نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ١٩

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ١٩

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٢

يبرحون عن ظلّ موالاته في القرون والأعصار ، وأرباب الحقّ والإيقان يبوحون بفضل مصافاته في البلدان والأمصار ، ويجهرون بتخصيصه بالمدائح والمناقب نثراً ونظماً ، ويشيرون إلى ما له من المدائح والمراتب إرغاماً للآناف وهضماً ، كالإمام الهمام والعالم القمقام ، والحبر الفاضل الزكيّ ، الحافظ الخطيب والناقد النجيب ، ضياء الدين موفق بن أحمد المكي ، فإنّه اندرج في سِلك مادحيه بنظام نظمه ، واندمج في فلك ناصحيه بعصام عزمه حيث قال فيه ، ونثر الدرر من فيه :

أسد الإله وسيفه وقناته

كالظفر يوم صياله والناب

جاء النداء من السماء وسيفه

بدم الكماة يُلِحُّ في التسكاب

لا سيف إلاّذو الفقار ولا فتى

إلاّ عليّ هازم الأحزاب » (١)

وقال أيضاً : « عن أبي سعيد رضي‌الله‌عنه قال : ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبارك وسلّم لعلي رضوان الله تعالى عليه ما يلقى من بعده ، فبكى وقال : أسألك بحق قرابتي وصحبتي إلاّدعوت الله تعالى أن يقبضني ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبارك وسلّم : يا علي تسألني أن أدعو الله لأجل موجّل؟ فقال يا رسول الله على ما أُقاتل القوم؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبارك وسلّم : على الإحداث في الدّين.

وعن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه ، عن عليّ كرّم الله تعالى وجهه قال : عهد إليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبارك وسلّم أن أُقاتل النّاكثين والقاسطين والمارقين ، فقيل له : يا أمير المؤمنين من الناكثون؟ قال كرّم الله تعالى وجهه : الناكثون أهل الجمل والقاسطون أهل الشام والمارقون الخوارج.

رواهما الصالحاني وقال : رواهما الإمام المطلق روايةً ودرايةً أبو بكر بن

__________________

(١) توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل ـ مخطوط.

١٦١

مردويه ، وخطيب خوارزم الموفق أبو المؤيّد أدام الله جمال العلم بمأثور أسانيدهما ومشهود مسانيدهما ».

٩ ـ السيوطي : « الموفق بن أحمد بن أبي سعيد إسحاق ، أبو المؤيد ، المعروف بأخطب خوارزم.

قال الصّفدي : كان متمكّناً في العربية ، غزير العلم ، فقيهاً فاضلاً ، أديباً شاعراً ، قرأ على الزمخشري ، وله خطب وشعر.

قال القفطي : وقرأ عليه ناصر المطرزي.

ولد في حدود سنة ٤٨٤. ومات سنة ٥٦٨ » (١).

١٠ ـ الكفوي : « الموفّق بن أحمد بن محمّد المكّي ، خطيب خوارزم ، أستاذ الإمام ناصر بن عبدالسيّد صاحب المغرب ، أبو المؤيد. مولده في حدود سنة ٤٨٤ كان أديباً فاضلاً ، له معرفة تامّة بالفقه والأدب ، أخذ عن نجم الدين عمر النسفي ، عن صدر الإسلام أبي اليسر البزدوي ، عن يوسف السياري ، عن الحاكم النوقدي ، عن أبي بصير الهندواني ، عن أبي بكر الأعمش ، عن أبي بكر الإسكاف ، عن أبي سليمان الجوزجاني ، عن محمّد عن أبي حنيفة.

وأخذ علم العربية عن الزمخشري.

وأخذ عنه الفقه والعربية ناصر بن عبدالسيد صاحب المغرب.

مات سنة ٥٩٨ » (٢).

__________________

(١) بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة ٢ / ٣٠٨.

(٢) كتائب أعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار ـ مخطوط.

١٦٢

كتاب كتائب أعلام الأخيار

وقد ذكر الكفوي في خطبة كتابه ما نصّه :

« وبعد ، فإنّ سنة الله الجليلة الجارية في بريّته ، ونعمته اللطيفة الجارية على خليقته أن يحدث في كلّ عصر من الأعصار طائفة من العلماء في المدائن والأمصار ، يتجاولون تجاول فرسان الطّراد في مضمار النظار ، ويتصاولون تصاول آساد الجلاد في معترك التنظار ، لله درّهم ، لا زال كرّهم وفرّهم ، فجعل توفيقه رفيقهم وسَهّل إلى اقتباس العلم طريقهم ، بحيث يجمع في كلٍّ منهم العلم والعمل ، ويشاهد فيهم حلاوة الفهم والأصل ، فيفوّض إليهم خدامة القضاء والفتوى ويُفاض عليهم نعمة الدنيا والعقبى ، إذ يتّم بحكمهم وعلمهم حكم الدّين ومهام الأمّة ، وينتظم برأيهم وقلمهم مصلحة الخاصّة والعامّة ، فإنّ لله تعالى في قضائه السّابق وقدره اللاّحق ، وقائع عجيبة ترد في أوقاتها وقضايا غريبة تجري إلى غاياتها ، ولولا وجود تلك الطّائفة العليّة المتحلّية بالفضائل الجليّة من يقوم بكشف قناع هذه الوقائع ، ومن يلتزم بحلّ مشكلات هذه البدائع ، وهذا هداية من الله تعالى ، والحمد لله الّذي هدانا لهذا.

