسأله عن الرؤية ومافيه الناس. فكتب : لا تجوز الرؤية مالم يكن بين الرائي والمرئي هواء ينفذه البصر فإذا انقطع الهواء وعدم الضياء عن الرائي والمرئي لم تصح الرؤية ، وكان في ذلك الاشتباه لان الرائي متي ساوى المرئي في السبب الموجب بينهما في الرؤية وجب الاشتباه ، وكان في ذلك التشبيه ، لان الاسباب لابد من اتصالها بالمسببات.

بيان : استدل عليه‌السلام على عدم جواز الرؤية بأنها تستلزم كون المرئي جسمانيا ذاجهة وحيز وبين ذلك بأنه لابد أن يكون بين الرائي والمرئي هواء ينفذه البصر ،

___________________

(١) هو أحمد بن إسحاق بن عبدالله بن سعد بن مالك الاحوص الاشعرى أبوعلى القمى ، كان وافد القميين وشيخهم ، روي عن أبى جعفر الثانى وأبي الحسن عليهما‌السلام وكان خاصة أبى محمد عليه‌السلام و كان سمن تشرف بلقاء صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف ، توجد ترجمته مع الاطراء والتوثيق في التراجم ، وأورده الشيخ في كتاب الغيبة في عداد الموثقين الذين كان يرد عليهم التوقيعات من قبل المنسوبين للسفارة من الاصل.

٣٤

وظاهره كون الرؤية بخروج الشعاع ، وإن أمكن أن يكون كناية عن تحقق الابصار بذلك وتوقفه عليه ، فإذا لم يكن بينهما هواء وانقطع الهواء وعدم الضياء الذي هو أيضا من شرائط الرؤية عن الرائي والمرئي لم تصح الرؤية بالبصر ، وكان في ذلك أي في كون الهواء بين الرائي والمرئي الاشتباه يعني شبه كل منهما بالآخر يقال : اشتبها : إذا أشبه كل منها الآخر لان الرائي متى ساوى المرئي وماثله في النسبة إلى السبب الذي أوجب بينهما في الرؤية وجب الاشتباه ، ومشابهة أحدهما الآخر في توسط الهواء بينهما ، وكان في ذلك التشبيه أي كون الرائي والمرئي في طرفي الهواء الواقع بينهما يستلزم الحكم بمشابهة المرئي بالرائي من الوقوع في جهة ليصح كون الهواء بينهما فيكون متحيزا ذاصورة وضعية فإن كون الشئ في طرف مخصوص من طرفي الهواء وتوسط الهواء بينه وبين شئ آخر سبب عقلي للحكم بكونه في جهة ومتحيزا وذا وضع ، وهو المراد بقوله : لان الاسباب لابد من اتصالها بالمسببات ، ويحتمل أن يكون ذلك تعليلا لجميع ما ذكر من كون الرؤية متوقفة على الهواء إلى آخر ما ذكر وحاصله يرجع إلي ما ادعاه جماعة من أهل الحق من العلم الضروري بأن الادراك المخصوص المعلوم بالوجه الممتاز عن غيره لا يمكن أن يتعلق بماليس في جهة وإلا لم يكن للبصر مدخل فيه ، ولاكسب لرؤيته بل المدخل في ذلك للعقل فلاوجه حينئذ لتسميته إبصارا ، والحاصل أن الابصار بهذه الحاسة يستحيل أن يتعلق بما ليس في جهة بديهة ، وإلا لم يكن لها مدخل فيه ، وهم قد جو زوا الادراك بهذه الجارحة الحساسة ، وأيضا هذا النوع من الادراك يستحيل ضرورة أن يتعلق بما ليس في جهة ، مع قطع النظر عن أن تعلق هذه الحاسة يستدعي الجهة والمقابلة. وماذكره الفخر الرازي من أن الضروري لا يصير محلا للخلاف ، وأن الحكم المذكور مما يقتضيه الوهم ويعين عليه ، وهو ليس مأمونا لظهور خطائه في الحكم بتجسم الباري تعالى وتحيزه ، وما ظهر خطؤه مرة فلا يؤمن بل يتهم ففاسد لان خلاف بعض العقلاء في الضروريات جائز كالسوفسطائية والمعتزلة في قولهم بانفكاك الشيئية والوجود وثبوت الحال ، وأما قوله : بأنه حكم الوهم الغير المأمون فطريف جدا لانه منقوض بجميع أحكام العقل ، لانه أيضا مما ظهر خطؤه مرارا ، وجميع

