بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٢٦
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

طلبه منه هذا الأمر مقروناً بغاية الأدب ، مع كونه عليه‌السلام من اُولى العزم من الرسل ، و عدم تكليفه أن يعلّمه جميع علمه بل قال : « مما علّمت » ، وتأديب المعلّم للمتعلّم ، وأخذ العهد منه أوّلاً ، وعدم معصية المتعلّم للمعلّم ، وعدم المبادرة إلى إنكار ما يراه من المعلّم ، والصبر على ما لم يحط علمه به من ذلك ، وعدم المبادرة بالسؤال في الاُمور الغامضة ، و عفو العالم عن زلّة المتعلّم في قوله : لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني (١) من أمري عسراً . إلى غير ذلك ممّا لا يخفى على المتدبّر .

١ ـ لى : أبي ، عن سعد ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن محمّد بن زياد الأزديّ ، عن أبان وغيره ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إنّي لأرحم ثلاثةً وحقٌّ لهم أن يرحموا : عزيز أصابته مذلّةٌ بعد العزّ ، وغنيٌّ أصابته حاجةٌ بعد الغنى ، وعالم يستخفّ به أهله و الجهلة .

ل : ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن ابن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عنه عليه‌السلام مثله .

٢ ـ لى : ابن المتوكّل ، عن الحميريّ ، عن أبي الخطّاب ، عن ابن محبوب ، عن معاوية بن وهب ، قال : سمعت أبا عبد الله الصادق عليه‌السلام يقول : اطلبوا العلم وتزيّنوا معه بالحلم والوقار ، وتواضعوا لمن تعلّمونه العلم ، وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم ، ولا تكونوا علماء جبّارين فيذهب باطلكم بحقّكم .

٣ ـ ب : هارون ، عن ابن صدقة ، عن جعفر ، عن آبائه عليه‌السلام أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ارحموا عزيزاً ذلّ ، وغنيّاً افتقر ، وعالماً ضاع في زمان جهّال .

٤ ـ ل : ابن المتوكّل ، عن محمّد العطّار ، عن أحمد بن موسى بن عمر ، عن ابن فضّال ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ثلاثةٌ يشكون إلى الله عزّ وجلّ : مسجد خراب لا يصلّي فيه أهله ، وعالم بين جهّال ، ومصحف معلّق قد وقع عليه غبار لا يقرأ فيه .

٥ ـ ما : جماعة ، عن أبي المفضّل الشيبانيّ ، عن مسعر بن عليّ بن زياد المقريّ ، عن جرير بن أحمد بن مالك الأياديّ ، قال : سمعت العبّاس بن المأمون يقول : قال لي عليّ بن

________________________

(١) أي لا تكلفني .

٤١
 &

موسى الرضا عليه‌السلام : ثلاثةٌ موكّل بها ثلاثةٌ : تحامل الأيّام على ذوي الأدوات الكاملة ، واستيلاء الحرمان على المتقدّم في صنعته ، ومعاداة العوام على أهل المعرفة .

بيان : قال الفيروزآباديّ : تحامل عليه : كلّفه ما لا يطيقه . والأدوات الكاملة كالعقل والعلم والسخاء من الكمالات الّتي هي وسائل السعادات ، أو الأعمّ منها وممّا هو من الكمالات الدنيويّة كالمناصب والأموال ، أي يحمل الأيّام وأهلها عليهم فوق طاقتهم ويلتمسون منهم من ذلك ما لا يطيقون ، ويحتمل أن يكون المراد جور الناس على أهل الحقّ ومغلوبيّتهم .

٦ ـ ضه ، ل ، لى : ـ سيجيىءُ في خبر الحقوق عن عليّ بن الحسين عليهما‌السلام ـ : وحقُّ سائسك (١) بالعلم : التعظيم له ، والتوقير لمجلسه ، وحسن الاستماع إليه ، والإقبال عليه ، وأن لا ترفع عليه صوتك ، ولاتجيب أحداً يسأله عن شيء حتّى يكون هو الّذي يجيب ، ولا تحدّث في مجلسه أحداً ، ولا تغتاب عنده أحداً ، وأن تدفع عنه إذا ذكر عندك بسوء ، و أن تستر عيوبه ، وتظهر مناقبه ، ولا تجالس له عدوًّا ، ولا تعادي له وليّاً ، فإذا فعلت ذلك شهد لك ملائكة الله بأنّك قصدته وتعلّمت علمه لله جلّ اسمه لا للناس .

٧ ـ ل ، مع : ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن ابن هاشم ، عن النوفليّ ، عن السكونيّ عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن عليّ عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : غريبتان فاحتملوهما : كلمة حكمة من سفيه فاقبلوها ، وكلمة سفه من حكيم فاغفروها .

٨ ـ ل : عليّ بن عبد الله الأسواريّ ، عن أحمد بن محمّد بن قيس ، عن أبي يعقوب ، عن عليّ بن خشرم ، عن عيسى ، عن أبي عبيدة ، عن محمّد بن كعب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّما الخوف (٢) على اُمّتي من بعدي ثلاث خصال : أن يتأوّلوا القرآن على غير تأويله ، أو يتّبعوا زلّة العالم ، أو يظهر فيهم المال حتّى يطغوا ويبطروا ، وساُنبّئكم المخرج من ذلك : أمّا القرآن فاعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه ، وأمّا العالم فانتظروا فيئه (٣) ولا تتبّعوا زلّته ، وأمّا المال فإنّ المخرج منه شكر النعمة وأداء حقّه .

________________________

(١) أي مؤدبك .

(٢) وفي نسخة : أتخوّف .

(٣) وفي نسخة : فئته .

٤٢
 &

٩ ـ سن : أبي ، عن سليمان الجعفريّ ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كان عليّ عليه‌السلام يقول : إنّ من حقّ العالم أن لا تكثر عليه السؤال ، ولا تجرّ بثوبه ، وإذا دخلت عليه وعنده قوم فسلّم عليهم جميعاً ، وخصّه بالتحيّة دونهم ، واجلس بين يديه ، ولا تجلس خلفه ، ولا تغمز بعينيك ، ولا تشر بيدك ، ولا تكثر من قول قال فلان وقال فلان خلافاً لقوله ، ولا تضجر بطول صحبته ، فإنّما مثل العالم مثل النخلة ينتظر بها متى يسقط عليك منها شيءٌ ، والعالم أعظم أجراً من الصائم القائم الغازي في سبيل الله ، وإذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمةٌ لا يسدّها شيءٌ إلى يوم القيامة .

بيان : قوله عليه‌السلام : ولا تجرّ بثوبه ، كناية عن الإبرام في السؤال ، والمنع عن قيامه عند تبرّمه .

١٠ ـ سن : أبي ، عن سعدان (١) ، عن عبد الرحيم بن مسلم (٢) ، عن إسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : من قام من مجلسه تعظيماً لرجل ؟ قال : مكروه إلّا لرجل في الدين .

