بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٢٦
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

أبو عبد الله عليه‌السلام : من عمل بما علم كفي ما لم يعلم .

٥٠ ـ يد : أبي ، عن الحميريّ ، عن ابن عيسى ، عن الجحّال ، عن ثعلبة ، عن عبد الأعلى قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : عمّن لا يعرف شيئاً هل عليه شيءٌ ؟ قال : لا .

٥١ ـ يب : الحسين بن سعيد ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه سأل عن سباع الطير والوحش حتّى ذكّر له القنافذ والوطواط والحمير والبغال فقال : ليس الحرام إلّا ما حرَّمه الله في كتابه . الخبر .

٥٢ ـ كا ، يب : العدَّة ، عن أحمد بن محمّد ، عن العبّاس بن عامر ، عن ابن بكير ، عن أبيه قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إذا استيقنت أنّك قد أحدثت فتوضّأ ، وإيّاك أن تحدث وضوءاً أبداً حتّى تستيقن أنّك قد أحدثت .

٥٣ ـ كا : عليٌّ ، عن أبيه ، ومحمّد بن إسماعيل ، عن الفضل ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : قلت له : من لم يدر في أربع هو أم في ثنتين وقد أحرز ثنتين ؟ قال : يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب ويتشهَّد ولا شيء عليه ، وإذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها اُخرى ولا شيء عليه ، ولا ينقض اليقين بالشكِّ ولا يدخل الشكَّ في اليقين ، ولا يخلط أحدهما بالآخر ولكنّه ينقض الشكَّ باليقين ويتمُّ على اليقين فيبني عليه ، ولا يعتدُّ بالشكِّ في حال من الحالات .

٥٤ ـ يب : محمّد بن عليِّ بن محبوب ، عن ابن عيسى ، عن البزنطيّ قال : سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبّة فراء لا يدري أذكيّة هي أم غير ذكيّة أيصلّي فيها ؟ فقال : نعم ليس عليكم المسألة إنَّ أبا جعفر عليه‌السلام كان يقول : إنَّ الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم . إنَّ الدين أوسع من ذلك .

يه : عن سليمان الجعفريّ ، عن العبد الصالح عليه‌السلام مثله .

٥٥ ـ يب : الحسين بن سعيد ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن زرارة قال : قلت له : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيءٌ من المني ـ إلى أن قال ـ : فإن ظننْت أنّه قد أصابه ولم أتيقّن ذلك فنظرت فلم أر شيئاً ثمّ صلّيت فرأيت فيه ؟ قال : تغسله ولا تعيد الصلاة ، قلت : لمَ ذاك ؟

٢٨١
 &

قال لأنّك كنت على يقين من طهارتك ثمَّ شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكِّ أبداً ، قلت : فهل عليَّ إن شككت في أنّه أصابه شيءٌ أن أنظر فيه ؟ قال : لا ولكنّك تريد أن تذهب الشكَّ الّذي وقع في نفسك ، قلت : فإنّي قد علمت أنّه قد أصابه ولم أدر أين هو فأغسله ؟ قال : تغسل من ثوبك الناحية الّتي ترى أنّه قد أصابها حتّى تكون على يقين من طهارتك . الخبر .

ع : أبي ، عن عليّ ، عن أبيه ، عن حمّاد مثله .

٥٦ ـ يب : سعد ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان قال : سأل أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا حاضر : إنّي اُعير الذمِّيَّ ثوبي وأنا أعلم أنّه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير فيردُّه عليَّ فأغسله قبل أن اُصلّي فيه ؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : صلِّ فيه ولا تغسله من أجل ذلك فإنّك أعرته إيّاه وهو طاهر ولم تستيقن أنّه نجَّسه ، فلا بأس أنّ تصلّي فيه حتّى تستيقن أنّه نجَّسه .

٥٧ ـ يب : الحسن بن محبوب ، عن أبي أيّوب ، عن ضريس الكناسيّ ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن السمن والجبن نجده في أرض المشركين بالروم أنأكله ؟ فقال أمّا ما علمت أنّه قد خلطه الحرام فلا تأكل ، وأمّا ما لم تعلم فكله حتّى تعلم أنّه حرام .

٥٨ ـ يب : ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : كلُّ شيء يكون فيه حرام وحلال فهو لك حلالٌ أبداً حتّى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه .

٥٩ ـ دعوات الراونديّ ، والكافي عن زرارة قال : حضر أبو جعفر عليه‌السلام جنازة رجل من قريش وأنا معه وكان عطاء فيها فصرخت صارخة فقال عطاء : لتسكتين أو لنرجعنَّ ؟ قال : فلم تسكت فرجع عطاء . قال قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : إنَّ عطاء قد رجع ، قال : ولمَ ؟ قلت : كان كذا وكذا ، قال : امض بنا فلو أنّا إذا رأينا شيئاً من الباطل تركنا الحقَّ لم نقض حقَّ مسلم . الخبر .

٦٠ ـ كتاب المسائل لعليّ بن جعفر قال : سألت أخي موسى عليه‌السلام عمّن يروي تفسيراً أو روايةً عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في قضاء أو طلاق أو عتق أو شيء لم نسمعه قطُّ من مناسك أو شبهه من غير أن يسمّى لكم عدوًّا ، أيسعنا أن نقول في قوله : ألله أعلم إن كان

٢٨٢
 &

آل محمّد صلوات الله عليهم يقولونه ؟ قال : لا يسعكم حتّى تستيقنوا .

٦١ ـ كا ، يب : سعد بن عبد الله ، عن أبي جعفر ، عن الحسن بن عليِّ بن فضّال ، عن ابن بكير ، عن زرارة قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام إنّ اُمّي كانت جعلت عليها نذراً انَّ الله ردَّ‍ عليها بعض ولدها من شيء كانت تخاف عليه أن تصوم ذلك اليوم الّذي يقدم فيه ما بقيت ، فخرجت معنا مسافرةً إلى مكّة ، فأشكل علينا لمكان النذر أتصوم أو تفطر ؟ فقال لا تصوم وضع الله عزّ وجلّ عنها حقّه وتصوم هي ما جعلت على نفسها . الخبر .

٦٢ ـ كتاب جعفر بن محمّد بن شريح ، عن حميد بن شعيب ، عن جابر الجعفيّ ، عن الباقر عليه السلام قال : إنَّ المؤمن بركةٌ على المؤمن ، وإنَّ المؤمن ، حجّة الله .

أقول : سيأتي كثير من أخبار هذا الباب في كتاب العدل وكثير منها متفرِّقة في الأبواب الماضية والآتية ، وسنورد جميعها مع ما يتيسّر من القول فيها في المجلّد الخامس والعشرين إن شاء الله تعالي .

