الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٣٢
( كتاب العقل والعلم والجهل )
* ( ابواب العقل والجهل ) *
باب ١ فضل العقل وذمّ الجهل .
الايات ، البقرة : لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ١٦٤ « وقال تعالى » : كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ٢٤٢ « وقال تعالى » : وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ٢٦٩
آل عمران : وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ٧ « وقال تعالى » : قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ١١٨ « وقال » : إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ١٩٠
المائدة : ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ ٨٥ « وقال تعالى » : فَاتَّقُوا اللَّـهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ١٠٠ « وقال » : وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ١٠٣
الانعام : وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ١١١ « وقال » : وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ٣٢
الانفال : إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّـهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ٢٢
يونس : أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ ٤٢ « وقال تعالى » : وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ١٠٠
هود : وَلَـٰكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ٢٩
يوسف : إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ٢
الرعد : إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ١٩
ابراهيم : وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ٥٢
طه : إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُولِي النُّهَىٰ ٥٤
النور : كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ٦١
الزمر : إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ٢١
المؤمن : هُدًى وَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ٥٤ « وقال تعالى » : وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ٦٧
الجاثية : آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ٥
الحجرات : أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ٤
الحديد : قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ١٧
الحشر : ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ ١٤
١ ـ مع ، لى : الحافظ ، عن أحمد بن عبد الله الثقفيّ ، عن عيسى بن محمّد الكاتب ، عن المدائنيّ ، عن غياث بن إبراهيم ، عن الصادق جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه عليهمالسلام قال : قال عليّ بن أبي طالب عليهالسلام : عقول النساء في جمالهنّ ، وجمال الرجال في عقولهم (١) .
بيان : الجمال : الحسن في الخلق والخلق . وقوله عليهالسلام : عقول النساء في جمالهنّ لعلّ المراد أنّه لا ينبغي أن ينظر إلى عقلهنّ لندرته بل ينبغي أن يكتفى بجمالهنّ ، أو المراد أنّ عقلهنّ غالباً لازم لجمالهنّ ، والأوّل أظهر .
٢ ـ لى : العطّار ، عن أبيه ، عن سهل ، عن محمّد بن عيسى ، عن البزنطيّ ، عن جميل عن الصادق جعفر بن محمّد عليهماالسلام قال كان أمير المؤمنين عليهالسلام يقول : أصل الإنسان لبُّه ، وعقله دينه ، ومروّته حيث يجعل نفسه ، والأيّام دول ، والنّاس إلى آدم شرع سواء .
بيان : اللّبّ بضمّ اللّام : خالص كلّ شيء ، والعقل . والمراد هنا الثاني أي تفاضل أفراد الإنسان في شرافة أصلهم إنّما هو بعقولهم لا بأنسابهم وأحسابهم . ثمّ بيّن عليهالسلام أنّ العقل الّذي هو منشاُ الشرافة إنّما يظهر باختياره الحقّ من الأديان ، وبتكميل دينه بمكمّلات الإيمان ، والمروءة مهموزاً بضمّ الميم والراء الإنسانيّة (٢) مشتقّ من « المرء » وقد يخفّف بالقلب والإدغام ، والظاهر أنّ المراد أنّ إنسانيّة المرء وكماله و نقصه فيها إنّما يعرف بما يجعل نفسه فيه ويرضاه لنفسه من الأشغال والأعمال و
________________________
(١) يحتمل ان يكون مراده عليهالسلام حث الرجال وترغيبهم فيما يكمل به عقولهم وتحريصهم على ترك تزيين جمالهم وما يتعلق بظاهرهم . مثل ما تقول : انت لرجل كم ترغب في تحسين ظاهرك و نظافة وجهك وجعادة شعرك ؟ ! دع ذلك للنساء ، انما جمال الرجل في تكميل عقله وتزكية نفسه وعلى ذلك فالمراد بالجمال هو حسن الظاهر والخلق .
(٢) وقد اخطأ رحمه الله فان هذه الاشتقاقات كالانسانية والمروة والفتوة ونحوها لافادة ظهور آثار مبدأ الاشتقاق فمعنى المروة ظهور آثار المرء مقابل المرئة في الانسان وهو علو النظر و الصفح عن المناقشة في صغائر العيوب والوفاء ونحوها .
الدرجات الرفيعة ، والمنازل الخسيسة ، فكم بين من لا يرضى لنفسه إلّا كمال درجة العلم والطاعة والقرب والوصال ، وبين من يرتضي أن يكون مضحكةً للّئام لاُكلة ولقمة ولا يرى لنفسه شرفاً ومنزلةً سوى ذلك .
ويحتمل أن يكون المراد التزوّج بالأكفاء ، كما قال الصادق عليهالسلام لداود الكرخيّ حين أراد التزويج : اُنظر أين تضع نفسك . والتعميم أظهر .
والدول مثلّثة الدال : جمع دولة بالضمّ والفتح وهما بمعنى انقلاب الزمان ، وانتقال المال او العزّة من شخص إلى آخر ، وبالضمّ : الغلبة في الحروب ، والمعنى أنّ ملك الدنيا وملكها وعزّها تكون يوماً لقوم ويوماً لآخرين . والنّاس إلى آدم شرع بسكون الراء وقد يحرّك أي سواء في النسب ، وكلّهم ولد آدم ، فهذه الاُمور المنتقلة الفانية لا تصير مناطاً للشرف بل الشرف بالاُمور الواقعيّة الدائمة الباقية في النشأتين ، والأخيرتان مؤكّدتان للاُوليين .
٣ ـ لى : ابن إدريس ، عن أبيه ، عن ابن هاشم ، عن ابن مرار ، عن يونس ، عن ابن سنان (١) عن الصادق جعفر بن محمّد عليهالسلام قال : خمس من لم يكنّ فيه لم يكن فيه كثير مستمتع ، قيل : وما هنّ ؟ يابن رسول الله ! قال : الدين ، والعقل ، والحياء ، وحسن الخلق ، وحسن الأدب وخمس من لم يكنّ فيه لم يتهنّأ العيش : الصحّة ، والأمن ، والغنى ، والقناعة ، والأنيس الموافق .
٤ ـ ل : أبي ، عن سعد ، عن ابن يزيد ، عن إسماعيل بن قتيبة البصريّ ، عن أبي خالد العجميّ ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : خمس من لم يكنّ فيه لم يكن فيه كثير مستمتع : الدين ، والعقل ، والأدب ، والحرّيّة ، وحسن الخلق .
سن : ابن يزيد مثله . وفيه والجود مكان الحرّيّة .
بيان : حسن الأدب إجراء الاُمور على قانون الشرع والعقل في خدمة الحقّ ومعاملة الخلق . والغنى : عدم الحاجة إلى الخلق ، وهو غنى النفس فإنّه الكمال لا
________________________
(١) بكسر السين المهملة وفتح النون ، الظاهر انه عبد الله بن سنان وهو كما في رجال النجاشي ابن طريف مولى بني هاشم ويقال مولى بني ابي طالب ، كان خازنا للمنصور والمهدي والهادي والرشيد كوفي ثقة ، من اصحابنا ، جليل ، لا يطعن عليه في شيء ، روى عن ابيعبد الله عليه السلام ، وقيل : روى عن ابي الحسن موسى عليه السلام ولم يثبت لان محمد بن سنان لم يرو عن ابيعبد الله عليه السلام .
