بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار - ج ١

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٣٢
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

الرابع : مراتب استعداد النفس لتحصيل النظريّات وقربها وبعدها عن ذلك ، و أثبتوا لها مراتب أربعة : سمّوها بالعقل الهيولانى ، والعقل بالملكة ، والعقل بالفعل ، و العقل المستفاد ، وقد تطلق هذه الأسامي على النفس في تلك المراتب ، وتفصيلها مذكور في محالّها ، ويرجع إلى ما ذكرنا أوّلاً فإنّ الظاهر أنّها قوّة واحدة تختلف أسماؤها بحسب متعلّقاتها وما تستعمل فيه .

الخامس : النفس الناطقة الإنسانيّة الّتي بها يتميّز عن سائر البهائم .

السادس : ما ذهب إليه الفلاسفة ، وأثبتوه بزعمهم : من جوهر مجرّد قديم لا تعلّق له بالمادّة ذاتاً ولا فعلاً ، والقول به كما ذكروه مستلزم لإنكار كثير من ضروريّات الدين من حدوث العالم وغيره ممّا لايسع المقام ذكره ، وبعض المنتحلين منهم للإسلام أثبتوا عقولاً حادثةً ، وهي أيضاً على ما أثبتوها مستلزمة لانكار كثير من الاُصول المقرّرة الإسلاميّة ، مع أنّه لا يظهر من الأخبار وجود مجرّد سوى الله تعالى .

وقال بعض محقّقيهم : إنّ نسبة العقل العاشر الّذي يسمّونه بالعقل الفعّال إلى النفس كنسبة النفس إلى البدن فكما أنّ النفس صورة للبدن ، والبدن مادّتها ، فكذلك العقل صورة للنفس ، والنفس مادّته ، وهو مشرق عليها ، وعلومها مقتبسة منه ، ويكمل هذا الارتباط إلى حدّ تطالع العلوم فيه ، وتتّصل به ، وليس لهم على هذه الاُمور دليل إلّا مموّهات شبهات ، أو خيالات غريبة زيّنوها بلطائف عبارات .

فإذا عرفت ما مهّدنا فاعلم أنّ الأخبار الواردة في هذه الأبواب أكثرها ظاهرة في المعنيين الأوّلين ، الّذين مآلهما إلى واحد ، وفي الثاني منهما أكثر وأظهر . وبعض الأخبار يحتمل بعض المعاني الاُخرى ، وفي بعض الأخبار يطلق العقل على نفس العلم النافع المورث للنجاة المستلزم لحصول السعادات .

فأمّا أخبار استنطاق العقل وإقباله وإدباره فيمكن حملها على أحد المعاني الأربعة المذكورة أوّلاً ، أو ما يشملها جميعاً ، وحينئذ يحتمل أن يكون الخلق بمعنى التقدير ، كما ورد في اللّغة ، أو يكون المراد بالخلق الخلق في النفس واتّصاف النفس بها ، و يكون سائر ما ذكر فيها من الاستنطاق والإقبال والإدبار وغيرها استعارةً تمثيليّةً ، لبيان

١٠١
 &

أنّ مدار التكاليف والكمالات والترقّيات على العقل ، ويحتمل أن يكون المراد بالاستنطاق جعله قابلاً لأن يدرك به العلوم ، ويكون الأمر بالإقبال والإدبار أمراً تكوينيّاً ، يجعله قابلاً لكونه وسيلةً لتحصيل الدنيا والآخرة ، والسعادة والشقاوة معاً وآلةً للاستعمال في تعرّف حقائق الاُمور ، والتفكّر في دقائق الحيل أيضاً .

وفي بعض الأخبار بك آمر ، وبك أنهى ، وبك اُعاقب ، وبك اثيب . وهو منطبق على هذا المعنى لأنّ أقلّ درجاته مناط صحّة أصل التكليف ، وكلّ درجة من درجاته مناط صحّة بعض التكاليف ، وفي بعض الأخبار « إيّاك » مكان بك في كلّ المواضع ، وفي بعضها في بعضها ، فالمراد المبالغة في اشتراط التكليف به فكأنّه هو المكلّف حقيقةً . وما في بعض الأخبار من أنّه أوّل خلق من الروحانيّين ، فيحتمل أن يكون المراد أوّل مقدّر من الصفات المتعلّقة بالروح ، أو أوّل غريزة يطبع عليها النفس وتودع فيها ، أو يكون أوّليّته باعتبار أوّليّة ما يتعلّق به من النفوس ، وأمّا إذا احتملت على المعنى الخامس فيحتمل أن يكون أيضاً على التمثيل كما مرّ . وكونها مخلوقةً ظاهرٌ ، وكونها أوّل مخلوق إمّا باعتبار أنّ النفوس خلقت قبل الأجساد كما ورد في الأخبار المستفيضة ، فيحتمل أن يكون خلق الأرواح مقدّماً على خلق جميع المخلوقات غيرها لكنّ « خبر أوّل ما خلق الله العقل » ما وجدته في الأخبار المعتبرة ، وإنّما هو مأخوذ من أخبار العامّة ، و ظاهر أكثر أخبارنا أنّ أوّل المخلوقات الماء أو الهواء كما سيأتي في كتاب السماء والعالم نعم ورد في أخبارنا : أنّ العقل أوّل خلق من الروحانيّين ، وهو لا ينافي تقدّم خلق بعض الأجسام على خلقه ، وحينئذ فالمراد بإقبالها بناءاً على ما ذهب إليه جماعة من تجرّد النفس إقبالها إلى عالم المجرّدات ، وبإدبارها تعلّقها بالبدن والمادّيّات ، أو المراد بإقبالها إقبالها إلى المقامات العالية ، والدرجات الرفيعة ، وبإدبارها هبوطها عن تلك المقامات ، وتوجّهها إلى تحصيل الاُمور الدنيّة الدنيويّة ، وتشبّهها بالبهائم والحيوانات ، فعلى ما ذكرنا من التمثيل يكون الغرض بيان أنّ لها هذه الاستعدادات المختلفة ، وهذه الشؤون المتباعدة وان لم نحمل على التمثيل يمكن أن يكون الاستنطاق حقيقيّاً ، وأن يكون كنايةً عن جعلها مدركةً للكلّيّات ، وكذا الأمر بالإقبال والإدبار

١٠٢
 &

يمكن أن يكون حقيقيّاً لظهور انقيادها لما يريده تعالى منها ، وأن يكون أمراً تكوينيّاً لتكون قابلةً للأمرين أي الصعود إلى الكمال والقرب والوصال ، والهبوط إلى النقص وما يوجب الوبال ، أو لتكون في درجة متوسّطة من التجرّد لتعلّقها بالمادّيّات ، لكن تجرّد النفس لم يثبت لنا من الأخبار ، بل الظاهر منها مادّيّتها كما سنبيّن فيما بعد إن شاء الله تعالى .

وأمّا المعنى السادس ، فلو قال أحد بجوهر مجرّد لا يقول بقدمه ولا يتوقّف تأثير الواجب في الممكنات عليه ، ولا بتأثيره في خلق الأشياء ، ويسمّيه العقل ويجعل بعض تلك الأخبار منطبقاً على ما سمّاه عقلاً ، فيمكنه أن يقول : إنّ إقباله عبارة عن توجّهه إلى المبدأ ، وإدباره عبارة عن توجّهه إلى النفوس لإشراقه عليها واستكمالها به .

فإذا عرفت ذلك فاستمع لما يتلى عليك من الحقّ الحقيق بالبيان ، وبأن لا يبالي بما يشمئزّ عنه من نواقص الأذهان .

