نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ١٩

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ١٩

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٢

فقال النبيّ صلّى الله عليه : من سرّه أن ينظر إلى آدم في علمه ، و [ إلى ] نوح في فهمه ، و [ إلى ] إبراهيم في حلمه ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب.

وأخبرني جدي أحمد بن المهاجر [ رحمه‌الله ] قال : أخبرنا أبو علي الهروي ، عن أبي عروة قال : حدّثنا الحسن بن عرفة العبدي ، قال : حدّثنا عمر ـ يعني أبا حفص الأبّار ـ عن الحكم بن عبدالملك ، عن حارث بن حصيرة عن أبي طادق عن أبي ربيعة بن ناجد عن علي بن أبي طالب قال :

قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : يا علي فيك مثل عيسى بن مريم أبغضته يهود حتّى بهتوا امّه ، وأحبّته النصارى حتّى أنزلوه بالمنزل الذي ليس به ثم قال علي بن أبي طالب : يهلك فيّ رجلان محب مطر يعرّفني بما ليس فيّ ، ومبغض مفتر يحمله شنآني على أنْ يبهتني ».

قال : « فَدلَّت هذه الأخبار على حسن مذهبنا في ذكر المشابه ، وعلى أنّا اقتدينا في ذلك بالرّسول عليه‌السلام ، وكفانا ذلك شرفاً وقدوة ، إذ جعله الله تعالى للمسلمين وزَراً وأسوة ، فلا يظننّ جاهل غبيّ أو ناصب غويّ أنّا ارتكبنا مطايا العدوان ، واعتدينا في طريقنا هذا بعد هذا البيان ، والله المستعان من شرّ الزمان ، وعليه التكلان في مصارع الحدثان ».

وقال : « أخبرنا الحسين بن محمّد البستي قال : حدّثنا عبدالله بن أبي منصور قال : حدّثنا محمّد بن بشر [ الزوزني ] قال : حدّثنا محمّد بن إدريس الحنظلي قال : حدّثنا محمّد بن عبدالله بن المثنى الأنصاري قال : حدّثني حميد ، عن أنس قال : كنا في بعض حجرات مكة فتذاكرنا عليا ، فدخل علينا رسول الله فقال :

أيّها الناس! من أراد أنْ ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في فهمه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى موسى في شدّته ، وإلى عيسى في زهادته ، وإلى محمّد وبهائه ، وإلى جبرئيل وأمانته ، وإلى الكوكب الدريّ والشمس الضحي

١٤١

والقمر المضي ، فليتطاول ولينظر إلى هذا الرجل ، وأشار إلى علي ابن أبي طالب ».

(١٣)

رواية النطنزي

ورواه أبو الفتح النطنزي : « عن أبي الحمراء مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : كنّا حول النبيّ ، فطلع علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : من سرّه أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في فهمه ، وإلى إبراهيم في خلّته ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب » (١).

ترجمة النطنزي

١ ـ السمعاني : « النطنزي ـ أبو الفتح محمّد بن علي بن إبراهيم النطنزي ، أفضل من بخراسان والعراق في اللغة والأدب ، والقيام بصنعة الشعر.

قدم علينا مرو سنة إحدى وعشرين ، وقرأت عليه طرفاً صالحاً من الأدب ، واستفدت منه واغترفت من بحره ، ثمّ لقيته بهمدان ، ثمّ قدم علينا بغداد غير مرة من مدة مقامي بها ، وما لقيته إلاّوكتبت عنه واقتبست منه. سمع بأصبهان أبا سعد المطرّز ، وأبا علي الحداد ، وغانم بن أبي نصر البرجي ، وببغداد أبا القاسم بن بيان الرزاز ، وأبا علي بن نبهان الكاتب ، وطبقتهم. سمعت منه أخيراً بمرو الحديث » (٢).

__________________

(١) الخصائص العلويّة ـ مخطوط.

(٢) الأنساب ـ النطنزي.

١٤٢

٢ ـ الصّفدي : « كان من بلغاء أهل النظم والنثر ، سافر البلاد ولقي الأكابر ، وكان كثير المحفوظ ، محبّ العلم والسنّة ، ومكثر الصدقة والصيام ، ونادم الملوك والسلاطين ، وكانت له وجاهة عظيمة عندهم ، وكان تيّاهاً عليهم ، متواضعاً لأهل العلم ، سمع الحديث الكثير بأصبهان وخراسان وبغداد ، ولم يتمتّع بالرواية » (١).

٣ ـ ابن النجار : « كان نادرة الفلك ، ونابغة الدهر ، فاق أهل زمانه في بعض فضائله » (٢).

