نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ١٩

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ١٩

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٢

الأعلام ، علم أنّ الأئمّة عليهم‌السلام قد عرضوا إمامتهم ، وأعلنوها لعامّة النّاس ، ودعوا إليها جميع المسلمين ... في كلّ فرصةٍ سانحةٍ أمنوا فيها من الفساد وإثارة الفتنة من المخالفين والمعاندين ...

بذكر الآيات القرآنيّة ، والنصوص النبويّة ، الدالّة على إمامتهم الحقّة ، وولايتهم العامّة ...

قوله :

وهذه الفرقة السفيهة ، قد أنزلوا تلك الإشارات كلّها على الرئاسة العامة ...

أقول :

هذا الكلام ينطبق على ( الدهلوي ) نفسه ووالده ، فقد عرفت سابقاً دلالة كلامه على أنّ الإمامة هي الرئاسة العامة ، واستحقاق التصرّف في الأمور ، ووجوب الاتباع والامتثال في جميع أحكام الحلال والحرام ، والنيابة العامّة عن رسول الله عليه وآله الصلاة والسلام ، بل قد عرفت من كلام السّابق ، وما حقّقه في ( تفسيره ) وأفاده والده النحرير ، أنّ نصوص الإمامة مرويّة عن الأئمّة الأطهار ، وأنّ كلّ واحدٍ منهم كان يجعل الآخر وصيّاً له.

ولقد اشتملت تلك النصوص الصريحة في الإمامة على لفظ « الإمامة » وما يرادفه ، ولم تكن « إشارات » محضة كما زعم ( الدهلوي ) في هذا المقام.

وعلى الجملة ، فإنّ إمامة أمير المؤمنين وأولاده المعصومين ثابتة لدى الشيعة بالطرق المتواترة ، والأسانيد المتظافرة ، من الثقات والأثبات في جميع الطبقات ، فهم خلفاء الله في الأرضين ، وحججه الباهرة في العالمين ، وثبت عندهم كذلك بطلان إمامة من تقدّم عليهم.

ولقد ثبت ذلك عند الشيعة كالصبح إذا انفلق ، وظهر عندهم ظهور الشمس

٤٢١

في رابعة النّهار ، وأيّدت مطلوبهم ، وأثبتت معتقَدهم ، الروايات الكثيرة ، والأحاديث الوفيرة ، من طرق المخالفين ...

لقد أصبح هذا الاعتقاد ، لدى طائفة الشيعة ، من البديهيات والضروريّات ، فلا يتطرّق إليه شبهة من الشبهات ، ولا يعترضه تشكيك من التشكيكات ، وكان كلام ( الدهلوي ) كقول الكافر : إنّ محمّداً لم يدّع النبوّة ، بل ادّعى الرئاسة الظاهرية على الخلائق ، مثل سائر الملوك والسلاطين ، وأنّ المسلمين العارين عن الفهم حملوا كلماته على النبوّة ، فوقعوا في الضلالة ... والعياذ بالله.

قوله :

ومن أجل ما قلنا : يعتقد كلّ الأمة الأمير وذريّته الطاهرة ، كالشيوخ والمرشدين ...

أقول :

إنّ هذا الاعتقاد يستلزم أفضليّة أهل البيت عليهم‌السلام من الشيوخ الثلاثة.

وبقطع النظر عن هذا ، قال ابن تيميّة بأن الاستغاثة بالشيخ والرغبة إليه بالعبادة كفر ، فيكون كلام ( الدهلوي ) هذا صغرى لما قاله ابن تيميّة ، ونتيجة القياس : كفر الامّة بأجمعها ... ولا أقل من كفر ( الدهلوي ) بكلام شيخ الإسلام في مذهبه ...

قوله :

ويقدّمون لهم الصلوات والصّدقات ...

٤٢٢

أقول :

نعم يفعلون هذا ، ولا يفعلونه لغيرهم ، للبون الشاسع بين شأن هؤلاء وشأن غيرهم.

قوله :

ولا ينوّه أحدٌ في هذه الأمور باسم الشيخين ...

أقول :

هذا إعتراف بحرمان الشيخين من فضل تلك الشعائر الإسلاميّة ، بإجماع جميع الأمة ...