فاعلم أنّ أكثر ما أثبتوه لهذه العقول قد ثبت لأرواح النبيّ والأئمّة عليهم‌السلام في أخبارنا المتواترة على وجه آخر فإنّهم أثبتوا القدم للعقل ، وقد ثبت التقدّم في الخلق لأرواحهم ، إمّا على جميع المخلوقات ، أو على سائر الروحانيّين في أخبار متواترة ، و أيضاً أثبتوا لها التوسّط في الإيجاد أو الاشتراط في التأثير ، وقد ثبت في الأخبار كونهم عليهم‌السلام علّةً غائيّةً لجميع المخلوقات ، وأنّه لولاهم لما خلق الله الأفلاك وغيرها ، وأثبتوا لها كونها وسائط في إفاضة العلوم والمعارف على النفوس والأرواح ، وقد ثبت في الأخبار أنّ جميع العلوم والحقائق والمعارف بتوسّطهم تفيض على سائر الخلق حتّى الملائكة والأنبياء .

والحاصل أنّه قد ثبت بالأخبار المستفيضة أنّهم عليهم‌السلام الوسائل بين الخلق وبين الحقّ في إفاضة جميع الرحمات والعلوم والكمالات على جميع الخلق ، فكلّما يكون التوسّل بهم والإذعان بفضلهم أكثر كان فيضان الكمالات من الله أكثر ، ولمّا سلكوا سبيل الرياضات والتفكّرات مستبدّين بآراءهم على غير قانون الشريعة المقدّسة ظهرت عليهم حقيقة هذا الأمر ملبّساً مشتبهاً ، فاخطأوا في ذلك ، وأثبتوا عقولاً وتكلّموا في

١٠٣
 &

ذلك فضولاً (١) ، فعلى قياس ما قالوا يمكن أن يكون المراد بالعقل نور النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الّذي انشعبت منه أنوار الأئمّة عليهم‌السلام واستنطاقه على الحقيقة أو بجعله محلّاً للمعارف الغير المتناهية ، والمراد بالأمر بالإقبال ترقّيه على مراتب الكمال ، وجذبه إلى أعلى مقام القرب والوصال ، وبإدباره إمّا إنزاله إلى البدن ، أو الأمر بتكميل الخلق بعد غاية الكمال فإنّه يلزمه التنزّل عن غاية مراتب القرب بسبب معاشرة الخلق ، ويؤمى إليه قوله تعالى قد أنزل الله إليكم ذكراً رسولاً (٢) وقد بسطنا الكلام في ذلك في الفوائد الطريفة . ويحتمل أن يكون المراد بالإقبال الإقبال إلى الخلق ، وبالإدبار الرجوع إلى عالم القدس بعد إتمام التبليغ ، ويؤيّده ما في بعض الأخبار من تقديم الإدبار على الإقبال . وعلى التقادير فالمراد بقوله تعالى : ولا اُكمّلك ، يمكن أن يكون المراد ولا اُكمّل محبّتك والارتباط بك ، وكونك واسطةً بينه وبيني إلّا فيمن اُحبّه ، أو يكون الخطاب مع روحهم و نورهم عليهم‌السلام والمراد بالإكمال إكماله في أبدانهم الشريفة أي هذا النور بعد تشعّبه بأيّ بدن تعلّق وكمل فيه يكون ذلك الشخص أحبّ الخلق إلى الله تعالى وقوله : إيّاك

________________________

(١) بل لانهم تحققوا أوّلا أن الظواهر الدينية تتوقف في حجيتها على البرهان الذي يقيمه العقل ، والعقل في ركونه واطمينانه إلى المقدمات البرهانية لا يفرق بين مقدمة ومقدمة ، فاذا قام برهان على شيء اضطر العقل إلى قبوله ، وثانيا أن الظواهر الدينية متوقفة على ظهور اللفظ ، و هو دليل ظنّيّ ، والظنّ لا يقاوم العلم الحاصل بالبرهان لو قام على شيء . وأمّا الاخذ بالبراهين في اصول الدين ثم عزل العقل في ما ورد فيه آحاد الاخبار من المعارف العقلية فليس الا من قبيل إبطال المقدمة بالنتيجة التي تستنتج منها ، وهو صريح التناقض ـ والله الهادي ـ فان هذه الظواهر الدينية لو أبطلت حكم العقل لابطلت أوّلا حكم نفسها المستند في حجيته الى حكم العقل .

وطريق الاحتياط الديني لمن لم يتثبت في الابحاث العميقة العقلية أن يتعلق بظاهر الكتاب و ظواهر الاخبار المستفيضة ويرجع علم حقائقها إلى الله عز اسمه ، ويجتنب الورود في الابحاث العميقة العقلية إثباتا ونفيا اما اثباتا فلكونه مظنة الضلال ، وفيه تعرض للهلاك الدائم ، وأما نفيا فلما فيه من وبال القول بغير علم والانتصار للدين بما لا يرضى به الله سبحانه ، والابتلاء بالمناقضة في النظر . واعتبر في ذلك بما ابتلى به المؤلف رحمه الله فانه لم يطعن في آراء اهل النظر في مباحث المبدأ والمعاد بشيء إلا ابتلى بالقول به بعينه أو بأشد منه كما سنشير إليه في موارده ، وأول ذلك ما في هذه المسألة فانه طعن فيها على الحكماء في قولهم بالمجردات ثم أثبت جميع خواص التجرد على أنوار النبي والائمة عليهم السلام ، ولم يتنبه أنه لو استحال وجود موجود مجرد غير الله سبحانه لم يتغير حكم استحالته بتغيير اسمه ، وتسمية ما يسمونه عقلا بالنور والطينة ونحوهما . ط

(٢) الطلاق : ١١ .

١٠٤
 &

آمر . التخصيص إمّا لكونهم صلوات الله عليهم مكلّفين بما لم يكلّف به غيرهم ، ويتأتّي منهم من حقّ عبادته تعالى ما لا يتأتيّ من غيرهم ، أو لاشتراط صحّة أعمال العباد بولايتهم والإقرار بفضلهم بنحو ما مرّ من التجوّز ، وبهذا التحقيق يمكن الجمع بين ما روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : أوّل ما خلق الله نوري ، وبين ما روى : أوّل ما خلق الله العقل ، وما روي : أوّل ما خلق الله النور ، إن صحّت أسانيدها . وتحقيق هذا الكلام على ما ينبغي يحتاج إلى نوع من البسط والإطناب ، ولو وفينا حقّه لكنّا أخلفنا ما وعدناه في صدر الكتاب .

وأمّا الخبر الأخير فهو من غوامض الأخبار ، والظاهر أنّ الكلام فيه مسوق على نحو الرموز والأسرار ، ويحتمل أن يكون كنايةً عن تعلّقه بكلّ مكلّف ، وأنّ لذلك التعلّق وقتاً خاصّاً ، وقبل ذلك الوقت موانع عن تعلّق العقل من الأغشية الظلمانيّة ، والكدورات الهيولانيّة ، كستر مسدول على وجه العقل ، ويمكن حمله على ظاهر حقيقته على بعض الاحتمالات السالفة . وقوله : خلقة ملك . لعلّه بالإضافة أي خلقته كخلقة الملائكة في لطافته وروحانيّته ، ويحتمل أن يكون « خلقه » مضافاً الى الضمير مبتداءاً و « ملك » خبره ، أي خلقته خلقة ملك أو هو ملك حقيقةً والله يعلم .

