نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ١٧

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ١٧

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٤

خلاصة الوجوه المذكورة سابقاً في أنَّ حديث المنزلة يدل على عموم المنزلة ، لكون الإستثناء فيه متّصلاً ، وأنّه لا يجوز حمله على المنقطع ... وكل وجه منها ينحلّ إلى وجوه ...

وإليك وجوهاً أخرى زائداً على ما تقدّم :

وجوه أخرى

١ ـ التشبيه يوجب العموم في المحلّ الذي يحتمله

ذكر المحققون من العلماء : أنّ التشبيه يوجب العموم في المحلّ الذي يحتمله .. قال الشيخ علي بن محمد البزدوي في ( الأصول ) ما نصّه :

« والأصل في الكلام هو الصريح ، وأمّا الكناية ففيها ضرب قصور ، من حيث أنّها تقصر عن البيان إلاّبالنيّة ، والبيان بالكلام هو المراد ، فظهر هذا التفاوت فيما يدرء بالشبهات ، وصار جنس الكنايات بمنزلة الضرورات ، ولهذا قلنا إن حدّ القذف لا يجب إلاّبتصريح الزنا ، حتى أنّ من قذف رجلاً بالزنا فقال له آخر : صدقت ، لم يحد المصدّق ، وكذلك إذا قال : لستُ بزان. يريد التعريض بالمخاطب ، لم يحد. وكذلك في كلّ تعريض ، لما قلنا. بخلاف من قذف رجلاً بالزنا فقال الآخر : هو كما قلت ، حدّ هذا الرجل ، وكان بمنزلة الصّريح ، لما عرف في كتاب الحدود ».

قال شارحه البخاري : « قوله : وكان بمنزلة الصريح لما عرف. قال شمس الأئمة في قوله هو كما قلت : إنّ كاف التشبيه يوجب العموم عندنا في المحلّ

٣٦١

الذي يحتمله ، ولهذا قلنا في قول علي ـ رضي‌الله‌عنه ـ : إنما أعطيناهم الذمّة وبذلوا الجزية ليكون أموالهم كأموالنا ودماؤهم كدمائنا : إنه مجريٌّ على العموم فيما يندرء بالشبهات كالحدود ، وما ثبت بالشبهات كالأموال ، فهذا الكاف أيضاً موجَبه العموم ، لأنه حصل في محل يحتمله ، فيكون نسبةً له إلى الزنا قطعاً ، بمنزلة الكلام الأول ، على ما هو موجب العام عندنا » (١).

أقول :

فالتشبيه يوجب العموم عند الأصوليين ، وفي حديث المنزلة تشبيه ، كما نصّ عليه شرّاحه من مشاهير المحققين المهرة ، كالقاضي عياض ، والنووي ، والمحب الطبري ، والطيّبي ، والكرماني ، والعسقلاني ، والأعور الواسطي ، والقسطلاني ، والعلقمي ، والمناوي ، وغيرهم ... وقد تقدمت عباراتهم ... بل ( الدهلوي ) نفسه أيضاً معترف بذلك حيث يقول : « وأيضاً ، لمّا شبّه حضرة الأمير بحضرة هارون ... » ...

فهذا وجه من وجوه دلالة الحديث على العموم ...

وفي ( طبقات الشافعية ) بترجمة أبي داود سليمان بن الأشعث ، يقول السبكي : « قال شيخنا الذهبي : تفَقّه أبو داود بأحمد بن حنبل ولازمه مدةً ، قال : وكان يشبَّه به كما كان أحمد يشبّه بشيخه وكيع ، وكان وكيع يشبَّه بشيخه سفيان ، وكان سفيان يشبّه بشيخه منصور ، وكان منصور يشبَّه بشيخه إبراهيم ، وكان إبراهيم يشبّه بشيخه علقمة ، وكان علقمة يشبّه بشيخه عبد الله بن مسعود ، رضي‌الله‌عنه.

قال شيخنا الذهبي : وروى أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن

__________________

(١) كشف الأسرار في شرح اصول البزودي ٢ / ٣٨٩ ـ ٣٩١.

٣٦٢

علقمة : إنه كان يشبه عبد الله بن مسعود بالنبي صلّى الله عليه وسلّم في هديه ودلّه.

قلت : أمّا أنا فمن ابن مسعود أسكت ، ولا أستطيع أنْ اشبّه أحداً برسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، في شيء من الأشياء ، ولا أستحسنه ولا أجوّزه ، وغاية ما تسمح نفسي به أنْ أقول : وكان عبد الله يقتدي برسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فيما تنتهى إليه قدرته وموهبته من الله عزوجل ، لا في كلّ ما كان عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فإن ذلك ليس لابن مسعود ، ولا للصديق ، ولا لمن اتّخذه الله خليلاً ، حشرنا الله في زمرتهم » (١).

