نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ١٩

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ١٩

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٢

والأشعريّ أيضاً منتسب إليه لأنّه كان تلميذاً للجبائي المنتسب إلى عليّ ، وانتساب الشيعة بيّن ، والخوارج مع كونهم أبعد النّاس عنه أكابرهم تلامذته ، وابن عبّاس رئيس المفسّرين كان تلميذاً له وعلم منه تفسير كثير من المواضع التي تتعلق بعلوم دقيقة مثل الحكمة والحساب والشعر والنّجوم والرّمل وأسرار الغيب ، وكان في علم الفقه والفصاحة في الدرجة العليا وعلم النحو منه ، وأرشد أبا الأسود الدئلي إليه ، وكان عالماً بعلم السلوك وتصفية الباطن الذي لا يعرفه إلاّ الأنبياء والأولياء حتّى أخذه جميع المشايخ منه أو من أولاده أو من تلامذتهم ، وروي أنّه قال لو كسرت الوسادة ثمّ جلست عليها لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم ، وبين أهل الزّبور بزبورهم وبين أهل الفرقان بفرقانهم ، والله ما من آية أنزلت في برّ أو بحر أو سهل أو جبل أو سماء أو أرض أو ليل أو نهار إلاّوأنا أعلم فيمن نزلت وفي أيّ شيء نزلت ، وروي أنّه قال : لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً ، وقال صلّى الله عليه وسلّم أقضاكم علي ، والقضاء يحتاج إلى جميع العلوم.

وأمّا الزهد ، فلما علم منه بالتواتر من ترك اللذّات الدنياويّة والإحتراز عن المحظورات من أوّل العمر إلى آخره مع القدرة ، وكان زهّاد الصحابة كأبي ذر وسلّمان الفارسي وأبي الدرداء تلامذته.

وأمّا الشجاعة ، فغنيّة عن الشرح ، حتّى قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : لا فتى إلاّعلي لا سيف إلاّذو الفقار ، وقال صلّى الله عليه وسلّم يوم الأحزاب لضربة عليّ خير من عبادة الثقلين.

وكذا السخاوة ، فإنّه بلغ فيها الدّرجة القصوى حتّى أعطى ثلاثة أقراص ما كان له ولأولاده غيرها عند الإفطار ، فأنزل الله تعالى ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ).

٦١

وكان أولاده أفضل أولاد الصحابة كالحسن والحسين ، وقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم هما سيّدا شباب أهل الجنّة ، ثمّ أولاد الحسن مثل الحسن المثنّى والحسن المثلّث وعبدالله بن المثنى والنفس الزكيّة ، وأولاد الحسين مثل الأئمّة المشهورة وهم اثنا عشر.

وكان أبو حنيفة ومالك رحمهما الله أخذا الفقه من جعفر الصادق والباقون منهما ، وكان أبو يزيد البِسطامي من مشايخ الإسلام سقّاء في دار جعفر الصادق ، والمعروف الكرخي أسلم على يد عليّ الرضا وكان بوّاب داره ، وأيضاً إجتماع الأكابر من الأمّة وعلمائها على شيعيته دالّ على أنّه أفضل ولا عبرة بقول العوام.

وأمّا الفضائل النقلية ، فما روي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.

الأولى : خبر الطير ، وهو قوله صلّى الله عليه وسلّم اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير ، فجاء علي وأكل معه.

الثانية : خبر المنزلة ، وهو قوله صلّى الله عليه وسلّم : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ، وهذا أقوى من قوله في حقّ أبي بكر : والله ما طلعت شمس ولا غربت بعد النبيّ على أفضل من أبي بكر ، لأنه إنما يدلّ على أن غيره ليس أفضل منه ، لا على أنّه أفضل من غيره.

وأيضاً : يدلّ على أن الغير ما كان أفضل منه لا على أنّه ما يكون ، فجاز أن لا يكون عند ورود هذا الخبر ويكون بعده.

وأيضاً : خبر المنزلة يدلّ على أن له مرتبة الأنبياء ، لقوله صلّى الله عليه وسلّم إلاّ أنّه لا نبي بعدي ، وخبر أبي بكر إنّما يدلّ على أنّ غيره ممّن هو أدنى من مراتب الأنبياء ليس أفضل منه ، لقوله صلّى الله عليه وسلّم بعد النبيّين والمرسلين ، فجاز أن يكون عليّ أفضل منه.

٦٢

الثالثة : خبر الراية ، روي أنّه صلّى الله عليه وسلّم بعث أبا بكر إلى خيبر فرجع منهزما ، ثمّ بعث عمر فرجع منهزماً ، فبات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مغتمّاً ، فلمّا أصبح خرج إلى الناس ومعه الراية وقال : لُاعطينّ الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله كرّاراً غير فرّار ، فتعرّض له المهاجرون والأنصار فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أين عليّ؟ فقيل : إنّه أرمد العينين ، فتفل في عينيه ثمّ دفع إليه الراية.

