نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ١٨

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ١٨

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٤

وقال سدّوا أبواب المسجد غير باب علي ، فقال : فيدخل المسجد جنباً وهو طريقه وليس له طريق غيره.

قال وقال : من كنت مولاه فإنّ مولاه علي.

قال : وأخبرنا الله عزّوجلّ في القرآن أنّه قد رضي عن أصحاب الشجرة فعلم ما في قلوبهم ، هل حدّثنا أنه سخط عليهم بعد.

قال : وقال نبيّ الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ لعمر حين قال : ائذن لي فلأضرب عنقه ـ قال : أو كنت فاعلاً؟ وما يدريك ، لعلّ الله قد اطّلع إلى أهل بدرٍ فقال : إعلموا ما شئتم » (١).

وأخرجه أحمد في المناقب بنفس السند حيث قال : « حدّثنا يحيى بن حماد قال : حدّثنا أبو عوانة قال : حدّثنا أبو بلج قال : حدّثنا عمرو بن ميمون قال : إني لجالس إلى ابن عباس ، إذ أتاه تسعة رهط ...

قال : وخرج بالناس في غزاة تبوك. فقال علي : أخرج معك؟ فقال نبي الله : لا. فبكى علي. فقال :

أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنك لست بنبي ، لا ينبغي أنْ أذهب إلاّوأنت خليفتي ... » (٢).

وأمّا رواية أبي يعلى الموصلي فتعلم من ( تاريخ ابن كثير ).

رواية الحاكم

وأمّا راوية الحاكم ... فقد قال : « أخبرنا أبو بكر أحمد بن جفعر بن حمدان القطيعي ببغداد من أصل كتابه ، ثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل ، حدّثني أبي ، ثنا

__________________

(١) مسند أحمد ١ / ٥٤٤ رقم ٣٠٥٢ الطبعة الجديدة. و ١ / ٣٣١ الطبعة القديمة.

(٢) مناقب أمير المؤمنين : ٣١١ رقم ٢٩١.

٢٨١

يحيى بن حماد ، ثنا أبو عوانة ، ثنا أبو بلج ، ثنا عمرو بن ميمون قال : إني لجالس عند ابن عباس ، إذ أتاه تسعة رهط فقالوا : يا ابن عباس ، إمّا أنْ تقوم معنا وإمّا أن تخلو بنا من بين هؤلاء. قال : فقال ابن عباس : بل أنا أقوم معكم. قال ـ وهو يومئذ صحيح قبل أنْ يعمى ـ قال فابتدؤا فتحدّثوا فلا ندري ما قالوا. قال : فجاء ينفض ثوبه ويقول : اف وتُف ، وقعوا في رجل له بضع عشر فضائل ...

فقال ابن عباس : وخرج رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ في غزوة تبوك وخرج بالناس معه قال. فقال له علي : أخرج معك. قال فقال النبي : لا ، فبكى علي فقال له : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه ليس بعدي نبي ، إنه لا ينبغي أنْ أذهب إلاّوأنت خليفتي ...

هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة.

وقد حدّثنا السيد الأوحد أبو يعلى حمزة بن محمّد الزيدي رضي‌الله‌عنه ، ثنا أبو الحسن علي بن محمّد بن مهرويه القزويني القطّان قال : سمعت أبا حاتم الرازي يقول : كان يعجبهم أن يجدوا الفضائل من رواية أحمد بن حنبل رضي‌الله‌عنه » (١).

ورواه الموفّق بن أحمد بقوله :

« أخبرنا الشيخ الزاهد الحافظ أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي الخوارزمي أخبرنا القاضي الامام شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد الواعظ عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو عبدالله الحافظ ، أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي ، حدّثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل ، أخبرنا أبي ، حدّثنا يحيى بن حمّاد ، حدثنا أبو عوانه ، حدثنا أبو بلج ، حدّثنا عمرو بن ميمون قال : إني لجالس إلى ابن عباس ...

قال ابن عباس : وخرج رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ في غزوة تبوك وخرج الناس معه ، فقال له علي : أخرج معك؟ فقال النبي : لا ، فبكى علي فقال

__________________

(١) المستدرك ٣ / ١٣٢ ـ ١٣٣.

٢٨٢

له : أما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه ليس بعدي نبي ، إنه لا ينبغي أنْ أذهب إلاّوأنت خليفتي » (١).