باب ٣

* ( احتجاج الله تعالى على الناس بالعقل وأنه يحاسبهم على قدر عقولهم ) *

١ ـ ج : في خبر ابن السكّيت (١) قال : فما الحجّة على الخلق اليوم ؟ فقال الرضا عليه‌السلام : العقل . تعرف به الصادق على الله فتصدّقه ، والكاذب على الله فتكذّبه ، فقال ابن السكّيت : هذا هو والله الجواب .

ع ، ن : ابن مسرور ، عن ابن عامر ، عن أبي عبد الله السيّاريّ ، عن أبي يعقوب البغداديّ (٢) عن ابن السكّيت ، مثله (٣) .

________________________

(١) هو الامامي الثقة الثبت المحدث ، إمام اللغة ، البارع في الادب ، قتله المتوكل العباسي لتشيعه .

(٢) هو يزيد بن حماد الانباري السلمي أبو يعقوب الكاتب ، اورده الشيخ في باب اصحاب الرضا عليه السلام من رجاله ، ووثقة واباه حماد ، وعنونه العلامة في القسم الاول من الخلاصة ووثقة وكذا كل من تأخر عنهما .

(٣) رواه في الكافي في كتاب العقل والجهل مع زيادة ، وسيأتي منا كلام حول الحديث .

١٠٥
 &

٢ ـ مع : أبي ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن يزيد الرزّاز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : يا بنيَّ اعرف منازل الشيعة على قدر روايتهم ومعرفتهم ، فإنّ المعرفة هي الدراية للرواية ، وبالدرايات للروايات يعلو المؤمن إلى أقصى درجات الإيمان ، إنّي نظرت في كتاب لعليّ عليه‌السلام فوجدت في الكتاب أنّ قيمة كلّ امرىء وقدره معرفته ، إنّ الله تبارك وتعالى يحاسب الناس على قدر ما آتاهم من العقول في دار الدنيا .

٣ ـ سن : الحسن بن عليّ بن يقطين ، عن محمّد بن سنان ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إنّما يداقّ الله العباد في الحساب يوم القيامة على قدر ما آتاهم من العقول في الدنيا .

٤ ـ سن : محمّد البرقيّ ، عن سليمان بن جعفر الجعفريّ ، رفعه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّا معاشر الأنبياء نكلّم الناس على قدر عقولهم .

٥ ـ سن : النوفليّ وجهم بن حكيم المدائنيّ ، عن السكونيّ ، عن أبي عبد الله ، عن آباءه ، عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا بلغكم عن رجل حسن حاله (١) فانظروا في حسن عقله ، فإنّما يجازى بعقله .

باب ٤

* ( علامات العقل وجنوده ) *

١ ـ ل : أبي ، عن سعد ، عن البرقيّ ، عن أبيه رفعه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قسّم العقل على ثلاثة أجزاء فمن كانت فيه كمل عقله ، ومن لم تكن فيه فلا عقل له : حسن المعرفة بالله عزّ وجل ، وحسن الطاعة له ، وحسن الصبر على أمره .

بيان : لعلَّ عدُّ هذه الأشياء الّتي هي من آثار العقل من أجزاءه على المبالغة ،

________________________

(١) من فعل الصلاة والصيام والحج وإيتاء الزكاة والصدقات وغيرها من المثوبات والقربات وقوله : فانظروا في حسن عقله . أي ان رأيتم عقله كاملا استدلّوا به على حسن افعاله وصحة اعماله . وانه حقيق الركون اليه والاعتماد عليه ، وان رأيتموه ناقصا فلا تغتروا باعماله ولا تركنوا اليه و استدلوا بقلة عقله على نقصان ثوابه ، فانه يجازى ويثاب على قدر عقله من الكمال والنقصان .

١٠٦
 &

والتوسُّع والتجوُّز ، لعلاقة عدم انفكاكها عنه ودلالتها عليه .

٢ ـ ل : ماجيلويه ، عن محمّد العطّار ، عن محمّد بن أحمد ، عن سهل ، عن جعفر بن محمّد بن بشّار ، عن الدهقان ، عن درست (١) عن عبد الأعلى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : يعتر عقل الرجل في ثلاث : في طول لحيته ، وفي نقش خاتمه ، وفي كنيته .

٣ ـ ع ، ل : أحمد بن محمّد بن عبد الرحمن المروزيّ ، عن محمّد بن جعفر المقريّ الجرجانيّ ، عن محمّد بن الحسن الموصليّ ، عن محمّد بن عاصم الطريفيّ ، عن عيّاش بن يزيد بن الحسن بن عليّ الكحّال مولى زيد بن عليّ ، عن أبيه ، عن موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمّد ، عن أبيه محمّد بن عليّ ، عن أبيه عليّ بن الحسين ، عن أبيه الحسين ابن عليّ ، عن أبيه أمير المؤمنين عليّ بن أبيطالب عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله خلق العقل من نور مخزون مكنون في سابق علمه الّذي لم يطّلع عليه نبيّ مرسل ولا ملك مقرّب ، فجعل العلم نفسه ، والفهم روحه ، والزهد رأسه ، والحياء عينيه ، و الحكمة لسانه ، والرأفة همّه ، والرحمة قلبه ، ثمّ حشاه وقوّاه بعشرة أشياء : باليقين ، والإيمان ، والصدق ، والسكينة ، والإخلاص ، والرفق ، والعطيّة ، والقنوع ، والتسليم ، والشكر ، ثمّ قال عزّ وجلّ : أدبر فأدبر ؛ ثمّ قال له : أقبل فأقبل . ثم قال له : تكلّم فقال : الحمد لله الّذي ليس له ضدّ ولا ندّ ، ولا شبيه ولا كفو ، ولا عديل ولا مثل ، الّذي كلّ شيء لعظمته خاضع ذليل . فقال الربّ تبارك وتعالى : وعزّتي وجلالي ما خلقت خلقاً أحسن منك ، ولا أطوع لي منك ، ولا أرفع منك ، ولا أشرف منك ، ولا أعزّ منك بك اُوحَّد وبك اُعبد ، وبك اُدعى ، وبك اُرتجى ، وبك اُبتغى ، وبك اُخاف ، وبك اُحذر ، وبك الثواب ، وبك العقاب . فخرّ العقل عند ذلك ساجداً فكان في سجوده ألف عام ، فقال الربّ تبارك وتعالى : ارفع رأسك وسل تعط ، واشفع تشفّع ، فرفع العقل رأسه فقال : إلهي اسألك أن تشفعني فيمن خلقتني فيه ، فقال الله جلّ جلاله لملائكته : اُشهدكم أنّي قد شفّعته فيمن خلقته فيه .

بيان : قد مرّ ما يمكن أن يستعمل في فهم هذا الخبر . والنور ما يصير سبباً لظهور

________________________

(١) بضم الدال والراء وسكون السين ، ترجمه النجاشي في كتابه ص ١١٧

١٠٧
 &

شيء ، والعقل من أنواره تعالى الّتي خلقها وقدّرها لكشف المعارف على الخلق أي خلقه من جنس نور ومن سنخه ، ومادّته كانت شيئاً نورانيّاً مخزوناً في خزائن العرش ويحتمل التجوّز كما مرّ . والعلم لشدّة ارتباطه به وكونه فائدته الفضليّ ومكمّله الى الدرجة العليا فكأنّه نفسه وعينه ، وهو بدون الفهم كجسد بلا روح . والزهد رأسه أي أفضل فضائله وأرفعها ، كما أنّ الرأس أشرف أجزاء البدن ، أو ينتفي بانتفاء الزهد كما أنّ الشخص يموت بمفارقة الرأس . والحياء معين على انكشاف الاُمور الحقّة عليه أو على من اتّصف به كالعينين . والحكمة معبّرة للعقل كاللّسان للشخص . والرحمة سبب لإفاضة الحقائق عليه من الله وطريق لها كالقلب . وسجوده إمّا : كناية عن استسلامه وانقياد المتّصف به للحقّ تعالى ، أو : المراد سجود أحد المتّصفين به ، ولا يخفى إنطباق أكثر أجزاء هذا الخبر على المعنى الأخير ، أي أنوار الأئمّة عليهم‌السلام والتجوّز والتمثيل والتشبيه لعلّه أظهر ويقال : شفّعته في كذا أي قبلت شفاعته فيه . وسيأتي تفسير بعض الأجزاء في الخبر الآتي .