ثمّ الحمد لله على ما أسبغ من نعمائه المتوافرة وآلائه المتكاثرة على هذا العبد الذليل الفقير إلى رحمة الله الجليل القدير ، خادم ديوان الشرع المصطفوي محمود بن سليمان الشهير بالكفوي ، بصّره الله بعيوب نفسه وختم له بالخير آخر نفسه ، وجعل يومه خيراً من أمسه ، حيث وفّقه في العقائد أحقّها وأتقنها ، ويسّره من المذاهب أصوبها وأوزنها ، وأعطاه من العلوم أشرفها ، وأولاه من الفنون ألطفها ، ومن لطائف تلك النعم الجليلة وجلائل هاتيك الآلاء الجزيلة ، ما ساقه إلى جمع أخبار فقهاء الأعصار من ذي الفتيا وقضاة الأمصار ، من لدن

١٦٣

نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم إلى مشايخنا في تلك الأوان ، حسبما قضوا وأفتوا وأفادوا واستفادوا ، في دور من أدوار الزمان ... ».

وذكره كاشف الظنون بقوله : « كتائب أعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار ، للمولى محمود بن سليمان الكفوي المتوفى سنة ٩٩٠ » (١).

وقد أكثر من النقل عنه أبو مهدي عيسى الثعالبي ، في كتابه ( مقاليد الأسانيد ) ، حيث اعتمد عليه واستند إلى كلامه بترجمة الزين العراقي ، وبترجمة التفتازاني ، وبترجمة الطحاوي ، وهكذا ...

وكذا غلام علي آزاد في كتابه ( سبحة المرجان ).

وشاه ولي الله والد ( الدهلوي ) في ( الانتباه في سلاسل أولياء الله ).

و ( الدهلوي ) نفسه في كتابه ( بستان المحدثين ) بترجمة الطّحاوي.

اعتبار كتاب المناقب للخوارزمي

ثمّ إن كتاب ( مناقب علي ) للخطيب الخوارزمي ، من الكتب المعتبرة المنقول عنها والمستند إليها ، في مختلف المسائل ، وإليك طرفاً من الموارد التي اعتمد كبار علماء القوم فيها عليه ونقلوا عنه في مؤلّفاتهم المشهورة.

قال الحافظ الكنجي :

« أخبرني المقرئ أبو إسحاق بن بركة الكتبي ، في مسجده بمدينة الموصل ، عن الحافظ أبي العلاء الحسن بن أحمد بن الحسن الهمداني ، عن أبي الفتح عبدوس ، عن الشريف أبي طالب المفضل بن محمّد بن طاهر الجعفري ، في داره بأصبهان ، أخبرنا الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه بن فورك ، أخبرنا أحمد بن محمّد بن السّري ، حدّثنا المنذر بن محمّد

__________________

(١) كشف الظنون ٢ / ١٤٧٢.

١٦٤

بن المنذر حدّثني أبي ، حدّثني عمي الحسين بن سعيد ، عن أبيه عن إسماعيل ابن زياد البزّاز ، عن إبراهيم بن مهاجر ، حدّثني يزيد بن شراحيل الأنصاري كاتب علي عليه‌السلام قال سمعت عليّاً يقول :

حدّثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا مسنده إلى صدري فقال : أي علي ، ألم تسمع قول الله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) أنت وشيعتك ، وموعدي وموعدكم الحوض ، إذا جاءت الأمم للحساب تدعون غرّاً محجّلين.

قلت : هكذا ذكره الحافظ أبو المؤيد موفق بن أحمد بن المكي الخوارزمي في مناقب عليّ » (١).

« وبهذا الإسناد عن ابن شاذان قال : حدّثني أبو محمّد الحسن بن أحمد المخلّدي من كتابه ، عن الحسين بن إسحاق ، عن محمّد بن زكريا ، عن جعفر ابن محمّد ، عن أبيه ، عن علي بن الحسين عن أبيه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( ع ) قال :

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : إنّ الله تعالى جعل لأخي عليّ فضائل لا تحصى كثرة ، فمن ذكر فضيلة من فضائله مقرّاً بها غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، ومن كتب فضيلة من فضائله لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقي لتلك الكتابة رسم ، ومن استمع فضيلة من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالاستماع ، ومن نظر إلى فضيلة من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالنظر.

ثمّ قال : النظر إلى وجه علي عبادة ، وذكره عبادة ، ولا يقبل الله إيمان عبد إلاّبولايته والبراءة من أعدائه.

قلت : ما كتبناه إلاّمن حديث ابن شاذان. رواه الحافظ الهمداني وتابعه

__________________

(١) كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب : ٢٤٦.

١٦٥

الخوارزمي » (١).