أمّا رواية ابن عساكر فتعلم من عبارة ( كفاية الطالب ) و ( وسيلة المآل ) و ( الرياض النضرة ) وغيرها :

رواية ابن عساكر

ورواه الكنجي عن طريق ابن عساكر ، فقال :

« روى إمام أهل الحديث أحمد بن حنبل في مسنده قصة نوم علي عليه‌السلام على فراش رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، في حديث طويل ، وتابعه الحافظ محدّث الشام في كتابه المسمى بالأربعين الطوال.

فأمّا حديث الإمام أحمد ، فأخبرنا قاضي القضاة حجة الإسلام أبو الفضل يحيى ابن قاضي القضاة أبي المعالي محمّد بن علي القرشي قال :

أخبرنا حنبل ابن عبدالله المكبّر ، أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن الحصين ، أخبرنا أبو علي الحسن بن المذهب ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر القطيعي ، حدّثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل ، حدّثنا أبي.

وأمّا الحديث الذي في الأربعين الطوال ، فأخبرنا به القاضي العلاّمة مفتي الشام أبو نصر محمّد بن هبة الله ابن قاضي القضاة شرقاً وغرباً أبي نصر محمّد بن هبة الله بن محمّد بن مَميل الشيرازي قال : أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن ، أخبرنا الشيخ أبو القاسم هبة الله بن محمّد بن عبد الواحد الشيباني ، أخبرنا أبو علي الحسن بن علي بن محمّد التميمي ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي ، حدّثنا عبدالله بن أحمد بن محمّد بن حنبل ، حدثني أبي ،

__________________

(١) المناقب : ١٢٥ رقم ١٤٠.

٢٨٣

حدّثنا أبو عوانة ، حدّثنا أبو بلج ، حدّثنا عمرو بن ميمون قال :

إني لجالس إلى ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط ...

وخرج بالناس في غروة تبوك قال فقال لهُ علي : أخرج معك؟ قال فقال له النبي ( ص ) : لا. فبكى علي عليه‌السلام. فقال له : أما ترضى أنْ تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنك لست بنبي ، إنّه لا ينبغي أنْ أذهب إلاّوأنت خليفتي » (١).

رواية المحبّ الطبري

ورواه محبّ الدين الطبري حيث قال :

« ذكر اختصاصه بعشر : عن عمرو بن ميمون قال : إني لجالس عند ابن عبّاس ، إذْ أتاه سبعة رهط ... وخرج بالناس في غزوة تبوك. قال : فقال له علي : أخرج معك؟ فقال النبي : لا. فبكى علي. قال فقال له نبي الله صلّى الله عليه وسلّم : أما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنك لست بنبي ، إنّه لا ينبغي أنْ أذهب إلاّوأنت خليفتي ...

أخرجه بتمامه أحمد ، والحافظ أبو القاسم في الموافقات وفي الأربعين الطوال ، وأخرج النسائي بعضه » (٢).

رواية ابن كثير

ورواه الحافظ ابن كثير الدمشقي بعد رواية أبي يعلى حديث خيبر عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس : « وهذا غريب من هذا الوجه ، وهو مختصر من حديثٍ طويل ، رواه الإمام أحمد بن يحيى بن حماد ، عن أبي عوانة ، عن أبي بلج ، عن عمرو بن ميمون ، عن ابن عباس. فذكره بتمامه فقال الإمام أحمد ... وخرج

__________________

(١) كفاية الطالب : ٢٤١.

(٢) الرياض النضرة ( ٣ ـ ٤ ) : ١٧٤.

٢٨٤

بالناس في غزوة تبوك ... » (٢).

رواية ابن حجر العسقلاني

ورواه ابن حجر العسقلاني بقوله : « أخرج أحمد والنسائي من طريق عمرو بن ميمون : إني لجالس عند ابن عباس ، إذْ أتاه سبعة رهط. فذكر قصةً فيها : فجاء ينفض ثوبه فقال : وقعوا في رجلٍ له عشر ...

وقال له في غزوة تبوك : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنك لست بنبي ، لا ينبغي أنْ أذهب إلاّوأنت خليفتي ... » (٢).

رواية جلال الدين السيوطي

ورواه جلال الدين عبد الرحمان بن أبي بكر السيوطي في كتابه ( جمع الجوامع ) بلفظ : « أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنك لست بنبي ، ألا إنّه لا ينبغي لي أن أذهب إلاّوأنت خليفتي. حم ك. عن ابن عباس ».

وتجده عند المتقي الهندي بنفس هذا اللفظ (٣).