( باب ٣٤ )

* ( البدع والرأي والمقائيس ) *

الايات ، الكهف : وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ٢٦

القصص : وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّـهِ ٥٠

الروم : بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ٢٩

ص : وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ٢٦

حمعسق : وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ مِن كِتَابٍ ١٥ « وقال تعالى » : أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّـهُ ٢١

الجاثية : ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّـهِ شَيْئًا ١٨ ، ١٩

٢٨٣
 &

محمد : أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُم ١٤

النجم : إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَىٰ ٢٣

١ ـ نهج ، ج : روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال : ترد على أحدهم القضيّة في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه ، ثمَّ ترد تلك القضيّة بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله ، ثمَّ تجتمع القضاة بذلك عند الإمام الّذي استقضاهم فيصوِّب آراءهم جميعاً وإلههم واحدٌ ، وكتابهم واحدٌ ، أفأمرهم الله سبحانه بالاختلاف فأطاعوه أم نهاهم عنه فعصوه ؟ أم أنزل الله ديناً ناقصاً فاستعان بهم على إتمامه ؟ أم كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى ؟ أم أنزل الله ديناً تامّاً فقصّر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله عن تبليغه وأدائه ؟ والله سبحانه يقول : مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ . وفيه تبيان كلِّ شيء ، وذكر أنَّ الكتاب يصدِّق بعضه بعضاً وأنّه لا اختلاف فيه فقال سبحانه : وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا . وإنَّ القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق لا تفني عجائبه ولا تنقضي غرائبه ولا تكشف الظلمات إلّا به .

بيان : هذا تشنيع على من يحكم برأيه وعقله من غير رجوع إلى الكتاب والسنّة و إلى أئمّة الهدى عليهم‌السلام فإنَّ حقّيّة هذا إنّما يكون إمّا بإله آخر بعثهم أنبياء وأمرهم بعدم الرجوع إلى هذا النبيِّ المبعوث وأوصيائه عليهم‌السلام ، أو بأن يكون الله شرَّك بينهم و بين النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في النبوَّة ، أو بأن لا يكون الله عزّ وجلّ بيّن لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله جميع ما يحتاج إليه الاُمّة ، أو بأن بيّنه له لكنَّ النبيَّ قصَّر في تبليغ ذلك ولم يترك بين الاُمّة أحداً يعلم جميع ذلك ، وقد أشار عليه‌السلام إلى بطلان جميع تلك الصور ، فلم يبق إلّا أن يكون بين الاُمّة من يعرف جميع ذلك ويلزمهم الرجوع إليه في جميع أحكامهم .

وأمّا الاختلاف الناشىء من الجمع بين الأخبار بوجوه مختلفة أو العمل بالأخبار المتعارضة باختلاف المرجّحات الّتي تظهر لكلِّ عالم بعد بذل جهدهم وعدم تقصيرهم فليس من ذلك في شيء ، وقد عرفت ذلك في باب اختلاف الأخبار ، ويندفع بذلك إذا أمعنت النظر كثير من التشنيعات الّتي شنّعها بعض المتأخّرين على أجلّة العلماء الأخيار .

٢ ـ ج : روي أنَّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال : إنَّ أبغض الخلائق إلى الله

٢٨٤
 &

تعالى رجلان : رجل وكله الله إلى نفسه فهو جائر عن قصد السبيل ، مشعوفٌ بكلام بدعة ودعاء ضلالة ، فهو فتنة لمن افتتن به ، ضالٌّ عن هدى من كان قبله ، مضلٌّ لمن اقتدى به في حياته وبعد وفاته ، حمّال خطايا غيره ، رهنٌ بخطيئته . ورجل قمش جهلاً فوضعه في جهّال الاُمّة ، غارًّا في أغباش الفتنة ، عمَّ بما في عقد الهدنة ، قد سمّاه اشباه الرجال عالماً وليس به ، بكّر فاستكثر من جمع ما قلَّ منه خيرٌ ممّا كثر ، حتّى إذا ارتوى من آجن وأكثر من غير طائل . جلس بين الناس قاضياً ضامناً لتخليص ما التبس على غيره ، إن خالف من سبقه لم يا من من نقض حكمه من يأتي من بعده ، كفعله بمن كان قبله ، وإن نزل به إحدى المبهمات هيّأ لها حشواً رثّاً من رأيه ثمَّ قطع به ، فهو من لبس الشبهات في مثل نسج العنكبوت لا يدري أصاب أم أخطأ ، إن أصاب خاف أن يكون قد أخطأ ، و إن أخطأ رجا أن يكون قد أصاب ، جاهل خبّاط جهلات ، غاش ركّاب عشوات ، لم يعضَّ على العلم بضرس قاطع ، يذري الروايات إذراء الريح الهشيم ، لا مليىءٌ والله بإصدار ما ورد عليه ، لا يحسب العلم في شيء ممّا أنكره ، ولا يرى أنَّ من وراء ما بلغ منه مذهباً لغيره ، وإن قاس شيئاً بشيء لم يكذب رأيه ، وإن أظلم عليه أمر اكتتم به لما يعلم من جهل نفسه ، يصرخ من جور قضائه الدماء ، وتعجُّ منه المواريث ، إلى الله أشكو من معشر يعيشون جهّالاً ويموتون ضلالاً .

وروي أنّه عليه‌السلام قال بعد ذلك : أيّها الناس عليكم بالطاعة والمعرفة بمن لا تعتذرون بجهالته ، فإنَّ العلم الّذي هبط به آدم وجميع ما فضّلت به النبيّون إلى خاتم النبيّين في عترة نبيّكم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله فأنّى يتاه بكم ؟ ! بل أين تذهبون ؟ ! يا من نسخ من أصلاب السفينة ، هذه مثلها فيكم فاركبوها ، فكما نجا في هاتيك من نجا فكذلك ينجو في هذه من دخلها ، أنا رهين بذلك قسماً حقّاً ، وما أنا من المتكلّفين ، والويل لمن تخلّف ثمَّ الويل لمن تخلّف ، أما بلغكم ما قال فيكم نبيُّكم صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث يقول في حجّة الوداع : انّي تاركٌ فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، ألا هذا عذب فراتٌ فاشربوا ، وهذا ملحٌ أجاجٌ فاجتنبوا .

٢٨٥
 &

بيان : قد سبق مثله بتغيير ما في باب من يجوز أخذ العلم منه وقد شرحناه هناك . والرثُّ : الضعيف البالي .

٣ ـ ج : عن بشير بن يحيي العامريّ ، عن ابن أبي ليلى ، قال : دخلت أنا والنعمان أبو حنيفة على جعفر بن محمّد عليهما‌السلام فرحَّب بنا فقال : يا ابن أبي ليلى من هذا الرجل ؟ فقلت : جعلت فداك هذا رجل من أهل الكوفة ، له رأي وبصيرة ونفاذ (١) ، قال : فلعلّه الّذي يقيس الأشياء برأيه ، ثمَّ قال : يا نعمان هل تحسن أن تقيس رأسك ؟ قال : لا ، قال : ما أراك تحسن أن تقيس شيئاً ولا تهتدي إلّا من عند غيرك ، فهل عرفت الملوحة في العينين ، والمرارة في الاُذنين ، والبرودة في المنخرين ، والعذوبة في الفم ؟ قال : لا . قال : فهل عرفت كلمةً أوَّلها كفر وآخرها إيمان ؟ قال : لا . قال ابن أبي ليلى : فقلت : جعلت فداك لا تدعنا في عمياء ممّا وصفت لنا . قال : نعم حدَّثني أبي ، عن آبائي عليهم‌السلام : أنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إنَّ الله خلق عيني ابن آدم شحمتين فجعل فيهما الملوحة فلولا ذلك لذابتا ولم يقع فيهما شيءٌ من القذى إلّا أذابهما ، والملوحة تلفظ ما يقع في العينين من القذى ، وجعل المرارة في الاُذنين حجاباً للدماغ ، وليس من دابّة تقع في الاُذن إلّا التمست الخروج ، ولولا ذلك لوصلت إلى الدماغ ، وجعل البرودة في المنخرين حجاباً للدماغ ، ولولا ذلك لسال الدماغ ، وجعل العذوبة في الفم منّاً من الله تعالى على ابن آدم ، ليجد لذَّة الطعام والشراب . وأمّا كلمة أوَّلها كفرٌ وآخرها إيمانٌ فقول « لا إله إلّا الله » أوَّلها كفرٌ وآخرها إيمان ، ثمَّ قال : يا نعمان إيّاك والقياس فإنَّ أبي حدَّثني عن آبائه عليهم‌السلام أنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من قاس شيئاً من الدين برأيه قرنه الله تبارك وتعالى مع إبليس في النار ، فإنّه أوَّل من قاس حيث قال : خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ . فدعوا الرأي والقياس فإنَّ دين الله لم يوضع على القياس .