(١٤)

رواية السنائي

وقد نظم العارف الشهير أبو المجدود بن آدم الغزنوي ، الملقّب بالحكيم السّنائي في ( حديقة الحقيقة ) مضمون هذه المنقبة ، ومفاد هذا الحديث الشريف ، في بيتين من الشعر ، في مدح مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال :

« عالمى بود همچو نوح استاخ

عالمى بود همچو روح فراخ

دل أو عالم معاني بود

لفظ أو آب زندگانى بود »

قال ( الدهلوي ) : السنائي من أهل السنّة

ثمّ إنّ ( الحكيم السنائي ) من مشاهير الشعراء العرفاء ، وأشعاره الحكمية من الأشعار المتداولة المحفوظة لدى أهل الأدب والمعرفة ، وقد ذكره

__________________

(١) الوافي بالوفيات ٤ / ١٦١.

(٢) ذيل تاريخ بغداد. عن كتاب اليقين للسيّد ابن طاوس الحلّي : ٩٥.

١٤٣

عبدالرحمن الجامي في كتابه الذي ألّفه في تراجم مشاهير العرفاء وسمّاه بكتاب ( نفحات الأنس في حضرات القدس ).

ويفيد كلامٌ لمخاطبنا ( الدهلوي ) في كتابه ( التحفة ) أنّ السنائي من كبار شعراء أهل السنّة المقبولين عند علمائهم ، فقال في مبحث ( المكائد ) التي ينسبها إلى الشيعة : « المكيدة السادسة والثلاثون : إضافتهم البيت من الشعر أو البيتين إلى شعر أحد كبار شعراء أهل السنّة ، يكون صريحاً في التشيّع ، وفي مخالفة مذهب أهل السنّة ، مع رعاية الوزن والقافية ، ثمّ يزعمون وجود ما أضافوه في أصل الشعر ، وأنّ أهل السنّة قد أسقطوه لئلاّ يتذرّع به الشيعة.

وإنّ أكثر صنيعهم هذا يكون بالنسبة إلى أشعار الشعراء المقبولين الممدوحين عند أهل السنّة ، كالشيخ فريد الدين العطّار ، والشيخ الأوحدي ، وشمس الدين التبريزي ، والحكيم السنائي ، ومولانا الرومي ، والحافظ الشيرازي ، والخواجة قطب الدين الدهلوي ، وأمثالهم.

ولقد ألحق قدماء الشيعة بأشعار الإمام الشافعي ثلاثة أبيات ، فقد قال الشافعي :

يا راكباً قف بالمحصّب من منى

واهتف بساكن خيفها والناهض

سحراً إذا فاض الحجيج إلى منى

فيضاً كملتطم الفرات الفائض

إن كان رفضاً حب آل محمّد

فليشهد الثقلان أني رافضي

وهو يقصد بهذه الأبيات الردّ على النواصب الذين كانوا ينسبون كلّ من أحبّ آل محمّد إلى الرفض.

لكن ألحق بها في بعض كتب الشيعة أبيات صريحة في مذهب التشيّع ، وهي :

قف ثمَّ ناد فإنني لمحمّد

ووصيّه وبنيه لست بباغض

١٤٤

أخبرهم أنّي من النفر الذي

بولاء أهل البيت ليس بناقض

وقل ابن إدريس بتقديم الذي

قدّمتموه على علي ما رضي

فهذه مكيدة من مكايدهم ، وهي باردة جدّاً ، فقد كان هؤلاء الشعراء على مذهب أهل السنّة ، ودعوى كونهم من الشيعة من جهة نسبة بيت أو بيتين من الشعر إليهم لا تصدر من أدنى الطلبة » (١).

(١٥)

رواية شهردار الديلمي

وقد أسند شهردار بن شيرويه الديلمي حديث التشبيه الذي رواه والده في كتاب الفردوس. قال :

« أخبرنا أبي ، حدّثنا مكي بن دكين القاضي ، حدّثنا علي بن محمّد بن يوسف ، حدّثنا الفضل الكندي ، حدّثنا عبدالله بن محمّد بن الحسن مولى بني هاشم بالكوفة ، حدّثنا علي بن الحسين ، حدّثنا أحمد بن أبي هاشم النوفلي ، حدّثنا عبدالله بن عبيدالله بن موسى ، حدّثنا كامل أبو العلاء ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن أبي داود ، عن نفيع ، عن أبي الحمراء مولى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال :

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : من أراد أنْ ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى موسى في شدّته ، وإلى عيسى في زهده ، فلينظر إلى هذا المقبل. فأقبل علي » (٢).

__________________

(١) التحفة الاثنا عشرية : ٤٥.

(٢) مسند الفردوس ـ مخطوط.

١٤٥

وستعلم روايته من عبارة الخوارزمي الآتية أيضاً.

ترجمة شهردار الديلمي

١ ـ الذهبي : « شهردار ابن الحافظ شيرويه بن شهردار الديلمي ، المحدِّث ، أبو منصور. قال ابن السمعاني : كان حافظاً عارفاً بالحديث فهماً عارفاً بالأدب ظريفاً ... » (١).

٢ ـ السبكي : « قال ابن السمعاني : كان حافظاً عارفاً بالحديث فهماً ، عارفاً بالأدب ، ظريفاً خفيفاً ، لازماً مسجده ، متبعاً أثر والده في كتابة الحديث وسماعه وطلبه. رحل إلى أصبهان مع والده ثمّ إلى بغداد ... » (٢).