١١ ـ سن : بعض أصحابنا رفعه قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إذا جلست إلى العالم فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول ، وتعلّم حسن الاستماع كما تعلّم حسن القول ، ولا تقطع على حديثه .

١٢ ـ شا : روى حارث الأعور ، قال : سمعت أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : من حقّ العالم أن لا يكثر عليه السؤال ، ولا يعنّت في الجواب (٣) ولا يلحّ عليه إذا كسل ، ولا يؤخذ بثوبه إذا نهض ، ولا يشار إليه بيد في حاجة ، ولا يفشى له سرّ ، ولا يغتاب عنده أحد ، و يعظّم كما حفظ أمر الله ، ويجلس المتعلّم أمامه ، ولا يعرض من طول صحبته ، وإذا جاءه طالب علم وغيره فوجده في جماعة عمّهم بالسلام ، وخصّه بالتحيّة ، وليحفظ شاهداً و غائباً ، وليعرف له حقّه ، فإنّ العالم أعظم أجراً من الصائم القائم المجاهد في سبيل الله ،

________________________

(١) هو سعدان بن مسلم المتقدم ذكره .

(٢) البجلي الجريري ، كوفي عده الشيخ من أصحاب الصادق عليه‌السلام

(٣) أي لا يلزم العالم المتعلم ما يصعب عليه أداؤه ، ويشق على المتعلم تحمله .

٤٣
 &

فإذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمةٌ لا يسدّها إلّا خلف منه ، وطالب العلم يستغفر له كلّ الملائكة ، ويدعو له من في السماء والأرض .

١٣ ـ غو : قال الصادق عليه‌السلام : من أكرم فقيهاً مسلماً لقى الله يوم القيامة وهو عنه راض ، ومن أهان فقيهاً مسلماً لقى الله يوم القيامة وهو عليه غضبان .

١٤ ـ وروي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : من علّم شخصاً (١) مسألةً فقد ملك رقبته . فقيل له : يا رسول الله أيبيعه ؟ فقال : لا ولكن يأمره وينهاه .

١٥ ـ ما : جماعة ، عن أبي المفضّل ، عن محمّد بن محمد بن معقل ، عن محمّد بن الحسن بن بنت إلياس ، عن أبيه ، عن الرضا ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : غريبان : كلمة حكمة من سفيه فاقبلوها ، وكلمة سفه من حكيم فاغفروها ، فإنّه لا حكيم إلّا ذو عثرة ، ولا سفيه إلّا ذو تجربة . (٢)

١٦ ـ الدرة الباهر : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ارحموا عزيز قوم ذلّ ، وغنيّ قوم افتقر ، و عالماً تتلاعب به الجّهال . (٣)

١٧ ـ نهج : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا تجعلنّ ذرب لسانك على من أنطقك ، و بلاغة قولك على من سدّدك .

بيان : الذرابة : حدّة اللّسان ، والذرب محرّكةً : فساد اللّسان ، والغرض رعاية حقّ المعلّم ، وما ذكره ابن أبي الحديد من أنّ المراد بمن أنطقه ومن سدّده هو الله سبحانه فلا يخفى بعده .

١٨ ـ كنز الكراجكي : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا تحقّرنّ عبداً آتاه الله علماً ، فإنّ الله لم يحقّره حين آتاه إيّاه .

١٩ ـ عدة : روى عبد الله بن الحسن بن عليّ ، عن أبيه ، عن جدّه عليهم‌السلام أنّه قال : إنّ من حقّ المعلّم على المتعلّم أن لا يكثر السؤال عليه ، ولايسبقه في الجواب ، ولا يلحّ عليه إذا أعرض ، ولا يأخذ بثوبه إذا كسل ، ولا يشير إليه بيده ، ولا يغمزه بعينه ، ولا

________________________

(١) في نسخة : مسلما .

(٢) تقدم الحديث باسناد آخر تحت الرقم ٧ .

(٣) تقدم مسنداً مع اختلاف تحت الرقم ٣ .

٤٤
 &

يشاور في مجلسه ، ولا يطلب وراءه ، وأن لا يقول : قال فلان خلاف قوله ، ولا يفشي له سرًّا ، ولا يغتاب عنده ، وأن يحفظه شاهداً وغائباً ، ويعمّ القوم بالسلام ، ويخصّه بالتحيّة ، ويجلس بين يديه ، وإن كان له حاجة سبق القوم إلى خدمته ، ولا يملّ من طول صحبته ، فإنّما هو مثل النخلة تنتظر متى تسقط عليك منها منفعة ، والعالم بمنزلة الصائم المجاهد في سبيل الله ، وإذا مات العالم انثلم (١) في الإسلام ثلمةٌ لا تنسدّ إلى يوم القيامة ، وإنّ طالب العلم يشيّعه سبعون ألفاً من مقرّبي السماء .

وقال ابن عبّاس : ذللتُ طالباً فعززت مطلوباً .

٢٠ ـ وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس من أخلاق المؤمن الملق إلّا في طلب العلم .

( باب ١١ )

* ( صفات العلماء وأصنافهم ) *

الايات ، الكهف : فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا ٦٥ .

الحج : وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ٥٤ .

فاطر : إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ٢٨ .

١ ـ ب : هارون ، عن ابن صدقة ، عن الصادق ، عن أبيه عليهما‌السلام أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : نعم وزير الإيمان العلم ، ونعم وزير العلم الحلم . ونعم وزير الحلم الرفق : ونعم وزير الرفق اللّين .

بيان : الحلم والرفق واللّين وإن كانت متقاربةً في المعنى لكن بينها فرق يسير ، فالحلم هو ترك مكافاة من يسيىءُ إليك والسكوت في مقابلة من يسفه عليك ، ووزيره و معينه : الرفق أي اللّطف والشفقة والإحسان إلى العباد ، فإنّه يوجب أن لا يسفه عليك ولا يسيىء إليك أكثر الناس ، ووزيره ومعينه : لين الجانب وترك الخشونة والغلظة و إضرار الخلق . وفي الكافي : ونعم وزير الرفق الصبر . وفي بعض نسخه : العبرة .

________________________

(١) كذا في النسخ .

٤٥
 &

٢ ـ ل : ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن الفارسيّ ، (١) عن الجعفريّ ، عن أبيه ، عن الصادق ، عن آبائه ، عن عليّ عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما جمع شيءٌ إلى شيء أفضل من حلم إلى علم .

لى : ابن شاذويه المؤدّب ، عن محمّد بن عبد الله بن جعفر ، عن أبيه ، عن هارون ، عن ابن صدقة ، عن الصادق ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام مثله .

٣ ـ ل : سليمان بن أحمد اللّخميّ ، عن عبد الوهّاب بن خراجة ، عن أبي كريب ، عن عليّ بن حفص العبسيّ ، عن الحسن بن الحسين العلويّ ، عن أبيه الحسين بن زيد ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : والّذي نفسي بيده ما جمع شيءٌ إلى شيء أفضل من حلم إلى علم .