٤ ـ ل : أبي ، عن سعد ، عن أحمد بن هلال ، عن اُميّة بن عليّ ، عن ابن المغيرة ، عن ابن خالد ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يعبد الله عزّ وجلّ بشيء أفضل من العقل ، ولا يكون المؤمن عاقلاً حتّى تجتمع فيه عشر خصال : الخير منه مأمول ، والشرّ منه مأمون ، يستكثر قليل الخير من غيره ، ويستقلّ كثير الخير من نفسه ، ولا يسأم (١) من طلب العلم طول عمره ، ولا يتبرّم (٢) بطلاب الحوائج قبله ، الذلّ أحبّ إليه من العزّ ، والفقر أحبّ إليه من الغنى . نصيبه من الدنيا القوت ، والعاشرة لا يرى أحداً إلّا قال : هو خير منيّ وأتقى . إنّما الناس رجلان : فرجل هو خير منه وأتقى ، وآخر هو شرّ منه وأدنى ، فإذا رأى من هو خير منه وأتقى تواضع له ليلحق به ، وإذا لقى الّذي هو شرّ منه وأدنى قال : عسى خير هذا باطن ، وشرّه ظاهر ، وعسى أن يختم له بخير ، فإذا فعل ذلك فقد علا مجده وساد أهل زمانه .

________________________

(١) أي لا يمل ولا يضجر .

(٢) أي لا يتضجر .

١٠٨
 &

٥ ـ ما : المفيد ، عن محمّد بن عمر الجعابيّ ، عن أحمد بن محمّد بن سعيد ، عن الحسن بن جعفر ، عن طاهر بن مدرار ، عن زرّ بن أنس ، قال : سمعت جعفر بن محمّد عليهما‌السلام يقول : لا يكون المؤمن مؤمناً حتّى يكون كامل العقل ، ولا يكون كامل العقل حتّى يكون فيه عشر خصال ، وساق الحديث نحو ما مرّ .

٦ ـ ع : ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن أبي إسحاق إبراهيم بن الهيثم الخفّاف ، عن رجل من أصحابنا ، عن عبد الملك بن هشام ، عن عليّ الأشعريّ رفعه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما عبد الله بمثل العقل ، وما تمّ عقل امرىء حتّى يكون فيه عشر خصال . وذكر مثله .

بيان : في ما وع بعد قوله والعاشرة : وما العاشرة ؟ . وقوله عليه‌السلام لم يعبد الله بشيء أي لا يصير شيء سبباً للعبادة وآلةً لها ومكمّلاً لها كالعقل ، ويحتمل أن يكون المراد بالعقل تعقّل الاُمور الدينيّة ، والمعارف اليقينيّة والتفكّر فيها ، وتحصيل العلم ، وهو من أفضل العبادات كما سيأتي ، فيكون ما ذكر بعده من صفات العلماء . والمجد : نيل الشرف والكرم . وساد أهل زمانه أي صار سيّدهم وعظيمهم وأشرفهم .

٧ ـ ل : أبي ، عن سعد والحميريّ معاً ، عن البرقيّ عن عليّ بن حديد ، عن سماعة قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام وعنده جماعة من مواليه فجرى ذكر العقل والجهل ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : اعرفوا العقل وجنده ، والجهل وجنده تهتدوا ، قال سماعة : فقلت جعلت فداك لا نعرف إلّا ما عرّفتنا ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : إنّ الله جلّ ثناؤه خلق العقل وهو أوّل خلق خلقه من الروحانييّن (١) عن يمين العرش من نوره (٢) فقال له أقبل فأقبل ، ثمّ قال له أدبر فأدبر ، فقال الله تبارك وتعالى : خلقتك خلقاً عظيماً ، وكرّمتك على جميع خلقي . قال : ثمّ خلق الجهل من البحر الاُجاج ظلمانيّاً ، فقال

________________________

(١) يطلق الروح ـ بضم الراء ـ في القرآن والحديث على معان : منها جبرئيل وروح القدس وسائر الملائكة ، ومنها ما تقوّم به الجسد : وتكون به الحياة ، ومنها القوّة الناطقة الانسانية ، و يطلق على العقل ايضا وتقول في نسبة الواحد : الروحاني . وفي نسبة الجمع : الروحانيون ، والالف والنون من زيادات النسب . ويقال لعالم المجردات وعالم الملكوت وعالم الامر الروحانيون .

(٢) لعله اشارة الى عدم تركّب العقل من المادة الظلمانية . والاضافة اليه تعالى تشريفية .

١٠٩
 &

له أدبر فأدبر ، ثمّ قال له أقبل فلم يقبل ، فقال له : استكبرت ؟ فلعنه ، ثمّ جعل للعقل خمسة وسبعين جنداً ، فلمّا رأى الجهل ما اكرم به العقل وماأعطاه ، أضمر له العداوة ، فقال الجهل (١) يا ربّ هذا خلق مثلي خلقته وكرّمته وقوّيته ، وأنا ضدّه ولا قوّة لي به ، فأعطني من الجند مثل ما أعطيته ، فقال نعم ، فإن عصيت (٢) بعد ذلك أخرجتك وجندك من رحمتي قال : قد رضيت ، فأعطاه خمسة وسبعين جنداً . فكان ممّا أعطى العقل من الخمسة والسبعين الجند : الخير وهو وزير العقل ، وجعل ضدّه الشرّ وهو وزير الجهل ، والإيمان وضدّه الكفر ، والتصديق وضدّه الجحود ، والرجاء (٣) وضدّه القنوط ، و العدل وضدّه الجور ، والرضاء وضدّه السخط ، والشكر وضدّه الكفران ، والطمع و ضدّه اليأس ، والتوكّل وضدّه الحرص ، والرأفة وضدّها الغرّة ، والرحمة وضدّها الغضب ، والعلم وضدّه الجهل ، والفهم وضدّه الحمق ، والعفّة وضدّها التهتّك ، والزهد وضدّه الرغبة ، والرفق وضدّه الخرق ، والرهبة وضدّها الجرأة ، والتواضع وضدّه التكبّر والتؤدة وضدّها التسرّع ، والحلم وضدّه السفه ، والصمت وضدّه الهذر ، والاستسلام وضدّه الاستكبار ، والتسليم وضدّه التجبّر ، والعفو وضدّه الحقد ، والرقّة و ضدّها القسوة ، واليقين وضدّه الشكّ ، والصبر وضدّه الجزع ، والصفح وضدّه الانتقام ، والغنى وضدّه الفقر ، والتفكّر (٤) وضدّه السهو ، والحفظ وضدّه النسيان ، والتعطّف وضدّه القطيعة ، والقنوع وضدّه الحرص ، والمواساة وضدّها المنع ، والمودّة وضدّها العداوة ، والوفاء وضدّه الغدر ، والطاعة وضدّها المعصية ، والخضوع و ضدّه التطاول ، والسلامة وضدّها البلاء . والحبّ وضدّه البغض ، والصدق وضدّه الكذب ، والحقّ وضدّه الباطل ، والأمانة وضدّها الخيانة ، والإخلاص وضدّه

________________________

(١) لعل المراد بالجهل هو النفس الامارة بالسوء والشهوات التي تكون مبدءاً لكل خطيئة لا الجهل المقابل للعلم فانه يكون من جنودها كما ياتي في الحديث ويأتي اطلاق الجهل على النفس في حديث ١١

(٢) فان عصيتنى « ع »

(٣) رجاء رحمة الله وعدم الياس عن غفرانه فيما فرّط في جنبه تعالى ، ومقابله الياس عن رحمته وغفرانه وهو اعظم عن ذنبه وخطيئته .