٣٥

الهندسيات والحسابيات ، وأيضا مدخلية الوهم في الحكم المذكور ممنوع ، وإنما هو عقلي صرف عندنا ، وكذلك ليس كون الباري تعالى متحيزا مما يحكم به ويجزم بل هو تخيل يجري مجرى سائر الاكاذيب في أن الوهم وإن صوره وخيله إلينا لكن العقل لايكاد يجوزه بل يحيله ويجزم ببطلانه ، وكون ظهور الخطأ مرة سببا لعدم إيتمان المخطي واتهامه ممنوع أيضا ، وإلاقدح في الحسيات وسائر الضروريات. وقد تقرر بطلانه في موضعه في رد شبه القادحين في الضروريات.

١٤ ـ يد : الدقاق ، عن الكليني ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمد بن عبدالجبار ، عن صفوان بن يحيى قال : سألني أبوقرة المحدث أن أدخله إلي أبى الحسن الرضا عليه‌السلام فاستأذنته في ذلك فأذن لي فدخل عليه ، فسأله عن الحلال والحرام والاحكام حتي بلغ سؤاله التوحيد ، فقال أبوقرة : إنا روينا أن الله عزوجل قسم الرؤية والكلام بين اثنين ، فقسم لموسى عليه‌السلام الكلام ولمحمد «ص» الرؤية ، فقال أبوالحسن عليه‌السلام : فمن المبلغ عن الله عزوجل إلى الثقلين الجن والانس : لاتدركه الابصار وهو يدرك الابصار ، ولا يحيطون به علما ، وليس كمثله شئ أليس محمد «ص»؟ قال : بلى ، قال : فكيف يجيئ رجل إلي الخلق جميعا فيخبرهم أنه جاء من عند الله وأنه يدعوهم إلى الله بأمر الله ويقول : لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار ، ولايحيطون به علما ، وليس كمثله شئ ، ثم يقول : أنارأيته بعيني ، وأحطيت به علما ، وهو على صورة البشر! أما يستحيون؟ ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا أن يكون يأتي عن الله بشئ ، ثم يأتي بخلافه من وجه آخر. قال أبوقرة : فإنه يقول : «ولقد رآه نزلة اخري» فقال أبوالحسن عليه‌السلام : إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى حيث قال : «ما كذب الفؤاد ما رأي» يقول : ما كذب فؤاد محمد «ص» ما رأت عيناه ، ثم أخبر بما رأى فقال : «لقد رأي من آيات ربه الكبرى» فآيات الله غير الله ، وقد قال : ولا يحيطون به علما ، فإذا رأته الابصار فقد أحاطت به العلم ، ووقعت المعرفة. فقال أبوقرة فتكذب الروايات؟ فقال أبوالحسن عليه‌السلام : إذا كانت الروايات مخالفه للقرآن كذبت بها ، وما أجمع المسلمون عليه (١) أنه لايحيط به علم ولا تدركه الابصار وليس كمثله شئ.

___________________

(١) وفى نسخة : وما اجتمع المسلمون عليه.

