بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٢٦
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

والعشوة ـ بالمهملة ـ : الظلمة والعمى ، وبالمعجمة أيضاً يرجع إلى معنى العمى . والأوباش أخلاط الناس ورذالهم . وسائر الفقرات قد مرَّ تفسيرها (١) وإنّما ذكرناها مكرّراً للاختلاف الكثير بين الروايات .

٣٠ ـ ما : عبد الواحد بن محمّد ، عن ابن عقدة ، عن أحمد بن يحيى ، عن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن الأعمش ، عن تميم بن سلمة ، عن أبي عبيدة عن عبد الله أنّه قال : اقتصاد في سنّة خير من اجتهاد في بدعة . قال عبد الله : تعلّموا ممّن علم فعمل .

٣١ ـ ما : ابن الصلت ، عن ابن عقدة ، عن محمّد بن عبد الملك ، عن هارون بن عيسى ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه قال أخبرني عليُّ بن موسى ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله عن أبيه عليهم‌السلام عن جابر بن عبد الله : أنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال في خطبته : إنَّ أحسن الحديث كتاب الله ، وخير الهدى هدى محمّد ، وشرُّ الاُمور محدثاتها ، وكلُّ محدثة بدعة ، وكلُّ بدعة ضلالة . وكان إذا خطب قال في خطبته : أمّا بعد . فإذا ذكر الساعة اشتدَّ صوته واحمرَّت وجنتاه ثمَّ يقول صبحتكم الساعة أو مستكم ، ثمَّ يقول : بعثت أنا والساعة كهذه من هذه ـ ويشير بأصبعيه ـ .

بيان : يقال : صبحهم ـ بالتخفيف والتشديد ـ أي أتاهم صباحاً .

٣٢ ـ مع : ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن ابن عيسى ، عن ابن معروف ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن ابن مسكان . عن أبي الربيع قال : قلت : ما أدنى ما يخرج به الرجل من الإيمان ؟ قال : الرأي يراه مخالفاً للحقِّ فيقيم عليه .

سن : أبي ، عن حمّاد مثله .

٣٣ ـ مع : بهذا الإسناد ، عن ابن عيسى ، عن الأهوازيّ ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد ، عن الحلبيّ ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما أدنى ما يكون به العبد كافراً ؟ قال : أن يبتدع شيئاً فيتولّى عليه ويبرأ ممّن خالفه .

٣٤ـ مع : بهذا الإسناد ، عن ابن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن اُذينة ، عن بريد العجليّ ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما أدنى ما يصير به العبد كافراً ؟ قال : فأخذ

________________________

(١) في باب من يجوز أخذ العلم منه . تحت الرقم ٥٩ .

٣٠١
 &

حصاةً من الأرض فقال : أن يقول لهذه الحصاة أنّها نواة ويبرأ ممّن خالفه على ذلك ، ويدين الله بالبراءة ممّن قال بغير قوله ، فهذا ناصب قد أشرك بالله وكفر من حيث لا يعلم .

بيان : التمثيل بالحصاة لبيان أنّ كل من أبدع شيئاً واعتقد باطلاً وإن كان في شيء حقير واتّخذ ذلك رأيه ودينه وأحبّ عليه وأبغض عليه فهو في حكم الكافر في شدّة العذاب والحرمان عن الزلفى يوم الحساب .

٣٥ ـ يد : الطالقانيّ ، عن الجلوديّ ، عن الجوهريّ ، عن الضبّيّ ، عن أبي بكر الهذليّ ، عن عكرمة قال : قال الحسين بن عليّ عليهما‌السلام : من وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في الارتماس ، مائلاً عن المنهاج ، ظاعناً في الاعوجاج (١) ، ضالّاً عن السبيل ، قائلاً غير الجميل . الخبر .

٣٦ ـ ير : ابن عيسى ، عن الأهوازيّ ، عن النضر ، عن القاسم بن سليمان ، عن المعلّى بن خنيس (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزّ وجلّ : وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّـهِ . يعني من يتّخذ دينه رأيه بغير هدى إمام من أئمّة الهدى .

٣٧ ـ ير : ابن عيسى ، عن البزنطيّ ، عن أبي الحسن عليه‌السلام في قول الله عزّ وجلّ : وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّـهِ . يعني من اتّخذ دينه رأيه بغير هدى إمام من أئمّة الهدى .

٣٨ ـ ير : عبد الله بن محمّد ، عن محمّد بن الحسين ، عن الحجّال ، عن غالب النحويّ ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله تعالى : وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّـهِ . قال : اتّخذ رأيه ديناً .

________________________

(١) وفي نسخة : طاغياً في الاعوجاج .

(٢) بضم الخاء المعجمة وفتح النون وسكون الياء قال النجاشي في ص ٢٩٦ : معلى بن خنيس أبو عبد الله ، مولى جعفر بن محمد عليهما السلام ، ومن قبله كان مولى بني أسد ، كوفي ، بزاز ، ضعيف جداً ، لا يعول عليه ، له كتاب يرويه جماعة اهـ . وقال العلامة في القسم الثاني من الخلاصة بعد نقل كلام النجاشي : قال ابن الغضائري : إنه كان في أول أمره مغيرياً ، ثم دعى إلى محمّد بن عبد الله المعروف بالنفس الزكية وفي هذه الظنة أخذه داود بن على فقتله ، والغلاة يضيفون اليه ، وقال لا أرى الاعتماد على شيء من حديثه ، وروى فيه أحاديث تقتضى الذم واخرى تقتضى المدح وقد ذكرناها في الكتاب الكبير . وقال الشيخ أبو جعفر الطوسي في كتاب الغيبة بغير اسناد : أنه كان من قوام أبي عبد الله عليه السلام ، وكان محموداً عنده ، ومضى على منهاجه وهذا يقتضى وصفه بالعدالة . انتهى كلامه .

٣٠٢
 &

٣٩ ـ ير : عبّاد بن سليمان ، عن سعد بن سعد ، عن محمّد بن فضيل ، عن أبي الحسن عليه‌السلام في قول الله عزّ وجلّ : وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّـهِ . يعني اتّخذ هواه دينه بغير هدىً من أئمّة الهدى .

٤٠ ـ ثو : ابن المتوكّل ، عن محمّد بن جعفر ، عن النخعيّ ، عن النوفليّ ، عن السكونيّ ، عن الصادق ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين صلوات الله عليهم قال : يجاء بأصحاب البدع يوم القيامة فترى القدريَّة من بينهم كالشامة البيضاء في الثور الأسود فيقول الله عزّ وجلّ : ما أردتم ؟ فيقولون : أردنا وجهك ، فيقول : قد أقلتكم عثراتكم و غفرت لكم زلّاتكم إلّا القدريّة فإنّهم دخلوا في الشرك من حيث لا يعلمون .

بيان : يطلق القدريّة على المجبّرة وعلى المفوضّة المنكرين لقضاء الله وقدره ، و الظاهر أنّ المراد هنا هو الثاني وسيأتي تحقيقه ، والمراد بسائر أرباب البدع من عمل بدعةً على جهالة يعذر بها من غير أن يكون ذلك سبباً لفساد دينه وكفره كما يؤمي إليه آخر الخبر .

