الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٢
وخمسين ومائتين ـ : قد اختلف يا سيّدي أصحابنا في التوحيد ، منهم من يقول : هو جسم ، ومنهم من يقول : هو صورة ، فإن رأيت يا سيّدي أن تعلّمني من ذلك ما أقف عليه ولا أجوزه فعلت متطوّلاً على عبدك .
فوقّع بخطّه ـ عليهالسلام ـ : سألت عن التوحيد وهذا عنكم معزول ، الله تعالى واحد ، أحد ، صمد ، لم يلد ، ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ، خالق وليس بمخلوق ، يخلق تبارك وتعالى ما يشاء من الأجسام وغير ذلك ، ويصوِّر ما يشاء ، وليس بمصوَّر ، جلَّ ثناؤه وتقدَّست أسماؤه ، وتعالى عن أن يكون له شبه ، هو لا غيره ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .
بيان : وهذا عنكم معزول أي لا يجب عليكم التفكّر في الذات والصفات بل عليكم التصديق بما وصف تعالى به نفسه .
١١ ـ سر : السيّاريّ (١) قال : سمعت الرضا عليهالسلام يقول : ليس العبادة كثرة الصوم والصلاة ، إنّما العبادة في التفكّر في الله .
بيان : أي التفكّر في قدرته وعظمته بالتفكّر في عظمة خلقه ، كما فسّر به في الأخبار الاُخر ، أو بالتفكّر فيما جاء عن الله وحججه عليهمالسلام في ذلك .
١٢ ـ يد : ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن ابن معروف ، عن ابن أبي نجران ، عن حمّاد بن عثمان ، عن عبد الرحيم القصير قال : كتبت على يدي عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد الله عليهالسلام بمسائل ، فيها : أخبرني عن الله عزَّ وجلَّ هل يوصف بالصورة وبالتخطيط ، فإن رأيت ـ جعلني الله فداك ـ أن تكتب إليَّ بالمذهب الصحيح من التوحيد .
فكتب صلّى الله عليه على يدي عبد الملك بن أعين : سألت رحمك الله عن التوحيد وما ذهب فيه من قبلك ، فتعالى الله الّذي ليس كمثله شيء ، وهو السميع البصير ، تعالى الله عمّا يصفه الواصفون المشبّهون الله تبارك وتعالى بخلقه ، المفترون على الله . واعلم رحمك الله أنَّ المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله عزَّ وجلَّ ، فأنف
________________________
(١) هو أحمد بن محمد بن سيار أبو عبد الله الكاتب ، بصري ، كان من كتاب آل طاهر في زمن أبي عبد الله عليه السلام ، ضعيف الحديث ، فاسد المذهب . نص على ذلك النجاشي .
عن الله البطلان والتشبيه ، فلا نفي ولا تشبيه ، هو الله الثابت الموجود ، تعالى الله عمّا يصفه الواصفون ، ولا تعد القرآن فتضلّ بعد البيان .
بيان : على يدي عبد الملك أي كان هو الرسول والحامل للكتاب والجواب .
١٣ ـ ضا : إيّاك والخصومة فإنّها تورث الشكّ ، وتحبط العمل ، وتردي صاحبها ، (١) وعسى أن يتكلّم بشيء لا يغفر له .(٢)
١٤ ـ ونروى أنّه كان فيما مضى قوم انتهى بهم الكلام إلى الله جلَّ وعزَّ فتحيّروا ، فإن كان الرجل ليدعى من بين يديه فيجيب من خلفه . (٣)
١٥ ـ وأروي : تكلّموا فيما دون العرش فإنَّ قوماً تكلّموا في الله جلَّ وعزَّ فتاهوا .
١٦ ـ وأروي عن العالم عليهالسلام ـ وسألته عن شيء من الصفات ـ فقال : لا تتجاوز ممّا في القرآن .
١٧ ـ وأروي أنّه قرىء بين يدي العالم عليهالسلام قوله : « لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ » فقال : إنّما عنى أبصار القلوب وهي الأوهام ، فقال : لا تدرك الأوهام كيفيّته وهو يدرك كلّ وهم ، وأمّا عيون البشر فلا تلحقه ، لأنّه لا يحدّ فلا يوصف ؛ هذا ما نحن عليه كلّنا .
١٨ ـ يد : الدقّاق ، عن الأسديّ ، عن البرمكيّ ، عن الحسين بن الحسن ، عن بكر بن الصالح ، عن الحسين بن سعيد قال : سئل أبو جعفر الثاني عليهالسلام يجوز أن يقال لله : إنّه شيء ؟ فقال : نعم ، تخرجه من الحدّين : حدّ التعطيل وحدّ التشبيه . (٤)
١٩ ـ يد : ابن مسرور ، عن ابن بطّة ، عن عدّة من أصحابه ، عن اليقطينيّ قال : قال لي أبو الحسن عليهالسلام : ما تقول : إذا قيل لك : أخبرني عن الله عزَّ وجلَّ : أشيء هو أم لا شيء هو ؟ قال : فقلت له : قد أثبت عزّ وجلَّ نفسه شيئاً حيث يقول : « قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ
________________________
(١) أي تهلك صاحبها وتضلها .
(٢) تقدم الحديث مسنداً تحت رقم ٣ .
(٣) الظاهر أنه قطعة من الحديث السادس .
(٤) الظاهر اتحاده مع ما تقدم تحت رقم ٩ .
شَهَادَةً قُلِ اللَّـهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ » فأقول : إنّه شيء لا كالأشياء ؛ إذ في نفي الشيئيّة عنه إبطاله ونفيه . قال لي : صدقت وأصبت .
ثمَّ قال الرضا عليهالسلام : للناس في التوحيد ثلاثة مذاهب : نفي ، وتشبيه ، وإثبات بغير تشبيه ، فمذهب النفي لا يجوز ، ومذهب التشبيه لا يجوز لأنّ الله تبارك وتعالى لا يشبهه شيء ، والسبيل في الطريقة الثالثة إثبات بلا تشبيه .
شى : عن هشام المشرقيِّ ، عنه عليهالسلام مثله . وزاد في آخره وهو كما وصف نفسه أحد صمد نور .
٢٠ ـ يد : ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن النضر ، عن يحيى الحلبىّ ، عن ابن مسكان ، عن زرارة قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : إنَّ الله تبارك وتعالى خلو من خلقه ، وخلقه خلو منه ، وكلّما وقع عليه اسم شيء ما خلا الله عزَّ وجلَّ فهو مخلوق ، والله خالق كلّ شيء ، تبارك الّذي ليس كمثله شيء .
يد : حمزة بن محمّد العلويّ ، عن عليّ ، عن أبيه ، عن بن أبي عمير ، عن عليّ بن عطيّة ، عن أبي جعفر عليهالسلام مثله إلى قوله : خالق كلّ شيء .
يد : ماجيلويه ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن أبي المعزّا رفعه عن أبي جعفر عليهالسلام مثله إلى قوله : فهو مخلوق ما خلا الله عزَّ وجلَّ .