٣ ـ وذكره ابن قاضي شهبة والأسنوي في ( طبقات الشافعيّة ) (٣).

٤ ـ وأورد الثعالي في ( مقاليد الأسانيد ) عبارة الذهبي السالفة الذكر.

٥ ـ وأثنى عليه ( الدهلوي ) في كتاب ( بستان المحدّثين ) منتحلاً كلمات الثعالبي ، كما هو دأبه وديدنه في كتابه المذكور.

__________________

(١) العبر في خبر من غبر. حوادث سنة ٥٥٨.

(٢) طبقات الشافعية الكبرى ٧ / ١١٠.

(٣) طبقات الأسدي طبقات الأسنوي ٢ / ٢١.

١٤٦

(١٦)

رواية الخوارزمي

لقد روى الموفق بن أحمد المكي الخوارزمي ، الشهير بالخطيب الخوارزمي ، حديثاً بالسند الآتي ، قال :

« أخبرنا الشيخ الزاهد الحافظ أبو الحسين علي بن أحمد العاصمي الخوارزمي ، فقال : أخبرنا شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد الواعظ قال : أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي » ثمّ قال :

« وبهذا الإسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، قال : أخبرنا أبو عبدالله الحافظ في التاريخ : حدّثنا أبو جعفر محمّد بن أحمد بن سعيد حدّثني محمّد بن مسلم بن وارة قال : حدّثني عبيدالله بن موسى العبسي : حدّثنا أبو عمر الأزدي ، عن أبي راشد الحبراني ، عن أبي الحمراء قال :

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في فهمه ، وإلى يحيى بن زكريّا في زهده ، وإلى موسى بن عمران في بطشه ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب.

قال أحمد بن الحسين البيهقي : لم أكتبه إلاّبهذا الإسناد ، والله أعلم » (١).

ترجمة الخوارزمى

١ ـ العماد الإصفهاني : « خطيب خوارزم ، أبو المؤيد الموفق بن أحمد بن محمّد المكي الخوارزمي ، من الأفاضل الأكابر ، فقهاً وأدباً ، والأماثل الأكارم

__________________

(١) مناقب علي بن أبي طالب : ٤٠.

١٤٧

حسباً ونسباً » (١).

مصادر ترجمة العماد الكاتب

وتوجد ترجمة العماد الأصفهاني الكاتب في :

وفيات الأعيان ٤ / ٢٣٣.

معجم الأدباء ١٩ / ١١.

والعبر في خبر من غبر ٤ / ٢٩٩.

والمختصر في أخبار البشر ٣ / ١٠٥.

ومرآة الجنان ٣ / ٤٩٢.

وطبقات الشافعية الكبرى ٦ / ١٧٨.

وغيرها من كتب التاريخ والتراجم المعتبرة.

٢ ـ أبو الفتوح المطرزي : فإنّه وصف الخوارزمي في مواضع عديدة من كتاب ( الإيضاح في شرح المقامات ) بأوصافٍ جليلة لدى النقل عنه ، مع الاعتماد عليه ، وهذه نصوصٌ من ذلك :

قال في الكلام على زهد أويس القرني رضي‌الله‌عنه :

« فممّا يدلّ على زهده : ما أخبرني به الإمام الأجل العلاّمة أبو المؤيد الموفّق بن أحمد المكي قال : أخبرنا الشيخ أبو الغنائم محمّد بن علي النرسي المعدّل ، أنا الشريف أبو عبدالله محمّد بن علي بن عبدالرحمن العلوي الحسيني ، أنا أحمد بن علي العطّار المقرئ قراءةً ، ثنا علي بن أحمد بن عمرو ، ثنا محمّد ابن منصور المقرئ ، ثنا محمّد بن علي خلف ، ثنا حسين الأشقر ، ثنا مخلّد بن الحسين ، عن رجل ، عن أسيد بن عمرو قال :

__________________

(١) خريدة القصر وجريدة العصر ـ مخطوط.

١٤٨

كان أويس القرني إذا أمسى أخذ قطيفةً فغطّى بها رأسه ورجليه ، وتصدّق بفضلها ، وينظر إلى قوته فيعزله ويتصدّق بفضله ، ويقول :

اللهمّ من كان أمسى عارياً أو جائعاً ليس له عندي فضل ».

« وممّا يدلّ على كثرة عبادته ما أخبرني به مولاي أيضاً بهذا الإسناد إلى محمّد بن منصور ، ثنا عبدالله بن أبي زياد ، ثنا سيار ، ثنا جعفر بن سليمان ، عن إبراهيم بن عيسى السّكري قال :

قال أويس القرني : لأعبدنّ الله في الأرض كما تعبده الملائكة في السماء ، فكان إذا استقبل الليل قال : يا نفس ، الليلة القيام ، فيصفّ قدميه حتّى يصبح ، ثمّ يستقبل الليلة الثانية فيقول : يا نفس ، الليلة الركوع ، فلا يزال راكعاً حتّى يصبح ، ثمّ يستقبل الليلة الثالثة فيقول : يا نفس الليلة السجود ، فلا يزال ساجدا حتّى يصبح ».

