الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٢٦
طلبه منه هذا الأمر مقروناً بغاية الأدب ، مع كونه عليهالسلام من اُولى العزم من الرسل ، و عدم تكليفه أن يعلّمه جميع علمه بل قال : « مما علّمت » ، وتأديب المعلّم للمتعلّم ، وأخذ العهد منه أوّلاً ، وعدم معصية المتعلّم للمعلّم ، وعدم المبادرة إلى إنكار ما يراه من المعلّم ، والصبر على ما لم يحط علمه به من ذلك ، وعدم المبادرة بالسؤال في الاُمور الغامضة ، و عفو العالم عن زلّة المتعلّم في قوله : لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني (١) من أمري عسراً . إلى غير ذلك ممّا لا يخفى على المتدبّر .
١ ـ لى : أبي ، عن سعد ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن محمّد بن زياد الأزديّ ، عن أبان وغيره ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إنّي لأرحم ثلاثةً وحقٌّ لهم أن يرحموا : عزيز أصابته مذلّةٌ بعد العزّ ، وغنيٌّ أصابته حاجةٌ بعد الغنى ، وعالم يستخفّ به أهله و الجهلة .
ل : ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن ابن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عنه عليهالسلام مثله .
٢ ـ لى : ابن المتوكّل ، عن الحميريّ ، عن أبي الخطّاب ، عن ابن محبوب ، عن معاوية بن وهب ، قال : سمعت أبا عبد الله الصادق عليهالسلام يقول : اطلبوا العلم وتزيّنوا معه بالحلم والوقار ، وتواضعوا لمن تعلّمونه العلم ، وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم ، ولا تكونوا علماء جبّارين فيذهب باطلكم بحقّكم .
٣ ـ ب : هارون ، عن ابن صدقة ، عن جعفر ، عن آبائه عليهالسلام أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : ارحموا عزيزاً ذلّ ، وغنيّاً افتقر ، وعالماً ضاع في زمان جهّال .
٤ ـ ل : ابن المتوكّل ، عن محمّد العطّار ، عن أحمد بن موسى بن عمر ، عن ابن فضّال ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : ثلاثةٌ يشكون إلى الله عزّ وجلّ : مسجد خراب لا يصلّي فيه أهله ، وعالم بين جهّال ، ومصحف معلّق قد وقع عليه غبار لا يقرأ فيه .
٥ ـ ما : جماعة ، عن أبي المفضّل الشيبانيّ ، عن مسعر بن عليّ بن زياد المقريّ ، عن جرير بن أحمد بن مالك الأياديّ ، قال : سمعت العبّاس بن المأمون يقول : قال لي عليّ بن
________________________
(١) أي لا تكلفني .
موسى الرضا عليهالسلام : ثلاثةٌ موكّل بها ثلاثةٌ : تحامل الأيّام على ذوي الأدوات الكاملة ، واستيلاء الحرمان على المتقدّم في صنعته ، ومعاداة العوام على أهل المعرفة .
بيان : قال الفيروزآباديّ : تحامل عليه : كلّفه ما لا يطيقه . والأدوات الكاملة كالعقل والعلم والسخاء من الكمالات الّتي هي وسائل السعادات ، أو الأعمّ منها وممّا هو من الكمالات الدنيويّة كالمناصب والأموال ، أي يحمل الأيّام وأهلها عليهم فوق طاقتهم ويلتمسون منهم من ذلك ما لا يطيقون ، ويحتمل أن يكون المراد جور الناس على أهل الحقّ ومغلوبيّتهم .
٦ ـ ضه ، ل ، لى : ـ سيجيىءُ في خبر الحقوق عن عليّ بن الحسين عليهماالسلام ـ : وحقُّ سائسك (١) بالعلم : التعظيم له ، والتوقير لمجلسه ، وحسن الاستماع إليه ، والإقبال عليه ، وأن لا ترفع عليه صوتك ، ولاتجيب أحداً يسأله عن شيء حتّى يكون هو الّذي يجيب ، ولا تحدّث في مجلسه أحداً ، ولا تغتاب عنده أحداً ، وأن تدفع عنه إذا ذكر عندك بسوء ، و أن تستر عيوبه ، وتظهر مناقبه ، ولا تجالس له عدوًّا ، ولا تعادي له وليّاً ، فإذا فعلت ذلك شهد لك ملائكة الله بأنّك قصدته وتعلّمت علمه لله جلّ اسمه لا للناس .
٧ ـ ل ، مع : ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن ابن هاشم ، عن النوفليّ ، عن السكونيّ عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن عليّ عليهمالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : غريبتان فاحتملوهما : كلمة حكمة من سفيه فاقبلوها ، وكلمة سفه من حكيم فاغفروها .
٨ ـ ل : عليّ بن عبد الله الأسواريّ ، عن أحمد بن محمّد بن قيس ، عن أبي يعقوب ، عن عليّ بن خشرم ، عن عيسى ، عن أبي عبيدة ، عن محمّد بن كعب قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : إنّما الخوف (٢) على اُمّتي من بعدي ثلاث خصال : أن يتأوّلوا القرآن على غير تأويله ، أو يتّبعوا زلّة العالم ، أو يظهر فيهم المال حتّى يطغوا ويبطروا ، وساُنبّئكم المخرج من ذلك : أمّا القرآن فاعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه ، وأمّا العالم فانتظروا فيئه (٣) ولا تتبّعوا زلّته ، وأمّا المال فإنّ المخرج منه شكر النعمة وأداء حقّه .
________________________
(١) أي مؤدبك . |
(٢) وفي نسخة : أتخوّف . |
(٣) وفي نسخة : فئته .
٩ ـ سن : أبي ، عن سليمان الجعفريّ ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : كان عليّ عليهالسلام يقول : إنّ من حقّ العالم أن لا تكثر عليه السؤال ، ولا تجرّ بثوبه ، وإذا دخلت عليه وعنده قوم فسلّم عليهم جميعاً ، وخصّه بالتحيّة دونهم ، واجلس بين يديه ، ولا تجلس خلفه ، ولا تغمز بعينيك ، ولا تشر بيدك ، ولا تكثر من قول قال فلان وقال فلان خلافاً لقوله ، ولا تضجر بطول صحبته ، فإنّما مثل العالم مثل النخلة ينتظر بها متى يسقط عليك منها شيءٌ ، والعالم أعظم أجراً من الصائم القائم الغازي في سبيل الله ، وإذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمةٌ لا يسدّها شيءٌ إلى يوم القيامة .
بيان : قوله عليهالسلام : ولا تجرّ بثوبه ، كناية عن الإبرام في السؤال ، والمنع عن قيامه عند تبرّمه .
١٠ ـ سن : أبي ، عن سعدان (١) ، عن عبد الرحيم بن مسلم (٢) ، عن إسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : من قام من مجلسه تعظيماً لرجل ؟ قال : مكروه إلّا لرجل في الدين .
١١ ـ سن : بعض أصحابنا رفعه قال : قال أمير المؤمنين عليهالسلام : إذا جلست إلى العالم فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول ، وتعلّم حسن الاستماع كما تعلّم حسن القول ، ولا تقطع على حديثه .