وإذ ثبت أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد شبّه أمير المؤمنين بهارون عليهما‌السلام ، فقد ثبت بذلك بالبداهة أن عليّاً حائز لجميع صفات هارون إلاّ النبوة ، وإلاّ لما شبّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاً بهارون ، لعين الدليل القائم على عدم جواز تشبيه ابن مسعود برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٢ ـ كون الشيء بمنزلة الشيء يستلزم ترتب أحكامه عليه

ومقتضى كلمات العلماء المحققين في المسائل والموارد المختلفة من استدلالاتهم : أنّ كون الشيء بمنزلة الشيء يستلزم ترتّب أحكامه عليه ...

فمثلاً يقول الشيخ جمال الدين ابن هشام في بيان وجوه إستعمال « إلاّ » في كلام العرب :

« الثاني ـ أن تكون صفةً بمنزلة غير ، فيوصف بها وبتاليها جمع منكّر أو شبهه ، فمثال الجمع المنكر( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا ) (١) فلا يجوز في

__________________

(١) طبقات الشافعية للسبكي ٢ / ٤٩.

٣٦٣

« إلاّ » هذه أنْ تكون للإستثناء ، من جهة المعنى ، إذ التقدير حينئذٍ : لو كان فيهما آلهة ليس فيهم ليست في المصدر الله لفسدتا ، وذلك يقتضي بمفهومه أنه لو كان فيهما آلهة ... جمع منكر في الإثبات ، فلا عموم له ، فلا يصحّ الإستثناء منه. ولو قلت : قام رجال إلاّزيداً. لم يصح إتّفاقاً.

وزعم المبرد : أن « إلاّ » في هذه الآية للإستثناء ، وأنّ ما بعدها بدل ، محتجّاً بأنّ « لو » تدل على الإمتناع ، وامتناع الشيء انتفاؤه. وزعم أنّ التفريغ بعدها جائز ، وأن نحو : لو كان معنا إلاّزيد ، أجود كلام.

ويردّه : أنهم لا يقولون : لو جاءني ديّار أكرمته. ولا : لو جاءني من أحد أكرمته. ولو كانت بمنزلة النافي لجاز ذلك ، كما يجوز : ما فيها ديار ، وما جاءني من أحد. ولمّا لم يجز ذلك دلّ على أنّ الصواب قول سيبويه أنّ إلاّوما بعدها صفة » (١).

ويقول عبد العزيز البخاري :

« قوله : لكنه فيما لم يسبق فيه الخلاف بمنزلة المشهور من الحديث ، وفيما سبق فيه الخلاف بمنزلة الصحيح من الآحاد.

أي : لكن إجماع من بعد الصحابة في حكم لم يسبق فيه الخلاف ، بمنزلة المشهور من الحديث ، حتى لا يكفّر جاحده لشبهة الإختلاف ، ولكنْ يجوز الزيادة التي هي في معنى النسخ به ، لأن الإختلاف الواقع فيه ممّا لا يعبأ به ، وإجماعهم فيما سبق فيه خلاف بمنزلة الصحيح من الآحاد ، حتى كان موجباً للعمل دون العلم ، بشرط أنْ لا يكون مخالفاً للُاصول ، فكان هذا الإجماع حجة على أدنى المراتب. كذا في التقويم. وينبغى أنْ يكون مقدماً على القياس ، كخبر الواحد » (٢).

__________________

(١) مغني اللبيب ١ / ٩٩.

(٢) التحقيق في شرح المنتخب في اصول المذهب للأخسيكشي ـ مبحث الإجماع.

٣٦٤

إذن ، كون الشيء بمنزلة الشيء يستلزم ترتّب أحكامه عليه ، وهذا دليل صريح على أن قول القائل : هذا بمنزلة ذاك ، يدل على العموم.

فكون أمير المؤمنين عليه‌السلام بمنزلة هارون عليه‌السلام ، يثبت للإمام جميع المراتب الثابتة لهارون ، فالحديث يدل على عموم المنزلة.

٣ ـ دلالة الحديث على العموم باعتراف عبد الحق الدهلوي

واعترف الشيخ عبد الحق الدهلوي ( بشرح المشكاة ) بدلالة حديث المنزلة على أن عموم منازل هارون ثابتة لسيّدنا الأمير عليهما‌السلام ، فقد قال بشرح الحديث : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى. قال سعد بن أبي وقاص ـ وهو أحد العشرة المبشرة ـ أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعلي رضي‌الله‌عنه : أنت مني بمنزلة هارون من موسى. حيث كان أخاه وخليفته ، إلاّ أنه لا نبي بعدي. أي : غير أنّ الفرق ليس إلاّ أنه ليس بعدي نبي ، وكان هارون نبيّاً ، ولست أنت بنبيّ ... ».

