نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ١٩

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ١٩

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٢

قوله :

الحديث السادس : وهو ما رواه الإماميّة ..

أقول :

إنّ الإماميّة يروون حديث التشبيه ، في كتبهم في الأخبار والمناقب ، بطرقٍ وألفاظٍ مختلفة ، وهم غير محتاجين إلى رواية غيرهم ، غير أنّهم يوردونه في كتبهم عن أهل السنّة أيضاً من باب الإلزام ، كما هو المتّبع في قانون المناظرة :

الحديث في كتب الإماميّة

١ ـ قال الوزير علي بن عيسى بن أبي الفتح الإربلي رحمه‌الله : « فصلٌ في مناقبه ، وما أعدّ الله تعالى لمحبّيه ، وذكر غزارة علمه ، وكونه أقضى الأصحاب :

من مناقب الخوارزمي : عن مجاهد عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو أنّ الرياض أقلام ، والبحر مداد ، والجنّ حسّاب ، والإنس كتّاب ، ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب ».

ثمّ قال بعد نقل أحاديث أخرى ـ :

« ومنه عن أبي الحمراء قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أراد أنْ ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في فهمه ، وإلى يحيى بن زكريا في

٢٤١

زهده ، وإلى موسى بن عمران في بطشه ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب ».

قال أحمد بن الحسين البيهقي : لم أكتبه إلاّبهذا الإسناد.

وقد روى البيهقي في كتابه المصنّف في فضائل الصحابة يرفعه بسنده إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّه قال : من أراد أنْ ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوحٍ في تقواه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى موسى في هيبته ، وإلى عيسى في عبادته ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب.

فقد ثبت لعلي عليه‌السلام ما ثبت لهم عليهم‌السلام من هذه الصّفات المحمودة ، واجتمع فيه ما تفرّد في غيره » (١).

ترجمة الإربلي

وقد ترجم ابن شاكر الكتبي علي بن عيسى الإربلي في ( فواته ) بقوله :

« علي بن عيسى بن أبي الفتح ، الصاحب ، بهاء الدين ، ابن الأمير فخر الدين ، الإربلي ، المنشيء الكاتب البارع. له شعر وترسّل ، وكان رئيساً ، كتب لمتولّي أربل ثمّ خدم ببغداد في ديوان الإنشاء ، أيام علاء الدين صاحب الديوان ، ثمّ إنّه فتر سوقه في دولة اليهود ، ثمّ تراجع بعدهم وسلّم ولم ينكب ، إلى أنْ مات سنة ٦٩٢.

وكان صاحب تجمّل وحشمة ومكارم أخلاق ، وفيه تشيّع.

وكان أبوه والياً بأربل.

ولبهاء الدين مصنّفات أدبية ، مثل المقامات الأربع ، ورسالة الطيف ، المشهورة ، وغير ذلك. وخلَّف لمّا مات تركة عظيمة ، نحو ألفي ألف درهم ،

__________________

(١) كشف الغمة في معرفة الأئمّة ١ / ١١٣ ـ ١١٤.

٢٤٢

تسلّمها ابنه أبو الفتح ، ومَحَقها ، ومات صعلوكاً » (١).

ولابن شاكر مقام جليل لدى أهل السنّة ، ولا يخفى ما لكتبه من قيمةٍ واعتبار ... (٢).

٢ ـ وروى زين الدين محمّد بن علي بن شهرآشوب السروي المازندراني حديث التشبيه عن أحمد بن حنبل وابن بطة. كما عرفته سابقاً.

٣ ـ وأورد أبو الحسن يحيى بن الحسن بن البطريق الحلي ـ رحمه‌الله حديث التشبيه عن أبي الحسن ابن المغازلي حيث قال : « وبالإسناد قال :

أخبرنا أحمد بن محمّد بن عبدالوهّاب قال : حدّثنا الحسين بن محمّد بن الحسين العدل العلوي الواسطي قال : حدّثنا محمّد بن محمود قال : حدّثنا إبراهيم بن مهدي الابلي قال : حدّثنا إبراهيم بن سليمان بن رشيد قال : حدّثنا زيد بن عطيّة قال : حدّثنا أبان بن فيروز ، عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أراد أن ينظر إلى علم آدم ، وفقه نوح ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب » (٣).

٤ ـ ونقل الشيخ الحسن بن محمّد بن علي السهمي الحلّي ـ طاب ثراه ـ حديث التشبيه عن ( وسيلة المتعبّدين ) لعمر بن محمّد بن خضر المعروف بالملاّ الأردبيلي (٤).

٥ ـ وأورد العلاّمة الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي ـ طاب ثراه ـ في ( بحار الأنوار ) عبارة ابن شهرآشوب ، التي روى فيها هذا الحديث عن أحمد وابن بطّة.

__________________

(١) فوات الوفيات ٢ / ٦٦.

(٢) انظر : الدرر الكامنة ٣ / ٤٥١ ، كشف الظنون : ٢٩٣ ، ١١٨٥ ، ١٢٩٢ ، ٢٠١٩.

