الإعتقادات

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]

الإعتقادات

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]


المحقق: عصام عبد السيد
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٢٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

تعالى إليه : « أفتحب أن أحييهم لك ؟ ». قال : « نعم ». فأحياهم الله وبعثهم معه.

فهؤلاء ماتوا ورجعوا إلى الدنيا ، ثمّ ماتوا بآجالهم.

وقال تعالى : ( أو كالّذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنّى يحي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثمّ بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للّناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثمّ نكسوها لحماً فلمّا تبين له قال أعلم أنّ الله على كل شيء قدير ) (١).

فهذا مات مائة سنة ورجع إلى الدنيا وبقي فيها ، ثم مات بأجله ، وهو عزير (٢).

وقال تعالى في قصة المختارين من قوم موسى لميقات ربّه : ( ثمّ بعثناكم من بعد موتكم لعلّكم تشكرون ) (٣).

وذلك أنّهم لما سمعوا كلام الله ، قالوا : لا نصدّق به (٤) حتى نرى الله جهرة ، فأخذتهم الصاعقة بظلمهم فماتوا ، فقال موسى عليه‌السلام : « يا رب ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم ؟ ». فأحياهم الله له فرجعوا إلى الدنيا ، فأكلوا وشربوا ، ونكحوا النساء ، وولد لهم الأولاد ، ثمّ ماتوا بآجالهم.

وقال الله عزّوجلّ لعيسى عليه‌السلام : ( وإذ تخرج الموتى بإذني ) (٥).

فجميع الموتى الذين أحياهم عيسى عليه‌السلام بإذن الله رجعوا إلى الدنيا

__________________

(١) البقرة ٢ : ٢٥٩.

(٢) في ر زيادة : وروي أنّه ارميا.

(٣) البقرة ٢ : ٥٦.

(٤) أثبتناها من م.

(٥) المائدة ٥ : ١١٠.

٦١

وبقوا فيها ، ثمّ ماتوا بآجالهم.

وأصحاب الكهف ( لبثوا في كهفهم ثلث مائة سنين وازدادوا تسعا ) (١).

ثمّ بعثهم الله فرجعوا إلى الدنيا ليتساءلوا بينهم ، وقصّتهم معروفة.

فإن قال قائل : إنّ الله عزّوجلّ قال : ( وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ) (٢).

قيل له : فإنّهم كانوا موتى ، وقد قال الله تعالى : ( قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرّحمن وصدق المرسلون ) (٣). وإن قالوا كذلك فإنّهم كانوا موتى. ومثل هذا كثير.

وقد صحّ أنّ الرجعة كانت في الأُمم السالفة ، وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يكون في هذه الأمة مثل ما يكون في الأُمم السالفة ، حذوا النعل بالنعل ، والقذة بالقذة » (٤).

فيجب على هذا الأصل أن تكون في هذه الأُمّة رجعة.

وقد نقل مخالفونا أنه إذا خرج المهدي نزل عيسى بن مريم فيصلّي خلفه ، ونزوله إلى الأرض رجوعه إلى الدنيا بعد موته (٥) لأن الله تعالى قال : ( إني متوفّيك ورافعك إليّ ) (٦).

وقال : ( وحشرنهم فلم نغادر منهم أحداً ) (٧).

وقال تعالى : ( ويوم نحشر من كل أُمةً فوجاً مِّمَن يكذب بآيتنا ) (٨).

__________________

(١) الكهف ١٨ : ٢٥.

(٢) الكهف ١٨ : ١٨.

(٣) يس ٣٦ : ٥٢.

(٤) رواه مرسلاً المصنّف في كتاب الفقيه ١ : ١٣٠ باب فرض الصلاة ح ٦٠٩.

(٥) في م : الموت.

(٦) آل عمران ٣ : ٥٥.

(٧) الكهف ١٨ : ٤٧.

(٨) النمل ٢٧ : ٨٣.

٦٢

فاليوم الذي يحشر فيه الجميع (١) غير اليوم الذي يحشر فيه فوج.