ع : أبي ، عن سعد ، عن البرقيّ ، عن معاذ بن عبد الله ، عن بشر بن يحيى العامريّ ، عن ابن أبي ليلى مثله إلّا أنَّ مكان « بصيرة » « نظر » وبعد قوله : « أن تقيس شيئاً » قوله : « ولا تهتدي إلّا من عند غيرك فهل عرفت ممّا الملوحة » ومكان « عمياء » « عمى » و « على

________________________

(١) وفي نسخة : ونقاد .

٢٨٦
 &

شحمتين » و « لذاذة الطعام » و « حين قال خلقتني » « فدعوا الرأي والقياس وما قال قوم ليس له في دين الله برهان » « فإنَّ دين الله لم يوضع بالآراء والمقائيس » .

٤ ـ ج : في رواية اُخرى أنَّ الصادق عليه‌السلام قال لأبي حنيفة : ـ لمّا دخل عليه ـ من أنت ؟ قال : أبو حنيفة . قال عليه‌السلام : مفتي أهل العراق ؟ قال : نعم . قال : بما تفتيهم ؟ قال : بكتاب الله . قال عليه‌السلام : وإنّك لعالم بكتاب الله ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ؟ قال : نعم . قال : فأخبرني عن قول الله عزّ وجلّ : وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ . أيُّ موضع هو ؟ قال أبو حنيفة : هو ما بين مكّة والمدينة . فالتفت أبو عبد الله عليه‌السلام إلى جلسائه وقال : نشدتكم بالله هل تسيرون بين مكّة والمدينة ولا تأمنون على دمائكم من القتل وعلى أموالكم من السرق ؟ فقالوا : اللّهم نعم . فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ويحك يا أبا حنيفة إنَّ الله لا يقول إلّا حقّاً ، أخبرني عن قول الله عزّ وجلّ : وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ، أيُّ موضع هو ؟ قال : ذلك بيت الله الحرام ، فالتفت أبو عبد الله عليه‌السلام إلى جلسائه وقال : نشدتكم بالله هل تعلمون أنَّ عبد الله بن زبير وسعيد بن جبير دخلاه فلم يأمنا القتل ؟ قالوا : اللّهم نعم ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ويحك يا أبا حنيفة إنَّ الله لا يقول إلّا حقّاً . فقال أبو حنيفة : ليس لي علم بكتاب الله إنّما أنا صاحب قياس . فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : فانظر في قياسك إن كنت مقيساً أيُّما أعظم عند الله القتل أو الزنا ؟ قال : بل القتل . قال : فكيف رضي في القتل بشاهدين ولم يرض في الزنا إلّا بأربعة ؟ ثمّ قال له : الصلاة أفضل أم الصيام ؟ قال : بل الصلاة أفضل . قال عليه‌السلام : فيجب على قياس قولك على الحائض قضاء ما فاتها من الصلاة في حال حيضها دون الصيام ، وقد أوجب الله تعالى عليها قضاء الصوم دون الصلاة ، ثمَّ قال له : البول أقذر أم المنيُّ ؟ قال : البول أقذر . قال عليه‌السلام : يجب على قياسك أن يجب الغسل من البول دون المنيِّ وقد أوجب الله تعالى الغسل من المنيِّ دون البول . قال : إنّما أنا صاحب رأي . قال عليه‌السلام : فما ترى في رجل كان له عبدٌ فتزوَّج وزوَّج عبدُه في ليلة واحدة فدخلا بإمرأتيهما في ليلة واحدة ، ثمَّ سافرا وجعلا امرأتيهما في بيت واحد فولدتا غلامين فسقط البيت عليهم فقتل المرأتين وبقي الغلامان أيّهما في رأيك المالك وأيّهما المملوك ؟ وأيّهما الوارث وأيّهما الموروث ؟ قال : إنّما أنا صاحب حدود ! قال : فما ترى في رجل أعمي

٢٨٧
 &

فقاء عين صحيح (١) وأقطع يد رجل كيف يقام عليهما الحدُّ ؟ قال : إنّما أنا رجلٌ عالم بمباعث الأنبياء ! قال : فأخبرني عن قول الله تعالى لموسى وهارون حين بعثهما إلى فرعون : لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ . ولعلَّ منك شكُّ ؟ قال : نعم ، قال : فكذلك من الله شكٌّ إذ قال : لعلّه ؟ قال أبو حنيفه : لا علم لي ! قال عليه‌السلام : تزعم أنّك تفتي بكتاب الله ولست ممّن ورثه ، وتزعم أنّك صاحب قياس وأوَّل من قاس إبليس ، ولم يبنَ دين الإسلام على القياس ، وتزعم أنّك صاحب رأي وكان الرأي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صواباً ومن دونه خطاءاً ، لأنَّ الله تعالى قال : احكم بينهم بما أراك الله . ولم يقل ذلك لغيره ، وتزعم أنَّك صاحب حدود ومن اُنزلت عليه أولى بعلمها منك ، وتزعم أنّك عالم بمباعث الأنبياء و لَخاتم الأنبياء أعلم بمباعثهم منك ، لولا أن يقال دخل على ابن رسول الله فلم يسأله عن شيء ما سألتك عن شيء فقس إن كنت مقيساً . قال : لا تكلّمت بالرأي والقياس في دين الله بعد هذا المجلس . قال : كلّا إنَّ حبَّ الرئاسة غير تاركك لم يترك من كان قبلك . تمام الخبر .

بيان : غرضه عليه‌السلام بيان جهله وعجزه عن استنباط الأحكام الشرعيّة بدون الرجوع إلى إمام الحقّ . والمقيس لعلّه اسم آلة أو اسم مكان . وسيأتي شرح كلُّ جزء من أجزاء الخبر في المقام المناسب لذكره ، وذكرها هناك موجب للتكرار .

٥ ـ ج : عن عيسى بن عبد الله القرشيّ ، قال : دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال : يا أبا حنيفة قد بلغني أنّك تقيس ، فقال : نعم . فقال : لا تقس فإنَّ أوَّل من قاس إبليس لعنه الله حين قال : خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ . فقاس ما بين النار والطين ، ولو قاس نوريّة آدم بنوريّة النار عرف ما بين النورين وضياء أحدهما على الآخر .