الغنى بالمال . والحرّيّة تحتمل المعنى الظاهر فإنّها كمال في الدنيا ، وضدّها غالباً يكون مانعاً عن تحصيل الكمالات الاُخرويّة ، ويحتمل أن يكون المراد بها الانعتاق عن عبوديّة الشهوات النفسانيّة ، والانطلاق عن اُسر الوساوس الشيطانيّة ، والله يعلم .
٥ ـ لى : لاجمال أزين من العقل . رواه في خطبة طويلة عن أمير المؤمنين عليهالسلام سيجيىء تمامها في باب خطبه عليهالسلام .
٦ ـ لى : ابن موسى ، عن محمّد بن يعقوب ، عن عليّ بن محمّد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر ، عن محمّد بن سليمان ، عن أبيه ، قال : قلت لأبي عبد الله الصادق عليهالسلام : فلان من عبادته ودينه وفضله كذا وكذا قال : فقال كيف عقله ؟ فقلت : لا أدري ، فقال : إنّ الثواب على قدر العقل ، إنّ رجلاً من بني إسرائيل كان يعبد الله عزّ وجلّ في جزيرة من جزائر البحر خضراء نضرة كثيرة الشجر طاهرة الماء ، وإنّ ملكاً من الملائكة مرّ به ، فقال : يا ربّ أرني ثواب عبدك هذا ، فأراه الله عزّ وجلّ ذلك ، فاستقلّه الملك ، فأوحى الله عزّ وجلّ إليه أن اصحبه فأتاه الملك في صورة انسيّ فقال له من أنت ؟ قال أنا رجل عابد بلغنا مكانك وعبادتك بهذا المكان فجئت لأعبد معك فكان معه يومه ذلك ، فلمّا أصبح قال له الملك : إنّ مكانك لنزهة ، قال : ليت لربّنا بهيمة ، فلو كان لربّنا حمار لرعيناه في هذا الموضع فإنّ هذا الحشيش يضيع ، فقال له الملك : وما لربّك حمار ؟ فقال : لو كان له حمار ما كان يضيع مثل هذا الحشيش ! فأوحى الله عزّ وجلّ إلى الملك إنّما اُثيبه على قدر عقله . (١)
________________________
(١) يمكن أن يقال : أن المراد من الثواب ما اُعد للمستضعفين والبله ، أو يقال : إن الثواب يترتب على روح الطاعة ، وكون العبد منقاداً ومطيعاً لامر مولاه ، كما أن العقاب يترتب على العصيان ، وكونه في مقام التجري والعناد ، فحيث إن العابد كان مؤمناً ومنقاداً لله تعالى فيترتب الثواب على ايمانه وانقياده وانكان في ادراك بعض صفاته تعالى قاصرا ولذا ترى أنه لحبه وانقياده للمولى يتمنى أن ترجع المنفعة اليه سبحانه كما يشعر بذلك قوله : ليت لربنا بهيمة . وقوله : فلو كان لربنا حمار لرعيناه . هذا كله على فرض دلالة الحديث على اعتقاده بالتجسم ، ويمكن أن يقال : ان حسن انتخاب الانسان يكشف عن كمال عقله ، وعدمه على عدمه ، فانتخاب الممتنع مع امكان انتخاب الممكن او تفضيل الاخس وهو رعى حماره على الاشرف وهو مناجاته وعبادته تعالى يكشف عن قصور عقله ، فالعابد لم يكن ممن يقول بجسميته سبحانه كما يشعر بذلك كلمة « لو وليت » ولكن لما كان عقله ناقصاً فالثواب التام لا يليق به .
٧ ـ وقال الصادق عليهالسلام : ما كلّم رسول الله صلىاللهعليهوآله العباد بكنه عقله قطّ . قال : وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : إنّا معاشر الأنبياء اُمرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم .
بيان : الظاهر أنّ قوله : وقال الصادق عليهالسلام الى آخر الخبر خبر مرسل كما يظهر من الكافي . قوله : من عبادته بيان لقوله : كذا وكذا . وكذا خبر لقوله : فلان . ويحتمل أن يكون متعلّقاً بمقدّر أي فذكرت من عبادته ، وأن يكون متعلّقاً بما عبّر عنه ( بكذا وكذا ) كقوله ( فاضل كامل ) فكلمة « من » بمعنى « في » أو للسببيّة . والنضارة : الحسن . والطهارة هنا بمعناه اللّغويّ أي الصفاء واللّطافة .
وفي بعض نسخ الكافي بالظاء المعجمة أي كان جارياً على وجه الأرض . والنزاهة : البعد عمّا يوجب القبح والفساد ، والأظهر لنزه كما في الكافي ، ولعلّه بتأويل البقعة والعرصة ومثلهما .
وفي الخبر إشكال : من حيث إنّ ظاهره كون العابد قائلاً بالجسم ، وهو ينافي استحقاقه للثواب مطلقا ، وظاهر الخبر كونه مع هذه العقيدة الفاسدة مستحقّاً للثواب لقلّة عقله وبلاهته ، ويمكن أن يكون اللّام في قوله : لربّنا بهيمة للملك لا للانتفاع ، ويكون مراده تمنّي أن يكون في هذا المكان بهيمة من بهائم الربّ لئلّا يضيع الحشيش فيكون نقصان عقله باعتبار عدم معرفته بفوائد مصنوعات الله تعالى بأنّها غير مقصورة على أكل البهيمة ، لكن يأبى عنه جواب الملك إلّا أن يكون لدفع ما يوهم كلامه ، أو يكون إستفهاماً إنكاريّاً أي خلق الله تعالى بهائم كثيراً ينتفعون بحشيش الأرض ، وهذه إحدى منافع خلق الحشيش ، وقد ترتّبت بقدر المصلحة ، ولا يلزم أن يكون في هذا المكان حمار ، بل يكفى وجودك وانتفاعك .
ويحتمل أن يكون اللّام للاختصاص لا على محض المالكيّة بأن يكون لهذه البهيمة اختصاص بالربّ تعالى كاختصاص بيته به تعالى مع عدم حاجته إليه ، ويكون جواب الملك أنّه لا فائدة في مثل هذا الخلق حتّى يخلق الله تعالى حماراً ، وينسبه إلى مقدّس جنابه تعالى كما في البيت فإنّ فيه حكماً كثيرةً .
وعلى التقادير لا بدّ
إمّا من ارتكاب تكلّف تامّ في الكلام ، أو التزام فساد بعض
الاُصول المقرّرة في الكلام . والله يعلم .
٨ ـ ل ، لى : ابن البرقيّ ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عمرو بن عثمان ، عن أبي جميلة (١) عن ابن طريف (٢) عن ابن نباتة (٣) عن عليّ بن أبي طالب عليهالسلام قال : هبط جبرئيل على آدم عليهالسلام فقال : يا آدم إنّي اُمرت أن اُخيّرك واحدةً من ثلاث ، فاختر واحدةً ودع إثنتين فقال له آدم : وما الثلاث يا جبرئيل ؟ فقال : العقل ، والحياء ، والدين (٤) قال آدم فإنّي قد اخترت العقل ، فقال جبرئيل للحياء والدين : انصرفا ودعاه فقالا له : يا جبرئيل إنّا اُمرنا (٥) أن نكون مع العقل حيثما كان ، قال : فشأنكما ، وعرج .