وقال الحافظ الزرندي : أنشد الخطيب ضياء الدّين أخطب خوارزم الموفّق بن أحمد المكّي رحمه‌الله :

أسد الإله وسيفه وقناته

كالظفر يوم صياله والنّاب

جاء النّداء من السماء وسيفه

بدم الكماة يُلحُّ في التسكاب

لا سيف إلاّذو الفقار ولا فتى

إلاّ علي هازم الأحزاب » (٢)

وقال ابن الوزير ـ في ( الروض الباسم ) : « وتولّى حمل الرأس أي رأس الحسين عليه‌السلام بشر بن مالك الكندي ودخل به على ابن زياد وهو يقول :

إملأ ركابي فضّة وذهباً

أنا قتلت الملك المحجّبا

قتلت خير النّاس أُمّا وأبا

ولقد صدق هذا القائل الفاسق في الحديث وتقريظ هذا السيّد الذبيح ، ولقى الله بفعله القبيح ، وأمر عبيدالله بن زياد من فور رأس الحسين عليه‌السلام حتّى ينصب في الرمح فتحاماه الناس ، فقام طارق بن المبارك فأجابه إلى ذلك وفعله ، ونادى في النّاس وجمعهم في المسجد الجامع ، وصعد المنبر وخطب خطبة لا يحلّ ذكرها ، ثمّ دعا عبيدالله بن زياد جرير ابن قيس الجعفي فسلّم إليه رأس الحسين ورؤوس أهله وأصحابه ، فحملها حتّى قدموا دمشق ، وخطب جرير خطبة فيها كذب وزور ، ثمّ أحضر الرأس فوضعه بين يدي يزيد ، فتكلّم بكلام قبيح ، قد ذكره الحاكم والبيهقي وغير واحد من أشياخ أهل النقل بطريق ضعيف وصحيح ، وقد ذكره أخطب الخطباء ضياء الدين أبو المؤيّد موفق الدّين ابن أحمد الخوارزمي في تأليفه في مقتل الحسين ، وهو عندي في مجلّدين ».

__________________

(١) كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب : ٢٥٢.

(٢) نظم درر السمطين : ١٢١.

١٦٦

ترجمة ابن الوزير

« محمّد بن إبراهيم بن علي بن المرتضى بن الهادي بن يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، العز أبو عبدالله الحسني اليماني الصنعاني ، أخو الهادي الآتي ، ولد تقريباً سنة خمس وستّين وسبعمائة ، وتعاطى النظم فبرع فيه ، وصنّف في الردّ على الزيديّة العواصم والقواصم في الذبّ عن سنّة أبي القاسم ، واختصره في الرّوض الباسم عن سنّة أبي القاسم وغيره ، وذكره التقي بن فهد الهاشمي في معجمه » (١).

وقال ابن الصباغ المالكي : « ومن كتاب الآل لابن خالويه ، ورواه أبو بكر الخوارزمي في كتاب المناقب ، عن بلال بن حمامة ، قال :

طلع علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم متبسّماً ضاحكاً ، ووجهه مشرق كدائرة القمر ، فقام إليه عبدالرحمن بن عوف فقال : يا رسول الله ما هذا النور؟ قال : بشارة أتتني من ربي في أخي وابن عمي وابنتي ، فإنّ الله زوج عليّاً من فاطمة ، وأمر رضوان خازن الجنان فهزّ شجرة طوبى فحملت رقاقاً يعني صكاكاً بعدد محبّي أهل البيت ، وأنشأ تحتها ملائكة من نور ، ودفع إلى كلّ ملك صكّاً ، فإذا استوت القيامة بأهلها نادت الملائكة في الخلائق ، فلا يبقى محبٌّ لأهل البيت إلاّدفعت إليه صكّاً فيه فكاكه من النّار ، فصار حب أخي وابن عمّي وبنتي فكاك رقاب رجال ونساء » (٢).

وقال : « ومن مناقب ضياء الدّين الخوارزمي ، عن ابن عبّاس قال : لمّا

__________________

(١) الضوء اللامع لأهل القرن التاسع ٦ / ٢٧٢.

(٢) الفصول المهمة في معرفة الأئمّة : ٢٨.

١٦٧

آخى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار ، وهو أنّه صلّى الله عليه وسلّم آخى بين أبي بكر وعمر ( رض ) ، وآخى بين عثمان وعبد الرحمن بن عوف ، وآخى بين طلحة والزبير ، وآخى بين أبي ذر الغفاري والمقداد رضوان الله عليهم أجمعين ، ولم يؤاخ بين عليّ بن أبي طالب وبين أحدٍ منهم ، خرج عليّ مغضباً حتّى أتى جدولاً من الأرض ، وتوسّده ذراعه ونام فيه ، تسفي الريح عليه التراب ، فطلبه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، فوجده على تلك الصّفة ، فوكزه برجله وقال له : قم ، فما صلحت أن تكون إلاّ أبا تراب ، أغضبت حين آخيت بين المهاجرين والأنصار ولم اواخ بينك وبين أحدٍ منهم؟ أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ، ألا من أحبّك فقد حفّ بالأمن والإيمان ، ومن أبغضك أماته الله ميتة جاهليّة » (١).

قال : « ومن كتاب المناقب لأبي المؤيّد ، عن أبي برزة قال :

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن جلوس ذات يوم : والّذي نفسي بيده لا تزول قدم عن قدم يوم القيامة حتّى يسأل الله تبارك وتعالى الرجل عن أربع ، عن عمره فيما أفناه ، وعن جسده فيما أبلاه ، وعن ماله ممّ كسب وفيم أنفقه ، وعن حبّنا أهل البيت. فقال له عمر : ما آية حبّكم؟ فوضع يده على رأس عليّ وهو جالس إلى جانبه وقال : آية حُبّي حبّ هذا من بعدي » (٢).

وقال الحافظ السمهودي بعد حديث : من كنت مولاه فعلي مولاه :

« قال الإمام الواحدي : هذه الولاية التي أثبتها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم

__________________

(١) الفصول المهمة في معرفة الأئمّة : ٣٨.

(٢) الفصول المهمة في معرفة الأئمّة : ١٢٥.