١٢ ـ شا : روى حارث الأعور ، قال : سمعت أمير المؤمنين عليهالسلام يقول : من حقّ العالم أن لا يكثر عليه السؤال ، ولا يعنّت في الجواب (٣) ولا يلحّ عليه إذا كسل ، ولا يؤخذ بثوبه إذا نهض ، ولا يشار إليه بيد في حاجة ، ولا يفشى له سرّ ، ولا يغتاب عنده أحد ، و يعظّم كما حفظ أمر الله ، ويجلس المتعلّم أمامه ، ولا يعرض من طول صحبته ، وإذا جاءه طالب علم وغيره فوجده في جماعة عمّهم بالسلام ، وخصّه بالتحيّة ، وليحفظ شاهداً و غائباً ، وليعرف له حقّه ، فإنّ العالم أعظم أجراً من الصائم القائم المجاهد في سبيل الله ،
________________________
(١) هو سعدان بن مسلم المتقدم ذكره .
(٢) البجلي الجريري ، كوفي عده الشيخ من أصحاب الصادق عليهالسلام
(٣) أي لا يلزم العالم المتعلم ما يصعب عليه أداؤه ، ويشق على المتعلم تحمله .
فإذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمةٌ لا يسدّها إلّا خلف منه ، وطالب العلم يستغفر له كلّ الملائكة ، ويدعو له من في السماء والأرض .
١٣ ـ غو : قال الصادق عليهالسلام : من أكرم فقيهاً مسلماً لقى الله يوم القيامة وهو عنه راض ، ومن أهان فقيهاً مسلماً لقى الله يوم القيامة وهو عليه غضبان .
١٤ ـ وروي عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال : من علّم شخصاً (١) مسألةً فقد ملك رقبته . فقيل له : يا رسول الله أيبيعه ؟ فقال : لا ولكن يأمره وينهاه .
١٥ ـ ما : جماعة ، عن أبي المفضّل ، عن محمّد بن محمد بن معقل ، عن محمّد بن الحسن بن بنت إلياس ، عن أبيه ، عن الرضا ، عن آبائه عليهمالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : غريبان : كلمة حكمة من سفيه فاقبلوها ، وكلمة سفه من حكيم فاغفروها ، فإنّه لا حكيم إلّا ذو عثرة ، ولا سفيه إلّا ذو تجربة . (٢)
١٦ ـ الدرة الباهر : قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : ارحموا عزيز قوم ذلّ ، وغنيّ قوم افتقر ، و عالماً تتلاعب به الجّهال . (٣)
١٧ ـ نهج : قال أمير المؤمنين عليهالسلام : لا تجعلنّ ذرب لسانك على من أنطقك ، و بلاغة قولك على من سدّدك .
بيان : الذرابة : حدّة اللّسان ، والذرب محرّكةً : فساد اللّسان ، والغرض رعاية حقّ المعلّم ، وما ذكره ابن أبي الحديد من أنّ المراد بمن أنطقه ومن سدّده هو الله سبحانه فلا يخفى بعده .
١٨ ـ كنز الكراجكي : قال أمير المؤمنين عليهالسلام : لا تحقّرنّ عبداً آتاه الله علماً ، فإنّ الله لم يحقّره حين آتاه إيّاه .
١٩ ـ عدة : روى عبد الله بن الحسن بن عليّ ، عن أبيه ، عن جدّه عليهمالسلام أنّه قال : إنّ من حقّ المعلّم على المتعلّم أن لا يكثر السؤال عليه ، ولايسبقه في الجواب ، ولا يلحّ عليه إذا أعرض ، ولا يأخذ بثوبه إذا كسل ، ولا يشير إليه بيده ، ولا يغمزه بعينه ، ولا
________________________
(١) في نسخة : مسلما .
(٢) تقدم الحديث باسناد آخر تحت الرقم ٧ .
(٣) تقدم مسنداً مع اختلاف تحت الرقم ٣ .
يشاور في مجلسه ، ولا يطلب وراءه ، وأن لا يقول : قال فلان خلاف قوله ، ولا يفشي له سرًّا ، ولا يغتاب عنده ، وأن يحفظه شاهداً وغائباً ، ويعمّ القوم بالسلام ، ويخصّه بالتحيّة ، ويجلس بين يديه ، وإن كان له حاجة سبق القوم إلى خدمته ، ولا يملّ من طول صحبته ، فإنّما هو مثل النخلة تنتظر متى تسقط عليك منها منفعة ، والعالم بمنزلة الصائم المجاهد في سبيل الله ، وإذا مات العالم انثلم (١) في الإسلام ثلمةٌ لا تنسدّ إلى يوم القيامة ، وإنّ طالب العلم يشيّعه سبعون ألفاً من مقرّبي السماء .
وقال ابن عبّاس : ذللتُ طالباً فعززت مطلوباً .
٢٠ ـ وعن النبيّ صلىاللهعليهوآله ليس من أخلاق المؤمن الملق إلّا في طلب العلم .
( باب ١١ )
* ( صفات العلماء وأصنافهم ) *
الايات ، الكهف : فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا ٦٥ .
الحج : وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ٥٤ .
فاطر : إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ٢٨ .
١ ـ ب : هارون ، عن ابن صدقة ، عن الصادق ، عن أبيه عليهماالسلام أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : نعم وزير الإيمان العلم ، ونعم وزير العلم الحلم . ونعم وزير الحلم الرفق : ونعم وزير الرفق اللّين .
بيان : الحلم والرفق واللّين وإن كانت متقاربةً في المعنى لكن بينها فرق يسير ، فالحلم هو ترك مكافاة من يسيىءُ إليك والسكوت في مقابلة من يسفه عليك ، ووزيره و معينه : الرفق أي اللّطف والشفقة والإحسان إلى العباد ، فإنّه يوجب أن لا يسفه عليك ولا يسيىء إليك أكثر الناس ، ووزيره ومعينه : لين الجانب وترك الخشونة والغلظة و إضرار الخلق . وفي الكافي : ونعم وزير الرفق الصبر . وفي بعض نسخه : العبرة .
________________________
(١) كذا في النسخ .
٢ ـ ل : ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن الفارسيّ ، (١) عن الجعفريّ ، عن أبيه ، عن الصادق ، عن آبائه ، عن عليّ عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ما جمع شيءٌ إلى شيء أفضل من حلم إلى علم .
لى : ابن شاذويه المؤدّب ، عن محمّد بن عبد الله بن جعفر ، عن أبيه ، عن هارون ، عن ابن صدقة ، عن الصادق ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليهالسلام مثله .
٣ ـ ل : سليمان بن أحمد اللّخميّ ، عن عبد الوهّاب بن خراجة ، عن أبي كريب ، عن عليّ بن حفص العبسيّ ، عن الحسن بن الحسين العلويّ ، عن أبيه الحسين بن زيد ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه عليهمالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : والّذي نفسي بيده ما جمع شيءٌ إلى شيء أفضل من حلم إلى علم .