ايضاح : الخلو بكسر الخاء وسكون اللّام : الخالي . وقوله عليهالسلام : خلو من خلقه أي من صفات خلقه أو من مخلوقاته ، فيدلّ على نفي الصفات الموجودة الزائدة لأنّها لا بدّ أن تكون مخلوقة لله تعالى بانضمام المقدّمتين الأخيرتين المبنيّتين على التوحيد ، واتّصافه بمخلوقه مستحيل لما تقرِّر من أنّ الشيء لا يكون فاعلاً وقابلاً لشيء واحد ، ويدلّ أيضاً على بطلان ما ذهب إليه جماعة من كونه تعالى معروضاً لماهيّات الممكنات . وقوله عليهالسلام : وخلقه خلو منه أي من صفاته ، أو المراد أنّه لا يحلّ في شيء بوجه من الوجوه ، فينفى كونه عارضاً لشيء أو حالّاً فيه أو متمكّناً فيه إذ ما من شيء إلّا وهو مخلوق له بحكم المقدّمتين الأخيرتين .
٢١ ـ يد : ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن ابن عيسى
، عن الحسين بن سعيد ، عن
النضر ، عن ابن حميد رفعه قال : سئل عليُّ بن الحسين عليهالسلام عن التوحيد فقال : إنّ الله تعالى علم أنّه يكون في آخر الزمان أقوام متعمّقون فأنزل الله تعالى : « قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ اللَّـهُ الصَّمَدُ » والآيات من سورة الحديد إلى قوله : « وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ » فمن رام ما وراء ذلك فقد هلك .
بيان : ظاهره المنع عن التفكّر والخوض في مسائل التوحيد والوقوف مع النصوص ، وقيل : المراد أنّه تعالى بيّن لهم صفاته ليتفكّروا فيها ؛ ولا يخفى بعده .
٢٢ ـ سن : أبي ، عن صفوان ، وابن أبي عمير معاً ، عن عبد الرحمن بن الحجّاج ، عن سليمان بن خالد قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام يا سليمان إنّ الله يقول : « وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنتَهَىٰ » فإذا انتهى الكلام إلى الله فامسكوا .
٢٣ ـ سن : أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن محمّد بن يحيى ، عن عبد الرحيم القصير قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن شيء من الصفة فقال : فرفع يديه إلى السماء ثمَّ قال : تعالى الله الجبّار ، إنّه من تعاطى ما ثمَّ هلك . يقولها مرّتين .
بيان : تعالى الله الجبّار أي عن أن يكون له جسم أو صورة أو يوصف بصفة زائدة على ذاته ، وأن يكون لصفاته الحقيقيّة بيان حقيقيٌّ ؛ من تعاطى أي تناول بيان ما ثمَّ من صفاته الحقيقيّة هلك وضلّ ضلالاً بعيداً .
٢٤ ـ سن : بعض أصحابنا ، عن حسين بن ميّاح ، (١) عن أبيه قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : من نظر في الله كيف هو هلك .
٢٥ ـ سن : أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي أيّوب الخزّاز ، عن محمّد بن مسلم قال : قال أبو جعفر عليهالسلام : يا محمّد إنّ الناس لا يزال لهم المنطق حتّى يتكلّموا في الله ، فإذا سمعتم ذلك فقولوا : لا إله إلّا الله الواحد الّذي ليس كمثله شيء .
________________________
(١) قال العلامة في القسم الثاني من الخلاصة : الحسين بن مياح ـ بالياء المنقطة تحتها نقطتين المشددة بعد الميم ، والحاء غير المعجمة بعد الالف ـ المدائني ، روى عن أبيه ، قال ابن الغضائري : إنه ضعيف غال انتهى . وقال النجاشي في ترجمة أبيه : مياح المدائني ضعيف جداً له كتاب يعرف برسالة مياح ، وطريقها أضعف منها وهو محمد بن سنان .
بيان : أي إذا سمعتم الكلام في الله فاقتصروا على التوحيد ونفي الشريك منبّهاً على أنّه لا يجوز الكلام فيه ، وتبيين معرفته إلّا بسلب التشابه والتشارك بينه وبين غيره ؛ أو إذا أجروا الكلام في الجسم والصورة فقولوا ذلك تنزيهاً له عمّا يقولون .
٢٦ ـ سن : ابن فضّال ، عن ثعلبة ، عن الحسن الصيقل ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : تكلّموا فيما دون العرش ، ولا تكلّموا فيما فوق العرش ، فإنَّ قوماً تكلّموا في الله فتاهوا ، حتّى كان الرجل ينادى من بين يديه فيجيب من خلفه ،
٢٧ ـ سن : أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن حفص اخي مرازم ، عن الفضل بن يحيى قال : سأل أبي أبا الحسن موسى بن جعفر عليهالسلام عن شيء من الصفة ، فقال : لا تجاوز عمّا في القرآن .
٢٨ ـ سن : أبو أيّوب المدنيّ ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن بكير ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : إنّ ملكاً كان في مجلسه فتناول الربّ تبارك وتعالى ففقد فما يدرى أين هو .
بيان : أي فقد من مكانه سخطاً من الله عليه ؛ أو تحيّر وسار في الأرض فلم يعرف له خبر . وقيل : هو على المعلوم أي ففقد ما كان يعرف وكان لا يدري في أيّ مكان هو من الحيرة ؛ ولا يخفى ما فيه .
٢٩ ـ سن : محمّد بن عيسى ، عمّن ذكره رفعه قال : سئل أبو جعفر عليهالسلام أيجوز أن يقال لله : أنّه موجود ؟ قال : نعم تخرجه من الحدّين : حدّ الإبطال وحدّ التشبيه .
٣٠ ـ م : لقد مرَّ أمير المؤمنين عليهالسلام على قوم من أخلاط المسلمين ، ليس فيهم مهاجريّ ولا أنصاريّ ، وهم قعود في بعض المساجد في أوّل يوم من شعبان ، وإذا هم يخوضون في أمر القدر وغيره ممّا اختلف الناس فيه ، قد ارتفعت أصواتهم واشتدَّ فيه جدالهم ، فوقف عليهم وسلّم فردّوا عليه ووسّعوا له ، وقاموا إليه يسألونه القعود إليهم ، فلم يحفل بهم ، (١) ثمَّ قال لهم ـ وناداهم ـ : يا معاشر المتكلّمين ألم تعلموا أنَّ لله عباداً قد أسكتتهم خشيته من غير عيّ ولا بكم ؟ وأنّهم هم الفصحاء البلغاء الألبّاء ، (٢) العالمون بالله وأيّامه
________________________
(١) أي فلم يبال بهم ولم يهتم لهم .
(٢) الالباء جمع اللبيب : العاقل .
ولكنّهم إذا ذكروا عظمة الله انكسرت ألسنتهم ، وانقطعت أفئدتهم ، وطاشت عقولهم ، وتاهت حلومهم ، إعزازاً لله وإعظاماً وإجلالاً ، فإذا أفاقوا من ذلك استبقوا إلى الله بالأعمال الزاكية يعدّون أنفسهم مع الظالمين والخاطئين ، وأنّهم برآء من المقصّرين والمفرطين ألا إنّهم لا يرضون الله بالقليل ، ولا يستكثرون لله الكثير ، ولا يدلّون عليه بالأعمال ، فهم إذا رأيتهم مهيّمون مروّعون ، خائفون ، مشفقون ، وجلون ؛ فأين أنتم منهم يا معشر المبتدعين ألم تعلموا أنّ أعلم الناس بالضرر أسكتهم عنه ، وأنّ أجهل الناس بالضرر أنطقهم فيه ؟ .