قوله :

وإنْ كانوا يعتقدون بفضلهما وكمالهما ...

أقول :

كأنّ هذا الكلام لإرضاء أهل السنّة ، بعد أن نصّ على اختصاص تلك الامور الشّريفة بالأئمّة الأطهار ، بالإجماع ، لكنّه ما درى أنّ شيخ الإسلام ابن تيميّة ، ووالده النحرير ، لا يرتضيان هذا الكلام ، فإنّ تشبيه أحد من الناس بواحد من الأنبياء باطل عندهما ، وتشبيه الشيخين بموسى وعيسى عليهما‌السلام ، واضح البطلان بلا كلام.

٤٢٣

قوله :

وكمالات الأولياء ناشئة من الوحدة والجمع والعينية ، فالأولياء تنعكس فيهم الأفعال بل الصفات الإلهيّة ...

أقول :

حاصل هذا الكلام دعوى الاتحاد بين الله تبارك وتعالى والأولياء ، وهي دعوى باطلة بالضرورة على الإطلاق ، لكنّ الإتّحاد مقام عظيم لدى أهل السنّة ، ولا مانع لهم من القول به ، فإخراج ( الدهلوي ) الشيخين من هذا المقام عجيب ، وهو يعرّضه للطعن والملام.

٤٢٤

ملحق

حديث التشبيه

٤٢٥
٤٢٦

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأولين والاخرين.

وبعد :

فإنّ الوقت لم يتسع لأن س أتتبّع المصادر للحصول على روايات اخرى ورواةٍ آخرين لحديث التشبيه ، ولكنْ لمّا كان بعض الأسانيد المذكورة في الكتاب موضع كلامٍ لبعض المتعصّبين من علماء القوم ، رأيت من المناسب التحقيق في أحوال تلك الأسانيد ، والتعرض لتكلّم هؤلاء في رجالها ، ليتّضح صحّة تلك الأحاديث وسقوط اعتراضات من اعترض عليها ، وبذلك يُعرف حال المعترضين أيضاً ومدى تعصّبهم ضد أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... فأقول :

لقد أخرج هذا الحديث الشّريف عن عدّة من أكابر الصحابة وغيرهم :

١ ـ عبدالله بن العباس.

٢ ـ أبو سعيد الخدري.

٣ ـ أنس بن مالك.

٤ ـ أبو الحمراء ، مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٥ ـ أبو هريرة.

٦ ـ الحارث الأعور الهمداني ، صاحب أمير المؤمنين عليه‌السلام.

٤٢٧

الحديث عن ابن عباس

أمّا عن ابن عباس ، فرواه ابن بطة العكبري قال :

« أخبرنا أبو ذر أحمد بن محمّد الباغندي ، حدّثنا أبي ، عن مسعر بن يحيى النهدي ، حدّثنا شريك ، عن ابن إسحاق ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال :

قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في حكمته ، وإلى إبراهيم في حلمه ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب ».

ورواه الحافظ الكنجي بسنده قال : « أخبرنا أبو الحسن بن المقيّر البغدادي ، عن المبارك بن الحسن الشهرزوري ، أخبرنا أبو القاسم بن البسري ، أخبرنا أبو عبدالله العكبري ، أخبرنا أبو ذر ... ».

الحديث عن أبي سعيد الخدري

وأمّا عن أبي سعيد الخدري ، فرواه ابن شاهين في ( كتاب السنّة ) قال :

« حدّثنا محمّد بن الحسين بن حميد بن ربيع ، حدّثنا محمّد بن عمران بن حجاج (١) ، حدّثنا عبيدالله بن موسى ، عن أبي راشد الحبراني ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري ، قال :

كنّا حول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، فأقبل علي بن أبي طالب ، فأدام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النظر إليه ، ثمّ قال : من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في حكمه وإلى إبراهيم في حلمه ، فلينظر إلى هذا ».

__________________

(١) كذا.