٤ ـ لى : ابن مسرور ، عن محمّد الحميريّ ، عن أبيه ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن محمّد بن زياد الأزديّ ، عن أبان بن عثمان ، عن ابن تغلب (٢) ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس قال : سمعت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام يقول : طلبة هذا العلم على ثلاثة أصناف ألا فاعرفوهم بصفاتهم وأعيانهم : صنف منهم يتعلّمون للمراء والجهل (٣) ، وصنف منهم يتعلّمون للاستطالة والختل ، وصنف منهم يتعلّمون للفقه والعقل (٤) ، فأمّا صاحب المراء والجهل تراه مؤذياً ممارياً للرجال في أندية المقال ، قد تسر بل بالتخشّع ، وتخلّى من الورع ، فدقّ الله من هذا حيزومه ، وقطع منه خيشومه . وأمّا صاحب الاستطالة والختل
________________________
(١) هو الحسن بن أبي الحسين الفارسي كما صرح به في الفصل الرابع ، وعلى ما هو الموجود في الخصال المطبوع . وفي نسخة من الخصال : الحسين بن الحسن الفارسي ، ولعله الصحيح وهو المترجم في الفهرست ، قال الشيخ في الفهرست ص ٥٥ : الحسين بن الحسن الفارسي القمي ، له كتاب ، أخبرنا به عدة من أصحابنا ، عن أبي المفضل ، عن ابن بطة ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن الحسين بن الحسن الفارسي .
(٢) وزان تضرب ، هو أبان بن تغلب بن رباح ، أبو سعيد البكري الجريري ، مولى بني جرير ابن عبادة بن صبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكاشة بن صعب بن بكر بن وائل ، وجلالة قدره ووثاقته وتبحره في العلوم مسلمة عند العامة والخاصة ، فمن شاء أزيد من هذا فليراجع إلى مظانه .
(٣) وفي نسخة : يتعلمون العلم للمراء والجدال .
(٤) وفي نسخة : العمل .
فإنّه يستطيل على أشباهه من أشكاله ، ويتواضع للأغنياء من دونهم ، فهو لحلوائهم هاضم ، ولدينه حاطم (١) ، فأعمى الله من هذا بصره ، وقطع من آثار العلماء أثره ، وأمّا صاحب الفقه والعقل (٢) تراه ذا كأبة وحزن ، قد قام اللّيل في حندسه وقد انحنى في برنسه ، يعمل ويخشى ، خائفاً وجلاً من كلّ أحد إلّا من كلّ ثقة من إخوانه ، فشدّ الله من هذا أركانه ، وأعطاه يوم القيامة أمانه .
٥ ـ ل : ابن المتوكّل ، عن السعدآباديّ ، عن البرقيّ ، عن أبيه ، عن محمّد بن سنان ، عن أبي الجارود ، عن سعيد بن علاقة ، قال : قال أمير المؤمنين عليهالسلام : طلبة « إلى آخر الخبر » وفيه : يتعلّمون العلم للمراء .
بيان : روي في الكافي بأدنى تغيير بسند مرفوع عن أبي عبد الله عليه السلام . والمراء : الجدال . والجهل : السفاهة وترك الحلم ، والختل بالفتح : الخدعة . والأندية جمع النادي وهو مجتمع القوم ومجلسهم . والسربال : القميص ، وتسربل أي لبس السربال . والتخشّع : تكلّف الخشوع وإظهاره ، وتخلّا أي خلا جدّاً . قوله : فدقّ الله من هذا أي بسبب كلّ واحدة من تلك الخصال ، ويحتمل أن تكون الإشارة إلى الشخص فكلمة من تبعيضيّة . والحيزوم : ما استدار بالظهر والبطن ، أو ضلع الفؤاد ، أو ما اكتنف بالحلقوم من جانب الصدر . والخيشوم : أقصى الأنف . وهما كنايتان عن إذلاله . وفي الكافي : فدقّ الله من هذا خيشومه وقطع منه حيزومه . والمراد بالثاني قطع حياته . قوله : فهو لحلوائهم . أي لأطعمتهم اللّذيذة . وفي بعض النسخ لحلوانهم أي لرشوتهم . والحطم : الكسر . والأثر : ما يبقى في الأرض عند المشي ، وقطع الأثر إمّا دعاء عليه بالزمانة كما ذكره الجزريّ ، أو بالموت ولعلّه أظهر . والكآبة بالتحريك والمدّ و بالتسكين : سوء الحال والإنكار من شدّة الهمّ والحزن ، والمراد حزن الآخرة . و الحندس بالكسر : الظلمة . وقوله : في حندسه بدل من اللّيل ، ويحتمل أن يكون « في » بمعنى « مع » ويكون حالاً من اللّيل . وقوله عليهالسلام : قد انحنى للركوع والسجود كائناً في برنسه . والبرنس : قلنسوة طويلة كان يلبسها النسّاك في صدر الإسلام كما ذكره
________________________
(١) كذا في النسخ ، والظاهر : لدينهم .
(٢) وفي نسخة : والعمل .
الجوهريّ ، أو كلّ ثوب رأسه منه ملتزق به ، من دراعة أو جبّة أو ممطر أو غيره كما ذكره الجزريّ . وفي الكافي : قد تحنّك في برنسه . قوله يعمل ويخشى أي أن لا يقبل منه . قوله عليهالسلام : فشدّ الله من هذا أركانه ، أي أعضاءه وجوارحه ، أو الأعمّ منها ومن عقله وفهمه و دينه وأركان إيمانه ، والفرق بين الصنفين الأوّلين بأنّ الأوّل غرضه الجاه والتفوّق بالعلم ، والثاني غرضه المال والترفّع به ، أو الأوّل غرضه إظهار الفضل على العوام وإقبالهم إليه ، والثاني قرب السلاطين والتسلّط على الناس بالمناصب الدنيويّة .
٦ ـ ل ، ن : أبي ، عن الكميدانيّ (١) ، عن ابن عيسى ، عن البزنطيّ قال : قال أبو الحسن عليهالسلام : من علامات الفقه الحلم والعلم والصمت ، إنَّ الصمت باب من أبواب الحكمة ، إنَّ الصمت يكسب المحبّة ، إنّه دليل على كلّ خير . أقول : في ل : ثلاث من علامات .
٧ ـ ما : المفيد ، عن أبي حفص عمر بن محمّد ، عن عليّ بن مهرويه ، عن داود بن سليمان الغازي ، عن الرضا ، عن آبائه ، عن الحسين عليهالسلام قال : سمعت أمير المؤمنين عليهالسلام يقول : الملوك حكّامٌ على الناس ، والعلم حاكمٌ عليهم ، وحسبك من العلم أن تخشى الله ، وحسبك من الجهل أن تعجب بعلمك .
بيان : حسبك من العلم أي من علامات حصوله ، وكذا الفقرة الثانية .