(٣) عمدة عيون صحاح الأخبار : ٣٦٩.

(٤) الأنوار البدريّة في دفع شبه النواصب والقدريّة ـ مخطوط.

٢٤٣

فما قصده ( الدهلوي ) بهذا الكلام حيث نسب رواية الحديث إلى الإماميّة ـ من نفي رواية أهل السنّة إيّاه ـ واضح الفساد ، بل إنّ الإماميّة يروونه بطرقهم ، وينقلونه عن أهل السنّة أيضاً لإفحامهم.

ثم إنّه كان الأحرى بـ ( الدّهلوي ) أنْ ينقل جميع طرق هذا الحديث أو أكثرها ، ولا أقلّ من أنْ يصرِّح بكثرة طرقه ورواته ، لا أنْ يكتفي بطرقٍ واحدٍ منها.

قوله :

وفساد مبادئ هذا الاستدلال ومقدّماته من الصدر إلى الّذيل ظاهر على كلّ خبير.

أقول :

زعم فساد هذا الاستدلال إنّما ينشأ ممّن فسدت مبادئ عقله بالوساوس الشيطانيّة ، وإنّ العالم الخبير صاحب الفطرة المستقيمة والعقل السليم لا يصغي إلى تشكيكات ( الدهلوي ) وخرافاته الهزيلة ... نسأل الله الهداية إلى نهج السداد ، وهو الصائن من أنْ يمتلئ الإنسان من الرأس إلى القدم بالحقد والعناد ، لفضائل وصيّ شفيع الأمم ، ويتنكّب عن الطّريق الأمم.

قوله :

أوّلاً : إنّ هذا الحديث ليس من أحاديث أهل السنّة.

٢٤٤

أقول :

العجب من هذا الرجل!! أليس عبدالرزاق الصنعاني ، وأحمد بن حنبل ، وأبو حاتم الرازي ، وابن شاهين ، وابن بطّة ، والحاكم النيسابوري ، وابن مردويه ، وأبو نعيم ، والبيهقي ، وابن المغازلي ، وشيرويه الديلمي ، والسّنائي ، والعطّار ، وشهردار الديلمي ، والخوارزمي ، وأبو الخير الحاكمي ، والصالحاني ، وابن طلحة ، والكنجي ، والمحبّ الطبري ، والسيّد علي الهمداني ، وأمير ملاّ ، والشهاب الدولت آبادي الهندي ، وابن الصبّاغ ، وحسين الميبدي اليزدي ، وعبد الرحمن الصفوري ، وإبراهيم الوصّابي ، وجمال الدين المحدّث ، وأحمد ابن باكثير المكي ، والميرزا محمّد البدخشي ، ومحمّد صدر العالم ، ومحمّد بن إسماعيل الأمير ...

أليس هؤلاء وأمثالهم الّذين رووا حديث التشبيه ، من أكابر أساطين أهل السنّة ، ومن مفاخرهم في كلّ عصر وزمان؟!

إن كان هؤلاء خارجين عن زمرة أهل السنّة ، وداخلين في زمرة أهل الضلال والبدع ، فهل يكون أبوه ( ولي الله الدهلوي ) الّذي كان باعتقاد ابنه ( الدهلوي ) آيةً من الآيات الإلهية ومعجزةً من المعجزات النبويّة ، خارجاً عن أهل السنّة كذلك؟

وإذا كان كلّ أولئك خارجين من أهل السنّة ، ومعدودين في زمرة المبتدعين والهالكين ، فلا مانع منْ أن يقال ذلك في حق معاصري ( الدهلوي ) من أمثال : أحمد بن عبدالقادر العجيلي ، والمولوي ولي الله بن حبيب الله اللكهنوي ...

وإذا كان كلّ هؤلاء خارجين ، فلا شك في خروج من يمدحهم ويثني

٢٤٥

عليهم ويوثّقهم ، لاشتراك العلّة والسّبب ...

فانحصر التسنّن في شخص ( الدّهلوي ).

ولكنّ ( الدهلوي ) أيضاً ممّن يمدح ويثني على طائفة من الأشخاص المذكورين ، فيلزم أنْ يخرج هو من بين أهل السنّة ، فلم يبقَ في العالم سنّي أصلاً ...

فبطل مذهب السنيّة ، وانهدم من الرأس إلى القدم.

( وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ ).

إنكار رواية البيهقي والردُّ عليه

قوله :

وقد أورده ابن مطهّر الحلّي في كتبه ، ونسبه إلى البيهقي مرّةً ، وإلى البغوي أخرى ، وليس في تصانيفهما أثر منه.

أقول :

رواه عن أهل السنّة جماعة من علمائنا قبل العلاّمة الحلّي ، كالإربلي صاحب ( كشف الغمة ) ، وابن شهرآشوب السروي صاحب ( مناقب آل أبي طالب ) وابن البطريق صاحب ( العمدة ) ... كما دريت آنفاً ، فلا وجه لتخصيص إيراد الحديث بالعلاّمة الحلّي إلاّتقليد الكابلي.