٤١ ـ ك : ابن عصام (١) عن الكلينيّ ، عن القاسم بن العلاء ، عن إسماعيل بن عليّ ، عن ابن حميد (٢) عن ابن قيس (٣) ، عن الثماليّ قال : قال عليُّ بن الحسين عليهما‌السلام : إنّ دين الله لا يصاب بالعقول الناقصة والآراء الباطلة والمقائيس الفاسدة ، ولا يصاب إلّا بالتسليم ، فمن سلّم لنا سلم ومن اهتدى بنا هدي ، ومن دان بالقياس والرأي هلك ، ومن وجد في نفسه شيئاً ممّا نقوله أو نقضي به حرجاً كفر بالّذي أنزل السبع المثاني والقرآن العظيم وهو لا يعلم .

بيان : « حرجاً » بدل من قوله : « شيئاً » ولفظة « من » في قوله : « ممّا نقوله » تعليليّة .

٤٢ ـ ثو : ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن ابن يزيد ، عن حمّاد ، عن حريز رفعه قال : كلُّ بدعة ضلالة ، وكلُّ ضلالة سبيلها إلى النار .

سن : ابن يزيد مثله .

________________________

(١) بكسر العين المهملة بعدها صاد مهملة .

(٢) هو عاصم بن حميد .

(٣) هو محمد بن قيس أبو عبد الله البجلي .

٣٠٣
 &

٤٣ ـ ثو : أبي ، عن سعد ، عن البرقيّ ، عن أبيه ، عن محمّد بن سنان ، عن أبي خالد ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : أدنى الشرك أن يبتدع الرجل رأياً فيحبّ عليه ويبغض عليه .

سن : بعض أصحابنا ، عن ابن يزيد مثله .

٤٤ ـ ثو : ابن المتوكّل ، عن الحميريّ ، عن ابن أبي الخطّاب ، عن ابن محبوب ، عن محمّد بن سنان (١) ، عن الثماليّ قال قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : ما أدنى النصب ؟ فقال : أن يبتدع الرجل شيئاً فيحبّ عليه ويبغض عليه .

٤٥ ـ ثو : أبي ، عن سعد ، عن البرقيّ ، عن أبيه ، عن هارون بن الجهم ، عن حفص ابن عمر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : من مشى إلى صاحب بدعة فوقَّره فقد مشى في هدم الإسلام .

سن : أبي ، عن هارون مثله .

٤٦ ـ ابن يزيد ، عن محمّد بن جمهور العمّيّ رفعه قال : من أتى ذا بدعة فعظّمه فإنّما سعى في هدم الإسلام .

٤٧ ـ ختص ، ير : أحمد بن محمّد ، عن البرقيّ ، عن صفوان ، عن سعيد الأعرج قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ من عندنا ممّن يتفقّه يقولون : يرد علينا ما لا نعرفه في كتاب الله ولا في السنّة نقول فيه برأينا . فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : كذبوا ليس شيءٌ إلّا وقد جاء في الكتاب وجاءت فيه السنّة .

٤٨ ـ ير : أحمد بن الحسن بن عليّ بن فضّال ، عن أبيه ، عن أبي المعزّا ، عن سماعة ، عن العبد الصالح عليه‌السلام قال : سألته فقلت : إنّ اُناساً من أصحابنا قد لقوا أباك وجدّك وسمعوا منهما الحديث فربّما كان الشيء يتبلى به بعض أصحابنا وليس عندهم في ذلك شيء يفتيه وعندهم ما يشبهه ، يسعهم أن يأخذوا بالقياس ؟ فقال : لا ، إنّما هلك من كان قبلكم بالقياس ، فقلت له : لم تَقول ذلك ؟ فقال : إنّه ليس بشيء إلّا وقد جاء في الكتاب والسنّة .

________________________

(١) وفي نسخة : عبد الله بن سنان .

٣٠٤
 &

ختص : ابن عيسى ، عن الحسن بن فضّال مثله .

بيان : قوله : لمَ تقول ذلك لعلَّ مراده به أنَّ هذا يضيق الأمر على الناس فأجاب عليه‌السلام بأنّه لا إشكال فيه إذ ما من شيء إلّا وقد ورد فيه كتاب أو سنّة ، أو مراده السؤال عن علّة عدم جواز القياس فأجاب عليه‌السلام بأنّه لا حاجة إليه ، أو يصير سبباً لمخالفة ما ورد في الكتاب والسنّة ، ويؤيّد الثاني ما في الاختصاص : فقلت له : لمَ لا يقبل ذلك . (١)

٤٩ ـ ختص ، ير : السنديّ بن محمّد ، عن صفوان بن يحيى ، عن محمّد بن حكيم ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : قلت له : تفقّهنا في الدين وروِّينا وربّما ورد علينا رجل قد ابتلي بشيء صغير الّذي ما عندنا فيه بعينه شيءٌ وعندنا ما هو يشبه مثله ، أفنفتيه بما يشبهه ؟ قال : لا وما لكم والقياس في ذلك ، هلك من هلك بالقياس . قال : قلت : جعلت فداك أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بما يكتفون به ؟ قال : أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بما استغنوا به في عهده وبما يكتفون به من بعده إلى يوم القيامة ، قال : قلت : ضاع منه شيءٌ ؟ قال : لا ، هو عند أهله .

بيان : لعلَّ قوله : بالقياس بيان لقوله : في ذلك ، ويحتمل أن يكون « في ذلك » متعلّقاً بالقياس . وليس في الاختصاص قوله : بالقياس .

٥٠ ـ سن : ابن مهران ، عن ابن عميرة ، عن أبي المعزّا ، عن سماعة قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : إنَّ عندنا من قد أدرك أباك وجدَّك وإنَّ الرجل يبتلي بالشيء لا يكون عندنا فيه شيءٌ فنقيس ؟ فقال : إنمّا هلك من كان قبلكم حين قاسوا . (٢)

٥١ ـ سن : أبي ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن محمّد بن حكيم قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنَّ قوماً من أصحابنا قد تفقّهوا وأصابوا علماً ورووا أحاديث فيرد عليهم الشيء فيقولون برأيهم ؟ فقال : لا وهل هلك من مضى إلّا بهذا وأشباهه ؟ .

٥٢ ـ سن : أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن محمّد بن حكيم قال : قلت لأبي الحسن

________________________

(١) ويؤيد الاول ما يأتي بعده من قوله : أتى رسول الله صلى الله عليه وآله بما يكتفون به ؟ .

(٢) الظاهر اتحاده مع ما تقدم تحت الرقم ٤٨ وان اختلفا بالاجمال والتفصيل .

٣٠٥
 &

موسى بن جعفر عليهما‌السلام : جعلت فداك فقّهنا في الدين وأغنانا الله بكم عن النّاس حتّى أنَّ الجماعة منّا ليكون في المجلس ما يسأل رجل صاحبه يحضره المسألة ويحضره جوابها منّاً من الله علينا بكم فربّما ورد علينا الشيء لم يأتنا فيه عنك وعن آبائك شيء فننظر إلى أحسن ما يحضرنا وأوفق الأشياء لما جاءنا منكم فنأخذ به ؟ فقال : هيهات هيهات ، في ذلك والله هلك من هلك يا ابن حكيم ـ ثمَّ قال ـ : لعن الله أبا حنيفة يقول (١) : قال عليٌّ وقلت . ـ قال محمّد بن حكيم لهشام بن الحكم : والله ما أردت  إلّا أن يرخِّص لي في القياس ـ . (٢)

بيان : قوله : ما يسأل رجل صاحبه في بعض النسخ : « إلّا يحضره » وهو ظاهر وفي أكثر النسخ « يحضره » بغير أداة الاستثناء فتكون كلمة « ما » نافيةً أيضاً أي لا يحتاج أحد من أهل المجلس أن يسأل صاحبه عن مسألة ، وجملة « يحضره » مستأنفة أو موصولة و هي مع صلتها مبتداءٌ ، وقوله : « يحضره » خبر أو الجملة استينافيّة أو صفة للمجلس والأوّل أظهر .