١٦٨

مسئول عنها يوم القيامة ، وروي في قوله تعالى ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) أي عن ولاية علي وأهل البيت ، لأنّ الله أمر نبيه صلّى الله عليه وسلّم أن يعرّف الخلق أنّه لا يسألهم عن تبليغ الرّسالة أجرا إلاّ المودّة في القربى ، والمعنى إنّهم يسألون هل والوهم حقّ الموالاة كما أوصاهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أم أضاعوها وأهملوها ، فيكون عليهم المطالبة والتبعة ...

ويشهد لذلك ما أخرجه أبو المؤيّد في كتاب المناقب فيما نقله أبو الحسن علي السفاقسي ثمّ المكي في الفصول المهمّة ، عن أبي برزة رضي‌الله‌عنه ، قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن جلوس ذات يوم : والّذي نفسي بيده لا تزول قدم عن قدم يوم القيامة حتّى يسأل الله تعالى الرّجل عن أربع ، عن عمره فيما أفناه ، وعن جسده فيما أبلاه ، وعن ماله ممّا اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن حبنا أهل البيت. فقال له عمر رضي‌الله‌عنه : يا نبيّ الله ما آية حبّكم؟ فوضع يده على رأس عليّ وهو جالس إليه جانبه وقال : آية حبّي حبّ هذا من بعدي » (١).

قال : « في كتاب الآل لابن خالويه ، ورواه أبو بكر الخوارزمي في كتاب المناقب ، عن بلال بن حمامة رضي‌الله‌عنه ، قال : طلع علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم متبسّماً ضاحكاً ووجهه مشرق كدائرة القمر ، فقام إليه عبدالرحمن بن عوف رضي‌الله‌عنه فقال : يا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما هذا النّور؟ قال : بشارة أتتني من ربّي في أخي وابن عمّي وابنتي ، بأنّ الله تعالى زوج عليّاً من فاطمة وأمر رضوان خازن الجنان ، فهزّ شجرة طوبى فحملت رقاقاً يعني صكاكاً بعدد محبّي أهل البيت ، وأنشأ تحتها ملائكة من نور ، ودفع إلى كلّ ملك صَكاً ، فإذا استوت القيامة بأهلها نادت الملائكة في الخلائق ، فلا

__________________

(١) جواهر العقدين ٢ / ٢٢٥.

١٦٩

يبقى محبّ لأهل البيت إلاّ دفعت إليه صكّاً فيه فكاكه من النار ، فصار أخي وابن عمّي وابنتي فكاك رقاب رجال ونساء من امتي من النّار » (١).

وقال ابن حجر الهيتمي المكي : « أخرج أبو بكر الخوارزمي (*) أنّه صلّى الله عليه وسلّم خرج عليهم ، ووجهه مشرق كدائرة القمر ، فسأله عبدالرحمن ابن عوف ، فقال : بشارة أتتني من ربي في أخي وابن عمّي وابنتي ، بأنّ الله زوّج عليّاً من فاطمة ، وأمر رضوان خازن الجنان ، فهزّ شجرة طوبى فحملت رقاقاً يعني صكاكاً بعدد محبّي أهل البيت ، وأنشأ تحتها ملائكة من نور ، دفع إلى كلّ ملك صكّاً ، فإذا استوت القيامة بأهلها نادت الملائكة في الخلائق ، فلا يبقى محبّ لأهل البيت إلاّدفعت إليه صكّاً فيه فكاكه من النّار ، فصار أخي وابن عمّي وابنتي فكاك رقاب رجال ونساء من أمّتي من النار » (٢).

وقال ابن باكثير : « روى أبو بكر الخوارزمي (**) عن أبي القاسم بن محمّد أنّه قال : كنت بالمسجد الحرام ، فرأيت النّاس مجتمعين حول مقام إبراهيم الخليل على نبيّنا وعليه أفضل الصّلوة والسّلام ، فقلت : ما هذا؟ فقالوا : راهب قد أسلم وجاء إلى مكّة ، وهو يحدّث بحديث عجيب ، فأشرفت عليه ، فإذا هو شيخ كبير عليه جبّة صوف وقلنسوة صوف ، عظيم الجثّة ، وهو قاعد عند المقام يحدّث النّاس ، وهم يستمعون إليه ، قال :

بينما أنا قاعد في صومعتي في بعض الأيّام ، إذ أشرفت منها إشرافةً ، فإذا بطائر كالنّسر كبير قد سقط على صَخرةٍ على شاطئ البحر فتقايا ، فرمى من فيه بربع إنسان ، ثمّ طار وغاب يسيراً ثمّ عاد فتقايا ربعاً آخر ، ثمّ طار ، فدنت

__________________

(١) جواهر العقدين ٢ / ٢٤١.

(*) وكنية الخوارزمي « أبو المؤيد » و « أبو بكر الخوارزمي » شخص آخر.

(٢) الصواعق المحرقة : ١٠٣.

(**) وكنية الخوارزمي « أبو المؤيد » و « أبو بكر الخوارزمي » شخص آخر.