الرابعة : خبر السيادة ، قالت عائشة : كنت جالسة عند النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذ أقبل علي فقال : هذا سيد العرب ، فقلت : بأبي أنت وامّي ألست سيّد العرب؟ فقال : أنا سيّد العالمين وهو سيّد العرب.

الخامسة : خبر المولى ، قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : من كنت مولاه فعلي مولاه.

وروى أحمد والبيهقي في فضائل الصّحابة أنّه قال صلّى الله عليه وسلّم : من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى يوشع في تقواه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى موسى في هيبته ، وإلى عيسى في عبادته ، فلينظر إلى وجه علي.

السادسة : روي عن أنس بن مالك رضي‌الله‌عنه ، قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : إن أخي ووزيري وخير من أتركه بعدي يقضي ديني وينجز وعدي علي بن أبي طالب.

السّابعة : روي عن ابن مسعود أنّه قال صلّى الله عليه وسلّم : علي خير البشر من أبى فقد كفر.

الثامنة : روي أنّه قال صلّى الله عليه وسلّم في ذي الثُديَة ـ كان رجلاً منافقاً ـ يقتله خير الخلق ، وفي رواية خير هذه الأمّة ، وكان قاتله علي بن أبي طالب ، وقال صلّى الله عليه وسلّم لفاطمة : إنّ الله تعالى اطلع على أهل الدنيا

٦٣

واختار منهم أباك واتّخذه نبياً ثمّ اطّلع ثانياً فاختار منهم بعلك.

هذا ما قالوا ، والحقّ أن كلّ واحد من الخلفاء الأربعة ، بل جميع الصحابة مكرم عند الله ، موصوف بالفضائل الحميدة ، ولا يجوز الطعن فيهم ، إذ الطعن فيهم يوجب الكفر.

والصواب أنّ إمامة كل الخلفاء الأربعة حقّ.

في المشكاة : حديث عليّ أنت مني بمنزلة هارون من موسى متّفق عليه.

في الدرّر : ( الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى ) قيل : في أبي بكر رضي‌الله‌عنه ، وقيل : في أبي الدحداح.

في دستور الحقائق : قالت الشيعة : إذا تعارضا تساقطا.

فإن قيل : علم بهذا الحديث أنّ بعد النّبيّ ليس أحد أفضل من أبي بكر ، ولا نفهم من الحديث أنّه أفضل من غيره.

قيل : فهم باللغة أن غيره ليس أفضل منه ، وعلم بالعرف أنّ أبا بكر أفضل بعد النبيّين على كافّة الناس ، وإذا عارض اللغة رجح العرف.

فإن قيل : علم بالحديث أنّ غيره ليس أفضل منه ، ولا يفهم أن لا يكون غيره مستوياً به.

قلنا : لفظ أفضل يمنع المماثلة وفضل الغير.

في شرح عقائد النسفي عند قوله أفضل البشر بعد نبيّنا : والأحسن أن يقال بعد الأنبياء ، لكنّه أراد البعديّة الزمانيّة ، وليس بعد نبيّنا نبيّ ، ومع ذلك لا بدّ من تخصيص عيسى عليه‌السلام ، إذ لو أُريد كلّ بشر يوجد بعد نبيّنا انتقض بعيسى عليه‌السلام ، ولو أُريد كلّ بشر يولد بعد نبيّنا لم يفد التفضيل على الصحابة ، ولو أُريد كلّ بشر هو موجود على وجه الأرض لم يفد التفضيل على

٦٤

التابعين ومن بعدهم ، ولو أُريد كلّ بشر يوجد على الأرض ينتقض بعيسى عليه‌السلام.

وفيه أيضاً : نحن وجدنا دلائل الجانبين متعارضة ، ولم نجد هذه المسألة ممّا يتعلّق به شيء من الأعمال ، ولا يكون التوقف فيه مخلاًّ بشيء من الواجبات ».

ترجمة أحمد بن حنبل

و « أحمد بن حنبل » أحد أئمّتهم الأربعة المشهورين ، وقد أجمعوا على حفظه وثقته وورعه وجلالته وسيادته ... ولننقل بعض كلماتهم في حقّه :

١ ـ ابن حبان : « أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبدالله ابن حيان بن عبدالله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى ابن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان.

كنيته أبو عبدالله ، أصله من مرو ، ومولده ببغداد.

يروي عن : ابن عيينة ، وهشيم ، وإبراهيم بن سعد.

روى عنه أهل العراق والغرباء.

مات سنة ٢٤١.

وكان حافظاً ، متقناً ، فقيهاً ، لازماً للورع الخفي ، مواظبا على العبادة الدائمة ، به أغاث الله عزّوجلّ أمة محمّد صلّى الله عليه وسلّم ، وذلك أنّه ثبت في المحنة وبذل نفسه لله عزّوجلّ ، حتّى ضرب بالسّياط للقتل ، فعصمه الله عن الكفر ، وجعله علماً يقتدى به وملجأ يلتجأ إليه.

سمعت أحمد بن محمّد بن أحمد السندي يقول : سمعت محمّد بن نضر

٦٥

الفرّاء يقول : سمعت أحمد بن حنبل يقول : طلبت الحديث سنة تسع وسبعين وكان ابن ستة عشر سنة » (١).