٤٢٨

الحديث عن أنس بن مالك

وأمّا عن أنس بن مالك ، فرواه الحافظ الفقيه ابن المغازلي الواسطي قال :

« أخبرنا أحمد بن محمّد بن عبدالوهّاب ، ثنا الحسين بن محمّد بن الحسين العدل العلوي الواسطي ، ثنا محمّد بن محمود ، ثنا إبراهيم بن مهدي الابلي ، ثنا أبان بن فيروز ، عن أنس بن مالك قال :

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : من أراد أنْ ينظر إلى علم آدم وفقه نوح ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب ».

وقال العاصمي صاحب ( زين الفتى ) :

« أخبرنا الحسين بن محمّد البستي قال : حدّثنا عبدالله بن أبي منصور ، قال : حدّثنا محمّد بن بشر قال : حدّثنا محمّد بن إدريس الحنظلي قال : حدّثنا محمّد بن عبدالله بن المثنّى الأنصاري قال : حدّثني حميد ، عن أنس ، قال :

كنّا في بعض حجرات مكّة ، نتذاكر عليّاً ، فدخل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال : أيها الناس ، من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في فهمه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى موسى في شدّته ، وإلى عيسى في زهادته ، وإلى محمّد وبهائه ، وإلى جبرئيل وأمانته ، وإلى الكوكب الدري والشمس الضحي والقمر المضي ، فليتطاول ولينظر إلى هذا الرجل. وأشار إلى علي بن أبي طالب ».

٤٢٩

الحديث عن أبي هريرة

وأمّا عن أبي هريرة ، فأخرجه :

عبدالرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة قال :

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ـ وهو في محفل من أصحابه ـ إنْ تنظروا إلى آدم في علمه ونوح في همّه وإبراهيم في خلقه وموسى في مناجاة وعيسى في سننه ومحمّد في هديه وحلمه ، فانظروا إلى هذا المقبل. فتطاول الناس ، فإذا هو علي بن أبي طالب ».

وأخرجه أحمد ، عن عبدالرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن ابن المسيب ، عن أبي هريرة ، به.

الحديث عن أبي الحمراء

وأمّا عن أبي الحمراء ، فأخرجه الحاكم في ( تاريخه ) قال :

« حدّثنا محمّد بن أحمد بن سعيد الرازي ، قال : حدّثنا محمّد بن مسلمة ابن وراة ، قال : حدّثنا عبيدالله بن موسى قال : حدّثنا أبو عمر الأزدي ، عن أبي راشد الحبراني ، عن أبي الحمراء ، قال :

سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ونوحٍ في فهمه وإبراهيم في حكمه ، ويحيى بن زكريا في زهده ، وموسى بن عمران في بطشه ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب ».

ورواه الحافظ الخطيب الخوارزمي حيث قال :

« أخبرنا الشيخ الزاهد الحافظ أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي

٤٣٠

الخوارزمي ، قال : أخبرنا شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد الواعظ قال : أخبرنا أحمد بن حسين البيهقي ».

ثمّ قال بعد حديث أخرجه بالسند المذكور : « وبهذا الإسناد عن أحمد ابن الحسين هذا أخبرنا أبو عبدالله الحافظ في التاريخ ، حدّثنا أبو جعفر ... ».

ورواه العاصمي بسنده عن أبي جعفر الرازي شيخ الحاكم ... حيث قال :

« أخبرنا محمّد بن أبي زكريا الثقة ، قال : أخبرنا أبو الحسين محمّد بن أحمد بن جعفر الجوري ، قال : حدّثنا أبو جعفر محمّد بن أحمد بن سعيد الرازي.

وأخبرني شيخي أحمد بن محمّد قال : أخبرنا أبو أحمد إبراهيم بن علي الهمداني قال : حدّثنا أبو جعفر الرازي ... ».

ورواه شهردار الديلمي بسنده ، قال :

« أخبرنا أبي ، حدّثنا علي [ مكّي ] بن دكين القاضي ، حدّثنا علي بن محمّد بن يوسف ، حدّثنا الفضل الكندي ، حدّثنا عبدالله بن محمّد بن الحسن مولى بني هاشم بالكوفة ، حدّثنا علي بن الحسين ، حدّثنا محمّد بن أبي هاشم النوفلي ، حدّثنا عبيدالله بن موسى ، حدّثنا العلاء ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن أبي داود نفيع ، عن أبي الحمراء ... ».