بيان : لا يدلّون من قولهم : أدلّ عليه أي أوثق بمحبّته فأفرط عليه . والهيام : الجنون من العشق .
٣١ ـ كش : عليّ بن محمّد ، عن محمّد بن موسى الهمدانيّ ، عن الحسن بن موسى الخشّاب ، عن غيره ، عن جعفر بن محمّد بن حكيم الخثعميّ قال : اجتمع ابن سالم ، وهشام بن الحكم ، وجميل بن درّاج ، وعبد الرحمن بن الحجّاج ، ومحمّد بن حمران ، وسعيد بن غزوان ، ونحو من خمسة عشر من أصحابنا فسألوا هشام بن الحكم أن يناظر هشام بن سالم فيما اختلفوا فيه من التوحيد ، وصفة الله عزَّ وجلَّ ، وعن غير ذلك ، لينظروا أيّهم أقوى حجّة ، فرضي هشام بن سالم أن يتكلّم عند محمّد بن أبي عمير ، ورضي هشام بن الحكم أن يتكلّم عند محمّد بن هشام فتكالما وساقا ما جرى بينهما ، وقال : قال عبد الرحمن بن الحجّاج لهشام بن الحكم : كفرت والله بالله العظيم وألحدت فيه ، ويحك ما قدرت أن تشبه بكلام ربّك إلّا العود يضرب به . قال جعفر بن محمّد بن حكيم فكتب إلى أبي الحسن موسى عليهالسلام يحكى له مخاطبتهم وكلامهم ، ويسأله أن يعلّمهم ما القول الّذي ينبغي أن يدين الله به من صفة الجبّار فأجابه في عرض كتابه : فهمت رحمك الله ، واعلم رحمك الله أنَّ الله أجلّ وأعلى وأعظم من أن يبلغ كنه صفته ، فصفوه بما وصف به نفسه وكفّوا عمّا سوى ذلك .
٣٢ ـ يد : ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن اليقطينيّ ، عن ابن أبي نجران قال : سألت أبا جعفر الثاني عليهالسلام عن التوحيد فقلت : أتوهّم شيئاً ؟ فقال : نعم غير معقول ولا محدود ، فما وقع وهمك عليه من شيء فهو خلافه ، لا يشبهه شيء ولا تدركه الأوهام ، كيف تدركه الأوهام وهو خلاف ما يعقل وخلاف ما يتصوّر في الأوهام ؟ إنّما يتوهّم شيء غير معقول ولا محدود .
بيان : اعلم أنَّ من المفهومات عامّة شاملة لا يخرج منها شيء من الأشياء لا ذهناً ولا عيناً كمفهوم الشيء والموجود والمخبر عنه ، وهذه معان اعتباريّة يعتبرها العقل لكلّ شيء ؛ إذا تقرّر هذا فاعلم : أنَّ جماعة من المتكلّمين ذهبوا إلى مجرّد التعطيل ، و منعوا من إطلاق الشيء والموجود وأشباههما عليه ، محتجّين بأنّه لو كان شيئاً شارك الأشياء في مفهوم الشيئيّة وكذا الموجود وغيره . وذهب إلى مثل هذا بض معاصرينا فحكم بعدم اشتراك مفهوم من المفهومات بين الواجب والممكن ، وبأنّه لا يمكن تعقّل ذاته وصفاته تعالى بوجه من الوجوه ، وبكذب جميع الأحكام الايجابيّة عليه تعالى . و يردّ قولهم الأخبار السالفة ، وبناء غلطهم على عدم الفرق بين مفهوم الأمر وما صدق عليه ، وبين الحمل الذاتيّ والحمل العرضيّ ، وبين المفهومات الاعتباريّة والحقائق الموجودة .
فأجاب عليهالسلام بأنَّ ذاته تعالى وإن لم يكن معقولاً لغيره ولا محدوداً بحدّ إلّا أنّه ممّا يصدق عليه مفهوم شيء ، لكن كلّ ما يتصوّر من الأشياء فهو بخلافه لأنَّ كلّ ما يقع في الأوهام والعقول فصورها ، الإدراكيّة كيفيّات نفسانيّة ، وأعراض قائمة بالذهن ، و معانيها مهيّات كلّيّة قابلة للاشتراك والانقسام فهو بخلاف الأشياء . (١)
( باب ١٠ )
* ( أدنى ما يجزى من المعرفة في التوحيد ، وانه لا يعرف الله الا به ) *
١ ـ يد ، ن : ماجيلويه ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن مختار بن محمّد بن مختار الهمدانيّ ، عن الفتح بن يزيد الجرجانيّ ، عن أبي الحسن عليهالسلام قال : سألته عن أدنى المعرفة فقال : الإقرار بأنّه لا إله غيره ، ولا شبه له ولا نظير له ، وأنّه قديم مثبت ، موجود غير فقيد ، وأنّه ليس كمثله شيء .
________________________
(١) اعلم أن هذا الخبر وما يساوقه في البيان من اخبار التوحيد من غرر الاخبار الواردة عن معادن العلم والحكمة ـ عليهم السلام ـ . وما ذكره المصنف في هذا البيان وما يشابهه من البيانات متألفة من مقدمات كلامية أو فلسفية عامية غير وافية لايضاح تمام المراد منها وإن لم تكن أجنبية عنها بالكلية ، ولبيان لب المراد منها مقام آخر . ط
بيان : قوله عليهالسلام : موجود إمّا من الوجود أو من الوجدان أي معلوم . وكذا قوله : غير فقيد أي غير مفقود زائل الوجود ، أو لا يفقده الطالب . وقيل : أي غير مطلوب عند الغيبة حيث لا غيبة له .
٢ ـ يد ، ن : الدقّاق ، عن محمّد الأسديّ ، عن البرمكيّ ، عن الحسين بن الحسن ، عن بكر بن زياد ، عن عبد العزيز بن المهتديّ قال : سألت الرضا عليهالسلام عن التوحيد ، فقال : كلّ من قرأ قل هو الله أحد وآمن بها فقد عرف التوحيد . قلت : كيف يقرأها ؟ قال : كما يقرأها الناس . وزاد فيه : كذلك الله ربّي ، كذلك الله ربّي ، كذلك الله ربّي .
٣ ـ يد : الدقّاق والورّاق معاً ، عن الصوفيّ ، عن الرويانيّ ، عن عبد العظيم الحسنيّ قال : دخلت على سيّدي عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهمالسلام فلمّا بصر بي قال لي : مرحباً بك يا أبا القاسم أنت وليّنا حقّاً . قال : فقلت له : يا ابن رسول الله إنّي اُريد أن أعرض عليك ديني ، فإن كان مرضيّاً ثبتت عليه حتّى ألقى الله عزَّ وجلَّ . فقال : هاتها أبا القاسم .
فقلت : إنّي أقول : إنَّ الله تبارك وتعالى واحد ليس كمثله شيء ، خارج من الحدّين : حدّ الإبطال وحدّ التشبيه ، وأنَّه ليس بجسم ولا صورة ولا عرض ولا جوهر ، بل هو مجسِّم الأجسام ، ومصوِّر الصور ، وخالق الأعراض والجواهر ، وربُّ كلِّ شيء ومالكه وجاعله ومحدثه ، وإنَّ محمّداً عبده ورسوله خاتم النبيّين فلا نبيَّ بعده إلى يوم القيامة ، وأقول : إنَّ الإمام والخليفة ووليَّ الأمر بعده أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب ، ثمَّ الحسن ، ثمَّ الحسين ، ثمَّ عليُّ بن الحسين ، ثمَّ محمّد بن عليّ ، ثمَّ جعفر بن محمّد ، ثمَّ موسى ابن جعفر ، ثمَّ عليّ بن موسى ، ثمَّ محمّد بن عليّ ثمَّ أنت يا مولاي .