ولقد أورده العلاّمة الحلّي عن البيهقي حيث قال في كتاب ( منهاج الكرامة في الإمامة ) في ذكر أعلمية الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام : « عن البيهقي في كتابه بإسناده عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في تقواه ، وإلى إبراهيم في خلّته ، وإلى

٢٤٦

موسى في هيبته ، وإلى عيسى في عبادته ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب.

فأثبت له ما تفرّق فيهم ».

ورواه عن البيهقي في كتاب ( نهج الحق ) كذلك.

وهذا الحديث موجود في كتاب البيهقي بالقطع واليقين ، وقد نصَّ على ذلك جماعة من أكابر أهل السنّة ، أمثال :

الموفّق بن أحمد المكي أخطب خطباء خوارزم.

ومحمّد بن طلحة النصيبي الشّافعي.

ونور الدين علي ابن الصبّاغ المالكي.

والحسين الميبدي اليزدي.

والميرزا محمّد بن معتمد خان البدخشاني.

وأحمد بن عبدالقادر العجيلي الشافعي.

والميرزا محمّد البدخشاني مقبول لدى ( الدهلوي ) ، وقد وصفه تلميذه محمّد رشيد خان الدهلوي بأنّه من عظماء علماء أهل السنّة ، فإنْ لم يثق ( الدهلوي ) وأتباعه بنقل الآخرين عن البيهقي ، فلا محيص عن قبول نقل مثل البدخشاني.

فالحمد لله على ما أزاح الباطل عن نصابه ، وأوضح الحق المشرق ، ولزمت الحجة الكافية ، والبينة الشافية.

عدم إنكار ابن تيمية رواية البيهقي

وبالرغم من أنّ ( الدهلوي ) يدّعي طول الباع وسعة الإطّلاع على كتب الفريقين ، فإنّه لم ير الكتب الحديثية ولم يعثر عليها ، بل قلَّد الكابلي في نفي وجود أثرٍ من حديث التشبيه في تصانيف البيهقي باليقين والجزم رجماً

٢٤٧

بالغيب ... فليته قال : لم أره في تصانيفه البيهقي ، بأنْ يقصد : إنّي لمّا لم أر كتب البيهقي ، فلا جرم لم أعثر على هذا الحديث فيها ، وأمّا النفي الواقعي والإخبار الحقيقي عن عدم وجوده في تصانيف البيهقي ، فذلك كذب صريح يستبعد صدوره بالنسبة إلى الأمور الدينيّة من أجهل الناس فضلاً عن الأفاضل.

اللهمّ إلاّ أن يعتذر أولياء ( الدهلوي ) بأنّه نفى وجود أثر من هذا الحديث في مصنّفات البيهقي ، ونفي وجود الأثر لا ينافي وجود العين!!

إنّا لا نستبعد أن يلتجئ أولياء ( الدهلوي ) إلى هذا العذر الواهي ... إنّهم يجدون أنّ ابن تيميّة الّذي هو إمامهم في المكابرة والعناد وإنكار الحقائق والفضائل الثابتة ... لا ينكر وجود هذا الحديث في مصنّفات البيهقي ، لأنّه يعلم بوجوده فيها ، فيضطر إلى جرح البيهقي نفسه والقدح فيه ، ... إنّه يقول في جواب عبارة العلاّمة الحلي المتقدمة :

« والجواب أن يقال : أوّلاً : أين إسناد هذا الحديث؟ والبيهقي يروي في الفضائل أحاديث كثيرة ضعيفة بل موضوعة ، كما جرت عادة أمثاله من أهل العلم. ويقال ثانياً : هذا الحديث كذب موضوع على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، بلا ريب عند أهل العلم بالحديث ، ولهذا لا يذكره أهل العلم بالحديث ، وإن كانوا حراصاً على جمع فضائل علي ، كالنسائي ، قصد أن يجمع فضائل علي في كتابٍ سمّاه الخصائص ، والترمذي قد ذكر أحاديث متعددة في فضائله ، وفيها ما هو ضعيف بل موضوع ، ومع هذا لم يذكروا هذا ونحوه » (١).

فأنت ترى ابن تيمية يرمي الحديث بالضعف بل بالوضع ، ويصف البيهقي وأمثاله برواية أحاديث ضعيفة بل موضوعة ، فلو لم يكن العلاّمة الحلّي صادقاً في عزو الحديث إلى البيهقي ، لكان الردّ عليه من هذه النّاحية أقوى وأشد ...

__________________

(١) منهاج السنّة ٥ / ٥١٠.

٢٤٨

فابن تيميّة ـ هذا المتعصّب العنيد ـ لا ينكر وجود هذا الحديث في مصنّفات البيهقي ، كما أنّه لا ينفي دلالته على أفضليّة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ولا يجعله من قبيل تشبيهات الشعراء في مدائحهم للأشخاص ...

لكن ( الدهلوي ) ينكر وجوده في مصنّفات البيهقي بل سائر كتب أهل السنّة ولو بإسنادٍ ضعيف ، ويجعله من قبيل إغراقات الشعراء وتشبيهاتهم في الأشعار ...