فلقد فهم الشيخ عبد الحق الدهلوي العموم من هذا الحديث ، ونصّ على أنّه لا فرق بين أمير المؤمنين وهارون عليهما‌السلام إلاّفي النبوة ، أي : فيكون أمير المؤمنين عليه‌السلام الخليفة بعد النبي ، الإمام المعصوم ، المفترض الطّاعة ، وأعلم القوم وأفضلهم ...

٤ ـ دلالته على العموم باعتراف الفخر الرازي

ويقول الفخر الرازي ـ في كلامه الآتي بتمامه ـ :

« أما الأول فجوابه : إن معنى قوله : أنت مني بمنزلة هارون من موسى : إن حالك معي أو عندي كحال هارون من موسى عليهما‌السلام. وهذا القول يدخل

٣٦٥

تحته أحوال هارون نفياً وإثباتا ».

فهذا الكلام صريح في عموم الأحوال ، لأنّ كلمة « أحوال » في هذا الكلام جمع مضاف ، والجمع المضاف من صيغ العموم ، كما عرفت من كلام القاضي العضد الإيجي في ( شرح المختصر ) والعبري في ( شرح المنهاج ).

فمراد الرازي من « أحوال هارون » هو جميع أحواله.

هذا ، مضافاً إلى أنّه لو لم يكن مراد الرازي العموم لم يثبت مطلبه من هذا الكلام ، لأن إثبات بعض الأحوال فقط لا يستلزم دخول نفي الأمامة في هذه الأحوال ، فلا يثبت مطلوبه وهو إثبات دلالة الحديث على نفي الإمامة ... فلابدّ من أن يكون لفظ المنزلة دالًّا على جميع الأحوال.

وحينئذٍ يتم ـ والحمد لله ـ العموم الذي يدّعيه أهل الحق الإمامية ، فإنهم إنما يدّعون العموم بالنسبة إلى الأحوال المعتنى بها ، والرازي يثبت هذا العموم بل الأزيد منه ، ويرى شموله للأحوال المنفيّة أيضاً.

لكنّه ـ ويا للعجب ـ يعود فينكر العموم ، كأسلافه وأخلافه ، عناداً للحق وأهله ... ويأتي ( الدهلوي ) ويدّعي أن ثبوت العموم يستلزم الكذب في كلام المعصوم والعياذ بالله!!

٥ ـ الدلالة على العموم في كلام الدهلوي

ويقول ( الدهلوي ) في جواب الإستدلال بحديث المنزلة :

« وأيضاً : لما شبّه حضرة الأمير بحضرة هارون ـ ومعلومٌ أنّ هارون كان خليفة موسى في غيبته في حال حياته ، أما بعد وفاة موسى فكان الخليفة يوشع ابن نون وكالب بن يوفنا ـ فاللاّزم أنْ يكون حضرة الأمير خليفة النبي صلّى الله عليه وسلّم في حال حياته مدة غيبته لا بعد وفاته ، بل الخليفة بعد وفاته غيره ،

٣٦٦

حتى يكون التشبيه كاملاً ، وحمل التشبيه الواقع في كلام رسول الله على التشبيه الناقص دليل على كمال عدم المبالاة بالدين ».

وفي كلامه هذا اعتراف بعموم المنزلة ، لأنّه يحمل الحديث ـ تقليداً للرازي ـ على العموم حتى بالنسبة إلى المنازل المنفيّة ، كي يثبت الدلالة على نفي خلافة الأمير عليه‌السلام ، ومعلوم أنّ كمال التشبيه لا يكون بغير عموم المنازل ، وحمله على بعض المنازل حمل على التشبيه الناقص الذي منعه ( الدهلوي ).

فظهر أنّ حمل القوم حديث المنزلة على بعض المنازل دليل على عدم مبالاتهم بالدين ، وعدم اهتمامهم بمداليل كلمات خاتم النبيّين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... وبهذا يسقط ما زعمه ( الدهلوي ) من أن الحمل على الإستثناء المتّصل يستلزم الكذب في كلام المعصوم ، بل إنّ الأمر بالعكس ، فإنّ زعم انقطاعه وتأويل « إلاّ أنه لا نبي بعدي » بـ « عدم النبوّة » يستلزم ذلك ... والحمد لله في المبدء والمآب ...

ويفيد كلام ( الدهلوي ) في موضعٍ آخر : أنّ التشبيه يستلزم العموم ... وذلك في ( حاشية التحفة ) ، حيث أورد كلاماً لملاّ يعقوب الملتاني ، في الجواب عن حديث « إني تارك فيكم الثقلين ... » وحاصله : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شبّه أهل بيته بالسفينة ، وشبّه أصحابه بالنجوم ، ليشير إلى أنّ الشريعة تؤخذ من الصحابة ، والطريقة من أهل البيت ...

ومن المعلوم : إن دلالة تشبيه الصحابة بالنجوم على وجوب أخذ الشريعة منهم ، تتوقف على حمل التشبيه على العموم ، وإلاّ فلا تتم تلك الدلالة ، وبأيّ وجهٍ حمل التشبيه في حديث النجوم المزعوم على العموم ، فإنّ به يحمل التشبيه في حديث المنزلة الصحيح المتواتر على العموم ...