فقال عليهالسلام : ومن بعدي الحسن ابني ، فكيف للناس بالخلف من بعده ؟ قال : فقلت : وكيف ذلك يا مولاي ؟ قال : لأنَّه لا يرى شخصه ولا يحلُّ ذكره باسمه حتّى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً .
قال : فقلت : أقررتُ
وأقول : إنَّ وليَّهم وليُّ الله ، وعدوَّهم عدوُّ الله ، وطاعتهم طاعة الله ، ومعصيتهم معصية الله ، وأقول : إنَّ المعراج حقٌّ ، والمسائلة في
القبر حقٌّ ، وإنَّ
الجنَّة حقٌّ ، والنار حقٌّ ، والصراط حقٌّ ، والميزان الحقٌّ ، وإنَّ الساعة آتية لا ريب فيها وإنَّ الله يبعث من في القبور ؛ وأقول : إنَّ الفرائض الواجبة بعد الولاية الصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحجّ ، والجهاد ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر .
فقال عليُّ بن محمّد عليهالسلام : يا أبا القاسم هذا والله دين الله الّذي ارتضاه لعباده ، فاثبت عليه ثبّتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة .
٤ ـ يد : ماجيلويه ، عن عمِّه ، عن محمّد بن عليِّ القرشيّ ، عن محمّد بن سنان ، عن محمّد بن يعلي الكوفيّ ، عن جويبر ، عن الضحّاك ، عن ابن عبّاس قال : جاء أعرابيٌّ إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله فقال : يا رسول الله علّمني من غرائب العلم . قال : ما صنعت في رأس العلم حتّى تسأل عن غرائبه ؟ قال : الرجل : ما رأس العلم يا رسول الله ؟ قال : معرفة الله حقّ معرفته . قال الأعرابيّ : وما معرفة الله حقّ معرفته ؟ قال : تعرفه بلا مثل ولا شبه ولا ندّ ، وأنَّه واحدٌ أحدٌ ظاهرٌ باطنٌ أوَّلٌ آخرٌ ، لا كفو له ولا نظير ، فذلك حقُّ معرفته .
بيان : الندُّ بالكسر : المثل .
٥ ـ يد : أبي وابن الوليد معاً ، عن محمّد العطّار ، وأحمد بن إدريس معاً ، عن الأشعريّ ، عن بعض أصحابنا ، عن محمّد بن عليّ الطاحن ، عن طاهر بن حاتم بن ماهويه قال : كتبت إلى الطيّب ـ يعني أبا الحسن عليهالسلام ـ ما الّذي لا يجتزى في معرفة الخالق جلّ جلاله بدونه ؟ فكتب عليهالسلام :
ليس كمثله شيء ، لم يزل سميعاً وعليماً وبصيراً ، وهو الفعّال لما يريد . (١)
________________________
(١) رواه الكليني في الكافي في باب أدنى المعرفة عن علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن طاهر بن حاتم في حال استقامته . اقول : قوله : في حال استقامته إشارة إلى تغير حاله ، لانه كان مستقيما ثم تغير وأظهر القول بالغلو ، نص على ذلك الشيخ في الفهرست حيث قال : طاهر بن حاتم بن ماهويه كان مستقيماً ثم تغير وأظهر القول بالغلو ، وله روايات ، أخبرنا برواياته حال استقامته جماعة عن محمد بن علي بن الحسين ، عن أبيه ، ومحمد بن الحسن ، عن عبد الله بن جعفر الحميري ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن طاهر بن حاتم في حال استقامته . انتهى . وقال النجاشي : طاهر بن حاتم بن ماهويه القزويني أخو فارس بن حاتم كان صحيحاً ثم خلط عليه الخ .
بيان : المشهور أنَّ الكاف زائدة ، وقيل : أي ليس مثل مثله شيء فيدلّ على نفي مثله بالكناية الّتي هي أبلغ ، لأنّه مع وجود المثل يكون هو مثل مثله ، أو المعنى ، أنّه ليس ما يشبه أن يكون مثلاً له فكيف مثله حقيقة .
٦ ـ يد : الدقّاق ، عن الكلينيّ ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان بن يحيى ، عن منصور بن حازم قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام إنّي ناظرت قوماً فقلت لهم : إنَّ الله أكرم وأجلُّ من أن يعرف بخلقه ، بل العباد يعرفون بالله (١) . فقال : رحمك الله .
٧ ـ يد : أبي ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن محمّد بن حمران ، عن الفضل بن السكن ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قال أمير المؤمنين عليهالسلام : اعرفوا الله بالله ، والرسول بالرسالة ، واُولي الأمر بالمعروف والعدل والإحسان . (٢)
٨ ـ يد : ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن البرقيّ ، عن بعض أصحابنا ، عن عليّ بن عقبة رفعه قال : سئل أمير المؤمنين عليهالسلام بمَ عرفت ربَّك ؟ فقال : بما عرّفني نفسه . قيل :
________________________
(١) على صيغة المعلوم أي العباد يعرفون الله بالله ، أي يعرفون الله بتوفيقه وهدايته ، أو بما وصف نفسه وعرفهم من الصفات اللائقة بجماله وجلاله ، أو يكون الاشارة إلى البرهان المسمى ببرهان الصديقين الذي هو أشرف البراهين وأسدها ، وهو الاستدلال به تعالى عليه ، والاستشهاد بذاته تعالى على صفاته ، وبصفاته على أفعاله « أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ » . ولعله إليه أشار الامام زين العابدين عليهالسلام بقوله : بك عرفته وأنت دللتني عليك ، ودعوتني إليك ، ولولا أنت لم أدر ما أنت . وبقوله : يا غفار بنورك اهتدينا . وتأتي هذه الاحتمالات في قوله : اعرفوا الله بالله . أو على صيغة المجهول ويكون المراد ـ على ما قيل ـ أنه تعالى لا يعرف حق المعرفة إلى خلقه والاستدلال بهم عليه ، بل الخلق يعرفون بنور ربهم ، كما تعرف الذرات بنور الشمس دون العكس ، وليس نور الله في آفاق النفوس بأقل من نور الشمس في آفاق السماء ، قال عز من قائل : « وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا » فضوؤه فاقطع لرين أرباب الضمائر ، ونوره ساطع في أبصار أصحاب البصائر .
(٢) رواه الكليني في الكافي ـ في باب أنه لا يعرف إلا به ـ عن علي بن محمد ، عمن ذكره ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن حمران ، عن الفضل بن السكن ، عن أبي عبد الله عليه السلام . وقال في ذيله : يعني ان الله خلق الاشخاص والانوار والجواهر والاعيان . إلى آخر ما يأتي ذيل الخبر الاتي من الصدوق ، وظاهره أن المعنى من الكليني لا من الامام عليه السلام .