٣٦

بيان : اعلم أن المفسرين اختلفوا في تفسير تلك الآيات قوله تعالي : «ما كذب الفؤاد ما رأي» يحتمل كون ضمير الفاعل في رأي راجعا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإلي الفؤاد. قال البيضاوي : ما كذب الفؤاد ما رأي ببصره من صورة جبرئيل ، أو الله أي ما كذب الفؤاد بصره بما حكاه له ، فإن الامور القدسية تدرك أولا بالقلب ، ثم ينتقل منه إلي البصر ، أوما قال فؤاده لما رأه : لم أعرفك ، ولو قال ذلك كان كاذبا لانه عرفه بقلبه كما رآه بصره ، أو ما رآه بقلبه ، والمعنى لم يكن تخيلا كاذبا ، ويدل عليه أنه سئل عليه‌السلام هل رأيت

ربك؟ فقال : رأيته بفؤادي ، وقرئ ما كذب أي صدقه ولم يشك فيه. «أفتمارونه على ما يرى» أفتجادلونه عليه من المراء وهو المجادلة. انتهى قوله تعالى : «ولقد رآه نزلة اخرى» قال الرازي : يحتمل الكلام وجوها ثلاثة : الاول الرب تعالى (١) والثاني جبرئيل عليه‌السلام ، والثالث الآيات العجيبة الالهية. انتهى. أي ولقد رآه نازلا نزلة اخرى فيحتمل نزوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ونزول مرئية.

فإذا عرفت محتملات تلك الآيات عرفت سخافة استدلالهم بها على جواز الرؤية ووقوعها بوجوه : الاول أنه يحتمل أن يكون المرئي جبرئيل ، إذا المرئي غير مذكور في اللفظ ، وقد أشار أمير المؤمنين عليه‌السلام إلي هذا الوجه في الخبر السابق. وروى مسلم في صحيحه بإسناده عن زرعة ، (٢) عن عبدالله «ما كذب الفؤاد ما رأى» قال : رأي جبرئيل عليه‌السلام له ستمائة جناح. وروى أيضا بإسناده عن أبي هريرة «ولقد رآه نزلة اخرى» قال :

___________________

(١) قال البغوى في معالم التنزيل : هو قول انس والحسن وعكرمة ، قالوا : رأى محمد ربه ، وروى عكرمة عن ابن عباس قال : إن الله اصطفى ابراهيم بالخلة ، واصطفى موسى بالكلام ، واصطفى محمدا «ص» بالرؤية ، ونسب القول الثانى إلى ابن مسعود وعائشة وروى بطريقه عن مسروق قيل : قلت لعائشة : يا اماه هل رأى محمد صلى الله ربه؟فقالت : لقد تكلمت بشئ وقف له شعرى مما قلت ، أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقدكاذب : من حدثك أن محمدرأى ربه فقد كذب ثم قرأت : لا تدركه الابصار وهو اللطيف الخبير وما كان لبشر أن يكلمه الله وحيا أو من وراء حجاب «إلى أن قالت : ولكنه رأي جبرئيل في صورته مرتين. أقول أخرجه البخارى في صحيحه ص ١٧٥ والمسلم في ج ١ ص ١١٠ من صحيحه ونسب القول الثانى الشيخ في التبيان إلى مجاهد والربيع أيضا.

(٢) الصحيح كما في نسخة : عن زر «أى ابن جيش» عن عبدالله. أخرجه المسلم في ج ١ ص ١٠٩ وكذا حديث أبي هريرة.

٣٧

رأي جبرئيل عليه‌السلام بصورته التي له في الخلقة الاصلية. الثاني : ما ذكره عليه‌السلام في هذا الخبر وهو قريب من الاول لكنه أعم منه. الثالث : أن يكون ضمير الرؤية راجعا إلى الفؤاد ، فعلى تقدير إرجاع الضمير إلى الله تعالى أيضا لافساد فيه. الرابع : أن يكون على تقدير إرجاع الضمير إليه عليه‌السلام وكون المرئي هو الله تعالى المراد بالرؤية غاية مرتبة المعرفة ونهاية الانكشاف.