٣٦٧

لكنّ « الأصحاب » في حديث النجوم في طرق الإمامية هم « أهل البيت » ... فمن أهل البيت تؤخذ الشريعة والطريقة معاً.

٦ ـ الدلالة على العموم في كلام ابن روزبهان

ويعترف الفضل ابن روزبهان بدلالة الحديث الشريف على حصول جميع الفضائل لأمير المؤمنين عليه‌السلام ـ عدا النبوة ـ ، واعترافه بهذا من عجائب الألطاف الإلهيّة الخفيّة ... وهذا نصّ كلامه :

« هذا من روايات الصّحاح ، وهذا لا يدل على النص كما ذكره العلماء ، ووجه الإستدلال به : إنه نفى النبوة من على وأثبت له كلَّ شيء سواه ، ومن جملته الخلافة. والجواب : إن هارون لم يكن خليفةً بعد موسى ، لأنه مات قبل موسى عليه‌السلام ، بل المراد استخلافه بالمدينة حين ذهابه إلى تبوك ، كما استخلف موسى هارون حين ذهابه إلى الطور ، لقوله تعالى : ( اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي ).

وأيضاً : يثبت به لأمير المؤمنين فضيلة الاخوة والمؤازرة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم في تبليغ الرسالة ، وغيرها من الفضائل ، وهي مثبتةٌ يقيناً لا شك فيه » (١).

أقول :

فكلامه يدل على العموم بلفظ « الفضائل » وهو جمع معرف باللام ، وهو من صيغ العموم كما عرفت من تصريحات القوم ...

وإذْ ثبت دلالة الحديث على ثبوت جميع الفضائل لأمير المؤمنين عليه

__________________

(١) ابطال نهج الباطل. انظر : دلائل الصدق ٢ / ٣٨٩.

٣٦٨

السلام ، ثبت دلالته على الأفضلية ، وبذلك يسقط تقوّلات ابن تيمية والأعور وأمثالهما في هذا الباب.

أمّا نفي الدلالة على الخلافة بسبب وفاة هارون في زمن حياة موسى ، فسيأتي الجواب عنه بأبلغ الوجوه ، إن شاء الله تعالى.

٧ ـ الدلالات على العموم من كلام المولوي محمد إسماعيل

واعترف بذلك أيضاً ابن أخ ( الدهلوي ) : المولوي محمد إسماعيل الذي فاق عمه وأسلافه في التعصّب والتصلّب المقيت ... وهذه عبارته معرّبةً :

« واعلم أيضاً : أن لبعض الكاملين مشابهةً مع أنبياء الله في أحد الكمالات ، ولبعضهم في كمالين ، ولبعضهم في ثلاثة ، ومنهم من يشابههم في جميع الكمالات ... فللإمامة ـ إذاً ـ مراتب مختلفة ، وبعضها أكمل من بعض ... هذا بيان حقيقة مطلق الإمامة ... وعلى هذا ، كان إمامة من يشابه الأنبياء في جميع الكمالات أكمل من إمامة سائر الكاملين ، فلا يبقى والحال هذه لا محالة امتياز لهذا الإمام الأكمل عن الأنبياء إلاّبنفس مرتبة النبوة ... وحينئذٍ جاز أنْ يقال : إنه لو كان نبي بعد خاتم النبيّين لكان شخص أكمل الكاملين ، ومن هنا ورد في الحديث : لو كان بعدي نبي لكان عمر (١). وجاز أن يقال بأنّه لا فرق بينه وبين النبي إلاّبمنصب النبوّة ، كما ورد عنه في حق علي رضي‌الله‌عنه : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي » (٢).

وبهذا التصريح تصير جميع التلفيقات الواردة في كتب أسلاف الرجل هباءً منثوراً.

__________________

(١) هذا حديث موضوع كما لا يخفى على من راجع قسم حديث أنا مدينة العلم ، من كتابنا.

(٢) منصب امامت ـ آخر الفصل الأول.