١٧٠

الأجزاء بعضها من بعض فالتأمت ، فقام منها إنسان كامل ، وأنا متعجّب ممّا رأيت ، فإذا بالطّائر قد انقضّ عليه ، فاختطف ربعه ثمّ طار ، ثمّ عاد فاختطف ربعاً آخر ، وهكذا يفعل إلى أن اختطفه جميعه ، فبقيت أتفكّر وأتحسّر من عدم سؤالي له عن قصّته ، فلمّا كان اليوم الثاني فإذا أنا بالطائر قد أقبل وفعل كفعله بالأمس ، فلمّا التأمت الأجزاء وصارت شخصاً كاملاً ، نزلت من صومعتي مبادراً إليه ، وسألته بالله من أنت يا هذا؟ فسكت ، فقلت : بحق من خلقك إلاّما أخبرتني من أنت ، فقال : أنا ابن ملجم ، قلت : فما قصّتك مع هذا الطّائر؟ قال إنّي قتلت عليّ بن أبي طالب ، فوكّل الله بي هذا الطائر يفعل بي ما ترى كُلَّ يوم ، فخرجت من صومعتي وسألت عن علي بن أبي طالب من هو؟ فقيل لي : إنّه ابن عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فأسلمت وأتيت مأتاي هذا إلى بيت الله الحرام قاصداً للحجّ وزيارة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم » (١).

وقال : « أخرج أبو المؤيّد في كتاب المناقب فيما نقله أبو الحسن علي السفاقسي ثمّ المكّي في الفصول المهمّة ، عن أبي برزة رضي‌الله‌عنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن جلوس ذات يوم : والّذي نفسي بيده ، لا تزول قدم عن قدم يوم القيامة حتّى يسأل الله الرّجل عن أربع ، عن عمره فيما أفناه ، وعن جسده فيما أبلاه ، وعن ماله ممّا اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن حبّنا أهل البيت. فقال عمر رضي‌الله‌عنه : ما آية حبّكم؟ فوضع يده على رأس عليّ وهو جالس إلى جانبه وقال : آية حبّي حبّ هذا من بعدي » (٢).

وقال المطيري : « الحديث الرابع والستّون من كتاب الآل لابن خالويه ورواه أبو بكر الخوارزمي في كتاب المناقب ، عن بلال بن حمامة رضي‌الله‌عنه

__________________

(١) وسيلة المآل في مناقب الآل ـ مخطوط.

(٢) وسيلة المآل في مناقب الآل ـ مخطوط.

١٧١

، قال : طلع علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم متبسّماً ضاحكاً ووجهه مشرق كدائرة القمر ، فقام إليه عبدالرحمن بن عوف فقال يا رسول الله ما هذا النّور؟ قال : بشارة أتتني من ربّي في أخي وابن عمّي وابنتي ، فإنّ الله زوج عليّاً من فاطمة رضي الله عنها ، وأمر رضوان خازن الجنان فهزّ شجرة طوبى فحملت رقاقاً يعني صكاكاً بعدد محبّي أهل البيت ، وأنشأ تحتها ملائكة من نور ، ودفع إلى كلّ ملك صكّاً ، فإذا استوت القيامة بأهلها نادت الملائكة في الخلائق ، فلا يبقى محبّ لأهل البيت إلاّ دفعت إليه صكّاً فيه فكاكه من النار ، فصار أخي وابن عمّي وابنتي فكاك رقاب رجال ونساء من أمّتي من النار » (١).

وقال وليّ الله اللكهنوي : « أخرج أبو بكر الخوارزمي إنّه صلّى الله عليه وسلّم خرج عليهم ووجهه مشرق كدائرة القمر ، فسأله عبدالرحمن بن عوف فقال : بشارة أتتني من ربّي في أخي وابن عمّي وابنتي ، بأنّ الله زوّج عليّاً من فاطمة ، وأمر رضوان خازن الجنان فهز شجرة طوبى فحملت رقاباً يعني صكاكاً بعدد محبي أهل البيت ، وأنشأ تحتها ملائكة من نور ، ودفع إلى كلّ ملكٍ صكّاً فيه فكاكه من النّار ، فصار أخي وابن عمّي وابنتي فكاك رقاب رجال ونساءٍ من النّار.

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : لا يحبّنا أهل البيت إلاّمؤمن تقيّ ولا يبغضنا إلاّمنافق شقي » (٢).

فوق ذلك كله ... أنّ ( الدهلوي ) مع إبائه عن قبول كثيرٍ من الحقائق المنقولة من طرق القوم والواردة في كتبهم ، يعتمد على رواية الخطيب الخوارزمي في كتابه ، ويذكره في عداد الأئمّة الأعلام من أهل السنّة ، من قبيل

__________________

(١) الرياض الزاهرة في مناقب آل بيت النبيّ وعترته الطاهرة ـ مخطوط.

(٢) مرآة المؤمنين في مناقب آل بيت سيّد المرسلين ـ مخطوط.

١٧٢

ابن مندة وابن مردويه وأمثالهما ، فراجع كتابه في باب المكائد ، في المكيدة رقم ٨٤ (١).

كما أنّه في موضع آخر يذكر الخوارزمي ويستشهد بكتابه ، في عداد ابن أبي شيبة ، وأحمد بن حنبل ، والنسائي ، وأبي نعيم الأصفهاني ، وأمثالهم ... ويدعي أنّ الإمامية في إثبات فضائل أمير المؤمنين وأهل البيت عيالٌ على أهل السنّة ، ممّن ذكرهم وغيرهم ... وقد تقدم كلامه.

(١٧)

رواية الحاكمي القزويني

قال الحافظ محبّ الدين الطبري : « ذكر شبهه بخمسةٍ من الأنبياء عليهم‌السلام في مناقب لهم :

عن أبي الحمراء قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في فهمه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى يحيى ابن زكريا في زهده ، وإلى موسى بن عمران في بطشه ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب.

أخرجه القزويني الحاكمي » (٢).