سن : عمرو بن عثمان ، مثله .
بيان : الشأن بالهمز : الأمر والحال أي ألزما شأنكما ، أو شأنكما معكما ؛ ولعلّ الغرض كان تنبيه آدم عليهالسلام وأولاده بعظمة نعمة العقل . وقيل : الكلام مبنيٌّ على الاستعارة التمثيليّة . ويمكن أن يكون جبرئيل عليهالسلام أتى بثلاث صور ، مكان كلّ من الخصال صورة تناسبها ، فانّ لكلّ من الأعراض والمعقولات صورة تناسبه من الأجسام والمحسوسات وبها تتمثّل في المنام بل في الآخرة . والله يعلم .
٩ ـ ل : ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن محمّد بن عيسى ، عن عثمان بن عيسى ، عن
________________________
(١) هو المفضل بن صالح الاسدي النخاس بالنون المضمومة والخاء المعجمة المشددة رمى بالغلو والضعف والكذب ووضع الحديث .
(٢) بالطاء والراء المهملتين وزان امير هو سعد بن طريف الحنظلي الاسكاف مولى بني تميم الكوفي ، عده الشيخ من أصحاب السجاد والباقر والصادق عليهم السلام قال : روى عن الاصبغ بن نباتة وهو صحيح الحديث
(٣) بضم النون ، هو : الاصبغ « بفتح الهمزة » ابن نباتة التميمي الحنظلي المجاشعي الكوفي . قال النجاشي : كان من خاصّة أمير المؤمنين عليه السلام وعمّر بعده ، روى عنه عهد الاشتر ووصيته الى محمد ابنه
(٤) المراد بالعقل هنا لطيفة ربّانية يدرك بها الانسان حقيقة الاشياء ، ويميّز بها بين الخير والشرّ ، والحق والباطل ، وبها يعرف ما يتعلق بالمبدأ والمعاد . وله مراتب بحسب الشدة والضعف . والحياء : غريزة مانعة من ارتكاب القبائح ومن التقصير في حقوق الحق والخلق . والدين : ما به صلاح الناس ورقيّهم في المعاش والمعاد من غرائز خلقية وقوانين وضعية .
(٥) لعل المراد بالامر هو التكويني ، دون التشريعي . وهو استلزام العقل للحياء والدين ، وتبعيتهما له .
ابن مسكان (١) عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : لم يقسّم بين العباد أقلّ من خمس : اليقين ، والقنوع ، والصبر ، والشكر ، والّذي يكمل به هذا كلّه العقل .
سن : عثمان بن عيسى مثله .
بيان : أي هذه الخصال في النّاس أقلّ وجوداً من سائر الخصال ، ومن كان له عقل يكون فيه جميعها على الكمال ، فيدلّ على ندرة العقل أيضاً .
١٠ ـ ل : في الأربعمائة ، من كمل عقله حسن عمله .
١١ ـ ن : الدقّاق ، عن الأسديّ ، عن أحمد بن محمّد بن صالح الرازيّ ، عن حمدان الديوانيّ قال : قال الرضا عليهالسلام : صديق كلّ إمرىء عقله ، وعدوّه جهله (٢) .
________________________
(١) بضم الميم وسكون السين المهملة ، اسم والد عبد الله ، قال النجاشي : ص ١٤٨ عبد الله بن مسكان ، ابو محمد مولى عنزه ، ثقة ، عين ، روى عن أبي الحسن موسى عليه السلام ، وقيل انه روى عن أبي عبد الله عليه السلام وليس بثبت ، له كتب منها كتاب في الامامة ، وكتاب في الحلال والحرام ، وأكثره عن محمد بن علي بن أبي شعبة الحلبي وذكر طرقه اليه فقال بعده : مات في أيام أبي الحسن قبل الحادثة ، عده الكشي في ص ٢٣٩ ممن اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم وتصديقهم لما يقولون ، وأقرّوا لهم بالفقه ، من أصحاب أبي عبد الله عليه السلام . وقال في ص ٢٤٣ : لم يسمع من أبي عبد الله عليه السلام الا حديث « من أدرك المشعر فقد أدرك الحج » الى ان قال : وزعم أبو النضر محمد بن مسعود أن ابن مسكان كان لا يدخل على أبي عبد الله عليه السلام شفقة أن لا يوفيه حق اجلاله فكان يسمع من اصحابه ويأبى ان يدخل عليه اجلالا له واعظاماً له عليه السلام انتهى . اقول : يوجد له روايات كثيرة في ابواب الفقه وغيرها عن أبي عبد الله عليه السلام حتى نقل عن المجلسي الاول رحمه الله انها تبلغ قريباً من ثلاثين حديثاً من الكتب الاربعة وغيرها . فلازم صحة كلام النجاشي والكشي ارسال تلك الاحاديث ، وهو بعيد جداً ويمكن حمل كلامهما على عدم روايته عنه عليه السلام بالمشافهة فلا مانع من سؤاله عنه عليه السلام بالمكاتبة كما يومى بذلك الكشي في رجاله : قال : وزعم يونس ان ابن مسكان سرح مسائل الى أبي عبد الله عليه السلام يسأله فيها واجابه عليها . من ذلك : ماخرج اليه مع ابراهيم بن ميمون كتب اليه يسأله عن خصى دلّس نفسه على إمرأة ، قال يفرق بينهما ويوجع ظهره .
(٢) لان شأن كل احد ايصال صديقه الى ما فيه سعادته ومنفعته ودفع المضار والشرور عنه ، و شان العدو بالعكس وهذه الصفات في العقل والجهل اقوى واشد اذ بالعقل يصل الانسان الى الخيرات ، ويعرف ما فيه السعادة والشقاوة ، ويسلك سبيل الهداية والرشاد ، ويميّز بين الحق و الباطل ، وبه يعبد الرحمن ، ويكتسب الجنان . وبالجهل يسلك سبيل الغى والجهالة ، ويقع في ورطة الشر والضلالة ، وبه يعبد الشيطان ، ويكتسب غضب الرحمن ، فاطلاق الصديق على العقل اجدر كما ان اطلاق العدوّ على الجهل اولى .
ورواه أيضاً عن أبيه ، وابن الوليد ، عن سعد ، والحميريّ ، عن ابن هاشم ، عن الحسن بن الجهم ، عن الرضا عليهالسلام .
ع : أبي ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن ابن فضّال ، عن الحسن بن الجهم ، عنه عليهالسلام مثله .
سن : ابن فضّال ، مثله .
كنز الكراجكي : عن أمير المؤمنين عليهالسلام مثله .
١٢ ـ ما : المفيد رحمه الله ، عن أبي حفص عمر بن محمّد ، عن ابن مهرويه ، عن داود بن سليمان ، قال : سمعت الرضا عليهالسلام يقول : ما استودع الله عبداً عقلاً إلّا استنقذه به يوماً .
نهج : مثله .