« وأما قوله : وأحد جناحي الدنيا ، فقد أخبرني مولاي الصدر السعيد الشهيد ، صدر الصدور أبو المؤيّد ، موفق بن أحمد المكي إجازة ، أنا الشيخ أبو الغنائم محمّد بن علي النرسي المعدّل ، أنا الشريف أبو عبدالله محمّد بن علي ابن عبدالله العلوي الحسيني ، أنا علي بن الفضل الدهقان ، أنا محمّد بن زيد الرطاب قال : قال إبراهيم بن محمّد الثقفي ، وسمعنا أهل البصرة افتخروا بما يذكر عن أبي هريرة أنّ الدنيا مثّلت على صورة طائر فالبصرة ومصر جناحان ، فإذا خربا وقع الأمر الخ ».

حدّثنا صدر الأئمّة أخطب خطباء خوارزم ، موفق بن أحمد المكي ثمّ الخوارزمي قال : أخبرني السيّد الإمام المرتضى أبو الفضل الحسيني في كتابه أتى من مدينة الرّي جزاه الله عني خيرا أخبرنا السيّد أبو الحسن عليّ بن أبي طالب الحسيني الشيباني بقراءتي عليه ، أخبرني الشيخ العالم أبو النجم محمّد

١٤٩

بن عبدالوهّاب بن عيسى التمار الرازي ، أخبرنا الشيخ العالم أبو سعيد محمّد بن أحمد بن الحسين النيسابوري ، أخبرنا محمّد بن علي بن جعفر الأديب بقراءتي عليه ، حدّثني المعافا بن زكريا أبو الفرج ، عن محمّد بن أحمد بن أبي الثلج ، عن الحسن بن محمّد بن بهرام ، عن يوسف بن موسى القطّان ، عن جرير ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن ابن عبّاس قال :

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : لو أنّ الرياض أقلام ، والبحر مداد ، والجنّ حساب ، والإنس كتاب ، ما أحصوا فضائل عليّ بن أبي طالب ».

« أخبرني مولاي الصّدر العلاّمة ، قال قال فخر خوارزم : ضرب المزامير مثلاً لحسن صوت داود وحلاوة نغمته الخ ».

سمعت مولاي الصدر الكبير العلاّمة يقول : سمعت فخر خوارزم يقول : لمّا كان ليلة ولد فيها رسول الله ارتج أيوان كسرى ، فسقطت منه أربع عشرة شرفة ، وخمدت نار فارس ، وغاصت بحيرة ساوة ».

« وقوله أضاعوني وأيَّ فتى أضاعوا.

تضمين ، وهو لُامية بن أبي الصلت وتمامه : ليوم كريهة وسداد ثغر.

ويروى أنّه كان لأبي حنيفة جار فاسق يتغنّى كثيراً بهذا البيت ، فاتّفق أن خرج ذات ليلة سكران ، فأخذه العسس وحبس ، فلمّا سمع ذلك أبو حنيفة نهض إليه مسرعاً من الغد ، وتكلّم فيه حتّى أطلق من الحبس ، فلمّا أدخله منزله قال : هل أضعناك؟ فأخذه بيده وتاب ببركات سعيه.

وسمعت هذه الحكاية على مولاي الصّدر في مناقب أبي حنيفة ، بإسناده إلى أبي يوسف بلفظٍ قريب ممّا ذكرت ».

٣ ـ ابن النجّار : « الموفّق بن أحمد المكي ، كان خطيب خوارزم ، وكان

١٥٠

فقيهاً فاضلاً أديباً شاعراً بليغاً ، من تلامذة الزمخشري » (١).

٤ ـ محمّد بن محمود الخوارزمي : فإنّه قد ذكر الموفّق الخوارزمي في مواضع من كتابه ( جامع مسانيد أبي حنيفة ) محتجّاً بأقواله ، مع وصفه بأوصافٍ جليلةٍ عالية ، وإليك موارد من ذلك :

قال ـ بعد ذكر القول المنسوب إلى الشافعي : الناس عيال على أبي حنيفة :

« وقد نظم هذا المعنى أخطب الخطباء شرقاً وغرباً أبو المؤيد المكي الخوارزمي ، على ما أنشدني الصدر الكبير شرف الدين أحمد بن موفق المكي الخوارزمي قال : أنشدني الصّدر العلاّمة ، أخطب خطباء الشرق والغرب ، صدر الأئمّة أبو المؤيد موفق بن أحمد المكّي الخوارزمي لنفسه ، في عدّة أبيات له يمدح بها أبا حنيفة رضي‌الله‌عنه.