ورواه عبد الوهاب بن محمّد بن رفيع في ( تفسيره ) كذلك عن ابن المغازلي بسنده عن ابن عباس.

ورواه شهاب الدين أحمد صاحب ( توضيح الدلائل ) :

« عن عمرو بن ميمون قال : إني لجالس عند ابن عباس رضي الله تعالى

__________________

(١) تاريخ ابن كثير ٧ / ٢٦٩.

(٢) الاصابة ٤ / ٥٦٧.

(٣) كنز العمال ١١ / ٦٠٦ رقم ٣٢٩٣١.

٢٨٥

عنهم إذ أتاه سبعة رهط ... وخرج رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ في غزوة تبوك فقال له علي : أخرج معك. فقال ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ : لا. فبكى علي رضوان الله تعالى عليه ، فقال النبي : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّك لست بنبي ، لا ينبغي أنْ أذهب إلاّوأنت خليفتي من بعدي ...

رواه الصالحاني بإسناده إلى الحافظ أبي يعلى الموصلي بإسناده.

وهذا حديث حسن متين. ورواه الطبري وقال : أخرجه أحمد بتمامه ، وأبو القاسم الدمشقي في الموافقات وفي الأربعين الطوال. وأخرج النسائي بعضه ».

ورواه ابن باكثير المكي أيضاً.

عن عمرو بن ميمون ـ رضي الله عنهما ـ قال : أنا جالس إلى ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ ... قال : خرج النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ في الناس للغزوة فقال له علي : أخرج معك؟ فقال له النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ : لا. قال : فبكى علي ـ رضي‌الله‌عنه ـ فقال له النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنك لست بنبي ، إنه لا ينبغي أن أذهب إلاّوأنت خليفتي ...

أخرج هذا الحديث بتمامه : أحمد بن حنبل ، وأبو القاسم الدمشقي في الموافقات وفي الأربعين الطوال ، وأخرج النّسائي بعضه. وهذه القصّة مشهورة ، ذكرها ابن اسحاق وغيره » (١).

ورواه الميرزا البدخشاني بقوله :

« أخرج أحمد والحاكم عن ابن عباس ـ رضي‌الله‌عنه ـ إن النبي صلّى الله عليه وسلّم ـ قال لعلي ـ حين استخلفه على المدينة في غزوة تبوك ـ أما ترضى

__________________

(١) وسيلة المآل ـ مخطوط.

٢٨٦

أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنك لست بنبي ، إنه لا ينبغي لي أنْ أذهب إلاّوأنت خليفتي » (١).

رواية شاه ولي الله

ورواه والد الدهلوي أيضاً حيث قال ـ في ( إزالة الخفا ) ـ :

« أخرج الحاكم والنسائي عن عمرو بن ميمون قال : إني لجالس عند ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط ... فقال ابن عباس : وخرج رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ في غزوة تبوك ، وخرج الناس معه ، فقال له علي : أخرج معك؟ قال فقال النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ : لا. فبكى علي. فقال له : أما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي ، إنه لا ينبغي أن أذهب إلاّوأنت خليفتي ».

رواية محمّد بن إسماعيل الأمير

ورواه محمّد بن إسماعيل الأمير الصنعاني في ( الروضة الندية ) حيث قال : « وقد اختصّه الله تعالى ورسوله بخصائص لا تدخل تحت ضبط الأقلام ، ولا تفنى بفناء الليالي والأيام ، مثل اختصاصه بأربع ليست في أحدٍ غيره ، كما أخرجه العلاّمة أبو عمر ابن عبد البر من حديث بحر الامة ابن عباس ـ رضي الله عنهما ... وكاختصاصه بعشر ، كما أخرجه أحمد بتمامه ، وأبو القاسم الدمشقي في المرافقات وفي الأربعين الطوال ، وأخرج النسائي بعضه ، من حديث عمرو ابن ميمون ... ».

__________________

(١) مفتاح النجا ـ مخطوط.

٢٨٧

وقال أحمد بن عبد القادر العجيلي :

« وأما الولاية الهارونية فإنّه خلّفه ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ في غزوة تبوك فقال : يا رسول الله ، تخلّفني في النساء والصبيان؟ فقال : أما ترضى أنْ تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبي بعدي ، لا ينبغي أنْ أذهب إلاّوأنت خليفتي. رواه ابن عباس. وفي ذلك إشارات وسيأتي بعضها » (١).