والواقع الّذي يذعن به كل منصف ، ويعترف به كلّ خبير هو : صحّة هذا الحديث ، وثبوت صدوره عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ووجوده في كتب أهل السنّة المعتبرة المشهورة ، وفي كتب البيهقي ومصنّفاته ، فدعوى ابن تيميّة ضعف هذا الحديث أو وضعه دعوى بلا دليل ، والبيهقي قد التزم بأنْ لا يروي حديثاً يعلم بكونه موضوعاً ، ومن هنا لم يرم العلماء ما أخرجه البيهقي بالوضع.

كلمات في وصف البيهقي وكتبه

وقول ابن تيميّة : « ولهذا لا يذكره أهل العلم بالحديث ... » يستشم منه الإزراء الشّديد بحقّ البيهقي ...

إنّه لم يصف أحدٌ البيهقي بما وصفه به ابن تيميّة ، وما هذا إلاّلغرض ردّ أحاديث فضائل أهل البيت والطّعن فيها ، ولنذكر شيئاً من كلمات القوم في وصف البيهقي :

١ ـ قد ذكرنا سابقاً أنّ صاحب ( المشكاة ) يقول في حق جماعةٍ فيهم البيهقي : « إني إذا أسندت الحديث إليهم كأني أسندت إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ».

٢٤٩

٢ ـ ياقوت الحموي : « وقد أخرجت هذه الكورة من لا يحصى من الفضلاء والعلماء والفقهاء والأدباء ، ومع ذلك ، فالغالب على أهلها مذهب الرافضة الغلاة.

ومن أشهر أئمّتهم الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين بن عبدالله بن موسى البيهقي ، من أهل خسروجرد ، صاحب التصانيف المشهورة ، وهو الإمام الحافظ ، الفقيه الأصولي ، الدين الورع ، أوحد الدهر في الحفظ والإتقان ، مع الدين المتين ، من أجلّ أصحاب أبي عبدالله الحاكم والمكثرين عنه ، ثمّ فاقه في فنون من العلم تفرَّد بها ، رحل إلى العراق وطوّف الآفاق ، وألف من الكتب ما يبلغ قريباً من ألف جزء ، ممّا لم يسبق إلى مثله ... » (١).

٣ ـ السمعاني : « كان إماماً فقيهاً حافظاً ، جمع بين معرفة الحديث والفقه ، وكان تتبّع نصوص الشافعي ، وجمع كتاباً فيها سمّاه كتاب المبسوط ، وكان استاذه في الحديث الحاكم أبو عبدالله محمّد بن عبدالله الحافظ ، وتفقّه على أبي الفتح ناصر بن محمّد العمري المروزي ، وسمع الحديث الكثير ، وصنّف فيه التصانيف التي لم يسبق إليها ، وهي مشهورة موجودة في أيدي الناس ، سمعت منها ... وأدركت عشرة من أصحابه الّذين حدّثوني عنه.

وكانت ولادته في سنة ٣٨٤ في شعبان. ووفاته في سنة ٤٥٨ » (٢).

٤ ـ ابن خلّكان : « الفقيه الشافعي ، الحافظ الكبير المشهور ، واحد زمانه وفرد أقرانه في الفنون ، من كبار أصحاب الحاكم أبي عبدالله ابن البيّع في الحديث ، ثمّ الزائد عليه في أنواع العلوم ... وهو أوّل من جمع نصوص الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه في عشر مجلّدات ... وكان قانعاً من الدنيا بالقليل.

__________________

(١) معجم البلدان ١ / ٥٣٨ ، ٢ / ٣٧٠.

(٢) الأنساب ٢ / ٣٨١.

٢٥٠

وقال إمام الحرمين في حقّه : ما من شافعي المذهب إلاّوللشّافعي عليه منّة ، إلاّ أحمد البيهقي فإنّ له على الشافعي منة ...

وكان على سيرة السّلف ، وأخذ عنه الحديث جماعة من الأعيان ... » (١).

٥ ـ الذهبي : « البيهقي هو : الحافظ ، العلاّمة ، الثبت ، الفقيه ، شيخ الإسلام ...

قال الحافظ عبدالغافر بن إسماعيل في تاريخه : كان البيهقي على سيرة العلماء ، قانعا باليسير ، متجمّلاً في زهده وورعه.

وقال أيضاً : هو أبو بكر ، الفقيه الحافظ ، الأصولي ، الدّين والورع ، واحد زمانه في الحفظ وفرد أقرانه في الإتقان والضبط ، من كبار أصحاب الحاكم ، ويزيد على الحاكم بأنواع من العلوم ، كتب الحديث وحفظه من صباه ، وتفقّه وبرع ، وأخذ فن الأصول ، وارتحل إلى العراق والجبال والحجاز ، ثمّ صنّف ، وتواليفه تقارب ألف جزء ممّا لم يسبقه إليه أحد ، جمع بين علم الحديث والفقه وبيان علل الحديث ووجه الجمع بين الأحاديث ، طلب منه الأئمّة الانتقال من بيهق إلى نيسابور لسماع الكتب ، فأتى في سنة ٤٤١ ، وعقدوا له المجلس لسماع كتاب المعرفة ، وحضره الأئمّة.