أئمّة هذه الدنيا جميعاً

بلا ريب عيال أبي حنيفة

« أنشدني الصدر الكبير شرف الدين أحمد بن مؤيّد بن موفق المكي الخوارزمي قال : أنشدني جدّي البدر العلاّمة أخطب خطباء الشرق والغرب ، أبو المؤيّد موفق بن أحمد المكي الخوارزمي رحمه‌الله لنفسه :

أيا جَبَلي نعمان إنّ حصاكما

لتحصى ولا تحصى فضائل نعمان

جلائل كتب الفقه طالع تجد بها

دقائق نعمان شقائق نعمان »

« وأنشدني الصدر الكبير شرف الدين أحمد بن المؤيّد المكّي الخوارزمي قال : أنشدني الصدر العلاّمة صدر الأئمّة أبو المؤيّد الموفّق بن أحمد المكي لنفسه :

رسول الله قال سراج ديني

وأمتي الهداة أبو حنيفة

__________________

(١) ذيل تاريخ بغداد ، عنه كتاب اليقين لابن طاوس الحلّي : ١٦٦.

١٥١

غداً بعد الصّحابة في الفتاوي

لأحمد في شريعته خليفة

سدى ديباج فتياه اجتهاد

ولحمته من الرحمن خيفة »

« أنشدني الصّدر الكبير شرف الدّين أحمد بن مؤيّد قال : أنشدني الصدر العلاّمة صدر الأئمّة أبو المؤيّد الموفّق بن أحمد المكي الخوارزمي لنفسه :

غدا مذهب النعمان خير المذاهب

كذا القمر الوضّاح خير الكواكب

تفقه في خير القرون مع التقى

فمذهبه لا شك خير المذاهب »

« وقد ذكر خطيب خطباء خوارزم صدر الأئمّة أبو المؤيّد موفّق بن أحمد المكي في مناقب أبي حنيفة رضي‌الله‌عنه سبعمائة وثلاثين رجلاً من مشايخ المسلمين في الآفاق وأقطار الأرضين ، ممّن رووا عنه ، رضي‌الله‌عنه ».

وأمّا النوع السّادس من مناقبه ـ أي مناقب أبي حنيفة ـ وفضائله الّتي تفرد بها : التلمذ عند أربعة آلاف من شيوخ أئمّة التابعين دون من بعده ، أي أبي حنيفة ، فالدّليل عليه ما أخبرنا جماعة من ثقات المشايخ ، عن الصدر العلاّمة أخطب خطباء خوارزم ، صدر الأئمّة أبي المؤيد ، موفق بن أحمد المكي ، عن أبي حفص عمر بن الإمام أبي الحسن علي الزمخشري ، عن والده رحمه‌الله أنّه قال :

وقعت منازعة بين أصحاب الإمام الأعظم أبي حنيفة وأصحاب الإمام المُعَظَّم الشافعي رضي‌الله‌عنه ، ففضل كلّ طائفة صاحبها ».

« النّوع السّابع من مناقبه ـ أي مناقب أبي حنيفة ـ الّتي تفرد بها ، إنّه تفق له من الأصحاب ما لم يتّفق لأحد من بعده ، فالدليل عليه : ما أخبرني المشايخ الثقات عن صدر الأئمّة أبي المؤيّد موفق بن أحمد المكي ، قال أخبرني الإمام العلاّمة ركن الإسلام أبو الفضل عبدالرحمن بن أميرويه ، قال : أنا قاضي القضاة أبو بكر عتيق بن داود اليماني في ترجيح مذهب أبي حنيفة رضي‌الله‌عنه على

١٥٢

سائر المذاهب ، في كلام طويل فصيح بليغ إلى أنْ قال :

هو إمام الأئمّة ، سراج الأمة ، ضخم الدسيعة ، السّابق إلى تدوين علم الشريعة ، ثمّ أيده الله تعالى بالتوفيق والعصمة ، فجمع له من الأصحاب والأئمّة عصمة منه تعالى لهذه الأمة ما لم يجتمع في عصر من الأعصار في الأطراف والأقطار » (١).

« الباب الأول في ذكر شيء من فضائله التي تفرّد بها إجماعاً فنقول ـ وبالله التوفيق ـ مناقبه وفضائله كالحصى لا تُعَدّ ولا تُحصى ، ولا يمكن أن تستقصى ، لكن من فضائله الخاصة التي تفرد بها ولم يشاركه إجماعاً من بعده فيها ، يمكن إحصاؤها وضبطها في أنواع عشرة : الأوّل في الأخبار والآثار المروية في مدحه دون من بعده ، الثاني في أنّه ولد في زمان الصّحابة والقرن الّذي شهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دون من بعده ». « أما الأول ، فقد أخبرني الصدر الكبير شرف الدين أحمد بن مؤيد بن موفق بن أحمد المكي ...

وقد أنبأني الصدر الكبير شرف الدين أحمد بن مؤيد بن موفق بن أحمد المكي الخوارزمي ، عن جده صدر الأئمّة أبي المؤيد الموفق بن أحمد المكي ، عن عبدالحميد بن أحمد البراتقيني ، عن الإمام محمّد بن إسحاق السراجي الخوارزمي ، عن أبي جعفر عمر بن أحمد الكرابيسي ، عن أبي الفتح محمّد بن الحسن الناصحي ، عن الزاهد أبي محمّد الحسن بن علي بن محمّد ، عن أبي سهيل عبدالحميد بن محمّد الصوافي ، عن أبيه ، عن أبي القاسم يونس بن الطاهر البصري ، عن أبي النصر أحمد بن الحسين الأديب ، عن أبي سعيد أحمد بن محمّد بن بشر ، عن محمّد بن يزيد ، عن سعيد بن بشر ، عن حماد ، عن رجل ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي‌الله‌عنه تبارك وتعالى وتقدس قال :

__________________

(١) جامع مسانيد أبي حنيفة ١ / ٣١.