٢ ـ أبو نعيم الإصبهاني : « ومنهم الإمام المبجّل ، والهمام المفضّل ، أبو عبدالله أحمد بن حنبل. لزم الاقتداء وظفر بالاهتداء ، علم الزهاد وقلم النقاد ، امتحن فكان في المحنة صبوراً ، واجتبى فكان في النعمة شكوراً ، كان للعلم والحلم واعياً وللفهم والفكر راعياً » (٢).

٣ ـ ابن ماكولا : « إمام في النقل ، وعلم في الزهد والورع ، وكان أعلم الناس بمذاهب الصحابة والتابعين ، أصله مروزي ، وقدمت به أمه بغداد وهو حمل وولدته بها.

سمع ابن عيينة وابن علية وهشيم بن بشير ، وخلقاً كثيراً من الكوفيين والبصريين والحرمين واليمن والشام والجزيرة ».

٤ ـ النووي : « هو الإمام البارع المجمع على إمامته وجلالته وورعه وزهادته وحفظه ووفور علمه وسيادته.

روينا من طرق عن إبراهيم الحربي قال : رأيت ثلاثة لم ير مثلهم أبداً : أبا عبيد القاسم ، ما مثّلته إلاّبجبل نفخ فيه الروح. وبشر بن الحارث ، ما شبّهته إلاّبرجل عجن من قرنه إلى قدمه عقلاً. وأحمد بن حنبل ، كأنَّ الله عزّوجلّ جمع له علم الأوّلين من كلّ صنف.

وروينا عن أبي مسهر قال : ما أعلم أحداً يحفظ على هذه الأُمّة أمر دينها إلاّشابّاً بالمشرق. يعني أحمد بن حنبل.

وروينا عن علي بن المديني قال قال لي سيّدي أحمد بن حنبل : لا تحدث إلاّمن كتاب.

__________________

(١) كتاب الثقات ٨ / ١٨.

(٢) حلية الأولياء ٩ / ١٦١.

٦٦

وروينا عن إبراهيم بن خالد قال : كنّا نجالس أحمد فيذكر الحديث ونحفظه ونتقنه ، فإذا أردنا أن نكتبه قال : الكتاب أحفظ ، فيثب ويجئ بالكتاب.

وروينا عن الهيثم بن جميل قال : وددت أنّه نقص من عمري وزيد في عمر أحمد بن حنبل.

وروينا عن أبي زرعة قال : ما رأيت من المشايخ أحفظ من أحمد بن حنبل ، حزرت كتبه اثني عشر حملاً وعدلاً ، كلّ ذلك كان يحفظ عن ظهر قلبه.

وذكر ابن أبي حاتم في كتابه الجرح والتعديل أبواباً من مناقب أحمد رحمه‌الله ، فيها جمل من نفائس أحواله ، منها : عن عبدالرحمن بن مهدي قال : أحمد أعلم الناس بحديث سفيان الثوري ، وعن أبي عبيد قال : انتهى العلم إلى أربعة : أحمد بن حنبل وهو أفقههم فيه ، وعلي بن المديني وهو أعلمهم به ، ويحيى بن معين وهو أكتبهم له ، وأبو بكر بن أبي شيبة وهو أحفظهم له.

وسئل أبو حاتم عن أحمد وعلي بن المديني فقال : كانا في الحفظ متقاربين وكان أحمد أفقه.

وقال أبو زرعة : ما رأيت أحدا أجمع من أحمد بن حنبل ، وما رأيت أحداً أكمل منه ، اجتمع فيه زهد وفقه وفضل وأشياء كثيرة.

وقال قتيبة : أحمد إمام الدنيا.

وعن الهيثم بن جميل قال : إنْ عاش هذا الفتى ـ يعني أحمد بن حنبل ـ فسيكون حجة على أهل زمانه.

وقال ابن المديني : ليس في أصحابنا أحفظ من أحمد بن حنبل.

وقال عمرو بن أحمد الناقد : إذا وافقني أحمد على حديث لا أبالي من خالفني.

٦٧

وقال الشافعي : ما رأيت أعقل من أحمد بن حنبل وسليمان بن داود الهاشمي.

وقال أبو حاتم : كان أحمد بن حنبل بارع الفهم بمعرفة صحيح الحديث وسقيمه.

وقال صالح بن أحمد بن حنبل : قال أبي : حججت خمس حجج ثلاث منها راجلاً ، وأنفقت في إحداهنّ ثلاثين درهماً. قال : وما رأيت أبي قط اشترى رماناً ولا سفرجلاً ولا شيئاً من الفاكهة إلاّ أنْ يشتري بطّيخة فيأكلّها بخبزٍ ، أو عنب أو تمر. قال : وكثيراً ما كان يأتدم بالخل. وقال : وأمسك أبي مكاتبة إسحاق بن راهويه لما أدخل كتابه إلى عبدالله بن طاهر وقرأه. قال : وقال أبي : إذا لم يكن عندي قطعة أفرخ. قال : وربما اشترينا الشيء فنسرّه عنه لئلاّ يوبّخنا عليه.