٨ ـ مع : أبي ، عن محمّد بن أبي القاسم ، عن أبي سمينة ، عن محمّد بن خالد ، عن بعض رجاله ، عن داود الرقّيّ ، عن الثماليّ ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : قال أمير المؤمنين عليهالسلام : ألا اُخبركم بالفقيه حقّاً ؟ قالوا : بلى يا أمير المؤمنين ، قال : من لم يقنّط الناس من رحمة الله ولم يؤمنهم من عذاب الله ، ولم يرخّص لهم في معاصي الله ، ولم يترك القرآن رغبةً عنه إلى
________________________
(١) هو علي بن موسى بن جعفر الكمنداني ، كان من العدة التي روى عنهم محمد بن يعقوب الكليني ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، وروى الصدوق ، عن أبيه ، عنه . وهو من مشائخ الاجازة . والكمندان اما بفتح الكاف والميم وسكون النون وفتح الدال المهملة على ما هو المنسوب الى النجاشي . أو فتح الكاف وكسر الميم وسكون الياء وفتح الدال المهملة أو المعجمة ـ وهي المشهورة اليوم ـ منسوب الى قرية من قرى قم .
غيره ، ألا لا خير في علم ليس فيه تفهّم ، ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبّر ، ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفقّه .
٩ ـ منية المريد : روى الحلبيّ في الصحيح ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قال أمير المؤمنين عليهالسلام : ألا اُخبركم بالفقيه حقّ الفقيه ، من لم يقنّط الناس « إلى قوله » : ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفكّر .
١٠ ـ ل : العطّار ، عن أبيه ، عن محمّد بن أحمد ، عن ابن معروف ، عن ابن غزوان ، عن السكونيّ ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه عليهماالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : صنفان من اُمّتي إذا صلحا صلحت اُمّتي ، وإذا فسدا فسدت اُمّتي ، قيل : يا رسول الله ومن هما ؟ قال : الفقهاءُ والاُمراءُ .
١١ ـ ل : أبي ، عن محمّد العطّار ، عن محمّد بن أحمد ، عن عليّ بن السنديّ ، عن محمّد بن عمرو بن سعيد ، عن موسى بن أكيل (١) قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : لا يكون الرجل فقيهاً حتّى لا يبالي أي ثوبيه ابتذل ؟ ، وبما سدّ فورة الجوع ؟ .
بيان : ابتذال الثوب : امتهانه وعدم صونه ، والبذلة : ما يمتهن من الثياب ، و المراد أن لا يبالي أي ثوب لبس ؟ سواء كان رفيعاً أو خسيساً ، جديداً أو خلقاً ، ويمكن أن يقرأ ابتذل على البناء للمفعول ، أي لا يبالي أي ثوب من أثوابه بلى وخلق ؟ . وفورة الجوع : غليانه وشدّته .
١٢ ـ ل : العسكريّ ، عن أحمد بن محمّد بن اُسيد الإصفهانيّ ، عن أحمد بن يحيى الصوفيّ ، عن أبي غسّان ، عن مسعود بن سعد الجعفيّ ، ـ وكان من خيار من أدركنا ـ عن يزيد ابن أبي زياد ، عن مجاهد ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : أشدّ ما يتخوّف على اُمّتي ثلاثةٌ : زلّة عالم ، أو جدال منافق بالقرآن ، أو ديناً تقطع رقابكم فاتّهموها على أنفسكم .
١٣ ـ ل : أحمد بن محمّد بن عبد الرحمن المقري ، عن محمّد بن جعفر المقري ، عن محمّد بن الحسن الموصليّ ، عن محمّد بن عاصم الطريفيّ ، عن عيّاش بن زيد بن الحسن ، عن يزيد بن
________________________
(١) قال النجاشي في رجاله ص ٢٩١ : موسى بن أكيل النميري كوفي ، ثقة ، روى عن أبي عبد الله عليه السلام . له كتاب يرويه جماعة .
الحسن قال : حدّثني موسى بن جعفر ، عن أبيه الصادق جعفر بن محمّد عليهمالسلام قال : الناس على أربعة أصناف : جاهل متردّي معانق لهواه ، وعابد متقوّي كلّما ازداد عبادةً ازداد كبراً ، وعالم يريد أن يوطأ عقباه ويحبّ محمدة الناس ، وعارف على طريق الحقِّ يحبّ القيام به فهو عاجز أو مغلوب ، فهذا أمثل أهل زمانك وأرجحهم عقلاً .
بيان : التردّي : الهلاك ، والوقوع في المهالك الّتي يعسر التخلّص منها كالمتردّي في البئر . وقوله عليهالسلام متقوّي أي كثير القوّة في العبادة ، أو غرضه من العبادة طلب القوّة والغلبة والعزّ ، أو من قوي كرضي إذا جاع شديداً . قوله عليهالسلام : فهو عاجز أي في بدنه ، أو مغلوب من السلاطين خائف . فهذا أمثل أي أفضل أهل زمانك .
١٤ ـ ل : أبي ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن أحمد ، عن أبي عبد الله الرازيّ ، عن ابن أبي عثمان ، عن أحمد بن عمر الحلّال (١) ، عن يحيي بن عمران الحلبيّ ، قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : سبعة يفسدون أعمالهم : الرجل الحليم ذو العلم الكثير لا يعرف بذلك ولا يذكر به ، والحكيم الّذي يدبّر ما له كلّ كاذب منكر لما يؤتي إليه ، والرجل الّذي يا من ذا المكر والخيانة ، والسيّد الفظّ الّذي لا رحمة له ، والاُمّ الّتي لا تكتم عن الولد السرّ وتفشي عليه ، والسريع إلى لائمة إخوانه ، والّذي يجادل أخاه مخاصماً له .
ايضاح : قوله لا يعرف بذلك أي لا ينشر علمه ليعرف به . وقوله : منكر لما يؤتي إليه : صفةٌ للكاذب ، أي كلّما يعطيه ينكره ولا يقرُّبه ، أو لا يعرف ما اُحسن إليه . قال الفيروزآباديّ : أتى إليه الشيء : ساقه إليه . وقوله : يا من ذا المكر أي يكون آمناً منه لا يحترز من مكره وخيانته . قوله عليهالسلام : والّذي يجادل أخاه أي في النسب أو في الدين .
________________________
(١) بفتح الحاء المهملة وتشديد اللام : بياع الشيرج وهو دهن السمسم ، أورده النجاشي في ص ٧٢ من رجاله وقال : أحمد بن عمر الحلال يبيع الحل يعني الشيرج ، روى عن الرضا عليهالسلام ، وله عنه مسائل . وقال العلامة في القسم الاول من الخلاصة : أحمد بن علي الحلال ـ بالحاء غير المعجمة واللام المشددة ـ وكان يبيع الحل وهو الشيرج ثقة ، قاله الشيخ الطوسي رحمه الله وقال : انه كان روى الاصل ، فعندي توقف في قبول روايته لقوله هذا ، وكان كوفيا أنماطيا من أصحاب الرضا عليه السلام .
فكلّ هؤلاء يفسدون مساعيهم وأعمالهم بترك متمّماتها ، فالعالم بترك النشر يفسد علمه ، وذو المال يفسد ماله بترك الحزم ، وكذا الّذي يا من ذا المكر يفسد ماله ونفسه وعزّه ودينه . والسيّد الفظّ الغليظ يفسد سيادته ودولته أو إحسانه إلى الخلق والاُمّ تفسد رأفتها ومساعيها بولدها وكذا الأخيران .