١٥٣

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : يظهر من بعدي رجل يعرف بأبي حنيفة يحيي الله سنّتي على يديه » (١).

ترجمة الخوارزمي صاحب جامع المسانيد

ومحمّد بن محمود الخوارزمي ، صاحب ( جامع مسانيد أبي حنيفة ) من كبار أئمّة الحنفيّة في الفقه والحديث ، وهذه جملة من كلماتهم في الثناء عليه :

قال الكفوي : « الشيخ الإمام أبو المؤيّد محمّد بن محمود بن محمّد بن الحسن ، الخوارزمي ، الخطيب ، ولد سنة ٦٠٣ ، وتفقّه على منشي النظر الأستاذ نجم الملّة والدين طاهر بن محمّد الحفصي ، سمع بخوارزم وقد قدم بغداد وسمع بها ، وحدّث بدمشق ، وولي قضاء خوارزم وخطابتها بعد أخذ التتار لها ، ثمّ تركها وقدم بغداد حاجّاً ، ثمّ حجّ وجاور ورجع على طريق ديار مصر ، وقدم دمشق ثمّ عاد إلى بغداد ، ودرس بها ، إلى أن مات سنة خمس وخمسين وستمائة » (٢).

وقال القرشي : « محمّد بن محمود بن حسن الإمام أبو المؤيّد الخوارزمي ، الخطيب ، مولده سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة ، تفقه على الإمام طاهر بن محمّد الحفصي ، سمع بخوارزم ، وقدم بغداد وسمع بها ، وحدّث بدمشق ، وولي قضاء خوارزم وخطابتها بعد أخذ التّاتار لها ، ثمّ تركها وقدم بغداد حاجّاً ، ثمّ حج وجاور ورجع على طريق ديار مصر وقدم دمشق ثمّ عاد إلى بغداد ، ودرس بها ، ومات بها سنة خمس وخمسين وستمائة » (٣).

__________________

(١) جامع مسانيد أبي حنيفة ١ / ١٤ ـ ١٥.

(٢) كتائب أعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار ـ مخلوط.

(٣) الجواهر المضية في طبقات الحنفية ٣ / ٣٦٥.

١٥٤

وقال الجلبي : « مسند الإمام الأعظم ، أبي حنيفة نعمان بن ثابت الكوفي ، المتوفى سنة خمسين ومائة ، رواه حسن بن زياد اللؤلؤي ، ورتّب المسند المذكور الشيخ قاسم بن قطلوبغا الحنفي ، برواية الحارثي على أبواب الفقه ، وله عليه الأمالي في مجلّدين ، ومختصر المسند المسمى بالمعتمد ، لجمال الدّين محمود بن أحمد القونوي الدمشقي ، المتوفى سنة سبعين وسبعمائة ، ثمّ شرحه وسمّاه المستند وجمع زوائده أبو المؤيد محمّد بن محمود الخوارزمي ، المتوفى سنة خمس وستين وستمائة ، أوّله : الحمد لله الّذي سقانا بطوله من أصفى شرائع الشرايع » (١).

وقال الدهّان في ( كفاية المتطلع ) : « كتاب جمع المسانيد للإمام الأعظم أبي حنيفة ... تأليف العلاّمة قاضي القضاة أبي المؤيّد ، محمّد بن محمود بن محمّد الخوارزمي رحمه‌الله ، يرويه عن الفقهاء الحنفيين ... ».

٥ ـ الصفدي : « كان متمكّناً في العربية ، غزير العلم ، فقيهاً ، فاضلاً ، أديباً ، شاعراً ، قرأ على الزمخشري ، وله خطب وشعر ومناقب » (٢).

من مصادر ترجمة الصفدي

وقد ترجموا للصفدي في الكتب المعتبرة ، وأثنوا عليه ، فانظر منها :

١ ـ المعجم المختص للذهبي : ٩١.

٢ ـ الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ٢ / ٨٧.

٣ ـ طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة الأسدي ٦ / ٤.

٦ ـ عبدالقادر القرشي : « الموفق بن أحمد بن محمّد المكي ، خطيب

__________________

(١) كشف الظنون : ١٦٨٠.

(٢) كذا في ( بغية الوعاة ) للسيوطي ، وسيأتي.

١٥٥

خوارزم ، أستاذ ناصر بن عبدالله صاحب المغرب ، أبو المؤيد ، مولده في حدود سنة ٤٨٤.

ذكره القفطي في أخبار النحاة.

أديب ، فاضل ، له معرفة في الفقه والأدب.