أقول :

أليست هذه منقبة جليلة ومرتبة رفيعة خاصّة بأمير المؤمنين ولا يشاركه فيها إلاّ النبي صلّى الله عليهما وآلهما؟

إنّ هذه السياقة دليل آخر على بطلان مزاعم النّواصب ، وخرافات الذين تبعوهم ، في مقام ردّ الإستدلال بهذا الحديث الشريف ...

ولا يخفى دلالته على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام وخلافته عن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأن « أن أذهب » في قوة « ذهابي » وهو اسم جنس مضاف ، وقد عرفت أنّ اسم الجنس الجائز منه الإستثناء قطعاً من ألفاظ العموم ... و « الذهاب إلى الربّ » فرد من الأفراد ، فأمير المؤمنين عليه‌السلام هو الخليفة بعد وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وعلى فرض تقييد هذا « الذهاب » بزمن الخروج إلى غزوة تبوك ، فلا كلام في دلالته حينئذٍ على الأفضلية ، والأفضلية مستلزمة للإمامة والخلافة العامة (٢).

__________________

(١) ذخيرة المآل ـ شرح عقد جواهر اللآل ـ مخطوط.

(٢) وقد بحثنا عن هذا الحديث بشيء من التفصيل في محلق حديث الولاية ، في الجزء ١٦ من كتابنا ، فراجعه.

٢٨٨

الجواب عن مناقشة المحبّ الطبري في المقام

وكأنّ المحبّ الطبري قد التفت إلى ما يدلّ عليه هذا الحديث ـ مطابقةً أو بالإستلزام ـ من بطلان خلافة المتقدّمين على أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فحاول توجيه الحديث بما لا يتنافى ومذهبهم ... وهذه عبارته :

« قوله : إنه لا ينبغي أن أذهب إلاّوأنت خليفتي.

المراد به ـ والله أعلم ـ خليفتي على أهلي ، فانه ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ لم يستخلفه إلاّعليهم ، والقرابة مناسبة لذلك ، واستخلف ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ على المدينة محمّد بن مسلمة الأنصاري ، وقيل : سباع بن عرفطة. ذكره ابن إسحاق وقال : خلّف رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ في غزوة تبوك عليّاً على أهله وأمره بالإقامة فيهم ، فأرجف المنافقون على علي وقالوا : ما خلّفه إلاّ استثقالاً. قال : فأخذ علي سلاحه ثم خرج حتى أتى رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وهو نازل بالجرف فقال : يا نبيّ الله ، زعم المنافقون أنك إنّما خلّفتني لأنك استثقلتني وتخفّفت منّي. فقال : كذبوا ، ولكنّي خلّفتك لِما تركت ورائي ، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك ، أفلا ترضى ـ يا علي ـ أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي.

أو يكون المعنى : إلاّوأنت خليفتي في هذه القضية ، على تقدير عموم استخلافه في المدينة ـ إنْ صح ذلك ـ ويكون ذلك لمعنىً اقتضاه في تلك المرّة ، علمه رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وجهله غيره. يدل عليه : أنه ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ استخلف غيره في قضايا كثيرة ومرّات عديدة.

أو يكون المعنى : الذي يقتضيه حالك وأمرك أنْ لا أذهب في جهةٍ إلاّوأنت خليفتي ، لأنك منّي بمنزلة هارون من موسى ، لمكان قربك مني وأخذك

٢٨٩

عني ، لكن قد يكون شخوصك معي في وقتٍ أنفع من استخلافك ، أو يكون الحال تقتضي أن المصلحة في استخلاف غيرك ، فيتخلّف حكم الإستخلاف عن مقتضاه لمعارض أقوى منه يقتضي خلافه.

وليس في شيء من ذلك كلّه ما يدل على أنّه الخليفة بعد موته صلّى الله عليه وسلّم » (١).

أقول :

لا يخفى على أصحاب الألباب السليمة وأرباب العقول غير السقيمة ، أنّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا ينبغي أنْ أذهب إلاّوأنت خليفتي » مطلق غير مقيّد ، فحمل لفظ « خليفتي » على خلافة خاصة بالأهل أو بهذه القضية ، حمل بلا دليل وتقييد بلا مقيد ، وما أشبه هذا التقييد بتقييد أهل الكتاب بنوّة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ورسالته بأنها إلى العرب خاصّة دون سائر الخلق ، فإنّهم لمّا عجزوا عن انكار أصل نبوّته ورسالته عمدوا إلى تقييدها بالعرب.