وقال الميموني : ما رأيت مصلّياً قط أحسن صلاة من أحمد بن حنبل ولا اتّباعاً للسنن منه.

وعن الحسين بن الحسن الرازي قال : حضرت بمصر عند بقّال فسألني عن أحمد بن حنبل ، فقلت : كتبت عنه ، فلم يأخذ ثمن المتاع منّي وقال : لا آخذ ثمناً ممّن يعرف أحمد بن حنبل.

وقال قتيبة وأبو حاتم : إذا رأيت الرجل يحب أحمد فاعلم أنّه صاحب سنّة.

وقال إبراهيم بن الحارث ولد عبادة بن الصامت : قيل لبشر الحافي حين ضرب أحمد بن حنبل في المحنة : لو قمت وتكلّمت كما تكلّم. فقال : لا أقوى عليه ، إنّ أحمد قام مقام الأنبياء.

وقال ابن أبي حاتم : سمعت أبا زرعة يقول : بلغني أن المتوكّل أمر أن

٦٨

يمسح الموضع الذي وقف الناس فيه للصلاة على أحمد بن حنبل ، فبلغ مقامهم ألفي ألف وخمسمائة ألف.

قال : وقال الوركاني : أسلم يوم وفاة أحمد عشرون ألفاً من اليهود والنصارى والمجوس ، ووقع المأتم في أربعة أصناف : المسلمين واليهود والنصارى والمجوس.

وأحوال أحمد بن حنبل رحمه‌الله ومناقبه أكثر من أنْ تحصر. وقد صنّف فيها جماعة. ومقصودي في هذا الكتاب الإشارات إلى أطراف المقاصد » (١).

٥ ـ ابن خلّكان : « كان إمام المحدّثين ، صنّف كتاب المسند وجمع فيه من الحديث ما لم يتّفق لغيره. وقيل : إنّه كان يحفظ ألف ألف حديث ، وكان من أصحاب الإمام الشافعي رضي‌الله‌عنه وخواصّه ، ولم يزل مصاحبه إلى أن ارتحل الشافعي إلى مصر ، وقال في حقّه : خرجت من بغداد وما خلّفت بها أتقى ولا أفقه من ابن حنبل ...

أخذ عنه الحديث جماعة من الأماثل ، منهم : محمّد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج النيسابوري. ولم يكن في آخر عصره مثله في العلم والورع.

وذكر أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه الذي صنّفه في أخبار بشر بن الحارث الحافي رضي‌الله‌عنه في الباب السادس والأربعين ما صورته : حدّث إبراهيم الحربي قال : رأيت بشر بن الحارث الحافي في المنام ، كأنّه خارج من باب مسجد الرصافة ، وفي كمّه شيء يتحرّك ، فقلت : ما فعل الله بك؟ فقال : غفر لي وأكرمني ، فقلت : ما هذا الذي في كمّك؟ قال : قدم علينا البارحة روح

__________________

(١) تهذيب الأسماء واللغات ١ / ١١٠.

٦٩

أحمد ابن حنبل ، فنثر عليه الدرّ والياقوت ، فهذا مما التقطت. قلت : فما فعل يحيى بن معين ، وأحمد بن حنبل؟ قال : تركتهما وقد زارا ربّ العالمين ، ووضعت لهما الموائد. قلت : فلم لم تأكل معهما أنت؟ قال : قد عرف هوان الطعام عليّ ، فأباحني النظر إلى وجهه الكريم » (١).

٦ ـ الذهبي : « أحمد بن حنبل شيخ الإسلام وسيّد المسلمين في عصره ، الحافظ الحجة ، أبو عبدالله ...

قال علي بن المديني : إنّ الله أيّد هذا الدين بأبي بكر الصدّيق يوم الردّة وبأحمد بن حنبل يوم المحنة.

وقال أبو عبيد : إنتهى العلم إلى أربعة أفقههم أحمد.

وقال ابن معين من طريق ابن عياش عنه : أرادوا أنْ أكون مثل أحمد ، والله لا أكون مثله أبداً.

وقال همام السكوني : ما رأى أحمد بن حنبل مثل نفسه.

وقال محمّد بن حماد الظهراني : إني سمعت أبا ثور يقول : أحمد أعلم ـ أو قال : أفقه ـ من الثوري.

قلت : سيرة أبي عبدالله قد أفردها البيهقي في مجلّد ، وأفردها ابن الجوزي في مجلّد ، وأفردها شيخ الإسلام الأنصاري في مجلّد لطيف » (٢).

٧ ـ الذهبي : « شيخ الأمّة وعالم أهل العصر ، أبو عبدالله أحمد بن محمّد بن حنبل الشيباني المروزي البغدادي ، أحد الأعلام ...

وكان إماماً في الحديث وضروبه ، إماماً في الفقه ودقائقه ، إماماً في السنّة

__________________

(١) وفيات الأعيان ١ / ١٧.

(٢) تذكرة الحفاظ ٢ / ١٧.

٧٠

وطرائقها ، إماماً في الورع وغوامضه ، إماماً في الزهد وحقائقه » (١).