٤ ـ لى : ابن مسرور ، عن محمّد الحميريّ ، عن أبيه ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن محمّد بن زياد الأزديّ ، عن أبان بن عثمان ، عن ابن تغلب (٢) ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس قال : سمعت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام يقول : طلبة هذا العلم على ثلاثة أصناف ألا فاعرفوهم بصفاتهم وأعيانهم : صنف منهم يتعلّمون للمراء والجهل (٣) ، وصنف منهم يتعلّمون للاستطالة والختل ، وصنف منهم يتعلّمون للفقه والعقل (٤) ، فأمّا صاحب المراء والجهل تراه مؤذياً ممارياً للرجال في أندية المقال ، قد تسر بل بالتخشّع ، وتخلّى من الورع ، فدقّ الله من هذا حيزومه ، وقطع منه خيشومه . وأمّا صاحب الاستطالة والختل

________________________

(١) هو الحسن بن أبي الحسين الفارسي كما صرح به في الفصل الرابع ، وعلى ما هو الموجود في الخصال المطبوع . وفي نسخة من الخصال : الحسين بن الحسن الفارسي ، ولعله الصحيح وهو المترجم في الفهرست ، قال الشيخ في الفهرست ص ٥٥ : الحسين بن الحسن الفارسي القمي ، له كتاب ، أخبرنا به عدة من أصحابنا ، عن أبي المفضل ، عن ابن بطة ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن الحسين بن الحسن الفارسي .

(٢) وزان تضرب ، هو أبان بن تغلب بن رباح ، أبو سعيد البكري الجريري ، مولى بني جرير ابن عبادة بن صبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكاشة بن صعب بن بكر بن وائل ، وجلالة قدره ووثاقته وتبحره في العلوم مسلمة عند العامة والخاصة ، فمن شاء أزيد من هذا فليراجع إلى مظانه .

(٣) وفي نسخة : يتعلمون العلم للمراء والجدال .

(٤) وفي نسخة : العمل .

٤٦
 &

فإنّه يستطيل على أشباهه من أشكاله ، ويتواضع للأغنياء من دونهم ، فهو لحلوائهم هاضم ، ولدينه حاطم (١) ، فأعمى الله من هذا بصره ، وقطع من آثار العلماء أثره ، وأمّا صاحب الفقه والعقل (٢) تراه ذا كأبة وحزن ، قد قام اللّيل في حندسه وقد انحنى في برنسه ، يعمل ويخشى ، خائفاً وجلاً من كلّ أحد إلّا من كلّ ثقة من إخوانه ، فشدّ الله من هذا أركانه ، وأعطاه يوم القيامة أمانه .

٥ ـ ل : ابن المتوكّل ، عن السعدآباديّ ، عن البرقيّ ، عن أبيه ، عن محمّد بن سنان ، عن أبي الجارود ، عن سعيد بن علاقة ، قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : طلبة « إلى آخر الخبر » وفيه : يتعلّمون العلم للمراء .

بيان : روي في الكافي بأدنى تغيير بسند مرفوع عن أبي عبد الله عليه السلام . والمراء : الجدال . والجهل : السفاهة وترك الحلم ، والختل بالفتح : الخدعة . والأندية جمع النادي وهو مجتمع القوم ومجلسهم . والسربال : القميص ، وتسربل أي لبس السربال . والتخشّع : تكلّف الخشوع وإظهاره ، وتخلّا أي خلا جدّاً . قوله : فدقّ الله من هذا أي بسبب كلّ واحدة من تلك الخصال ، ويحتمل أن تكون الإشارة إلى الشخص فكلمة من تبعيضيّة . والحيزوم : ما استدار بالظهر والبطن ، أو ضلع الفؤاد ، أو ما اكتنف بالحلقوم من جانب الصدر . والخيشوم : أقصى الأنف . وهما كنايتان عن إذلاله . وفي الكافي : فدقّ الله من هذا خيشومه وقطع منه حيزومه . والمراد بالثاني قطع حياته . قوله : فهو لحلوائهم . أي لأطعمتهم اللّذيذة . وفي بعض النسخ لحلوانهم أي لرشوتهم . والحطم : الكسر . والأثر : ما يبقى في الأرض عند المشي ، وقطع الأثر إمّا دعاء عليه بالزمانة كما ذكره الجزريّ ، أو بالموت ولعلّه أظهر . والكآبة بالتحريك والمدّ و بالتسكين : سوء الحال والإنكار من شدّة الهمّ والحزن ، والمراد حزن الآخرة . و الحندس بالكسر : الظلمة . وقوله : في حندسه بدل من اللّيل ، ويحتمل أن يكون « في » بمعنى « مع » ويكون حالاً من اللّيل . وقوله عليه‌السلام : قد انحنى للركوع والسجود كائناً في برنسه . والبرنس : قلنسوة طويلة كان يلبسها النسّاك في صدر الإسلام كما ذكره

________________________

(١) كذا في النسخ ، والظاهر : لدينهم .

(٢) وفي نسخة : والعمل .

٤٧
 &

الجوهريّ ، أو كلّ ثوب رأسه منه ملتزق به ، من دراعة أو جبّة أو ممطر أو غيره كما ذكره الجزريّ . وفي الكافي : قد تحنّك في برنسه . قوله يعمل ويخشى أي أن لا يقبل منه . قوله عليه‌السلام : فشدّ الله من هذا أركانه ، أي أعضاءه وجوارحه ، أو الأعمّ منها ومن عقله وفهمه و دينه وأركان إيمانه ، والفرق بين الصنفين الأوّلين بأنّ الأوّل غرضه الجاه والتفوّق بالعلم ، والثاني غرضه المال والترفّع به ، أو الأوّل غرضه إظهار الفضل على العوام وإقبالهم إليه ، والثاني قرب السلاطين والتسلّط على الناس بالمناصب الدنيويّة .

٦ ـ ل ، ن : أبي ، عن الكميدانيّ (١) ، عن ابن عيسى ، عن البزنطيّ قال : قال أبو الحسن عليه‌السلام : من علامات الفقه الحلم والعلم والصمت ، إنَّ الصمت باب من أبواب الحكمة ، إنَّ الصمت يكسب المحبّة ، إنّه دليل على كلّ خير . أقول : في ل : ثلاث من علامات .

٧ ـ ما : المفيد ، عن أبي حفص عمر بن محمّد ، عن عليّ بن مهرويه ، عن داود بن سليمان الغازي ، عن الرضا ، عن آبائه ، عن الحسين عليه‌السلام قال : سمعت أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : الملوك حكّامٌ على الناس ، والعلم حاكمٌ عليهم ، وحسبك من العلم أن تخشى الله ، وحسبك من الجهل أن تعجب بعلمك .

بيان : حسبك من العلم أي من علامات حصوله ، وكذا الفقرة الثانية .