وقال الحافظ الطبري : « عن أبي الحمراء ، قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في فهمه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى يحيى بن زكريا في زهده ، وإلى موسى في بطشه ،

__________________

(١) التحفة الإثنا عشرية : ٧٠.

(٢) الرياض النضرة في مناقب العشرة المبشرة ( ٣ ـ ٤ ) : ١٩٦.

١٧٣

فلينظر إلى علي بن أبي طالب.

أخرجه أبو الخير الحاكمي » (١).

ترجمة أبي الخير الحاكمي

وأبو الخير الحاكمي القزويني إمام كبير من أئمّتهم :

١ ـ الرافعي : أحمد بن إسماعيل بن يوسف بن محمّد بن العبّاس ، أبو الخير الطّالقاني القزويني ، إمام كثير الخير والبركة ، نشأ في طاعة الله تعالى وحفظ القرآن وهو ابن سبع على ما بلغني ، وحصّل بالطلب الحثيث العلوم الشرعية حتّى برع فيها رواية ودراية وتعليماً وتذكيراً وتصنيفاً ، وعظمت بركته وفائدته ، وكان مديماً للذكر وتلاوة القرآن في مجيئه وذهابه وقيامه وقعوده وعامّة أحواله ، وسمعت غير واحد ممّن حضر عنده ـ بعد ما قضى نحبه عند تعبيته للمغتسل وقبل أن ينقل إليه ـ أن شفتيه كانتا تتحرّكان كما كان يحرّكهما طول عمره بذكر الله تعالى ، وكان يقرأ عليه العلم وهو يصلّي ويقرأ القرآن ويصغي مع ذلك إلى القرائة ، وقد ينبّه القارئ على زلّته.

وصنّف الكثير في التفسير والحديث والفقه وغيرهما ، مطوّلاً ومختصراً ، وانتفع بعلمه أهل العلم وعوام المسلمين ، سمع الكثير بقزوين ونيسابور وبغداد وغيرها ، وفهرست مسموعاته متداول ، وتكلّم بعض المجازفين في سماعه من أبي عبدالله محمّد الفراوي بظن فاسدٍ وقع لهم ، وقد شاهدت سماعاته منه لكتب ، فمنها الوجيز للواحدي ، سمعه منه بقرائة الحافظ عبدالرزّاق الطبسي في ستّة مجالس ، وقعت في شعبان ورمضان سنة ثلاثين وخمسمائة ، نقلت معناه من خط الإمام أبي البركات الفراوي ، وذكر أنّه نقله

__________________

(٢) ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى : ٩٣.

١٧٤

من خطّ تاج الإسلام أبي سعد السّمعاني ، وسمع منه الترغيب لحميد بن زنجويه بقراءة تاج الإسلام أبي سعد في ذي الحجّة سنة تسع وعشرين وخمسمائة ، وسمع من الفراوي جزءً من حديث يحيى بن يحيى بروايته عن عبد الغافر الفارسي ، عن أبي سهل بن أحمد الإسفرائني ، عن داود بن الحسين البيهقي ، عن يحيى بن يحيى ، بقراءة الحافظ أبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الدمشقي سنة تسع وعشرين وخمسمائة ، وسمع منه الأربعين تخريج محمّد بن إيزديار الغزنوي من مسموعاته بقراءة السّيّد أبي الفضل محمّد بن علي بن محمّد الحسيني ، في رجب سنة تسع وعشرين ، نقلت السّماعين من خط مذكور بن محمّد الشيباني البغدادي ، رأيت بخط تاج الإسلام أبي سعد السّمعاني أنه رحمه‌الله سمع من الفراوي دلائل النبوّة وكتاب البعث والنشور وكتاب الأسماء والصفات وكتاب الاعتقاد ، كلّها من تصانيف أبي بكر الحافظ البيهقي ، بروايته عن المصنّف ، في شهور سنة ثلاثين وخمسمائة بقراءة تاج الإسلام.

ووجد مع علمه وعبادته الوافرين القبول التام عند الخواص والعوامّ ، وارتفع قدره وانتشر صيته في أقطار الأرض ، وتولّى تدريس النظاميّة ببغداد قريباً من خمسة عشر سنة ، مكرماً في حرم الخلافة مرجوعاً إليه فاضلاً مقبولاً فتواه في مواقع الاختلاف.

وهو رحمه‌الله خال والدتي وجدي لأُمّي من الرضاع ، ولبست من يده الخرقة بكرة يوم الخميس الثاني من شهر الله رجب سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة بهمدان ، وشيخه في الطريقة الإمام أبو الأسعد هبة الرحمن بن عبدالواحد القشيري ليس الخرقة بيده بنيسابور ، في رباط جدّه الأستاذ أبي علي الدقّاق بمشهد الإمام محمّد بن يحيى رحمهم‌الله.

١٧٥

وسمعت منه الحديث الكثير ، وكان يعجبه قراءتي ، ويأمر الحاضرين بالإصغاء إليها.

وكان رحمه‌الله ماهراً في التفسير ، حافظاً لأسباب النزول وأقوال المفسّرين ، كامل النظر في معاني القرآن ومعاني الحديث » (١).