(٤) التذكر « ع »

١١٠
 &

الشوب (١) والشهامة وضدّها البلادة (٢) ، والفهم وضدّه الغباوة (٣) ، والمعرفة وضدّها الإنكار ، والمداراة وضدّها المكاشفة ، وسلامة الغيب وضدّها المماكرة ، والكتمان وضدّه الإفشاء والصلاة وضدّها الإضاعة ، والصوم وضدّه الإفطار ، والجهاد وضدّه النكول ، والحجّ وضدّه نبذ الميثاق ، وصون الحديث وضدّه النميمة ، وبرّ الوالدين و ضدّه العقوق ، والحقيقة وضدّها الرياء ، والمعروف وضدّه المنكر ، والستر وضدّه التبرّج ، والتقيّة وضدّها الإذاعة ، والإنصاف وضدّه الحميّة ، والمهنة وضدّها البغى والنظافة (٤) وضدّها القذر ، والحياء وضدّه الخلع ، والقصد وضدّه العدوان ، والراحة وضدّها التعب ، والسهولة وضدّها الصعوبة ، والبركة وضدّها المحق ، والعافية وضدّها البلاء ، والقوام وضدّه المكاثرة ، والحكمة وضدّها الهوى ، والوقار وضدّه الخفّة ، والسعادة وضدّها الشقاء (٥) ، والتوبة وضدّها الإصرار ، والاستغفار وضدّه الاغترار ، والمحافظة وضدّها التهاون ، والدعاء وضدّه الاستنكاف ، والنشاط (٦) وضدّه الكسل ، والفرح وضدّه الحزن ، والاُلفة وضدّها الفرقة ، والسخاء وضدّه البخل .

فلا تجتمع هذه الخصال كلّها من أجناد العقل إلّا في نبيّ أو وصيّ نبيّ أو مؤمن قد امتحن الله قلبه للإيمان ، وأمّا سائر ذلك من موالينا فإنّ أحدهم لا يخلو من أن يكون فيه بعض هذه الجنود حتّى يستكمل ويتّقي من جنود الجهل فعند ذلك يكون في الدرجة العليا مع الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام ، وإنّما يدرك الفوز بمعرفة العقل و جنوده ومجانبة الجهل وجنوده . وفّقنا الله وإيّاكم لطاعته ومرضاته .

ع : ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن البرقيّ ، عن عليّ بن حديد ، عن سماعة ، مثله .

سن : عن عليّ بن حديد مثله .

________________________

(١) الشرك « ع »

(٢) بفتح الباء : عدم الذكاء والفطنة .

(٣) يفتح الغين المعجمة : الجهل وقلة الفطنة .

(٤) لان مراعاتها يورث الصحة في النفس ويستجلب الناس اليه ، والقذر يورث السقم والمرض وتنفر الناس عنه .

(٥) الشقاوة « ع »

(٦) في طاعة الله وعبادته أو في أعم منها ومن تحصيل المال الحلال .

١١١
 &

بيان : ما ذكر من الجنود هنا إحدى وثمانون خصلة ، وفي الكافي ثمانية وسبعون ، وكأنّه لتكرار بعض الفقرات إمّا منه عليه‌السلام أو من النسّاخ بأن يكونوا أضافوا بعض النسخ إلى الأصل . والعقل هنا يحتمل المعاني السابقة . والجهل إمّا القوّة الداعية إلى الشرّ أو البدن إن كان المراد بالعقل النفس ، ويحتمل إبليس أيضاً لأنّه المعارض لأرباب العقول الكاملة من الأنبياء والأئمّة في هداية الخلق ، ويؤيّده أنّه قد ورد مثل هذا في معارضة آدم وإبليس بعد تمرّده وأنّه أعطاهما مثل تلك الجنود . والحاصل أنّ هذه جنود للعقل وأصحابه ، وتلك عساكر للجهل وأربابه . الخير هو كونه مقتضياً للخيرات أو لإيصال الخير إمّا إلى نفسه أو إلى غيره . والشرّ يقابله بالمعنيين ، وسمّاهما وزيرين ، لكونهما منشأين لكلّ ما يذكر بعدهما من الجنود . فهما أميران عليها مقوّيان لها وتصدر جميعها عن رأيهما . والتصديق والجحود لعلّهما من الفقرات المكرّرة ، و يمكن تخصيص الإيمان بمايتعلّق بالاُصول ، والتصديق بما يتعلّق بالفروع ؛ ويحتمل أن يكون الفرق بالإجمال والتفصيل بأن يكون الإيمان التصديق الإجماليّ بما جاء به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والتصديق الإذعان بتفاصيله .

والعدل : التوسّط في جميع الاُمور بين الإفراط والتفريط أو المعنى المعروف ، وهو داخل في الأوّل . والرضاء أي بقضاء الله والطمع لعلّه تكرار للرجاء ، ويمكن أن يخصّ الرجاء بالاُمور الاُخرويّة ، والطمع بالفوائد الدنيويّة ، أو الرجاء بما يكون باستحقاق ، والطمع بغيره ، أو يكون المراد بالطمع طمع ما في أيدي الناس بأن يكون من جنود الجهل اُورد على خلاف الترتيب ولايخفى بعده .

والرأفة والرحمة إحداهما من المكرّرات ، ويمكن أن يكون المراد بالرأفة الحالة وبالرحمة ثمرتها ، وفي الكافي والمحاسن : ضدّ الرأفة القسوة ، وفي أكثر نسخ الخصال : العزّة . أي طلب الغلبة والاستيلاء . والفهم : إمّا المراد به حالة للنفس تقتضي سرعة إدراك الاُمور والعلم بدقائق المسائل أو أصل الإدراك ، فعلى الثاني يخصّ بالحكمة العمليّة ليغاير العلم . والعفّة : منع البطن والفرج عن المحرّمات والشبهات ، ومقابلها التهتّك وعدم المبالاة بهتك ستره في ارتكاب المحرّمات . وقال في القاموس : الخرق بالضمّ وبالتحريك

١١٢
 &

ضدّ الرفق ، وأن لا يحسن العمل والتصرّف في الاُمور . والرهبة : الخوف من الله ومن عقابه ، أو من الخلق ، أو من النفس والشيطان ، والأولى التعميم ليشمل الخوف عن كلّ ما يضرّ بالدين أو الدنيا ، والتوءدة بضم التاء وفتح الهمزة وسكونها : الرزانة و التأنّي أي عدم المبادرة إلى الاُمور بلا تفكّر فإنّها توجب الوقوع في المهالك . وفي القاموس : هذر كلامه كفرح : كثر في الخطاء والباطل . والهَذَر محرّكةً : الكثير الردى أو سقط الكلام .