أمّا دعوى حصر استخلافه على الأهل ، فبطلانها يظهر من تصريحات أئمّتهم بأنّ الإستخلاف كان على المدينة.

أمّا أن القرابة مناسبة لذلك ، فإنْ كان المراد حصر خلافته بهم ، فظاهر البطلان ، وإنْ كان المراد أنّ بين القرابة والخلافة مناسبة ، فهذا لا ينفي الخلافة على غير الأهل.

وأمّا قوله : « أو يكون المعنى إلاّوأنت خليفتي في هذه القضية على تقدير عموم استخلافه في المدينة إنْ صحّ ذلك ... ».

فتوجيه مبطل لخرافات أئمة مذهبه القائلين بأنّ هذا الإستخلاف من

__________________

(١) الرياض النضرة ( ١ ـ ٢ ) : ٢٥٥ ـ ٢٢٦.

٢٩٠

الأوصاف العامّة المشتركة ، بل جعلوا استخلافه أضعف وأوهن من سائر الإستخلافات ، لأنّه إذا كان عليه‌السلام هو المستحق للخلافة ـ دون غيره ـ ولو لمعنى اقتضاه في هذه المرة ، علمه الرسول وجهله النواصب ، فقد ثبت اختصاصه عليه‌السلام بالشرف التام غير الحاصل لسواه ، وسقط توهّم اشتراك الآخرين معه في تلك الفضيلة ... وعليه ، فتكون الخلافة بعد الوفاة ـ بالأولويّة القطعيّة ـ منحصرة فيه عليه‌السلام ، وهذا بديهي ظاهر لا ينكره إلاّمعاند مكابر. وأمّا قوله : « أو يكون المعنى : الذي يقتضيه حالك وأمرك ... ».

فتقرير أولى من سابقه في الدلالة على مطلوب الإمامية ، لأنّ قوله : « لا أذهب في جهةٍ » يدل على العموم ، للنكرة الواقعة في سياق النفي ، ومن ذلك « الذهاب إلى ربّ الأرباب » فإذاً ، يكون الحديث ـ على هذا التقرير ـ دالاًّ على أفضليّته وإمامته وخلافته والإمامة ، كما اعترف هو بذلك حيث قال في الفصل الثالث في خلافة أبي بكر من الباب الأول من مناقب القسم الثاني : « وأحاديث أفضليّته كلّها دليل على تعيّنه ، على قولنا : لا ينعقد ولاية المفضول عند وجود الأفضل ».

وأمّا أنّه قد يكون شخوصه معه في وقت أنفع من استخلافه ، فمن الواضح :

أولاً : إن هذا المعنى غير متحقق عند ذهابه إلى ربّه ، إذ لم يذهب معه حينئذٍ فحكم استخلافه باق على حاله.

وثانياً : تخلّف حكم الإستخلاف بسبب كون الشخوص أنفع ، غير قادحٍ في دلالة الحديث على الأفضلية ، لأن المعنى حينئذٍ أنه حيث لا مانع من شخوصه مع النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ تكون الخلافة منحصرة فيه ، وهذه مرتبة غير حاصلة لغيره ، فيكون هو الأفضل.

٢٩١

وأما قوله : « أو يكون الحال تقتضي أن المصلحة في استخلاف غيرك ... ».

فإن كان المراد أن المصلحة في استخلاف غيره متفرعة على كون شخوصه أنفع ، فقد عرفت حال ذلك. وإنْ كان المراد قلب الموضوع ، بمعنى أن المصلحة أوّلاً وبالذات متعلقة باستخلاف غيره ، لا أنها متعلّقة أوّلاً وبالذات بشخوصه ، فهذا معاندة صريحة ومخالفة واضحة مع كلامه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذ أنه يدل على اختصاص الإستخلاف به. على أنا نقول ـ بناءً عليه ـ أنه عند ذهابه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى ربّه هل تعلّقت المصلحة باستخلاف غيره عليه‌السلام أو لا؟ فعلى الثاني تنحصر الخلافة فيه ، وعلى الأول : يجب استخلاف غيره ، لكنّ استخلاف أبي بكر غير متحقق عند أهل السنّة ـ كما اعترف به ( الدهلوي ) وغيره ـ فإذاً ، لا مصلحة في استخلاف غير أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فالخلافة منحصرة فيه ... وكيف يدّعى استخلافه أبا بكر وهم يروون عن ابن مسعود أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يرض باستخلاف أبي بكر وعمر؟!