وكيف عرَّفك نفسه ؟ فقال : لا تشبهه صورة ، (١) ولا يحسّ بالحواسّ ، ولا يقاس بالناس ، قريبٌ في بُعده ، بعيدٌ في قربه ، فوق كلّ شيء ولا يقال شيء فوقه ، أمام كلّ شيء ولا يقال له ، أمام ، داخل في الأشياء لا كشيء في شيء داخل ، وخارج من الأشياء لا كشيء من شيء خارج ، سبحان من هو هكذا ولا هكذا غيره ، ولكلّ شيء مبدأ . (٢)
سن : بعض أصحابنا ، عن صالح بن عقبة ، عن قيس بن سمعان ، عن أبي ربيحة ـ مولى رسول الله صلىاللهعليهوآله ـ (٣) رفعه قال : سئل أمير المؤمنين عليهالسلام وذكر مثله .
بيان : قريب من حيث إحاطة علمه وقدرته بالكلّ . في بعده أي مع بعده عن الكلّ من حيث المبائنة في الذات والصفات فظهر أنَّ قربه ليس بالمكان ، بعيد عن إحاطة العقول والأوهام والأفهام به مع قربه حفظاً وتربيةً ولطفاً ورحمةً ، وقد مرَّ أنَّه يحتمل أن يكون إشارة إلى أنَّ جهة قربه أي بالعلّيّة واحتياج الكلّ إليه هي جهة بعده عن مشابهة مخلوقاته إذ الخالق لا يشابه المخلوق ، وكذا العكس . فوق كلّ شيء أي بالقدرة والقهر والغلبة ، و بالكمال والاتّصاف بالصفات الحسنة ، ولا يقال : شيء فوقه في الأمرين ، وفيه إشعار بأنَّه ليس المراد به الفوقيّة بحسب المكان وإلّا لأمكن أن يكون شيء فوقه . أمام كلّ شيء أي علّة كلّ شيء ومقدَّمٌ عليها ، ويحتاج إليه كلّ موجود ، ويتضرّع إليه ويعبده كلّ مكلّف ، أو كلّ شيء متوجّه نحوه في الاستكمال ، والتشبّه به في صفاته الكماليّة ؛ و
________________________
(١) وفي نسخة : لا يشبه صورة .
(٢) وفي نسخة : ولكل شيء مبتدء .
(٣) هكذا في البحار والمحاسن المطبوعين . والصحيح ـ كما في الكافي ـ : علي بن عقبة بن قيس بن سمعان بن أبي ربيحة مولى رسول الله صلى الله عليه وآله . فالسند مصحف بتبديل « ابن » « بعن » في موضعين وتبديل « على » « بصالح » . وضبط عقبة بضم العين المهملة ، وسكون القاف ، وفتح الباء ثم الهاء . واختلف في ضبط ربيحة . قال الفاضل المامقاني في رجاله : ربيحة بالراء المهملة المضمومة ، والباء الموحدة المفتوحة ، والمثناة الساكنة ، والحاء المهملة المفتوحة ، والهاء . وفي بعض النسخ : زنحة بالزاي والنون والحاء المهملة ، وعن بعض كتب الرجال : بريحة بالباء الموحدة ثم الراء المهملة ، وقيل : إن نسخ الكافي في كتاب التوحيد : أبو بريحة بالباء الموحدة المضمومة ، والراء المفتوحة و الياء المثناة من تحت بعدها حاء مهملة ، وكذا ضبطه في الايضاح وقال : كذا وجدناها معربة في كتاب البرقي . انتهى .
الكلام في قوله : ولا يقال له : أمام كما مرَّ . داخل في الأشياء أي لا يخلو شيء من الأشياء ولا جزءٌ من الأجزاء عن تصرّفه وحضوره العلميّ وإفاضة فيضه وجوده عليه ، لا كدخول الجزء في الكلّ ، ولا كدخول العارض في المعروض ، ولا كدخول المتمكّن في المكان . خارج من الأشياء بتعالي ذاته عن ملابستها ومقارنتها والاتّصاف بصفتها والايتلاف منها ، لا كخروج شيء من شيء بالبعد المكانيّ أو المحلّيّ . وقوله : ولكلّ شيء مبدء أي علّة في ذواتها وصفاتها كالتعليل لما سبق .
٩ ـ يد : محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الفارسيّ ، عن أحمد بن محمّد بن سعيد النسويّ ، عن أحمد بن محمّد بن عبد الله الصغديّ ـ بمرو ـ (١) عن محمّد بن يعقوب بن الحكم العسكريّ ، و أخيه معاذ بن يعقوب ، عن محمّد بن سنان الحنظليّ ، عن عبد الله بن عاصم ، عن عبد الرحمن ابن قيس ، عن ابن هاشم الرمّانيّ ، عن زاذان ، (٢) عن سلمان الفارسيّ رضي الله عنه في حديث طويل يذكر فيه قدوم الجاثليق المدينة مع مائة من النصارى ، وما سأل عنه أبا بكر فلم يجبه ، ثمَّ اُرشد إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبيطالب عليهالسلام فسأله عن مسائل فأجابه عنها ، وكان فيما سأله أن قال له : أخبرني عرفت الله بمحمّد ، أم عرفت محمّداً بالله ؟
فقال عليُّ بن أبي طالب عليهالسلام : ما عرفت الله عزَّ وجلَّ بمحمّد ـ صلىاللهعليهوآله ـ ولكن عرفت محمّداً بالله عزَّ وجلَّ ، حين خلقه وأحدث فيه الحدود من طول وعرض فعرفت أنَّه مدبِّر مصنوعٌ بالاستدلال وإلهام منه وإرادة ، كما ألهم الملائكة طاعته وعرّفهم نفسه بلا شبه ولا كيف . والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة .
وحدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقّاق رحمه الله قال : سمعت محمّد بن يعقوب يقول : معنى قوله : اعرفوا الله بالله يعني أنَّ الله عزَّ وجلَّ خلق الأشخاص والألوان و الجواهر والأعيان ، فالأعيان : الأبدان ، والجواهر : الأرواح ، وهو جلَّ وعزَّ لا يشبه
________________________
(١) قال الفيروزآبادي : صغد بالضم : موضع بسمرقند ، موضع ببخارا .
(٢) بالزاي المعجمة والالف والذال المعجمة والالف والنون ، عده الشيخ من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام وقال : يكنى أبا عمرة الفارسي . وعدّه العلامة في خاتمة القسم الاول من الخلاصة من خواص أمير المؤمنين عليه السلام من مضر ، ولكن كناه بأبي عمرو الفارسي .
جسماً ولا روحاً ، وليس لأحد في خلق الروح الحسّاس الدرّاك أثرٌ ولا سببٌ ، هو المتفرِّد بخلق الأرواح والأجسام ، فمن نفى عنه الشبهين : شبه الأبدان وشبه الأرواح فقد عرف الله بالله ، ومن شبّهه بالروح أو البدن أو النور فلم يعرف الله بالله .