ايضاح : يحتمل أن يكون المراد بالقياس هنا أعمَّ من القياس الفقهي من الاستحسانات العقليّة والآراء الواهية الّتي لم تؤخذ من الكتاب والسنّة ، ويكون المراد أنَّ طريق العقل ممّا يقع فيه الخطأ كثيراً فلا يجوز الاتّكال عليه في اُمور الدين ، بل يجب الرجوع في جميع ذلك إلى أوصياء سيّد المرسلين صلوات الله عليهم أجمعين وهذا هو الظاهر في أكثر أخبار هذا الباب ، فالمراد بالقياس هنا القياس اللّغويّ ، ويرجع قياس

________________________

(١) أي قلع عين صحيح .

٢٨٨
 &

إبليس إلى قياس منطقيّ مادَّته مغالطة ، لأنّه استدلَّ أوَّلاً على خيريّته بأنَّ مادَّته من نار ومادَّة آدم من طين ، والنار خير من الطين فاستنتج من ذلك أن مادَّته خير من مادَّة آدم ثمَّ جعل ذلك صغرى ورتّب القياس هكذا : مادَّته خيرٌ من مادَّة آدم ، وكلُّ من كان مادَّته خيراً من مادَّة غيره يكون خيراً منه ، فاستنتج أنّه خير من آدم . ويرجع كلامه عليه‌السلام إلى منع كبرى القياس الثاني بأنّه لا يلزم من خيريّة مادَّة أحد على غيره كونه خيراً منه ، إذ لعلّه تكون صورة الغير في غاية الشرافة وبذلك يكون ذلك الغير أشرف ، كما أنَّ آدم لشرافة نفسه الناطقة الّتي جعلها الله محلَّ أنواره ومورد أسراره أشدُّ نوراً وضياءاً من النار ، إذ نور النار لا يظهر إلّا في المحسوسات ، ومع ذلك ينطفىء بالماء والهواء ويضمحلُّ بضوء الكواكب ، ونور آدم نور به يظهر عليه أسرار الملك والملكوت ولا ينطفىء بهذه الأسباب والدواعي ، ويحتمل أن يكون المراد بنور آدم عقله الّذي به نوَّر الله نفسه وبه شرَّفه على غيره ، ويحتمل إرجاع كلامه عليه‌السلام إلى إبطال كبرى القياس الأوّل بأنَّ إبليس نظر إلى النور الظاهر في النار وغفل عن النور الّذي أودعه الله في طين آدم لتواضعه ومذلّته ، فجعله لذلك محلَّ رحمته ومورد فيضه ، وأظهر منه أنواع النباتات والرياحين والثمار والمعادن والحيوان ، وجعله قابلاً لإفاضة الروح عليه ، وجعله محلّاً لعلمه وحكمته ، فنور التراب نور خفيٌّ لا يطَّلع عليه إلّا من كان له نورٌ ، ونور النار نور ظاهر بلا حقيقة ولا استقرار ولا ثبات ولا يحصل منها إلّا الرماد وكلُّ شيطان مريد . ويمكن حمل القياس هنا على القياس الفقهيّ أيضاً لأنّه لعنه الله اسنتبط أوَّلاً علّة إكرام آدم فجعل علّة ذلك كرامة طينته ، ثمَّ قاس بأنَّ تلك العلّة فيه أكثر وأقوى فحكم بذلك أنّه بالمسجوديّة أولى من الساجديّة ، فأخطأ العلّة ولم يصب وصار ذلك سبباً لشركه وكفره ، ويدلُّ على بطلان القياس بطريق أولى على بعض معانيه . وسيأتي تمام الكلام في ذلك وفي كيفيّة خلق آدم وإبليس في كتاب السماء والعالم ، وكتاب قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إن شاء الله .

٦ ـ ج : سأل محمّد بن الحسن (١) أبا الحسن موسى عليه‌السلام بمحضر من الرشيد وهم

________________________

(١) هو محمد بن الحسن الشيباني الفقيه الحنفي نشأ بالكوفة فطلب الحديث ولقى جماعة من الاعلام وحضر مجلس أبي حنيفة سنين ثم تفقه على أبي يوسف صاحب أبي حنيفة ، وصنف الكتب الكثيرة النادرة ونشر علم أبي حنيفة ، وكان الرشيد قد ولاه قضاء الرقة ثم عزله عنها ، وقدم بغداد ولم يزل محمد

٢٨٩
 &

بمكّة فقال له : أيجوز للمحرم أن يظلّل عليه محمله ؟ فقال له موسى عليه‌السلام : لا يجوز له ذلك مع الاختيار . فقال له محمّد بن الحسن : أفيجوز أن يمشي تحت الظلال مختاراً ؟ فقال له : نعم ، فتضاحك محمّد بن الحسن عن ذلك ، فقال له أبو الحسن موسى عليه‌السلام : أفتعجب من سنّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وتستهزىء بها ، إنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كشف ظلاله في إحرامه ومشى تحت الظلال وهو محرم ، إنَّ أحكام ألله تعالى ـ يا محمّد ـ لا تقاس ، فمن قاس بعضها على بعض فقد ضلَّ سواء السبيل . فسكت محمّد بن الحسن لا يرجع جواباً .

٧ ـ وقد جرى لأبي يوسف مع أبي الحسن موسى عليه‌السلام بحضرة المهديِّ ما يقرب من ذلك ، وهو : أنَّ موسى عليه‌السلام سأل أبا يوسف عن مسألة ليس عنده فيها شيءٌ فقال لأبي الحسن موسى عليه‌السلام : إنّي اُريد أن أسألك عن شيء ، قال : هات . فقال : ما تقول في التظليل للمحرم ؟ قال : لا يصلح . قال فيضرب الخباء في الأرض فيدخل فيه ؟ قال : نعم . قال : فما فرق بين هذا وذاك ؟ قال أبو الحسن موسى عليه‌السلام : ما تقول في الطامث تقضي الصلاة ؟ قال : لا . قال : تقضي الصوم ؟ قال : نعم . قال : ولمَ ؟ قال : إنَّ هذا كذا جاء . قال أبو الحسن عليه‌السلام : وكذلك هذا ، قال المهديُّ لأبي يوسف : ما أراك صنعت شيئاً ، قال يا أمير المؤمنين رماني بحجّة .

٨ ـ نهج : من خطبة له عليه‌السلام : إنّما بدءُ وقوع الفتن أهواءٌ تتّبع ، وأحكام تبتدع ، يُخالَف فيها كتابُ الله ، ويتولّى عليها رجالٌ رجالاً على غير دين الله ، فلو أنَّ الباطل خلص من مزاج الحقِّ لم يخف على المرتادين (١) ، ولو أنَّ الحقَّ خلص من لبس الباطل انقطعت عنه ألسن المعاندين ، ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث (٢) فيمزجان فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه وينجو الّذين سبقت لهم من الله الحسنى .

________________________

* ابن الحسن ملازماً للرشيد حتى خرج الى الري خرجته الاولى فخرج معه ومات برنبويه ـ قرية من قرى الري ـ سنة تسع وثمانين ومائة ، ومولده سنة خمس وثلاثين . وقيل : احدى وثلاثين . وقيل : اثنتين وثلاثين ومائه . قاله ابن خلكان في وفيات الاعيان .

(١) المرتادين : الطالبين للحقيقة .

(٢) الضغث بالكسر : قبضة حشيش مختلط فيها الرطب باليابس ، وهو مستعار للنصيب من الحق والباطل .

٢٩٠
 &

كتاب عاصم بن حميد ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه مثله .