والاستسلام : الانقياد لله تعالى فيما يأمر وينهى . والتسليم : انقياد أئمّة الحقّ . وفي الكافي في مقابل التسليم : الشكّ فالمراد بالتسليم الإذعان بما يصدر عن الأنبياء والأئمّة عليهم‌السلام ويصعب على الأذهان قبوله كما سيأتي في أبواب العلم . والمراد بالغنى غنى النفس والاستغناء عن الخلق لا الغنى بالمال فإنّه غالباً مع أهل الجهل ، وضدّه الفقر إلى الناس والتوسّل بهم في الاُمور . ولمّا كان السهو عبارةً عن زوال الصورة عن المدركة لا الحافظة اُطلق في مقابله التذكّر الّذي هو الاسترجاع عن الحافظة ، ولمّا كان النسيان عبارةً عن زوالها عن الحافظة أيضاً اُطلق في مقابله الحفظ . والمواسات جعل الإخوان مساهمين ومشاركين في المال . والسلامة : هي البرائة من البلايا وهي العيوب والآفات ، والعاقل يتخلّص منها حيث يعرفها ويعرف طريق التخلّص منها ، والجاهل يختارها ويقع فيها من حيث لا يعلم ، وقال الشيخ البهائيّ رحمه الله : لعلّ المراد سلامة الناس منه ، كما ورد في الحديث : المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه . ويراد بالبلاء ابتلاء الناس به . والشهامة : ذكاء الفؤاد وتوقّده .

قوله عليه‌السلام : والفهم وضدّه الغباوة ، في ع : الفطنة وضدّها الغباوة ، ولعلّه أولى لعدم التكرار ، وعلى ما في ل لعلّها من المكرّرات ، ويمكن تخصيص أحدهما بفهم مصالح النشأة الاُولى ، والآخر بالاُخرى ، أو أحدهما بمرتبة من الفهم والذكاء ، و الآخر بمرتبة فوقها ، والفرق بينه وبين الشهامة أيضاً يحتاج إلى تكلّف . والمعرفة على ما قيل : هي إدراك الشيء بصفاته وآثاره ، بحيث لو وصل إليه عرف أنّه هو ، ومقابله الإنكار يعني عدم حصول ذلك الإدراك فإنّ الإنكار يطلق عليه أيضاً كما يطلق على

١١٣
 &

الجحود . والمكاشفة : المنازعة والمجادلة ، وفي سن : المداراة وضدّها المخاشنة . وسلامة الغيب أي يكون في غيبته غيره سالماً عن ضرره ، وضدّها المماكرة ، وهو أن يتملّق ظاهراً للخديعة والمكر ، وفي الغيبة يكون في مقام الضرر ، وفي سن : سلامة القلب ، وضدّها المماكرة ، ولعلّه أنسب .

والكتمان أي كتمان عيوب المؤمنين وأسرارهم ، أو كلّما يجب أو ينبغي كتمانه ككتمان الحقّ في مقام التقيّة ، وكتمان العلم عن غير أهله . والصلاة أي المحافظة عليها وعلى آدابها وأوقاتها ، وضدّها الإخلال بشرائطها أو آدابها أو أوقات فضلها . وإنّما جعل نبذ الميثاق أي طرحه ضدّ الحجّ لما سيأتي في أخبار كثيرة أنّ الله تعالى أودع الحجر مواثيق العباد ، وعلّة الحجّ تجديد الميثاق عند الحجر فيشهد يوم القيامة لكلّ من وافاه ولعلّ المراد بالحقيقة الإخلاص في العبادة ، إذ بتركه ينتفي حقيقة العبادة ، وهذه الفقرة أيضاً قريبة من فقرة الإخلاص والشوب ، فإمّا أن يحمل على التكرار أو يحمل الإخلاص على كماله بأن لايشوب معه طمع جنّة ولا خوف نار ، ولا جلب نفع ، ولا دفع ضرر ، والحقيقة على عدم مراءاة المخلوقين . والمعروف أي اختياره والاتيان به والأمر به وكذا المنكر . والتبرّج إظهار الزينة ؛ ولعلّ هذه الفقرة مخصوصة بالنساء ، ويمكن تعميمها بحيث تشمل ستر الرجال عوراتهم وعيوبهم . والإذاعة : الإفشاء . والإنصاف : التسوية والعدل بين نفسه وغيره وبين الأقارب والأباعد ، والحميّة توجب تقديم نفسه على غيره ، وإن كان الغير أحقّ وتقديم عشيرته وأقاربه على الأباعد ، وإن كان الحقّ مع الأباعد . والمهنة بالكسر و الفتح والتحريك ككلمة : الحذق بالخدمة والعمل ، مهنه كمنعه ونصره مهناً ومهنةً ويكسر : خدمه وضربه وجهده ، كذا في القاموس . والمراد خدمة أئمّة الحقّ وإطاعتهم ، والبغي : الخروج عليهم وعدم الانقياد لهم . وفي الكافي وسن : التهيئة ، وهي جاءت بمعنى التوافق والإصلاح ، ويرجع إلى ما ذكرنا . والجلع في بعض النسخ بالجيم وهو قلّة الحياء ، وفي بعضها بالخاء المعجمة أي خلع لباس الحياء ، وهو مجاز شائع . والقصد : اختيار الوسط في الاُمور ، وملازمة الطريق الوسط الموصل إلى النجاة . والراحة أي اختيار ما يوجبها بحسب النشأتين ، لا راحة الدنيا فقط . والسهولة : الانقياد بسهولة ولين

١١٤
 &

الجانب ، والبركة تكون بمعنى الثبات والزيادة ، والنموّ أي الثبات على الحقّ ، والسعي في زيادة أعمال الخير ، وتنمية الإيمان واليقين ، وترك ما يوجب محق هذه الاُمور أي بطلانها ونقصها وفسادها ، ويحتمل أن يكون المراد البركة في المال وغيره من الاُمور الدنيويّة ، فإنّ العاقل يحصّل من الوجه الّذي يصلح له ، ويصرف فيما ينبغي الصرف فيه فينمو ويزيد ويبقى ويدوم له ، بخلاف الجاهل . والعافية من الذنوب والعيوب أو من المكاره فإنّ العاقل بالشكر والعفو يعقل النعمة عن النفار ، ويستجلب زيادة النعمة و بقائها مدى الأعصار ، والجاهل بالكفران وما يورث زوال الإحسان وارتكاب ما يوجب الابتلاء بالغموم والأحزان على خلاف ذلك ، ويمكن أن تكون هذه أيضاً من المكرّرات ويظهر ممّا ذكرنا الفرق على بعض الوجوه . والقوام كسحاب : العدل وما يعاش به أي اختيار الوسط في تحصيل ما يحتاج إليه ، والاكتفاء بقدر الكفاف . والمكاثرة : المغالبة في الكثرة أي تحصيل متاع الدنيا زائداً على قدر الحاجة للمباهاة والمغالبة ، ويحتمل أن يكون المراد التوسّط في الإنفاق ؛ وترك البخل والتبذير ، كما قال تعالى : وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا (١) . فالمراد بالمكاثرة المغالبة في كثرة الإنفاق . والحكمة : العمل بالعلم ، واختيار النافع الأصلح ، وضدّها اتّباع هوى النفس . والوقار : هو الثقل والرزانة والثبات ، وعدم الانزعاج بالفتن وترك الطيش والمبادرة إلى ما لايحمد ، والحاصل أنّ العاقل لا يزول عمّا هو عليه بكلّ ما يرد عليه ولا يحرّكه إلّا ما يحكم العقل بالحركة له أو إليه ، لرعاية خير وصلاح ، والجاهل يتحرّك بالتوهّمات والتخيّلات واتّباع القوى الشهوانيّة والغضبيّة ، فمحرّك العاقل عزيز الوجود ، ومحرّك الجاهل كثير التحقّق . والسعادة : اختيار ما يوجب حسن العاقبة . والاستغفار أعمّ من التوبة إذ يشترط في التوبة العزم على الترك في المستقبل ، ولا يشترط ذلك في الاستغفار ، ويحتمل أن تكون مؤكّدةً للفقرة السابقة . والاغترار : الانخداع عن النفس والشيطان بتسويف التوبة والغفلة عن الذنوب ومضارّها وعقوباتها . والمحافظة أي على أوقات الصلوات . والتهاون : التأخير عن أوقات الفضيلة ، أو المراد المحافظة على