٥٣ ـ سن : الوشّاء ، عن المثنّى ، عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : يرد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب ولا سنّة فننظر فيها ؟ (٣) فقال : لا أما إنّك إن أصبت لم تؤجر وإن كان خطأً كذبت على الله .

سن : ابن محبوب أو غيره ، عن المثنّى مثله .

٥٤ ـ سن : أبي ، عن النضر ، عن درست ، عن محمّد بن حكيم ، قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : إنّا نتلاقي فيما بيننا فلا يكاد يرد علينا إلّا وعندنا فيه شيءٌ ، وذلك شيءٌ أنعم الله به علينا بكم ، وقد يرد علينا الشيء وليس عندنا فيه شيءٌ وعندنا ما يشبهه فنقيس على أحسنه ؟ فقال : لا وما لكم وللقياس . ثمَّ قال : لعن الله أبا فلان كان يقول : قال عليٌّ ـ عليه‌السلام ـ وقلت ، وقال الصحابة وقلت . ثمَّ قال لي : أكنت تجلس إليه ؟ قلت : لا ولكن هذا قوله ، فقال أبو الحسن عليه‌السلام : إذا جاءكم ما تعلمون فقولوا ، وإذا جاءكم ما لا تعلمون

________________________

(١) وفي نسخة : كان يقول .

(٢) الظاهر اتحاده مع ما يأتي تحت الرقم ٥٤ .

(٣) أي برأينا وقياسنا .

٣٠٦
 &

فها ـ ووضع يده على فمه ـ فقلت : ولمَ ذاك ؟ قال : لأنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أتى الناس بما اكتفوا به على عهده وما يحتاجون إليه من بعده إلى يوم القيامة .

بيان : الظاهر أنَّ « ها » حرف تنبيه ، ووضع اليد على الفم إشارة إلى السكوت ، وما قيل من أنّه اسم فعل بمعنى خذ والإشارة لتعيين موضع الأخذ فلا يخفى بعده .

٥٥ ـ سن : ابن فضّال ، عن ابن بكير ، عن محمّد بن الطيّار قال : قال لي أبو جعفر عليه‌السلام : تخاصم الناس ؟ قلت : نعم . قال : ولا يسألونك عن شيء إلّا قلت فيه شيئاً ؟ قلت : نعم ، قال : فأين باب الردِّ إذاً ؟ .

٥٦ ـ سن : البزنطيّ ، قال : قال رجل من أصحابنا لأبي الحسن عليه‌السلام : نقيس على الأثر نسمع الرواية فنقيس عليها ، فأبى ذلك وقال : فقد رجع الأمر إذاً إليهم فليس معهم لأحد أمر .

بيان : ضميرا الجمع راجعان إلى المعصومين عليهم‌السلام أي يجب إرجاع الأمر إليهم إذا اُشكل عليكم ، إذ ليس لأحد معهم أمر ويحتمل رجوعهما إلى أصحاب القياس بل هو أظهر .

٥٧ ـ سن : عثمان بن عيسى قال : سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن القياس فقال : وما لكم وللقياس ؟ إنَّ الله لا يسئل كيف أحلَّ وكيف حرَّم .

٥٨ ـ سن : أبي ، عن صفوان ، عن عبد المؤمن بن الربيع ، عن محمّد بن بشر الأسلميّ قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام وورقة يسأله ، فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : أنتم قوم تحملون الحلال على السنّة ، ونحن قوم نتّبع على الأثر .

بيان : قوله عليه‌السلام : تحملون الحلال كذا في النسخ ولعلّه كان بالخاء المعجمة أي تحملون الخصال والأحكام على السنّة من غير أن يكون فيها أي تقيسون الأشياء بما ورد في السنّة . وعلى المهملة لعلَّ المراد : أنّكم تحملون الشيء الحلال الّذي لم يرد فيه أمر ولا نهيٌ على ما ورد في السنّة فيه أمر أو نهي بالقياس الباطل .

٥٩ ـ سن : أبي ، عن فضالة ، عن موسى بن بكر ، عن فضيل ، عن أبي جعفر عليه‌السلام

٣٠٧
 &

قال : إنَّ السنّة لا تقاس ، وكيف تقاس السنّة والحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة ؟ ! .

٦٠ ـ سن : القاسم بن يحيى ، عن جدِّه الحسن ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في كتاب آداب أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا تقيسوا الدين فإنَّ أمر الله لا يقاس ، وسيأتي قوم يقيسون وهم أعداء الدين .

٦١ ـ ضا : أروي عن العالم عليه‌السلام أنّه قال : كلُّ بدعة ضلالة ، وكلُّ ضلالة إلى النار . (١)

٦٢ ـ ونروي : أنَّ أدنى الشرك أن يبتدع الرجل رأياً فيحبَّ عليه ويبغض .

٦٣ ـ ونروي : من ردَّ صاحب بدعة عن بدعته فهو سبيل من سبل الله .

٦٤ ـ وأروي : من دعى الناس إلى نفسه وفيهم من هو أعلم منه فهو مبتدع ضالٌّ .

٦٥ ـ ونروي : من طلب الرئاسة لنفسه هلك فإنَّ الرئاسة لا تصلح إلّا لأهلها .

٦٦ ـ سر : من كتاب المشيخة لابن محبوب عن الهيثم بن واقد قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنَّ عندنا بالجزيرة رجلاً ربّما أخبر من يأتيه يسأله عن الشيء يسرق أو شبه ذلك أفنسأله ؟ فقال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من مشى إلى ساحر أو كاهن أو كذّاب يصدِّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل الله من كتاب .

٦٧ ـ سر : من كتاب المشيخة ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي حمزة قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : ما أدنى النصب ؟ قال : أن تبتدع شيئاً فتحبَّ عليه وتبغض عليه .

٦٨ ـ غو : قال النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : تعمل هذه الاُمّة برهةً بالكتاب وبرهةً بالسنّة وبرهةً بالقياس (٢) ، فإذا فعلوا ذلك فقد ضلّوا .

٦٩ ـ وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إيّاكم وأصحاب الرأي فإنّهم أعيتهم السنن أن يحفظوها ، فقالوا في الحلال والحرام برأيهم ، فأحلّوا ما حرّم الله وحرَّموا ما أحلَّ الله ، فضلّوا و أضلّوا .

٧٠ ـ جا : الصدوق ، عن ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن ابن يزيد ، عن حمّاد بن

________________________

(١) يأتي مثله مسندا تحت الرقم ٧٢ وتقدم مثله في باب البدعة والسنة .

(٢) البرهة بضم الباء وفتحها مع سكون الراء : قطعة من الزمان طويلة أو عموماً .