٣٦٩

٨ ـ الدلالة على العموم من كلام الخجندي على ضوء الحديث

وروى شهاب الدين أحمد عن الحافظ أبي نعيم الإصفهاني في كتاب ( الحلية ) أحاديث هذا رابعها :

« عن أبي برزة ـ قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبارك وسلّم : إنّ الله عزوجل عهد إلىَّ عهداً ، فقلت : يا رب ، بيّنه لي ، فقال : إسمع ، فقلت : سمعت ، فقال : إنّ عليّاً راية الهدى وإمام أوليائي ونور من أطاعني ، وهو الكلمة التي ألزمتها المتّقين ، من أحبّه أحبّني ، ومن أبغضه أبغضني ، فبشّره بذلك. فجاء علي ـ رضي‌الله‌عنه ـ فبشّرته ، فقال : يا رسول الله ، أنا عبد الله وفي قبضته ، إنْ يعذّبني فبذنبي ، وإنْ يتمّ لي الذي بشّرتنى به فالله أولى بي. قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبارك وسلّم قلت : اللهم اجلُ قلبه واجعل ربيعه الإيمان. فقال الله عزوجل : قد فعلت به ذلك. ثم إنه رفع إليّ أنه سيخصّه من البلاء بشيء لم يخصّ به أحداً من أصحابي. فقلت : يا رب أخي وصاحبي! فقال : إن هذا شيء قد سبق ، إنّه مبتلى ومبتلى به » (١).

قال شهاب الدين : « روى الأربعة الحافظ أبو نعيم ».

قال : « وقال الشيخ الإمام العالم العامل العارف الكامل جلال الدين أحمد الخجندي ـ حفّ مرقده بأنواع الفيض الصمدي ـ : وهو ـ رضي الله تعالى عنه ـ سيد الأولياء بعد رسول الله ـ صلّى الله عليه وعلى آله وبارك وسلّم ـ إذْ ولايته من ولاية رسول الله ـ صلّى الله عليه وعلى آله بارك وسلّم ـ بلا واسطة. وكذا علمه من علمه ، وحكمته من حكمته ، وشجاعته من شجاعته ، وكذا سائر

__________________

(١) حلية الاولياء ١ / ٦٦ ـ ٦٧.

٣٧٠

الكمالات ، إلاّفيما استثناه ، يعني قوله : غير أنّه لا نبي بعدي » (١).

أقول :

فإذن ، يكون أمير المؤمنين عليه‌السلام بولايته وعلمه وحكمته وسائر الكمالات ـ عدا النبوة ـ أفضل من بَعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... فالحديث الشريف يدل على أفضليته فإمامته بلا فصل ، لقبح تقديم المفضول على الفاضل ، كما هو ظاهر من تصريحات والد ( الدهلوي ) فضلاً عن غيره من الأفاضل.

على أنّ الإمامة على رأس الكمالات ـ كما هو ظاهر الفخر الرازي في ( نهاية العقول ) ـ فهو بهذا السبب أيضاً يتلو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذ لو لم يكن إماماً كان تابعاً ، ولانتفى عنه عمدة الكمالات ، وهو خلف.

وبالجملة ، فقد ظهر من هذا التقرير المستفاد من الحديث المروي في ( الحلية ) دلالة حديث المنزلة على عموم المنزلة ... وسقطت محاولات المنكرين من الأولين والآخرين ، والحمد لله رب العالمين.

٩ ـ قوله « ص » : ما سألت الله لي شيئاً إلاّسألت لك مثله ...

ومن أقوى الأدلّة على ثبوت جميع الكمالات والفضائل لأمير المؤمنين عليه‌السلام عدا النبوّة ... هو الحديث الذي أخرجه جمع غفير من الائمة الكبار أمثال :

ابن أبي عاصم

وأحمد بن عمرو الشيباني

__________________

(١) توضيح الدلائل ـ مخلوط.

٣٧١

ومحمد بن جرير الطبري

وسليمان بن أحمد الطبراني

وأبي حفص ابن شاهين

وأبي نعيم الإصفهاني

وابن المغازلي الشافعي

والموفّق بن أحمد الخطيب الخوارزمي

ومحمد بن يوسف الزرندي

والسيد شهاب الدين أحمد

وجلال الدين السيوطي

وإبراهيم الوصّابي اليمني

وعلى المتّقي الهندي

ومحمد صدر العالم

وإليك نصّه :

« عن علي قال : وجعت وجعاً ، فأتيت النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ، فاقامني في مكانه ، وقام يصلّي ، وألقى عليَّ طرف ثوبه ، ثم قال : برئت يا ابن أبي طالب ، فلا بأس عليك. ما سألت الله لي شيئاً إلاّسألت لك مثله ، ولا سألت الله شيئاً إلاّ أعطانيه ، غير أنّه قيل لي : إنه لا نبي بعدك. فقمت فكأنّي ما اشتكيت.

ابن أبى عاصم ، وابن جرير وصحّحه ـ طس ، وابن شاهين في السنّة » (١).

وقال النسائي :

« أنبأنا عبد الأعلى بن واصل بن عبد الأعلى قال : ثنا علي بن ثابت قال : ثنا منصور بن أبي الاسود ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن سليمان بن عبد الله بن

__________________

(١) كنز العمال ١٣ / ١٧٠ رقم ٣٦٥١٣.