أقول : قال الصدوق رحمه الله في كتاب التوحيد : القول الصواب في هذا الباب هو أن يقال : عرفنا الله بالله ، (١) لأنَّا إن عرفناه بعقولنا فهو عزَّ وجلَّ واهبها ، وإن عرفناه عزَّ وجلَّ بأنبيائه ورسله وحججه عليهمالسلام فهو عزَّ وجلَّ باعثهم ومرسلهم ومتَّخذهم حججاً ، وإن عرفناه بأنفسنا فهو عزَّ وجلَّ محدثنا فبه عرفناه ؛ وقد قال الصادق عليهالسلام : لولا الله ما عرفناه ، ولولا نحن ما عرف الله . ومعناه : لولا الحجج ما عرف الله حقَّ معرفته ، و لولا الله ما عرف الحجج . وقد سمعت بعض أهل الكلام يقول : لو أنَّ رجلاً ولد في فلاة من الأرض ولم ير أحداً يهديه ويرشده حتّى كبر وعقل ونظر إلى السماء والأرض لدلّه ذلك على أنَّ لهما صانعاً ومحدثاً . فقلت : إنَّ هذا شيء لم يكن ، وهو إخبار بما لم يكن ان لو كان كيف كان يكون ، ولو كان ذلك لكان لا يكون ذلك الرجل إلّا حجّة الله ـ تعالى ذكره ـ على نفسه كما في الأنبياء عليهمالسلام ، منهم من بُعث إلى نفسه ، ومنهم من بُعث إلى أهله وولده ، ومنهم من بعث إلى أهل محلّته ، ومنهم من بعث إلى أهل بلده ، ومنهم من بعث إلى الناس كافَّةً .
وأمّا استدلال إبراهيم الخليل عليهالسلام بنظره إلى الزهرة ، ثمَّ إلى القمر ، ثمَّ إلى الشمس ، وقوله ـ فلمّا أفلت ـ : يا قوم إنّي بريء ممّا تشركون فإنَّه عليهالسلام كان نبيّاً ملهماً مبعوثاً مرسلاً ، وكان جميع قوله إلى آخره بإلهام الله عزَّ وجلَّ إيّاه ، وذلك قوله عزَّ وجلَّ : « وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ » وليس كلّ أحد كإبراهيم عليهالسلام ؛ ولو استغني في معرفة التوحيد بالنظر عن تعليم الله عزَّ وجلَّ وتعريفه لما أنزل الله عزَّ وجلَّ ما أنزل من قوله : فاعلم أنَّه لا إله إلّا الله ، ومن قوله : قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ إلى آخره ؛ ومن قوله : بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ ، إلى قوله : وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ، وآخر الحشر وغيرها من آيات التوحيد .
________________________
(١) سيجيىء حق معنى معرفة الله بالله في رواية عبد الاعلى على نحو الاشارة ، وأما ما ذكره رحمه الله زعماً منه أن المعرفة مستندة إلى الله وليست بمكتسبة فبمعزل عن مراد الرواية . ط
تبيين وتحقيق : اعلم أنَّ هذه الأخبار لا سيّما خبر ابن السكن تحتمل وجوهاً : الأوَّل : أن يكون المراد بالمعرّف به ما يعرف الشيء به بأنّه هو هو فمعنى اعرفوا الله بالله : اعرفوه بأنّه هو الله مسلوباً عنه جميع ما يعرف به الخلق من الجواهر والأعراض ومشابهته شيء منها ، وهذا هو الّذي ذكره الكلينيّ رحمه الله ، وعلى هذا فمعنى قوله : والرسول بالرسالة : معرفة الرسول بأنّه اُرسل بهذه الشريعة وهذه الأحكام ، وهذا الدين ، وهذا الكتاب ، ومعرفة كلّ من اُولي الأمر بأنّه الآمر بالمعروف ، والعالم العامل به ، و بالعدل أي لزوم الطريقة الوسطى في كلّ شيء ، والإحسان أي الشفقة على خلق الله و التفضُّل عليهم ودفع الظلم عنهم . أو المعنى : اعرفوا الله بالله أي بما يناسب اُلوهيّته من التنزيه والتقديس ، والرسول بما يناسب رسالته من العصمة والفضل والكمال ، واُولي الأمر بما يناسب درجتهم العالية الّتي هي الرئاسة العامّة للدنيا والدين ، وبما يحكم العقل به من اتّصاف صاحب تلك الدرجة القصوى به من العلم والعصمة والفضل والمزيّة على من سواه ؛ ويحتمل أن يكون الغرض عدم الخوض في معرفته تعالى ورسوله وحججه بالعقول الناقصة فينتهي إلى نسبة ما لا يليق به تعالى إليه ، وإلى الغلوّ في أمر الرسول و الأئمّة صلوات الله عليهم .
وعلى هذا يحتمل وجهين : الأوَّل أن يكون المراد : اعرفوا الله بعقولكم بمحض أنَّه خالقٌ إله ، والرسول بأنّه رسول أرسله الله إلى الخلق ، واُولي الأمر بأنّه المحتاج إليه لإقامة المعروف والعدل والإحسان ، ثمَّ عوِّلوا في صفاته تعالى وصفات حججه عليهمالسلام على ما بيَّنوا ووصفوا لكم من ذلك ولا تخوضوا فيها بعقولكم والثاني أن يكون المعنى : اعرفوا الله بما وصف لكم في كتابه وعلى لسان نبيّه ، والرسول بما أوضح لكم من وصفه في رسالته إليكم ، والإمام بما بيّن لكم من المعروف والعدل والإحسان كيف اتّصف بتلك الأوصاف والأخلاق الحسنة . ويحتمل الأخيرين وجهاً ثالثاً ، وهو أن يكون المراد لا تعرفوا الرسول بما يخرج به عن الرسالة إلى درجة الاُلوهيّة ، وكذا الإمام .
الثاني :
أن يكون المراد بما يعرف به ما يعرف باستعانته من قوى النفس العاقلة و المدركة وما يكون
بمنزلتها ويقوم مقامها ، فمعنى اعرفوا الله بالله : اعرفوه بنور الله المشرق
على القلوب بالتوسّل إليه والتقرّب به ، فإنَّ العقول لا تهتدي إليه إلّا بأنوار فيضه تعالى واعرفوا الرسول بتكميله إيّاكم برسالته ، وبمتابعته فيما يؤدّي إليكم من طاعة ربّكم فإنَّها توجب الروابط المعنويّة بينكم وبينه ، وعلى قدر ذلك يتيسّر لكم من معرفته ، وكذا معرفة اُولي الأمر إنّما تحصل بمتابعتهم في المعروف والعدل والإحسان و باستكمال العقل بها .
الثالث : أن يكون المراد ما يعرف بها من الأدلّة والحجج ، فمعنى اعرفوا الله بالله أنّه إنّما تتأتّى معرفته لكم بالتفكّر فيما أظهر لكم من آثار صنعه وقدرته وحكمته بتوفيقه وهدايته ، لا بما اُرسل به الرسول من الآيات والمعجزات فإنَّ معرفتها إنّما تحصل بعد معرفته تعالى ، واعرفوا الرسول بالرسالة أي بما اُرسل به من المعجزات والدلائل أو بالشريعة المستقيمة الّتي بعث بها ، فإنّها لانطباقها على قانون العدل والحكمة يحكم العقل بحقّيّة من اُرسل بها ، واعرفوا اُولي الأمر بعلمهم بالمعروف ، وإقامة العدل و الإحسان ، وإتيانهم بها على وجهها ، وهذا أقرب الوجوه ؛ ويؤيّده خبر سلمان وكذا خبر ابن حازم ، إذ الظاهر أنّ المراد به أنّ وجوده تعالى أظهر الأشياء ، وبه ظهر كلُّ شيء ، وقد أظهر الآيات للخلق على وجوده وعلمه وقدرته ، وأظهر المعجزات حتّى علم بذلك حقّيّة حججه عليهمالسلام ، فالعباد معروفون به ، ولا يحتاج في معرفة وجوده إلى بيان أحد من خلقه . ويمكن أن يقرأ « يعرفون » على بناء المعلوم أيضاً .