وقال تعالى : ( وأقسموا بالله جهد أيمنهم لا يبعث الله من يموت بلى وعداً عليه حقّاً ولكن أكثر النّاس لا يعلمون ) (٢) يعني في الرجعة ، وذلك أنّه يقول تعالى (٣) : ( ليبيّن لهم الذي يختلفون فيه ) (٤) والتبيين يكون في الدنيا لا في الآخرة.

وسأُجرّد في الرجعة كتاباً أُبيّن فيه كيفيتها والدلالة على صحّة كونها إن شاء الله.

والقول بالتناسخ باطل (٥) ومن دان بالتناسخ فهو كافر ، لأنّ في التناسخ إبطال الجنّة والنار.

__________________

(١) في ق ، س : الجمع.

(٢) النحل ١٦ : ٣٨.

(٣) في ج ، وهامش ر زيادة : بعد ذلك.

(٤) النحل ١٦ : ٣٩.

(٥) العبارة في م : ونقول في التناسخ باطل.

٦٣

[١٩]

باب الإعتقاد في البعث بعد الموت

قال الشيخ رضي‌الله‌عنه : اعتقادنا في البعث بعد الموت أنّه حق.

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا بني عبد المطلب ، إنّ الرائد لا يكذب أهله. والذي بعثني بالحق نبيّاً ، لتموتن كما تنامون ، ولتبعثنّ كما تستيقظون ، وما بعد الموت دار إلا جنّة أو نار ».

وخلق جميع الخلق وبعثهم على الله عزّوجلّ كخلق نفس واحدةٍ وبعثها (١) ، قال تعالى : ( ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدةٍ ) (٢).

__________________

(١) ليست في م. والعبارة في ر : كخلق واحد وبعث نفس واحدة.

(٢) لقمان ٣١ : ٢٨.

٦٤

[٢٠]

باب الإعتقاد في الحوض

قال الشيخ رضي‌الله‌عنه : اعتقادنا في الحوض أنّه حق ، وأنّ عرضه ما بين أيلة وصنعاء ، وهو حوض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنّ فيه من الأباريق عدد نجوم السماء (١) وأنّ الوالي عليه يوم القيامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، يسقي منه أولياءهُ ، ويذود عنه أعداءه ، ومن شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً.

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ليختلجنّ قوم من أصحابي دوني وأنا على الحوض ، فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فأُنادي : يا ربّ ، أصحابي. فيقال لي : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك » (٢).

__________________

(١) في م : النجوم.

(٢) روى نحوه المصنّف في عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٨٧ باب ما ذكر ما جاء عن الرضا عليه‌السلام من العلل ح ٣٣. وفي ر زيادة : « فأقول : سحقاً ، سحقاً ، لمن بدّل بعدي ». وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ليردنّ عليّ الحوض رجال ممّن صحبني ، حتى إذا رأيتهم ورفعوا إليّ رؤوسهم اختلجوا ، فأقولن : أي ربّ ، أصحابي ، أصحابي. فيقال لي : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ».

٦٥

[٢١]

باب الإعتقاد في الشفاعة

قال الشيخ رحمه‌الله : اعتقادنا في الشفاعة أنّها لمن ارتضى الله دينه من أهل الكبائر والصغائر ، فأما التائبون من الذنوب فغير محتاجين إلى الشفاعة.

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله الله شفاعتي » (١).

وقال عليه‌السلام : « لا شفيع أنجح من التوبة » (٢).

والشفاعة للأنبياء والأوصياء والمؤمنين والملائكة.

وفي المؤمنين من يشفع في مثل ربيعة ومضر ، وأقل المؤمنين (٣) شفاعة من يشفع لثلاثين إنساناً.

والشفاعة لا تكون لأهل الشك والشرك ، ولا هل الكفر والجحود ، بل تكون للمذنبين من أهل التوحيد.

__________________

(١) رواه المصنّف مسنداً في أماليه : ١٦ المجلس الثاني ح ٤ ، وعيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ١٣٦ ح ٣٥.