٨ ـ السبكي : « هو الإمام الجليل أبو عبدالله الشيباني المروزي ثمّ البغدادي ، صاحب المذهب ، الصابر على المحنة ، الناصر للسنّة ، شيخ العصابة ومقتدى الطائفة ...

وقال المزني : أبو بكر يوم الردة ، وعمر يوم السقيفة ، وعثمان يوم الدار ، وعلي يوم صفين ، وأحمد بن حنبل يوم المحنة ...

وقال عبدالله قال لي أبي : خذ أي كتاب شئت من كتب وكيع ، فإن شئت أن تسألني عن الكلام حتّى اخبرك بالإسناد ، وإن شئت بالإسناد حتّى أخبرك عن الكلام ...

وعن إسحاق : أحمد حجة الله بين خلقه.

وقال أبو ثور ـ وقد سئل عن مسألة ـ قال أبو عبدالله أحمد بن حنبل شيخنا وإمامنا فيها كذا وكذا.

فهذا يسير من ثناء الأئمّة عليه » (٢).

٩ ـ ابن حجر العسقلاني : « أحمد بن حنبل ...

قال ابن معين : ما رأيت خيراً من أحمد ، ما افتخر علينا بالعربية قط.

وقال القطان : ما قدم عليّ مثل أحمد.

وقال فيه مرةً : حبر من أحبار هذه الامة.

وقال أحمد بن سنان : ما رأيت يزيد بن هارون لأحدٍ أشدّ تعظيماً منه لأحمد بن حنبل.

وقال عبدالرزاق : ما رأيت أفقه منه ولا أورع.

__________________

(١) العبر في خبر من غبر حوادث ٢٤١.

(٢) طبقات الشافعية ٢ / ٢٧.

٧١

وقال يحيى بن آدم : أحمد إمامنا.

وقال عبدالله الحزيبي : كان أفضل أهل زمانه.

وقال العباس العنبري : حجة.

وقال يحيى بن معين : لو جلسنا مجلساً بالثناء عليه ما ذكرنا فضائله بكاملها.

وقال العجلي : ثقة ثبت في الحديث ، نزه النفس ، فقيه في الحديث ، متبع الآثار ، صاحب سنةٍ وخير.

وقال أبو ثور : أحمد شيخنا وإمامنا.

وقال حجاج بن الشاعر : ما رأت عيناي روحاً في جسدٍ أفضل من أحمد ابن حنبل.

وقال أحمد الدورقي : من سمعتموه يذكر أحمد بسوءٍ فاتّهموه على الإسلام.

قال ابن أبي حاتم : سئل أبي عنه فقال : هو إمام وحجة.

وقال النسائي : الثقة المأمون أحد الأئمّة.

وقال ابن ماكولا : كان أعلم الناس بمذاهب الصحابة والتابعين.

وقال الخليلي : كان أفقه أقرانه وأورعهم وأكفّهم عن الكلام في المحدّثين إلاّفي اضطرار.

وقال ابن حبان في الثقات : كان حافظاً متقناً فقيهاً.

وقال سليمان بن حرب لرجلٍ سأله عن مسألةٍ سل عنها أحمد : فإنّه إمام.

وقال ابن سعد : ثقة ثبت صدوق كثير الحديث » (١).

__________________

(١) تهذيب التهذيب ١ / ٧٢.

٧٢

١٠ ـ الخطيب التبريزي : « كان إماماً في الفقه والحديث والزهد والورع والعبادة ، وبه عرف الصحيح والسّقيم والمجروح من المعدل ... وفضائله كثيرة ، ومناقبه جمّة ، وآثاره في الإسلام مشهورة ، ومقاماته في الدنيا مذكورة ، انتشر ذكره في الآفاق ، وسرى حمده في البلاد.

وهو أحد المجتهدين المعمول بقوله ورأيه ومذهبه في كثير من البلاد.

وقال أبو داود السجستاني : كان مجالسة أحمد بن حنبل مجالسة الآخرة ، لا يذكر فيها شيء من أمر الدنيا ، وما رأيت ذكر الدنيا قط » (١).

١١ ـ الكفوي : « وأحد الأئمّة الأربعة أحمد بن حنبل بن هلال أبو عبدالله الشيباني.

قال المولى الشهير بأبي أربعة شكيري في مناقب الأخيار ونوادر الأخبار عن أحمد بن حنبل أنّه قا : ولدت سنة أربعين وستّين ومائة في ربيع الأوّل ، وأوّل سماعي من هشيم سنة تسع وستّين ومائة ، وكان ابن المبارك قدم في هذه السنة يعني بغداد ، وهي آخر قدمة قدمها ، وذهبت إلى مجلسه ، فقالوا خرج إلى طرطوس ، فتوفي سنة إحدى وثمانين ومائة. قال ابنه عبدالله بن أحمد بن حنبل : توفي أبي رحمه‌الله يوم الجمعة ضحوة ودفنّاه العصر ، لثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول ، سنة إحدى وأربعين ومائتين ، وسِنّه سبع وسبعون سنة.