الحديث عن الأعور الهمداني

وأمّا عن الأعور الهمداني ، فقد أخرجه ابن مردويه ، وعنه الخطيب الخوارزمي ، حيث قال :

« أخبرني شهردار هذا إجازةً قال : أخبرنا أبو الفتح عبدوس بن عبدالله بن عبدوس الهمداني إجازة ، عن الشريف أبي طالب المفضل بن محمّد بن طاهر الجعفري باصبهان ، عن الحافظ أبي بكر أحمد بن موسى ابن مردويه بن فورك

٤٣١

الإصبهاني قال : حدّثنا محمّد بن أحمد بن إبراهيم قال : حدّثنا الحسين بن علي بن الحسين السكوني [ السلوي ] قال : حدّثني سويد بن مسعر بن يحيى بن حجاج النهدي ، حدّثنا أبي ، حدّثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث الأعور ، صاحب راية علي بن أبي طالب قال :

بلغنا أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان في جمع من أصحابه ، فقال : أريكم آدم في علمه ونوحاً في فهمه وإبراهيم في حكمته ، فلم يكن بأسرع من أن طلع علي. فقال أبو بكر : يا رسول الله ، أقست رجلاً بثلاثة من الرسل ، بخ بخ لهذا الرجل ، من هو يا رسول الله؟ قال النبيّ : ألا تعرفه يا أبا بكر؟ قال : الله ورسوله أعلم. قال : أبو الحسن علي بن أبي طالب. فقال أبو بكر : بخ بخ لك يا أبا الحسن ، وأين مثلك يا أبا الحسن ».

التحقيق في هذه الأسانيد

فأقول : لقد أرسل غير واحدٍ من الأعلام هذا الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إرسال المسلّم.

ورواه جماعة بالإسناد ، فمنهم من رواه بسندٍ واحد له ، ومنهم من رواه بأكثر من سند.

* فأمّا ما أخرجه عبدالرزاق وعنه أحمد ، بسنده عن أبي هريرة ، فقد عرفت في الكتاب رواته وصحّة سنده ، ولا كلام فيه.

* وأمّا ما أخرجه الحاكم في ( تاريخ نيسابور ) عن أبي الحمراء فهذه تراجم رجاله :

أمّا « محمّد بن أحمد بن سعيد الرازي » شيخ الحاكم فهو أبو جعفر الرازي ، صاحب ابن وارة.

٤٣٢

وأمّا « ابن وارة » محمّد بن مسلم بن وارة ، فهو من رجال النسائي ، وقد ترجم له :

ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ٨ / ٧٩ رقم ٣٣٢

الخطيب في تاريخه ٣ / ٢٥٦

وابن الجوزي في المنتظم ٥ / ٥٥

والذهبي في تذكرة الحفاظ ٢ / ٥٧٥

وابن حجر في تهذيب التهذيب ٩ / ٤٥١

قال ابن أبي حاتم : سمعت منه وهو صدوق ثقة.

وقال النسائي : ثقة صاحب حديث.

وذكره ابن حبان في الثقات.

وقال الخطيب : كان متقناً عالماً حافظاً فهماً.

وقال ابن حجر : ثقة حافظ.

وأما « عبيدالله بن موسى » العبسي فهو :

من رجال الصّحاح (١).

وأمّا « أبو عمر الأزدي » فسيأتي الكلام فيه.

وأمّا « أبو راشد الحبراني » فهو

من رجال عدّةٍ من الصّحاح (٢).

وأمّا « أبو عمر الأزدي »

فقد جاء في كتاب ( الموضوعات ) لابن الجوزي ما نصّه :

« الحديث العشرون ـ في تشبيهه بالأنبياء :

أنبأنا زاهر بن طاهر ، قال : أنبأنا أبو بكر البيهقي ، قال : أنبأنا أبو عبدالله

__________________

(١) تقريب التهذيب ١ / ٥٣٩.

(٢) تقريب التهذيب ٢ / ٤٢١.