(٢) رواه المصنّف في كتاب الفقيه ٣ : ٣٧٦ باب معرفة الكبائر ح ١٧٧٩.

(٣) في ر زيادة : المحقّين.

٦٦

[٢٢]

باب الإعتقاد في الوعد والوعيد

قال الشيخ رضي‌الله‌عنه : اعتقادنا في الوعد والوعيد أنّ من وعده الله على عمل ثواباً فهو منجزه له ، ومن أوعده (١) على عمل عقاباً فهو فيه بالخيار ، فإن عذّبه فبعدله ، وإن عفا عنه فبفضله (٢) ، وما الله بظلّام للعبيد.

وقد قال تعالى : ( إنّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) (٣).

__________________

(١) في ر زيادة : الله.

(٢) العبارة في ر : وإن عفا فهو بفضله وكرمه.

(٣) النساء ٤ : ٤٨.

٦٧

[٢٣]

باب الإعتقاد فيما يكتب على العبد

قال الشيخ رضي‌الله‌عنه : اعتقادنا في ذلك أنّه ما من عبد إلا وله (١) ملكان موكلان به يكتبان عليه (٢) جميع أعماله.

ومن همّ بحسنة ولم يعملها كتب له حسنة ، فإن عملها كتب له عشر حسنات ، وإن همّ بسيّئة لم تكتب عليه (٣) حتى يعملها ، فإن عملها (٤) كتب عليه سيئّة واحدة.

والملكان يكتبان على العبد كل شيء حتى النفخ في الرماد (٥).

قال تعالى : ( وإن عليكم لحافظين * كراما كاتبين * يعلمون ما تفعلون ) (٦).

ومرّ أمير المؤمنين علي عليه‌السلام برجل وهو يتكلّم بفضول الكلام ، فقال :

« يا هذا ، إنّك تملي على ملكيك كتاباً إلى ربّك ، فتكلّم بما يعنيك ، ودع ما لا

__________________

(١) له ، ليست في ق ، س.

(٢) أثبتناها من م.

(٣) أثبتناها من م.

(٤) في ج زيادة : أجّل سبع ساعات ، فإن تاب قبلها لم تكتب عليه ، وإن لم يتب.

(٥) في م : الرمال.

(٦) الانفطار ٨٢ : ١٠ ـ ١٢.

٦٨

يعنيك » (١).

وقال عليه‌السلام : « لا يزال الرجل المسلم يكتب محسناً ما دام ساكتاً ، فإذا تكلّم كتب إمّا محسناً أو مسيئاً » (٢).

وموضع الملكين من ابن آدم الترقوتان (٣). صاحب اليمين يكتب الحسنات ، وصاحب الشمال يكتب السيئات. وملكا النهار يكتبان عمل العبد بالنهار ، وملكا الليل يكتبان عمل الليل.

[٢٤]

باب الإعتقاد في العدل

قال الشيخ أبو جعفر رضي‌الله‌عنه : اعتقادنا أنّ الله تبارك وتعالى أمرنا بالعدل ، وعاملنا بما هو فوقه ، وهو التفضّل ، وذلك أنه عزّوجلّ يقول : ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيّئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون ) (٤).

والعدل (٥) هو أن يثيب على الحسنة ، ويعاقب على السيّئة.

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا يدخل الجنّة رجل (٦) برحمة الله عزّوجلّ ».

__________________

(١) رواه مسنداً المصنّف في الأمالي : ٣٦ المجلس التاسع ح ٤.

(٢) رواه مسنداً المصنّف في ثواب الأعمال : ٢١٢ باب ثواب الصمت ح ٣ ، والخصال : ١٥ باب الواحد ح ٥٣.

(٣) في ق ، س : النمرقان ، وفي بحار الأنوار ٥ : ٣٢٧ : الشدقان.

(٤) الأنعام ٦ : ١٦٠.

(٥) من هنا إلى نهاية الباب ليس في ق ، س. والعبارة في ر ، ج : والعدل هو أن يثيب على الحسنة الحسنة ، ويعاقب على السيئة السيئة.