قال شيخ القضاة أبو علي إسماعيل ابن البيهقي ، قال أبي : حين ابتدأت بتصنيف هذا الكتاب ـ يعني كتاب المعرفة من السنن والآثار ـ وفرغت من تهذيب أجزاء منه ، سمعت الفقيه محمّد بن أحمد ـ وهو من صالحي أصحابي وأكثرهم تلاوة وأصدقهم لهجة ـ يقول : رأيت الشافعي رحمه‌الله في النوم ، وبيده أجزاء هذا الكتاب وهو يقول : كتبت اليوم من كتاب الفقيه سبعة أجزاء أو قال : قرأتها ، ورآه يعتد بذلك. قال : وفي صباح ذلك اليوم رأى فقيه آخر من

__________________

(١) وفيات الأعيان ١ / ٧٥.

٢٥١

إخواني الشافعيَّ قاعداً في الجامع على سرير وهو يقول : قد استفدت اليوم من كتاب الفقيه حديث كذا وكذا.

وأخبرنا أبي قال : سمعت الفقيه أبا محمّد الحسن بن أحمد السمرقندي الحافظ يقول : سمعت الفقيه محمّد بن عبدالعزيز المروزي يقول : رأيت في المنام كأنَّ تابوتاً علا في السماء يعلوه نور ، فقلت : ما هذا؟ فقال : تصنيفات أحمد البيهقي.

ثم قال شيخ القضاة : سمعت الحكايات الثالث من الثلاثة المذكورين.

قلت : هذه الرؤيا حق ، فتصانيف البيهقي عظيمة القدر ، غزيرة الفوائد ، قلَّ من جوّد تواليفه مثل الإمام أبي بكر ، فينبغي للعالم أنْ يعتني بها ، ولا سيّما سننه الكبير.

وقد قدم قبل موته بسنةٍ أو أكثر إلى نيسابور وتكاثر عليه الطلبة ، وسمعوا منه كتبه ، وجلبت إلى العراق والشام والنواحي ، واعتنى بها الحافظ أبو القاسم الدمشقي ، وسمعها من أصحاب البيهقي ، ونقلها إلى دمشق هو وأبو الحسن المرادي.

وبلغنا عن إمام الحرمين أبي المعالي الجويني قال : ما من فقيهٍ شافعي إلاّ وللشافعي عليه منّة إلاّ أبا بكر البيهقي ، فإنّ المنّة له على الشافعي ، لتصانيفه في نصرة مذهبه.

قلت : أصاب أبو المعالي هكذا ، ولو شاء البيهقي أن يعمل لنفسه مذهباً لكان قادراً على ذلك ، لسعة علومه ومعرفته بالإختلاف ، ولهذا تراه يلوح بنصر مسائل ممّا صحّ في الحديث ... » (١).

٦ ـ أيضاً : « البيهقي الإمام الحافظ العلاّمة شيخ خراسان ... فذكر

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٨ / ١٦٣.

٢٥٢

مشايخه ومصنّفاته ، وكلمات إمام الحرمين وعبد الغافر في حقّه وما نقله ولده من الرؤيا ، ثمّ ذكر وفاته ، ومن روى عنه (١).

٧ ـ أيضاً : « البيهقي الإمام العالم ... وبلغت تصانيفه ألف جزءٍ ، ونفع الله بها المسلمين شرقاً وغرباً ، لأمانة الرجل ودينه وفضله وإتقانه. فالله يرحمه » (٢).

٨ ـ اليافعي : « الإمام الكبير ، الحافظ النحرير ، أحمد بن الحسين ، البيهقي ، الفقيه الشافعي ، واحد زمانه وفرد أقرانه في الفنون ، من كباد أصحاب الحاكم أبي عبدالله ابن البيع في الحديث ، الزائد عليه في أنواع العلوم ، له مناقب شهيرة ، وتصانيف كثيرة بلغت ألف جزء ... » ثمّ نقل ما قيل في حقّه من كلمات الثناء (٣).

٩ ـ السبكي : « كان الإمام البيهقي أحد أئمة المسلمين ، وهداة المؤمنين ، والدعاة إلى حبل الله المتين ، فقيه جليل ، حافظ كبير ، اصولي نحرير ، زاهد ورع ، قانت لله ، قائم بنصرة المذهب اصولاً وفروعاً ، جبلاً من جبال العلم ... صار واحد زمانه ، وفارس ميدانه ، وأحذق المحدّثين ذهناً ، وأسرعهم فهماً وأجودهم قريحةً. وبلغت تصانيفه ألف جزء ، ولم يتهيّأ لأحدٍ مثلها ، أمّا السنن الكبير ، فما صنّف في علم الحديث مثله تهذيباً وترتيباً وجودةً ، وأمّا المعرفة معرفة السنن والآثار ، فلا يستغني عنه فقيه شافعي ... وكلّها مصنّفات لطاف ، مليحة الترتيب والتهذيب ، كثيرة الفائدة ، يشهد من يراها من العارفين بأنّها لم يتهيّأ لأحدٍ من السابقين.