٣٧٢

الحارث ، عن جدّه ، عن علي ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال :

مرضت فعادني رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فدخل عليَّ وأنا مضطجع ، فاتّكى إلى جنبي ثم سجّاني بثوبه ، فلمّا رآني قد هدأت قام إلى المسجد يصلي ، فلمّا قضى صلاته جاء فرفع الثوب عني وقال : قم يا علي فقد برئت ، فقمت كأنْ لم أشتك شيئاً قبل ذلك ، فقال : ما سألت ربّي شيئاً في صلاتي إلاّ أعطاني ، وما سألت لنفسي شيئاً إلاّوقد سألت لك.

قال أبو عبد الرحمن : خالفه جعفر الأحمر فقال : عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الله بن الحارث ، عن علي قال : وجعت وجعاً شديداً ، فأتيت النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فأقامني في مكانه وقام يصلّي ، وألقى عليَّ طرف ثوبه ثم قال : قم يا علي فقد برئت لا بأس عليك ، وما دعوت الله لنفسي بشيىء إلاّدعوت لك مثله ، وما دعوت بشيىء إلاّقد استجيب لي. وقال : اعطيت إلاّ أنه قيل لي : لا نبي بعدك » (١).

ورواه ابن المغازلي بسنده عن جعفر الأحمر :

« ... ما دعوت لنفسي بشيء إلاّدعوت لك بمثله ، ولا دعوت بشيء إلاّ استجيب لي ـ أو قيل قد اعطيته ـ إلاّ أنه لا نبي بعدي » (٢).

وكذا رواه الخطيب الخوارزمي عن جعفر بطريق ابن أبي عاصم (٣).

والزرندي بقوله : « فضيلة كل الفضائل دونها ، ومنقبة غالب الحفاظ يروونها. روى الإمام عبد الله بن الحارث : قلت لعلي : أخبرني بأفضل منزلتك من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ـ قال : نعم ، بينا أنا نائم عنده وهو يصلّي ،

__________________

(١) خصائص المير المؤمنين : ١٥٦ رقم ١٤٧ ، و ١٥٧ رقم ١٤٨.

(٢) المناقب للمغازلي : ١٣٥ رقم ١٧٨.

(٣) المناقب للخوارزمي : ١١٠ رقم ١١٧.

٣٧٣

فلمّا فرغ من صلاته قال : يا علي ، ما سألت الله من الخير إلاّ سألت لك مثله ، وما استعذت من الشرّ إلاّ استعذت لك مثله. وفي روايةٍ قال : وجعت وجعاً فأتيت النبي ... » (١).

وشهاب الدين أحمد عن الصالحاني بإسناده إلى المحاملي بإسناده ، وعن الطبري وعن الزرندي (٢) ... عن ابن الحارث عن علي عليه الصلاة والسلام.

وروى الوصّابي : « عن أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه قال قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في وجع وجعته : يا علي ، قم ، فقد برئت ، وما سألت الله شيئاً إلاّسألت لك مثله ، إلاّ أنه قيل : لا نبوة بعدك. أخرجه أبو نعيم في فضائل الصحابة » (٣).

وقال محمد صدر العالم : « أخرج ابن أبي عاصم وابن جرير ـ وصحّحه ـ والطبراني في الأوسط وابن شاهين في السنّة عن علي قال ...

وأخرج أبو نعيم في فضائل الصحابة عن علي قال قال رسول الله ... » (٤).

واعلم :

إنه لم يرد في لفظ الحديث ـ في بعض طرقه ـ قوله : « إلاّ أنه قيل لي لا نبي بعدك ». فراجع إن شئت رواية النسائي ، والمحاملي ، والخوارزمي ، والمحبّ الطبري ، والسيوطي ، والمتّقي وغيرهم (٥).

__________________

(١) نظم درر السمطين : ١١٩.

(٢) توضيح الدلائل ـ مخطوط.

(٣) الاكتفاء في فضل الأربعة الخلفاء ـ مخطوط.

(٤) معارج العلى في مناقب المرتضى ـ مخطوط.

(٥) الخصائص ، تقدم قريباً ، المناقب للخوارزمي : ٨٦ ، كنز العمال ١٣ / ٣٦٣٦٨ ، ذخائر العقبى : ٦١ ، الرياض النضرة ٣ / ١١٨.

٣٧٤

١٠ ـ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : علي نفسي

روى المولوي محمد مبين (١) عن السيوطي قال :

« قال ابن النجار في تاريخه معنعناً عن قيس بن أبي حازم عن عمرو بن العاص قال : لما قدمت من غزوة السلاسل ـ وكنت أظن أنّه ليس أحد أحبّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منّي ـ قلت : يا رسول الله ، أيّ الناس أحب إليك؟ قال : عائشة. قلت : إني أسألك عن الرّجال. قال : فإذن أبوها. قلت : يا رسول الله فأين علي؟ فالتفت إلى أصحابه فقال : إن هذا يسألنى عن النفس. وفي روايةٍ : قال فتى من الأنصار : فما بال علي؟ فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم : هل رأيت أنّ أحداً يسئل عن نفسه؟!