٤٣٣

الحاكم ، قال : حدّثنا محمّد بن أحمد بن سعيد الرازي ، قال : حدّثنا محمّد بن مسلم بن وارة قال : حدّثنا عبيدالله بن موسى قال : حدّثنا أبو عمر الأزدي ، عن أبي راشد الحبراني ، عن أبي الحمراء قال :

سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ونوح في فهمه وإبراهيم في حكمه ويحيى بن زكريا في زهده ، وموسى بن عمران في بطشه ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب.

هذا حديث موضوع. وأبو عمر متروك » (١).

أقول :

هذا من تحكّمات ابن الجوزي ، لأنّ الحديث لو كان أحد رواته متروكاً لا يكون موضوعاً ، فكيف والرجل ليس بمتروك؟

لقد جاء في ( تهذيب الكمال ) بترجمة « أبي راشد الحبراني » فيمن روى عنه : « عبد الرحمن بن عائذ الأزدي » (٢).

كما فيه بترجمة « عبدالرحمن بن عائذ الأزدي » في مشايخه : « روى عن ... وأبي راشد الحبراني » (٣).

وكلاهما شامي حمصي.

وهذا الأزدي من رجال السنن الأربعة من الصحاح الستّة ، وقد وثّقوه ، بل ذكروا قولاً بكونه من الصّحابة.

فمن أين جاء القول بأنّه متروك؟.

__________________

(١) الموضوعات لابن الجوزي ١ / ٣٧٠.

(٢) تهذيب الكمال ٣٣ / ٢١٧.

(٣) تهذيب الكمال ١٧ / ١٩٨.

٤٣٤

نعم يمكن وقوع الاشتباه فيه بسبب الاختلاف في كنيته ، ففي الحديث « أبو عمر » وفي كتب التراجم : « أبو عبدالله » ويقال : « أبو عبيدالله » (١). كما أنّ في لقبه أيضاً خلافاً ، فقد عنونه المزي بقوله : « عبد الرحمن بن عائذ الأزدي ، الثمالي ، ويقال : الكندي ، ويقال : اليحصبي ».

ثم إنّ الحافظ السيوطي تعقّب ابن الجوزي بقوله بعد ما ذكر :

« قلت : له طريق آخر. قال الديلمي : أخبرنا أبي ، حدّثنا علي بن دكين القاضي ، حدّثنا علي بن محمّد بن يوسف ، حدّثنا الفضل الكندي ، حدّثنا عبدالله ابن محمّد بن الحسن مولى بني هاشم بالكوفة ، حدّثنا علي بن الحسين ، حدّثنا محمّد بن أبي هاشم النوفلي ، حدّثنا عبيدالله بن موسى ، حدّثنا العلاء ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن أبي داود نفيع عن أبي الحمراء به.

وورد عن أبي سعيد. قال ابن شاهين في السنّة ... » (٢).

لكن ابن الجوزي دأب على إيراد الحديث في كتابه بأحد أسانيده فقط ، والحكم عليه بالوضع لعدم صحّة السند الّذي ذكره بزعمه ، وهذا من جملة ما انتقده عليه غير واحدٍ من الحفّاظ :

قال ابن الصّلاح مشيراً إلى ابن الجوزي وكتابه في الموضوعات : « ولقد أكثر الّذي جمع في هذا العصر الموضوعات في نحو مجلّدين ، فأودع فيها كثيراً

__________________

(١) ويؤكّده أنّ العلاّمة المحمودي ذكر في هامش ( العسل المصفّى في تهذيب زين الفتى ) عن كتاب ( عيون الأخبار ) للشريف أبي المعالي محمّد بن علي بن الحسين البغدادي أنّه قال : أبو علي ابن شاذان ، أنبأنا أحمد بن إبراهيم بن جعفر الزعفراني ، حدّثنا إسحاق بن محمّد بن هارون بن عيسى بن بريه الهاشمي ، حدّثني جدّي ، حدّثنا عبيدالله بن موسى ، حدّثنا أبو عثمان الأزدي ، عن أبي راشد ، عن أبي الحمراء قال : ...

(٢) اللالي المصنوعة ١ / ٣٥٥ ـ ٣٥٦.

٤٣٥

ممّا لا دليل على وضعه » (١).

وقال ابن كثير : « وقد صنّف الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي كتاباً حافلاً في الموضوعات ، غير أنّه أدخل فيه ما ليس منه ... » (٢).