وأما استدلاله عليه‌السلام بقوله تعالى : «ليس كمثله شئ» فهو إما لان الرؤية تستلزم الجهة والمكان وكونه جسما أو جسمانيا ، أو لان الصورة التي تحصل منه في المدركة تشبهه. قوله عليه‌السلام : حيث قال أي أولا قبل هذه الآية ، وإنما ذكر عليه‌السلام ذلك لبيان أن المرئي قبل هذه الآية غير مفسر أيضا ، بل إنما يفسره ما سيأتي بعدها. قوله عليه‌السلام : وما أجمع المسلمون عليه أي اتفق المسلمون على حقية مدلول ما في الكتاب مجملا ، و الحاصل أن الكتاب قطعي السند متفق عليه بين جميع الفرق فلا يعارضه الاخبار المختلفة المتخالفة التي تفردتم بروايتها.

ثم اعلم أنه عليه‌السلام أشار في هذا الخبر إلي دقيقة غفل عنها الاكثر ، وهي أن الاشاعرة وافقونا في أن كنهه تعالى يستحيل أن يتمثل في قوة عقلية حتي أن المحقق الدواني نسبه إلي الاشاعرة موهما اتفاقهم عليه ، وجو زوا ارتسامه وتمثله في قوة جسمانية ، وتجويز إدراك القوة الجسمانية لهادون العقلية بعيد عن العقل مستغرب فأشار عليه‌السلام إلى أن كل ما ينفي العلم بكنهه تعالى من السمع ينفي الرؤية أيضا فإن الكلام ليس في رؤية عرض من أعراضه تعالى بل في رؤية ذاته وهو نوع من العلم بكنهه تعالى. (١)

١٥ ـ يد : أبي ، عن محمد العطار ، عن ابن عيسى ، عن البزنطي ، عن الرضا عليه‌السلام قال : قال رسول الله «ص» : لما اسري بي إلى السماء بلغ بي جبرئيل عليه‌السلام مكانا لم يطأه

___________________

(١) لا ملازمة بين الامرين فان حس البصر لاينال إلا الاضواء والالوان ، وأما جوهر الاجسام أعني موضوع هذه الاعراض فلايناله شئ من الحواس لا البصر ولاغيره ، وإنما طريق نيله الفكر والقياس والرواية غير متعرضة لشئ من ذلك. ط

٣٨

جبرئيل قط فكشف لي فأراني الله عزوجل من نور عظمته ما أحب.

١٦ ـ يد : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن أبي هاشم الجعفري ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : سألته عن الله عزوجل هل يوصف؟ (١) فقال : أما تقرأ القرآن قلت : بلى ، قال : أما تقرأ قوله عزوجل : «لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصاره»؟ قلت بلى ، قال : فتعرفون الابصار؟ قلت : بلى ، قال : وماهي؟ قلت : أبصار العيون فقال : إن أوهام القلوب أكثر من أبصار العيون فهو لا تدركه الاوهام ، وهو يدرك الاوهام.

بيان : أكثر أي أعم إدراكا فهو أولى بالتعرض لنفيه.

١٧ ـ يد : الدقاق ، عن الاسدي ، عمن ذكره ، عن محمد بن عيسى ، عن أبي هاشم الجعفري قال : قلت لابي جعفر علي بن الرضا عليه‌السلام : «لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار» فقال : يا أبا هاشم أوهام القلوب أدق من أبصار العيون ، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند والبلدان التي لم تدخلها ولم تدركها ببصرك (٢) فأوهام القلوب لا تدركه ، فكيف أبصار العيون؟

ج : عن الجعفري مثله.

١٨ ـ يد : الدقاق ، عن الاسدي ، عن البرمكي ، عن ابن أبان ، عن بكر بن صالح ، (٣) عن الحسن بن سعيد ، عن إبراهيم بن محمد الخزاز ومحمد بن الحسين قالا : دخلنا علي أبي الحسن الرضا عليه‌السلام فحكينا له ما روي أن محمدا «ص» رأى ربه في هيئة الشاب الموفق في سن أبناء ثلاثين سنة ، رجلاه في خضرة وقلنا : إن هشام بن سالم (٣)

___________________

(١) أي هل يوصف بأنه مرئى.

(٢) وفى نسخة : ولا تدركها ببصرك.