وعن أبي داود السجستاني : لقيت مائتين من مشايخ العلم ، فما رأيت مثل أحمد بن حنبل ، لم يكن يخوض في شيء ممّا يخوف فيه الناس من أمر الدنيا ، فإذا ذكر العلم تكلم.

قال أبو زرعة : ما رأت عيني مثل أحمد بن حنبل ، فقلت له في العلم؟.

__________________

(١) الإكمال في أسماء الرجال ـ المطبوع مع المشكاة ـ ٣ / ٧٩٧.

٧٣

قال : في العلم والزّهد والفقه والمعرفة.

وقال عبدالله : جميع ما حدث به الشافعي في كتابه وقال حدّثني الفقيه الثقة فهو أبي رحمه‌الله.

وسمعت أبي يقول : استفاد منّا الشافعي ما لم نستفد منه ، وكان أحمد أصغر منه بأربع عشرة سنة.

قال : حجّ أبي خمس حجج ، ثلاثاً ماشياً وثنتين راكباً ، وكان سرق ثيابه فبقي في بيته أيّاماً ، فعرض عليه الدنانير والثياب فأبى أن يأخذ ، فعرض عليه أن ينسخ شيئاً فنسخ كتاباً بدينار ، فاشترى ثوبا فشقّه نصفين فاتَّزر بنصفه وارتدى بنصفه.

وعن المزني أنّه قال : سمعت الشّافعي يقول : ثلاثة من العلماء من عجائب الدنيا ، عربي لا يعرب كلمته وهو أبو ثور ، وعجميّ لا يخطأ في كلمة وهو حسن ابن محمّد الزّعفراني ، وصغير كلّما قال شيئاً صدّقه الكبار وهو أحمد بن حنبل.

ولما ظهر القول بخلق القرآن في أيّام المأمون ، وحمل الناس على القول بخلق القرآن حُمِل إلى المأمون مقيداً ، فمات المأمون قبل وصوله ، ولمّا ولّي الخلافة إبراهيم المعتصم بن هارون الرّشيد طلبه ، وكان في سجن المأمون ، وكان المأمون لمّا توفّي عهد إلى أخيه المعتصم بالخلافة ، وأوصاه بأن يحمل الناس على القول بخلق القرآن ، فاستمرّ الإمام محبوساً ، وروي أنّه مكث في السّجن ثمانية وعشرين شهراً ، ولم يزل ذلك يحضر الجماعات ، فأحضره المعتصم وعقد له مجلساً للمناظرة فيه إبراهيم بن عبدالرحمن بن إسحاق والقاضي أحمد بن أبي داود وغيرهما ، فناظرهم ثلاثة أيّام ، ولم يزل معهم في جدال إلى اليوم الرابع ، فأمر بضربه ، فضرب بالسّياط ، ولم يزل على الصبر إلى

٧٤

أن أغمي عليه ، ثمّ حمل وصار إلى منزله ، ثمّ ولي الخلافة الواثق فأظهر ما أظهره المأمون والمعتصم ، وكان أحمد بن حنبل يحضر الجماعة ويفتي إلى أن مات المعتصم ، وفي زمان الواثق صار مختفياً لا يخرج إلى الصّلاة ولا إلى غيرها ولا يفتي ، لما قال له الواثق ونبهه بأن لا تجمّعن إليك أحداً ولا تسكن في بلد أنا فيه ، فأقام مختفياً إلى أن مات الواثق ، وولّي الخلافة المتوكل ، فرفع المحنة ، وأمر بإحضار الإمام أحمد بن حنبل فأكرمه وأطلق له مالاً كثيراً ، فلم يقبله وفرقه على الفقراء والمساكين ، وأجرى المتوكّل على أهله وولده في كلّ شهر أربعة آلاف درهم ، فلم يرض الإمام أحمد بذلك » (١).

١٢ ـ المناوي : « حم ، لأحمد في مسنده بفتح النون ، يقال أسند الكتاب جمع فيه ما أسنده الصحابة ، أي رووه بالإسناد كمسند الشهاب ومسند الفردوس ، أي إسناد حديثهما ، ولم يكتف في الرمز إليه بحرف واحد كما فعل في أولئك ، لئلاّ يتصحّف بعلامة البخاري ، والإمام أحمد هو ابن محمّد بن حنبل ، الناصر للسنة ، الصابر على المحنة ، الذي قال فيه الشافعي : ما بقي ببغداد أفقه ولا أزهد منه. وقال إمام الحرمين غسل وجه السنّة من غبار البدعة ، وكشف الغمة عن عقيدة الأمّة.

ولد ببغداد سنة أربع وخمسين ومائة ، وروى عن الشافعي وابن مهدي وخلق وعنه الشيخان وغيرهما.

ومات سنة إحدى وأربعين ومائتين ، وارتجّت الدنيا بموته » (٢).

١٣ ـ الزرقاني المالكي : « الإمام أحمد بن محمّد بن حنبل الشيباني ، أبو عبدالله ، المروزي ثمّ البغدادي ، أحد الكبار الأئمّة الحفاظ الطوّافين ،

__________________

(١) كتائب أعلام الأخيار ـ مخطوط.