وأمّا ما ذكره الصدوق رحمه الله فيرجع إلى أنَّ المعنى أنَّ جميع ما يعرف الله به ينتهي إليه سبحانه . ويرد عليه أنّه على هذا تكون معرفة الرسول واُولي الأمر أيضاً بالله فما الفرق بينهما وبين معرفة الله في ذلك ؟ وأيضاً لا يلائمه قوله : اعرفوا الله بالله ، إلّا أن يقال : الفرق باعتبار أصناف المعرفة ، فالمعرفة بالرسالة صنف من المعرفة بالله ، والمعرفة بالمعروف صنف آخر منها ، ومعرفة الله فيها أصناف لا اختصاص لها بصنف ، والمراد باعرفوا الله بالله : حصّلوا معرفة الله الّتي تحصل بالله ؛ هكذا حقّقه بعض الأفاضل . ثمَّ إنّ في كلامه تشويشاً وتناقضاً ، ولعلّ مراده أخيراً نفي معرفة صفاته الكماليّة حقّ معرفتها بدون إرسال الرسل ونصب الحجج إلّا أنَّ التصديق بوجوده تعالى يتوقّف على ذلك وإن كان بعض كلماته يدلّ عليه .
( باب ١١ )
* ( الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق ) *
الايات ، البقرة : صِبْغَةَ اللَّـهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّـهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ١٣٨
الروم : فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّـهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ٣٠
١ ـ مع : أبي ، عن عليّ ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن اُذينة ، عن زرارة قال : سألت أبا جعفر عليهالسلام عن قول الله عزَّ وجلَّ : « حُنَفَاءَ لِلَّـهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ » فقلت : ما الحنيفيّة ؟ قال : هي الفطرة . (١)
بيان : أي الملّة الحنيفيّة هي التوحيد الّذي فطر الله الخلق عليه ، ويؤمي إليه قوله تعالى : « فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّـهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ » واختلف في معنى ذلك الفطرة فقيل : المعنى أنّه خلقهم على نوع من الجبلّة والطبع المتهيّأ لقبول الدين ، فلو ترك عليها لاستمرّ على لزومها ، ولم يفارقها إلى غيرها ، وإنّما يعدل عنه من يعدل لآفة من الآفات ، وتقليد الآباء والاُمّهات . وقيل : كلّهم مفطورون على معرفة الله والإقرار به فلا تجد أحداً إلّا وهو يقرُّ بأنَّ الله تعالى صانعٌ له ، وإن سمّاه بغير اسمه أو عبد معه غيره . وقيل : المعنى أنَّه خلقهم لها لأنّه خلق كلّ الخلق لأن يوحّدوه ويعبدوه . قال الجزريّ : فيه : خلقت عبادي حنفاء أي طاهري الأعضاء من المعاصي لا أنّه خلقهم كلّهم مسلمين ، لقوله تعالى : « هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ » .
وقيل : أراد أنّه خلقهم حنفاء مؤمنين لمّا أخذ عليهم الميثاق : « أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ » فلا يوجد أحد إلّا وهو مقرٌّ بأنَّ له ربّاً وإن أشرك به ؛ والحنفاء جمع
________________________
(١) الظاهر أنه متحد مع الحديث الاتي تحت الرقم ١١ و ١٢ .
حنيف ، وهو المائل إلى الإسلام الثابت عليه ، والحنيف عند العرب من كان على دين إبراهيم ؛ وأصل الحنف : الميل . انتهى .
أقول : الّذي يظهر من الأخبار هو أنّ الله تعالى قرَّر عقول الخلق على التوحيد والإقرار بالصانع في بدء الخلق عند الميثاق ، فقلوب جميع الخلق مذعنةٌ بذلك وإن جحدوه معاندةً . وسيأتي تمام الكلام في ذلك في كتاب العدل إن شاء الله تعالى .
٢ ـ فس : الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن محمّد بن جمهور ، عن جعفر بن بشير ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليهالسلام في قوله : فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا قال : الولاية .
٣ ـ فس : الحسن بن عليّ بن زكريّا ، عن الهيثم بن عبد الله الرمّانيّ ، عن عليّ ابن موسى الرضا صلوات الله عليه ، عن أبيه ، عن جدّه محمّد بن عليّ بن الحسين عليهمالسلام في قوله : « فِطْرَتَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا » قال : هو لا إله إلّا الله ، محمّدٌ رسول الله ـ صلىاللهعليهوآله ـ عليٌّ أمير المؤمنين ـ عليهالسلام ـ إلى ههنا التوحيد .
٤ ـ يد : أبي ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن محمّد بن سنان ، عن علاء بن الفضيل ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سألته عن قول الله عزَّ وجلَّ : « فِطْرَتَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا » قال : التوحيد .
٥ ـ يد : ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن ابن هاشم ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قلت : « فِطْرَتَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا » قال : التوحيد .
٦ ـ يد : بالإسناد عن ابن هاشم ، وابن يزيد معاً ، عن ابن فضّال ، عن ابن بكير (١) عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليهالسلام في قول الله عزَّ وجلَّ : « فِطْرَتَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا » قال : فطرهم على التوحيد . (٢)
يد : أبي ، عن عليّ ، عن أبيه ، عن ابن فضّال ، عن أبي جميلة ، عن محمّد الحلبيّ ، عن أبي عبد الله عليهالسلام مثله .
________________________
(١) في التوحيد المطبوع : بكير عن زرارة ، والظاهر أنه غير صحيح .
(٢) الظاهر اتحاده مع ما يأتي تحت رقم ٨ و ١٠ و ١٣ .
سن : ابن فضّال ، عن ابن بكير ، عن زرارة مثله .
٧ ـ يد : ابن المتوكّل ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن اليقطينيّ ، عن يونس ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سألته عن قول الله عزَّ وجلَّ : « فِطْرَتَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا » ما تلك الفطرة ؟ قال : هي الإسلام فطرهم الله حين أخذ ميثاقهم على التوحيد ، فقال : ألست بربّكم وفيهم المؤمن والكافر .
٨ ـ يد : أبي ، عن سعد ، عن أحمد وعبد الله ابني محمّد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن زرارة قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن قول الله عزَّ وجلَّ : « فِطْرَتَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا » قال : فطرهم جميعاً على التوحيد .
٩ ـ يد : ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن عليّ بن حسّان ، (١) عن الحسن بن يونس ، (٢) عن عبد الرحمن بن كثير ، (٣) عن أبي عبد الله عليهالسلام في قول الله عزَّ وجلَّ : « فِطْرَتَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا » قال : التوحيد ، ومحمّد رسول الله ، وعليٌّ أمير المؤمنين .
ير : أحمد بن موسى ، عن الخشّاب ، عن عليّ بن حسّان ، عن عبد الرحمن بن كثير مثله .