(٦) في ر ، ج زيادة : « بعمله ».

٦٩

[٢٥]

باب الإعتقاد في الأعراف

قال الشيخ رضي‌الله‌عنه : اعتقادنا في الأعراف أنّه سور بين الجنّة والنار ، عليه رجال يعرفون كلاً بسيماهم (١) والرجال هم النبيّ وأوصياؤه عليهم‌السلام لا يدخل الجنّة إلا من عرفهم وعرفوه ، ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه.

وعند الأعراف المرجون لأمر الله ، إمّا يعذّبهم ، وإمّا يتوب عليهم.

[٢٦]

باب الإعتقاد في الصراط

قال الشيخ رضي‌الله‌عنه : اعتقادنا في الصراط أنّه حق ، وأنّه جسر جهنّم ، وأنّ عليه ممرّ جميع الخلق.

قال تعالى : ( وإن منكم إلا واردها كان على ربّك حتماً مَّقضيّاً ) (٢).

والصراط في وجه آخر اسم حجج الله ، فمن عرفهم في الدنيا وأطاعهم أعطاه الله جوازاً على الصراط الذي هو جسر جهنّم يوم القيامة (٣).

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي : « يا علي إذا كان يوم القيامة أقعد أنا وأنت وجبرئيل على الصراط ، فلا يجوز على الصراط إلا من كانت معه براءة بولايتك » (٤).

__________________

(١) إشارة إلى الآية ٤٦ من سورة الأعراف.

(٢) مريم ١٩ : ٧١.

(٣) في م ، ر زيادة : ويوم / يوم الحسرة والندامة.

(٤) وفي م : بولايتكم وفي المطبوعة : براة.

٧٠

[٢٧]

باب الإعتقاد في العقبات التي على طريق المحشر

قال الشيخ رضي‌الله‌عنه : اعتقادنا في ذلك أنّ هذه العقبات أسم كل عقبة منها على حدة اسم فرض (١) ، أو أمر ، أو نهي.

فمتى انتهى الإنسان إلى عقبة اسمها فرض ، وكان قد قصّر في ذلك الفرض ، حبس عندها وطولب بحق الله فيها.

فإن خرج منه بعمل صالح قدّمه (٢) أو برحمة تداركه ، نجا منها إلى عقبة أخرى. فلا يزال يدفع من عقبة إلى عقبة ، ويحبس عند كل عقبة ، فيسأل عمّا قصّر فيه من معنى اسمها.

فإن سلم من جميعها انتهى إلى دار البقاء ، فحيي حياة لا موت فيها أبداً ، وسعد سعادة لا شقاوة معها أبداً ، وسكن (٣) جوار الله مع أنبيائه وحججه والصديقين والشهداء والصالحين من عباده.

__________________

(١) العبارة في م : وأمّا العقبات التي على طريق المحشر فاسمها على حدة اسم فرض ... وفي هامشها : اعتقادنا في ذلك أن هذه العقبات اسم كل عقبة منها اسم فرض ... ومتن ق ، س كهامش م بزيادة : اسمها ، بعد : اسم كل عقبة منها. بينما أثبتت عبارة : فاسمها على حدة ، بعد عنوان الباب. وما أثبتناه من ر.

(٢) في ر : قد عمله.

(٣) في ر : ويسكن في.

٧١

وإن حبس على عقبة فطولب بحق قصر فيه ، فلم ينجه عمل صالح قدّمه ، ولا أدركته من الله عزّوجلّ رحمة ، زلت قدمه عن العقبة فهوى في (١) جهنم نعوذ بالله منها.

وهذه العقبات كلها على الصراط.

اسم عقبة منها : الولاية ، يوقف جميع الخلائق عندها فيسألون عن ولاية أمير المؤمنين والأئمّة من بعده عليهم‌السلام فمن أتى بها نجا وجاز (٢) ، ومن لم يأت بها بقي فهوى (٣) ، وذلك قوله تعالى : ( وقفوهم إنّهم مسئولون ) (٤).