١٠ ـ ع : أبي رحمه الله ، عن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد بن إبراهيم بن هاشم ، عن أحمد بن عبد الله العقيليّ القرشيّ ، عن عيسى بن عبد الله القرشيّ رفع الحديث قال : دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله عليه‌السلام ، فقال له : يا أبا حنيفة بلغني أنّك تقيس ؟ قال : نعم أنا أقيس . قال : لا تقس فإنَّ أوَّل من قاس إبليس حين قال : خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ . فقاس ما بين النار والطين ، ولو قاس نوريّة النار عرف فضل ما بين النورين وصفاء أحدهما على الآخر ، ولكن قس لي رأسك ، أخبرني عن اُذنيك مالهما مرَّتان ؟ قال : لا أدري . قال : فأنت لا تحسن تقيس رأسك فكيف تقيس الحلال والحرام ؟ قال : يا ابن رسول الله : أخبرني ما هو ؟ قال إنَّ الله عزّ وجلّ جعل الاُذنين مرَّتين لئلّا يدخلهما شيءٌ إلّا مات لولا ذلك لقتل ابن آدم الهوامُّ ، وجعل الشفتين عذبتين ليجد ابن آدم طعم الحلو والمرّ ، وجعل العينين مالحتين لأنّهما شحمتان ولولا ملوحتهما لذابتا ، وجعل الأنف بارداً سائلاً لئلّا يدع في الرأس داءٌ إلّا أخرجه ، ولولا ذلك لثقل الدماغ وتدوَّد .

ع : أبي ، عن سعد ، عن البرقيّ ، عن محمّد بن عليّ ، عن عيسى بن عبد الله مثله .

١١ ـ ع : محمّد بن الحسن القطّان ، عن عبد الرحمن بن أبي حاتم ، عن أبي زرعة ، عن هشام بن عمّار ، عن محمّد بن عبد الله القرشيّ ، عن ابن شبرمة ، قال : دخلت أنا وأبو حنيفة على جعفر بن محمّد عليهما‌السلام فقال لأبي حنيفة : اتَّق الله ولا تقس الدين برأيك ، فإنَّ أوَّل من قاس إبليس ، أمره الله عزّ وجلّ بالسجود لآدم ، فقال : أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِن طِينٍ . ثمَّ قال : أتحسن أن تقيس رأسك من بدنك ؟ قال : لا . قال جعفر عليه‌السلام : فأخبرني لأيّ شيء جعل الله الملوحة في العينين ، والمرارة في الاُذنين ، والماء المنتن في المنخرين ، والعذوبة في الشفتين ؟ قال : لا أدري . قال جعفر عليه‌السلام : لأنَّ الله تبارك وتعالى خلق العينين فجعلهما شحمتين ، وجعل الملوحة فيهما منّاً منه على ابن آدم ، ولولا ذلك لذابتا ، وجعل الاُذنين مرَّتين ، ولولا ذلك لهجمت الدوابُّ وأكلت دماغه ، وجعل الماء في المنخرين ليصعد منه النفس وينزل ويجد منه الريح الطيّبة من الخبيثة ، وجعل العذوبة

٢٩١
 &

في الشفتين ليجد ابن آدم لذَّة مطعمه ومشربه . ثمَّ قال جعفر عليه‌السلام لأبي حنيفة : أخبرني عن كلمة أوَّلها شرك وآخرها إيمان ، قال : لا أدري . قال : هي لا إله إلّا الله ، لو قال : لا إله كان شرك ، ولو قال : إلّا الله كان إيمان . ثمَّ قال جعفر عليه‌السلام : ويحك أيّهما أعظم قتل النفس أو الزنا ؟ قال : قتل النفس . قال : فإنَّ الله عزّ وجلّ قد قبل في قتل النفس شاهدين ولم يقبل في الزنا إلّا أربعة ، ثمَّ أيّهما أعظم الصلاة أم الصوم ؟ قال : الصلاة . قال : فما بال الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة ؟ فكيف يقوم لك القياس ؟ فاتّق الله ولا تقس .

١٢ ـ ما : الحسين بن عبيد الله الغضائريّ ، عن هارون بن موسى ، عن عليِّ بن معمَّر عن حمدان بن معافا ، عن العبّاس بن سليمان ، عن الحارث بن التيهان ، قال : قال لي ابن شبرمة : دخلت أنا وأبو حنيفة على جعفر بن محمّد عليهما‌السلام فسلّمت عليه ـ وكنت له صديقاً ـ ثمَّ أقبلت على جعفر فقلت : أمتع الله بك ، هذا رجل من أهل العراق له فقه وعقل ، فقال له جعفر عليه‌السلام : لعلّه الّذي يقيس الدين برأيه ، ثمّ أقبل عليَّ ، فقال : هذا النعمان بن ثابت ؟ فقال أبو حنيفة : نعم أصلحك الله . فقال : اتّق الله ولا تقس الدين برأيك . ـ وساق الحديث نحو ما مرَّ إلى قوله عليه‌السلام ـ : ولا تقضي الصلاة ، اتّق الله يا عبد الله فإنّا نحن وأنتم غداً إذا خلقنا بين يدي الله عزّ وجلّ ، ونقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتقول أنت وأصحابك : اُسمعنا وأرينا ، فيفعل بنا وبكم ما شاء الله عزّ وجلّ .

١٣ ـع : أبي وابن الوليد معاً ، عن سعد ، عن البرقيّ ، عن شعيب بن أنس ، عن بعض أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام إذ دخل عليه غلام كندة فاستفتاه في مسألة فأفتاه فيها ، فعرفت الغلام والمسألة فقدمت الكوفة فدخلت على أبي حنيفة ، فإذا ذاك الغلام بعينه يستفتيه في تلك المسألة بعينها فأفتاه فيها بخلاف ما أفتاه أبو عبد الله عليه‌السلام ، فقمت إليه فقلت : ويلك يا أبا حنيفة إنّي كنت العام حاجّاً فأتيت أبا عبد الله عليه‌السلام مسلّماً عليه فوجدت هذا الغلام يستفتيه في هذا المسألة بعينها فأفتاه بخلاف ما أفتيته . فقال : وما يعلم جعفر بن محمّد أنا أعلم منه ، أنا لقيت الرجال وسمعت من أفواههم ، وجعفر بن محمّد صحفيٌّ ، فقلت في نفسي : والله لاحجّنَّ ولو حبواً قال : فكنت في طلب حجّة فجاءتني حجّة فحججت فأتيت أبا عبد الله عليه‌السلام فحكيت له الكلام فضحك