١٥ ـ ل : العطّار ، عن أبيه وسعد ، عن البرقيّ ، عن ابن ابي عثمان ، عن موسى بن بكر ، عن أبي الحسن الأوّل ، عن أبيه عليهماالسلام قال : قال أمير المؤمنين عليهالسلام : عشرة يعنّتون أنفسهم وغيرهم : ذو العلم القليل يتكلّف أن يعلّم الناس كثيراً ، والرجل الحليم ذو العلم الكثير ليس بذي فطنة ، والّذي يطلب ما لا يدرك ولاينبغي له ، والكادّ غير المتّئد ، والمتّئد : الّذي ليس له مع تؤدته علم ، وعالم غير مريد للصلاح ، ومريد للصلاح وليس بعالم ، والعالم يحبّ الدنيا ، والرحيم بالناس يبخل بما عنده ، وطالب العلم يجادل فيه من هو أعلم فإذا علّمه لم يقبل منه .
توضيح : قال الفيروزآباديّ : العنت محرّكةً : الفساد والإثم والهلاك ودخول المشقّة على الإنسان ، وأعنته غيره . قوله : ليس بذي فطنة أي حصّل علماً كثيراً لكن ليس بذي فطانة وفهم يدرك حقائقها ، فهو ناقص في جميعها . والتؤدة : الرزانة والتأنّي ، والفعل : اتّأد وتوأّد . أي من يكدّ ويجدّ في تحصيل أمر لكن لا بالتأنّي بل بالتسرُّع وعدم التثبّت ، فهؤلاء لا يحصل لهم في سعيهم سوى العنت والمشقّة .
١٦ ـ سن : أبي ، عن فضالة ، عن أبان بن عثمان ، عن الفضل بن عبد الملك ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : إنّ أبا جعفر عليهالسلام سئل عن مسألة فأجاب فيها ، فقال الرجل : إنّ الفقهاء لا يقولون هذا ، فقال له أبي : ويحك إنّ الفقيه : الزاهد في الدنيا ، الراغب في الآخرة ، المتمسّك بسنّة النبيّ صلىاللهعليهوآله .
١٧ ـ سن : الوشّاء ، عن مثنّى بن الوليد ، عن أبي
بصير ، قال : سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : كان في خطبة أبي ذرّ رحمة الله
عليه : يا مبتغي العلم لا يشغلك أهل ومال عن نفسك ، أنت يوم تفارقهم كضيف بتَّ فيهم ثمّ غدوت عنهم إلى غيرهم ، الدنيا والآخرة كمنزل تحوّلت منه إلى غيره ، وما بين الموت والبعث إلّا كنومة نمتها ثمّ استيقظت
منها يا مبتغى العلم إنّ قلباً ليس فيه شيءٌ من العلم كالبيت الخرب لا عامر له .
بيان : لعلّ المراد بقوله : ما بين الموت والبعث أنّه مع قطع النظر عن نعيم القبر وعذابه فهو سريع الانقضاء ، وينتهي الأمر إلى العذاب أو النعيم بغير حساب ، وإلّا فعذاب القبر ونعيمه متّصلان بالدنيا ، فهذا كلام على التنزّل (١) ، أو يكون هذا بالنظر إلى الملهوّ عنهم لا جميع الخلق .
١٨ ـ مص : قال الصادق عليهالسلام : الخشية ميراث العلم ، والعلم شعاع المعرفة وقلب الإيمان ، ومن حرم الخشية لا يكون عالماً وإن شقّ الشعر في متشابهات العلم . قال الله عز وجلّ : إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ . وآفة العلماء ثمانية أشياء : الطمع ، و البخل ، والرياء ، والعصبيّة . وحبّ المدح ، والخوض فيما لم يصلوا إلى حقيقته ، والتكلّف في تزيين الكلام بزوائد الألفاظ ، وقلّة الحياء من الله ، والافتخار ، وترك العمل بما علموا .
١٩ ـ قال عيسى بن مريم عليهالسلام : أشقى الناس من هو معروف عند الناس بعلمه مجهول بعمله .
٢٠ ـ قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : لا تجلسوا عند كلّ داع مدّع يدعوكم من اليقين إلى الشكّ ، ومن الإخلاص إلى الرياء ، ومن التواضع إلى الكبر ، ومن النصيحة إلى العداوة ، ومن الزهد إلى الرغبة . وتقرّبوا إلى عالم يدعوكم من الكبر إلى التواضع ، ومن الرياء إلى الإخلاص ، ومن الشكّ إلى اليقين ، ومن الرغبة إلى الزهد ، ومن العداوة إلى النصيحة . ولا يصلح لموعظة الخلق إلّا من خاف هذه الآفات بصدقه ، وأشرف على عيوب الكلام ، وعرف الصحيح من السقيم وعلل الخواطر وفتن النفس والهوى .
________________________
(١) هذا منه رحمه الله عجيب فان كون الموت نوماً والبعث كالانتباه عن النوم ليس مقصوراً بكلام أبي ذر رحمه الله ، والاخبار مستفيضة بذلك على ما سيأتي في ابواب البرزخ وسؤال القبر وغير ذلك ؛ بل المراد ان نسبة الموت والبرزخ الى البعث كنسبة النوم الى الانتباه بعده . وأعجب منه قوله ثانياً : أو يكون هذا بالنظر إلى الملهو عنهم لا جميع الخلق ، فان ترك بعض الاموات ملهوا عنه مما يستحيل عقلا ونقلا ، وما يشعر به من الروايات مؤوّل او مطروح البتة . ط
٢١ ـ قال امير المؤمنين عليه السلام كن كالطبيب الرفيق (١) الّذي يدع الدواء بحيث ينفع .
ايضاح : قوله عليهالسلام : العلم شعاع المعرفة أي هو نور شمس المعرفة ويحصل من معرفته تعالى ، أو شعاع به يتّضح معرفته تعالى ، والأخير أظهر . وقلب الإيمان أي أشرف أجزاء الإيمان وشرائطه وبانتفائه ينتفي الإيمان . قوله عليهالسلام : بصدقه إي خوفاً صادقاً ، أو بسبب أنّه صادق فيما يدّعيه وفيما يعظ به الناس .
٢٢ ـ شا : روى إسحاق بن منصور السكونيّ ، عن الحسن بن صالح قال : سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : ما شيب شيءٌ أحسن من حلم بعلم .
٢٣ ـ جا : الجعابيّ ، (٢) عن ابن عقدة ، عن محمّد بن أحمد بن خاقان ، عن سليم الخادم ، عن إبراهيم بن عقبة ، عن جعفر بن محمّد عليهماالسلام قال : إنّ صاحب الدين فكّر فعَلته السكينة ، واستكان فتواضع ، وقنع فاستغنى ، ورضي بما اُعطى ، وانفرد فكفى الأحزان ، ورفض الشهوات فصار حرّاً ، وخلع الدنيا فتحامى الشرور ، وطرح الحقد فظهرت المحبّة ، ولم يخف الناس فلم يخفهم ، ولم يذنب إليهم فسلم منهم ، وسخط نفسه عن كلّ شيء ففاز واستكمل الفضل ، وأبصر العاقبة فآمن الندامة .