وقال ابن حجر العسقلاني بعد حديثٍ من مناقب أمير المؤمنين : « وقد أورد ابن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات ، وأخرجه من حديث سعد بن أبي وقاص وزيد بن أرقم وابن عمر ، مقتصراً على بعض طرقه عنهم ، وأعلّه ببعض من تكلّم فيه من رواته ، وليس بقادح ، ولما ذكرت من كثرة الطرق ... » (٣).

وقال السيوطي : « واعلم أنّه جرت عادة الحفّاظ ـ كالحاكم وابن حبان والعقيلي وغيرهم ـ أنّهم يحكمون على حديثٍ بالبطلان ، من حيثية سندٍ مخصوص ... فيغترّ ابن الجوزي بذلك ويحكم على المتن بالوضع مطلقاً ، ويورده في كتاب الموضوعات ، وليس هذا بلائق ، وقد عاب عليه الناس ذلك ، آخرهم الحافظ ابن حجر ... ».

أقول :

وهذا الموضع من ذلك ، ولذا تعقّبه الحافظ السيوطي نفسه ، بذكر طريقين آخرين الحديث ، ولم يتكلَّم عليهما بشيء ، وهما :

* ما أخرجه شهردار الديلمي ، بسنده عن أبي الحمراء.

* وما أخرجه ابن شاهين ، بسنده عن أبي سعيد الخدري ، وسيأتي تحقيقه.

__________________

(١) علوم الحديث : ٩٩.

(٢) الباعث الحثيث في شرح ألفية الحديث : ٧٥.

(٣) القول المسدد في الذب عن المسند : ١٩.

٤٣٦

أقول :

وبما ذكرنا يبطل تكلّم ابن كثير في هذا الحديث ، فإنّه قال في عداد فضائل أمير المؤمنين :

« حديث آخر ـ قال محمّد بن مسلم بن واره ، ثنا عبيدالله بن موسى ، ثنا أبو عمر الأزدي ، عن أبي راشد الحبراني ، عن أبي الحمراء قال قال رسول الله ...

وهذا منكر جدّاً ولا يصحُّ إسناده » (١).

* وأمّا ما أخرجه ابن بطة العكبري ، ورواه عنه الحافظ الكنجي بسنده ، فهذه تراجم الرجال فيه :

أمّا « أبو الحسن ابن المقيّر » فقد ترجم له :

الذهبي في تذكرة الحفّاظ ٤ / ١٤٣٢ وسير أعلام النبلاء ٢٣ / ١١٩ والعبر في خبر من غبر ٥ / ١٧٨ وغيرها من كتبه ، وتوجد ترجمته في كتبٍ اخرى أيضاً.

قال الذهبي : « ابن المقيّر ، الشيخ المسند الصالح ، رحلة الوقت ، أبو الحسن علي بن أبي عبيدالله الأزجي ، المقرئ ، الحنبلي ، النّجار.

قال الحافظ تقي الدين عبيد : كان شيخاً صالحاً كثير التهجّد والعبادة والتلاوة ، صابراً على أهل الحديث ...

وقال الحافظ عز الدين الحسيني : كان من عباد الله الصالحين ، كثير التلاوة مشتغلاً بنفسه.

مات سنة ٦٤٣ ».

__________________

(١) البداية والنهاية ٧ / ٣٥٧.

٤٣٧

وأمّا « المبارك بن الحسن الشهرزوري » فقد ترجم له :

ابن الجوزي في المنتظم ١٠ / ١٦٤

والسمعاني في الأنساب ـ الشهرزوري

وياقوت في معجم الأدباء ١٧ / ٥٢

والذهبي في تذكرة الحفاظ ٤ / ١٢٩٢ والعبر ٤ / ١٤١ وسير أعلام النبلاء ٢٠ / ٢٨٩.

قال السمعاني : شيخ صالح ديّن خيّر ، قيّم بكتاب الله ، عارف باختلاف الروايات ، والقراءات ، حسن السيرة ، جيد الأخذ على الطلاّب ، عالي الروايات.

وقال الذهبي : انتهى إليه علوّ الإسناد في القراءات.

توفي سنة ٥٠٥ ».