٢٩٢
 &

ثمّ قال : عليه لعنة الله أمّا في قوله : إنّي رجل صحفيٌّ فقد صدق ، قرأت صحف إبراهيم و موسى ، فقلت له : ومن له بمثل تلك الصحف ؟ قال : فما لبثت أن طرق الباب طارق وكان عنده جماعة من أصحاب فقال للغلام : انظر من ذا ؟ فرجع الغلام فقال : أبو حنيفة . قال : أدخله فدخل فسلّم على أبي عبد الله عليه‌السلام فردَّ عليه‌السلام ، ثمَّ قال : أصلحك الله أتأذن لي في القعود فأقبل على أصحابه يحدِّثهم ولم يلتفت إليه . ثمَّ قال الثانية والثالثة فلم يلتفت إليه ، فجلس أبو حنيفة من غير إذنه فلمّا علم أنّه قد جلس التفت إليه فقال : أين أبو حنيفة ؟ فقال هو ذا أصلحك الله ، فقال : أنت فقيه أهل العراق . قال : نعم . قال : فبما تفتيهم ؟ قال بكتاب الله وسنّة نبيّه قال : يا أبا حنيفة تعرف كتاب الله حقَّ معرفته وتعرف الناسخ و المنسوخ ؟ قال : نعم ، قال : يا أبا حنيفة ولقد إدَّعيت علماً ، ويلك ما جعل الله ذلك إلّا عند أهل الكتاب الّذين أنزل عليهم ، ويلك ولا هو إلّا عند الخاصِّ من ذرِّيّة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وما ورَّثك الله من كتابه حرفاً ، فإن كنت كما تقول ـ ولست كما تقول ـ فأخبرني عن قول الله عزَّ وجلَّ : سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ . أين ذلك من الأرض ؟ قال : أحسبه ما بين مكّة والمدينة ، فالتفت أبو عبد الله عليه‌السلام إلى أصحابه فقال : تعلمون أنَّ الناس يقطع عليهم بين المدينة ومكّة فتؤخذ أموالهم ولا يأمنون على أنفسهم ويقتلون ؟ قالوا : نعم . قال : فسكت أبو حنيفة ، فقال : يا أبا حنيفة أخبرني عن قول الله عزّ وجلّ : مَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا . أين ذلك من الأرض ؟ قال : الكعبة . قال : أفتعلم أنّ الحجّاج بن يوسف حين وضع المنجنيق على ابن الزبير في الكعبة فقتله كان آمناً فيها ؟ قال : فكست ، ثمَّ قال : يا أبا حنيفة إذا ورد عيك شيءٌ ليس في كتاب الله ولم تأت به الآثار والسنّة كيف تصنع ؟ فقال : أصلحك الله أقيس وأعمل فيه برأيي . قال : يا أبا حنيفة إنَّ أوّل من قاس إبليس الملعون ، قاس على ربّنا تبارك وتعالى فقال : أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ . فسكت أبو حنيفة . فقال يا أبا حنيفة أيّما أرجس البول أو الجنابة ؟ فقال : البول . فقال : الناس يغتسلون من الجنابة ولا يغتسلون من البول ، فسكت : فقال : يا أبا حنيفة أيّما أفضل الصلاة أم الصوم ؟ قال الصلاة . فقال : فما بال الحائض تقضي صومها ولا تقضي صلاتها ؟ فسكت . قال ، يا أبا حنيفة أخبرني عن رجل كانت له اُمُّ ولد وله منها ابنة ، وكانت له حرَّة لا تلد فزارت الصبيّة

٢٩٣
 &

بنت أمّ الولد أباها ، فقام الرجل بعد فراغه من صلاة الفجر فواقع أهله الّتي لا تلد وخرج إلى الحمّام فأرادت الحرّة أن تكيد أمّ الولد وابنتها عند الرجل فقامت إليها بحرارة ذلك الماء فوقعت إليها وهي نائمة فعالجتها كما يعالج الرجل المرأة فعلقت ، أيُّ شيء عندك فيها ؟ قال : لا والله ما عندي فيها شيء . فقال : يا أبا حنيفة أخبرني عن رجل كانت له جارية فزوَّجها من مملوك له وغاب المملوك ، فولد له من أهله مولود ، وولد للمملوك مولود من اُمِّ ولد له فسقط البيت على الجاريتين ومات المولى ، مَن الوارث ؟ فقال : جعلت فداك لا والله ما عندي فيها شيءٌ ، فقال أبو حنيفة : أصلحك الله إنّ عندنا قوماً بالكوفة يزعمون أنّك تأمرهم بالبراءة من فلان وفلان (١) ، فقال : ويلك يا أبا حنيفة لم يكن هذا معاذ الله ، فقال : أصلحك الله إنّهم يعظّمون الأمر فيهما (٢) قال : فما تأمرني ؟ قال : تكتب إليهم ، قال : بماذا ؟ قال : تسألهم الكفّ عنهما (٣) ، قال : لا يطيعوني ، قال بلى أصلحك الله إذا كنت أنت الكاتب وأنا الرسول أطاعوني ، قال : يا أبا حنيفة أبيت إلّا جهلاً كم بيني وبين الكوفة من الفراسخ ؟ قال : أصلحك الله ما لا يحصى ، فقال كم بيني وبينك ؟ قال : لا شيء ، قال : أنت دخلت عليَّ في منزلي فأستأذنت في الجلوس ثلاث مرّات فلم آذن لك فجلست بغير إذني خلافاً عليَّ ، كيف يطيعوني اُولئك وهم ثَمَّ وأنا ههنا ؟ قال : فقنَّع رأسه وخرج وهو يقول : أعلم الناس ولم نره عند عالم . فقال أبو بكر الحضرميّ : جعلت فداك الجواب في المسألتين الأوَّلتين ؟ فقال : يا أبا بكر سيروا فيها ليالي وأيّاماً آمنين . فقال : مع قائمنا أهل البيت وأمّا قوله : وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا فمن بايعه ودخل معه ومسح على يده ودخل في عقد أصحابه كان آمناً .

بيان : قوله عليه‌السلام : ولست كما تقول جملة حاليّة اعترضت بين الشرط والجزاء لرفع توهّم أنّ هذا الشرط والتقدير محتمل الصدق ، وأمّا قوله تعالى : سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَ أَيَّامًا آمِنِينَ . فهو في القرآن مذكور بين الآيات الّتي اُوردت في ذكر قصّة أهل سبا ، حيث قال : وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا

________________________

(١) وفي نسخة : من فلان وفلان وفلان .

(٢) وفي نسخة : انّهم يعظمون الامر فيهم .

(٣) وفي نسخة : تسألهم الكف عنهم .

٢٩٤
 &

فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ . فعلى تأويله عليه‌السلام تكون هذه الجملة معترضةً بين تلك القصّة لبيان أنّ هذا الأمن الّذي كان لهم في تلك القرى وقد زال عنهم بكفرانهم سيعود في ليالي وأيّام زمان القائم عليه‌السلام ، ولذا قال تعالى : وَقَدَّرْنَا .

وأمّا قوله تعالى : وَمَن دَخَلَهُ . فعلى تأويله عليه‌السلام يكون المراد الدخول في ذلك الزمان مع بيعته عليه‌السلام في الحرم ، أو أنّه لمّا كانت حرمة البيت مقرونةً بحرمتهم عليهم‌السلام راجعةً إليها فيكون الدخول فيها كنايةً عن الدخول في بيعتهم ومتابعتهم على هذا البطن من الآية .

وأمّا قوله عليه‌السلام : أيّما أرجس لعلّه ذكره الزاماً عليه لأنّه كان يقول : بأنّ البول أرجس حتّى أنّه نسب إليه أنّه قال : بطهارة المنيّ بعد الفرك ، وأمّا في مسألة السحق وإن لم يذكر عليه‌السلام جوابه ههنا فقد قال الشيخ في النهاية : أنّ على المرأة الرجم و يلحق الولد بالرجل ، ويلزم المرأة المهر ، وعليه دلّت صحيحة محمّد بن مسلم وغيرها ، وقد خالف بعض الأصحاب في لزوم الرجم بل اكتفوا بالجلد ، وبعضهم في تحقّق النسب . وسيأتي الكلام فيه في محلّه .