روى مصنّفات محمّد بن الحسن ، عن عمر بن محمّد بن أحمد النسفي.

ومات رحمه الله تعالى سنة ٥٦٨.

وأخذ علم العربية عن الزمخشري » (١).

ترجمة عبدالقادر القرشي

وعبد القادر القرشي من كبار علماء القوم :

قال محمود بن سليمان الكفوي : « المولى الفاضل ، والنحرير الكامل ، عبدالقادر بن محمّد بن نصر الله بن سالم ، أبي الوفاء القرشي ، كان عالماً فاضلاً جامعاً للعلوم ، له مجموعات وتصانيف وتواريخ ومحاضرات وتواليف.

ولد سنة ست وسبعين وسبعمائة ، وأخذ العلوم عن جماعة كثيرة ، منهم علاء الدّين التركماني ووالده قاضي القضاة شمس الدّين وفخر الدّين عثمان المارديني التركماني والد علاء الدّين التركماني وهبة الله التركماني وغير ذلك ، وسمع وحدّث وأفتى ودرّس ، وصنف كتاب العناية في تحرير أحاديث الهداية ، والطرق والوسائل في تخريج أحاديث خلاصة الدلائل ، ويسميه أيضاً المجموع ، وشرح معاني الآثار للطحاوي ، وكتاب الدرر المنيفة في الرد على ابن أبي شيبة عن الإمام أبي حنيفة ، وكتاب ترتيب تهذيب الأسماء واللغات ، وكتاب البستان في فضائل النعمان ، وكتاب الجواهر المضية في طبقات

__________________

(١) الجواهر المضية في طبقات الحنفية ٣ / ٥٢٣.

١٥٦

الحنفية ، ومختصر في علوم الحديث ، ومسائل مجموع في الفقه ، وقطعة من شرح الخلاصة في مجلّدين ، وتفسير آيات وفوائد.

وسمع منه وأخذ المولى الفاضل قاسم بن قطلوبغا صاحب تلخيص التراجم.

مات سنة خمس وسبعين وسبعمائة رحمه الله تعالى » (١).

وقال السيوطي : « عبد القادر بن محمّد بن محمّد بن نصر الله بن سلام محيي الدين أبو محمّد بن أبي الوفا القرشي ، درّس وأفتى ، وصنف شرح معاني الآثار وطبقات الحنفية وشرح الخلاصة وتخريج أحاديث الهداية ، وغير ذلك.

ولد سنة ست وسبعين وستمائة ، ومات في ربيع الأول سنة خمس وسبعين وسبعمائة » (٢).

وقال الجلبي في ذكر كتابه ( الجواهر المضيّة ) :

« طبقات الحنفية ، أوّل من صنّف فيه الشيخ عبدالقادر بن محمّد القرشي ، المتوفى سنة ٧٧٥ ، صاحب الجواهر المضيّة في طبقات الحنفية ، كما قال في خطبته : لم أر أحداً جمع طبقات أصحابنا وهم أمم لا يحصون.

فجمعها بإمداد الشيخ قطب الدين عبدالكريم الحلبي ، وأبي العلاء البخاري ، وأبي الحسن السبكي ، وأبي الحسن علي المارديني ، فصار شيئاً كثيراً من التراجم والفوائد الفقهية » (٣).

__________________

(١) كتائب أعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار ـ مخطوط.

(٢) حسن المحاضرة في محاسن مصر والقاهرة ١ / ٤٧١.

(٣) كشف الظنون ١ / ٦١٦.

١٥٧

ترجمة القفطي

والقفطي الّذي ذكر الخطيب الخوارزمي في طبقاته ، ترجم له السيوطي قائلا :

« القفطي الوزير جمال الدّين علي بن يوسف بن إبراهيم الشيباني ، وزير حلب ، صاحب تاريخ النحاة وتاريخ اليمن وتاريخ مصر وتاريخ بني بويه وتاريخ بني سلجوق ، ولد بقفط سنة ثمان وستين وخمسمائة ، ومات بحلب سنة ست وأربعين وستمائة » (١).

وقال السيوطي : « علي بن يوسف بن إبراهيم بن عبدالواحد بن موسى بن أحمد بن محمّد بن إسحاق بن محمّد بن ربيعة بن الحارث ، أبو الحسن القفطي ، يعرف بالقاضي الأكرم صاحب تاريخ النحاة ، قال ياقوت : ولد في ربيع سنة ثمان وستّين وخمسمائة بقفط ، وكان جمّ الفضل كثير النبل عظيم القدر ، إذا تكلم في فنّ من الفنون كالنحو واللغة والقراءة والفقه والحديث والأصول والمنطق والرّياضية والنجوم والهندسة والتاريخ والجرح والتعديل ، قام به أحسن قيام ، كان سمح الكفّ طلق الوجه ، صنّف الإصلاح للخلل الواقع في الصحاح للجوهري ، الضاد والظا ، تاريخ النحاة ، تاريخ مصر ، المحلّى في استيعاب وجوه كلاّ » (٢).