٨ ـ مع : أبي ، عن محمّد بن أبي القاسم ، عن أبي سمينة ، عن محمّد بن خالد ، عن بعض رجاله ، عن داود الرقّيّ ، عن الثماليّ ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ألا اُخبركم بالفقيه حقّاً ؟ قالوا : بلى يا أمير المؤمنين ، قال : من لم يقنّط الناس من رحمة الله ولم يؤمنهم من عذاب الله ، ولم يرخّص لهم في معاصي الله ، ولم يترك القرآن رغبةً عنه إلى

________________________

(١) هو علي بن موسى بن جعفر الكمنداني ، كان من العدة التي روى عنهم محمد بن يعقوب الكليني ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، وروى الصدوق ، عن أبيه ، عنه . وهو من مشائخ الاجازة . والكمندان اما بفتح الكاف والميم وسكون النون وفتح الدال المهملة على ما هو المنسوب الى النجاشي . أو فتح الكاف وكسر الميم وسكون الياء وفتح الدال المهملة أو المعجمة ـ وهي المشهورة اليوم ـ منسوب الى قرية من قرى قم .

٤٨
 &

غيره ، ألا لا خير في علم ليس فيه تفهّم ، ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبّر ، ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفقّه .

٩ ـ منية المريد : روى الحلبيّ في الصحيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ألا اُخبركم بالفقيه حقّ الفقيه ، من لم يقنّط الناس « إلى قوله » : ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفكّر .

١٠ ـ ل : العطّار ، عن أبيه ، عن محمّد بن أحمد ، عن ابن معروف ، عن ابن غزوان ، عن السكونيّ ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه عليهما‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : صنفان من اُمّتي إذا صلحا صلحت اُمّتي ، وإذا فسدا فسدت اُمّتي ، قيل : يا رسول الله ومن هما ؟ قال : الفقهاءُ والاُمراءُ .

١١ ـ ل : أبي ، عن محمّد العطّار ، عن محمّد بن أحمد ، عن عليّ بن السنديّ ، عن محمّد بن عمرو بن سعيد ، عن موسى بن أكيل (١) قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لا يكون الرجل فقيهاً حتّى لا يبالي أي ثوبيه ابتذل ؟ ، وبما سدّ فورة الجوع ؟ .

بيان : ابتذال الثوب : امتهانه وعدم صونه ، والبذلة : ما يمتهن من الثياب ، و المراد أن لا يبالي أي ثوب لبس ؟ سواء كان رفيعاً أو خسيساً ، جديداً أو خلقاً ، ويمكن أن يقرأ ابتذل على البناء للمفعول ، أي لا يبالي أي ثوب من أثوابه بلى وخلق ؟ . وفورة الجوع : غليانه وشدّته .

١٢ ـ ل : العسكريّ ، عن أحمد بن محمّد بن اُسيد الإصفهانيّ ، عن أحمد بن يحيى الصوفيّ ، عن أبي غسّان ، عن مسعود بن سعد الجعفيّ ، ـ وكان من خيار من أدركنا ـ عن يزيد ابن أبي زياد ، عن مجاهد ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أشدّ ما يتخوّف على اُمّتي ثلاثةٌ : زلّة عالم ، أو جدال منافق بالقرآن ، أو ديناً تقطع رقابكم فاتّهموها على أنفسكم .

١٣ ـ ل : أحمد بن محمّد بن عبد الرحمن المقري ، عن محمّد بن جعفر المقري ، عن محمّد بن الحسن الموصليّ ، عن محمّد بن عاصم الطريفيّ ، عن عيّاش بن زيد بن الحسن ، عن يزيد بن

________________________

(١) قال النجاشي في رجاله ص ٢٩١ : موسى بن أكيل النميري كوفي ، ثقة ، روى عن أبي عبد الله عليه السلام . له كتاب يرويه جماعة .

٤٩
 &

الحسن قال : حدّثني موسى بن جعفر ، عن أبيه الصادق جعفر بن محمّد عليهم‌السلام قال : الناس على أربعة أصناف : جاهل متردّي معانق لهواه ، وعابد متقوّي كلّما ازداد عبادةً ازداد كبراً ، وعالم يريد أن يوطأ عقباه ويحبّ محمدة الناس ، وعارف على طريق الحقِّ يحبّ القيام به فهو عاجز أو مغلوب ، فهذا أمثل أهل زمانك وأرجحهم عقلاً .

بيان : التردّي : الهلاك ، والوقوع في المهالك الّتي يعسر التخلّص منها كالمتردّي في البئر . وقوله عليه‌السلام متقوّي أي كثير القوّة في العبادة ، أو غرضه من العبادة طلب القوّة والغلبة والعزّ ، أو من قوي كرضي إذا جاع شديداً . قوله عليه‌السلام : فهو عاجز أي في بدنه ، أو مغلوب من السلاطين خائف . فهذا أمثل أي أفضل أهل زمانك .

١٤ ـ ل : أبي ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن أحمد ، عن أبي عبد الله الرازيّ ، عن ابن أبي عثمان ، عن أحمد بن عمر الحلّال (١) ، عن يحيي بن عمران الحلبيّ ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : سبعة يفسدون أعمالهم : الرجل الحليم ذو العلم الكثير لا يعرف بذلك ولا يذكر به ، والحكيم الّذي يدبّر ما له كلّ كاذب منكر لما يؤتي إليه ، والرجل الّذي يا من ذا المكر والخيانة ، والسيّد الفظّ الّذي لا رحمة له ، والاُمّ الّتي لا تكتم عن الولد السرّ وتفشي عليه ، والسريع إلى لائمة إخوانه ، والّذي يجادل أخاه مخاصماً له .

ايضاح : قوله لا يعرف بذلك أي لا ينشر علمه ليعرف به . وقوله : منكر لما يؤتي إليه : صفةٌ للكاذب ، أي كلّما يعطيه ينكره ولا يقرُّبه ، أو لا يعرف ما اُحسن إليه . قال الفيروزآباديّ : أتى إليه الشيء : ساقه إليه . وقوله : يا من ذا المكر أي يكون آمناً منه لا يحترز من مكره وخيانته . قوله عليه‌السلام : والّذي يجادل أخاه أي في النسب أو في الدين .

________________________

(١) بفتح الحاء المهملة وتشديد اللام : بياع الشيرج وهو دهن السمسم ، أورده النجاشي في ص ٧٢ من رجاله وقال : أحمد بن عمر الحلال يبيع الحل يعني الشيرج ، روى عن الرضا عليه‌السلام ، وله عنه مسائل . وقال العلامة في القسم الاول من الخلاصة : أحمد بن علي الحلال ـ بالحاء غير المعجمة واللام المشددة ـ وكان يبيع الحل وهو الشيرج ثقة ، قاله الشيخ الطوسي رحمه الله وقال : انه كان روى الاصل ، فعندي توقف في قبول روايته لقوله هذا ، وكان كوفيا أنماطيا من أصحاب الرضا عليه السلام .

٥٠
 &

فكلّ هؤلاء يفسدون مساعيهم وأعمالهم بترك متمّماتها ، فالعالم بترك النشر يفسد علمه ، وذو المال يفسد ماله بترك الحزم ، وكذا الّذي يا من ذا المكر يفسد ماله ونفسه وعزّه ودينه . والسيّد الفظّ الغليظ يفسد سيادته ودولته أو إحسانه إلى الخلق والاُمّ تفسد رأفتها ومساعيها بولدها وكذا الأخيران .