وأمّا سقوط البيت على الجاريتين فالظاهر أنّ السؤال عن اشتباه ولد المملوك وولد المولى كما مرّ ، وفرض سقوط البيت على الجاريتين لتقريب فرض الاشتباه ، والمشهور بين الأصحاب فيه القرعة كما تقتضيه اُصولهم ، وكلاهما مرويّان في الكافي .

١٤ ـ ع : الحسين بن أحمد ، عن أبيه ، عن محمّد بن أحمد قال : حدّثنا أبو عبد الله الداريّ ، عن ابن البطائنيّ ، عن سفيان الحريريّ ، عن معاذ ، عن بشر بن يحيى العامريّ ، عن ابن أبي ليلى قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام ومعي نعمان فقال أبو عبد الله : من الّذي معك ؟ فقلت : جعلت فداك هذا رجل من أهل الكوفة له نظر ونفاذ رأي (١) يقال له : نعمان . قال : فلعلّ هذا الّذي يقيس الأشياء برأيه ؟ فقلت : نعم . قال : يا نعمان هل تحسن أن تقيس رأسك ؟ فقال : لا ، فقال : ما أراك تحسن شيئاً ولا فرضك إلّا من عند غيرك ، فهل عرفت كلمةً أوّلها كفر وآخرها إيمان ؟ قال : لا . قال : فهل عرفت ما الملوحة في العينين ، والمرارة

________________________

(١) وفي نسخة ونقاد رأي .

٢٩٥
 &

في الاُذنين ، والبرودة في المنخرين والعذوبة في الشفتين ؟ قال : لا . قال : ابن أبي ليلى فقلت : جعلت فداك فسِّر لنا جميع ما وصفت . قال : حدّثني أبي عن آبائه عليهم‌السلام ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله تبارك وتعالى خلق عيني ابن آدم من شحمتين (١) فجعل فيهما الملوحة ولولا ذلك لذابتا ، فالملوحة تلفظ ما يقع في العين من القذى ، (٢) وجعل المرارة في الاُذنين حجاباً من الدماغ فليس من دابّة تقع فيه إلّا التمست الخروج ، ولولا ذلك لوصلت إلى الدماغ ، وجعلت العذوبة في الشفتين منّاً من الله عزّ وجلّ على ابن آدم ، يجد بذلك عذوبة الريق وطم الطعام والشراب ، وجعل البرودة في المنخرين (٣) لئلّا تدع في الرأس شيئاً إلّا أخرجته . فقلت : فما الكلمة الّتي أوّلها كفر وآخرها إيمان ؟ قال : قول الرجل : لا إله إلّا الله . فأوّلها كفر وآخرها إيمان ، ثمَّ قال : يا نعمان إيّاك والقياس فقد حدّثني أبي ، عن آبائه عليهم‌السلام ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : من قاس شيئاً بشيء قرنه الله عزّ وجلّ مع إبليس في النار فإنّه أوّل من قاس على ربّه ، فدع الرأي والقياس ، فإنّ الدين لم يوضع بالقياس وبالرأي .

بيان : قوله عليه‌السلام : ولا فرضك معطوف على قوله : شيئاً أو على الضمير المنصوب في « أراك » والأوّل أظهر .

١٥ ـ ع : ابن مسرور ، عن ابن عامر ، عن معلّى بن محمّد ، عن محمّد بن الجمهور العمّيّ بإسناده رفعه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أبى الله لصاحب البدعة بالتوبة . قيل يا رسول الله وكيف ذاك ؟ قال : إنَّه قد اُشرب قلبه حبَّها .

ثو : ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن ابن يزيد ، عن العمّيّ مثله .

بيان : لعلّ المراد أنّه لا يوفَّق للتوبة كما يظهر من التعليل أو لا تقبل توبته قبولاً كاملاً .

________________________

(١) الشحم : ما ابيضّ وخفّ من لحم الحيوان كالذي يغشى الكراش والامعاء ونحوها وبالفارسية « پيه » .

(٢) القذى : ما يقع في العين او في الشراب من تبنة أو نحوها .

(٣) المنخر الانف .

٢٩٦
 &

١٦ ـ ع : أبي ، عن سعد ، عن ابن نوح ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كان رجل في الزمن الأوّل طلب الدنيا من حلال فلم يقدر عليها ، وطلبها من حرام فلم يقدر عليها ، فأتاه الشيطان فقال له : يا هذا إنّك قد طلبت الدنيا من حلال فلم تقدر عليها ، وطلبتها من حرام فلم تقدر عليها ، أفلا أدلّك على شيء تكثر به دنياك ويكثر به تبعك ؟ قال : بلى . قال : تبتدع ديناً وتدعو إليه الناس . ففعل فاستجاب له الناس وأطاعوه وأصاب من الدنيا ، ثمّ إنّه فكر فقال : ما صنعتُ ؟ ابتدعتُ ديناً ودعوتُ الناس ما أرى لي توبة إلّا أن آتي مَن دعوته إليه فأردّه عنه . فجعل يأتي أصحابه الّذين أجابوه فيقول لهم ، إنّ الّذي دعوتكم إليه باطل وإنّما ابتدعته فجعلوا يقولون له : كذبت وهو الحقّ ولكنّك شككت في دينك فرجعت عنه . فلمّا رأى ذلك عمد إلى سلسلة فوتّد لها وتداً ثمّ جعلها في عنقه وقال : لا أحلّها حتّى يتوب الله عزّ وجلّ عليَّ فأوحى الله عزّ وجلّ إلى نبيّ من الأنبياء : قل لفلان : وعزّتي لو دعوتني حتّى تنقطع أوصالك ما استجبت لك حتّى تردّ من مات على ما دعوته إليه فيرجع عنه .

سن : أبي ، عن ابن أبي عمير مثله .

ضا : مثله .

١٧ ـ يد ، ن ، لى : ابن المتوكّل ، عن عليّ ، عن أبيه ، عن الريّان (١) عن الرضا عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال الله جلّ جلاله : ما آمن بي من فسّر برأيه كلامي ، وما عرفني من شبَّهني ، بخلقي وما على ديني من استعمل القياس في ديني .

ج : مرسلاً مثله .

________________________

(١) بفتح الراء المهملة والياء المشددة ، مشترك بين الرجلين : أحدهما ابن شبيب الثقة خال المعتصم ، والاخر ابن الصلت البغدادي الاشعري القمي الثقة الصدوق ، ويعسر تميزهما ولكن لما كان كلاهما عدلان فلا إشكال في روايتهما . ويحتمل أن يكون الواقع في السند ابن الصلت لمكان رواية إبراهيم بن هاشم عنه ، حيث قال الشيخ في الفهرست : الريان بن الصلت له كتاب أخبرنا به الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان والحسين بن عبيد الله ، عن محمد بن علي بن الحسين ، عن أبيه ، وحمزة بن محمد ، ومحمد بن علي ، عن علي بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن الريان بن الصلت .

٢٩٧
 &

١٨ ـ لى : أبي ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن اليقطينيّ ، عن يونس ، عن داود بن فرقد عن ابن شبرمة قال : ما ذكرت حديثاً سمعته من جعفر بن محمّد عليهما‌السلام إلّا كاد أن يتصدّع له قلبي ، سمعته يقول : حدَّثني أبي ، عن جدّي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ قال ابن شبرمة : واُقسم بالله ما كذب على أبيه ، ولا كذب أبوه على جدّه ، ولا كذب جدُّه على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من عمل بالمقائيس فقد هلك وأهلك ، ومن أفتى الناس وهو لا يعلم الناسخ من المنسوخ والمحكم من المتشابه فقد هلك وأهلك . (١)

١٩ ـ لى : في كلمات النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله برواية أبي الصباح ، عن الصادق عليه‌السلام ، شرُّ الاُمور محدثاتها .