١٣ ـ ما : المفيد ، عن الحسين بن محمّد التمّار ، عن محمّد بن قاسم الأنباريّ ، عن أحمد ابن عبيد : عن عبد الرحيم بن قيس الهلاليّ ، عن العمريّ ، عن أبي حمزة السعديّ ، عن أبيه ، قال : أوصى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام إلى الحسن بن عليّ عليهالسلام فقال فيما أوصى به إليه : يا بنيَّ لا فقر أشدّ من الجهل ، ولا عُدم أشدّ من عُدم العقل ، ولا وحدة ولا وحشة أوحش من العجب ، ولا حسب كحسن الخلق ، ولا ورع كالكفّ عن محارم الله ، ولا عبادة كالتفكّر في صنعة الله عزّ وجلّ يا بنيَّ العقل خليل المرء ، والحلم وزيره ، والرفق والده ، والصبر من خير جنوده . يا بنيّ إنّه لا بدّ للعاقل من أن ينظر في شأنه فليحفظ لسانه ، وليعرف أهل زمانه . يا بنيّ إنّ من البلاء الفاقة ، وأشدّ من ذلك مرض البدن ، وأشدّ من ذلك مرض القلب ، وإنّ من النعم سعة المال ؛ وأفضل من ذلك صحّة البدن ، وأفضل من ذلك تقوى القلوب . يا بنيّ للمؤمن ثلاث ساعات : ساعة يناجي فيها ربّه ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يخلو فيها بين نفسه ولذّتها فيما يحلّ ويحمد ، وليس للمؤمن بدّ من أن يكون شاخصاً في ثلاث : مرمّة لمعاش (١) : أو خطوة لمعاد أو لذّة في غير محرّم .
بيان : العُدم بالضمّ الفقر وفقدان شيء ، والعُجب إعجاب المرء بنفسه بفضائله و
________________________
(١) رمّ الامر : اصلحه .
أعماله ، وهو موجب للترفّع على الناس والتطاول عليهم فيصير سبباً لوحشة الناس عنه ومستلزماً لترك إصلاح معائبه ، وتدارك مافات منه فينقطع عنه موادّ رحمة الله ولطفه وهدايته ، فينفرد عن ربّه وعن الخلق ، فلا وحشة أوحش منه . وقوله عليهالسلام : ولا ورع هو بالإضافة إلى ورع من يتورّع عن المكروهات ، ولا يتورّع عن المحرّمات . و الشخوص : الذهاب من بلد إلى بلد ، والسير في الأرض ، ويمكن أن يكون المراد هنا ما يشمل الخروج من البيت . والخطوة بالضمّ والكسر : المكانة والقرب والمنزلة . أي يشخص لتحصيل ما يوجب المكانة والمنزلة في الآخرة .
١٤ ـ ما : المفيد ، عن ابن قولويه ، عن الكلينيّ ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن اليقطينيّ عن حنّان بن سدير ، عن أبيه ، عن الباقر عليهالسلام في خبر سلمان وعمر إنّه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا معشر قريش ! إنّ حسب المرء دينه ، ومروّته خلقه ، وأصله عقله .
١٥ ـ ما : المفيد ، عن إسماعيل بن محمّد الكاتب ، عن عبد الصمد بن عليّ ، عن محمّد بن هارون بن عيسى ، عن أبي طلحة الخزاعيّ ، عن عمر بن عبّاد ، عن أبي فرات ، قال : قرأت في كتاب لوهب بن منبّه ، وإذاً مكتوب في صدر الكتاب : هذا ما وضعت الحكماء في كتبها : الاجتهاد في عبادة الله أربح تجارة ، ولا مال أعود من العقل ، ولا فقر أشدُّ من الجهل ، وأدب تستفيده خير من ميراث ، وحسن الخلق خير رفيق ، والتوفيق خير قائد ، ولا ظهر أوثق من المشاورة ، ولا وحشة أوحش من العجب ، ولا يطمعنّ صاحب الكبر في حسن الثناء عليه .
بيان : العائدة : المنفعة ، ويقال : هذا أعود أي أنفع . ولا ظهر أي لا معين ولا مقويّ فإنّ قوّة الإنسان بقوّة ظهره .
١٦ ـ ع : ابن المتوكّل ، عن السعدآباديّ ، عن البرقيّ ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : ما خلق الله عزّ وجلّ شيئاً أبغض إليه من الأحمق ، لأنّه سلبه أحبّ الأشياء إليه وهو عقله .
بيان : بغضه تعالى عبارة عن علمه بدناءة رتبته
، وعدم قابليّته للكمال ، وما يترتّب عليه عن عدم توفيقه على ما يقتضي رفعة شأنه لعدم قابليّته لذلك ، فلا ينافي
عدم اختياره في ذلك ، أو يكون بغضه تعالى لما يختاره بسوء اختياره من قبائح أعماله مع كونه مختاراً في تركه ، والله يعلم (١) .
١٧ ـ ع : ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : دعامة الإنسان العقل ، ومن العقل الفطنة ، والفهم ، والحفظ والعلم ، فإذا كان تأييد عقله من النور كان عالماً حافظاً زكيّاً فطناً فهماً ، وبالعقل يكمل ، وهو دليله ومبصّره ومفتاح أمره .
بيان : الدعامة بالكسر : عماد البيت . والفطنة : سرعة إدراك الاُمور على الاستقامة . والنور لمّا كان سبباً لظهور المحسوسات يطلق على كلّ ما يصير سبباً لظهور الأشياء على الحسّ أو العقل ، فيطلق على العلم وعلى أرواح الأئمّة عليهمالسلام وعلى رحمة الله سبحانه وعلى ما يلقيه في قلوب العارفين من صفاء وجلاء به يظهر عليهم حقائق الحكم ودقائق الاُمور ، وعلى الربّ تبارك وتعالى لأنّه نور الأنوار ومنه يظهر جميع الاشياء في الوجود العينيّ والانكشاف العلميّ ، وهنا يحتمل الجميع . وقوله : زكيّاً ، فيما رأينا من النسخ بالزاء فهو بمعنى الطهارة عن الجهل والرذائل ، وفي الكافي مكانه : ذاكراً .
١٨ ـ ب : هارون ، عن ابن صدقة ، عن جعفر بن محمّد عليهماالسلام قال : إنّ الله تبارك وتعالى يبغض الشيخ الجاهل ، والغنيّ الظلوم ، والفقير المختال .
بيان : تخصيص الجاهل بالشيخ لكون الجهل منه أقبح لمضيّ زمان طويل يمكنه فيه تحصيل العلم ، وتخصيص الظلوم بالغنيّ لكون الظلم منه أفحش لعدم الحاجة ، وتخصيص المختال أي المتكبّر بالفقير لأنّه منه أشنع إذ الغنيّ إذا تكبّر فله عذر في ذلك لما يلزم الغن من الفخر والعجب والطغيان .
________________________
(١) مراده رحمه الله رفع المنافاة التي تترائى بين البغض وبين كون حماقة الاحمق غير مستندة الى اختياره ولا يخفى ان المنافاة لا ترتفع بما ذكره رحمه الله من الوجهين فان العلم بدنائة الرتبة لا تسمى بغضاً ، وكذا عدم توفيقه لعدم قابليته ، وما يختاره من القبيح لحماقته ينتهيان بالاخرة الى مالا بالاختيار فالاشكال بحاله . والحق ان بغضه كما يظهر من تعليله عليه السلام بمعنى منعه مما من شان الانسان ان يتلبس به وهو العقل الذي هو احب الاشياء الى الله لنقص في خلقته فهو بغض تكويني بمعنى التبعيد من مزايا الخلقة لا بغض تشريعي بمعنى تبعيده من المغفرة والجنة والذي ينافى عدم الاختيار هو البغض بالمعنى الثاني لا الاول . ط .