١٥ ـ ل : العطّار ، عن أبيه وسعد ، عن البرقيّ ، عن ابن ابي عثمان ، عن موسى بن بكر ، عن أبي الحسن الأوّل ، عن أبيه عليهما‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : عشرة يعنّتون أنفسهم وغيرهم : ذو العلم القليل يتكلّف أن يعلّم الناس كثيراً ، والرجل الحليم ذو العلم الكثير ليس بذي فطنة ، والّذي يطلب ما لا يدرك ولاينبغي له ، والكادّ غير المتّئد ، والمتّئد : الّذي ليس له مع تؤدته علم ، وعالم غير مريد للصلاح ، ومريد للصلاح وليس بعالم ، والعالم يحبّ الدنيا ، والرحيم بالناس يبخل بما عنده ، وطالب العلم يجادل فيه من هو أعلم فإذا علّمه لم يقبل منه .

توضيح : قال الفيروزآباديّ : العنت محرّكةً : الفساد والإثم والهلاك ودخول المشقّة على الإنسان ، وأعنته غيره . قوله : ليس بذي فطنة أي حصّل علماً كثيراً لكن ليس بذي فطانة وفهم يدرك حقائقها ، فهو ناقص في جميعها . والتؤدة : الرزانة والتأنّي ، والفعل : اتّأد وتوأّد . أي من يكدّ ويجدّ في تحصيل أمر لكن لا بالتأنّي بل بالتسرُّع وعدم التثبّت ، فهؤلاء لا يحصل لهم في سعيهم سوى العنت والمشقّة .

١٦ ـ سن : أبي ، عن فضالة ، عن أبان بن عثمان ، عن الفضل بن عبد الملك ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إنّ أبا جعفر عليه‌السلام سئل عن مسألة فأجاب فيها ، فقال الرجل : إنّ الفقهاء لا يقولون هذا ، فقال له أبي : ويحك إنّ الفقيه : الزاهد في الدنيا ، الراغب في الآخرة ، المتمسّك بسنّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله .

١٧ ـ سن : الوشّاء ، عن مثنّى بن الوليد ، عن أبي بصير ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : كان في خطبة أبي ذرّ رحمة الله عليه : يا مبتغي العلم لا يشغلك أهل ومال عن نفسك ، أنت يوم تفارقهم كضيف بتَّ فيهم ثمّ غدوت عنهم إلى غيرهم ، الدنيا والآخرة كمنزل تحوّلت منه إلى غيره ، وما بين الموت والبعث إلّا كنومة نمتها ثمّ استيقظت

٥١
 &

منها يا مبتغى العلم إنّ قلباً ليس فيه شيءٌ من العلم كالبيت الخرب لا عامر له .

بيان : لعلّ المراد بقوله : ما بين الموت والبعث أنّه مع قطع النظر عن نعيم القبر وعذابه فهو سريع الانقضاء ، وينتهي الأمر إلى العذاب أو النعيم بغير حساب ، وإلّا فعذاب القبر ونعيمه متّصلان بالدنيا ، فهذا كلام على التنزّل (١) ، أو يكون هذا بالنظر إلى الملهوّ عنهم لا جميع الخلق .

١٨ ـ مص : قال الصادق عليه‌السلام : الخشية ميراث العلم ، والعلم شعاع المعرفة وقلب الإيمان ، ومن حرم الخشية لا يكون عالماً وإن شقّ الشعر في متشابهات العلم . قال الله عز وجلّ : إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ . وآفة العلماء ثمانية أشياء : الطمع ، و البخل ، والرياء ، والعصبيّة . وحبّ المدح ، والخوض فيما لم يصلوا إلى حقيقته ، والتكلّف في تزيين الكلام بزوائد الألفاظ ، وقلّة الحياء من الله ، والافتخار ، وترك العمل بما علموا .

١٩ ـ قال عيسى بن مريم عليه‌السلام : أشقى الناس من هو معروف عند الناس بعلمه مجهول بعمله .

٢٠ ـ قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تجلسوا عند كلّ داع مدّع يدعوكم من اليقين إلى الشكّ ، ومن الإخلاص إلى الرياء ، ومن التواضع إلى الكبر ، ومن النصيحة إلى العداوة ، ومن الزهد إلى الرغبة . وتقرّبوا إلى عالم يدعوكم من الكبر إلى التواضع ، ومن الرياء إلى الإخلاص ، ومن الشكّ إلى اليقين ، ومن الرغبة إلى الزهد ، ومن العداوة إلى النصيحة . ولا يصلح لموعظة الخلق إلّا من خاف هذه الآفات بصدقه ، وأشرف على عيوب الكلام ، وعرف الصحيح من السقيم وعلل الخواطر وفتن النفس والهوى .

________________________

(١) هذا منه رحمه الله عجيب فان كون الموت نوماً والبعث كالانتباه عن النوم ليس مقصوراً بكلام أبي ذر رحمه الله ، والاخبار مستفيضة بذلك على ما سيأتي في ابواب البرزخ وسؤال القبر وغير ذلك ؛ بل المراد ان نسبة الموت والبرزخ الى البعث كنسبة النوم الى الانتباه بعده . وأعجب منه قوله ثانياً : أو يكون هذا بالنظر إلى الملهو عنهم لا جميع الخلق ، فان ترك بعض الاموات ملهوا عنه مما يستحيل عقلا ونقلا ، وما يشعر به من الروايات مؤوّل او مطروح البتة . ط

٥٢
 &

٢١ ـ قال امير المؤمنين عليه السلام كن كالطبيب الرفيق (١) الّذي يدع الدواء بحيث ينفع .

ايضاح : قوله عليه‌السلام : العلم شعاع المعرفة أي هو نور شمس المعرفة ويحصل من معرفته تعالى ، أو شعاع به يتّضح معرفته تعالى ، والأخير أظهر . وقلب الإيمان أي أشرف أجزاء الإيمان وشرائطه وبانتفائه ينتفي الإيمان . قوله عليه‌السلام : بصدقه إي خوفاً صادقاً ، أو بسبب أنّه صادق فيما يدّعيه وفيما يعظ به الناس .

٢٢ ـ شا : روى إسحاق بن منصور السكونيّ ، عن الحسن بن صالح قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : ما شيب شيءٌ أحسن من حلم بعلم .

٢٣ ـ جا : الجعابيّ ، (٢) عن ابن عقدة ، عن محمّد بن أحمد بن خاقان ، عن سليم الخادم ، عن إبراهيم بن عقبة ، عن جعفر بن محمّد عليهما‌السلام قال : إنّ صاحب الدين فكّر فعَلته السكينة ، واستكان فتواضع ، وقنع فاستغنى ، ورضي بما اُعطى ، وانفرد فكفى الأحزان ، ورفض الشهوات فصار حرّاً ، وخلع الدنيا فتحامى الشرور ، وطرح الحقد فظهرت المحبّة ، ولم يخف الناس فلم يخفهم ، ولم يذنب إليهم فسلم منهم ، وسخط نفسه عن كلّ شيء ففاز واستكمل الفضل ، وأبصر العاقبة فآمن الندامة .