٣٠٨
 &

عثمان ، عن زرارة قال : قال لي أبو جعفر عليه‌السلام : يا زرارة إيّاك وأصحاب القياس في الدين فإنّهم تركوا علم ما وكلوا به (١) وتكلّفوا ما قد كفوه ، يتأوَّلون الأخبار ويكذبون على الله عزّ وجلّ ، وكأنّي بالرجل منهم ينادى من بين يديه : قد تاهوا وتحيّروا في الأرض والدين .

٧١ ـ جا : الصدوق ، عن ابن المتوكّل ، عن السعدآباديّ ، عن البرقيّ ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن غير واحد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لعن الله أصحاب القياس فإنّهم غيّروا كلام الله وسنّة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله واتّهموا الصادقين عليهم‌السلام في دين الله عزَّ وجلَّ . (٢)

٧٢ ـ جا : أحمد بن الوليد ، عن أبيه ، عن الصفّار ، عن ابن معروف ، عن ابن مهزيار ، عن منصور بن أبي يحيى قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : صعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المنبر فتغيّرت وجنتاه والتمع لونه ثمَّ أقبل بوجهه فقال : يا معشر المسلمين إنّما بعثت أنا و الساعة كهاتين . قال : ثمَّ ضمَّ السّباحتين ثمَّ قال : يا معشر المسلمين إنَّ أفضل الهدى هدى محمّد ، وخير الحديث كتاب الله ، وشرّ الاُمور محدثاتها ألا وكلُّ بدعة ضلالة ، ألا وكلُّ ضلالة ففي النار ، أيّها الناس من ترك مالاً فلأهله ولورثته ، ومن ترك كلّاً أو ضياعاً فعليَّ وإليَّ . (٣)

٧٣ ـ كش : محمّد بن قولويه ، عن سعد ، عن محمّد بن عبد الله المسمعيّ ، عن ابن أسباط عن محمّد بن سنان ، عن داود بن سرحان قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إنّي لاُحدِّث الرجل الحديث وأنهاه عن الجدال والمراء في دين الله ، وأنهاه عن القياس ، فيخرج من عندي فيأوِّل حديثي على غير تأويله ، إنّي أمرت قوماً أن يتكلّموا ونهيت قوماً ، فكلٌّ يأوِّل لنفسه ، يريد المعصية لله ولرسوله ، فلو سمعوا وأطاعوا لأودعتهم ما أودع أبي أصحابه إنَّ أصحاب أبي كانوا زيناً أحياءاً وأمواتاً .

________________________

(١) لعل المراد أنهم تركوا علم ما يجب معرفته أي معرفة الامام ومن يجب الرجوع إليه في أمر الدين وتكلفوا ما قد بينوه الائمة ومن عندهم علم الكتاب .

(٢) لانهم لم يقبلوا من الصادقين ما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، ويلجئون إلى القياس والرأي زعماً عدم ورود النص منه صلى الله عليه وآله .

(٣) تقدم الحديث مع شرح ألفاظه في باب البدعة والسنة .

٣٠٩
 &

٧٤ ـ كش : جبرئيل بن أحمد ، عن اليقطينيّ ، عن يونس ، عن عمر بن أبان ، عن عبد الرحيم القصير قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : ائت زرارة وبريداً وقل لهما : ما هذه البدعة ؟ أما علمتم أنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : كلُّ بدعة ضلالة . فقلت له : إنّي أخاف منهما فأرسل معي ليث المراديّ ، فأتينا زرارة فقلنا له ما قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، فقال : والله لقد أعطاني الاستطاعة وما شعر ، وأمّا بريد فقال : والله لا أرجع عنها أبداً .

بيان : كان بدعتهما في القول بالاستطاعة وسيأتي تحقيقها .

٧٥ ـ ختص : علاء (١) ، عن محمّد قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام (٢) يقول : لا دين لمن دان بطاعة من يعصي الله ، ولا دين لمن دان بفرية باطل على الله ، ولا دين لمن دان بجحود شيء من آيات الله .

أقول : قال أبو الفتح الكراجكيّ في كنز الفوائد ـ بعد إقامة الدلائل على مخاصم كان يجوِّز القياس في الشرعيّات ـ : ولو فرضنا جواز تكليف العباد بالقياس في السمعيّات لم يكن بدّ من ورود السمع بذلك ، إمّا في القرآن أو في صحيح الأخبار ، وفي خلوّ السمع من تعلّق التكليف به دلالة على أنَّ الله تعالى لم يكلّف خلقه به . قال : فإنّا نجد ذلك في آيات القرآن وصحيح الأخبار ، قال الله عزّ وجلّ : فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (٣) فأوجب الاعتبار وهو الاستدلال والقياس ، وقال : فجزاءٌ مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم . (٤) فأوجب بالمماثلة المقائسة ، وروي أنَّ النبيَّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا أرسل معاذاً إلى اليمن قال له : بماذا تقضي ؟ قال : بكتاب الله ، قال : فإن لم تجد في كتاب الله ؟ قال : بسنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : فإن لم تجد في سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال : أجتهد رأيي ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : الحمد لله الّذي وفّق رسول رسول الله لما يرضاه الله ورسوله . وروي عن الحسن بن عليّ عليه‌السلام أنّه سئل فقيل : بماذا كان يحكم أمير المؤمنين عليه‌السلام ؟ قال : بكتاب الله ، فإن لم يجد فسنّة رسول الله ، فإن لم يجد رجم فأصاب . فهذا كلّه دليل على صحّة القياس والأخذ بالاجتهاد والظنِّ والرأي .

________________________

(١) هو العلاء بن رزين .

(٢) وفي نسخة : سمعت أبا عبد الله عليه السلام .

(٣) الحشر : ٢ .

(٤) المائدة : ٩٥ .

٣١٠
 &

فقلت له : أمّا قول الله : فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ . فليس لك حجّة على موضع القياس ، لأنَّ الله تعالى ذكر أمر اليهود وجنايتهم على أنفسهم في تخريب بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين ما يستدلُّ به على حقّيّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنَّ الله تعالى أمدَّه بالتوفيق ونصره وخذل عدوَّه ، وأمر الناس باعتبار ذلك ليزدادوا بصيرةً في الإيمان ، وليس هذا بقياس في المشروعات ولا فيه أمر بالتعويل على الظنون في استنباط الأحكام .

وأمّا قوله سبحانه : يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ . ليس فيه أنَّ العدلين يحكمان في جزاء الصيد بالقياس ، وإنّما تعبد الله عباده بإنفاذ الحكم في الجزاء عند حكم العدلين بما علماه من نصِّ الله تعالى ، ولو كان حكمهما قياساً لكانا إذا حكما في جزاء النعامة بالبدنة قد قاسا مع وجود النصِّ بذلك ، فيجب أن يتأمّل هذا .

وأمّا الخبران اللّذان أوردتهما فهما من أخبار الآحاد الّتي لا تثبت بهما الاُصول المعلومة في العبادات ، على أنَّ رواة خبر معاذ مجهولون وهم في لفظه أيضاً مختلفون فمنهم روى أنّه لمّا قال : أجتهد رأيي . قال له عليه‌السلام : لا ، اكتب إليَّ أكتب إليك . ولو سلّمنا صيغة الخبر على ما ذكرت لاحتمل أن يكون معنى « أجتهد رأيي » : إنّي أجتهد حتّى أجد حكم الله تعالى في الحادثة من الكتاب والسنّة .