واسم عقبة منها : المرصاد ، وذلك قوله تعالى (٥) : ( إنّ ربّك لبالمرصاد ) (٦).

ويقول تعالى : ( وعزّتي وجلالي لا يجوز بي ظلم ظالم ).

واسم عقبة منها : الرحم.

واسم عقبة منها : الأمانة.

واسم عقبة منها : الصلاة.

وباسم كل فرض أو أمر أو نهي عقبة يحبس عندها العبد فيسأل.

__________________

(١) في ر ج زيادة : نار.

(٢) في م ، ق : جاوز.

(٣) في م ، س : فبقي يهوي.

(٤) الصافّات ٣٧ : ٢٤.

(٥) في ق ، س : وهو قول الله عزوجل.

(٦) الفجر ٨٩ : ١٤.

٧٢

[٢٨]

باب الإعتقاد في الحساب والميزان (١)

قال الشيخ رضي‌الله‌عنه : اعتقادنا فيهما أنّهما حق (٢).

منه ما يتولّاه الله تعالى ، ومنه ما يتولّاه حججه. فحساب الأنبياء والرسل (٣) والأئمّة عليهم‌السلام يتولّاه الله عزّوجلّ ، ويتولّى كل نبيّ حساب أوصيائه ، ويتولّى الأوصياء حساب الأُمم.

والله تعالى هو الشهيد على الأنبياء والرسل ، وهم الشهداء على الأوصياء ، والأئمّة شهداء على الناس (٤).

وذلك قوله عزّوجلّ : ( لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرَّسول عليكم شهيداً ) (٥).

وقوله عزّوجلّ : ( فكيف إذا جئنا من كل أُمّة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً ) (٦).

__________________

(١) في ق ، وهوامش النسخ : الموازين.

(٢) العبارة في ق ، وهامش ر : اعتقادنا في الحساب أنّه حق.

(٣) ليست في ق ، س وفي م غير واضحة.

(٤) العبارة في م : وهم الشهداء على الأُمم.

(٥) البقرة ٢ : ١٤٣.

(٦) النساء ٤ : ٤١.

٧٣

وقال عزّوجلّ : ( أفمن كان على بيّنة من رَّبّه ويتلوه شاهد منه ) (١).

والشاهد أمير المؤمنين.

وقال عزّوجلّ : ( إنّ إلينا إيابهم ، ثمَّ إنَّ علينا حسابهم ) (٢).

وسئل الصادق عليه‌السلام : عن قول الله : ( ونضع الموازين القسط ليوم القيمة فلا تظلم نفس شيئاً ) قال : « الموازين الأنبياء والأوصياء » (٣).

ومن الخلق من يدخل الجنّة بغير حساب.

فأمّا السؤال فهو واقع على جميع الخلق ، لقوله تعالى : ( فلنسئلنّ الذين أُرسل إليهم ولنسئلنَّ المرسلين ) (٤) يعني عن الدين.

وأمّا الذنب (٥) فلا يسأل عنه (٦) إلا من يحاسب.

قال تعالى : ( فيومئذٍ لا يسئل عن ذنبه إنس ولا جان ) (٧) يعني من شيعة النبيّ والأئمّة عليهم‌السلام (٨) دون غيرهم ، كما ورد في التفسير (٩).

وكل محاسب معذّب ولو بطول الوقوف.

ولا ينجو من النار ، ولا يدخل الجنّة أحد بعمله (١٠) ، إلا برحمة الله

__________________

(١) هود ١١ : ١٧.

(٢) الغاشية ٨٨ : ٢٥ ، ٢٦.

(٣) رواه مسنداً المصنّف في معاني الأخبار : ٣١ : باب معنى الموازين ح ١. والآية الكريمة في سورة الأنبياء ٢١ : ٤٧.

(٤) الأعراف ٧ : ٦.

(٥) في بحار الأنوار ٧ : ٢٥١ : وأمّا غير الدين.

(٦) أثبتناها من م.

(٧) الرحمن ٥٥ : ٣٩.

(٨) في ر زيادة : خاصّة.