١٠ ـ يد : أبي ، عن سعد ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن ابن المغيرة ، عن ابن مسكان ، عن زرارة قال : قلت : لأبي جعفر عليهالسلام : أصلحك الله قول الله عزَّ وجلَّ في كتابه « فِطْرَتَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا » قال : فطرهم على التوحيد عند الميثاق على معرفته أنّه ربّهم . قلت : وخاطبوه ؟ قال : فطأطأ رأسه ثمَّ قال : لولا ذلك لم يعلموا من ربّهم ولا من رازقهم .
________________________
(١) هو علي بن حسان الواسطي كما في التوحيد المطبوع ، وسيأتي الحديث عنه عن عبد الرحمن بن كثير تحت رقم ١٩ . وستأتي ترجمته ههنا .
(٢) عده الشيخ في رجاله من اصحاب الصادق عليه السلام وظاهره كونه إمامياً .
(٣) مولى عباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ، كان ضعيفاً ، غمز أصحابنا عليه ، وقالوا : كان يضع الحديث ، له كتاب فضائل سورة إنا أنزلناه ، وكتاب صلح الحسن عليه السلام . وكتاب فدك ، وكتاب الاظلة كتاب فاسد مختلط . قاله النجاشي . واستظهر الوحيد البهبهاني وثاقته من رواية الثقاة كتبه وايراد المشايخ رواياته في كتب الاخبار واعتناؤهم بها فتأمل .
١١ ـ يد : أبي ، عن سعد ، عن ابن هاشم ، وابن أبي الخطّاب ، وابن يزيد جميعاً عن ابن أبي عمير ، عن ابن اُذينة ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : سألته عن قول الله عزَّ وجلَّ : « حُنَفَاءَ لِلَّـهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ » وعن الحنيفيّة ، فقال : هي الفطرة الّتي فطر الناس عليها ، لا تبديل لخلق الله ، قال : فطرهم الله على المعرفة .
قال زرارة : وسألته عن قول الله : « وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ » الآية قال : أخرج من ظهر آدم ذرّيّته إلى يوم القيامة فخرجوا كالذرِّ فعرَّفهم وأراهم صنعه و لولا ذلك لم يعرف أحدٌ ربّه . وقال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : كلّ مولود يولد على الفطرة ، يعني على المعرفة بأنّ الله عزَّ وجلَّ خالقه ، فذلك قوله : « وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّـهُ » .
١٢ ـ سن : أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن اُذينة ، عن زرارة قال : سألت أبا جعفر عليهالسلام من قول الله : « حُنَفَاءَ لِلَّـهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ » ما الحنيفيّة ؟ قال : هي الفطرة الّتي فطر الناس عليها ، فطر الله الخلق على معرفته . (١)
١٣ ـ سن : أبي ، عن عليّ بن النعمان ، عن ابن مسكان ، عن زرارة قال : سألت أبا جعفر عليهالسلام عن قول الله عزَّ وجلَّ : « فِطْرَتَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا » قال : فطرهم على معرفته أنّه ربّهم ، ولولا ذلك لم يعلموا ـ إذا سئلوا ـ من ربّهم ولا من رازقهم . (٢)
١٤ ـ سن : المحسّن بن أحمد ، (٣) عن أبان الأحمر ، (٤) عن أبي جعفر الأحول ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : عروة الله الوثقى : التوحيد ، والصبغة : الإسلام .
________________________
(١) الظاهر اتحاده مع صدر الحديث المتقدم .
(٢) الظاهر اتحاد ذلك مع ما تقدم تحت رقم ٦ و ٨ و ١٠ .
(٣) محسن بفتح السين المشددة كما في المحكي من الايضاح ، وبكسرها كما في المحكي عن تاج العروس هو محسن بن أحمد البجلي يكنى أبا محمد ؛ أورده الشيخ في رجاله في أصحاب الرضا عليه السلام ، و قال النجاشي : محسن بن أحمد القيسي من موالي قيس عيلان ، روى عن الرضا عليه السلام ، أخبرنا محمد بن محمد قال : حدثنا أحمد بن محمد الزراري ، عن علي بن الحسن السعدآبادى ، عن أحمد بن محمد ابن خالد ، عن محسن بن أحمد بكتابه . انتهى . وظاهرهما كون الرجل إماميا .
(٤) هو أبان بن عثمان الاحمر البجلي أبو عبد الله ، عده الكشي من الذين اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم .
بيان : قال البيضاويّ في قوله تعالى : صِبْغَةَ اللَّـهِ : أي صبغنا الله صبغته وهي فطرة الله الّتي فطر الناس عليها ، فإنّها حلية الإنسان ، كما أنّ الصبغة حلية المصبوغ ، أو هدانا هدايته وأرشدنا حجّته ، أو طهّر قلوبنا بالإيمان تطهيره . وسمّاه صبغةً لأنّه ظهر أثره عليهم ظهور الصبغ على المصبوغ ، وتداخل قلوبهم تداخل الصبغ الثوب ، أو للمشاكلة فإنّ النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمّونه العموديّة ويقولون هو تطهير لهم وبه تحقّق نصرانيّتهم . (١)
١٥ ـ مع : أبي ، عن سعد ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن فضالة ، عن أبان ، عن أبي عبد الله عليهالسلام في قول الله عزَّ وجلَّ : « صِبْغَةَ اللَّـهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّـهِ صِبْغَةً » قال : هي الإسلام .
١٦ ـ سن : ابن فضّال ، عن ابن بكير ، عن زرارة قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن قول الله : « وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ » قال : ثبتت المعرفة في قلوبهم ، ونسو الموقف ، وسيذكرونه يوماً ، ولولا ذلك لم يدر أحدٌ من خالقه ولا من رازقه .
١٧ ـ سن : البزنطيّ ، عن رفاعة ، عن أبي عبد الله عليهالسلام في قول الله : « وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ » قال : نعم لله الحجّة على جميع خلقه أخذهم يوم أخذ الميثاق هكذا ـ وقبض يده ـ .
١٨ ـ شف : من كتاب القاضي القزوينيّ ، عن هارون بن موسى التلعكبريّ عن محمّد بن سهل ، عن الحميريّ ، عن ابن يزيد ، عن عليّ بن حسّان ، (٣) عن عبد الرحمن بن
________________________
(١) قال الشيخ الطوسي في كتابه التبيان ـ بعد ذكر ذلك المعنى من الفراء ـ : وقال قتادة : اليهود تصبغ أبناءها يهودا ، والنصارى تصبغ أبناءها نصارى . فهذا غير المعنى الاول ، وانما معناه أنهم يلقنون أولادهم اليهودية والنصرانية فيصبغونهم بذلك لما يشربون قلوبهم منه ، فقيل : صبغة الله التي أمر بها ورضيها يعني الشريعة لا صبغتكم . وقال الجبائي : سمى الدين صبغة لانه هيئة تظهر بالمشاهدة من أثر الطهارة والصلاة وغير ذلك من الاثار الجميلة التي هي كالصبغة .
(٢) هو علي بن حسان بن كثير الهاشمي مولى عباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ابن أخي عبد الرحمن بن كثير ، قال النجاشي : ضعيف جدا ، ذكره بعض أصحابنا في الغلاة ، فاسد الاعتقاد له كتاب تفسير الباطن تخليط كله . انتهى . وحكى عن ابن الغضائري أنه لا يرو إلا عن عمه . أقول : الظاهر اتحاد الحديث مع ما تقدم في الباب تحت الرقم ١٠ وتقدم ترجمة عبد الرحمن ههنا .