١٩ ـ ثو : أبي ، عن أحمد بن إدريس ، عن الأشعريّ ، عن محمّد بن حسّان ، عن أبي محمّد الرازيّ ، عن الحسين بن يزيد ، عن إبراهيم بن بكر بن أبي سمّاك ، عن الفضل (١) بن عثمان ، قال سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : من كان عاقلاً ختم له بالجنّة إن شاءالله .
٢٠ ـ ثو : بهذا الاسناد ، عن أبي محمّد ، عن ابن عميرة ، عن إسحاق بن عمّار ، قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام : من كان عاقلاً كان له دين ، ومن كان له دين دخل الجنّة .
٢١ ـ سن : أبي ، عن محمّد بن سنان ، عن رجل من همدان ، عن عبيد الله بن الوليد الوصّافيّ ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : كان يرى موسى بن عمران عليهالسلام رجلاً من بني إسرائيل يطول سجوده ويطول سكوته . فلا يكاد يذهب إلى موضع إلّا وهو معه فبينا هو من الأيّام في بعض حوائجه إذ مرّ على ارض معشبة يزهو ويهتزّ قال : فتأوّه الرجل فقال له موسى : على ماذا تأوّهت ؟ قال : تمنّيت أن يكون لربّيّ حمار أرعاه ههنا ! قال : وأكبّ موسى عليهالسلام طويلاً ببصره على الأرض اغتماماً بماسمع منه ، قال : فانحطّ عليه الوحى ، فقال له : ما الّذي أكبرت من مقالة عبدي ؟ أنا اُؤاخذ عبادي على قدر ما أعطيتهم من العقل .
بيان : في القاموس الزهو : المنظر الحسن ، والنبات الناضر ، ونور النبت ، وزهره واشراقه . والاهتزاز : التحرّك والنشاط والارتياح ، والظاهر أنّهما بالتاء ، صفتان للأرض أو حالان منها لبيان نضارة أعشابها وطراوتها ونموّها ، وإذا كانا باليائين كما في أكثر النسخ فيحتمل أن يكونا حالين عن فاعل مرّ « العابد » إلى موسى عليهالسلام . والزهو : جاء بمعنى الفخر أي كان يفتخر وينشط إظهاراً لشكره تعالى فيما هيّأ له من ذلك .
١٢ ـ سن : بعض أصحابنا رفعه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ما قسّم الله للعباد شيئاً أفضل من العقل ، فنوم العاقل أفضل من سهر الجاهل ، وإفطار العاقل أفضل من صوم الجاهل ، وإقامة العاقل أفضل من شخوص الجاهل ، ولا بعث الله رسولاً ولا نبيّاً حتّى
________________________
(١) وفي نسخة : الفضيل . قال النجاشي في رجاله ص ٢١٧ الفضل بن عثمان المرادي الصائغ الانباري ابو محمد الاعور مولى ثقة ثقة ، روى عن أبي عبد الله عليه السلام ، وهو ابن اخت علي ابن ميمون المعروف بابي الاكراد . وقد وثقه المفيد وغيره .
يستكمل العقل ، ويكون عقله أفضل من عقول جميع أمّته ، وما يضمر النبيّ في نفسه أفضل من اجتهاد المجتهدين ، وما أدّى العاقل فرائض الله حتّى عقل منه ، ولا بلغ جميع العابدين في فضل عبادتهم ما بلغ العاقل ، إنّ العقلاء هم اُولوا الألباب الّذين قال الله عزّ وجلّ : إنّما يتذكّر اُولوا الألباب .
ايضاح : من شخوص الجاهل أي خروجه من بلده ومسافرته إلى البلاد طلباً لمرضاته تعالى كالجهاد ، والحجّ ، وغيرهما . وما يضمر النبيّ في نفسه أي من النيّات الصحيحة ، والتفكّرات الكاملة ، والعقائد اليقينيّة ، وما أدّي العاقل فرائض الله حتّى عقل منه أي لا يعمل فريضةً حتّى يعقل من الله ويعلم أنّ الله أراد تلك منه ، ويعلم آداب إيقاعها ، ويحتمل أن يكون المراد أعمّ من ذلك ، أي يعقل ويعرف ما يلزمه معرفته ، فمن ابتدائيّة على التقديرين ، ويحتمل على بعد أن يكون تبعيضيّةً : أي عقل من صفاته وعظمته و جلاله ما يليق بفهمه ، ويناسب قابليّته واستعداده . وفي أكثر النسخ وما أدّى العقل و يرجع إلى ما ذكرنا ، إذ العاقل يؤدّي بالعقل . وفي الكافي وما أدّى العبد فرائض الله حتّى عقل عنه . أي لا يمكن للعبد أداء الفرائض كما ينبغي إلّا بأن يعقل ويعلم من جهة مأخوذة عن الله بالوحي ، أو بأن يلهمه الله معرفته ، أو بأن يعطيه الله عقلاً موهبيّاً ، به يسلك سبيل النجاة .
١٣ ـ سن : بعض أصحابنا رفعه ، قال : ما يعباُ من أهل هذا الدين بمن لا عقل له . قال : قلت جعلت فداك إنّا نأتي قوماً لا بأس بهم عندنا ممّن يصف هذا الأمر ليست لهم تلك العقول ، فقال : ليس هؤلاء ممّن خاطب الله في قوله : يا اُولى الألباب . إنّ الله خلق العقل ، فقال له : أقبل فأقبل : ثمّ قال له : أدبر فأدبر ، فقال . وعزّتي وجلالي ما خلقت شيئاً أحسن منك ، وأحبّ إليّ منك ، بك آخذ وبك اُعطي .
بيان : ما يعباُ أي لا يبالى ولا يعتنى بشأن من لا عقل له من أهل هذا الدين ، فقال السائل : عندنا قوم داخلون في هذا الدين ، غير كاملين في العقل فكيف حالهم ؟ فأجاب عليهالسلام بأنّهم وإن حرموا عن فضائل أهل العقل لكن تكاليفهم أيضاً أسهل وأخفّ ، وأكثر المخاطبات في التكاليف الشاقّة لاُولي الألباب .
١٤ ـ سن : النوفليّ ، وجهم بن حكيم المدائنيّ ، عن السكونيّ ، عن أبي عبد الله ، عن آباءه عليهمالسلام ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : إذا بلغكم عن رجل حسن حاله فانظروا في حسن عقله فانّما يجازى بعقله .
أقول : في الكافي : حسنُ حال .
١٥ ـ مص : قال الصادق عليهالسلام : الجهل صورة ركّبت في بني آدم ، إقبالها ظلمة ، وإدبارها نور ، والعبد متقلّب معها (١) كتقلّب الظلّ مع الشمس ألا ترى إلى الإنسان ؟ تارةً تجده جاهلاً بخصال نفسه ، حامداً لها ، عارفاً بعيبها ، في غيره ساخطاً ، وتارةً تجده عالماً بطباعه ، ساخطاً لها ، حامداً لها في غيره ، فهو متقلّب بين العصمة والخذلان ، فإن قابلته العصمة أصاب ، وإن قابله الخذلان أخطأ ، ومفتاح الجهل الرضاء والاعتقاد به ، ومفتاح العلم الاستبدال مع إصابة موافقة التوفيق ، وأدنى صفة الجاهل دعواه العلم بلا استحقاق ، وأوسطه جهله بالجهل ، وأقصاه جحوده العلم ، وليس شيءٌ إثباته حقيقة نفيه إلّا الجهل والدنيا والحرص ، فالكلّ منهم كواحد ، والواحد منهم كالكلّ .