وأمّا رواية الحسن عليه‌السلام ففيه تصحيف ممّن رواه والخبر المعروف أنّه قال : فإن لم يجد شيئاً في السنّة زجر فأصاب . يعني بذلك : القرعة بالسهام ، وهو مأخوذ من الزجر ، والفال والقرعة عندنا من الأحكام المنصوص عليها وليست بداخلة في القياس ، والآيات والأخبار دالّة على نفيه ، (١) قال الله تعالى : وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ . (٢) لسنا نشكُّ أنَّ الحكم بالقياس حكم بغير التنزيل . وقال سبحانه : وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـٰذَا حَلَالٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّـهِ الْكَذِبَ . (٣) ومستخرج الحكم في الحادثة بالقياس لا يصحّ أن يضيفه إلى الله ولا إلى رسوله ، وإذا لم يصحَّ إضافته إليهما فإنّما هو مضاف إلى القائس وهو المحلّل والمحرّم في الشرع من عنده وكذب

________________________

(١) تقدم روايات في حكاية ذلك عن علي عليه السلام في باب أنهم عليهم السلام عندهم مواد العلم .

(٢) المائدة : ٤٤ .

(٣) النحل : ١١٦ .

٣١١
 &

وصفه بلسانه ، وقال سبحانه : وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ . الآية . (١) ونحن نعلم أنَّ القائس معوّل على الظنّ دون العلم .

وأمّا الاخبار فمنه قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ستفترق اُمّتي على بضع وسبعين فرقة أعظمها فتنةً على اُمّتي قوم يقيسون الاُمور برأيهم فيحرِّمون الحلال ويحلّلون الحرام . وقول أمير المؤمنين عليه‌السلام : إيّاكم والقياس في الأحكام فإنّه أوّل من قاس إبليس . وقال الصادق عليه‌السلام : إيّاكم وتقحُّم المهالك باتّباع الهوى والمقائيس ، قد جعل الله للقرآن أهلاً أغناكم بهم عن جميع الخلائق ، لا علم إلّا ما أمروا به قال الله تعالى : فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ . (٢) إيّانا عنى . وجميع أهل البيت علیهم‌السلام أفتوا بتحريم القياس وروي عن سلمان رحمة الله عليه أنّه قال : ما هلكت اُمّة حتّى قاست في دينها (٣) وكان ابن مسعود يقول : هلك القائسون .

وقد روى هشام بن عروة ، عن أبيه قال : كان أمر بني إسرائيل لم يزل معتدلاً حتّى نشأ فيهم أبناء سبايا الاُمم فقالوا فيهم بالرأي فأضلّوهم .

وقال ابن عيينة : فما زال أمر الناس مستقيماً حتّى نشأ فيهم ربيعة الرأي بالمدينة وأبو حنيفة بالكوفة ، وعثمان بالبصرة ، وأفتوا الناس وفتنوهم ، فنظرناهم فإذا هم أولاد سبايا الاُمم . وفي هذا القدر من الأخبار غنيّ عن الإطالة والإكثار .

٧٦ ـ نهج : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : اعلموا عباد الله أنَّ المؤمن يستحلُّ العام ما استحلَّ عاماً أوَّل ، ويحرِّم العام ما حرَّم عاماً أوَّل ، وأنَّ ما أحدث الناس لا يحلُّ لكم شيئاً ممّا حرِّم عليكم ، ولكنَّ الحلال ما أحلَّ الله والحرام ما حرّم الله ، فقد جرَّبتم الاُمور وضرستموها ، ووعظتم بمن كان قبلكم ، ضربت الأمثال لكم ، و دعيتم إلى الأمر الواضح فلا يصمُّ عن ذلك إلّا أصمّ ، ولا يعمى عن ذلك إلّا أعمى ، و من لم ينفعه الله بالبلاء والتجارب لم ينتفع بشيء من العظة ، وأتاه التقصير من إمامه حتّى يعرف ما أنكر وينكر ما عرف ، وإنّما الناس رجلان متّبع شرعة ومتّبع بدعة ، ليس معه من الله برهان سنّة ولا ضياء حجّة ، وانّ الله سبحانه لم يعظ أحداً بمثل القرآن

________________________

(١) الاسرى : ٣٦ .

(٢) النحل : ٤٣ ، الانبياء : ٧ .

(٣) وقوله رحمه الله يكشف عن ورود النص فيه لانه لا يقول شيئا برأيه .

٣١٢
 &

فإنّه حبل الله المتين وسببه الأمين ، وفيه ربيع القلب وينابيع العلم ، وما للقلب جلاء غيره ـ وساق الخطبة إلى قوله ـ : فإيّاكم والتلوُّن في دين الله فإنَّ جماعةً فيما تكرهون من الحقِّ خير من فرقة فيما تحبّون من الباطل ، وإنَّ الله سبحانه لم يعط أحداً بفرقة خيراً ممّن مضى ولا ممّن بقي .

بيان : أوَّل الكلام إشارة إلى المنع من العمل بالآراء والمقائيس والاجتهادات الباطلة . والتضريس : الإحكام . حتّى يعرف ما أنكر أي يتخيّل أنّه عرفه ولم يعرفه بدليل وبرهان . ولا ضياء حجَّة تعميم بعد التخصيص . والتلوُّن أيضاً العمل بالآراء والمقائيس فإنَّها تستلزم اختلاف الأحكام .

٧٧ ـ سن : أبي ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رسالته إلى أصحاب الرأي والقياس : أمّا بعد فإنّه من دعا غيره إلى دينه بالارتياء والمقائيس لم ينصف ولم يصب حظَّه ، لأنَّ المدعوَّ إلى ذلك لا يخلو أيضاً من الارتياء والمقائيس ، ومتى ما لم يكن بالداعي قوَّة في دعائه على المدعوِّ لم يؤمن على الداعي أن يحتاج إلى المدعوِّ بعد قليل لأنّا قد رأينا المتعلّم الطالب ربّما كان فائقاً للمعلّم ولو بعد حين ، ورأينا المعلّم الداعي ربّما احتاج في رأيه إلى رأي من يدعو ، وفي ذلك تحيّر الجاهلون وشكَّ المرتابون وظنَّ الظانّون ، ولو كان ذلك عند الله جائزاً لم يبعث الله الرسل بما فيه الفصل ولم ينه عن الهزل ولم يعب الجهل ، ولكنَّ الناس لمّا سفهوا الحقَّ وغمطوا النعمة ، واستغنوا بجهلهم وتدابيرهم عن علم الله واكتفوا بذلك دون رسله والقوام بأمره ، وقالوا : لا شيء إلّا ما أدركته عقولنا وعرفته ألبابنا ، فولّاهم الله ما تولَّوا وأهملهم وخذلهم حتّى صاروا عبدة أنفسهم من حيث لا يعلمون ولو كان الله رضي منهم اجتهادهم وارتياءهم فيما ادَّعوا من ذلك لم يبعث الله إليهم فاصلاً لما بينهم ولا زاجراً عن وصفهم ، وإنّما استدللنا أنَّ رضى الله غير ذلك ببعثة الرسل بالاُمور القيّمة الصحيحة ، والتحذير عن الاُمور المشكلة المفسدة ، ثمَّ جعلهم أبوابه و صراطه والأدلّاء عليه باُمور محجوبة عن الرأي والقياس ، فمن طلب ما عند الله بقياس ورأي لم يزدد من الله إلّا بعداً ، ولم يبعث رسولاً قطّ وإن طال عمره قابلاً من الناس خلاف ما جاء به حتّى يكون متبوعاً مرّةً وتابعاً اُخرى ، ولم ير أيضاً فيما جاء به استعمل