٢٠ ـ فس : في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله تعالي : وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللَّـهِ مِنْ عَاصِمٍ . هؤلاء أهل البدع والشبهات والشهوات يسوِّد الله وجوههم ثمّ يلقونه .

٢١ـ فس : وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ قال : نزلت في الّذين غيّروا دين الله وخالفوا أمر الله ، هل رأيتم شاعراً قطُّ يتّبعه أحد ؟ إنّما عنى بذلك الّذين وضعوا ديناً بآرائهم فتبعهم الناس على ذلك .

٢٢ ـ شى : عن أبي عبد الله عليه‌السلام في تفسير هذه الآية قال : هم قوم تعلّموا وتفقّهوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا . (٢)

بيان : على هذا التأويل إنّما عبّر عنهم بالشعراء لأنّهم بنوا دينهم وأحكامهم على المقدّمات الشعريَّة الباطلة .

٢٣ ـ فس : في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا قال : هم النصارى ، والقسّيسون ، والرهبان ، وأهل الشبهات والأهواء من أهل القبلة والحروريّة ، وأهل البدع .

________________________

(١) تقدم الحديث عن المحاسن في باب النهي عن القول بغير علم تحت الرقم ٢٤ . بواسطة بين داود بن فرقد وابن شبرمة .

(٢) تقدم الحديث مسندا عن المعاني في باب ذم علماء السوء تحت الرقم ٩ .

٢٩٨
 &

بيان : الحروريّة : هم الخوارج .

٢٤ ـ ب : هارون ، عن ابن صدقة ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه عليهما‌السلام انّ عليّاً عليه‌السلام قال : من نصب نفسه للقياس لم يزل دهره في التباس ، ومن دان الله بالرأي لم يزل دهره في ارتماس .

بيان : أي يرتمس دائماً في الضلالة والجهالة .

٢٥ ـ ب : هارون ، عن ابن صدقة ، قال : قال لي جعفر بن محمّد عليهما‌السلام : من أفتى الناس برأيه فقد دان بما لا يعلم ، ومن دان بما لا يعلم فقد ضادّ الله حيث أحلّ وحرّم فيما لا يعلم .

٢٦ ـ ب : عنهما ، عن حنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألني ابن شبرمة ما تقول : في القسامة في الدم ؟ فأجبته بما صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أرأيت لو أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يصنع هذا كيف كان يكون القول فيه ؟ (١) قال : قلت له : أمّا ما صنع النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقد أخبرتك وأمّا لم يصنع فلا علم لي به .

٢٧ ـ ب : ابن طريف ، عن ابن علوان ، عن جعفر بن محمّد عليهما‌السلام قال : حدّثني زيد ابن أسلم : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سئل عمَّن أحدث حدثاً أو آوى محدثاً ما هو ؟ فقال : من ابتدع بدعةً في الإسلام أو مثّل بغير حدّ ، أو من انتهب نهبة يرفع المسلمون إليها أبصارهم ، أو يدفع عن صاحب الحدث ، أو ينصره أو يعينه .

بيان : التمثيل : التنكيل والتعذيب البليغ كأن يقطع بعض أعضائه مثلاً أي إذا فعل ذلك في غير حدّ من الحدود الشرعيّة .

٢٨ ـ ب : ابن عيسى : عن البرنظيّ قال : قلت للرضا عليه‌السلام : جعلت فداك إنّ بعض أصحابنا يقولون : نسمع الأمر يحكى عنك وعن آبائك عليهم‌السلام فنقيس عليه و نعمل به . فقال : سبحان الله ! لا والله ما هذا من دين جعفر ، هؤلاء قوم لا حاجة بهم إلينا ، قد خرجوا من طاعتنا وصاروا في موضعنا ، فأين التقليد الّذي كانوا يقلّدون جعفراً و

________________________

(١) أراد تقريره على القياس والرأي بأن النبي صلى الله عليه وآله لو لم يقله لكان لك القول بالقياس ورأيك .

٢٩٩
 &

أبا جعفر ؟ قال جعفر : لا تحملوا على القياس فليس من شيء يعدله القياس إلّا والقياس يكسره .

بيان : قوله عليه‌السلام : وصاروا في موضعنا أي رفعوا أنفسهم عن تقليد الإمام و ادَّعوا الإمامة حقيقةً حيث زعموا أنّهم يقدرون على العلم بأحكام الله من غير نصّ ، وقوله : فليس من شيء يعدله القياس أي ليس شيء يحكم القياس بعدله وصدقه إلّا ويكسره قياس آخر يعارضه ، فلا عبرة به ولا يصلح أن يكون مستنداً لشيء لوهنه .

٢٩ ـ ما : المفيد ، عن عليِّ بن خالد المراغيّ ، عن أحمد بن الصلت ، عن حاجب ابن الوليد ، عن الوصّاف بن صالح ، عن أبي إسحاق ، عن خالد بن طليق قال : سمعت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام يقول : ذمَّتي بما أقول رهينة وأنا به زعيمٌ إنّه لا يهيج على التقوى زرع قوم ولا يظمأ على التقوى سنخ أصل ، ألا إنّ الخير كلَّ الخير فيمن عرف قدره ، وكفى بالمرء جهلاً أن لا يعرف قدره ، إنّ أبغض خلق الله إلى الله رجل قمش علماً من أغمار غشوة وأوباش فتنة فهو في عمىً عن الهدى الّذي اُتي به من عند ربّه وضالٌّ عن سنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله يظنّ أنّ الحقّ في صحفه ، كلّا والّذي نفس ابن أبي طالب بيده قد ضلّ وأضلّ من افترى ، سمّاه رعاع الناس عالماً ولم يكن في العلم يوماً سالماً فكّر فاستكثر ، ما قلّ منه خير ممّا كثر ، حتّى إذا ارتوى من غير حاصل واستكثر من غير طائل ، جلس للناس مفتياً ضامناً لتخليص ما اشتبه عليهم ، فإن نزلت به إحدى المهمّات هيّأ لها حشواً من رأيه ثمّ قطع على الشبهات ، خبّاط جهالات ، ركّاب عشوات والناس من علمه في مثل غزل العنكبوت ، لا يعتذر ممّا لا يعلم فيسلم ، ولا يعضُّ على العلم بضرس قاطع فيغنم ، تصرخ منه المواريث ، وتبكي من قضائه الدماء ، وتستحلُّ به الفروج الحرام غير مليىء والله بإصدار ما ورد عليه ، ولا نادم على ما فرط منه ، اُولئك الّذين حلّت عليهم النياحة وهم أحياء . فقال : يا أمير المؤمنين فمن نسأل بعدك وعلى ما نعتمد ؟ فقال : استفتحوا كتاب الله فإنّه إمام مشفق ، وهاد مرشد ، وواعظ ناصح ، ودليل يؤدّي إلى جنّة الله عزّ وجلّ .

بيان : الإغمار جمع غُمر بالضمّ وهو الجاهل الغرّ الذي لم يجرِّب الاُمور .

٣٠٠