(٩) رواه مسنداً المصنّف في فضائل الشيعة : ٧٦ ح ٤٣.

(١٠) في م ، س : بعلمه.

٧٤

تعالى (١).

والله تعالى يخاطب عباده من الأوّلين والآخرين بمجمل حساب عملهم مخاطبة واحدة ، يسمع منها كل واحد قضيته دون غيرها ، ويظن أنّه المخاطب دون غيره ، ولا تشغله تعالى مخاطبة عن مخاطبة ، ويفرغ من حساب الأوّلين والآخرين في مقدار (٢) ساعة من ساعات الدنيا.

ويخرج الله لكل إنسان كتابا يلقاه منشوراً ، ينطق عليه بجميع أعماله ، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها (٣) فيجعله الله حسيب نفسه (٤) والحاكم عليها ، بأن يقال له : ( اقرأ كتبك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً ) (٥).

ويختم الله تبارك وتعالى على أفواههم (٦) ، وتشهد أيديهم وأرجلهم وجميع جوارحهم بما كانوا يعملون (٧) ، ( وقالوا لجلودهم لم شهدتُّم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كلّ شيء وهو خلقكم أوّل مرَّة وإليه ترجعون * وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أنّ الله لا يعلم كثيراً مما تعملون ) (٨).

وساُجرد كيفيّة وقوع الحساب في كتاب حقيقة المعاد.

__________________

(١) العبارة في ق : ولا يدخل الجنّة أحداً إلا بعمله وإلا برحمة الله تعالى.

(٢) في هامش م ، ر زيادة : نصف.

(٣) في الفقرة هذه إشارة إلى الآية ١٣ من سورة الإسراء ، والآية ٤٩ من سورة الكهف.

(٤) العبارة في م : فيجعل الله له محاسب نفسه ، وفي البحار ٧ : ٢٥١ و س : فيجعله الله حاسب نفسه.

(٥) الاسراء ١٧ : ١٤.

(٦) في هامش ر : أفواه قوم.

(٧) في النسخ يكتمون ، وما أثبتناه من هامش م ، ر ، وبلحاظ الآية ٦٥ من سورة يس ، والآية ٢٠ من سورة فصّلت.

(٨) فصّلت ٤١ : ٢١ ، ٢٢.

٧٥

[٢٩]

باب الإعتقاد في الجنّة والنار

قال الشيخ أبو جعفر رحمه‌الله : اعتقادنا في الجنّة أنّها دار البقاء ودار السلامة (١). لا موت فيها ، ولا هرم ، ولا سقم ولا مرض ، ولا آفة ، ولا زوال (٢) ، ولا زمانة ، ولا غمّ ، ولا همّ ، ولا حاجة ، ولا فقر.

وأنّها دار الغنى ، والسعادة ، ودار المقامة والكرامة ، ولا يمس أهلها فيها نصب ، ولا يمسّهم فيها لغوب (٣) لهم فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين ، وهم فيها خالدون (٤).

وأنّها دار أهلها جيران الله ، وأولياؤه ، وأحباؤه ، وأهل كرامته. وهم أنواع (٥) مراتب :

منهم المتنعّمون بتقديس الله وتسبيحه وتكبيره في جملة ملائكته.

__________________

(١) في س : والسلامة ، وفي هامش ر : دار السلام.

(٢) ليست في ق ، س.

(٣) في م ، س : لغوب. والعبارة إشارة إلى الآية ٣٥ من سورة فاطر.

(٤) إشارة إلى الآية ٧١ من سورة الزخرف.

(٥) في م زيادة : على والعبارة في ر قد تقرأ : وهم على مراتب.

٧٦

ومنهم المتنعّمون بأنواع المآكل والمشارب والفواكه والأرائك والحور العين ، واستخدام الولدان المخلدين ، والجلوس على النمارق والزرابي ، ولباس السندس والحرير.

كل منهم إنّما يتلذّذ بما يشتهي ويريد (١) على حسب ما تعلّقت عليه (٢) همّته ، ويعطى ما عبد (٣) الله من أجله.