وأمّا « أبو القاسم بن البسري » فقد ترجم له :

الخطيب في تاريخه ١١ / ٣٣٥

والسمعاني في الأنساب ـ البسري

وابن الأثير في الكامل ١٠ / ١٢٢

وابن الجوزي في المنتظم ٨ / ٣٣٣

والذهبي في تذكرة الحفاظ ٣ / ١١٨٣ والعبر ٣ / ٢٨١ وسير أعلام النبلاء ١٨ / ٤٠٢.

قال الخطيب : كتبت عنه وكان صدوقاً.

وقال السمعاني : كان شيخاً صالحاً عالماً ثقة ...

توفّي سنة ٤٧٤ ».

وأمّا « أبو عبدالله العكبري » فهو : « ابن بطّة » المترجم له في الكتاب ، وهذه

٤٣٨

جملة من مصادر ترجمته :

تاريخ بغداد ١٠ / ٣٧١

طبقات الحنابلة ٢ / ١١٤

تاريخ ابن كثير ١١ / ٣٢١

العبر ٢ / ٣٥

سير أعلام النبلاء ١٦ / ٥٢٩ وقد عنونه بـ « ابن بطة ، الإمام القدوة العابد الفقيه المحدّث شيخ العراق » وذكر وفاته بقوله : « قال العتيقي : توفّي ابن بطة وكان مستجاب الدعوة في المحرم سنة ٣٣٧ ».

وأمّا « أبو ذر الباغندي » فهو :

الحافظ ابن الحافظ ابن الحافظ ، هو المتقن الإمام أبو ذر أحمد بن أبي بكر محمّد بن محمّد بن سليمان بن الباغندي.

كذا عنونه الذهبي في سير أعلام النبلاء ١٥ / ٢٦٨.

وتوجد ترجمته في :

تاريخ بغداد ٥ / ٨٦

والوافي بالوفيات ٨ / ١٢٥

وغيرهما من المصادر.

وتوفي سنة ٣٢٦ ».

وأمّا « أبوه » المذكور ، فقد عنونه الذهبي بقوله :

« الباغندي ، محمّد بن محمّد بن سليمان بن الحارث ، الإمام الحافظ الكبير ، محدّث العراق ، أبو بكر ، ابن المحدّث أبي بكر ، الأزدي الواسطي الباغندي ، أحد أئمّة هذا الشأن ببغداد. جمع وصنّف وعمّر وتفرّد.

٤٣٩

توفّي سنة ٣١٢ » (١).

وأمّا « مسعر بن يحيى النهدي » فسيأتي الكلام فيه.

وأمّا « شريك » فهو : شريك بن عبدالله النخعي الكوفي.

من رجال الصّحاح (٢).

وأمّا « أبو إسحاق » فهو : أبو إسحاق السبيعي الكوفي.

من رجال الصّحاح كذلك (٣) واسمه « عمرو ».

وأمّا « أبوه » فاسمه « عبدالله » واختلفوا في أبيه ، فقيل : عبدالله بن علي ، وقيل : عبدالله بن عبيد ، وقيل : عبدالله بن يحمد.

وكيف كان ، فهو من التابعين ، ولا كلام فيه.

إنّما الكلام في هذا السند على « مسعر بن يحيى النهدي ».

وهذا الرجل لم أجد اسمه فيما بيديَّ من كتب القوم في الضعفاء ومن تُكلّم فيهم ، إلاّفي ( الميزان ) وتبعه ابن حجر في ( لسانه ) ولم يزد عليه شيئاً.

قال الذهبي : « مسعر بن يحيى النهدي لا أعرفه. وأتى بخبرٍ منكر :

قال ابن بطة : حدّثنا أبو ذر أحمد بن الباغندي ، أخبرنا أبي ، عن مسعر بن يحيى ، حدّثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال :

قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : من أراد أنْ ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوحٍ في حكمته ، وإلى إبراهيم في حلمه ، فلينظر إلى علي » (٤).

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٤ / ٣٨٣.

(٢) تقريب التهذيب ١ / ٣٥١.

(٣) ميزان الاعتدال ٤ / ٩٩.

(٤) ميزان الاعتدال ٤ / ٩٩.

٤٤٠