وأخرج ابن النجار في تاريخ بغداد من طريقه : قالت فاطمة ، يا رسول الله لم تقل في علي شيئاً؟ قال : علي نفسي فمن رأيتيه يقول في نفسه! ».

ثم قال المولوي المذكور : « فكلّ صفةٍ اتّصف النبي بها فإنّ علي المرتضى متصف بها ، سوى النبوّة الخاصّة المختصة بالرسول كما قال في حديث آخر : لا نبي بعدي » (٢).

١١ ـ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له : انّك لتسمع ما أسمع ...

قال السيد شهاب الدين أحمد : « ولا يخفى أن مولانا أمير المؤمنين قد شابه النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبارك وسلّم في كثيرٍ بل في أكثر الخصال الرضيّة

__________________

(١) هو : المولوي محمد مبين اللكهنوي ، الشيخ الفاضل الكبير ، أحد الفقهاء الحنفية ، المتوفى سنة ١٢٢٥. كذا في نزهة الخواطر ٧ / ٤٠٣.

(٢) وسيلة النجاة في مناقب السادات : ٦٩ ، وهو في كنز العمال ١٣ / ١٤٢ ضمه ح ٣٦٤٤٦ عن ابن النجّار.

٣٧٥

والفعال الزكيّة ، وعاداته وعباداته وأحواله ، وقد صحّ ذلك له بالأخبار الصحيحة والآثار الصّريحة ، ولا يحتاج إلى إقامة الدليل والبرهان ، ولا يفتقر إلى إيضاح حجةٍ وبيان ، وقد عدَّ بعض العلماء بعض الخصال لأمير المؤمنين علي ، التي هو فيها نظير سيدنا النبي الأمي. فقال :

هو نظيره من وجوه : نظيره في الأصل بدليل شاهد النسب الصريح بينهما بلا ارتياب ، ونظيره في الطهارة بدليل قوله تعالى : ( أَنَّما يُرِيدُ اللهُ ) ( لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (١). ونظيره في آية ولي الأمة بدليل قوله تعالى : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ). ونظيره في الأداء والتبليغ بدليل الوحي الوارد عليه يوم إعطاء سورة براءة لغيره ، فنزل جبرئيل عليه الصلاة والسلام وقال : لا يؤدّيها إلاّ أنت أو من هو منك ، فاستعادها منه ، فأدّاها علي رضي‌الله‌عنه بوحي الله تعالى في الموسم. ونظيره في كونه مولى الامة بدليل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبارك وسلّم : من كنت مولاه فهذا علي مولاه. ونظيره في مماثلة نفسيهما وأنّ نفسه قامت مقام نفسه وأن الله تعالى أجرى نفس علي مجرى نفس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبارك وسلّم فقال : ( فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبنائنا وأبناءكم ونسائنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ). ونظيره في فتح بابه في المسجد كفتح باب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبارك وسلم وجواز دخول المسجد جنباً كحال رسول الله على السواء.

هذا معنى كلامه.

ومن تتبع أحواله في الفضائل المخصوصة ، وتفحص أحواله في الشمائل المنصوصة ، يعلم أنه ـ كرّم الله تعالى وجهه ـ بلغ الغاية في اقتفاء آثار سيدنا المصطفى ، وأتى النهاية في اقتباس أنواره ، حيث لم يجد فيه غيره مقتضى ، وقد

٣٧٦

قال رحمه‌الله ورضوانه عليه في خطبة طويلة له :

وقد علمتم موضعي من رسول الله ( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبارك وسلّم ) بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة ، وضعني في حجره وأنا وليد ، يضمّني إلى صدره ، ويكنفني في فراشه ، ويشمّني عرفه ، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه ، وما وجد لي كذبةً في قول ولا خطلةً في فعل.

ولقد قرن الله تعالى به من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من الملائكة ، يسلك به سبيل المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره.

ولقد كنت أتّبعه اتباع الفصيل أثر امّه ، يرفع لي كلّ يوم علماً من أخلاقه ، ويأمرني بالإقتداء به.

ولقد كان يجاور في كلّ سنة بحراء ، فأراه ولا يراه غيري ، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله وخديجة وأنا ثالثهما ، أرى نور الوحي والرسالة وأشمّ ريح النبوة.

ولقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه فقلت : يا رسول الله ما هذه الرنة؟ فقال : هذا الشيطان قد أيس من عبادته ، إنك لتسمع ما أسمع وترى ما أرى ، إلاّ أنك لست بنبي ولكنك وزير وإنك لعلي خير » (١).

١٢ ـ قوله « ص » : اللّهم اني أقول كما قال أخي موسى ...

ومن الأدلة القاطعة على عموم المنزلة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم إنى أقول كما قال أخي موسى : اللهم اجعل لي وزيراً من أهلي أخي عليّاً أشدد به أزري وأشركه في أمري ، كي نسبّحك كثيراً ونذكرك كثيراً ، إنك كنت بنا

__________________

(١) توضيح الدلائل ـ مخلوط.