بيان : فكّر أي في خساسة أصله ومعائب وعاقبة أمره ، أو في الدنيا وفنائها ومعائبها . فعلته أي غلبت عليه السكينة واطمئنان النفس وترك العلوّ والفساد وعدم الانزعاج عن الشهوات . واستكان أي خضع وذلّت نفسه ، وترك التكبّر فتواضع عند الخالق

________________________

(١) وفي نسخة : الشفيق .

(٢) بكسر الجيم وفتح العين المهملة نسبة إلى صنع الجعاب وبيعها ، وهي جمع الجعبة ، وهي كنانة النبل ، هو محمد بن عمر بن محمد بن سالم بن البراء بن سبرة بن يسار التميمي ، أبو بكر المعروف بالجعابي الحافظ الكوفي القاضي ، كان من أساتيد الشيخ المفيد قدس سره ، ترجمه العامة والخاصة في كتبهم مع اكباره والتصديق بفضله وتبحّره وحفظه وتشيعه ، قال السمعاني في انسابه بعد ما بالغ في الثناء على علمه وحفظه : وقال أبو عمر والقاسم بن جعفر الهاشمي : سمعت الجعابي يقول : أحفظ أربعمائة ألف حديث واذاكر بستمائة ألف ، وكانت ولادته في صفر سنة ٢٨٥ ومات ببغداد في النصف من رجب سنة ٣٤٤ انتهى . وله في رجال النجاشي وغيره ذكر جميل ولعلنا نشير اليه فيما يأتي .

٥٣
 &

والخلق ، وانفرد عن علائق الدنيا فارتفعت عنه أحزانه الّتي كانت تلزم لتحصيلها . قوله عليه‌السلام : فتحامى الشرور أي اجتنبها ، قال الجوهريّ : تحاماه الناس أن توقّوه واجتنبوه . قوله : عن كلّ شيء « عن » للبدل ، أي بدلاً عن سخط كلّ شيء ، ولا يبعد أن يكون : وسخت نفسه . بالتاء المنقوط فصحّف منهم .

٢٤ ـ جا : أحمد بن الوليد ، عن أبيه ، عن الصفّار ، عن ابن معروف ، عن ابن مهزيار ، قال : أخبرني ابن إسحاق الخراسانيّ ـ صاحب كان لنا ـ قال : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : لا ترتابوا فتشكّوا ، ولا تشكّوا فتكفروا ، ولا ترخصوا لأنفسكم فتدهنوا ، ولا تداهنوا في الحقّ فتخسروا ، وإنَّ من الحزم أن تتفقّهوا ، ومن الفقه أن لا تغترّوا ، وإنّ أنصحكم لنفسه أطوعكم لربّه ، وإنّ أغشّكم لنفسه أعصاكم لربّه ، من يطع الله يأمن ويرشد ، ومن يعصه يخب ويندم ، واسألوا الله اليقين ، وارغبوا إليه في العافية ، و خير ما دار في القلب اليقين ، أيّها الناس إيّاكم والكذب ، فإنّ كلّ راج طالب وكلّ خائف هارب .

بيان : لا ترتابوا أي لا تتفكّروا فيما هو سبب للريب من الشبهة ، أو لا ترخصوا لأنفسكم في الريب في بعض الأشياء فإنّه ينتهي إلى الشكّ في الدين والشكّ فيه كفر . و لا ترخصوا لأنفسكم في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أو مطلق الطاعات ، فينتهي إلى المداهنة والمساهلة في الدين . ومن الفقه أن لا تغترّوا أي بالعلم والعمل أو بالدنيا و زهراتها . قوله عليه‌السلام : إيّاكم والكذب أي في دعوى الخوف والرجاء بلا عمل فإنّ كل راج يعمل لما يرجوه وكلّ خائف يهرب ممّا يخاف منه .

٢٥ ـ ضه : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : علماءُ هذه الأمّة رجلان : رجل آتاه الله علماً فطلب به وجه الله والدار الآخرة وبذله للناس ولم يأخذ عليه طمعاً ولم يشتر به ثمناً قليلاً ، فذلك يستغفر له من في البحور ، ودوابّ البحر والبرّ ، والطير في جوّ السماء ، ويقدم على الله سيّداً شريفاً ، ورجل آتاه الله علماً فبخل به على عباد الله ، وأخذ عليه طمعاً ، واشترى به ثمناً قليلاً ، فذلك يلجم يوم القيامة بلجام من نار ، وينادي ملك من الملائكة على رؤوس الأشهاد : هذا فلان بن فلان آتاه الله علماً في دار الدنيا فبخل به على عباده ، حتّى يفرغ من الحساب .

٥٤
 &

منية المريد : عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله مثله إلى قوله : فبخل به على عباد الله ، وأخذ عليه طمعاً واشترى به ثمناً ، وكذلك حتّى يفرغ من الحساب .

٢٦ ـ ختص : قال الرضا عليه‌السلام : من علامات الفقه الحلم والعلم والصمت .

٢٧ ـ ختص : فرات بن أحنف قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : تبذّل لا تشهر ، ووار شخصك لا تذكر ، وتعلّم واكتم ، واصمت تسلم ، قال : وأومأ بيده إلى صدره فقال : يسرّ الأبرار ، ويغيظ الفجّار .

بيان : قال الجزريّ : في حديث الاستسقاء : فخرج متبذّلاً التبذّل : ترك التزيّن ، والتهيّؤ بالهيئة الحسنة الجميلة على جهة التواضع انتهى . أقول : يحتمل هنا معنى آخر بأن يكون المراد ابتذال النفس بالخدمة ، وارتكاب خسائس الأعمال ، والإيماء إلى الصدر لبيان تعيين الفرد الكامل من الأبرار .

٢٨ ـ ما : جماعة ، عن أبي المفضّل ، عن عبد الرزّاق بن سليمان ، عن الفضل بن المفضّل ابن قيس ، عن حمّاد بن عيسى ، عن ابن اُذينة ، عن أبان بن أبي عيّاش ، عن سليم بن قيس ، عن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من فقه الرجل قلّة كلامه فيما لا يعينه .

٢٩ ـ ما : الحسين بن إبراهيم القزوينيّ ، عن محمّد بن وهبان ، عن أحمد بن إبراهيم ، عن الحسن بن عليّ الزعفراني ، عن البرقيّ ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إنّ أعظم الناس حسرةً يوم القيامة من وصف عدلاً ثمّ خالفه إلى غيره .

بيان : أي بيّن للناس خيراً ولم يعمل به ، أو قبل ديناً حقّاً وأظهره ولم يعمل بمقتضاه .

٣٠ ـ نوادر الراونديّ : بإسناده عن موسى بن جعفر ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يبعث الله المقنّطين يوم القيامة مغلبةً وجوههم يعني غلبة السواد على البياض فيقال لهم : هؤلاء : المقنّطون من رحمة الله .