٣١٣
 &

رأياً ولا مقياساً حتّى يكون ذلك واضحاً عنده كالوحي من الله ، وفي ذلك دليل لكلِّ ذى لبّ وحجى ، إنَّ أصحاب الرأي والقياس مخطئون مدحضون وإنّما الاختلاف فيما دون الرسل لا في الرسل ، فإيّاك أيّها المستمع أن تجمع عليك خصلتين : إحديهما القذف بما جاش بصدرك واتّباعك لنفسك إلى غير قصد ولا معرفة حدّ ، والاُخرى استغناؤك عمّا فيه حاجتك وتكذيبك لمن إليه مردُّك ، وإيّاك وترك الحقِّ سأمةً وملالةً وانتجاعك الباطل جهلاً وضلالةً ، لأنّا لم نجد تابعاً لهواه جائزاً عمّا ذكرنا قطُّ رشيداً فانظر في ذلك .

بيان : جاش أي غلا ، ويقال : انتجعت فلاناً إذا أتيته تطلب معروفه . ولا يخفى عليك بعد التدبُّر في هذا الخبر وأضرابه أنّهم سدُّوا باب العقل بعد معرفة الإمام (١) وأمروا بأخذ جميع الاُمور منهم ، ونهوا عن الاتّكال على العقول الناقصة في كلِّ باب .

٧٨ ـ سن : بعض أصحابنا ، عمّن ذكره ، عن معاوية بن ميسرة بن شريح ، قال شهدت أبا عبد الله عليه‌السلام في مسجد الخيف وهو في حلقة فيها نحو من ماءتي رجل وفيهم عبد الله بن شبرمة فقال : يا أبا عبد الله إنّا نقضي بالعراق فنقضي من الكتاب والسنّة ، وترد علينا المسألة فنجتهد فيها بالرأي . قال : فأنصت الناس جميع من حضر للجواب ، وأقبل أبو عبد الله عليه‌السلام على من على يمينه يحدِّثهم ، فلمّا رأى الناس ذلك أقبل بعضهم إلى بعض وتركوا الإنصات ، ثمَّ تحدَّثوا ما شاء الله ، ثمَّ إنَّ ابن شبرمة قال : يا أبا عبد الله إنّا قضاة العراق وإنّا نقضي بالكتاب والسنّة وإنَّه ترد علينا أشياء ونجتهد فيها الرأي قال : فأنصت جميع الناس للجواب وأقبل أبو عبد الله عليه‌السلام على من على يساره يحدِّثهم فلمّا رأى الناس ذلك أقبل بعضهم على بعض وتركوا الإنصات ، ثمَّ إنَّ ابن شبرمة سكت ما شاء الله ، ثمَّ عاد لمثل قوله ، فأقبل أبو عبد الله عليه‌السلام فقال : أيّ رجل كان عليّ بن أبي طالب ؟ فقد كان

________________________

(١) هذا ما يراه الاخباريون وكثير من غيرهم وهو من أعجب الخطاء ، ولو ابطل حكم العقل بعد معرفة الامام كان فيه ابطال التوحيد والنبوة والامامة وسائر المعارف الدينية ، و كيف يمكن أن ينتج من العقل نتيجة ثم يبطل بها حكمه وتصدق النتيجة بعينها ، ولو اريد بذلك أن حكم العقل صادق حتى ينتج ذلك ثم يسدّ بابه كان معناه تبعيّة العقل في حكمه للنقل وهو أفحش فساداً فالحق : أن المراد من جميع هذه الاخبار النهي عن اتباع العقليات فيما لا يقدر الباحث على تميز المقدمات الحقة من المموّهة الباطلة . ط

٣١٤
 &

عندكم بالعراق ولكم به خبر ، قال : فأطراه ابن شبرمة وقال قولاً عظيماً . فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : فإنَّ عليّاً عليه‌السلام أبى أن يدخل في دين الله الرأي وأن يقول في شيء من دين الله بالرأي والمقائيس . فقال أبو ساسان : فلمّا كان اللّيل دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال لي : يا أبا ساسان لم يدعني صاحبكم ابن شبرمة حتّى أجبته ، ثمَّ قال : لو علم ابن شبرمة من أين هلك الناس ما دان بالمقائيس ولا عمل بها .

بيان : الإطراء : مجاوزة الحدِّ في المدح .

٧٩ ـ سن : ابن محبوب ، عن معاوية بن وهب قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنَّ لله عند كلِّ بدعة تكون بعدي يكاد بها الإيمان وليّاً من أهل بيتي موكّلاً به يذبُّ عنه ، ينطق بإلهام من الله ويعلن الحقَّ وينوِّره ويردُّ كيد الكائدين ويعبِّر عن الضعفاء ، فاعتبروا يا اُولي الأبصار ، وتوكّلوا على الله .

بيان : قوله : يكاد من الكيد بمعنى المكر والخدعة والحرب ، ويحتمل أن يكون المراد أن يزول بها الإيمان . وقوله عليه‌السلام : ويعبّر عن الضعفاء أي يتكلّم من جانب الضعفاء العاجزين عن دفع الفتن والشبه الحادثة في الدين .

٨٠ ـ سن : أبي ، عن عبد الله بن المغيرة ، ومحمّد بن سنان ، عن طلحة بن زيد ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه عليهما‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا رأي في الدين .

٨١ ـ سن : أبي ، عن فضالة ، عن أبان الأحمر ، عن أبي شيبة قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إنَّ أصحاب المقائيس طلبوا العلم بالمقائيس فلم تزدهم المقائيس من الحقِّ إلّا بعداً ، وإنَّ دين الله لا يصاب بالمقائيس .

٨٢ ـ سن : أبي ، عن حمّاد بن عيسى ، عن بعض أصحابه قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام لأبي حنيفة : ويحك إنَّ أوَّل من قاس إبليس ، فلمّا أمره بالسجود لآدم قال : خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ .

٨٣ ـ سن : ابن فضّال ، عن عاصم بن حميد ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : خطب عليٌّ أمير المؤمنين عليه‌السلام الناس فقال : أيّها الناس إنّما بدءُ وقوع الفتن أهواءٌ تتَّبع ، وأحكام تبتدع ، يخالَف فيها كتابُ الله ، يقلّد فيها رجال رجالاً ، ولو أنَّ الباطل

٣١٥
 &

خلص لم يخف على ذي حجى ، ولو أنَّ الحقَّ خلص لم يكن اختلاف ، ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فيجيئان معاً فهنالك استحوذ الشيطان على أوليائه ، ونجا الّذين سبقت لهم من الله الحسنى .

بيان : الحجى كإلى : العقل . والضغث قطعة من حشيش مختلطة الرطب باليابس . وقوله : سبقت لهم من الله الحسنى أي العاقبة الحسنى أو المشيئة الحسنى في سابق علمه وقضائه .