وقال الصادق عليه‌السلام : « إنّ الناس يعبدون الله تعالى على ثلاثة أصناف : صنف منهم يعبدونه رجاء ثوابه ، فتلك عبادة الحرصاء. وصنف منهم يعبدونه خوفا من ناره ، فتلك عبادة العبيد. وصنف منهم يعبدونه حبّاً له ، فتلك عبادة الكرام » (٤).

واعتقادنا في النار أنّها دار الهوان ، ودار الانتقام من أهل الكفر والعصيان ، ولا يخلد فيها إلا أهل الكفر والشرك. وأمّا المذنبون من أهل التوحيد ، فإنّهم يخرجون منها بالرحمة التي تدركهم ، والشفاعة التي تنالهم.

وروي أنّه لا يصيب أحداً من أهل التوحيد ألم في النار إذا دخلوها ، وإنّما تصيبهم الآلام عند الخروج منها ، فتكون تلك الآلام جزاء بما كسبت أيديهم ، وما

__________________

(١) في ق : ويزيد.

(٢) في ر : به.

(٣) أثبتناها من م ، وفي النسخ : عند.

(٤) رواه مسنداً المصنّف في أماليه : ٤١ المجلس العاشر ح ٤ ، والخصال ١ : ١٨٨ باب الثلاثة ح ٢٥٩. وفي م ، ر : « ويعبدونه شوقاً إلى جنّته ورجاء ثوابه ». والحرصاء أثبتناها من ق ، وفي س : الخدام ، وفي م ، ر : الخدام الحرصاء. وتمام الحديث في ج ، وهامش ر ، والمصدرين ، هو : « وهو الآمن / وهم الأمناء ، لقوله عزّوجلّ : ( وهم من فزع يومئذ آمنون )». ( النمل ٢٧ : الآية ٨٩ ).

٧٧

الله بظلام للعبيد.

وأهل النار هم المساكين (١) حقّاً ، ( لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفَّف عنهم من عذابها ) (٢) و ( لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً * إلا حميما وغسَّاقاً ) (٣) وإن استطعموا أطعموا من الزقوم ، وإن استغاثوا ( يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقاً ) (٤).

وينادون من مكان بعيد (٥) : ( ربَّنا أخرجنا نعمل صالحاً ) (٦) ، ( ربَّنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنّا ظالمون ) (٧) فيمسك الجواب عنهم أحيانا ، ثم قيل لهم : ( اخسؤا فيها ولا تكلّمون ) (٨) ( ونادوا يمالك ليقض علينا ربك قال إنَّكم ماكثون ) (٩).

ورُوي (١٠) « أنّه يأمر الله تعالى برجال إلى النار ، فيقول لمالك : قل للنار لا تحرقي لهم أقداماً ، فقد كانوا يمشون بها إلى المساجد. ولا تحرقي لهم أيدياً ، فقد كانوا يرفعونها إليّ بالدعاء. ولا تحرقي لهم ألسنة ، فقد كانوا يكثرون تلاوة القرآن. ولا تحرقي لهم وجوها ، فقد كانوا يسبغون الوضوء. فيقول مالك : يا أشقياء ، فما كان حالكم ؟ فيقولون : كنا نعمل لغير الله ، فقيل لهم : خذوا ثوابكم ممن عملتم

__________________

(١) في هامش ر : المشركون.

(٢) فاطر ٣٥ : ٣٦.

(٣) النبأ ٧٨ : ٢٤ ، ٢٥.

(٤) الكهف ١٨ : ٢٩.

(٥) العبارة في ر : وينادون من كل مكان بعيد ويقولون.

(٦) فاطر ٣٥ : ٣٧. والاستشهاد بهذه الآية الكريمة أثبتناه من.

(٧) (٨) المؤمنون ٢٣ : ١٠٧ ، ١٠٨.

(٩) الزخرف ٤٣ : ٧٧.

(١٠) في ر زيادة : بالأسانيد الصحيحة.

٧٨

له » (١).