بيان : كتقلّب الظلّ مع الشمس أي كما أنّ شعاع الشمس قد يغلب على الظلّ و يضيىءُ مكانه وقد يكون بالعكس فكذلك العلم والعقل قد يستوليان على النفس فيظهر له عيوب نفسه ، ويأوّل بعقله عيوب غيره ما امكنه ، وقد يستولي الجهل فيرى محاسن غيره مساوي ، ومساوي نفسه محاسن ، ومفتاح الجهل الرضاء بالجهل والاعتقاد به وبأنّه كمال لا ينبغي مفارقته ، ومفتاح العلم طلب تحصيل العلم بدلاً عن الجهل ، والكمال بدلاً عن النقص ، وينبغي أن يعلم أنّ سعيه مع عدم مساعدة التوفيق لا ينفع فيتوسّل بجنابه تعالى ليوفّقه . قوله عليهالسلام : إثباته أي عرفانه قال الفيروزآباديّ : أثبته : عرفه حقّ المعرفة ، وظاهر أنّ معرفة تلك الاُمور كما هي مستلزمة لتركها ونفيها ، أو المعنى أنّ كلّ من أقرّ بثبوت تلك الأشياء لا محالة ينفيها عن نفسه ، فالمراد بالدنيا حبّها . و
________________________
(١) وفي نسخة : معهما . وقوله عليهالسلام : الجهل صورة ركبت الخ لان طبيعة الانسان في اصل فطرتها خالية عن الكمالات الفعلية والعلوم الثابتة ، فكانٌ الجهل عجنت في طينتها وركبت مع طبيعتها ، ولكن في اصل فطرته له قوة كسب الكمالات بالعلوم والتنور والمعارف .
قوله عليهالسلام : فالكلُّ كواحد لعلّ معناه أنّ هذه الخصال كخصلة واحدة لتشابه مباديها ، وانبعاث بعضها عن بعض ، وتقوّي بعضها ببعض ، كما لا يخفى .
١٦ ـ م : عن أبي محمّد عليهالسلام ، قال : قال عليّ بن الحسين عليهماالسلام : من لم يكن عقله أكمل ما فيه ، كان هلاكه من أيسر ما فيه .
١٧ ـ ضه : قال أمير لمؤمنين عليهالسلام صدر العاقل صندوق سرّه ، ولا غنى كالعقل ، و لا فقر كالجهل ، ولا ميراث كالأدب ، ولا مال أعود من العقل ، ولا عقل كالتدبير .
١٨ ـ ضه : روي عن ابن عبّاس ، انّه قال : أساس الدين بني على العقل ، وفرضت الفرائض على العقل ، وربّنا يعرف بالعقل ، ويتوسّل إليه بالعقل ، والعاقل أقرب إلى ربّه من جميع المجتهدين بغير عقل ، ولمثقالُ ذرّةٍ من برّ العاقل أفضل من جهاد الجاهل ألف عام .
١٩ ـ ضه : قال النبيّ صلىاللهعليهوآله . قوام المرء عقله ، ولا دين لمن لا عقل له .
٢٠ ـ ختص : قال الصادق عليهالسلام : إذا أراد الله أن يزيل من عبد نعمة ًكان أوّل ما يغيّر منه عقله .
٢١ ـ وقال عليهالسلام : يغوص العقل على الكلام فيستخرجه من مكنون الصدر ، كما يغوص الغائص على اللؤلؤ المستكنّة في البحر .
٢٢ ـ وقال أمير المؤمنين عليهالسلام : الناس أعداءٌ لما جهلوا
٢٣ ـ وقال عليهالسلام : أربع خصال يسود بها المرء : العفّة ، والأدب ، والجود ، والعقل
٢٤ ـ وقال عليهالسلام : لا مال أعود من العقل ، ولا مصيبة أعظم من الجهل ، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة ، ولا ورع كالكفّ عن المحارم ، ولا عبادة كالتفكّر ، ولا قائد خير من التوفيق ، ولا قرين خير من حسن الخلق ، ولا ميراث خير من الأدب .
٢٥ ـ ما : جماعة ، عن أبي المفضّل : عن حنظلة بن زكريّا القاضي ، عن محمّد بن عليّ بن حمزة العلويّ . عن أبيه ، عن الرضا ، عن آباءه عليهمالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : حسب المؤمن ماله ، ومروّته عقله ، وحلمه شرفه ، وكرمه تقواه .
٢٦ ـ الدرّة الباهرة قال أبو الحسن الثالث عليهالسلام : الجهل والبخل أذمُّ الأخلاق .
٢٧ ـ وقال أبو محمّد العسكريّ عليهالسلام : حسن الصورة جمال ظاهر ، وحسن العقل جمال باطن .
٢٨ ـ وقال عليهالسلام : لو عقل أهل الدنيا خربت .
٢٩ ـ نهج : قال أمير المؤمنين عليهالسلام : ليس الرؤية مع الأبصار ، وقد تكذب العيون أهلها ، ولا يغشّ العقل من انتصحه .
بيان : أي الرؤية الحقيقيّة رؤية العقل ، لإنّ الحواسّ قد تعرض لها الغلط .
٣٠ ـ نهج : قال عليهالسلام : لا غنى كالعقل ، ولا فقر كالجهل ، ولا ميراث كالأدب ، ولا ظهير كالمشاورة .
٣١ ـ وقال عليهالسلام : أغنى الغنى العقل ، وأكبر الفقر الحمق .
٣٢ ـ وقال عليهالسلام : لا مال أعود من العقل ، ولا عقل كالتدبير .
٣٣ ـ وقال عليهالسلام الحلم غطاء ساتر ، والعقل حسام باتر (١) ، فاستر خلل خلقك بحلمك ، وقاتل هواك بعقلك .
٣٤ ـ كنز الكراجكيّ قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : لكلّ شيىء آلة وعدّةٌ وآلة المؤمن و عدّته العقل ، ولكلّ شيىء مطيّة ومطيّة المرء العقل ، ولكلّ شيىء غاية وغاية العبادة العقل ، ولكلّ قوم راع وراعي العابدين العقل ، ولكلّ تاجر بضاعة ، وبضاعة المجتهدين العقل ، ولكلّ خراب عمارة وعمارة الآخرة العقل ، ولكلّ سفر فسطاط يلجئون إليه و فسطاط المسلمين العقل .
٣٥ ـ وقال أمير المؤمنين عليهالسلام : لا عدّة أنفع من العقل ولا عدوّ أضرّ من الجهل .
٣٦ ـ وقال : زينة الرجل عقله .
٣٧ ـ وقال عليهالسلام : قطيعة العاقل تعدل صلة الجاهل .
٣٨ ـ وقال عليهالسلام : من لم يكن أكثر ما فيه عقله كان بأكثر ما فيه قتله .
________________________
(١) الباتر : القاطع . شبّه الحلم بالغطاء الساتر لان الحلم يمنع عن ظهور ما يستلزمه الغضب من مساوى الاخلاق . وشبّه العقل بالحسام الباتر لان بالعقل يقتل الانسان اعدى عدوّه وهو هواه ، وبه يغلب على نفسه : ويصدّها عن الاستيلاء على مملكة البدن ، ويمنعها عن إعمال ما يضرّ بحالها .