(٣) مشترك بين الضعيف والمجهول.

(٤) هو هشام بن سالم الجو اليقى الكوفى ، مولى بشر بن مروان أبوالحكم روى عن أبى عبدالله وأبى الحسن عليهما‌السلام ، ثقة ثقة جليل ، مقرب عند الائمة ، وكان متكلما جدليا ، أطراه الرجاليون كلهم بالوثاقة ، وأبرؤوا ساحته عما نسب إليه من الاقوال الشنيعة والاعتقادات الفاسدة.

٣٩

وصاحب الطاق (١) والميثمي (٢) يقولون : إنه أجوف إلى السرة والباقي صمد ، فخر ساجدا ثم قال : سبحانك ما عرفوك ولاوحدوك فمن أجل ذلك وصفوك ، سبحانك لو عرفوك لو صفوك بما وصفت به نفسك ، سبحانك كيف طاوعتهم أنفسهم أن شبهوك بغيرك إلهي لا أصفك إلا بما وصفت به نفسك ، ولا اشبهك بخلقك ، أنت أهل لكل خير ، فلا تجعلني من القوم الظالمين. (٣)

ثم التفت إلينا فقال : ما تو همتم من شئ فتوهموا الله غيره. ثم قال : نحن آل محمد النمط الوسطى الذي لا يدركنا الغالي ولا يسبقنا التالي ، يا محمد إن رسول الله «ص» حين نظر إلى عظمة ربه كان في هيئة الشاب الموفق وسن أبناء ثلاثين سنة ، يا محمد عظم ربي وجل أن يكون في صفة المخلوقين.

قال : قلت : جعلت فداك من كانت رجلاه في خضرة؟ قال : ذاك محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا نظر إلى ربه بقلبه جعله في نور مثل نور الحجب حتى يستبين له ما في الحجب ، إن نور الله

___________________

(١) هو محمد بن على بن النعمان أبوجعفر ، الملقب بمؤمن الطاق ، وشاه الطاق ، ويلقبه المخالفون بشيطان الطاق ، كان ثقة متكلما حاذقا حاضر الجواب ، له مناظرات مع أبى حنيفة و حكايات ، قال النجاشى : أما منزلته في العلم وحسن الخاطر فأشهر ، وقد نسب إليه أشياء لم تثبت عندنا.

(٢) لقب لجماعة من الاصحاب : منهم أحمد بن الحسن بن إسماعيل ، وعلى بن إسماعيل ، وعلى ابن الحسن ، ومحمد بن الحسن بن زياد وغيرهم وحيث اطلق فلابد في تشخيصه من الرجوع إلى القرائن ، ويحتمل قويا بفرينة موضوع الحديث بل يتعين كون الميثمى الواقع في الحديث هو على ابن إسماعيل الذى ترجمة النجاشى في ص ١٧٦ من رجاله بقوله : على بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم بن يحيى التمار ، أبوالحسن مولى بنى أسد كوفى ، سكن البصرة ، وكان من وجوه المتكلمين من أصحابنا كلم أبا الهذيل والنظام ، له مجالس وكتب : منها كتاب الامامة ، كتاب الطلاق ، كتاب النكاح ، كتاب مجالس هشام بن الحكم ، كتاب المتعة. انتهى. وقيل : كان في زمان الكاظم عليه‌السلام من الفضلاء المعروفين والمتكلمين المتدققين وربما يظهر أنه كان من تلامذة هشام. قلت : توجد جملة من حجاجه ومناظراته مع أبى الهذيل العلاف وضرار في مسألة الامامة في ص ٥ و ٩ و ٥٢ من الطبعة الثانية من الفصول المختارة ، ومع رجل نصرانى ورجل ملحد وغيره في ص ٣١ و ٣٩ و ٤٤ ، فما في الوافى من أن الميثمى هذا هو أحمد بن الحسن مما لم نجد عليه دليلا بل الشاهد قائم على خلافه.

(٣) وفى نسخة : فلا تجعلنى مع القوم الظالمين.

٤٠