________________________

(١) الفرقان : ٦٧

١١٥
 &

جميع التكاليف . والاستنكاف الاستكبار ، وقد سمّى الله تعالى ترك الدعاء استكباراً ، فقال : إنّ الّذين يستكبرون عن عبادتي (١) . والفرح : ترك الحزن ممّا فات عنه من الدنيا أو البشاشة من الإخوان . قوله : الاُلفة وضدّها الفرقة ، في بعض النسخ العصبيّة ، و كونها ضدّ الاُلفة لأنّها توجب المنازعة واللّجاج والعناد الموجبة لرفع الاُلفة . وتفصيل هذه الخصال وتحقيقها سيأتي إن شاء الله تعالى في أبواب المكارم .

٨ ـ مع : أبي ، عن محمّد العطّار ، عن الأشعريّ ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له : ما العقل ؟ قال : ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان (٢) قال قلت : فالّذي كان في معاوية ؟ قال : تلك النكراء وتلك الشيطنة ، وهي شبيهة بالعقل ، وليست بعقل .

سن : الأشعريّ مثله .

بيان : النكراء : الدهاء والفطنة وجودة الرأي ، وإذا استعمل في مشتهيات جنود الجهل يقال له الشيطنة ، ولذا فسّره عليه‌السلام بها ، وهذه إمّا قوّة اُخرى غير العقل أو القوّة العقليّة وإذا استعملت في هذه الاُمور الباطلة وكملت في ذلك تسمّى بالشيطنة ولا تسمّى بالعقل في عرف الشرع ؛ وقد مرّ بيانه .

٩ ـ مع : سئل الحسن بن عليّ عليه‌السلام فقيل له : ما العقل ؟ قال : التجرّع للغصّة حتّى تنال الفرصة .

بيان : الغصّة بالضمّ : ما يعترض في الحلق وتعسر إساغته (٣) ، ويطلق مجازاً على الشدائد الّتي يشقّ على الإنسان تحمّلها وهو المراد هنا . وتجرّعه كناية عن تحمّله وعدم القيام بالانتقام به وتداركه حتّى تنال الفرصة فإنّ التدارك قبل ذلك لا ينفع سوى الفضيحة وشدّة البلاء وكثرة الهمّ .

١٠ ـ مع : في أسؤلة أمير المؤمنين عن الحسن عليهما‌السلام يا بنيّ ما العقل ؟ قال : حفظ قلبك ما استودعه ، قال فما الجهل ؟ قال : سرعة الوثوب على الفرصة قبل الاستمكان منها

________________________

(١) المؤمن : ٦٠

(٢) لعل تعريفه عليه السلام العقل بخواصه ولوازمه دون بيان حقيقته وماهيته اشارة الى ان العلم والعرفان بحقيقته وكنهه غير ممكن . والعقل هنا يشمل النظري والعملي لان عبادة الرحمن و اكتساب الجنان يحتاج اليهما معاً .       (٣) وفي نسخة : وتعذر اساغته .

١١٦
 &

والامتناع عن الجواب ، ونعم العون الصمت في مواطن كثيرة وإن كنت فصيحاً .

بيان : ما استودعه على البناء للمجهول أي ما جعلت عنده وديعةً وطلبت منه حفظه . قوله عليه‌السلام والامتناع عن الجواب ، أي عند عدم مظنّة ضرر في الجواب فإنّ الامتناع حينئذ إمّا للجهل به أو للجهل بمصلحة الوقت فإنّ الصلاح حينئذ في الجواب فقوله عليه‌السلام : ونعم العون كالاستثناء ممّا تقدّم ، وسيجييء أخبار تناسب هذا الباب في باب تركيب الإنسان وأجزاءه .

١١ ـ ف : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في جواب شمعون بن لاوي بن يهودا من حوارييّ عيسى حيث قال : أخبرني عن العقل ما هو وكيف هو ؟ وما يتشعّب منه وما لا يتشعّب ؟ وصف لي طوائفه كلّها . فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ العقل عقال (١) من الجهل ، والنفس مثل أخبث الدوابّ فإن لم تعقل حارت (٢) فالعقل عقال من الجهل ، وإنّ الله خلق العقل ، فقال له أقبل فأقبل ؛ وقال له أدبر فأدبر ؛ فقال الله تبارك وتعالى : وعزّتي وجلالي ما خلقت خلقاً أعظم منك ، ولا أطوع منك ، بك أبداُ وبك اُعيد ، لك الثواب وعليك العقاب ، فتشعّب من العقل الحلم ، ومن الحلم العلم ، ومن العلم الرشد ، و من الرشد العفاف (٣) ومن العفاف الصيانة ، ومن الصيانة الحياء ، ومن الحياء الرزانة ، ومن الرزانة المداومة على الخير ، ومن المداومة على الخير كراهية الشرّ ، ومن كراهية الشرّ طاعة الناصح .

فهذه عشرة أصناف من أنواع الخير ، ولكلّ واحد من هذه العشرة الأصناف عشرة أنواع : فأمّا الحلم فمنه : ركوب الجهل ، وصحبة الأبرار ، ورفع من الضعة (٤) ورفع من الخساسة ، وتشهّي الخير ، ويقرّب صاحبه من معالي الدرجات ، والعفو ، والمهل (٥)

________________________

(١) بكسر العين : حبل يشد به البعير في وسط ذراعه

(٢) أي هلكت .

(٣) بفتح العين : الكف عما لا يحل أو لا يجمل .

(٤) بكسر الضاد وفتحها : حط النفس .

(٥) بفتح الميم وسكون الهاء وفتحها : الرفق والتؤدة في العمل ، والتقدم في الخير ، والمعنى الاول هو المراد هنا .

١١٧
 &

والمعروف ، والصمت (١) فهذا ما يتشعّب للعاقل بحلمه .

وأمّا العلم فيتشعّب منه : الغنى وإن كان فقيراً ، والجود وإن كان بخيلاً ، والمهابة وإن كان هيّناً ، والسلامة وإن كان سقيماً ، والقرب وإن كان قصيّاً ، والحياء وإن كان صَلَفاً ، والرفعة وإن كان وضيعاً ، والشرف وإن كان رذلاً ، والحكمة ، والحظوة ، فهذا ما يتشعّب للعاقل بعلمه ، فطوبى لمن عقل وعلم . وأمّا الرشد فيتشعّب منه السداد ، والهدى ، والبرّ ، والتقوى ، والمنالة ، والقصد ، والاقتصاد ، والثواب ، والكرم ، والمعرفة بدين الله . فهذا ما أصاب العاقل بالرشد ، فطوبى لمن أقام به على منهاج الطريق . وأمّا العفاف فيتشعّب منه : الرضاء ، والاستكانة ، والحظّ ، والراحة ، والتفقّد ، والخشوع ، والتذكّر ، والتفكّر ، والجود ، والسخاء ، فهذا ما يتشعّب للعاقل بعفافه رضي بالله و بقسمه .