٢٩٢

(٢٦)

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له بعد الحديث

« أنت خليفتي في كلّ مؤمنٍ من بعدي »

وروى الحافظ النسائي في كتاب ( الخصائص ) ، الذي صنّفه رجاءً لهداية المنحرفين عن أمير المؤمنين ، كما ذكر ابن حجر بترجمته ، عن أبي بكر المأموني أنه سأله عن تصنيفه هذا الكتاب فقال : « دخلت دمشق والمنحرف بها عن علي كثير ، فصنّفت كتاب الخصائص رجاء أن يهديهم الله » (١) وقد جعل ( الدهلوي ) هذا الكتاب من الأدلة الدالة على براءة أهل السنّة من بغض أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢).

روى النسائي في كتابه المذكور قائلاً : « ذكر قول النبي صلّى الله عليه وسلّم في علي ـ رضي‌الله‌عنه ـ إنّ الله عزّوجلّ لا يخزيه أبداً :

أخبرنا محمّد بن المثنى حدّثنا يحيى بن حماد ، حدّثنا الوضاح ـ وهو أبو عوانة ـ قال : حدّثنا أبو بلج بن أبي سليم ، قال حدّثنا عمرو بن ميمون : إني لجالس إلى ابن عباس رضي الله عنهما ، إذ أتاه تسعة رهط فقالوا : يا بن عباس إمّا أنْ تقوم معنا وإمّا أن تخلونا بهؤلاء ـ وهو يومئذٍ صحيح قبل أن يعمى ـ قال : أنا أقوم معكم ، فتحدّثوا فلا أدري ما قالوا ، فجاء وهو ينفض ثوبه وهو يقول : اف وتُف ، وقعوا في رجل له عشر :

وقعوا في رجلٍ قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ لأبعثنّ رجلاً

__________________

(١) تهذيب التهذيب ١ / ٦٨.

(٢) التحفة الاثنا عشرية : ٦٣.

٢٩٣

يحبّ الله ويحبّه الله ورسوله لا يخزيه الله أبداً ، واستشرف لها من استشرف. فقال : أين علي [ بن أبي طالب ]؟ قيل : هو في الرحى يطحن. قال : وما كان أحدكم ليطحن [ من قبله ]! فدعاه وهو أرمد ما كاد أن يبصر ، فنفث في عينيه ، ثمّ هزّ الرّاية ثلاثاً فدفعها إليه ، فجاء بصفيّة بنت حيي.

وبعث أبا بكر بسورة التوبة ، وبعث عليّاً خلفه ، فأخذها منه ، فقال :

لا يذهب بها إلاّرجل [ من أهل بيتي ] هو مني وأنا منه. قال : وقال لبني عمه أيكم يواليني في الدنيا والآخرة؟ قال : وعلي جالس معه ، فقال علي أنا اواليك في الدنيا والآخرة.

ودعا رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ الحسن والحسين وعليّاً وفاطمة ، فمدَّ عليهم ثوباً فقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

وكان أوّل من أسلم من الناس معه بعد خديجة.

ولبس ثوب النبي وهم يحسبون أنه نبي الله ، فجاء أبو بكر فقال علي : إنّ نبي الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قد ذهب نحو بئر ميمون ، فأتبعه فدخل معه الغار ، فكان المشركون يرمون عليّاً حتى أصبح.

وخرج بالناس في غزورة تبوك فقال علي : أخرج معك؟ فقال : لا ، فبكى ، فقال : أما ترضى أنْ تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنك لست بني. ثم قال : أنت خليفتي ـ يعني في كلّ مؤمن بعدي.

قال : وسدّ أبواب المسجد ... » (١).

أقول :

وهذا الحديث نص صريح في مطلوب الإمامية ، وهو أن حديث المنزلة

__________________

(١) الخصائص : ٣٤ رقم ٢٣.

٢٩٤

ليس استخلافاً جزئيّاً ، وإنما يدل على الخلافة والولاية العامة على كلّ مؤمن بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فذهبت خرافات النواصب والمشككين أدراج الرياح ، ولم يعد لها أيّ قيمةٍ في سوق الإعتبار.

أعتبار كتاب الخصائص

وكتاب ( الخصائص ) قد عرفت السبب في تصنيفه ، فلابُدّ وأنْ تكون أخباره معتبرة عندهم ، ليتمكن من هداية النواصب بها.