بيان : فكّر أي في خساسة أصله ومعائب وعاقبة أمره ، أو في الدنيا وفنائها ومعائبها . فعلته أي غلبت عليه السكينة واطمئنان النفس وترك العلوّ والفساد وعدم الانزعاج عن الشهوات . واستكان أي خضع وذلّت نفسه ، وترك التكبّر فتواضع عند الخالق
________________________
(١) وفي نسخة : الشفيق .
(٢) بكسر الجيم وفتح العين المهملة نسبة إلى صنع الجعاب وبيعها ، وهي جمع الجعبة ، وهي كنانة النبل ، هو محمد بن عمر بن محمد بن سالم بن البراء بن سبرة بن يسار التميمي ، أبو بكر المعروف بالجعابي الحافظ الكوفي القاضي ، كان من أساتيد الشيخ المفيد قدس سره ، ترجمه العامة والخاصة في كتبهم مع اكباره والتصديق بفضله وتبحّره وحفظه وتشيعه ، قال السمعاني في انسابه بعد ما بالغ في الثناء على علمه وحفظه : وقال أبو عمر والقاسم بن جعفر الهاشمي : سمعت الجعابي يقول : أحفظ أربعمائة ألف حديث واذاكر بستمائة ألف ، وكانت ولادته في صفر سنة ٢٨٥ ومات ببغداد في النصف من رجب سنة ٣٤٤ انتهى . وله في رجال النجاشي وغيره ذكر جميل ولعلنا نشير اليه فيما يأتي .
والخلق ، وانفرد عن علائق الدنيا فارتفعت عنه أحزانه الّتي كانت تلزم لتحصيلها . قوله عليهالسلام : فتحامى الشرور أي اجتنبها ، قال الجوهريّ : تحاماه الناس أن توقّوه واجتنبوه . قوله : عن كلّ شيء « عن » للبدل ، أي بدلاً عن سخط كلّ شيء ، ولا يبعد أن يكون : وسخت نفسه . بالتاء المنقوط فصحّف منهم .
٢٤ ـ جا : أحمد بن الوليد ، عن أبيه ، عن الصفّار ، عن ابن معروف ، عن ابن مهزيار ، قال : أخبرني ابن إسحاق الخراسانيّ ـ صاحب كان لنا ـ قال : كان أمير المؤمنين عليهالسلام يقول : لا ترتابوا فتشكّوا ، ولا تشكّوا فتكفروا ، ولا ترخصوا لأنفسكم فتدهنوا ، ولا تداهنوا في الحقّ فتخسروا ، وإنَّ من الحزم أن تتفقّهوا ، ومن الفقه أن لا تغترّوا ، وإنّ أنصحكم لنفسه أطوعكم لربّه ، وإنّ أغشّكم لنفسه أعصاكم لربّه ، من يطع الله يأمن ويرشد ، ومن يعصه يخب ويندم ، واسألوا الله اليقين ، وارغبوا إليه في العافية ، و خير ما دار في القلب اليقين ، أيّها الناس إيّاكم والكذب ، فإنّ كلّ راج طالب وكلّ خائف هارب .
بيان : لا ترتابوا أي لا تتفكّروا فيما هو سبب للريب من الشبهة ، أو لا ترخصوا لأنفسكم في الريب في بعض الأشياء فإنّه ينتهي إلى الشكّ في الدين والشكّ فيه كفر . و لا ترخصوا لأنفسكم في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أو مطلق الطاعات ، فينتهي إلى المداهنة والمساهلة في الدين . ومن الفقه أن لا تغترّوا أي بالعلم والعمل أو بالدنيا و زهراتها . قوله عليهالسلام : إيّاكم والكذب أي في دعوى الخوف والرجاء بلا عمل فإنّ كل راج يعمل لما يرجوه وكلّ خائف يهرب ممّا يخاف منه .
٢٥ ـ ضه : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : علماءُ هذه الأمّة رجلان : رجل آتاه الله علماً فطلب به وجه الله والدار الآخرة وبذله للناس ولم يأخذ عليه طمعاً ولم يشتر به ثمناً قليلاً ، فذلك يستغفر له من في البحور ، ودوابّ البحر والبرّ ، والطير في جوّ السماء ، ويقدم على الله سيّداً شريفاً ، ورجل آتاه الله علماً فبخل به على عباد الله ، وأخذ عليه طمعاً ، واشترى به ثمناً قليلاً ، فذلك يلجم يوم القيامة بلجام من نار ، وينادي ملك من الملائكة على رؤوس الأشهاد : هذا فلان بن فلان آتاه الله علماً في دار الدنيا فبخل به على عباده ، حتّى يفرغ من الحساب .
منية المريد : عنه صلىاللهعليهوآله مثله إلى قوله : فبخل به على عباد الله ، وأخذ عليه طمعاً واشترى به ثمناً ، وكذلك حتّى يفرغ من الحساب .
٢٦ ـ ختص : قال الرضا عليهالسلام : من علامات الفقه الحلم والعلم والصمت .
٢٧ ـ ختص : فرات بن أحنف قال : قال أمير المؤمنين عليهالسلام : تبذّل لا تشهر ، ووار شخصك لا تذكر ، وتعلّم واكتم ، واصمت تسلم ، قال : وأومأ بيده إلى صدره فقال : يسرّ الأبرار ، ويغيظ الفجّار .
بيان : قال الجزريّ : في حديث الاستسقاء : فخرج متبذّلاً التبذّل : ترك التزيّن ، والتهيّؤ بالهيئة الحسنة الجميلة على جهة التواضع انتهى . أقول : يحتمل هنا معنى آخر بأن يكون المراد ابتذال النفس بالخدمة ، وارتكاب خسائس الأعمال ، والإيماء إلى الصدر لبيان تعيين الفرد الكامل من الأبرار .
٢٨ ـ ما : جماعة ، عن أبي المفضّل ، عن عبد الرزّاق بن سليمان ، عن الفضل بن المفضّل ابن قيس ، عن حمّاد بن عيسى ، عن ابن اُذينة ، عن أبان بن أبي عيّاش ، عن سليم بن قيس ، عن عليّ بن أبي طالب عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : من فقه الرجل قلّة كلامه فيما لا يعينه .
٢٩ ـ ما : الحسين بن إبراهيم القزوينيّ ، عن محمّد بن وهبان ، عن أحمد بن إبراهيم ، عن الحسن بن عليّ الزعفراني ، عن البرقيّ ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : إنّ أعظم الناس حسرةً يوم القيامة من وصف عدلاً ثمّ خالفه إلى غيره .
بيان : أي بيّن للناس خيراً ولم يعمل به ، أو قبل ديناً حقّاً وأظهره ولم يعمل بمقتضاه .
٣٠ ـ نوادر الراونديّ : بإسناده عن موسى بن جعفر ، عن آبائه عليهمالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يبعث الله المقنّطين يوم القيامة مغلبةً وجوههم يعني غلبة السواد على البياض فيقال لهم : هؤلاء : المقنّطون من رحمة الله .