٢ ـ الذهبي : « وفيها توفي القزويني ، العلاّمة رضي الدين أبو الخير ، أحمد بن إسماعيل بن يوسف الطالقاني ، الفقيه الشافعي الواعظ ، ولد سنة اثنتي عشرة وخمسمائة ، وتفقّه على الفقيه ملكداد العمركي ، ثمّ بنيسابور على محمّد بن يحيى ، حتّى فاق الأقران ، وسمع من الفراوي وزاهر وخلق ، ثمّ قدم بغداد قبل الستين ، ودرس بها ووعظ ، ثمّ قدمها قبل السبعين ، ودرّس بها ووعظ ، ثمّ قدمها قبل التسعين ودرّس بالنظامية.

وكان إماماً في المذاهب والخلاف والأصول والتفسير والوعظ ، وروى كتباً كباراً ، ونفق كلامه على النّاس لحسن سمته وحلاوة منطقه وكثرة محفوظاته ، وكان صاحب قدم راسخ في العبادة عديم النظير كبير الشأن.

رجع إلى قزوين سنة ثمانين ولزم العبادة إلى أن مات في المحرّم رحمه‌الله » (٢).

٣ ـ اليافعي : « توفي الفقيه العلاّمة الشافعي القزويني ، الواعظ ، أبو الخير ، أحمد بن إسماعيل الطالقاني ، قدم بغداد ، ودرّس بالنظامية ، وكان إماماً في المذهب والخلاف والأصول والوعظ ، وروى كتباً كباراً ، ونفق كلامه لحسن سمته وحلاوة منطقه وكثرة محفوظاته ، وكان صاحب قدم راسخ في العبادة كبير الشأن عديم النظير ، رجع إلى قزوين سنة ثمانين ولزم العبادة إلى

__________________

(١) التدوين في ذكر أهل العلم بقزوين ٦٠ ـ ٦١.

(٢) العبر في خبر من غبر ٤ / ٢٧١.

١٧٦

أن مات في محرّم السنة المذكورة رحمه‌الله » (١).

٤ ـ ابن الجزري : « أحمد بن إسماعيل بن يوسف بن محمّد بن العباس ، أبو الخير الحاكمي الطالقاني ، القزويني ، مقرء متصدّر صالح خير ، له معرفة بعلوم كثيرة ، وله كتاب التبيان في مسائل القرآن ، ردّاً على الحلوليّة والجهميّة ، أقرء الغاية لأبي مهران عن زاهر بن طاهر الشحامي ، وقرأ بالرّوايات على إبراهيم بن عبد الملك القزويني صاحب ابن معشر ، قرأ عليه ابنه محمّد ومحمّد ابن مسعود ابن أبي الفوارس القزويني وإلياس بن جامع وعبدان بن سعيد القصري.

توفي في المحرم سنة تسعين وخمسمائة عن نحو تسعين سنة » (٢).

٥ ـ الأسنوي : « الشيخ أبو الخير أحمد بن إسماعيل بن يوسف القزويني الطالقاني ، كان عالماً بعلوم متعددّة ، قرأ على محمّد بن يحيى ، ثمّ صار معيده على ملكداد بن علي القزويني السابق ذكره في الأصل ، وسمع وحدّث ، ولد بقزوين سنة ثنتي عشرة وخمسمائة أو إحدى عشرة ، ذكره الرافعي في الأمالي فقال : كان إماماً كثير الخير وافر الحظّ من علوم الشرع ، حفظاً وجمعاً ونشراً بالتعليم والتذكير والتصنيف ، وكان لسانه لا يزال رطباً من ذكر الله تعالى ومن تلاوة القرآن ، وكان يعقد مجلس الوعظ للعامة في ثلاثة أيّام من الأسبوع منها يوم الجمعة ، فتكلّم يوماً فيها على عادته وكان اليوم الثاني عشر من المحرم سنة تسعين وخمسمائة ، واستطرد إلى قوله تعالى ( وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ) وذكر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما عاش بعد نزول هذه الآية إلاّسبعة أيّام ، فلمّا نزل من المنبر حُمَّ ولم يَعش بعدها إلاّسبعة أيّام ، فإنّه مات

__________________

(١) مرآة الجنان ـ حوادث ٥٩٠.

(٢) طبقات القرّاء ١ / ٣٩.

١٧٧

يوم الجمعة ودفن يوم السّبت ، وذلك من عجيب الإتفاقات وكأنّه أعلم بالحال فإنّه حان وقت الارتحال.

قال : ولقد خرجت من الدار بكرة ذلك اليوم على قصد التعزية ، وأنا في شأنه متفكّر وممّا أصابه منكسر ، إذ وقع في خاطري من غير نيّة وفكروريّة بيت من شعر وهو :

بكت العلوم بويلها وعويلها

لوفاة أحمدها ابن اسماعيلها

كأنّ قائلاً يكلّمني بذلك ، ثمّ أضفت إليه أبياتاً بالرويّة. انتهى كلام الرافعي » (١).

٦ ـ ابن قاضي شهبة : « أحمد بن إسماعيل بن يوسف بن محمّد بن العبّاس رضي الدين ، أبو الخير القزويني الطالقاني ، ولد سنة اثنتي عشرة أو إحدى عشرة وخمسمائة ، قرأ على محمّد بن يحيى ، وصار مُعيد درسه على ملكداد القزويني ، وقرأ بالرّوايات على إبراهيم بن عبدالملك القزويني ، وصنّف كتاب البيان في مسائل القرآن ردّاً على الحلولية والجهميّة ، وصار رئيس الأصحاب ، وقدم بغداد فوعظ بها وحصل له قبول تامّ ، وكان يتكلَّم يوماً وابن الجوزي يوماً ، ويحضر الخليفة وراء الأستار ، ويحضر الخلائق والأمم ، وولّي تدريس النظامية ببغداد سنة تسع وستّين إلى سنة ثمانين ، ثمّ عاد إلى بلده.