__________________

(١) تذكرة الحفاظ ٢ / ١١٣٢.

(٢) العبر في خبر من غبر ٣ / ٢٤٢١.

(٣) مرآة الجنان ـ حوادث : ٤٥٨.

٢٥٣

وفي كلام شيخنا الذهبي أنّه أوّل من جمع نصوص الشافعي. وليس ذلك ، بل هو آخر من جمعها ، ولذلك استوعب أكثر ما في كتب السابقين ، ولا أعرف أحداً بعده جمع النصوص ، لأنّه سدّ الباب على من بعده.

وكانت إقامته ببيهق ، ثمّ استدعاه والي نيسابور ليقرأ عليه كتاب المعرفة ...

قال عبدالغافر ...

قال شيخنا الذهبي ...

وقال إمام الحرمين ...

وقال شيخ القضاة أبو علي ولد البيهقي ... » (١).

١٠ ـ ابن الأثير : « كان إماماً في الحديث والفقه ... » (٢).

١١ ـ أبو الفداء : « كان إماماً في الحديث والفقه على مذهب الشافعي ، وكان زاهداً ... أوحد زمانه ... » (٣).

١٢ ـ ابن الوردي : « إمام في الحديث والفقه ... رحل في طلب الحديث إلى العراق والجبال والحجاز ، وهو أول من جمع نصوص الشافعي في عشر مجلّدات ، ومن تصانيفه ... قال إمام الحرمين ... وكان قانعا من الدنيا بالقليل » (٤).

١٣ ـ الأسنوي : « الحافظ الفقيه الأصولي ، الزاهد الورع ، القائم في نصرة المذهب ... » (٥).

__________________

(١) طبقات الشافعية ٤ / ٨.

(٢) الكامل في التواريخ ٨ / ٣٧٧. حوادث سنة ٤٥٨ ـ ١٠ / ٥٢.

(٣) المختصر في أخبار البشر. حوادث سنة ٤٥٨ ـ ٢ / ١٥٨.

(٤) تتمة المختصر في أخبار البشر. حوادث سنة ٤٥٨ ـ ١ / ٥٥٩.

(٥) طبقات الشافعية ١ / ١٩٨.

٢٥٤

١٤ ـ ابن قاضي شهبة : « الإمام الحافظ الكبير أبو بكر البيهقي ، الخسروجردي ، سمع الكثير ورحل وجمع وحصّل وصنّف ... وكان كثير التحقيق والإنصاف ، حسن التصنيف ...

قال عبدالغافر ... وقال إمام الحرمين ... » (١).

١٥ ـ الخطيب التبريزي : « كان أوحد دهره في الحديث والتصانيف ومعرفة الفقه ، وهو من كبار أصحاب الحاكم أبي عبدالله.

قالوا : سبعة من الحفاظ أحسنوا التصنيف ، وعظم الانتفاع بتصانيفهم : أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني ، ثمّ الحاكم أبو عبدالله النيسابوري ، ثمّ أبو محمّد عبد الغني الأزدي حافظ مصر ، ثمّ أبو نعيم أحمد بن عبدالله الإصفهاني ، ثمّ أبو عمرو ابن عبدالبر النمري حافظ أهل المغرب ، ثمّ أبو بكر أحمد بن حسين البيهقي ، ثمّ أبو بكر أحمد الخطيب البغدادي ... » (٢).

١٦ ـ السيوطي : « البيهقي الإمام الحافظ العلامة ، شيخ خراسان ... لزم الحاكم وتخرج به ، وأكثر منه جدّاً ، وهو من كبار أصحابه ، بل زاد عليه بأنواعٍ من العلوم ، كثير الحديث وحفظه من صباه ، برع وأخذ في الأصول وانفرد بالإتقان والضبط والحفظ ، ورحل ... وعمل كتباً لم يسبق إليها ... وبورك له في علمه ، لحسن قصده وقوّة فهمه وحفظه ، وكان على سيرة العلماء ، قانعاً باليسير ، مات في عاشر جمادى الأولى ٤٥٥ بنيسابور ، ونقل في تابوت إلى بيهق مسيرة يومين » (٣).

__________________

(١) طبقات الشافعية ١ / ٢٢٦.

(٢) الإكمال في أسماء الرجال ـ ط مع المشكاة.

(٣) طبقات الحفاظ : ٤٣٣.

٢٥٥

أقول :

وهكذا تجد الثناء عليه وعلى مصنّفاته في غير هذه الكتب ، فراجع مثلاً : ( فيض القدير ) و ( المرقاة ) و ( شرح المواهب اللدنيّة ) و ( مقاليد الأسانيد ) و ( التاج المكلّل ) وغيرها ، ولولا خوف الإطالة لأوردنا كل ذلك ، ولكنّا حاولنا الإختصار بقدر الإمكان.