٨٤ ـ سر : من كتاب أبي القاسم بن قولويه ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه عليهما‌السلام ، عن النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من دعا إلى ضلال لم يزل في سخط الله حتّى يرجع منه ، ومن مات بغير إمام مات ميتةً جاهليَّةً .

( باب ٣٥ )

* ( غرائب العلوم من تفسير أبجد وحروف المعجم ) * * ( وتفسير الناقوس وغيرها ) *

١ ـ مع ، لى ، يد : الطالقانيّ ، عن أحمد الهمدانيّ ، قال : حدَّثنا جعفر بن عبد الله ابن جعفر بن محمّد بن أبي طالب ، قال : حدَّثنا كثير بن عيّاش القطّان ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليهما‌السلام قال : لمّا ولد عيسى بن مريم ـ على نبيّنا وآله و عليه السلام ـ كان ابن يوم كأنّه ابن شهرين ، فلمّا كان ابن سبعة أشهر أخذت والدته بيده وجاءت به إلى الكتّاب ، وأقعدته بين يدي المؤدِّب فقال له المؤدِّب : قل : بسم الله الرحمن الرحيم فقال عيسى ـ على نبيّنا وآله وعليه السلام ـ : بسم الله الرحمن الرحيم . فقال له المؤدِّب : قل : أبجد فرفع عيسى ـ على نبيّنا وآله وعليه السلام ـ رأسه فقال : وهل تدري ما أبجد ؟ فعلاه بالدرَّة ليضربه ، فقال : يا مؤدِّب لا تضربني إن كنت تدري ، وإلّا فاسألني حتّى اُفسِّر ذلك ، فقال : فسِّر لي ، فقال عيسى ـ على نبيّنا وآله وعليه السلام ـ : أمّا الألف : آلاءُ الله ، والباءُ : بهجة الله ، والجيم : جمال الله ، والدال : دين الله . هوَّز : الهاء هي هول جهنَّم ، والواو : ويل

________________________

(١) لعل تأخيره عليه السلام السؤال كان لتحقير الكلام الباطل وعدم الاعتناء بشأنه ، أو لتهيئة جميع الحاضرين للجواب وحصول توجه تام إليه حتى يقع الكلام موقعه ويغلب الحق على الباطل ويفحم الخصم المكابر .

٣١٦
 &

لأهل النار ، والزاي : زفير جهنّم . حطّي : حطت الخطايا عن المستغفرين . كلمن : كلام الله لا مبدِّل لكلماته . سعفص : صاع بصاع ، والجزاء بالجزاء ، قرشت : قرشهم فحشرهم . فقال المؤدِّب : أيّتها المرأة خذي بيد ابنك فقد علم ، ولا حاجة في المؤدِّب .

بيان : قال الفيروزآباديُّ : الكتّاب كرمّان : الكاتبون ، والمكتب كمقعد : موضع التعليم ، وقول الجوهريِّ : المكتب والكتّاب واحد غلط ، وقال : قرشه يقرشه ويقرُشه : قطعه وجمعه من ههنا وههنا وضمَّ بعضه إلى بعض .

أقول : هذا الخبر والأخبار الآتية تدلُّ على أنَّ للحروف المفردة وضعاً ودلالةً على معان وليست فائدتها منحصرةً في تركّب الكلمات منها ، ولا استبعاد في ذلك ، و قد روت العامّة في « الم » عن ابن عبّاس أنَّ الألف آلاء الله ، واللّام : لطفه ، والميم : ملكه . وتأويلها بأنَّ المراد التنبيه على أنَّ هذه الحروف منبع الأسماء ومبادي الخطاب وتمثيل بأمثلة حسنة تكلّف مستغنىً عنه .

٢ ـ مع ، لى ، يد : ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن ابن أبي الخطّاب ، وأحمد بن الحسن بن فضّال ، عن ابن فضّال ، عن ابن أسباط ، عن الحسن بن زيد ، عن محمّد بن سالم عن الأصبغ بن نباتة قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : سأل عثمان بن عفّان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله ما تفسير أبجد ؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : تعلّموا تفسير أبجد فإنَّ فيه الأعاجيب كلّها ، ويل لعالم جهل تفسيره ، فقيل : يا رسول الله ما تفسير أبجد ؟ قال : أمّا الألف فآلاء الله حرف من أسمائه ، وأمّا الباء فبهجة الله ، وأمّا الجيم فجنَّة الله وجلال الله وجماله ، وأمّا الدال فدين الله . وأمّا هوَّز : فالهاء هاء الهاوية ، فويلٌ لمن هوى في النار ، وأمّا الواو فويل لأهل النار ، وأمّا الزاي فزاوية في النار ، فنعوذ بالله ممّا في الزاوية ـ يعنى زوايا جهنّم ـ وأمّا حطّي : فالحاء حطوط الخطايا عن المستغفرين في ليلة القدر ، وما نزل به جبرئيل مع الملائكة إلى مطلع الفجر ، وأمّا الطاء فطوبى لهم وحسن مآب وهي شجرة غرسها الله عزّ وجلّ ونفخ فيها من روحه ، وأنَّ أغصانها لترى من وراء سور الجنّة تثبت بالحليّ والحلل متدلّيةً على أفواههم ، وأمّا الياء فيد الله فوق خلقه سبحانه وتعالى عمّا يشركون . وأمّا كلمن : فالكاف كلام الله لا تبديل لكمات الله ولن تجد

٣١٧
 &

من دونه ملتحداً ، وأمّا اللّام فإلمام أهل الجنّة بينهم في الزيارة والتحيّة والسلام ، و تلاوم أهل النار فيما بينهم ، وأمّا الميم فملك الله الّذي لا يزول ، ودوام الله الّذي لا يفنى ، وأمّا النون فنون وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ، فالقلم قلم من نور ، وكتاب من نور فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ، يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ شَهِيدًا ، وأمّا سعفص : فالصاد صاع بصاع ، وفصٌّ بفصّ ـ يعني الجزاء بالجزاء ـ وكما تدين تدان ، إنَّ الله لا يريد ظلماً للعباد . وأمّا قرشت يعني قرشهم فحشرهم ونشرهم إلى يوم القيامة فقضى بينهم بالحقِّ وهم لا يظلمون .

ل : ماجيلويه ، عن محمّد العطّار ، عن الأشعريّ ، عن ابن أبي الخطّاب وأحمد إلى آخر الخبر ، إلّا أنَّ فيه : غرسها الله عزّ وجلّ بيده ، والحلل والثمار متدلّيةً .

قال الصدوق رحمه الله في كتاب معاني الأخبار بعد رواية هذا الخبر : حدَّثنا بهذا الحديث أبو عبد الله بن حامد ، قال : أخبرنا أبو نصر أحمد بن يزيد بن عبد الرحمن البخاريّ ـ ببخارا ـ قال : حدَّثنا أحمد بن يعقوب بن أخي سهل بن يعقوب البزّاز قال : حدَّثنا إسحاق ابن حمزة ، قال : حدَّثنا أبو أحمد عيسى بن موسى الغنجار ، عن محمّد بن زياد السكريّ ، عن الفرات بن سليمان ، عن أبان ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : تعلّموا تفسير أبي جاد ، فإنَّ فيه الأعاجيب كلّها ـ وذكر الحديث مثله سواءً حرفاً بحرف ـ انتهى .