٣١ ـ ما : ابن الصلت ، عن ابن عقدة ، عن محمّد بن
عيسى الضرير ، عن محمّد بن زكريّا
المكّيّ ، عن كثير بن طارق ، عن زيد ، عن أبيه عليّ بن الحسين عليهماالسلام قال : سئل عليّ بن أبي طالب عليهالسلام : من أفصح الناس ؟ قال : المجيب المسكت عند بديهة السؤال .
٣٢ ـ نهج : قال أمير المؤمنين عليهالسلام في كلام له : والناس منقوصون مدخولون إلّا من عصم الله ، سائلهم متعنّت ، ومجيبهم متكلّف ، يكاد أفضلهم رأياً يردّه عن فضل رأيه الرضاءُ والسخط ، ويكاد أصلبهم عوداً تنكاه اللّحظة وتستحيله الكلمة الواحدة .
٣٣ ـ وقال عليهالسلام : من نصب نفسه للناس إماماً فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره ، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه ، ومعلّم نفسه ومؤدّبها أحقّ بالإجلال من معلّم الناس ومؤدّبهم .
٣٤ ـ وقال عليهالسلام : الفقيه كلّ الفقيه من لم يقنّط الناس من رحمة الله ، ولم يؤيسهم من روح الله ، ولم يؤمنهم من مكر الله .
٣٥ ـ وقال عليهالسلام : إنّ أوضع العلم ما وقف على اللّسان ، وأرفعه ما ظهر في الجوارح والأركان .
٣٦ ـ وقال عليهالسلام : إنّ من أحبّ عباد الله إليه عبداً أعانه الله على نفسه فاستشعر الحزن ، وتجلبب الخوف ، فزهر مصباح الهدى في قلبه ، وأعدّ القرى ليومه النازل به ، فقرّب على نفسه البعيد ، وهوّن الشديد ، نظر فأبصر ، وذكر فاستكثر ، وارتوى من عذب فرات سهلت له موارده ، فشرب نهلاً ، (١) وسلك سبيلاً جدداً ، قد خلع سرابيل الشهوات ، وتخلّى من الهموم إلّا همّاً واحداً انفرد به ، فخرج من صفة العمى ومشاركة أهل الهوى ، وصار من مفاتيح أبواب الهدى ، ومغاليق أبواب الردى ، قد أبصر طريقه ، وسلك سبيله ، وعرف مناره ، وقطع غماره ، واستمسك من العرى بأوثقها ، ومن الحبال بأمتنها ، فهو من اليقين على مثل ضوء الشمس ، قد نصب نفسه لله سبحانه في أرفع الاُمور من إصدار كلّ وارد عليه ، وتصيير كلّ فرع إلى أصله ، مصباح ظلمات ، كشّاف عشوات ، (٤) مفتاح مبهمات ،
________________________
(١) بفتح النون والهاء .
(٢) الجدد بفتح الجيم والدال : الارض الغليظة المستوية .
(٣) وهو همّ الاخرة ، وما يطلب منه الرب تعالى ، وما يوجب سعادته أو شقاوته .
(٤) أي ظلمات .
دفّاع (١) معضلات ، دليل فلوات ، يقول فيُفهم ، ويسكت فيسلم ، قد أخلص لله فاستخلصه ، فهو من معادن دينه ، وأوتاد أرضه ، قد ألزم نفسه العدل ، فكان أوّل عدله نفي الهوى عن نفسه ، يصف الحقّ ويعمل به ، لا يدع للخير غايةً إلّا أمّها (٢) ولا مظنّةً إلّا قصدها ، قد أمكن الكتاب من زمامه ، فهو قائده وإمامه ، يحلّ حيث حلّ ثقله ، وينزل حيث كان منزله .
وآخر قد تسمّى عالماً وليس به ، فاقتبس جهائل من جهّال ، وأضاليل من ضُلّال ، ونصب للناس أشراكاً من حبال غرور وقول زور ، قد حمل الكتاب على آرائه ، وعطف الحقّ على أهوائه ، يؤمن من العظائم ، ويهوّن كبير الجرائم ، يقول : أقف عند الشبهات وفيها وقع ، ويقول : أعتزل البدع وبينها اضطجع ، فالصورة صورة إنسان ، والقلب قلب حيوان ، لا يعرف باب الهدى فيتّبعه ، ولا باب العمى فيصدّ عنه ، فذلك ميّت الأحياء ، فأين تذهبون ؟ وأنّى تؤفكون ؟ والأعلام قائمةٌ ، والآيات واضحةٌ ، والمنار منصوبةٌ . إلى آخر الخطبة .
بيان : فاستشعر الحزن أي جعله شعاراً له . وتجلبب الخوف أي جعله جلباباً ، وهو ثوب يشمل البدن . فزهر أي أضاء . والقرى : الضيافة . فقرّب على نفسه البعيد أي مثّل الموت بين عينيه . وهوّن الشديد أي الموت ورضي به واستعدّ له ، أو المراد بالبعيد أمله الطويل ، وبتقريبه تقصيره له بذكر الموت . وهوّن الشديد أي كلّف نفسه الرياضة على المشاقّ من الطاعات ، وقيل : اُريد بالبعيد رحمة الله أي جعل نفسه مستعدّةً لقبولها بالقربات وبالشديد عذاب الله فهوّنه بالأعمال الصالحة ، أو شدائد الدنيا باستحقارها في جنب ما اُعدّ له من الثواب . نظر أي بعينه فاعتبر ، أو بقلبه فأبصر الحقّ من عذب فرات أي العلوم الحقّة ، والكلمات الحقيقيّة ، وقيل : من حبّ الله . فشرب نهلاً أي شرباً أوّلاً سابقاً على أمثاله . سبيلاً جدداً أي لا غبار فيه ولاوعث . والسربال : القميص . والردى : الهلاك وقطع غماره أي ما كان مغموراً فيه من شدائد الدنيا . من إصدار كلّ وارد عليه أي هداية الناس . وأنّى تؤفكون أي تصرفون .
________________________
(١) بفتح الدال وتشديد الفاء : كثير الدفع .
(٢) أي قصدها .
٣٧ ـ نهج : قال أمير المؤمنين عليهالسلام : العالم من عرف قدره ، وكفى بالمرء جهلاً أن لا يعرف قدره ، وإنّ أبغض الرجال إلى الله العبد وكّله الله إلى نفسه جائراً عن قصد السبيل سائراً ، إن دُعي إلى حرث الدنيا عمل ، وإلى حرث الآخرة كسل ، كأنّ ما عمل له واجبٌ عليه ، وكأنّ ما ونى فيه ساقطٌ عنه .
بيان : قال ابن ميثم : من عرف قدره أي مقداره ومنزلته بالنسبة إلى مخلوقات الله تعالى ، وأنّه أيّ شيء منها ، ولأيّ شيء خلق ، وماطوره المرسوم في كتاب ربّه ، وسنن أنبيائه . وكأنّ ما ونى فيه أي ما فتر فيه وضعف عنه .
٣٨ ـ كنز الكراجكي : قال أمير المؤمنين عليه السلام : رأس العلم الرفق ، وآفته الخرق (١) .