٣٧٧

بصيراً ». وهذا الحديث أخرجه :

أحمد بن حنبل

وابن مردويه

وأبو إسحاق الثعلبي

وأبو نعيم الإصبهاني

وأبو بكر الخطيب

وابن المغازلي الشافعي

وابن عساكر الدمشقي ...

وسبط ابن الجوزي الحنفي

وشهاب الدين أحمد

وجلال الدين السيوطي

وعلي المتقي الهندي

وشيخ بن علي الجفري

والميرزا محمد البدخشاني

ومحمد بن إسماعيل الأمير

وغيرهم من أعلام المحدّثين ...

قال المحبّ الطبري : « عن أسماء بنت عميس قالت سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : اللهم إني أقول كما قال أخي موسى : اللهم اجعل لي وزيراً من أهلي أخي عليّاً ، اشدد به أزري وأشركه في أمري ، كي نسبّحك كثيراً ونذكرك كثيراً إنك كنت بنا بصيراً. أخرجه أحمد في المناقب. والمراد بالأمر غير النبوة » (١).

__________________

(١) الرياض النضرة ٣ / ١١٨.

٣٧٨

ورواه أبو نعيم عن ابن عباس ثم قال : « قال ابن عباس : فسمعت منادياً ينادي يا أحمد : قد اعطيت ما سألت. فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم لعلي : يا أبا الحسن إرفع يدك إلى السماء فادع ربك واسأله يعطك. فرفع علي يده إلى السماء وهو يقول : اللهم اجعل لي عندك عهداً واجعل لي عندك ودّاً. فأنزل الله على نبيه صلّى الله عليه وسلّم : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا ). فتلاها النبي صلّى الله عليه وسلّم على أصحابه فعجبوا من ذلك عجباً شديداً. قال النبي صلّى الله عليه وسلّم : بم تعجبون؟! إن القرآن أربعة أرباع ، فربع فينا أهل البيت خاصة وربع في أعدائنا وربع حلال وحرام وربع فرائض وأحكام. وإن الله أنزل في علي كرائم القرآن » (١).

ورواه ابن المغازلي بسنده عن ابن عباس كذلك (٢).

وسبط ابن الجوزي عن أحمد في المناقب عن أسماء كما تقدم (٣).

وشهاب الدين أحمد عن المحبّ الطبري عن أحمد في المناقب (٤).

وقال السيوطي : « أخرج ابن مردويه والخطيب وابن عساكر عن أسماء بنت عميس قالت : رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأزاء ثبير وهو يقول : أشرق ثبير ، أشرق ثبير ، اللهم إنى أسألك بما سألك أخي موسى أن تشرح صدري وأن تيسّر أمري وأنْ تحل عقدةً من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيراً من أهلي علياً أخي أشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبّحك كثيراً ونذكرك كثيراً إنك كنت بنا بصيراً » (٥).

__________________

(١) منقبة المطّهرين ـ مخطوط.

(٢) المناقب لابن المغازلي : ٣٢٨ رقم ٣٧٥.

(٣) تذكرة خواص الامّة : ٢٢.

(٤) توضيح الدلائل ـ مخطوط.

(٥) الدر المنثور ٥ / ٥٦٦ ، والآية في سورة طه ٢٠ رقم ٢٥ ـ ٣٥.

٣٧٩

ومن الواضح جداً ، أنه كما كان سؤال موسى دليلاً على أفضلية هارون من بعد موسى عليهما‌السلام وأولويّته بالقيام مقامه والخلافة عنه ، كذلك سؤال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفس ما سأل موسى ، فإنه يدل على ثبوت جميع ما ثبت لهارون لمولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، والمنكر لهذه الدلالة مكابر لا يصغى إلى طغيانه وعدوانه ، ولا يلتفت ولا يحتفل بشأنه وشنآنه.

وذكر ولي الله الدهلوي إنه إنما سأل موسى هذه السؤالات لاحتياجه إليها ، من جهة تعذّر تحمل أعباء الرسالة بدونها (٢). فتكون وزارة أمير المؤمنين عليه‌السلام للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جملة الامور التي كان يحتاج إليها في تحمل أعباء الرسالة. وناهيك به دليلاً زاهراً على الأفضلية العامة.

وأيضاً فإن « الأمر » عام ، فيكون كل ما ثبت لهارون ثابتاً للأمير عليه‌السلام. وقد تقدم عن المحبّ الطبري أن المراد من الأمر كل الأمور عدا النبوة ... فالعصمة والأفضلية ووجوب الطاعة والإتّباع ، امور ثابتة للأمير لا يشركه فيها أحد.

__________________

(١) إزالة الخفا الفصل السادس من المقصد الأول ، في عمومات القرآن.

٣٨٠