٣٩ ـ وقال عليهالسلام : الجمال في اللّسان ، والكمال في العقل ، ولا يزال العقل والحمق يتغالبان على الرجل إلى ثماني عشرة سنة ، فاذا بلغها غلب عليه أكثرهما فيه .
٤٠ ـ وقال عليهالسلام : العقول أئمّة الأفكار ، والأفكار أئمّة القلوب ، والقلوب أئمّة الحواسّ ، والحواسّ أئمّة الأعضاء .
٤١ ـ وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : استرشدوا العقل ترشدوا ، ولا تعصوه فتندموا .
٤٢ ـ وقال صلىاللهعليهوآله : سيّد الأعمال في الدارين العقل ، ولكلّ شيء دعامة ودعامة المؤمن عقله ، فبقدر عقله تكون عبادته لربّه .
٤٣ ـ وقال أمير المؤمنين عليهالسلام : العقول ذخائر ، والأعمال كنوز .
( باب ٢ حقيقة العقل وكيفيته وبدو خلقه )
١ ـ لى : ابن المتوكّل ، عن الحميريّ ، عن ابن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن العلاء عن محمّد ، عن الباقر عليهالسلام قال : لمّا خلق الله العقل استنطقه ، ثمّ قال له أقبل فأقبل ، ثمّ قال له أدبر فأدبر ، ثمّ قال له : وعزّتي وجلالي ما خلقت خلقاً هو أحبّ إليّ منك ، ولا اُكمّلك إلّا فيمن اُحبّ أما إنّي إياك آمر ، وإيّاك أنهى ، وإيّاك اُثيب . سن ابن محبوب مثله .
٢ ـ ع : في سئوالات الشاميّ عن أمير المؤمنين أخبرني عن أوّل ما خلق الله تبارك وتعالى فقال : النو .
اقول : سيأتي بعض الأخبار في باب علامات العقل .
٣ ـ سن : محمّد بن عليّ ، عن وهيب بن حفص ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : إنّ الله خلق العقل ، فقال له أقبل فأقبل ، ثمّ قال له أدبر فأدبر ، ثمّ قال له : وعزّتي وجلالي ما خلقت شيئاً أحبّ إليّ منك لك الثواب وعليك العقاب .
٤ ـ سن : السنديّ بن محمّد ، عن العلاء ، عن محمّد ، عن أبي جعفر ، وأبي عبد الله علیهماالسلام قالا : لمّا خلق الله العقل قال له أدبر فأدبر ، ثمّ قال له أقبل فأقبل ، فقال : وعزّتي وجلالي ما خلقت خلقاً أحسن منك ، إيّاك آمر ، وإيّاك أنهى ، وإياّك اُثيب وإيّاك اُعاقب .
٥ ـ سن : عليّ بن الحكم ، عن هشام ، قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام : لمّا خلق الله العقل قال له أقبل فأقبل ، ثم قال له أدبر فأدبر ، ثمّ قال : وعزّتي وجلالي ما خلقت خلقاً هو أحبّ إليّ منك ، بك آخذ ، وبك اُعطي ، وعليك اُثيب .
٦ ـ سن : أبي ، عن عبد الله بن الفضل النوفليّ ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : خلق الله العقل فقال له أدبر فأدبر ، ثمّ قال له أقبل فأقبل ، ثمّ قال : ما خلقت خلقاً أحبّ إليّ منك ، فأعطى الله محمّداً صلىاللهعليهوآله تسعة وتسعين جزءاً ، ثمّ قسّم بين العباد جزءاً واحداً .
٧ ـ غو : قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : أوّل ما خلق الله نوري .
٨ ـ وفي حديث آخر أنّه صلىاللهعليهوآله قال : أوّل ما خلق الله العقل .
٩ ـ وروي بطريق آخر أنّ الله عزّ وجلّ لمّا خلق العقل قال له أقبل فأقبل ، ثمّ قال له أدبر فأدبر ، فقال تعالى : وعزّتي وجلالي ما خلقت خلقاً هو أكرم عليّ منك ، بك اُثيب وبك اُعاقب ، وبك آخذ وبك اُعطي .
١٠ ـ ع : أبي ، عن سعد ، عن ابن هاشم عن ابن معبد (١) ، عن الحسين بن خالد ، عن إسحاق ، قال قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : الرجل آتيه اُكلّمه ببعض كلامي فيعرف كلّه ومنهم من آتيه فاُكلّمه بالكلام فيستوفي كلامي كلّه ثمّ يردّه عليّ كما كلّمته ، و منهم من آتيه فاُكلّمه فيقول : أعد عليّ . فقال : يا اسحاق أو ما تدري لم هذا ؟ قلت لا . قال الّذي تكلّمه ببعض كلامك فيعرف كلّه فذاك من عجنت نطفته بعقله ، وأمّا الّذي تكلّمه فيستوفي كلامك ثمّ يجيبك على كلامك فذاك الّذي ركّب عقله في بطن اُمّه وأمّا الّذي تكلّمه بالكلام فيقول أعد عليّ فذاك الّذي ركّب عقله فيه بعد ما كبر ، فهو يقول أعد عليّ .
بيان : قوله : ثمّ يردّه عليّ أي أصل الكلام كما سمعه ، أو يجيب على وفق ما كلّمته والثاني أظهر . ثمّ اعلم أنّه يحتمل أن يكون الكلام جارياً على وجه المجاز ، لبيان اختلاف الأنفس في الاستعدادات الذاتيّة ، اي كأنّه عجنت نطفته بعقله مثلاً ، وأن يكون المراد
________________________
(١) وفي نسخة : عن ابن سعيد .
أنّ بعض الناس يستكمل نفسه الناطقة بالعقل واستعداد فهم الأشياء وإدراك الخير والشرّ عند كونها نطفةً ، وبعضها عند كونها في البطن ، وبعضها بعد كبر الشخص واستعمال الحواسّ وحصول البديهيّات وتجربة الاُمور ، وأن يكون المراد الإشارة إلى أنّ اختلاف الموادّ البدنيّة له مدخل في اختلاف العقل . والله يعلم .
١١ ـ ختص : قال الصادق عليهالسلام : إنّ الله تبارك وتعالى لمّا خلق العقل قال له أقبل فأقبل ، ثمّ قال له أدبر فأدبر ، فقال : وعزّتي وجلالي ما خلقت خلقاً أعزّ عليّ منك اُؤيّد من أحببته بك .
١٢ ـ وقال عليهالسلام : خلق الله العقل من أربعة أشياء من العلم ، والقدرة ، والنور (١) والمشيّة بالأمر ، فجعله قائماً بالعلم ، دائماً في الملكوت .
١٣ ـ ع : ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن ابن عيسى ، عن البزنطيّ ، عن أبي جميلة عمّن ذكره ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : إنّ الغلظة في الكبد ، والحياء في الريح ، والعقل مسكنه القلب .