٣٩ ـ وقال عليهالسلام : زلّة العالم كانكسار السفينة تغرق وتُغرق .
٤٠ ـ وقال عليهالسلام : الآداب تلقيح الأفهام ، ونتائج الأذهان .
وقال رحمه الله من عجيب ما رأيت واتّفق لي أنّي توجّهت يوماً لبعض أشغالي وذلك بالقاهرة في شهر ربيع الآخر سنة ستّ وعشرين وأربعمائة ، فصحبني في طريقي رجل كنت أعرفه بطلب العلم وكتب الحديث ، فمررنا في بعض الأسواق بغلام حدث (٢) ، فنظر إليه صاحبي نظراً استربت منه ، ثمّ انقطع عنّي ومال إليه وحادثه ، فالتفتت انتظارا له فرأيته يضاحكه ، فلمّا لحق بي عذلته (٣) على ذلك ، وقلت له : لا يليق هذا بك فما كان بأسرع من أن وجدنا بين أرجلنا في الأرض ورقةً مرميّةً ، فرفعتها لئلّا يكون فيها اسم الله تعالى ، فوجدتها قديمةً فيها خطّ رقيق قد اندرس بعضه وكأنّها مقطوعة من كتاب فتأمّلتها ، فإذا فيها حديث ذهب أوّله وهذه نسخته : قال : إنّي أنا أخوك في الإسلام ، ووزيرك في الإيمان ، وقد رأيتك على أمر لم يسعني أن أسكت فيه عنك ، ولست أقبل فيه العذر منك ، قال : وما هو ؟ حتّى أرجع عنه وأتوب إلى الله تعالى منه ، قال : رأيتك تضاحك حدثاً غرًّا جاهلاً باُمور الله وما يجب من حدود الله ، وأنت رجل قد رفع الله قدرك بما تطلب
________________________
(١) بضم الخاء وسكون الراء وفتحهما : ضد المرفق .
(٢) أي شاب .
(٣) أي لمته .
من العلم ، وإنّما أنت بمنزلة رجل من الصدّيقين ، لأنّك تقول : حدّثنا فلان ، عن فلان ، عن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، عن جبرئيل ، عن الله ، فيسمعه الناس منك ويكتبونه عنك ويتّخذونه ديناً يعوّلون عليه ، وحكماً ينتهون إليه ، وإنّما أنهاك أن تعود لمثل الّذي كنت عليه ، فإنّي أخاف عليك غضب من يأخذ العارفين قبل الجاهلين ، ويعذّب فسّاق حملة القرآن قبل الكافرين . فما رأيت حالاً أعجب من حالنا ، ولاعظةً أبلغ ممّا اتّفق لنا ، ولمّا وقف صاحبي اضطرب لها اضطراباً بان فيها أثر لطف الله تعالى لنا ، وحدّثني بعد ذلك أنّه انزجر عن تفريطات كانت تقع منه في الدين والدنيا والحمد لله .
٤١ ـ عدة : في قول الله تعالى : إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ . قال : يعني من يصدّق قوله فعله ، ومن لم يصدّق قوله فعله فليس بعالم .
٤٢ ـ منية المريد : عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : كان أمير المؤمنين عليهالسلام يقول : إنّ للعالم ثلاث علامات : العلم ، والحلم ، والصمت . وللمتكلّف ثلاث علامات : ينازع من فوقه بالمعصية ، ويظلم من دونه بالغلبة ، ويظاهر الظلمة (١) .
( باب ١٢ )
* ( آداب التعليم ) *
الايات ، الكهف : قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا ٧٣
١ ـ ما : أبو المفضّل الشيبانيّ ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى بن العبّاد ، عن محمّد بن عبد الجبّار السدوسيّ ، عن عليّ بن الحسين بن عون بن أبي حرب بن أبي الأسود الدئلي قال : حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن أبي حرب بن أبي الأسود ، عن أبيه أبي الأسود أنّ رجلاً سأل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام عن سؤال فبادر فدخل منزله ثمّ خرج فقال : أين السائل ؟ فقال الرجل : ها ، أنا يا أمير المؤمنين قال : ما مسألتك ؟ قال : كيت وكيت ، فأجابه عن سؤاله ، فقيل : يا أمير المؤمنين كنّا عهدناك إذا سئلت عن المسألة كنت فيها كالسكّة المحماة جواباً ، فما بالك أبطأت اليوم عن جواب هذا
________________________
(١) أي يعاونهم .
الرجل حتّى دخلت الحجرة ثمّ خرجت فأجبته ؟ فقال : كنت حاقناً ولا رأى لثلاثة : لا رأى لحاقن ، ولا حازق ، ثمّ أنشأ يقول :
إذا المشكلات تصدّين لي |
|
كشفت حقائقها بالنظر |
وإن برقت في مخيل الصواب |
|
عمياء لاجتليها البصر |
مقنّعة بغيوب الاُمور |
|
وضعت عليها صحيح النظر (١) |
لساناً كشقشقة الأرحبيّ |
|
أو كالحسام البتار الذكر |
وقلباً إذا استنطقته الهموم |
|
أربى عليها بواهي الدرر |
ولست بإمّعة في الرجال |
|
اُسائل هذا وذا ما الخبر ؟ (٢) |
ولكننيّ مدرب الأصغرين |
|
اُبيّن مع ما مضى ما غبر |
بيان : قال الفيروزآباديّ : كيت وكيت ويكسر آخرهما ، أي كذا وكذا والتاء فيهما هاءٌ في الأصل . والسكّة : المسمار ، والمراد هنا الحديدة الّتي يكوّى بها ، وهذا كالمثل في السرعة في الأمر ، أي كالحديدة الّتي حميت في النار كيف يسرع في النفوذ في الوبر عند الكيّ ، كذلك كنت تسرع في الجواب ، وسيأتي في الأخبار : كالمسمار المحمرّة في الوبر . قوله عليهالسلام لا رأى لثلاثة الظاهر أنّه سقط أحد الثلاثة من النسّاخ وهو الحاقب قال الجزري : فيه لا رأى لحازق الحازق : الّذي ضاق عليه خفّه فخرق رجله ، أي عصرها وضغطها ، وهو فاعل بمعنى مفعول ، ومنه الحديث الآخر : لا يصلّي وهو حاقن أو حاقب أو حازق ؛ وقال في حقب : فيه لا رأى لحاقب ولا لحاقن الحاقب : الّذي احتاج إلى الخلاء فلم يتبرّز فانحصر غائطه ؛ وقال في حقن : فيه لا رأى لحاقن هو الّذي حبس بوله كالحاقب للغائط انتهى . ويحتمل أن يكون المراد بالحاقن هنا حابس الأخبثين فهو في موضع إثنين منهما ، ويقال : تصدّى له أي تعرّض .
وقوله : إن برقت ، أي تلألأت وظهرت . في مخيل الصواب أي في محلّ تخيّل الأمر الحقّ أو التفكّر في تحصيل الصواب من الرأى ، وعمياء فاعل برقت وهي المسألة
________________________
(١) وفي نسخة : الفكر .
(٢) وفي نسخة : وماذا الخبر .