(٢) فيض القدير ـ شرح الجامع الصغير ١ / ٢٥.

٧٥

الصّابر على البلوى ، الذي مَنَّ الله به على الأمّة ، ولولاه لكفر النّاس في المحنة ، ذو المناقب الشّهيرة ، وحَسْبك قول الشافعي شيخه : خرجت من بغداد فما خلَّفت بها أفقه ولا أزهد ولا أورع ولا أعلم منه.

وقال أبو زرعة الرازي : كان أحمد يحفظ ألف ألف حديث ، وقيل : وما يدريك؟ قال : ذاكرته.

ولد سنة أربع وستّين ومائة ، ومات سنة إحدى وأربعين ومائتين.

قال ابن خلّكان : وحُرزَ من حضر جنازته من الرجال فكانوا ثمانمائة ألف ، ومن النساء ستّون ألفاً ، وأسلم يوم موته عشرون ألفاً من اليهود والنصارى والمجوس إنتهى.

وفي تهذيب النووي : أمر المتوكل أن يقاس الموضع الّذي وقف للصّلاة فيه على أحمد ، فبلغ مقام ألفي ألف وخمسمائة ، ووقع المأتم في أربعة أصناف ، من المسلمين واليهود والنّصارى والمجوس » (١).

١٤ ـ ولي الله الدهلوي : « كان أعظمهم شأناً ، وأوسعهم رواية ، وأعرفهم للحديث رتبة ، وأعمقهم فقهاً : أحمد بن حنبل ، ثمّ إسحاق بن راهويه » (٢).

__________________

(١) شرح المواهب اللدنية ١ / ٣١.

(٢) الإنصاف في بيان سبب الاختلاف : ٥٤.

٧٦

(٣)

رواية أبي حاتم الرازي

قال أبو محمّد أحمد بن محمّد العاصميّ : « أخبرنا الحسين بن محمّد البستي ، قال : حدّثنا عبدالله بن أبي منصور ، قال : حدّثنا محمّد بن بشر ، قال : حدّثنا محمّد بن إدريس الحنظلي قال : حدّثنا محمّد بن عبدالله بن المثنى الأنصاري ، قال : حدّثني حميد ، عن أنس ، قال :

كنّا في بعض حجرات مكة نتذاكر عليا ، فدخل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فقال : أيها الناس ، من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في فهمه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى موسى في شدته ، وإلى عيسى في زهادته ، وإلى محمّد وبهائه ، وإلى جبرئيل وأمانته ، وإلى الكوكب الدري ، والشمس الضحى ، والقمر المضيّ ، فليتطاول ولينظر إلى هذا الرجل. وأشار إلى علي بن أبي طالب » (١).

ترجمة أبي حاتم

١ ـ السمعاني : « الجزي. منها أبو حاتم محمّد بن إدريس بن المنذر الحنظلي الرازي. وكان يقول : نحن من أهل إصبهان من قرية جز. قال : وكان أهلها يقدمون علينا حياة أبي ، ثمّ انقطعوا عنّا.

وأبو حاتم : كان إماماً ، حافظاً فهماً ، من مشاهير العلماء ، له رحلة إلى الشام ومصر والعراق ، روى عنه أبو عمرو بن حكيم ، وعالم لا يحصون كثرة.

__________________

(١) زين الفتى بتفسير سورة هل أتى ـ مخطوط.

٧٧

توفي سنة ٢٧٧ » (١).

٢ ـ السمعاني : « وبالري درب مشهور يقال له : درب حنظلة ، منها أبو حاتم إمام عصره والمرجوع إليه في مشكلات الحديث ، وهو من هذا الدرب ، وكان من مشاهير العلماء ومن مذكوري العلماء الموصوفين بالفضل والحفظ والرحلة ولقي العلماء ... روى عنه الأعلام الأئمّة ، مثل : يونس بن عبدالأعلى والربيع بن سليمان المصريّان وهما أكبر منه سنّاً وأقدم سماعاً ، وأبو زرعة الرازي ، والدمشقي ، ومحمّد بن عوف الحمصي ، وهؤلاء من أقرانه ، وعالم لا يحصون.

وذكر أبو حاتم وقال : أول سنة خرجت في طلب الحديث أقمت سنين أحصيت ما مشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ ، لم أزل أحصي حتّى لمّا زاد على ألف فرسخ تركته.

وقال أبو حاتم : قلت على باب أبي الوليد الطيالسي : من أغرب عليّ حديثا غريباً مسنداً صحيحاً لم أسمع به ، فله عليّ درهم يتصدّق به ، وقد حضر على باب أبي الوليد خلق من الخلق ـ أبو زرعة فمن دونه ـ وإنّما كان مرادي أن يلقى عليَّ ما لم أسمع به ، ليقولوا هو عند فلان فأذهب فأسمع ، وكان مرادي أنْ أستخرج منهم ما ليس عندي. فما تهيّأ لأحدٍ منهم أن يغرب عليَّ حديثاً.