على أن في كلمات الأكابر أن النسائي صنّف كتابه ( الخصائص ) للإستدلال والإحتجاج ، فقد ذكر ابن حجر العسقلاني عند بيان الرموز الموضوعة في كتاب ( تهذيب الكمال للمزي ) الذي هذّبه ، بقوله : « للستة : ع ، وللاربعة : ع ، وللبخاري : خ ، ولمسلم : م ... وللنسائي في اليوم والليلة : سي ، وفي مسند مالك : كز ، وفي خصائص علي : ص. وفي مسند علي : عس ، ولابن ماجة في التفسير فق.

هذا الذي ذكره المؤلّف من تآليفهم ، وذكر أنه ترك تصانيفهم في التواريخ عمداً ، لأن الأحاديث التي تورد فيها غير مقصودة بالإحتجاج ...

وأفرد : ( علم يوم وليلة ) للنسائي عن السنن ، وهو من جملة كتاب السنن في رواية ابن الأحمر وابن سيّار ، وكذلك أفرد ( خصائص علي ) وهو من جملة المناقب في رواية ابن سيّار ، ولم يفرد التفسير وهو من رواية حمزة وحده ، ولا كتاب الملائكة ، والإستعاذة ، والطب ، وغير ذلك ، وقد تفرّد بذلك راوٍ دون راوٍ ، عن النسائي ، فما تبيّن لي وجه إفراده الخصائص ، وعمل اليوم والليلة ، والله

٢٩٥

الموفق » (١).

فكتاب ( الخصائص ) من الكتب المصنفة للإحتجاج ، مضافاً إلى إنّه من كتاب ( السنن ) الذي هو أحد الصّحاح عندهم.

وعلى هذا ، فالحديث المذكور معتبر صالح للإحتجاج والإستدلال.

صحة الحديث المزبور

هذا ، على أنا إذا لاحظنا رجال الحديث المزبور بخصوصه ، وجدناهم ثقاتٍ معتبرين ، ومن رجال الصحيح :

أمّا « محمّد بن المثنى » فمن الحفّاظ الثقات الكبار. قال الذهبي : « محمّد ابن المثنى ، أبو موسى العنزي ، الحافظ ، عن أبن عيينة وعبدالعزيز العميّ. وعنه ع وأبو عروبة والمحاملى. ثقة ورع ، مات ٢٥٢ » (٢).

وقال ابن حجر : « ثقة ثبت » (٣).

وأمّا « أبو عوانة وضاح » و « أبو بلج يجبى بن أبي مسلم » و « عمرو بن ميمون » فكلّهم من الثقات المعتمدين والمعتبرين ... وقد عرفت إخراج الحاكم الحديث من طريقهم وتصحيحه إيّاه ... كما روى الحافظ ابن عبد البر ـ الذي وصفه ( الدهلوي ) بالأعلمية من الخطيب والبيهقي وابن حزم ـ حديث السبق إلى الإسلام عن هذا الطريق ، ونصّ على أنْ لا مطعن لأحد في صحته وهذا نص كلامه :

« حدّثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدّثنا قاسم بن أصبغ ، قال حدّثنا أحمد بن

__________________

(١) تهذيب التهذيب ١ / ٣٩.

(٢) الكاشف ٣ / ٧٥ رقم ٥١٩٦.

(٣) تقريب التهذيب ٢ / ١٢٩ رقم ٦٢٨٣.

٢٩٦

زهير بن حرب قال : حدّثنا الحسن بن حمّاد ، حدّثنا أبو عوانة ، عن أبي بلج ، عن عمرو بن ميمون ، عن ابن عباس قال : كان علي بن أبي طالب أول من آمن [ بالله ] من الناس بعد خديجة رضي عنها.

قال أبو عمرو رحمه‌الله : هذا إسناد لا مطعن فيه لأحد ، لصحّته وثقة نقلته » (١).

وكيف يسوغ لهم الطعن في سنده ، و « وضّاح » و « عمرو بن ميمون » من رجال كلّ الصحاح ، و « أبو بلج » من رجال الترمذي والنسائي وابن ماجة وأبي داود؟

__________________

(١) الاستيعاب ٣ / ١٠٩١ ـ ١٠٩٢.