ذكره الإمام الرّافعي في الأمالي وقال : كان إماماً كثير الخير وافر الحظّ من علوم الشرع ، حفظاً وجمعاً ونشراً بالتعليم والتذكير والتصنيف.

وقال الحافظ عبدالعظيم المنذري : وحكى عنه غير واحد أنّه كان لسانه لا يزال رطباً من ذكر الله تعالى ومن تلاوة القرآن.

__________________

(١) طبقات الشافعية للأسنوي ٢ / ٣٢٢.

١٧٨

توفّي في المحرّم سنة تسعين وخمسمائة ، وقيل سنة تسع وثمانين ، قال السبكي في شرح المنهاج : وذكر أبو الخير في كتابه حظائر القدس لرمضان أربعين وستّين اسماً » (١).

٧ ـ السبكي : « أحمد بن إسماعيل بن يوسف بن محمّد بن العبّاس ، الشيخ أبو الخير ، القزويني الطالقاني ، الشيخ الإمام الصوفي الواعظ ، الملقّب رضي الدّين ، أحد الأعلام.

ولد في سنة اثنتي عشرة وخمسمائة بقزوين ، وقيل سنة إحدى عشرة ، وتفقّه على محمّد بن يحيى ، وسمع الكثير من أبيه ، وأبي عبدالله محمّد بن الفضل الفراوي ، وزاهر الشحامي ، وعبد المنعم بن القشيري ، وعبد الغافر الفارسي ، وعبد الجبار الخوارزمي ، وهبة الله بن البسري ، ووجيه بن طاهر ، وأبي الفتح بن البطي ، وغيرهم ، بنيسابور وبغداد وغيرهما ، روى عنه ابن القرشي ، ومحمّد بن علي بن أبي النهد الواسطي ، والموفق عبداللطيف بن يوسف ، والإمام الرافعي ، وغيرهم ، درّس ببلده مدّة ثمّ ببغداد ثمّ عاد إلى بلده ثمّ إلى بغداد ودرّس بالنظامية ، وحدّث بكبار الكتب كتاريخ الحاكم ، وسنن أبي داود ، وصحيح مسلم ، ومسند إسحاق ، وغيرها ، وأملى عدّة مجالس.

قال ابن النجّار : كان رئيس أصحاب الشافعي ، وكان إماماً في المذهب والخلاف والأصول والتفسير والوعظ والزهد ، وحدث عنه الإمام الرافعي في أماليه ، وقال فيه : إمام كثير الخير موفر الحظ من علوم الشرع حفظاً وجمعاً ونشراً بالتعليم والتذكير والتصنيف ، وكان لسانه لا يزال رطباً من ذكر الله وتلاوة القرآن ، وربّما قرئ عليه الحديث وهو يصلّي ويصغي إلى ما يقول القارئ وينبّهه إذا زلّ.

__________________

(١) طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ٢ / ٨.

١٧٩

قلت : وأطال ابن النجار في ترجمته والثناء على علمه ودينه ، وروى بإسناده حكاية مبسوطة ذكر أنّه عبّر بها من العجمي إلى العربيّة حاصلها :

إنّ الطالقاني حكى عن نفسه أنّه كان بليد الذّهن في الحفظ ، وأنّه كان عند الإمام محمّد بن يحيى في المدرسة ، وكان من عادة ابن يحيى أن يستعرض الفقهاء كلّ جمعة ويأخذ عليهم ما حفظوه ، فمن وجده مقصّراً أخرجه ، فوجد الطالقاني مقصّراً فأخرجه ، فخرج في الليل وهو لا يدري أين يذهب ، فنام في أتّون حمّام ، فرأى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، فتفل في فمه مرّتين ، وأمره بالعود إلى المدرسة ، فعاد ووجد الماضي محفوظاً واحْتدّ ذهنه جداً ، قال : فلمّا كان يوم الجمعة ، وكان من عادة الإمام محمّد بن يحيى أن يمضي إلى صلاة الجمعة في جمع من طلبته ، فيصلّي عند الشيخ عبدالرحمن الإسكاف الزهد ، قال : فمضيت معه ، فلمّا جلس مع الشيخ عبدالرحمن تكلّم الشيخ عبدالرحمن في شيء من مسائل الخلاف ، والجماعة ساكتون تأدّباً معه ، ولصغر سنّي وحدّة ذهني جعلت أعترض عليه وأُنازعه ، والفقهاء يشيرون إليّ بالإمساك وأنا لا ألتفت ، فقال لهم الشيخ عبدالرحمن : دعوه فإنّ هذا الّذي يقوله ليس هو منه إنّما هو من الّذي علّمه ، قال : ولم يعلم الجماعة ما أراد وفهمت وعلمت أنّه مكاشفة.

قال ابن النجّار : وقيل إنّه كان مع كثرة اشتغاله يدوام الصيام ، يفطر كلّ ليلة على قرصٍ واحد.

وحكي أنّه لما دعي إلى تدريس النظاميّة جاء بالحلقة وحوله الفقهاء وهناك المدرّسون والصّدور والأعيان ، فلما استقرّ على كرسيّ التدريس ودعا دعاء الختمة ، التفت إلى الجماعة قبل الشروع في إلقاء الدّرس وقال : من أيّ كتب درس التفاسير تحبّون أن أذكر؟ فعيّنوا كتاباً ، فقال : من أيّ سورة

١٨٠