وكان أحمد بن سلمة يقول : ما رأيت بعد إسحاق ـ يعني ابن راهويه ـ ومحمّد بن يحيى أحفظ للحديث ولا أعلم بمعانيه من أبي حاتم محمّد بن إدريس.

قال أبو حاتم : قال لي هشام بن عمّار يوماً : أي شيء تحفظ من الأذواء؟ فقلت له : ذو الأصابع ، وذو الجوشن ، وذو الزوائد ، وذو اليدين ، وذو اللحية الكلابي. وعددت له ستّة ، فضحك وقال : حفظنا نحن ثلاثة وزدت أنت ثلاثة.

__________________

(١) الأنساب ـ الجزي.

٧٨

مات أبو حاتم بالري في شعبان سنة سبع وسبعين ومائتين » (١).

٣ ـ ابن الأثير : « وفيها توفي أبو حاتم الرازي ، واسمه : محمّد بن إدريس بن المنذر ، وهو من أقران البخاري ومسلم » (٢).

٤ ـ الذهبي : « أبو حاتم الرازي وابنه ، د س ت ، محمّد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران. الإمام الحافظ الناقد ، شيخ المحدثين ، الحنظلي الغطفاني ...

كان من بحور العلم ، طوّف البلاد ، وبرع في المتن والإسناد ، وجمع وصنّف وجرح وعدّل وصحّح وعلّل ... وهو من نظراء البخاري ... سمع ...

ويتعذّر استقصاء سائر مشايخه ، فقد قال الخليلي : قال لي أبو حاتم اللبان الحافظ : قد جمعت من روى عنه أبو حاتم الرازي فبلغوا قريباً من ثلاثة آلاف.

حدّث عنه ولده الحافظ الإمام أبو محمّد عبدالرحمن بن أبي حاتم ، ويونس بن عبدالأعلى ... وخلق كثير.

قال الخطيب : كان أبو حاتم أحد الأئمّة الحفاظ الأثبات.

قال الخليلي : كان أبو حاتم عالماً باختلاف الصحابة وفقه التابعين ومن بعدهم ، سمعت جدي وجماعة سمعوا علي بن إبراهيم القطّان يقول : ما رأيت أجمع من أبي حاتم ولا أفضل منه.

علي بن إبراهيم الرازي ... سمعت الحسن بن الحسين الدارسيتني قال : سمعت أبا حاتم يقول : قال لي أبو زرعة : ما رأيت أحرص على الحديث منك ، فقلت له : إنّ عبدالرحمن ابني لحريص ، فقال : من أشبه أباه فما ظلم. قال الرقام : فسألت.

__________________

(١) الأنساب ـ الحنظلي.

(٢) الكامل في التاريخ. حوادث ٢٧٧.

٧٩

عبدالرحمن عن اتفاق كثرة السماع له وسؤالاته لأبيه ، فقال : ربما كان يأكل وأقرأ عليه ، ويمشي وأقرأ عليه ، ويدخل الخلاء وأقرأ عليه ، ويدخل البيت في طلب شيء وأقرأ عليه.

قال ابن أبي حاتم : سمعت يونس بن عبدالأعلى يقول : أبو زرعة وأبو حاتم إماماً خراسان ، ودعا لهما وقال : بقاؤهما صلاح للمسلمين.

وقال محمّد بن الحسين بن مكرم : سمعت حجاج بن الشاعر ـ وذكر له أبا زرعة وابن واره وأبا جعفر الدارمي ـ فقال : ما بالمشرق أنبل من أبي حاتم.

قال الحافظ عبدالرحمن بن خراش : كان أبو حاتم من أهل الأمانة والمعرفة. وقال هبة الله اللالكائي : كان أبو حاتم إماماً حافظاً مثبتاً.

وذكره اللالكائي في شيوخ البخاري : وقال النسائي : ثقّة » إلى أن قال الذهبي بعد حكاية جملة من قضايا أبي حاتم في أسفاره : « إذا وثّق أبو حاتم رجلاً فتمسك بقوله ، فإنّه لا يوثق إلاّرجلاً صحيح الحديث ، وإذا ليّن رجلاً أو قال فيه لا يحتج به فتوقف حتّى ترى ما قال غيره فيه ، فإنْ وثّقه أحد فلا تبن على تجريح أبي حاتم فإنّه متعنّت في الرجال ، قد قال في طائفة من رجال الصحاح ليس بحجة ، ليس بقوي ، أو نحو ذلك ...

مات الحافظ أبو حاتم في شعبان سنة ٢٧٧ ... » (١).

٥ ـ الذهبي : « أبو حاتم الرازي ، الإمام الحافظ الكبير محمّد بن إدريس ابن المنذر الحنظلي ، أحد الأعلام ... » (٢).

٦ ـ الذهبي : « حافظ المشرق ، أبو حاتم محمّد بن إدريس الحنظلي ، في شعبان ، وهو في عشر التسعين ، وكان بارع الحفظ ، واسع الرحلة ، من أوعية العلم.

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٣ / ٢٤٧.

(٢) تذكرة الحفاظ ٢ / ١٣٢.

٨٠