بيان : إنّ الغلظة في الكبد أي تنشاُ من بعض الأخلاط المتولّدة من الكبد : كالدم والمرّة الصفراء مثلاً . والريح كثر استعماله في الأخبار على ما سيأتي في كتاب أحوال الإنسان . ويظهر من بعضها أنّها المرّة السوداء ، ومن بعضها أنّها الروح الحيوانيّ ، ومن بعضها أنّها أحد أجزاء البدن سوى الأخلاط الأربعة والأجزاء المعروفة . والقلب يطلق على النفس الإنسانيّ لتعلّقها أوّلاً بالروح الحيوانيّ المنبعث عن القلب الصنوبريّ ، ولذلك
________________________
(١) لعل المراد بالنور ظهور الكمالات والاخلاق السنية والاعمال الرضية ، وبالمشية بالامر اختيار محاسن الامور ، فخلق العقل من هذه الاشياء لعله كناية عن استلزامه لها فكانها مادّته ويحتمل ان يكون « من » تعليلية . أي خلقه لتحصيل تلك الامور ، او المعنى انه تعالى لم يخلقه من مادّة ، بل خلقه من علمه وقدرته ونوريته ومشيته فظهر فيه تلك الاثار من انوار جلاله ، والمراد ان العقل يطلق على الحالة المركبة من تلك الخلال ، واما قيامه بالعلم فظاهر ، إذ بترك العلم يسلب العقل . وكونه دائماً في الملكوت إذ هو دائماً متوجه الى الترقي الى الدرجة العليا ، ومعرض عن شواغل الدنيا ، متصل بارواح المقربين في الملاء الاعلى ويتهيأُ للعروج الى جنّة المأوى . « منه طاب ثراه »
تعلّقها بالقلب أكثر من سائر الأعضاء ، أو لتقلّب أحواله . وتفصيل الكلام في هذا الخبر سيأتي في كتاب السماء والعالم .
١٤ ـ ع : باسناده العلويّ ، عن عليّ بن أبي طالب عليهالسلام أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله سُئل ممّا خلق الله عزّ وجلّ العقل ، قال : خلقه ملك له رؤوس بعدد الخلائق من خلق و من يخلق إلى يوم القيامة ، ولكلّ رأس وجه ، ولكلّ آدميّ رأس من رؤوس العقل ، و اسم ذلك الإنسان على وجه ذلك الرأس مكتوب ، وعلى كلّ وجه ستر ملقى لا يكشف ذلك الستر من ذلك الوجه حتّى يولد هذا المولود ، ويبلغ حدّ الرجال ، أو حدّ النساء فإذا بلغ كشف ذلك الستر ، فيقع في قلب هذا الإنسان نور ، فيفهم الفريضة والسنّة ، والجيّد والرديّ ، ألا ومثل العقل في القلب كمثل السراج في وسط البيت .
( بسط كلام لتوضيح مرام )
اعلم أنّ فهم أخبار أبواب العقل يتوقّف على بيان ماهيّة العقل ، واختلاف الآراء والمصطلحات فيه . فنقول : إنّ العقل هو تعقّل الأشياء وفهمها في أصل اللّغة ، واصطلح إطلاقه على اُمور :
الاول : هو قوّة إدراك الخير والشرّ والتمييز بينهما ، والتمكّن من معرفة أسباب الاُمور وذوات الأسباب ، وما يؤدّي إليها وما يمنع منها ، والعقل بهذا المعنى مناط التكليف والثواب والعقاب .
الثاني : ملكة وحالة في النفس تدعو إلى اختيار الخير والنفع ، واجتناب الشرور والمضارّ ، وبها تقوي النفس على زجر الدواعي الشهوانيّة والغضبيّة ، والوساوس الشيطانيّة وهل هذا هو الكامل من الأوّل أم هو صفة اُخرى وحالة مغايرة للاُولى ؟ يحتملهما ، وما يشاهد في أكثر الناس من حكمهم بخيريّة بعض الاُمور مع عدم إتيانهم بها ، و بشرّيّة بعض الاُمور مع كونهم مولعين بها يدلّ على أنّ هذه الحالة غير العلم بالخير والشرّ .
والّذي (١) ظهر لنا من تتبّع الأخبار المنتمية إلى الأئمّة الأبرار سلام الله عليهم هو أنّ الله خلق في كلّ شخص من أشخاص المكلّفين قوّة واستعداد إدراك الاُمور من المضارّ والمنافع وغيرها ، على اختلاف كثير بينهم فيها ، وأقلّ درجاتها مناط التكليف ، وبها يتميّز عن المجانين ، وباختلاف درجاتها تتفاوت التكاليف ، فكلّما كانت هذه القوّة أكمل كانت التكاليف أشقّ وأكثر ، وتكمل هذه القوّة في كلّ شخص بحسب استعداده بالعلم والعمل ، فكلّما سعى في تحصيل ما ينفعه من العلوم الحقّة وعمل بها تقوي تلك القوّة . ثمّ العلوم تتفاوت في مراتب النقص والكمال ، وكلّما ازدادت قوّةً تكثر آثارها وتحثّ صاحبها بحسب قوّتها على العمل بها فأكثر الناس علمهم بالمبدأ والمعاد وسائر أركان الإيمان علم تصوريّ يسمّونه تصديقاً ، وفي بعضهم تصديق ظنّيّ ، وفي بعضهم تصديق اضطراريّ ، فلذا لا يعملون بما يدّعون ، فإذا كمل العلم وبلغ درجة اليقين يظهر آثاره على صاحبه كلّ حين . وسيأتي تمام تحقيق ذلك في كتاب الإيمان والكفر إن شاء الله تعالى .
الثالث : القوّة الّتي يستعملها الناس في نظام اُمور معاشهم ، فإن وافقت قانون الشرع واستعملت فيما استحسنه الشارع تسمّى بعقل المعاش ، وهو ممدوح في الأخبار ومغايرته لما قد مرّ بنوع من الاعتبار ، وإذا استعملت في الاُمور الباطلة والحيل الفاسدة تسمّى بالنكراء والشيطنة في لسان الشرع ، ومنهم من أثبت لذلك قوّةً اُخرى وهو غير معلوم .
________________________
(١) الذي يذكره رحمه الله من معاني العقل بدعوى كونها مصطلحات معاني العقل لا ينطبق لا على ما اصطلح عليه اهل البحث ، ولا ما يراه عامة الناس من غيرهم على ما لا يخفى على الخبير الوارد في هذه الابحاث ، والذي اوقعه فيما وقع فيه امران : احدهما سوء الظن بالباحثين في المعارف العقلية من طريق العقل والبرهان . وثانيهما : الطريق الذي سلكه في فهم معاني الاخبار حيث اخذ الجميع في مرتبة واحدة من البيان وهي التي ينالها عامة الافهام وهي المنزلة التي نزل فيها معظم الاخبار المجيبة لاسؤلة اكثر السائلين عنهم عليهم السلام ، مع ان في الاخبار غرراً تشير الى حقائق لا ينالها الا الافهام العالية والعقول الخالصة ، فاوجب ذلك اختلاط المعارف الفائضة عنهم عليهم السلام وفساد البيانات العالية بنزولها منزلة ليست هي منزلتها ، وفساد البيانات الساذجة ايضاً لفقدها تميّزها وتعيّنها ، فما كلّ سائل من الرواة في سطح واحد من الفهم ، وما كلّ حقيقة في سطح واحد من الدقة واللطافة : والكتاب والسنة مشحونان بان معارف الدين ذوات مراتب مختلفة ، وان لكلّ مرتبة اهلا ، وان في الغاء المراتب هلاك المعارف الحقيقيّة . ط