وأمّا الصيانة فيتشعّب منها الصلاح ، والتواضع ، والورع ، والانابة ، والفهم ، والأدب ، والإحسان ، والتحبّب ، والخير ، واجتناب الشرّ؛ فهذا ما أصاب العاقل بالصيانة ، فطوبى لمن أكرمه مولاه بالصيانة .

وأمّا الحياء فيتشعّب منه اللين ، والرأفة ، والمراقبة لله في السرّ والعلانية ، و السلامة ، واجتناب الشرّ ، والبشاشة ، والسماحة (٢) والظفر ، وحسن الثناء على المرء في الناس ، فهذا ما أصاب العاقل بالحياء ، فطوبى لمن قبل نصيحة الله وخاف فضيحته .

وأمّا الرزانة فيتشعّب منها اللطف ، والحزم ، وأداء الأمانة ، وترك الخيانة ، وصدق اللّسان ، وتحصين الفرج ، واستصلاح المال ، والاستعداد للعدوّ ، والنهي عن المنكر ، وترك السفه ، فهذا ما أصاب العاقل بالرزانة ، فطوبى لمن توقّر ولمن لم تكن له خفّة ولا جاهليّة وعفا وصفح .

وأمّا المداومة على الخير فيتشعّب منه ترك الفواحش ، والبعد من الطيش (٣)

________________________

(١) بفتح الصاد وسكون الميم : السكوت . أي عما لا يعنيه ولا يهمه وما يكون فيه الضرر شرعا أو عقلا .

(٢) بفتح السين المهملة : الجود .

(٣) بفتح الطاء وسكون الياء : النزق والخفة ، وذهاب العقل .

١١٨
 &

والتحرّج ، واليقين ، وحبّ النجاة ، وطاعة الرحمن ، وتعظيم البرهان ، واجتناب الشيطان ، والإجابة للعدل ، وقول الحقّ ؛ فهذا ما أصاب العاقل بمداومة الخير ، فطوبى لمن ذكر ما أمامه وذكر قيامه واعتبر بالفناء .

وأمّا كراهية الشرّ فيتشعّب منه الوقار ، والصبر ، والنصر ، والاستقامة على المنهاج ، والمداومة على الرشاد ، والإيمان بالله ، والتوفّر ، والإخلاص ، وترك ما لا يعنيه ، والمحافظة على ما ينفعه ؛ فهذا ما أصاب العاقل بالكراهية للشرّ ، فطوبى لمن أقام الحقّ لله وتمسّك بعرى سبيل الله .

وأمّا طاعة الناصح فيتشعّب منها الزيادة في العقل ، وكمال اللّبّ ، ومحمدة العواقب ، والنجاة من اللوم ، والقبول ، والمودّة ، والإسراج ، والإنصاف ، والتقدّم في الاُمور ، والقوّة على طاعة الله ؛ فطوبى لمن سلم من مصارع الهوى ؛ فهذه الخصال كلّها يتشعّب من العقل .

قال شمعون : فأخبرني عن أعلام الجاهل (١) فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن صحبته عنّاك ، وان اعتزلته شتمك ، وإن أعطاك منّ عليك ، وإن أعطيته كفرك ، وإن أسررت إليه خانك ، وإن أسرّ إليك إتّهمك ، وإن استغنى بطر (٢) وكان فظّاً غليظاً ، وإن افتقر جحد نعمة الله ولم يتحرّج ، وإن فرح أسرف وطغى ، وإن حزن آيس ، وإن ضحك فهق ، وإن بكى خار ، يقع في الأبرار ، ولا يحبّ الله ولا يراقبه ، ولا يستحيي من الله ولا يذكره ، إن أرضيته مدحك وقال فيك من الحسنة ما ليس فيك ، وإن سخط عليك ذهبت مدحته ووقّع فيك من السوء ما ليس فيك . فهذا مجرى الجاهل .

قال : فأخبرني عن علامة الإسلام فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الإيمان ، والعلم ، والعمل قال : فما علامة الإيمان ؟ وما علامة العلم ؟ وما علامة العمل ؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أمّا علامة الإيمان فأربعة : الإقرار بتوحيد الله ، والإيمان به ، والإيمان بكتبه ، والإيمان

________________________

(١) الاعلام جمع « علم » . بفتح العين واللام شيء ينصب فيهتدى به ، والمعنى : أخبرني عن امارات الجاهل وعلاماته .

(٢) البطر : الطغيان عند النعمة .

١١٩
 &

برسله . وأمّا علامة العلم فأربعة : العلم بالله ، والعلم بمحبّته ، والعلم بمكارهه ، و الحفظ لها حتّى تؤدّي . وأمّا العمل : فالصلاة والصوم والزكاة والإخلاص .

قال : فأخبرني عن علامة الصادق ، وعلامة المؤمن ، وعلامة الصابر ، وعلامة التائب ، وعلامة الشاكر ، وعلامة الخاشع ، وعلامة الصالح ، وعلامة الناصح ، وعلامة الموقن ، وعلامة المخلص ، وعلامة الزاهد ، وعلامة البارّ ، وعلامة التقيّ ، وعلامة المتكلّف ، وعلامة الظالم ، وعلامة المرائي ، وعلامة المنافق ، وعلامة الحاسد ، وعلامة المسرف ، وعلامة الغافل ، وعلامة الكسلان ، وعلامة الكذّاب ، وعلامة الفاسق ، وعلامة الجائر .

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أمّا علامة الصادق فأربعة : يصدق في قوله ، ويصدّق وعد الله ووعيده ، ويوفي بالعهد ، ويجتنب الغدر .

وأمّا علامة المؤمن : فإنّه يرؤف ، ويفهم ، ويستحيي .

وأمّا علامة الصابر فأربعة : الصبر على المكاره ، والعزم في أعمال البرّ ، والتواضع والحلم .

وأمّا علامة التائب فأربعة : النصيحة لله في عمله (١) وترك الباطل ، ولزوم الحقّ ، والحرص على الخير .

وأمّا علامة الشاكر فأربعة : الشكر في النعماء ، والصبر في البلاء ، والقنوع بقسم الله ، ولا يحمد ولا يعظّم إلّا الله .

وأمّا علامة الخاشع فأربعة : مراقبة الله في السرّ والعلانية ، وركوب الجميل ، والتفكّر ليوم القيامة ، والمناجاة لله .

وأمّا علامة الصالح فأربعة : يصفّي قلبه ، ويصلح عمله ، ويصلح كسبه ، ويصلح اُموره كلّها .

وأمّا علامة الناصح فأربعة : يقضي بالحقّ ، ويعطى الحقّ من نفسه ، ويرضى للناس ما يرضاه لنفسه ، ولا يعتدي على أحد .

وأمّا علامة الموقن فستّة : أيقن أنّ الله حقٌّ فآمن به ، وأيقن بأنّ الموت حقٌّ فحذره ، وأيقن بأنّ البعث حقٌّ فخاف الفضيحة (٢) وأيقن بأنّ الجنّة حقٌّ فاشتاق

________________________

(١) أي الاخلاص لله في عمله .

(٢) في دار الاخرة وفي يوم تبلى فيه السرائر ، فلم يعمل ما يوجب الفضيحة .

١٢٠