٢٩٧

(٢٧)

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد الحديث

« وأنت خليفتي »

وروى الحافظ سبط ابن الجوزي بعد حديث المنزلة :

« وقد أخرج الإمام أحمد هذا الحديث فية كتاب الفضائل الذي صنفّه لأمير المؤمنين : أخبرنا أبو محمّد عبد العزيز بن محمود البزار قال : أخبرنا أبو الفضل محمّد بن ناصر السلمي ، أخبرنا أبو الحسن المبارك بن عبد الجبار الصيرفي ، أخبرنا أبو طاهر محمّد بن علي بن محمّد بن يوسف ، أخبرنا أبو بكر حدّثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن سعد بن عبيد ، عن أبي بردة قال :

خرج علي مع النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى ثنيّة الوداع ـ وهو يبكي ـ ويقول : خلّفتني مع الخوالف ، ما أحب أن تخرج في وجهٍ إلاّوأنا معك. فقال صلّى الله عليه وسلّم:

ألا ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ النبوة وأنت خليفتي » (١).

وهذا ـ هو الآخر ـ نص صريح على الخلافة العامة والولاية الكبرى.

__________________

(١) تذكرة خواص الامة : ٢٧ ـ ٢٨.

٢٩٨

(٢٨)

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحديث

« خلّفتك أنْ تكون خليفتي »

وقد روي حديث المنزلة باللّفظ الآتي :

« عن علي : إن النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قال : خلّفتك أنْ تكون خليفتي. قلت : أتخلّف عنك يا رسول الله؟ قال : ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي. طس » أي : الطبراني في المعجم الأوسط (١).

أقول :

فهذا إستخلاف على المدينة ، وبه نصّ الأئمة ، وإذا ثبتت هذه الخلافة ، فإنها تستصحب قطعاً حتى يتحقق الرافع لها ، ومن الواضح عدم الرّافع الصريح التام. ودعوى انقطاعها ـ لكونها مقيّدةً بمدة الغيبة ـ من البطلان بمكان ، كدعوى العزل برجوعه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الغزوة.

وإذا استصحبت هذه الخلافة وابقيت ، فإنّها تكون باقية بعد وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتقدّم غيره عليه فيها باطل ، وذلك :

أولاً : لأنّ خلافة غيره عليه‌السلام خلاف الإجماع المركب ، لأنّ الخلافة على من بالمدينة المنورة ـ ومنهم الأزواج ـ ثبتت لأمير المؤمنين عليه‌السلام ،

__________________

(١) كنز العمال ١٣ / ١٥٨ رقم ٣٦٤٨٨. وانظر المعجم الأوسط ٤ / ٤٨٤ ح ٤٢٤٨.

٢٩٩

فهي ثابتة له بعد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ.

وثانياً : إثبات الخلافة المطلقة لغيره عليه‌السلام ، يستلزم أن يكون على أهل المدينة خليفتان في وقت واحد ، أحدهما أمير المؤمنين عليه‌السلام ، والآخر أحد الأفراد الآخرين المدّعى لهم الخلافة ، وهذا واضح البطلان ، لحصول الإجماع على عدم جوازه.

قال السيّد المرتضى : « فإنْ قيل : فقد ذكرتم أن التعلّق بالإستخلاف على المدينة طريقة معتمدة لأصحابكم ، فبيّنوا وجه الإستدلال بها.

قلنا : الوجه في دلالتها أنه قد ثبت استخلاف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمير المؤمنين عليه‌السلام لمّا توجّه إلى غزاة تبوك ، ولم يثبت عزله عن هذه الولاية بقولٍ من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا دليل ، فوجب أن يكون الإمام ، لانّ حاله لم يتغير.

فإنْ قيل : ما أنكرتم أن يكون رجوع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المدينة يقتضي عزله وإنْ لم يقع العزل بالقول.

قلنا : إنّ الرجوع ليس بعزل عن الولاية في عادةٍ ولا عرف ، وكيف يكون العود من الغيبة عزلاً أو مقتضياً للعزل؟ وقد يجتمع الخليفة والمستخلف في البلد الواحد ، ولا ينفي حضوره الخلافة له ، وإنما يثبت في بعض الأحوال العزل بعود المستخلف إذ كنّا قد علمنا أنّ الإستخلاف تعلّق بحال الغيبة دون غيرها ، فيكون الغيبة كالشرط فيه ، ولم يعلم مثل ذلك في استخلاف أمير المؤمنين.

فإنْ عارض معارض بمن روى أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استخلفه كمعاذ وابن ام مكتوم وغيرهما.

فالجواب عنه قد تقدم وهو : إن الإجماع على أنّه لاحظَّ لهؤلاء بعد النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ في إمامة ولا فرض طاعة ، يدل ذلك على ثبوت عزلهم.

٣٠٠