وعلى الجملة ، فإنّك إذا وضعت يدك على أيّ كتابٍ ترجم فيه للبيهقي ، فلا تجد إلاّ الثناء عليه وعلى سائر آثاره ومصنّفاته ، فكلّهم يصفونه بالحفظ والإتقان والإمامة والديانة والورع وأمثال ذلك من الأوصاف الحميدة ، ويصفون مصنّفاته بالجودة والتهذيب والاعتبار ... وقد رأيت كيف أقبل حفّاظ عصره والمتأخّرون عنه على مصنّفاته وتناقلوها وسمعوها ... وناهيك بالرؤيا التي رآها أحد معاصريه من الأعلام ، تلك الرؤيا الّتي قال الذّهبي وغيره « هي حق » ...

أقول :

فثبت أنّ البيهقي لا يروي في الفضائل الأحاديث الضعيفة بل الموضوعة كما زعم ابن تيميّة ، ولكن الحقيقة هي أن من يروي شيئاً من مناقب علي عليه‌السلام يتّهم بأنواع التّهم وإن وافقه في روايته الجمّ الغفير والجمع الكثير من الأعلام والمشاهير ، كما هو الشأن في حديث التشبيه الّذي رواه من أعلام القوم من عرفت ، وأخرجه عبدالرزاق بسند صحيح. هذا ، ولا يخفى التناقض الموجود في كلام ابن تيمية ، فإنّه بعد أن أخرج البيهقي من زمرة أهل العلم بالحديث لروايته هذا الحديث الموضوع بزعمه ، ذكر أن أهل العلم بالحديث لا

٢٥٦

يذكرونه لكونه موضوعاً ، وصرّح منهم باسم النسائي والترمذي ، ومعنى كلامه هنا أنّ كتابيهما مجرّدان عن الأحاديث الضعيفة والموضوعة. لكنّه يعلم بوجود بعض المناقب فيهما ، فحمله تعصّبه على أنْ يناقض نفسه فيدّعي وجود ما هو ضعيف بل هو موضوع في كتابيهما أيضاً. فالعياذ بالله من التعصّب والعناد.

كما ثبت أنّ حديث التشبيه من الأحاديث التي أخرجها البيهقي ، فلا شك في صحة نسبة العلاّمة الحلّي رواية الحديث إليه.

فظهر بطلان ما ذكره ( الدهلوي ) تبعاً للكابلي.

ولقد تبع القاضي ثناء الله الهندي أيضاً الكابلي في هذه الدعوى ، فأنكر وجود الحديث في كتب البيهقي ، حيث قال بعد أن ذكره في ( السيف المسلول ) :

« والجواب : إنّ هذا الحديث ليس من أحاديث أهل السنّة ، وقد أورده ابن المطهّر الحلّي في كتبه ، فعزاه تارةً إلى البيهقي وأخرى إلى البغوي. وهو غير موجود في كتبهما ».

وقد عرفت كذب هذه الدعوى. والحمد لله.

غلط القوم في فهم عبارة العلاّمة الحلّي

وأمّا دعوى ( الدهلوي ) عزو العلاّمة الحلّي قدس‌سره حديث التشبيه إلى البغوي ، فهي ناشئة من سوء الفهم ... وإنّ أوّل من وقع في هذا الاشتباه والغلط هو ( الفضل بن روزبهان ) صاحب الردّ على ( نهج الحق ) للعلاّمة الحلّي ، ثمّ تبعه على ذلك ( الكابلي ) صاحب الصواقع ، ثمّ ( الدهلوي ) و ( القاضي ثناء الله الهندي ).

ولكي تتّضح حقيقة الأمر ننقل نصّ عبارة العلاّمة الحلّي طاب ثراه في ( نهج الحق وكشف الصدق ) فإنّه قال : « المطلب الثاني : العلم. والناس كلّهم ـ

٢٥٧

بلا خلاف ـ عيال علي عليه‌السلام ، في المعارف الحقيقيّة والعلوم اليقينيّة والأحكام الشرعيّة والقضايا النقليّة ، لأنّه عليه‌السلام كان في غاية الذكاء والحرص على التعلّم ، وملازمته لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو أشفق الناس عليه ، لا ينفكّ عنه ليلاً ونهاراً ، فيكون بالضرورة أعلم من غيره.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقّه : أقضاكم علي. والقضاء يستلزم العلم والدين.

وروى الترمذي في صحيحه : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أنا مدينة العلم وعلي بابها.

وذكر البغوي في الصحاح : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أنا دار الحكمة وعلي بابها.

وفيه عن أبي الحمراء قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أراد أنْ ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في فهمه ، وإلى يحيى بن زكريا في زهده ، وإلى موسى بن عمران في بطشه ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب.

وروى البيهقي بإسناده إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في تقواه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى موسى في هيبته ، وإلى عيسى في عبادته ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب ».

هذا نصّ عبارة العلاّمة ابن المطهّر الحلّي ، وليس فيها تصريح ولا تلويح بنسبته الحديث إلى البغوي ، وهم قد توهموا ذلك من قوله « وفيه عن أبي الحمراء ... » جاعلين ( البغوي ) مرجع الضمير ، ولم يلتفتوا إلى أنّ مرجع الضمير هو ( علي عليه‌السلام ) ... كما أنّه مرجع الضمير في كلمة « في حقه ».