٣١ ـ ما : ابن الصلت ، عن ابن عقدة ، عن محمّد بن عيسى الضرير ، عن محمّد بن زكريّا

٥٥
 &

المكّيّ ، عن كثير بن طارق ، عن زيد ، عن أبيه عليّ بن الحسين عليهما‌السلام قال : سئل عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : من أفصح الناس ؟ قال : المجيب المسكت عند بديهة السؤال .

٣٢ ـ نهج : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في كلام له : والناس منقوصون مدخولون إلّا من عصم الله ، سائلهم متعنّت ، ومجيبهم متكلّف ، يكاد أفضلهم رأياً يردّه عن فضل رأيه الرضاءُ والسخط ، ويكاد أصلبهم عوداً تنكاه اللّحظة وتستحيله الكلمة الواحدة .

٣٣ ـ وقال عليه‌السلام : من نصب نفسه للناس إماماً فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره ، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه ، ومعلّم نفسه ومؤدّبها أحقّ بالإجلال من معلّم الناس ومؤدّبهم .

٣٤ ـ وقال عليه‌السلام : الفقيه كلّ الفقيه من لم يقنّط الناس من رحمة الله ، ولم يؤيسهم من روح الله ، ولم يؤمنهم من مكر الله .

٣٥ ـ وقال عليه‌السلام : إنّ أوضع العلم ما وقف على اللّسان ، وأرفعه ما ظهر في الجوارح والأركان .

٣٦ ـ وقال عليه‌السلام : إنّ من أحبّ عباد الله إليه عبداً أعانه الله على نفسه فاستشعر الحزن ، وتجلبب الخوف ، فزهر مصباح الهدى في قلبه ، وأعدّ القرى ليومه النازل به ، فقرّب على نفسه البعيد ، وهوّن الشديد ، نظر فأبصر ، وذكر فاستكثر ، وارتوى من عذب فرات سهلت له موارده ، فشرب نهلاً ، (١) وسلك سبيلاً جدداً ، قد خلع سرابيل الشهوات ، وتخلّى من الهموم إلّا همّاً واحداً انفرد به ، فخرج من صفة العمى ومشاركة أهل الهوى ، وصار من مفاتيح أبواب الهدى ، ومغاليق أبواب الردى ، قد أبصر طريقه ، وسلك سبيله ، وعرف مناره ، وقطع غماره ، واستمسك من العرى بأوثقها ، ومن الحبال بأمتنها ، فهو من اليقين على مثل ضوء الشمس ، قد نصب نفسه لله سبحانه في أرفع الاُمور من إصدار كلّ وارد عليه ، وتصيير كلّ فرع إلى أصله ، مصباح ظلمات ، كشّاف عشوات ، (٤) مفتاح مبهمات ،

________________________

(١) بفتح النون والهاء .

(٢) الجدد بفتح الجيم والدال : الارض الغليظة المستوية .

(٣) وهو همّ الاخرة ، وما يطلب منه الرب تعالى ، وما يوجب سعادته أو شقاوته .

(٤) أي ظلمات .

٥٦
 &

دفّاع (١) معضلات ، دليل فلوات ، يقول فيُفهم ، ويسكت فيسلم ، قد أخلص لله فاستخلصه ، فهو من معادن دينه ، وأوتاد أرضه ، قد ألزم نفسه العدل ، فكان أوّل عدله نفي الهوى عن نفسه ، يصف الحقّ ويعمل به ، لا يدع للخير غايةً إلّا أمّها (٢) ولا مظنّةً إلّا قصدها ، قد أمكن الكتاب من زمامه ، فهو قائده وإمامه ، يحلّ حيث حلّ ثقله ، وينزل حيث كان منزله .

وآخر قد تسمّى عالماً وليس به ، فاقتبس جهائل من جهّال ، وأضاليل من ضُلّال ، ونصب للناس أشراكاً من حبال غرور وقول زور ، قد حمل الكتاب على آرائه ، وعطف الحقّ على أهوائه ، يؤمن من العظائم ، ويهوّن كبير الجرائم ، يقول : أقف عند الشبهات وفيها وقع ، ويقول : أعتزل البدع وبينها اضطجع ، فالصورة صورة إنسان ، والقلب قلب حيوان ، لا يعرف باب الهدى فيتّبعه ، ولا باب العمى فيصدّ عنه ، فذلك ميّت الأحياء ، فأين تذهبون ؟ وأنّى تؤفكون ؟ والأعلام قائمةٌ ، والآيات واضحةٌ ، والمنار منصوبةٌ . إلى آخر الخطبة .

بيان : فاستشعر الحزن أي جعله شعاراً له . وتجلبب الخوف أي جعله جلباباً ، وهو ثوب يشمل البدن . فزهر أي أضاء . والقرى : الضيافة . فقرّب على نفسه البعيد أي مثّل الموت بين عينيه . وهوّن الشديد أي الموت ورضي به واستعدّ له ، أو المراد بالبعيد أمله الطويل ، وبتقريبه تقصيره له بذكر الموت . وهوّن الشديد أي كلّف نفسه الرياضة على المشاقّ من الطاعات ، وقيل : اُريد بالبعيد رحمة الله أي جعل نفسه مستعدّةً لقبولها بالقربات وبالشديد عذاب الله فهوّنه بالأعمال الصالحة ، أو شدائد الدنيا باستحقارها في جنب ما اُعدّ له من الثواب . نظر أي بعينه فاعتبر ، أو بقلبه فأبصر الحقّ من عذب فرات أي العلوم الحقّة ، والكلمات الحقيقيّة ، وقيل : من حبّ الله . فشرب نهلاً أي شرباً أوّلاً سابقاً على أمثاله . سبيلاً جدداً أي لا غبار فيه ولاوعث . والسربال : القميص . والردى : الهلاك وقطع غماره أي ما كان مغموراً فيه من شدائد الدنيا . من إصدار كلّ وارد عليه أي هداية الناس . وأنّى تؤفكون أي تصرفون .

________________________

(١) بفتح الدال وتشديد الفاء : كثير الدفع .

(٢) أي قصدها .

٥٧
 &

٣٧ ـ نهج : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : العالم من عرف قدره ، وكفى بالمرء جهلاً أن لا يعرف قدره ، وإنّ أبغض الرجال إلى الله العبد وكّله الله إلى نفسه جائراً عن قصد السبيل سائراً ، إن دُعي إلى حرث الدنيا عمل ، وإلى حرث الآخرة كسل ، كأنّ ما عمل له واجبٌ عليه ، وكأنّ ما ونى فيه ساقطٌ عنه .

بيان : قال ابن ميثم : من عرف قدره أي مقداره ومنزلته بالنسبة إلى مخلوقات الله تعالى ، وأنّه أيّ شيء منها ، ولأيّ شيء خلق ، وماطوره المرسوم في كتاب ربّه ، وسنن أنبيائه . وكأنّ ما ونى فيه أي ما فتر فيه وضعف عنه .

٣٨ ـ كنز الكراجكي : قال أمير المؤمنين عليه السلام : رأس العلم الرفق ، وآفته الخرق (١) .