٧ ـ التقي الفاسي : « الموفق بن أحمد بن محمّد بن محمّد المكي ، أبو المؤيد ، العلاّمة خطيب خوارزم ، كان أديباً فصيحاً مفوّهاً ، خطب بخوارزم دهراً وأنشأ الخطب وأقرأ النّاس ، وتخرّج به جماعة ، وتوفّي بخوارزم في صفر

__________________

(١) حسن المحاضرة في محاسن مصر والقاهرة ١ / ٥٥٤.

(٢) بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة : ٣٥٨.

١٥٨

سنة ثمان وستين وخمسمائة ، ذكره هكذا الذهبي في تاريخ الإسلام ، وذكره الشيخ محيي الدّين عبدالقادر الحنفي في طبقات الحنفية وقال : ذكره القفطي في أخبار النحاة ، أديب فاضل ، له معرفة بالفقه والأدب. وروى مصنّفات محمّد بن الحسن عن عمر بن محمّد بن أحمد ، عن النسفي » (١).

ترجمة التقي الفاسي

وقد ترجم الحافظ السخاوي للتقي الفاسي بقوله :

« محمّد بن أحمد بن علي بن أبي عبدالله محمّد بن محمّد بن عبدالرحمن ابن محمّد بن أحمد بن علي بن عبدالرحمن بن سعيد بن عبدالملك ، التقيّ ، أبو عبدالله ، وأبو الطيّب وبها اشتهر ، ابن الشهاب أبي العبّاس بن أبي الحسن الفاسي المكّيّ المالكي ، شيخ الحرم ، والماضي أبوه ، ويعرف بالتقي الفاسي.

ولد في ربيع الأول سنة خمس وسبعين وسبعمائة بمكة ، ونشأ بها وبالمدينة لتحوله إليها مع امّه في سنة ثلاث وثمانين وقتاً ...

وعني بعلم الحديث أتمّ عناية ، وكتب الكثير وأفاد وانتفع الناس به ، وأخذوا عنه ، ودرّس وأفتى ، وحدث بالحرمين والقاهرة ودمشق وبلاد اليمن بجملة من مرويّاته ومؤلفاته ، سمع منه الأئمّة ، وفي الأحياء بمكّة جماعة ممّن أخذ عنه.

قال شيخنا في معجمه : حدّثني من لفظه بأحاديث ، وأجاز لأولادي ، ولم يخلّف بالحجاز مثله ، وقرض له شيخنا غير ما تصنيف ، وكان هو يعترف بالتلمذة لشيخنا وتقدّمه على سائر الجماعة ، حتّى شيخهما العراقي كما ثبت ذلك في الجواهر ، وخرّج له الجمال بن موسى معجماً مات قبل إكماله.

__________________

(١) العقد الثمين في أخبار البلد الأمين ٧ / ٣١٠.

١٥٩

وكان ذا يدٍ طولى في الحديث والتاريخ والسّير ، واسع الحفظ ، واعتنى بأخبار بلده ، فأحيى معالمها وأوضح مجاهلها وجدّد ماثر ها وترجم أعيانها ، فكتب بها تاريخاً حافلاً سمّاه شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام ، في مجلّدين ، جمع فيه ما ذكره الأزرقي وزاد عليه ما تجدد بعده بل وما قبله ، واختصره مراراً.

وعمل العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين في أربع مجلّدات ، ترجم فيه جماعة من حكّام مكة وولاتها وقضاتها وخطبائها وأئمتها ومؤذّنيها ، وجماعة من العلماء والرّواة من أهلها ، وكذا من سكنها سنين أو مات بها ، وجماعة لهم مآثر فيها أو في ما أضيف له ، رتّبه على المعجم ثمّ اختصره ، وكذا ذيّل على سير النبلاء وعلى التقييد لابن نقطة وكتاباً في الآخريات سوّد غالبه ، وفي الأذكار والدعوات ، وفي المناسك على مذهب الشافعي ومالك ، واختصر حياة الحيوان للدميري ، وخرّج الأربعين المتباينات والفهرست كِلاهما لنفسه ، وكذا خرّج لجماعة من شيوخه » (١).

وقال السيوطي : « الفاسي الحافظ تقيّ الدين محمّد بن أحمد بن علي بن عبد الرحمن الشريف المكّي ، أبو الطيّب ، ولد سنة خمس وسبعين وسبعمائة ، وأجاز له أبو بكر بن أحمد المحب ، وإبراهيم بن السّلار ، رحل وبرع وخرّج ، وأذن له الشيخ زين الدّين العراقي بإقراء الحديث ، ودرّس وأفتى ، وصنّف كتباً منها تاريخ مكة ، وولي قضاء المالكية بها. مات في شوال سنة ٨٣٢. قال ابن حجر : ولم يخلف في الحجاز مثله » (٢).

٨ ـ السيّد شهاب الدين أحمد : « ولم يزل أصحاب العلم والعرفان لا

__________________

(١) الضوء اللامع لأهل القرن التاسع ٧ / ١٨.

(٢) طبقات الحفاظ : ٥٤٩.

١٦٠