وحديث أبي الحمراء هذا هو الحديث الّذي رواه القوم في كتبهم ، كالخوارزمي في ( المناقب ) ، ونقله عن الخوارزمي الشيخ الإربلي رحمه‌الله في ( كشف الغمة ).

٢٥٨

هذا كلّه في دفع هذا التوهّم ، ولا بأس بإيراد بعض كلمات القوم في الثناء على العلاّمة الحلّي.

ترجمة العلاّمة ابن المطهر الحلّي

فإنّ العلاّمة الحلّي ـ رحمه‌الله موصوف في كلمات بعض رجالات العلم من أهل السنّة بالأوصاف الحميدة والألقاب الفائقة :

[ ١ ] ـ قال أكمل الدين محمّد بن محمود البابرتي الحنفي في كتاب ( نقود وردود ) : « أمّا بعد ، فلما كان توقّف استنباط الأحكام الشرعية من مسالكها ، واستخراج الأوامر السمعيّة من مداركها ، على معرفة الصانع والتصديق بصفاته ، والنظر في أمر النبوّة وتحقيق معجزاته ، وكان علم الكلام هو المتكفّل بهذا المرام ، لا جرم بعد الفراغ من كتاب الكواشف البرهانيّة في شرح المواقف السلطانية اشتغلت بعلم أصول الفقهيات ومدارك الفرعيات ، الّذي هو العروة الوثقى للطالب المستمسك والسعادة العظمى للراغب المتمسّك ، ما استضاء بنوره ذو رويّة إلاّ أصاب واهتدى ، وما استنار بضوءه ذو بصيرة إلاّفاز وارتقى.

وكان خير الكتب المؤلّفة فيه عند أصحاب هذا العلم وذويه ( منتهى السئول والأمل ) الّذي صنفه الإمام العلاّمة الشيخ جمال الدين أبو عمرو ابن الحاجب ، بلّغه الله أعلى المراتب ـ في علم الأصول والجدل ، ولهذا صار مشتهراً في مشارق الأرض ومغاربها كالشمس في وسط النهار ، مستهترا إليه أصحاب الفقهاء الأربعة وأرباب مذاهبها ، استهتارا أيّ استهتار.

وخير شروحها المشهورة شهرة المتن ، جامعاً للضروريات ولخاصيات الفن : الشرح الّذي لأستاذي وأستاذ الكلّ في الكلّ ، الإمام ابن الإمام ابن الإمام ، أفضل علماء الإسلام ، عضد الملّة والدين ، عبدالرحمن الصديقي ،

٢٥٩

الّذي أعلى الله بكلمته كلمة الدين ، وعضد به الإيمان والمؤمنين ، جزاه الله أفضل مجازاته ، رافعاً في أعلى عليّين درجاته ، إذ هو ملازم لتفسير نصوصه ، محقّقاً لدقائقه ، مداوم على تقرير فصوصه ، مدقّقاً لحقائقه ، كاشف مخبيّات مشكلاته ، مصحّحاً لمقاصده ، مشيراً إلى مكنيّات مفصّلاته ، منقّحاً لفرائده ، حتّى صار كتابه مجموعاً مستحقاً لأنّ يكون على الرأس محمولاً وعلى العين موضوعاً. فيالها من المناقب ، ما أحسن مناصبه بين المناصب ، وما يعرفه إلاّمن حقّق كلام غيره تحقيقاً ، وجرى في ميدانه أشواطاً وعرق فيه تعريقاً ، وهو ملي كثير البضاعة طويل الباع في هذه الصناعة : إنّما يعرف ذا الفضل من الناس ذووه.

وقد وقع إليّ من الشروح عشرة أخرى ، حريّة بأنْ تكتب على الأحداق ، بل أحرى ، أشهرها السبعة السّيارة في الآفاق ، المنسوبة إلى أكابر الفضلاء بالإستحقاق : المولى الأعظم شيخ الدنيا قطب الدين الشيرازي قدّس نفسه. والمولى السيّد ركن الدين الموصلي روح رمسه. والمولى الشيخ جمال الدين الحلّي طابت تربته. والمولى القدوة زين الدين الخنجي زيدت درجته. والمولى العلاّمة شمس الدين الإصفهاني نوّر الله مضجعه. والمولى الأفضل بدر الدين التستري عطر مهجعه. والمولى الأعلم شمس الدين الخطيبي طيّب مريعه. المذكور أسماء هؤلاء العلماء الكرام البررة المعظَّمة على ترتيب وجود الشروح التي كأنّها صحف مكرّمة.

واتّفق لي قراءته على مؤلّفه مرةً والإستماع عنه اخرى ، مقتبساً من أشعة أنوار فوائده بمقدار مقدرتي القصرى ، فرأيته وإنْ كان شرحاً ـ كتاباً مستقلاً ، وإنْ جعل فرعاً كان أصلاً أصيلاً ، يحتاج ألفاظه في جلّها لا بل كلّها إلى حلّها ، ممّا يزيل من مسالك شعابه صعابها ، ويكشف عن وجوه فرائده

٢٦٠