٣٩ ـ وقال عليه‌السلام : زلّة العالم كانكسار السفينة تغرق وتُغرق .

٤٠ ـ وقال عليه‌السلام : الآداب تلقيح الأفهام ، ونتائج الأذهان .

وقال رحمه الله من عجيب ما رأيت واتّفق لي أنّي توجّهت يوماً لبعض أشغالي وذلك بالقاهرة في شهر ربيع الآخر سنة ستّ وعشرين وأربعمائة ، فصحبني في طريقي رجل كنت أعرفه بطلب العلم وكتب الحديث ، فمررنا في بعض الأسواق بغلام حدث (٢) ، فنظر إليه صاحبي نظراً استربت منه ، ثمّ انقطع عنّي ومال إليه وحادثه ، فالتفتت انتظارا له فرأيته يضاحكه ، فلمّا لحق بي عذلته (٣) على ذلك ، وقلت له : لا يليق هذا بك فما كان بأسرع من أن وجدنا بين أرجلنا في الأرض ورقةً مرميّةً ، فرفعتها لئلّا يكون فيها اسم الله تعالى ، فوجدتها قديمةً فيها خطّ رقيق قد اندرس بعضه وكأنّها مقطوعة من كتاب فتأمّلتها ، فإذا فيها حديث ذهب أوّله وهذه نسخته : قال : إنّي أنا أخوك في الإسلام ، ووزيرك في الإيمان ، وقد رأيتك على أمر لم يسعني أن أسكت فيه عنك ، ولست أقبل فيه العذر منك ، قال : وما هو ؟ حتّى أرجع عنه وأتوب إلى الله تعالى منه ، قال : رأيتك تضاحك حدثاً غرًّا جاهلاً باُمور الله وما يجب من حدود الله ، وأنت رجل قد رفع الله قدرك بما تطلب

________________________

(١) بضم الخاء وسكون الراء وفتحهما : ضد المرفق .

(٢) أي شاب .

(٣) أي لمته .

٥٨
 &

من العلم ، وإنّما أنت بمنزلة رجل من الصدّيقين ، لأنّك تقول : حدّثنا فلان ، عن فلان ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، عن جبرئيل ، عن الله ، فيسمعه الناس منك ويكتبونه عنك ويتّخذونه ديناً يعوّلون عليه ، وحكماً ينتهون إليه ، وإنّما أنهاك أن تعود لمثل الّذي كنت عليه ، فإنّي أخاف عليك غضب من يأخذ العارفين قبل الجاهلين ، ويعذّب فسّاق حملة القرآن قبل الكافرين . فما رأيت حالاً أعجب من حالنا ، ولاعظةً أبلغ ممّا اتّفق لنا ، ولمّا وقف صاحبي اضطرب لها اضطراباً بان فيها أثر لطف الله تعالى لنا ، وحدّثني بعد ذلك أنّه انزجر عن تفريطات كانت تقع منه في الدين والدنيا والحمد لله .

٤١ ـ عدة : في قول الله تعالى : إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ . قال : يعني من يصدّق قوله فعله ، ومن لم يصدّق قوله فعله فليس بعالم .

٤٢ ـ منية المريد : عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : إنّ للعالم ثلاث علامات : العلم ، والحلم ، والصمت . وللمتكلّف ثلاث علامات : ينازع من فوقه بالمعصية ، ويظلم من دونه بالغلبة ، ويظاهر الظلمة (١) .

( باب ١٢ )

* ( آداب التعليم ) *

الايات ، الكهف : قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا ٧٣

١ ـ ما : أبو المفضّل الشيبانيّ ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى بن العبّاد ، عن محمّد بن عبد الجبّار السدوسيّ ، عن عليّ بن الحسين بن عون بن أبي حرب بن أبي الأسود الدئلي قال : حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن أبي حرب بن أبي الأسود ، عن أبيه أبي الأسود أنّ رجلاً سأل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام عن سؤال فبادر فدخل منزله ثمّ خرج فقال : أين السائل ؟ فقال الرجل : ها ، أنا يا أمير المؤمنين قال : ما مسألتك ؟ قال : كيت وكيت ، فأجابه عن سؤاله ، فقيل : يا أمير المؤمنين كنّا عهدناك إذا سئلت عن المسألة كنت فيها كالسكّة المحماة جواباً ، فما بالك أبطأت اليوم عن جواب هذا

________________________

(١) أي يعاونهم .

٥٩
 &

الرجل حتّى دخلت الحجرة ثمّ خرجت فأجبته ؟ فقال : كنت حاقناً ولا رأى لثلاثة : لا رأى لحاقن ، ولا حازق ، ثمّ أنشأ يقول :

إذا المشكلات تصدّين لي

كشفت حقائقها بالنظر

وإن برقت في مخيل الصواب

عمياء لاجتليها البصر

مقنّعة بغيوب الاُمور

وضعت عليها صحيح النظر (١)

لساناً كشقشقة الأرحبيّ

أو كالحسام البتار الذكر

وقلباً إذا استنطقته الهموم

أربى عليها بواهي الدرر

ولست بإمّعة في الرجال

اُسائل هذا وذا ما الخبر ؟ (٢)

ولكننيّ مدرب الأصغرين

اُبيّن مع ما مضى ما غبر

بيان : قال الفيروزآباديّ : كيت وكيت ويكسر آخرهما ، أي كذا وكذا والتاء فيهما هاءٌ في الأصل . والسكّة : المسمار ، والمراد هنا الحديدة الّتي يكوّى بها ، وهذا كالمثل في السرعة في الأمر ، أي كالحديدة الّتي حميت في النار كيف يسرع في النفوذ في الوبر عند الكيّ ، كذلك كنت تسرع في الجواب ، وسيأتي في الأخبار : كالمسمار المحمرّة في الوبر . قوله عليه‌السلام لا رأى لثلاثة الظاهر أنّه سقط أحد الثلاثة من النسّاخ وهو الحاقب قال الجزري : فيه لا رأى لحازق الحازق : الّذي ضاق عليه خفّه فخرق رجله ، أي عصرها وضغطها ، وهو فاعل بمعنى مفعول ، ومنه الحديث الآخر : لا يصلّي وهو حاقن أو حاقب أو حازق ؛ وقال في حقب : فيه لا رأى لحاقب ولا لحاقن الحاقب : الّذي احتاج إلى الخلاء فلم يتبرّز فانحصر غائطه ؛ وقال في حقن : فيه لا رأى لحاقن هو الّذي حبس بوله كالحاقب للغائط انتهى . ويحتمل أن يكون المراد بالحاقن هنا حابس الأخبثين فهو في موضع إثنين منهما ، ويقال : تصدّى له أي تعرّض .

وقوله : إن برقت ، أي تلألأت وظهرت . في مخيل الصواب أي في محلّ تخيّل الأمر الحقّ أو التفكّر في تحصيل الصواب من الرأى ، وعمياء فاعل برقت وهي المسألة

________________________

(١) وفي نسخة : الفكر .

(٢) وفي نسخة : وماذا الخبر .

٦٠