بيان : الإلمام : النزول ، وقوله : فصٌّ بفصّ أي يجزي بقدر الفصِّ إذا ظلم أحد بمثله ، أي يجزي لكلِّ حقير وخطير . وقوله : كما تدين تدان على سبيل مجاز المشاكلة أي كما تفعل تجازى .

٣ ـ مع ، ن ، لى ، يد : حدَّثنا محمّد بن بكران النقّاش رضي الله عنه ـ بالكوفة سنة أربع وخمسين وثلاث مائة ـ قال : حدَّثنا أحمد بن محمّد الهمدانيّ مولى بني هاشم ، قال : حدَّثنا عليُّ بن الحسن بن عليِّ بن فضّال ، عن أبيه ، عن أبي الحسن عليِّ بن موسى الرضا عليه‌السلام قال : إنَّ أوَّل خلق الله عزّ وجلّ ليعرف به خلقه الكتابة حروف المعجم ، وإنَّ الرجل إذا ضرب على رأسه بعصى فزعم أنّه لا يفصح ببعض الكلام فالحكم فيه أن تعرض عليه حروف المعجم ثمَّ يعطي الدية بقدر ما لم يفصح منها ، ولقد حدَّثني أبي ، عن أبيه ، عن جدِّه ، عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام في « ا ب ت ث » قال : الألف آلاء الله ، والباء بهجة الله ،

٣١٨
 &

والتاء تمام الأمر بقائم آل محمّد عليه‌السلام ، والثاء ثواب المؤمنين على أعمالهم الصالحة ، « ج ح خ » فالجيم جمال الله وجلال الله ، والحاء حلم الله عن المذنبين ، والخاء خمول ذكر أهل المعاصي عند الله عزّ وجلّ « د ذ » فالدال دين الله ، والذال من ذي الجلال « ر ز » فالراء من الرؤوف الرحيم ، والزاي زلازل القيامة « س ش » فالسين سناء الله ، والشين شاء الله ما شاء وأراد ما أراد ، وما تشاؤون إلّا أن يشاء الله « ص ض » فالصاد من صادق الوعد في حمل الناس على الصراط وحبس الظالمين عند المرصاد ، والضاد ضلَّ من خالف محمّداً وآل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله « ط ظ » فالطاء طوبى للمؤمنين وحسن مآب ، والظاء ظنُّ المؤمنين به خيراً ، و ظنُّ الكافرين به سوءاً « ع غ » فالعين من العالم ، والغين من الغيّ ، « ف ق » فالفاء فوج من أفواج النار ، والقاف قرآن على الله جمعه وقرآنه « ك ل » فالكاف من الكافي ، واللّام لغو الكافرين في افترائهم على الله الكذب « م ن » فالميم ملك الله يوم لا مالك غيره ، ويقول عزّ وجلّ : لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ؟ ثمَّ ينطق أرواح أنبيائه ورسله وحججه فيقولون : لله الواحد القهّار ، فيقول جلَّ جلاله : الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّـهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ، والنون نوال الله للمؤمنين ونكاله بالكافرين « و ه » فالواو ويل لمن عصى الله ، والهاء هان على الله من عصاه « لا ى » فلام ألف لا إله إلّا الله وهي كلمة الإخلاص ما من عبد قالها مخلصاً إلّا وجبت له الجنّة ، والياء يد الله فوق خلقه باسطةً بالرزق ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ .

ثمَّ قال : عليه‌السلام : إنَّ الله تبارك وتعالى أنزل هذا القرآن بهذه الحروف الّتي يتداولها جميع العرب ، ثمَّ قال : قل : لئن اجتمعت الإنس والجنُّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً .

٤ ـ يد ، مع : أحمد بن محمّد بن عبد الرحمن المقريّ الحاكم ، عن أبي عمرو محمّد بن جعفر المقريّ الجرجانيّ ، عن أبي بكر محمّد بن الحسن الموصليّ ، عن محمّد بن عاصم الطريفيّ ، عن أبي زيد عبّاس بن يزيد بن الحسن بن عليّ النخّال مولى زيد بن عليّ ، قال : أخبرني أبي يزيد بن الحسن ، قال : حدَّثني موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمّد ، عن أبيه محمّد بن عليّ ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن عليّ عليهم‌السلام قال : جاء يهوديٌّ إلى

٣١٩
 &

النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وعنده أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب عليه‌السلام فقال له : ما الفائدة في حروف الهجاء ؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ عليه‌السلام : أجبه وقال : اللّهم وفّقه وسدِّده ، فقال عليُّ بن أبي طالب عليه‌السلام : ما من حرف إلّا وهو اسم من أسماء الله عزّ وجلّ ، ثمَّ قال : أمّا الألف فالله الّذي لا إلـه إلّا هو الحيُّ القيُّوم ، وأمّا الباء فباق بعد فناء خلقه ، وأمّا التاء فالتوّاب يقبل التوبة عن عباده (١) ، وأمّا الثاء فالثابت الكائن يثبّت الله الّذين آمنوا بالقول الثابت ، وأمّا الجيم فجلَّ ثناؤه وتقدَّست أسماؤه ، وأمّا الحاء فحقٌّ حيٌّ حليم ، وأمّا الخاء فخبير بما يعمل العباد ، وأمّا الدال فديّان يوم الدين ، وأمّا الذال فذوا الجلال والإكرام : وأمّا الراء فرؤوف بعباده ، وأمّا الزاي فزين المعبودين ، وأمّا السين فالسميع البصير ، وأمّا الشين فالشاكر لعباده المؤمنين ، وأمّا الصاد فصادق في وعده ووعيده ، وأمّا الضاد فالضارُّ النافع ، وأمّا الطاء فالطاهر المطهّر ، وأمّا الظاء فالظاهر المظهر لآياته ، وأمّا العين فعالم بعباده ، وأمّا الغين فغياث المستغيثين ، وأمّا الفاء ففالق الحبِّ والنوى ، وأمّا القاف فقادر على جميع خلقه ، وأمّا الكاف فالكافي الّذي لم يكن له كفواً أحد ، أمّا اللّام فلطيف بعباده ، أمّا الميم فمالك الملك ، وأمّا النون فنور السماوات والأرض من نور عرشه ، وأمّا الواو فواحدٌ صمد لم يلد ولم يولد ، أمّا الهاء فهادي لخلقه ، أمّا اللّام ألف فلا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، و أمّا الياء فيد الله باسطةٌ على خلقه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : هذا هو القول الّذي رضي الله عزَّ وجلَّ لنفسه من جميع خلقه . فأسلم اليهوديُّ .

بيان : قوله عليه‌السلام : وأمّا الضاد فالضارُّ النافع ذكر النافع إمّا على الاستطراد أو لبيان أنَّ ضرره تعالى عين النفع لأنّه خير محض ، مع أنّه يحتمل أن يكون موضوعاً لهما معاً ، وكذا الواو يحتمل أن يكون موضوعاً للواحد ، وذكر ما بعده لبيان أنَّ واحديّته تعالى تستلزم تلك الصفات ، وأن يكون موضوعاً للجميع .

٥ ـ مع : وروي في خبر آخر : أنَّ شمعون سأل النبيَّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : اخبرني ما أبوجاد ؟ وما هوَّز ؟ وما حطّي ؟ وما كلمن ؟ وما سعفص ؟ وما قرشت ؟ وما كتب ؟

________________________

(١) وزاد في نسخة : ويعفو عن السيئات .

٣٢٠