واعتقادنا في الجنّة والنار أنّهما مخلوقتان ، وأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد دخل الجنّة ، ورأى النار حين عرج به.

واعتقادنا أنّه لا يخرج أحد من الدنيا حتى يرى مكانه من الجنّة أو من النار ، وأن المؤمن لا يخرج من الدنيا حتى ترفع له الدنيا كأحسن ما رآها ويرى (٢) ، مكانه في الآخرة ، ثم يخيّر فيختار الآخرة ، فحينئذ تقبض روحه.

وفي العادة أن يقال (٣) : فلان يجود بنفسه ، ولا يجود الإنسان بشيء إلا عن طيبة نفس ، غير مقهور ، ولا مجبور ، ولا مكروه (٤).

وأمّا جنّة آدم ، فهي جنّة من جنان الدنيا ، تطلع الشمس فيها وتغيب ، وليست بجنّة الخلد ، ولو كانت جنّة الخلد ما خرج منها أبداً.

واعتقادنا أنّ بالثواب يخلد أهل الجنّة في الجنّة (٥) وبالعقاب يخلد أهل النار في النار (٦).

وما من أحد يدخل الجنّة حتى يعرض عليه مكانه من النار ، فيقال له : هذا مكانك الذي لو عصيت الله لكنت فيه. وما من أحد يدخل النار حتى يعرض عليه مكانه من الجنّة ، فيقال له : هذا مكانك الذي لو أطعت الله لكنت فيه.

__________________

(١) رواه مسنداً المصنّف في ثواب الأعمال : ٢٦٦ باب عقاب من عمل لغير الله ، وعلل الشرائع : ٤٦٥ باب النوادر ح ١٨. وفي ق ، س : « لتأخذوا ثوابكم ».

(٢) أثبتناها من م ، ج. وفي النسخ : ويرفع.

(٣) في ق ، س : نقول ، وفي ر ، ج : يقول الناس.

(٤) في ر وبحار الأنوار ٨ : ٢٠٠ : مكره.

(٥) في ر : بالجنّة ، بدلاً عن : في الجنّة.

(٦) في ر : بالنار ، بدلاً عن : في النار.

٧٩

فيورث هؤلاء مكان هؤلاء ، وهؤلاء مكان هؤلاء (١) وذلك قوله تعالى : ( أولئك هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خلدون ) (٢).

وأقل المؤمنين منزلة في الجنّة من له مثل (٣) ملك الدنيا عشر مرّات (٤).

__________________

(١) وهؤلاء مكان هؤلاء ، أثبتناها من م. وراجع تفسير القمي ٢ : ٨٩.

(٢) المؤمنون ٢٣ : ١٠ ، ١١.

(٣) في م : فيها ، وفي ر قد تقرأ : فيها مثل.

(٤) في ر زيادة نصّها :

واعتقادنا أنّه لا يخرج أحد من الدنيا حتى يرى ويعلم ويتيقّن أي المنزلتين يصير إليهما ، إلى الجنّة أم إلى النار ، أعدو الله أم وليّ الله.

فإن كان ولياً لله ، فتحت له أبواب الجنّة ، وشرعت له طرقها ، وكشف الله عن بصره عند خروج روحه من جسده ما أعد الله له فيها ، قد فرغ من كل شغل ، ووضع عنه كل ثقل.

وإن كان عدوا لله ، فتحت له أبواب النار ، وشرعت طرقها ، وكشف الله عزّوجلّ عن بصره ما أعد الله له فيها ، فاستقبل كل مكروه ، وترك كل سرور.

وكل هذا يكون عند الموت ، وعندكم يكون بيقين [ كذا ، ولعلها : يقين ] وتصديق هذا في كتاب الله عزّوجلّ على لسان نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( الذين تتوفّهم الملئكة طيّبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنّة بما كنتم تعملون ) ( النحل ١٦ : ٣٢ ).

ويقول ( الذين تتوفّهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السّلم ما كنّا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون * فادخلوا أبواب جهنّم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبّرين ) ( النحل ١٦ : ٢٨ ، ٢٩ ).

٨٠